|
#1
|
||||
|
||||
الصلاة بمعناها الأعلى
الصلاة بمعناها الأعلى
لقد استقرت كلمة الكوثر، في تفسيرات السلف وفي أذهان المسلمين على أنها نهر عظيم في الجنة أعطاه الله عز وجل، وهو أعز من أعطى لمحمد عليه الصلاة والسلام، الذي هو أعز من أخذ.. ولا فرق حقيقة بين المعنى اللفظي المباشر للكوثر – الخير الكثير وبين كونه نهر عظيم في الجنة.. وقد جمعت السيدة عائشة بين الأمرين في فقهها المميز فقالت: إن الكوثر نهر في الجنة، من الخير العظيم الذي أعطاه الله عز وجل لرسوله الكريم إذن نحن هنا، أمام مفردة قرآنية كريمة، لها مقابلان واحد دنيوي، والآخر أخروي.. الدنيوي هو الخير الكثير بكافة معانيه.. والأخروي، هو ذلك النهر العظيم في الجنة إذن نحن أمام رمز هائل يجسم معنى الكوثر: النهر العظيم.. والنهر هو دوماً رمز للحياة.. وللخصب.. وللعطاء.. إنه الذي تبني عليه الأمم أعظم مراكزها الحضارية.. كل الحضارات العريقة بنت مواطنها على أحواض الأنهار، وبالنهر أيضاً يمكن للصحراء اليابسة أن تتفجر حياةً، به أيضاً يمكنك أن تولد الطاقة.. أن تنير الظلام ما علاقة كل هذا بالصلاة؟.. ليس بالصدفة أبداً، أن ترتبط المرة الوحيدة التي فيها لفظ “صلِّ” بذلك النهر العظيم، رمز الحياة الحقيقية وتدفقها.. ذلك أن هذه “الصلاة” هي وسيلتنا للوصول إلى ذلك النهر العظيم، نهر الحياة.. الآية الكريمة تقول:(إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (*) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 108/1-2] العطاء تم فعلاً، لكن وحدها الصلاة، هي وسيلتنا للوصول إلى ذلك “الخير الكثير”، لا شيء يجلينا عما نحن فيه، عن أنفسنا، للوصول إلى نهر الحيوية الدافقة، غير “الصلاة” الصلاة بمعناها الأعلى، بمعناها الذي أمر بها – ككتاب موقوت – من أجله.. وليس بمعنى الحد الأدنى – معنى السقف الواطئ – معنى “لا أزيد ولا أنقص”.. لا شيء يأخذنا، إلى ذلك النهر، الذي يمكنه أن يحول صحراء حياتنا حقولاً زاهرة، ويحول الظلام من حولنا إلى نور مشع.. غير تلك الصلاة.. الصلاة كعملية مستمرة ولا يمكن أن يكون ارتباط نهر الحياة الذي تأخذنا إليه الصلاة، مجرد افتراض.. ذلك أن الذي لا يكذب أبداً، عليه الصلاة والسلام، قد قال: ((مثل الصلوات الخمس في اليوم والليلة، مثل نهر جارٍ عذبٍ بباب أحدكم، يغتسل منه خمس مرات في اليوم، فهل يبقى من درنه من شيء؟)).. إنه النهر مجدداً – والصلاة أيضاً.. (الحديث) لو قرأناه بعين تعودت على اعتبار الصلاة مجرد غسالة للذنوب التي نرتكبها بين أوقات الصلاة.. لوجدنا فيه تكريساً لذلك.. لكن لو حاولنا النظر إليه من زاوية أبعد، لوجدنا أن الرسول الكريم لا يتحدث عن (أدران) ما بين الصلوات التي تزيلها الصلاة كلما أديت، بل عن عملية مستمرة – عن (الصلوات الخمس) ككل؛ عن المداومة عليها، باعتبارها ستزيل الأدران، وتجلوك، درناً تلو الآخر، إلى أن يظهر معدنك الأصيل.. وقد زالت عنه أقنعة الأدران.. الحديث هنا، ليس عن عملية تكفير ذنوب، يتم فيها تصفير الذنوب مع كل صلاة، وبعدها نعود للذنوب، ومن ثم نعود للصلاة، ويعاد التصفير.. وهكذا دواليك.. الحديث عن عملية تفاعل مستمرة، مع ذلك النهر – الصلاة، يجلي فيها أعماقك، وصولاً إلى أفضل ما عندك، أفضل ما يمكن لك أن تفعله.. الحديث عن “هل يبقى من درنه شيء؟” لا يتحدث عن ذنوب هنا وهناك، بل عن جذور تلك الأدران – عن اقتلاع تلك الجذور – عن الصلاة باعتبارها وسيلة تجعلك تتكوثر: بمعنى أن تزيد الخير في داخلك.. تنمي الخير في داخلك.. ----------- منقول
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|