اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-05-2013, 08:51 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New من أشراط الساعة الكبرى ... سعد بن عبد الله البريك


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى من الآية:11].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].

معاشر المؤمنين:

بعدما تكلمنا في الخطب الماضية عن أشراط الساعة الكبرى وعلاماتها نختم اليوم هذه السلسلة بمشيئة الله تعالى بالحديث عن ظهور الدابة والنار التي تحشر الناس.

الدابة:

قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل:82]، ذكر الله في هذه الآية خروج الدابة ويكون ذلك عند فساد الناس وتركهم لأوامر ربهم وتبديلهم الدين الحق عند ذلك يقع عليهم القول أي يجب عليهم الوعيد لتماديهم في العصيان والفسوق والطغيان وإعراضهم عن آيات الله وتركهم تدبرها والنزول على حكمها وانتهائهم في المعاصي إلى ما لا ينجح معه فيهم موعظة ولا يصرفهم عن غيِّهم تذكرة فإذا صاروا كذلك أخرج الله لهم دابةً من الأرض تعقل وتنطق تكلمهم والدواب في العادة لا تعقل ولا تنطق ليعلم الناس أن ذلك آية من عند الله تعالى (التذكرة [697] بتصرّف).

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "وقع القول عليهم أي يكون بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن، ثم قال: أكثروا من تلاوة القرآن قبل أن يُرفع، قالوا: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الرجال؟ قال: يسري عليه ليلاً فيصبحون منه قفراً وينسون لا إله إلا الله ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم، وذلك حين يقع القول عليهم" (تفسير القرطبي [13/234]).

يقول سيد قطب رحمه الله: "إن النص القرآني والأحاديث الصحيحة تفيد أن خروج الدابة من علامات الساعة وأنه إذا انتهى الأجل الذي تنفع فيه التوبة وحق القول على الباقين فلم تقبل منهم توبة بعد ذلك وإنما يقضى عليهم بما هم عليه عندئذ يُخرج الله لهم دابة تكلمهم والدواب لا تتكلم أو لا يفهم الناس عنها ولكنهم اليوم يفهمون ويعلمون أنها الخارقة المنبئة باقتراب الساعة وقد كانوا لا يؤمنون بآيات الله ولا يصدقون باليوم الموعود"، قال: "ومما يلاحظ أن سورة النمل التي وردت فيها هذه الآية فيها مشاهد حوار وأحاديث بين طائفة من الحشرات والطير والجن وسليمان عليه السلام فجاء ذكر الدابة التي تكلم الناس متناسقاً مع جو السورة محققاً لروعة التصوير في القرآن وتوحيد الجزئيات التي يتكون منها المشهد العام" أ. هـ. (الظلال 2667]).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض» (رواه مسلم [2/195]).

وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضُحاً وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريباً» (رواه مسلم [18/ 77-78]).

وقد اختلفت الأقوال في تعيين نوع هذه الدابة فمنهم من قال أنها فصيل ناقة صالح، ومنهم من قال أنها الجساسة التي كانت تتحسس الأخبار للدجال، ومنهم من قال إنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة الذي ا***عته العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة، ومنهم من قال إنها إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم، ومنهم من قال أن الدابة اسم *** لكل ما يدب وليست حيواناً مشخصاً معيناً يحوي العجائب والغرائب واعتبر أن المراد بها تلك الجراثيم الخطيرة التي تفتك بالإنسان وجسمه وصحته.

وكل هذه الأقوال لا دليل صحيح عليها من كتاب أو سنة ومخالفة لأقوال المفسرين الذين ذكروا أن هذه الدابة مخالفة لما يعتاده البشر فهي من خوارق العادات فالذي يجب الإيمان به أن الله تعالى سيخرج للناس آخر الزمان دابة من الأرض تكلمهم ويكون تكليمها لهم دالٌّ على أنهم يستحقون للوعيد بتكذيبهم بآيات الله قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: "والآية صريحة في القول العربي أنها دابة ومعنى الدابة في لغة العرب واضح لا يحتاج إلى تأويل" أ. هـ. (شرح المسند [15/82]).

أما مكان خروجها فقد اتفقت كلمة المفسرين على أنها تخرج من مكة المكرمة، قال ابن عيينة: «تخرج حين يسري الإمام جمع وإنما جعل سابقاً ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج» (رواه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رجاله ثقات).

ويكون لها ثلاث خرجات فمرةً تخرج من بعض البوادي ثم تختفي، ثم تخرج من بعض القرى، ثم تظهر في المسجد الحرام.

ورد في صفة الخروج هذه حديث حذيفة بن أسيد الذي رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك [4/ 484-485]).

ولهذه الدابة أعمال ومهام تقوم بها، فمن مهامها: أنها تخطم أنف الكافر فيكون ذلك علامة على كفره، وتجلو وجه المؤمن ويكون ذلك دليل على إيمانه، وتكلم الناس. قال صلى الله عليه وسلم: «تخرج الدابة ومعها عصا موسى عليه السلام وخاتم سليمان عليه السلام فتخطم الكافر -أي أنف الكافر بالخاتم- وتجلو وجه المؤمن بالعصا حتى إن أهل الخوان ليجتمعون على خوانهم فيقول هذا: يا مؤمن ويقول هذا يا كافر» (رواه أحمد والترمذي وصححه العلامة أحمد شاكر).

وقال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل:82].

وقد اختلفت أقوال المفسرين في معنى هذا التكليم، فمنهم من قال، تخاطبهم مخاطبةً قائلةً لهم أن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون، بدليل قراءة أُبي بن كعب لهذه الآية (تنبئهم)، ومنهم من قال: تجرحهم بدليل قراءة ابن عباس رضي الله عنهما: {تكْلَمُهُمْ} وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كلاً تفعل) أي تصنع كِلا الأمرين المخاطبة والجرح فهي تخاطب الناس جميعهم وتسم أنف الكافر أي تجرحه. والله أعلم.

النار :

أما آخر العظائم والأهوال فهي النار العظيمة التي تسوق الناس إلى أرض المحشر، تخرج هذه النار من اليمن من قعرة عدن أو من بحر حضرموت وهو ما يسمى الآن بحر العرب.

قال صلى الله عليه وسلم: «ستخرج نار من حضر موت أو من بحر حضر موت قبل يوم القيامة تحشر الناس» (رواه أحمد وصححه أحمد شاكر والألباني رحمهما الله).

وفي حديث حذيفة بن أسيد في ذكر أشراط الساعة الكبرى قال صلى الله عليه وسلم: «وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (رواه مسلم).

تنتشر في الأرض وتسوق الناس إلى أرض المحشر على ثلاثة أفواج، الأول: فوج راغبون طاعمون كاسون راكبون، الثاني: فوج يمشون تارة ويركبون تارة يتعقبون على البعير الواحد، اثنان على البعير وثلاثة على البعير وعشرة على البعير يتعقبونه وذلك من قلة الظهر يومئذ، الثالث: تحشرهم النار فتحيط بهم من ورائهم وتسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر ومن تخلَّف منهم أكلته.

قال صلى الله عليه وسلم: «يحُشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا» (رواه البخاري).

وقال عليه الصلاة والسلام: «تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا يكون لها ما سقط منهم وتخلَّفَ وتسوقهم سوق الجمل الكسير» (رواه الطبراني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

وعن حذيفة بن أسيد قال: "قام أبو ذر فقال: يا بني غفار قولوا ولا تختلفوا فإن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حدثني: «أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار»، فقال قائل منهم: هذان قد عرفناهما فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: «يُلقِي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ظهر حتى إن الرجل ليكون له الحديقة المعجبة فيعطيها بالشارف ذات القتب -وهي الناقة الهرمة- والقتب أي الرحل، فلا يقدر عليها»" (رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي)، وتكون جهة الحشر إلى أرض الشام قال صلى الله عليه وسلم: «ههنا تحشرون ههنا تحشرون ههنا تحشرون ثلاثاً ركباناً ومشاةً وعلى وجوهكم» قال ابن أبي بكير: "فأشار بيده إلى الشام فقال إلى ههنا تحشرون" (رواه أحمد).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، تنذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلف» (رواه أحمد، وقال ابن حجر: وسنده لا بأس به، وصححه أحمد شاكر).

والسبب في كون الشام هي أرض المحشر أن الأمن والإيمان حين تقع الفتن في آخر الزمان يكون بالشام قال صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعُمد به إلى الشام ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام» (رواه أحمد).

وقال عليه الصلاة والسلام: «سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة: جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق»، قال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: «عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إذا أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله» (رواه أبو داوود وصححه الألباني).

قال النووي رحمه الله تعالى: "وهذا الحشر في آخر الدنيا قبيل القيامة وقبيل النفخ في الصور بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «تحشر بقيتهم النار تبيت معهم وتقيل وتصبح»" أ. هـ. (شرح مسلم للنووي [17/ 194-195]).

قال ابن حجر: "وأما حشر الآخرة فقد جاء في الأحاديث أن الناس يحشرون مؤمنهم وكافرهم حفاةً عراةً غرلاً بُهْمَاً. ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم محشورون حفاةً عراةً غرلاً» وتلا قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [الأنبياء: من الآية 104].

وأن أول الخلق يكسى: إبراهيم عليه السلام رواه البخاري ثم قال ابن حجر: "ومن أين للذين يبعثون بعد الموت حدائق حتى يدفعوها في الشوارف؟" (الفتح 11/382]).

فدل هذا على أن هذا الحشر يكون في الدنيا قبل يوم القيامة.

اللهم آمنا في أوطاننا اللهم آمنِّا في دورنا اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً اللهم اهد ضالنا اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً.

اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا ربّ العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا ربّ العالمين اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تُمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارض اللهم عن البقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين..

{إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..
__________________

آخر تعديل بواسطة abomokhtar ، 03-05-2013 الساعة 08:55 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-05-2013, 08:52 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New من أشراط الساعة الكبرى 2


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].

معاشر المؤمنين:

صحَّ عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تصنعون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (رواه مسلم).

حذَّر صلى الله عليه وسلم أمته من الافتتان بالدنيا والاغترار بزهرتها رحمةً منه بهم لئلاّ يتعلّقوا بمتاعٍ فانٍ ونعيمٍ زائل، لكن وللأسف تجاهل كثيرٌ منهم هذا الحديث وعَمُوا عن التحذير الذي حذرهم إياه نبيهم وأشفق الخلق عليهم صلى الله عليه وسلم فوقعوا فيما نهاهم عنه من حبِّ الدنيا والتعلُّقِ بها فأصبحت شغلهم الشاغل يفكرون بها ليل نهار ويعملون لأجلها صباح مساء وأصبحت المادة مسيطرة عليهم ومتحكِّمة فيهم وغفلوا عن الآخرة وتكاسلوا عن العمل لها.

وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب نسيانهم للمغيَّبات وما سيكون في آخر الزمان من فتن وملاحم وعلامات تجعل الحليم حيراناً، ولا يثبت أمامها إلا من ثبته الله وكتب له السعادة والسرور.

إنَّ من أعظم ما يقوِّي الإيمان ويرسِّخ اليقين في نفس المؤمن: الإيمان بالأخبار والأمور الغيبية التي أخبر بها اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم، لذا أُراني اليوم سأواصل بعون الله تعالى تكملةَ الكلام عن أمور الغيب وأشراط الساعة الكبرى متحدثاً عن الخسوفات الثلاث والدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة والنار التي تحشر الناس بعدما مضى الحديث في الخطب الماضية عن المهدي والدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج.

الخسوفات الثلاثة: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب»، قالت: قلتُ يا رسول الله: أيخسف بالأرض وفيها الصالحون؟ قال: «إذا أكثر أهلها الخبث» (رواه الطبراني وبعضه في الصحيح).

وروى الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعرة عدن تُرحِّل الناس»، وفي رواية: «والعاشرة نزول عيسى عليه السلام». قال ابن حجر رحمه الله: "وقد وجد الخسف في مواضع ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدراً زائداً على ما وُجِد كأن يكون أعظم منه مكاناً أو قدراً" (فتح الباري [13]).

الخسوفات الثلاث يا عباد الله التي ستقع في آخر الزمان ليست خسوفات عادية كالتي نشاهدها ونسمع بها بل هي خسوفات عظيمة وعامة لأماكن كثيرة من مشارق الأرض ومغاربها وفي جزيرة العرب لم تُشاهد من قبل ولم تعرف البشرية من أولها إلى آخرها لها مثيلاً، تُدمِّر مناطق واسعة من الأرض وتخرِّب ما عليها وتتغير أحوال الناس وتضطرب معايشهم مما يعتبر إيذاناً بقرب الساعة ودُنُوِّ قيامها.

الدخان: ومن العلامات الكبرى: الدخان. قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّمَآءُ بِدُخَانٍ مّبِينٍ . يَغْشَى النّاسَ هَـَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان:10-11].

قال القرطبي رحمه الله: "والمعنى: انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين واضح يغشى الناس ويعمهم، وعند ذلك يقال لهم "هذا عذاب أليم" تقريعاً لهم وتوبيخاً، أو يقول بعضهم لبعض ذلك" (تفسير القرطبي 16/130).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال ستاً» وذكر منها: «الدخان» (رواه مسلم).

وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما فقال: "ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت" (تفسير الطبري [25/113]، وابن كثير [7/235]).

الدخان آية عظيمة من آيات الله الكونية يرسله الله على الناس فيغشاهم ويعمهم جميعاً لا ينجو منه أحد ولا يفر منه مخلوق. يعذِّب به الكفار أشد العذاب وآلَمَهُ، أما المؤمن فلا يصيبه منه إلا كما تصيب الزكمةُ الإنسان.

عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم أنذركم ثلاثاً: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه» (رواه الطبراني ومال ابن حجر إلى تحسينه بشواهده).

قال مجاهد: كان ابن مسعود يقول: "... يملأ ما بين السماء والأرض ولا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة وأما الكافر فتثقب مسامعه".

طلوع الشمس من مغربها: قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيَ إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام من الآية:158]» (متفق عليه).

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس»؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرِّها تحت العرش فتخِّرُ ساجدةً فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئتِ، فترجع فتصبح طالعةً من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرِّها تحت العرش فتخِّرُ ساجدةً ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئتِ فترجع فتصبح طالعةً من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرِّها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي أصبحي طالعةً من مغربكِ فتصبح طالعةً من مغربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيَ إِيمَانِهَا خَيْراً}» (رواه مسلم).

وسبب عدم قبول الإيمان ممن لم يؤمن قبل ذلك وعدم قبول توبة العاصي، أن طلوع الشمس آيةٌ عظيمةٌ يراها كل من كان في ذلك الزمان فتنكشف لهم الحقائق ويشاهدون من الأهوال ما يجعل أعناقَهم تلوي وتذعن إلى الإقرار والتصديق بالله وآياته. قال تعالى في سورة الأنعام: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158].

والمقصود من قوله تعالى: {بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} طلوع الشمس من مغربها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل جعل بالمغرب باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من قِبَله، وذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}» (رواه الترمذي).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (رواه مسلم).

قال القرطبي رحمه الله تعالى: "قال العلماء: وإنما لا ينفع نفساً إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس وتفتر كل قوة من قوى البدن فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل من حضره الموت" (التذكرة [706]، التفسير [7/146]).

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة ما تُقُبِّلَت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت طُبِعَ على كل قلبٍ بما فيه وكفى الناسَ العملُ» (رواه أحمد وصححه ابن كثير وأحمد شاكر).

لابد لنا من بعض الوقفات مع هذه الأشراط عبرةً وعظةً و{لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق من الآية:37].

فمن هذه الوقفات:

- أن كثرة الخبث وفشو المعاصي وشيوع الفواحش سبب لخسف الأرض واهتزازها وزلزلتها كما مرَّ في الأحاديث.

فقد اهتزت الأرض في المدينة على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال رضي الله عنه: "يا أهل المدينة إن عادت لا أساكنكم أبداً".

- ومن هذه الأمور:

أن غفلة الناس عن الآخرة وتعلقهم بالدنيا جعل بينهم وبين الإيمان بالله حجاباً كثيفاً لا يزول إلا برؤية آية عظيمة من آيات الله، وهذا ما يحدث للناس عند طلوع الشمس من مغربها فيؤمنون ويعودون إلى ربهم ويظهرون التوبة والخضوع ولكن لا ينفعهم ذلك فقد فات الأوان، وعندما تبلغ الروح الحلقوم وتبدأ بالغرغرة، يوقن العبد ويؤمن بوعد الله ووعيده فلا يقبل منه ذلك بعدما شاهد اليقين وأصبح بصره حديد، قال تعالى: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22].

إن تأخير التوبة أو التسويف بها لا يجوز فلا يدري أحد متى تحين ساعته ويدنو أجله فالموت يطلبه في كل ساعة وهو أقرب إليه من شراك نعله، قال صلى الله عليه وسلم: «الجنة أقرب لأحدكم من شراك نعله والنار كذلك» (أخرجه البخاري).

وللتوبة شروط:

فإذا كانت المعصية بين العبد وربه عليه أن يقلع عن الذنب فوراً وأن يعزم ألا يعود إليه ثانية وأن يندم على ما بدر منه، وإن كانت المعصية متعلقة بحق آدمي فهذه الشروط الثلاث ويُزاد عليها شرط رابع وهو أن يستحل من صاحب الحق، فإن كان له عنده مظلمة ردها عليه وإن كانت غبية استحله منها وهكذا في سائر المعاصي المتعلقة بحقوق الآدميين.

اللهم آمنا في أوطاننا اللهم آمنا في دورنا اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرِّح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً اللهم اهد ضالنا اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً.

اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا رب العالمين اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا ربّ العالمين اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارضَ اللهم عن البقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنّا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-05-2013, 08:54 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New من أشراط الساعة الكبرى 3


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:64].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].

معاشر المؤمنين:

من علامات سعادة العبد أن يوفقه الله إلى الحق، ويشرح صدره إليه، ومن علامات شقائه أن يضلّه ويجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصّعّد في السماء فلا يهتدي إلى الصراط المستقيم بل يخبط يميناً وشمالاً خبط عشواء، كلما أدلى إليه شيطانه بفكرةٍ اعتقدها وكلما خطر بباله خاطر آمن به، وهذا ما حدث لأممٍ كاملةٍ عبر التاريخ وحتى زماننا هذا في شأن عيسى عليه السلام، حيث ضلت في الإيمان به فجعلته رباً ومعبوداً مع الله، -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً-.

إن قصة عيسى مختلفة عن قصص سائر الأنبياء والرسل، وتحيط الغرابة من بعض جوانبها كصفة خلقه ورفعه إلى السماء حياً ونزوله في آخر الزمان، ولكن هذه الغرابة لم تأت عبثاً بل جاءت من لدن حكيم عليم لاختبار الناس: هل ينبهرون بها فتأخذ بتلابيب عقولهم ويشركوا بربهم وينسوا خالقهم؟ أم يؤمنوا بصاحبها كنبي ورسول من البشر فيزدادوا إيماناً بربهم وأنه على كل شيء قدير؟ وإننا اليوم سنسلط الضوء على سيرة هذا النبي الكريم تكملةً لما بدأناه في الخطبة الماضية عن أشراط الساعة، ودحضاً لمزاعم وشبهات عبدة الصليب ومعتنقي عقيدة التثليث.

هذا الرسول الذي افترقت البشرية بشأنه إلى فريقين كبيرين فريق يؤمن به كبشر أرسله الله لهداية الناس إلى ربهم وفريق يؤمن به رباً وشريكاً وابناً لله الواحد الأحد -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-.

فقبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم بأكثر من خمسمائة عام حملت الصديقة الطاهرة التي أحصنت فرجها مريم ابنة عمران جنيناً وهي عذراء لم تتزوج، حملته بكلمة الله: كن، فكان عيسى عليه السلام، وولدته في مجتمع وثني مشرك يعبد الأصنام ويقدس المادة ويؤمن بالمحسوسات، ولد ليكون هادياً ومعلماً ومرشداً للناس إلى خالقهم، أنطقه ربه صبياً في المهد دلالةً على نبوته وعلامةً على صدقه وآيةً ومعجزةً بأن الله واحد لا يعجزه شيء وأنه على كل شيء قدير، فكان أول ما نطق به أن شهد لله بالوحدانية وشهد على نفسه بالعبودية: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً . قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً . وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم:29-32].

عاش حياته كلها داعياً إلى هذه العبودية، ودأب على تعبيد الناس لربهم وترك عبادة الأوثان والأصنام إلا أن بني إسرائيل أحفاد القردة والخنازير، ***ة الأنبياء وعبدت العجل عارضوه وناهضوه وآذوه أشد الإيذاء هو وأتباعه وأنزلوا بهم أصناف العذاب، وأرادوا ***ه فحال الله بينهم وبين ما يشتهون وألقى الشَّبَه على أحد حوارييه ف***ه اليهود، ورفع نبيه إلى السماء بعد أن قام بمهمته على أكمل وجه، وبعد أن نشر بذور التوحيد في مجتمع الشرك والجاهلية: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:157-158].

ووعد بأنه سيعيده إلى الأرض آخر الزمان وجعل هذه العودة من علامات يوم القيامة المؤذنة بخراب العالم وفنائه حيث قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا..} [الزخرف من الآية:61].

قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية : "أي أن نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة علامة على قرب الساعة ويدل على ذلك القراءة الأخرى: {وإنه لعَلَمُ للساعة} بفتح العين واللام".

وردت صفته في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم رجل مربوع القامة ليس بالطويل ولا بالقصير أحمر جعد -أي مكتنز اللحم- عريض الصدر سبط الشعر كأنما خرج من ديماس -أي حمام- له لمة قد رجّلها تملأ ما بين منكبيه.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أراني ليلة عند الكعبة فرأيتُ رجلاً آدم كأحسن ما أنت راءٍ من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راءٍ من اللمم قد رجّلها فهي تقطر ماء متكئاً على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا؟ فقيل هذا المسيح ابن مريم» (متفق عليه).

ينزل عليه السلام بعد خروج الدجال ونشر فتنته وإفساده في الأرض ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق قال صلى الله عليه وسلم: «ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدّر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه -أي يطلب عيسى الدجالَ- حتى يدركه بباب لد في***ه ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة» (رواه مسلم).

وقال أيضاً: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب وي*** الخنزير ويضع الحرب ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة خير من الدنيا وما فيها» (متفق عليه).

ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق وتكون مجتمعة لقتال الدجال وقد أقيمت الصلاة والمهدي إمامها فيقول لعيسى يا روح الله تقدم فيقول لا بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة فيصلي عيسى خلفه.

ولقد تلمس بعض العلماء الحكمة من نزوله آخر الزمان فقالوا: للرد على اليهود الذين قالوا إنهم ***وه فبين الله كذبهم وأنه هو الذي ي***هم وي*** رئيسهم الدجال.

وقالوا إن عيسى عليه السلام وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح من الآية:29]، فدعا الله أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل آخر الزمان مجدداً لأمر الإسلام.

يحكم عليه السلام بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا يأتي بشرع جديد أو دين مستحدث، ينكر على النصارى ما هم عليه من الشرك والضلال والغلو، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب ولي***ن الخنزير..» (رواه مسلم).

ويكون حاكماً من حكام المسلمين ومجدداً لأمر الإسلام ومن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ينزل وقد علمه الله هذه الشريعة ليعمل بها ويحكّمها بين الناس ومما يؤكد ذلك صلاته مع المسلمين وحجه وجهاده للكفار، وقد مرت معنا أحاديث الصلاة وقتاله للكفار أتباع الدجال وأما حجه فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده ليهلّنّ ابن مريم بفج الروحاء، وهو موضع قرب المدينة، حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما».

وأما زمانه عليه السلام فزمان رخاء وأمن وسلام يرسل الله فيه المطر الغزير وتخرج الأرض ثمرتها وبركتها ويفيض المال وتذهب الشحناء والتباغض والتحاسد، وينزع الله سم كل ذي سم حتى يلعب الأولاد بالحيات والعقارب فلا تضرهم وينعدم القتال وتنبت الأرض نبتها حتى يجتمع النفر على القطف من العنب والرمان، كل ذلك مستفاد من الأخبار والآثار المستفيضة والمشهورة، ففي حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر الدجال ونزول عيسى عليه السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، أي كالمرآة، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرِّسل، أي اللبن، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس».

وقال عليه الصلاة والسلام: «وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه نازل.. فيهلك الله في زمانه المسيح الدجال وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم» (رواه أحمد وصححه ابن حجر).

وقال عليه الصلاة والسلام: «والله لينزلن عيسى ابن مريم حكماً عادلاً.. وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد».

ومعنى هذا الحديث كما قال النووي رحمه الله: "أي يزهد الناس في الإبل ولا يرغبون في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب القيامة".

ويمكث على هذه الحال سبع سنين، قال صلى الله عليه وسلم: «.. ثم يمكث سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته» وفي رواية أبي داوود: «فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون».

والروايتان صحيحتان والجمع بينهما أنه لما رفع إلى السماء كان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة ثم ينزل فيمكث سبع سنين فيصبح مجموع عمره أربعين سنة، والله أعلم.

ولنا مع سيرة هذا النبي الكريم وقفات ومواقف لا يتسع المقام لسردها لكننا سنقتصر على ذكر الأهم، فمنها:

- أن عيسى عليه السلام ليس رباً ولا إلهاً كما يزعم ذلك عبدة الصلبان، بل هو بشر من ولد آدم كما أخبر الله عنه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آلِ عمران:59]، وكما ذكر الله ذلك على لسانه في أصدق كتاب في القرآن الكريم فقال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا..} [مريم من الآية:29]، وكما ورد في التوراة التي حرف معظمها حيث وصف نفسه في أكثر من موطن بأنه (ابن الإنسان) وهذه العبارة من العبارات النادرة التي لم تصلها يد التحريف الآثمة وبقاءها صحيحة لتقوم الحجة بها على القوم. وعيسى يأكل ويشرب وينام ويقوم ويتعب ويستريح ويمرض ويسقم، أما الله تعالى فمنزه عن هذا كله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة من الآية:255].

لو كان عيسى رباً كما يزعم المبطلون فلم جعل نفسه جنيناً في رحم امرأة في ظلمات ثلاث مع الدم والقيح والصديد؟ ثم يخرج إلى الحياة الدنيا من مخرج القذارة -من فرج امرأة-، ثم يعيش حياته طفلاً كسائر الأطفال يقع ويتعثر ويتبول على نفسه، ثم يشب على هذه الحال هذا يشتمه وهذا يلطمه وهذا يؤذيه وهذا يضحكه وهذا يبكيه -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً-..

أنه لم يصلب على الخشبة فداءً للبشرية بدمه وتكفيراً لخطيئة أبيهم آدم التي سيلعنون بسببها وسيدخلون النار لأجلها كما يزعم الضالون الذين لا عقل ولا تفكير ولا إدراك، نقول لهؤلاء: لو كان عيسى رباً كما تزعمون فهل هو بحاجة إلى مسرحية الصلب والفداء الهزيلة حتى يغفر للبشرية خطيئة أبيها؟ أمعكم على هذا أثارة من علم أو بصيص من عقل؟ أم هي تخرّصات وضعتها مخيلة القساوسة والرهبان؟ وأين أنتم من عدل الله تبارك وتعالى الذي قال: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} حينما ادعيتم أن الله سيعذب البشرية بسبب خطيئة أبيها؟ إن هذا الظلم الذي رميتم الله به يتنزه عنه أصغر حبر عندكم وبعد ذلك تتجرؤون على الله تعالى وتتهمونه بما تعلمون أنه زور وبهتان.

لقد رد الله كذبكم وكشف زيف باطلكم يوم أن قال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}، وورد في التوراة أن عيسى عليه السلام أخبر الحواريين أنه سيتوارى عن أعين اليهود الذين يطلبونه لي***وه، فسألوه أن يكونوا معه فقال لهم حيث أنا أكون أنتم لا تكونون، وهذا دليل واضح في التوراة برغم تحريفها يؤكد رفعه إلى السماء.

يأجوج ومأجوج:

من أمور الغيب التي تتعلق بصلب العقيدة: مسألة الإيمان بيأجوج ومأجوج وأنهم يخرجون آخر الزمان وأنهم يعيثون في الأرض فساداً، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء من الآيتين:96-97]؛ يخرجون بسرعة عظيمة وجمع كبير لا يقف أمامهم أحد من البشر، ويكون هذا الخروج علامة على قرب النفخ في الصور وخراب الدنيا وقيام الساعة.

عن أم المؤمنين زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً فزعاً يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» -وحلّق بأصبعيه الإبهام والتي تليها-، قالت: قلتُ يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» (متفق عليه).

أصل يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية يافث أبي الترك، ويافث من ذرية نوح عليه السلام، ونوح من ذرية آدم وحواء عليهما السلام. قال صلى الله عليه وسلم: «إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم وإنهم لو أرسلوا على الناس لأفسدوا عليهم معايشهم ولن يموت منهم أحد إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً».

وردت صفتهم في الأحاديث النبوية: قوم يشبهون أبناء ***هم من الترك الغتم المغول -أي العجم-، صغار العيون، ذلف الأنوف، صهب الشعور، عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرّقة، على أشكال الترك وألوانهم، وهم أقوياء أشداء لا طاقة لأحد بقتالهم.

روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب فقال: «إنكم تقولون لا عدو وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف -أي شهب الشعر- من كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرّقة».

الإفساد في الأرض سجيتهم منذ أن خلقهم الله قبل آلاف السنين، يعيثون في الأرض فساداً، ي***ون الأرواح، ويتلفون الأموال، ويبطشون بالضعيف، ويعتدون على الخلق، لا يحفظون لجار إلاًّ ولا ذمة.

مرَّ الملك الصالح ذو القرنين الذي جاب مشارق الأرض ومغاربها على قوم جيران لهم فاشتكوا إليه منهم: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف:94]، فبنى عليهم سداً وحصرهم فيه إراحةً للعباد من شرهم ورحمةً للخلق من إفسادهم. قال تعالى حاكياً قصة ذي القرنين في بناء السد فقال: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا . حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ -أي الجبلين- وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاَ. قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا . قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا . آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا . فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا . قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي} [الكهف:94-98].

يمكثون خلف السد ما شاء الله لهم أنه يمكثوا يأكلون ويشربون ويتناكحون فيما بينهم لا يموت الواحد منهم حتى يرى ألفاً فصاعداً من ذريته يحملون السلاح ويجيدون الرماية، يحفرون في السد كل يوم فيأتون في اليوم التالي ليكملوا عملهم فيجدونه كأشد ما كان.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غداً، قال: فيعيده الله عز وجل كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غداً إن شاء الله تعالى واستثنى، فيرجعون وهو كهيأته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس..» (رواه الترمذي وابن ماجة).

يكون وقت خروجهم في زمن عيسى عليه السلام بعد *** الدجال.

ففي الحديث أن الله يوحي إلى عيسى عليه السلام: «أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماءً، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب إلى الله عيسى وأصحابُه فيرسل الله عليهم -أي على يأجوج ومأجوج- النغف -وهو نوع من الديدان يصيب الحيوانات- في رقابهم فيصبحون فرسى -أي ***ى- كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله» (رواه مسلم).

وقال صلى الله عليه وسلم: «يخرجون على الناس فيستقون الماء ويفر الناس منهم فيرمون سهامهم في السماء فترجع مخضّبة يالدماء، فيقولون قهرنا أهل الأرض وغلبنا من في السماء، قوةً وعلواً، قال: فيبعث الله عز وجل عليهم نغفاً في أقفائهم، قال فيهلكهم، والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكَراً وتسكر سكَراً من لحومهم» (رواه الترمذي).

ولابد من وقفةٍ مع قصة القوم نستخلص منها أموراً لعلها تكون لنا عبراً وفوائدَ، فمن هذه الأمور:

- إنَّ يأجوج ومأجوج موجودون حقيقةً كما سمعنا في الآيات والأحاديث الصحيحة، وهذا ما ينبغي أن يعتقده كل مؤمن ويوقن به أشد اليقين حتى ولو ادّعى من ادّعى من زبانية الكفار وأرباب الضلال أنهم غير موجودون ولا حقيقة لهم بحجة أن الأقمار الصناعية وأجهزة التصوير لم تكتشف مكان وجودهم.

نقول: إن عجز الأجهزة الحديثة والتقنيات المتطورة عن معرفة مكان وجودهم لا غرابة فيه أبداً، لأنه من تعمية الله تعالى لهذه الأجهزة لأنَّ مسألة وجودهم وخروجهم آخر الزمان من مسائل الغيب التي استأثر الله وحده بعلمها فلم يُطلع عليها نبياً مرسلاً ولا ملكاً مقرباً، ولا يستطيع أن يحيط بعلمها أحد من البشر.

- بيان عاقبة المفسدين في الأرض، فيأجوج ومأجوج من أشد الأمم إفساداً في الأرض، سلّط الله عليهم من ينفيهم منها ويحصرهم ويسجنهم خلف السد ويمنعهم من الإفساد وأبقاهم مسجونين محبوسين آلاف السنين وما أذن في خروجهم إلا آخر الزمان وقبيل فناء الدنيا وخرابها، وفي هذا تحذير لكل مفسد أنه سيواجه عاقبةً وخيمةً في الدنيا والآخرة جزاء ما كسبت يداه، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].

- فضل الإستثناء -وهو قول إن شاء الله لمن عزم على أمرٍ ما في المستقبل- وأنه سبب لتيسير الأمور وقضاء الحاجات، وقد مرّ معنا أن يأجوج ومأجوج يحفرون السدّ كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غداً ولم يقل إن شاء الله فيعيده الله عز وجل كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غداً إن شاء الله تعالى واستثنى، فيرجعون وهو كهيأته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس.

جاء رهطٌ من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليختبروا صدق نبوته وصحة رسالته، فسألوه عن ثلاث مسائل: عن الروح وعن الفتية الذين غابوا في الدهر وعن الملك الذي حكم الأرض كلها، فوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم على أسئلتهم في اليوم التالي ولم يستثن، فأخّر الله تعالى الجواب رغم أهميته في بيان صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم نزل عليه جبريل بعد خمسة عشر يوم بآيات من سورة الكهف فيها التوجيه والإرشاد. قال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً . إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24].

وفيها أجوبة الأسئلة الثلاث: أما الروح، فقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85]، وأما الفتية الذين غابوا في الدهر فهم أصحاب الكهف، وأما الملك الذي حكم الأرض كلها فهو ذو القرنين، ثم قصّ الله قصتيهما في السورة ذاتها.

- إكرام الله تعالى للمؤمنين وخاصةً زمن الغربة واشتداد المحن تثبيتاً لهم على الحق، كما أكرم تعالى نبيه عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين حيث أهلك يأجوج ومأجوج بدعائهم عليهم، وهذا يظهر لنا أهمية الدعاء، فهو سلاح قوي في أيدي المؤمنين أهلك الله به يأجوج ومأجوج الذين لا قدرة لبشرٍ على قتالهم وحربهم، لكن وللأسف غفل كثير من المسلمين عن هذا الأمر المهم وبخلوا على إخوانهم المسلمين الذين يقتّلون ويذبّحون ويشرّدون في كل مكان وهم في حاجةٍ إلى دعائهم أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب.

اللهم آمنا في أوطاننا. اللهم آمنا في دورنا. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً. اللهم اهد ضالنا. اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً. اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا ربّ العالمين اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.

اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا ربّ العالمين اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن البقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:23 PM.