|
#1
|
|||
|
|||
الأناني
الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي أراد فقدر، وملك فقهر، وخلق فأمر، وعبد فأثاب، وشكر وعُصي فعذب وغفر، جعل مصير الذين كفرو إلى سقر، والذين اتقوا ربهم إلى جنات ونهر ليجزي الذين كفرو بما عملوا والذين آمنوا بالحسنى.
* وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.. يا رب: رضاك خير من الدنيا وما فيها ♦♦♦ يا مالك النفس قاصيها ودانيها فنظرة منك يا سـؤلي ويا أملي ♦♦♦ خير إلى من الدنيـا وما فيها فليـس للنـفس آمـال تحققـها ♦♦♦ سوى رضاك فذا أقصى أمانيها * وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى فاتقوا الله (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون). * عن أنس في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان أهل المدينة من أبخس الناس كيلاً فنزلت فواتح سورة المطففين ﴿ ويْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾. فأصبح الناس في المدينة من أحسن الناس كيلاً بعد ذلك، التطفيف صورة من صور الظلم المشتمل على الأنانية . والأنانية: أن أقدم مصالحي الشخصية على مصالح الآخرين ، أنا والطوفان من بعدي (كما يقال)، أي أمر يوصلني إلى مصلحتي الشخصية مقدم ولو كان على حساب الآخرين ظلماً أو عدواناً، ليست الصورة مقتصره اليوم على التطفيف في الكيل وإنما التطفيف يمتد في شتى مجالات الحياة، وإذا كان الأنسان مطلوب بأن يسارع إلى تحقيق طموحه في عزيمة وثبات وهمة عالية فإن الواجب أن يتذكر بأن لا يكون وصولك إلى أهدافك على حساب الآخرين، بل ليس صحيحا أن يكون الإنسان أنانياً لا يفكر إلا في دائرة نفسه ومصالحه الشخصية، الإسلام بكل مبادئه وآدابه جاء بمحاربة الأنانية بل ونشر روح الإيثار والعطاء، ﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ إياكم كما قال عليه الصلاة والسلام (اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم..) وقال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وقال: (فمَن أحَب أن يُزحزَح عن النار ويدخل الجنة، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه). * على القاعدة عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، قال صلى الله عليه وسلم (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وقال: (يد الله مع الجماعة) وفي البيع والشراكة قال عليه الصلاة والسلام (.... فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما....) إنها قاعدة الإسلام ، ليست هناك أنانية بل إيثار، وأخذ الجميع لأعلى ما يمكن أن تصل إليه، أنه هدف مشترك لنجاح كل الناس، وحب الخير للغير تحت مسمى الإيثار، هكذا كان السلف رضي الله عنهم وأرضاهم ضرب الأنصار أروع الأمثلة ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ المؤاخاة التي حصلت بين المهاجرين والأنصار كانت أروع صور الإيثار في تاريخ هذه البشرية. * جاء عن ابن عمر قال أهدي لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأس شاة في زمن فقر فقال إن أخي فلاناً وعياله هم أحوج إليه مني، ثم دفعه إلى الآخر فما زال الآخر يدفعه إلى الثاني والثالث والرابع حتى مر على سبعة أبيات وعاد إلى الأول، فنزل قول الله تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾. * ورصد عكرمة ابن أبي جهل في موثقاً، حصل يوم اليرموك عن ثلاثة من المقاتلين في سبيل الله وأصيبوا بإصابات بالغة وكان جميعهم في الرمق الأخير من حياتهم، فجيء بشربة ماء إلى الأول فينظر إليه الثاني فيرى أنه أحوج إليه منه فيدفعها إليه فيرى الثاني بشربة الماء ثم يدفعها إلى الثالث ثم تعود إلى الأول وقد مات والثاني وقد مات والثالث وقد مات، لا أحد يشرب منها إنها لغة الإيثار، وها هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها عندها المال يأتيها المال من الصدقات وغيرها تتصدق بكل المال في يوم صيامها حتى إذا جاء وقت الإفطار لا تجد ما تفطر عليه ، قال أبو سليمان الداراني لو أن الدنيا كلها في لقمه ثم جاءني أخٌ لأحببت أن أضعها في فمه، بل امتدت صور الإيثار حتى إلى الحيوانات، يُروى أن عبد الله بن جعفر خرج إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم وفيها غُلام أسود يقوم عليها فأتي بقوته ثلاثة أقراص، ودخل كلب فدنا من الغلام فرمى إليه بقرص فأكله ، ورمى إليه بالثاني فأكله، ثم الثالث فأكله، وعبد الله ينظر إليه فقال : يا غلام ، كم قُوتَكَ كل يوم ؟!! قال: ما رأيت. قال: فلم آثرت هذا الكلب ؟!! قال: ما هي بأرض كلاب وأخاله جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت رده. قال: فما أنت صانعٌ اليوم؟!! قال: أطوي يومي هذا. فقال عبد الله ابن جعفر: أُلامُ على السخاء إن هذا لأسخى مني!! فاشترى الحائِطَ والغلام وما فيه من آلات، وأعتق الغُلام ووهب ذلك كله له، كانت حياتهم حياة إيثار، كانت حياتهم حياة عطاء، كان الواحد فيهم يدرك أن الصعود إلى أعلى منازل هذه الدنيا تعني بأن تأخذ بأيدي الآخرين معك ويصعد الجميع إلى ما تريد أن تصل إليه. * أسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من أصحاب هذه النفوس العظيمة التي تحب الخير للغير أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه فيا لفوز المستغفرين. * الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد إخوتي في الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله. * الأناني شخص لا يفكر إلا في نفسه لا يهمه الآخرون المهم أن تقضى مصالحه ولو كانت على حساب الآخرين، صور الأنانية اليوم في المجتمع لا تقتصر على صورة بل على عشرات ومئات وآلاف الصور من الأنانية، الغني اليوم ربما يعيش صورة من صور الأنانية يوم ينسى ذلك الفقير، الزوج ربما مع زوجته يعيش صورة من صور الأنانية يوم يفكر في قضاء واجباته وحقوقه الخاصة دون الالتفات إلى حقوق تلك الزوجة، والزوجة اليوم أيضاً ربما تعيش صورةٍ من صور الأنانية يوم تطالب زوجها بكل الحقوق والواجبات في حين أنها تقصر في حقوقه وواجباته، الأب اليوم وهو يطلب من ابنه أن يكون باراً به ربما يكون أنانياً عندما لا يرعى ابنه رعايةً صحيحة تأديبياً وتعليمياً، وكذلك الابن الذي يطالب الأب أن يحسن إليه وهو في أسوء صور العقوق، أنانيةً يريد ما له ويترك ما عليه، كذلك الطالب مع الطالب ربما يعيش صورةً من صور الأنانية، المهم أن يتميز هو على سائر الطلاب الآخرين ولو أن آخرين طلبوه أن يساعدهم في أمرٍ ما مما يعينهم على التميز رفض لأنه يعيش معنى الأنانية، وحتى في دائرة العمل رئيس العمل ربما يعيش أنانيةً على حساب من تحته المهم أن يؤدى العمل ولو على حساب مصالح الآخرين، ولو أن الآخرين لا يُعْطون حقوقهم المهم أن ينجح هو ولو فشل الآخرون ، ولو كان هناك من سينجح فربما يمنع نجاحه حتى لا يتجاوزه فيأخذ موقعه يوما ما، صورٌ من الأنانية المختلفة، الجار مع جاره، وقل مثل ذلك من عشرات الصور اليوم نعيش معاني خطيره لقضية الأنانية إنني بحاجة وأنا أحدثكم بهذا الحديث أن أرسم لنفسي منهجيةً مختلفةً في التعامل مع الآخرين، وأن يكون تقاسم النجاح مع الآخرين سمه لدى ذلك الإنسان الذي يعرف من هو الله جل في علاه حتى أتجه أنا وأنت لنخرج من دائرة الأنانية، وندخل دائرة الإيثار خذوها خطوات عملية: أولاً: أن ندرك عواقب تلك الأنانية، ففي حديث السفينة لما أخبر عليه الصلاة والسلام أن قوماً كانوا في أعلى السفينة وقوماً في أسفل السفينة وأن الذين في الأسفل ربما تباطؤوا ليصعدوا إلى الأعلى ليأخذوا الماء فربما عمدوا إلى خرق السفينة من الأسفل اختصاراً للوقت فلو أن أولـئك الذين بالأعلى تركوهم لهلك الناس جميعاً، اليوم الأنانية تهلك المجتمعات تفرق البيوت تحدث من الكره والضغينة. * ثانياً: البحث في ثمرات الإيثار، فهل ندرك جيداً بأن ما نعطيه أو نقدمه أو نتمناه للآخرين لنا مثله أضعافاً مضاعفةً عند الله عاجلةً غير آجله صدقاً بالأحاديث تحقيقاً بالواقع، فالمشاهدة تقول بأن أولـــئك الذين يمتلكون قلوباً رحيمة ويرحمون الآخرين ويعطفون عليهم يؤتيهم الله سؤلهم ويحقق الله لهم أمانيهم. * ثالثاً: البحث عن بيئةٍ حاضنةٍ في الإيثار، أولــئك الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه، تجلس مع رجل فقير كبيراً في السن ومع ذا لا يفكر إلا في الآخرين إن جاءه شيء اقتسمه مع الآخرين، الاحتكاك مع أولـــئك يكوّن لك بيئةً صانعةً للإيثار في نفسك. * رابعاً: الحرص على التطوع في مجالات الحياة المختلفة، فهل تستطيع أن تقدم نفعا للناس بدون مقابل منهم؟ وإنما المقابل من الله جل في علاه. * خامساً: مجاهدة النفس على البذل والعطاء فالنفس تتمرد وتتذمر ويحتاج الإنسان أن يجاهدها. * سادساً: أنزل نفسك منزلة ذلك الآخر فإنزال النفس منزلة الآخر تساعد الإنسان على الإيثار. * سابعاً: ليتذكر الجميع بأن خزائن الله ملأى وتسع الجميع والقمة تسع الجميع، فلا يعني أن ثمة أمرٍ جاء إليك ودفعت جزءً منه إلى الآخر أو دللت الآخر عليه أن الأمر انتهى، أنت تتعامل مع الكريم الذي خزائنه ملء السماوات والأرض لا تنقصها نفقه فكلما قدمت قدّم الله لك. * أسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من أصحاب هذه النفوس العظيمة الكريمة التي تؤثر على أنفسها ولو كان بها خصاصة. * ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير فإن الله أمركم في كتابه ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾.. د. فؤاد صدقة مرداد
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|