|
#1
|
||||
|
||||
سلسلة الفيزياء والحياة: فلنوحد العزوم
سلسلة الفيزياء والحياة: فلنوحد العزوم
للكاتبة: أ. مريم عبدالله أبو تيلخ يمر الواحد منا بالكثير من المواقف والظروف الصعبة في حياته تَعامُله مع تلك الظروف والأزمات يكون واحداً من ثلاث: أما الأول منها فإنه قد يستطيع التغلب على تلك المواقف والصعوبات بل ويتمكن من قلبها لصالحه فلا يبقى لها أدنى تأثير على الإطلاق وكأنها لم تكن من الأساس، أما الثاني فقد يماشي تلك الظروف تماشياً رُغماً عنه صابراً محتسباً حتى تتضاءل وتزول مع الوقت، والثالث والأخير فقد تكون تلك الظروف والصعوبات أقوى منا ومن قدراتنا وإمكانياتنا فتؤثر بنا أيَما تأثير وتترك بصمة واضحة لها في شخصية كلٍ منا هذا قد يعنى إخفاقنا وفشلنا لكنه في ذات الوقت يعنى اكتساب كلٌ منا لخبرات ومهارات وقدرات لم يُحَصِلها إلا بالتجربة إذن تأثير تلك المواقف هنا ذو نوعين: تأثير سلبي ظاهري سريع وتأثير إيجابي خفي عميق بطيء نوعاً ما، أياً كان فإن الحالة الثالثة من التعامل مع المواقف تترك بصمتها جلية واضحة في الواحد منا فليست كل الأزمات قابلة للتجاوز بعضها يؤلمنا ويؤذينا لكنها كذلك تصنعنا، وكلٌ منا يختلف في طريقة تعامله مع تلك المواقف بناءً على شدتها وعلى الثقافة والمبادئ التي يحملها الفرد والتربية التي نشأ عليها فبعض الظروف قد تبدو لك تافهة لكنها لغيرك أمرٌ جلل عظيم، هذه نظرة لمخلوقٍ من مخلوقات الله مخلوق عاقل يحمل مسئولية خلافة الأرض يسمى الإنسان فلو أردنا أن ننظر لمخلوقاتٍ أخرى أوجدها الله لتُعينه على إعمار الأرض وإصلاحها مثلاً المواد الموجودة في الطبيعة والمنتشرة على سطح الأرض والتي جمعها العلماء على شكل عناصر وضعت في الجدول الدوري. سر الخصائص المغناطيسية للمواد: إن هذه المواد حين يتم وضعها في مجال مغناطيسي يختلف تأثرها وتعاملها مع المجال فما السبب في ذلك يا ترى؟ لو قمنا بتشبيه المجال المغناطيسي بالظروف الصعبة التي يواجها الإنسان وشبَهنا المواد بالإنسان فكما يختلف تأثير الصعوبات فينا يختلف تأثير المجال المغناطيسي في المواد، فما السرُ في ذلك؟ هل المواد تحمل مبادئ وقيم تُمكنها من مواجهة المجال؟ أم تُراها تملك إرادة جبارة قوية لا تسمح للمجال باختراقها وزعزعتها ناهيك عن التأثير بها؟ أم حقاً هي تملك كمية هائلة من الصبر والتحمل لتماشي بها المجال المغناطيسي حتى يزول عنها؟ أم أنها تملك قلباً ينبض بالإيمان والعمل والتحدي لإثبات الذات؟ وهل دائماً تثبت نفسها أم أن المجال يفرض نفسه؟ وهل فعلاً المواد الصلبة تستطيع أن تكون معلماً للإنسان في منهجية الحياة؟ وما تراها تعلمنا؟ الخصائص المغناطيسية التي تمتاز بها المواد مرجعها في الأصل إلى حركة الإلكترونات حول نوى الذرات، فالمادة تتكون من ذرات والذرة تحتوي على نواة فيها بروتونات ونيترونات وتدور الإلكترونات حول النواة، الإلكترونات في حقيقتها عبارة عن شحنات متحركة والشحنات المتحركة تولد مجالاً مغناطيسياً، فكيف يتحرك الإلكترون؟ حركة الإلكترون: للإلكترون حركتان: الحركة الأولى حركته حول نواة الذرة وحركته هنا تشبه حركة تيار في ملف دائري كما أن إسهام هذه الحركة في المجال المغناطيسي ضئيل جداً، أما حركته الثانية فهي حركة الإلكترون حول نفسه وتسمى هذه الحركة بالحركة المغزلية (البرمية) والتي يُعزى لها معظم خصائص المادة المغناطيسية، ويكون المجال المغناطيسي الناشئ مساوياً لمحصلة المجالات الناشئة عن حركة الإلكترونات الموجودة في ذرات المادة. الإلكترونات في المادة تكون إما مربوطة في أفلاك أو قد تكون حرة، في حال كانت الإلكترونات مربوطة في أفلاك وكما تخبرنا الكيمياء فإن كل فلك يتحرك فيه إلكترونان باتجاهين متعاكسين مما ينشئ عزمين مغناطيسيين متساويين في المقدار ومتعاكسين في الاتجاه فيلغي أحدهما الآخر، أما إنْ كانت الإلكترونات حرة فإنها تدور في أفلاك مختلفة وباتجاه واحد فتتحد عزومها المغناطيسية وتظهر الخصائص المغناطيسية للمادة. يكون تصرف المواد عند وضعها في المجال المغناطيسي الخارجي مختلف فقد يعمل المجال المغناطيسي الخارجي على توحيد عزومها ويضع بصمته عليها فتصبح مادة ممغنطة، وقد يكون المجال المغناطيسي الناشئ داخلها أقوي من الخارجي فتستطيع إثبات ذاتها وكينونتها. إذن السر في تعامل المواد مع المجال المغناطيسي الخارجي هو الإلكترونات المفردة وكمية احتواء المادة لها كما أن السر في تعاملنا مع الأزمات والظروف الصعبة هو الإيمان الراسخ في القلب واليقين بالله عزوجل فعطايا الله وهباته للناس مختلفة من إنسانٍ لآخر فقدراتنا وإبداعاتنا وإمكانياتنا مختلفة وكذلك عطايا الله للذرات مختلفة بعضها يملك إلكتروناً مفرداً وبعضها اثنين وبعضها يكتسب الآخر يفقد فعلينا الإيمان والرضا بما خلقنا الله عليه وما جَملنا به وكما أن درجة الإيمان تختلف من شخصٍ لآخر كذلك يختلف عدد الإلكترونات الحرة من مادةٍ لأخرى. تصنيف المواد حسب مغنطتها: عند وضع مادة في مجال مغناطيسي خارجي فإنه يتغير إما بالزيادة أو النقصان، عبر العلماء عن ذلك بالمعادلة الآتية غ تعبر عن المجال المغناطيسي الخارجي قبل وضع المادة فيه أما غغδ فتعبر عن المجال المغناطيسي الخارجي بعد وضع المادة فيه، غδ تعنى معامل النفاذية المغناطيسية النسبية للمادة والذي يعطى بالعلاقة الآتية فلنوحد العزوم أي أن معامل النفاذية المغناطيسية يعتمد على نوع المادة والتي تحددها الإلكترونات الحرة وأما قيمة معامل النفاذية قد تساوى أحياناً عدداً صحيحاً فيزداد المجال أو تساوى كسراً حقيقياً فيقل المجال. عند وضع المواد في مجال مغناطيسي خارجي و تترتب عزومها باتجاه معاكس لاتجاه المجال الخارجي بمعنى أن المادة كلها ستتمغنط باتجاه مضاد للمجال الخارجي فتضعفه أي أنها (تقاومه لتثبت نفسها ) أطلق العلماء على هذه المواد اسم المواد الدايامغناطيسية Diamagnetic Materials كلمة (دايا Dia تعنى الضد) فهذه المواد إذا وضعت في مجال مغناطيسي خارجي فإنها تنفر منه ويكون معامل النفاذية لها أقل من واحد بقليل وذلك بديهياً لأنها تضعف المجال المغناطيسي الخارجي، عند زوال المجال الخارجي يزول ترتيب العزوم وكأنه لم يكن هناك مجال وتمحو كل أثرٍ له فتحافظ على هويتها ومن الأمثلة عليها الزئبق والفضة والرصاص والسيليكون. أما إذا كانت المادة تمتلك عزوماً قبل وضعها في المجال ومحصلة هذه العزوم تساوى صفر فحين وضعها في مجال مغناطيسي خارجي فإنها تترتب باتجاه المجال الخارجي أي موازية له مما يؤدي لتمغنط إضافي للمادة فتتمغنط باتجاه المجال الخارجي وتعمل على تقويته وهذا يعنى أن معامل النفاذية لها أكبر من واحد بقليل تسمى هذه المواد بالبارامغناطيسية Paramagnetic Materials (كلمة بارا Para تعنى موازي) ومن الأمثلة عليها الزجاج والألمونيوم والزنك. هناك بعض الأنواع من المواد حساسيتها عالية للمجال مهما كان المجال المغناطيسي الخارجي بسيطاً فإنه يؤثر فيها بل ويترك بصمته واضحة خلالها بمعنى أن قابليتها للتمغنط عالية جداً، فكل مجموعة من الذرات لها نفس اتجاه العزوم المغناطيسية تسمي حقلاً وتتوزع تلك الحقول بشكل عشوائي في المادة بحيث يكون محصلتها صفر فعند تعرض المادة لمجال مغناطيسي خارجي الحقول الأكثر استقامة مع المجال الخارجي تنمو على حساب الحقول الأخرى والحقول التي ليست في اتجاه المجال يحدث لها دوران بحيث تكون أكثر استقامة مع المجال، كلما زادت شدة المجال الخارجي زادت استقامة الحقول باتجاه المجال حتى تصل المادة لأعلى درجات التمغنط وتبقى الحقول محتفظة بالخواص المغناطيسية حتى بعد زوال المجال المؤثر أي أن المجال ترك بصمةً واضحة له عليها. تسمى تلك المواد بالفرومغناطيسية Materials Ferromagnetic وكلمة Ferro جاءت من مادة الحديد والتي تعتبر من أشهر المواد أمثلة عليها ومن أمثلتها أيضاً الكوبلت والنيكل، من الممكن إزالة بصمة المجال المغناطيسي عنها وذلك بتعريضها لدرجة حرارة عالية بمعنى إن أردت أن تحافظ على شخصيتك من التحلل والاندثار وأن تملك إرادتك بنفسك وتضع بصمتك بوضوحٍ عليها عليك أن تكون قوياً ومستعداً لمواجهة الكثير من الكي والضغط، قد يكون ذلك متعباً لكن أن تمتلك إرادتك بنفسك وحريتك فهذا شيءٌ لا يقدر بثمن. ذن في تعاملنا مع الأزمات من حولنا فنحن إما (دايا أو بارا أو فرو) وفي الحقيقة لا يعيبنا أياً منها فإن استطعنا تجاوز الأزمات بدون أن تترك بصماتها علينا فنحن هنا تعاملنا معاملة دايا وحافظنا على شخصياتنا أن تبقى كما هي، وإنْ كانت تلك الظروف أقوى منا فلنلجأ للطرق اللينة التي تحافظ علي شخصياتنا من الاندثار تحت وطأة ظروف الحياة فلنماشياها قليلاً حتى تزول بإذن الله، أما إنْ كانت أكبر منا بكثير فهنا لا مفر ستؤثر في شخصياتنا وتترك بصمةً واضحة لها في أعماقنا وأرواحنا لكن هذا لا يعنى الضياع فإنْ كانت ولابد تاركة أثراً فينا فلنختر الأثر الجيد ولنحرص وقتها على أن تترك فينا أثراً إيجابي دافعاً للأمام متحلين بالصبر والتسليم بكل رضى لأقدار الله عز وجل. وأختم أيها القارئ الحبيب بلفتةٍ سريعة إنّ هذه المواد مثلها مثل أمتنا الإسلامية والحقول ذات العزوم المغناطيسية مثلها مثل دولنا التي مزقتها الحدود وكلاً من هذه الدول لها اتجاه عزوم مخالفة لاتجاهات العزوم في الدول الأخرى لذلك محصلة عزوم أمتنا في هذا الزمان صفر بعد أن كانت محصلة عزومها المالانهاية وما بعدها فلو أنّا حين يُمارس علينا الضغط من الأعداء في الخارج جعلنا اتجاهات عزومنا باتجاه واحد معاكس لاتجاه مجال ضغط العدو لحققنا الكثير من أمنيات القلب بعز الإنسان والأوطان في ظل سماحة الإسلام.. فلو أنّا وحدنا العزوم.. فلتتوحد العزوم ولنوحد عزومكِ أمتي. آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 26-01-2017 الساعة 10:10 PM |
العلامات المرجعية |
|
|