|
#1
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية
الحضارة الإسلامية الحضارة الإسلامية.
سيتم في هذا الموضوع بيان مفهوم الحضارة الإسلامية حيث نقوم بتعريف الحضارة لغة واصطلاحاً، ومن ثم تعريف الحضارة الإسلامية، ثم نسلط الضوء على مجالات الحضارة الإسلامية، وأهم خصائصها التي تميزها عن غيرها من أنواع الحضارات، ثم نتناول بشيء من التفصيل منجزات الحضارة الإسلامية في شتى مجالات العلوم التطبيقية، ثم نختم الموضوع ببيان أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الغربية. |
#2
|
||||
|
||||
مفهوم الحضارة الإسلامية كي يتسنى لك استيعاب المراد بمفهوم الحضارة الإسلامية لابد لك من الاطلاع على تعريف الحضارة في اللغة والاصطلاح تعريف الحضارة لغة واصطلاحاً الحضارة تعني في أصل اللغة الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية، يقال فلان من أهل الحاضرة، وفلان من أهل البادية. وفي تاج العروس: الحضارة والحضرة هي المدن والقرى والريف، سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ، ومساكن الديار، والتي يكون لهم بها قرار١. لقد تعددت تعريفات الحضارة وتنوعت تبعاً لذلك دلالات الحضارة بتنوع تعريفاتها، فقد رأى بعض الباحثين أن الحضارة هي مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي من عمران وعلوم وفنون وما إلى ذلك، والترقي بها في مدارج الحياة ومسالكها حتى تصل إلى الغاية٢". وهذا يعني أن الحضارة حسب هذا التعريف تختص بالجانب المادي فقط. وقد عرفها مجموعة من الألمان هم (راتناو - توماس مان - كسيرلنج) بأنها "المظاهر الفكرية التي تسود أيّ مجتمع٣". وهذا يعني أن الحضارة مرادفة للثقافة ومقتصرة على الجانب الفكري أو المعنوي فقط. وفي كلا الحالتين نلاحظ أن الحضارة قد قُصرت على جانب واحد فقط، فلم يتم الإحاطة بكلا الجانبين المعنوي والمادي، وهذا يدعونا إلى اختيار تعريف آخر للحضارة يشمل كلا هذين الجانبين، وعليه تكون الحضارة هي الجهد الذي يقدمه مجتمع من المجتمعات لخدمة المجتمع البشري في جميع نواحي حياته المعنوية والمادية. بناءً على ما سبق نستطيع القول أن الحضارة تتضمن جانباً معنوياً يتمثل في الثقافة التي تعني بالقيم الثابتة والمبادئ الراسخة التي تقوم عليها الحضارة، وجانباً مادياً يتمثل في المدنية التي تعني بالجانب المادي البحت للحضارة، وهي على نوعان مدنية خاصة تتميز بطابع ثقافي خاص، مثل لباس المرأة، ومدنية عامة لا تتميز بطابع ثقافي خاص، مثل الآلات٤. |
#3
|
||||
|
||||
تعريف الحضارة الإسلاميةبعد أن عرضنا لمعنى الحضارة في اللغة والاصطلاح يمكننا أن نعرف الحضارة الإسلامية بأنها: ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية.
مجالات الحضارة الإسلاميةبعد أن اتضح لنا معنى الحضارة في اللغة والاصطلاح، يجدر بنا أن نسلط الضوء على مجالات الحضارة الإسلامية. وبإحصاء صور التقدم والرقي عند الإنسان المسلم يمكننا أن نرجعها إلى المجالات الثلاثة التالية: |
#4
|
||||
|
||||
المجال الأول:
ما يخدم الجسد المجال الأول : هو ما يخدم الجسد ويمتعه من وسائل العيش، وأسباب الرفاهية والنعيم، ومعطيات اللذة للحس أو النفس. ويدخل في هذا المجال أنواع التقدم العمراني، والزراعي، والصناعي، والصحي، والأدبي، والفني، والإنتاج الحيواني، والاستفادة من كنوز الأرض والطاقات المنبثة فيها، وما أشبه ذلك٥. فالسبيل الطبيعي للمجال المادي لصور التقدم والرقي عند الإنسان هو استخدام العقل في البحث العلمي ، والاختبار والتجربة، والممارسة التطبيقية العملية ، مع الملاحظة الدقيقة لجوانب الخطأ والنقص ، وما يستدعيه الكمال٦. |
#5
|
||||
|
||||
المجال الثاني: ما يخدم المجتمع الإنساني المجال الثاني : هو ما يخدم المجتمع الإنساني، ويكون من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق، وانتشار الخير والفضائل الجماعية. ويدخل في هذا أنواع التقدم الاجتماعي الشامل للنظم الإدارية، والحقوقية، والمادية، والشامل للأخلاق والتقاليد، والعادات الفاضلات، وسائر طرق معاملة الناس بعضهم بعضاً في علاقاتهم المختلفة. وكل أنواع العلوم والثقافات التي تخدم هذا المجال٧. وسبل تحقيق ما يخدم المجتمع الإنساني تتمثل في سبيلين هما:
|
#6
|
||||
|
||||
المجال الثالث: ما يخدم الروح المجال الثالث هو ما يخدم الجانب الروحي ويأخذ بيد الإنسان إلى تحقيق السعادة الحقيقية في الحياة الدنيوية والبرزخية والأخروية ويدخل في هذا المجال أنواع التقدم الفكري القائم على التأملات الحكمية التي تحمل اسم المعتقدات والواجبات الدينية وسائر التكاليف والآداب الشرعية الإسلامية٩. قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً النحل:٩٧. والسبيل إلى تحقيق التقدم والرقي في هذا المجال إنما يكون بالتلقي العلمي عن طريق الوحي فقط. وبديهي أن تلقي ما يأتي به الوحي لابد أن يرافقه إعمال العقل في التأمل والفهم الصحيح والتحليل والاستنباط، ولابد أن يصاحبه أيضاً إعمال العقل في التحقق والتثبت من سلامة النصوص من التحريف والتبديل١٠. وصفوة القول في السبيل إلى تحقيق التقدم والرقي الحضاريين هو:
بالنظر إلى الثمرات التي يجنيها الإنسان من كل مجال من مجالات التقدم والرقي السابقة لابد أن نلاحظ أن سُلّم الرقي مرتب الدرجات بشكل تصاعدي بدءاً من المجال الذي يخدم الجسد، ثم إلى المجال الذي يخدم المجتمع الإنساني، ثم إلى المجال الذي يخدم الروح. وبذلك يكون سُلّم الرقي الإنساني والحضارة المثلى ذات مراتب ثلاث، أعلاها مرتبة ما يخدم الروح ويأخذ بيد الإنسان إلى السعادة الحقيقية، ومن دونها تأتي مرتبة الرقي الذي يمنح المجتمع الإنساني سعادة التعاون والإخاء، والأمن والرخاء، وسيادة النظام والحق والعدل، ثم تأتي من دونهما مرتبة الرقي المادي الذي يخدم الجسد ويمتعه١١.
|
#7
|
||||
|
||||
خصائص الحضارة الإسلامية لقد تناولنا فيما سبق مجالات الحضارة الإسلامية الثلاثة، وسبل تحقيقها، وقد آن الأوان لنبين خصائص الحضارة الإسلامية التي تميزها عن غيرها من أنواع الحضارات الأخرى ومن أهم هذه الخصائص ما يلي: |
#8
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية حضارة عقدية لقد تميزت الحضارة الإسلامية وكان لابد أن تتميز بين حضارات الشرق، وحضارات الغرب، ذلك أنها حضارة تقوم على عقيدة التوحيد التي تُفرِد الله سبحانه بالعبادة والطاعة، وحرصت على تثبيت تلك العقيدة وتأكيدها، وبهذا نفت كل تحريف سابق لتلك الحقيقة الأزلية، قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١اللَّهُ الصَّمَدُ ٢لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ الإخلاص:١-٤. فأنهت الحضارة الإسلامية بذلك الجدل الدائر حول وحدانية الله تعالى، وناقشت افتراءات اليهود والنصارى، وردَّت عليها؛ في مثل قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٣٠ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ التوبة:٣٠-٣١. وقطع القرآن الطريق بالحجة والمنطق على كل من جعل مع الله إلهًا آخر١٢، قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ٢١ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ |
#9
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية حضارة عالمية عالمية الرسالة الإسلامية تكون بعدم اختصاصها ب*** من الأجناس البشرية، وبعدم انحصار تطبيقها في إقليم خاص أو بيئة معينة، وبامتدادها أزماناً طويلة، تخلد فيها بعد العصر الذي فيه، وبدون ذلك لا يتحقق معنى العالمية في أي دعوة١٣. وتتجلى عالمية رسالة الحضارة الإسلامية من منطلقاتها الأولى التي حددت الهدف من رسالة محمد وحددت مهمات هذه الرسالة. فهدف رسالة محمد أن يكون رحمة للعالمين، فمن تعليمات هذه الرسالة أن يبلغ الناس جميعاً ويعلمهم على سواء قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ سبأ:٢٨ . ولما كانت هذه الرسالة ذات هدف عالمي شامل كان الرسول مأموراً بأن يخاطب بها الناس على وجه العموم، دون تعريف بين قوم وقوم، فكل من بلغته دعوته فهو داخل في عموم خطابه، سواء عاصر رسالته أم جاء بعدها ، سواء نطق بلغته أم لم ينطق بها، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٨ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ الأنبياء:١٠٨-١٠٩. كما أن تعاليم الدين الإسلامي عالمية لأنها تُعِدُّ الإنسان لمستقبل خالد، والاعتقاد بإله واحد، يقود إلى إذابة كل مبدأ عرقي ، أو شعور قومي، ومفهوم عالم ينظر إليه على أنه مجرة من جماعات شتى تلتف حول رسول الله يؤدي إلى احترام سائر الشعوب والتسامح معها١٤. ومن أجل ذلك كانت رسالة الحضارة الإسلامية يشترك في تحقيقها العملي، وبنائها التطبيقي كل من استجاب لها من كل عرق ولون ولغة١٥.
فجدير بكل مسلم أن يفخر بتاج المجد الذي صنعه بُناتها الصادقون من المسلمين في كل بلد من بلاد الإسلام، في سالف العصور الإسلامية التي استجابت للإسلام، وأحسنت تطبيق تعاليمه. |
#10
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية لقد قررت تعاليم الدين الإسلامي أن الناس جميعاً سواسية في القيمة الإنسانية المشتركة وأنه لا فضل لإنسان على آخر إلا بكفايته وعمله وخلقه ودينه١٦. ولذا أعلنت أسس الحضارة الإسلامية المتمثلة في الآتي:
وبهذا عملت الحضارة الإسلامية على نقل المجموعات البشرية من الدوائر الضيقة العنصرية والقومية والطبقية إلى أجواء فسيحة مملوءة بالتآخي، والتراحم والتسامح والتعاون.
|
#11
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية حضارة صالحة لكل زمان ومكان لما كانت الحضارة الإسلامية عالمية وإنسانية فإن مقتضى ذلك أن تكون صالحة للتطبيق في كل البيئات الإنسانية، وأن تكون كذلك صالحة على مر الأزمان باعتبارها رسالة السماء الخاتمة لكل الرسالات. ويمكننا أن نبين مدى هذه الصلاحية إذا نظرنا في الأسس العقائدية والتشريعية والأخلاقية التي جاء بها الإسلام والتي قامت عليها الحضارة الإسلامية ؛ وبهذا تتوافر لنا أدلة موضوعية واضحة الدلالة على صلاحية هذه الحضارة لكل زمان ومكان٢٠. ففي مجال الاعتقاد والتشريع والأخلاق نجد الحقائق التالية:
|
#12
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية حضارة متطورة
لما كانت رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية، وكان الرسول عليه السلام خاتم الرسل، فإن من الضروري أن تكون الحضارة القائمة على هذه الرسالة حضارة متطورة، تستطيع أن تسع كل تطورات الحياة الإنسانية؛ بحيث تواجه ما يجدّ في حياة البشر من تطورات في شتى المجالات، ولا تقف جامدة أمام متغيرات الحياة البشرية في واقعها الفردي والاجتماعي، ولذلك أقامت أساس تشريعاتها، وقوانينها، وآدابها على أصلين ثابتين هما: الكتاب والسنة، فترى المبادئ والأصول الكلية جميعها تعود إليهما، وقد دعا الله تعالى المسلمين إلى تدبر القرآن قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ القمر:١٧. ومن ثَمّ فإن علماء المسلمين في استجابتهم لدعوة الله قاموا بوضع الكثير من قواعد التشريع وأصوله؛ ليواجهوا ما يجدّ في حياة الناس من وقائع وقضايا مما لم يرد فيه نص قاطع من الكتاب أو السنة، وكذلك اجتهد المسلمون في مواجهة متغيرات الحياة اجتهاداً واسعاً؛ استجابة لدعوة الخالق لهم لإعمال العقل والنظر في الكون من حولهم٢٣. وقد أقرّ النبي بعض أصحابه على اجتهادهم في بعض شؤون الحياة. فعن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل: أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء". قال: أقضي بكتاب الله قال: "فإن لم تجد في كتاب الله". قال: فبسنة رسول الله . قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله". قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله٢٤". وفي غزوة بدر أشار أحد أصحابه - رضوان الله عليهم - أن يغير الرسول موقع جيش المسلمين فوافق الرسول وأنفذ تلك المشورة. وعلى هدي الرسول سار أصحابه من بعده، وتبعهم علماء المسلمين، فلم تصادفهم واقعة، ولم تجدّ أمامهم حادثة إلاّ وكان لهم فيها رأي واجتهاد وحلّ؛ فخلفوا لنا تلك الثروة الكبيرة من العلوم والفنون٢٥. |
#13
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية حضارة علم
لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالعلم، وأن أولى آيات القرآن تحث على التعليم قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق:١. وبين القرآن فضل العلماء، فقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ المجادلة:١١. وقال رسول الله مبيِّنًا فضل السعي في طلب العلم: "من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة٢٦"، وقال أيضاً: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما طلب٢٧". وفرق الإسلام بين أمة تقدمت علميًّا، وأمة لم تأخذ نصيبها من العلم، فقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الزمر:٩. والعلم يمثل مقوماً هاماًّ من مقومات البناء الحضاري لأي مجتمع من المجتمعات، لما يترتب عليه مفاهيمه وتطبيقاته من آثار واضحة على مسيرة الإنسان الحضارية٢٨. وإذا كانت الحضارة بنت العلم، والعلم هدف يسعى المسلم إليه من واقع كتابه الذي آمن به، وتعاليم رسوله الذي اهتدى به، فليس ثمة شك في أن العلم يدفع إلى الإبداع والتفكير، وكل من الإبداع والتفكير ينبت حضارة وينشئ معرفة٢٩. |
#14
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين المادة والروح
لقد خلق الله - سبحانه وتعالى - الإنسان من مادة وروح ، وأَمدَّهُ بكل أسباب الحياة في جانبيها المادي والروحي، فهيأ للجسم البيئة الصالحة التي يعيش فيها على وجه الأرض، وهيأ سبحانه للجانب الروحي غذاءه من الوحي الذي نزل إلى الإنسان عل يد الرسل، فالإنسان في مفهوم الحضارة الإسلامية هو ذلك الكائن المادي والروحي ، وأن حياته الصالحة المستقيمة هي تلك التي يُرَاعَى فيها هذا الجانب وذلك، ويظهر جلياً في تعاليم الإسلام وتشريعاته، فإلى جانب الدعوة إلى الإيمان والحرص على العبادة، نجد الدعوة إلى الأخذ بالأسباب المادية للحياة قال تعالى: الم ١ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة:١-٥. وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الملك:١٥. وقال الرسول : "يا عثمان أرغبت عن سنتي قال لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وصل ونم٣٠". وعلى هذا الأساس أقام المسلمون صرح الحضارة الإسلامية بمعطياتها الروحية والمادية، وحققت للإنسانية أقصى درجات طموحها في تلك العصور التي كان فيها العالم من حولها يعيش خواءً روحياً وأخلاقياً ، وتخلفاً واضحاً في صناعة الحياة. فكل نشاط مادي في ظل الحضارة الإسلامية له غاية أخلاقية، وفيه جانب روحي٣١ قال "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلاَّ كان له به صدقة٣٢". |
#15
|
||||
|
||||
الحضارة الإسلامية حضارة الأمانة
تميزت الحضارة الإسلامية عن غيرها من أنواع الحضارات بأنها حضارة أمانة مطلقة، فعندما قام علماء المسلمين بترجمة ونقل الكثير من علوم اليونان والفرس والهنود وغيرهم، فإنهم لم ينسبوا ما نقلوا لأنفسهم، وإنما إلى أصحابه الذين نقلوا عنهم، فهم يقولون أن هذا الأمر عند حالينوس كذا، وإن أرسطو قال كذا، عملاً بقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء:٥٨. عن أبي هريرة عن النبي قال : "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان٣٣". وهنا يبدو الفرق واضحاً بين رواج الحضارة الإسلامية من ناحية، وعلماء اليونان الذين نقلوا كثيراً عن غيرهم ونسبوه إلى أنفسهم من ناحية أخرى، وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن اليونانيين استقوا كثيراً من علومهم من قدماء المصريين ، ولم يشر اليونانيون لمصادر معلوماتهم ، وأثبتوها على أنها من اكتشافهم، وحتى الكثير من علماء أوروبا عندما أخذوا الحضارة الإسلامية فقد نسبوا كثيراً من الاكتشافات لأنفسهم، غير أن المخلصين منهم أثبتوا هذا الحق لعلماء المسلمين٣٤. |
العلامات المرجعية |
|
|