اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-01-2014, 01:34 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها

من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها

أن يكون منشرح الصدر مستضيء العقل متحد الهم والشمل



فهو مظهرٌ مركَّبٌ من ثلاثةِ مظاهر على النحو التالي:
أولاً: أن يكون منشرِحَ الصدْر:
قال الله تعالى -على لسان نبيِّه موسى - عليه السلام - في دعائه ربَّه-: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ (طه: 25-26)، وقال عن نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم-: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1].

قال الإمام القرطبي:
﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾؛ أي وسِّعْه ونوِّره بالإيمان والنُّبُوَّةِ، و(وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)؛ أي سهِّل عليَّ ما أمرتَنِي به من تبليغ الرسالة إلى فرعون[1].

وقال الإمام السيوطي:
عن ابن عباسٍ في قوله ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ قال: شرَحَ اللهُ صدرَه للإسلام، وأخرَج عبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المنذِر عن الحسن ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ قال: مُلِئ حِلْمًا وعِلْمًا[2].

وقال الإمام البيهقيُّ:
السابع والخمسون من شُعَبِ الإيمان وهو باب في حُسْن الخلق، ودخل في هذا كَظم الغيط ولِين الجانب والتواضع، قال الإمام أحمد: ومعنى حُسن الخلق سلامَة النفس نحو الأرفَق الأحمَد من الأفعال، وقد يكون ذلك في ذات الله تعالى، وقد يكونُ فيما بين الناس، وهو في ذات الله - عليه السلام - أن يكون العبد منشرِحَ الصدر بأوامر الله ونواهِيه يفعلُ ما فرض عليه طيَب النفس به سلسًا نحوه، وينتهي عما حرّم عليه واسعًا به غير مُتَضَجِّرٍ منه، ويرغب في نوافل الخير، وترك كثير من المباح لوجه الله تعالى إذا رأى أن تركه أقرب إلى العُبُودِة من فعله، متبَشِّرا لذلك غير ضجِرٍ منه ولا متعسِّر به، وهو في المعاملات بين الناس أن يكون سمحًا بحقوقه لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجبُّ لغيرِه عليها منه؛ فإنْ مرض فلم يُعَد أو قدم من سفر فلم يُزَر أو سلَّم فلم يُرَدَّ عليه أو ضافَ فلم يُكرم أو شفع فلم يُجَب أو أحسن فلم يُشكرْ أو دخل على قومٍ فلم يُمكَّن أو تكلم فلم يُنصت له أو استأذَن على صديق فلم يُأذَن له أو خطب فلم يُزوَّج أو استمهل الدَّين فلم يُمهَل أو استنقص فلم ينقص وما أشبَه ذلك - لم يغضَب ولم يعاقِب ولم يتنكَّرْ من حاله حالٌ، ولم يستشعر في نفسه أنه قد جُفي وأوحش، وأنه يقال كل ذلك إذا وجد السبيل إليه بمثله، بل يضمّ أنه لا يعتد بشيء من ذلك، ويقابل كلاًّ منه بما هو أحسن وأفضل وأقرب إلى البر والتقوى وأشبه بما يُحمَد ويُرضَى، ثم يكون في اتِّقاء ما يكون عليه كَهُوَ في حظِّ ما يكون له، فإذا مرِض أخوه المسلمُ عاده، وإن جاءه في شفاعةٍ وإن استمهله في قضاء دين أمهله، وإن احتاج منه إلى معونةٍ أعانه، وإن استسمحَه في بيعٍ سمَح له، ولا ينظر إلى أن الذي عامله كيف كانت معاملته إيّاه فيما خلا أو كيف يعامل الناس، إنما يتخذ الأحسن إمامًا لنفسه فينحُو نحوه، ولا يخالفه، والخلق الحسن قد يكون غريزةً وقد يكون مكتسبًا، وإنما يصح اكتسابه لمن كان في غريزته أصلٌ منه، فهو يضم ما اكتسابُه إليه ما يضمُّه، ومعلوم في العادات أن ذا الرأي بمجالسته أُولِي الأحلام والنُّهَى يزدادُ رأيًا، وإنَّ العالم يزداد بمخالطة العلماء علمًا، وكذلك الصالح والعاقل بمجالسة الصلحَاء والعقلاء، فلا ينكر أن يكون ذو الخلق الجميل يزداد حسَن الخلق بمجالسة أولي الأخلاق الحسَنة[3].

ثانيًا: أن يكونَ مستضيءَ الفهْم والعقْل:
إن المقصودَ بالعقل في الإسلام ليس المخَّ كما يتوهَّم أهلُ العصر؛ بل هو بمعنى اللبِّ والفؤاد والقلب، كما جاءَ في القرآن الكريم، وثباتُ القلبِ على الحقِّ والدين هو من فعل الله - عز وجل - لا يستطيعُه بشرٌ مهما احترَز، ومن ثم كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على طاعتِك"[4]، كما روى غيرُ واحدٍ من الصحابة.

قال العلماءُ: وإذا كانت الهدَايةُ إلى الله مصروفةً، والاستقامة على مشيئتِه موقوفةً، والعاقبة مغيَّبة، والإرادةُ غيرَ مغالَبة، فلا تعجب بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وجميع قُرْبِك؛ فإنَّ ذلك وإن كان من كسبك فإنه من خلْق ربِّك وفضلِه الدَّارِّ علَيك وخيرِه، فمهما افتخرت بذلك كنت كالمفتخر بمتاعِ غيره، وربما سُلِب عنك فعاد قلبُك من الخير أخلى من جوْف البعير، فكم من روضةٍ أمسَت وزهرها يانعٌ عميم فأصبحت وزهرها يابِسٌ هشيم، إذ هبَّت عليها الريحُ العقيم، كذلك العبد يمسِي وقلبه بطاعة الله مشرقٌ سليم فيصبح وهو بمعصيةٍ مظلم سقيم.. ذلك فعل العزيز الحكيم الخلاق العليم[5].

وعن أمير المؤمنين عثمان - رضى الله عنه - قال: "اجتنِبوا الخمرَ فإنها أمُّ الخبائث؛ إنه كان رجلٌ ممن كان قبلكم تعبَّد فعلِقت امرأةٌ غويَّة، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنّا ندعوك للشهادة فانطلَق مع جاريتها فطفقت الجاريةُ كلَّما دخل بابًا أغلقته دونه حتى أفضت إلى امرأة وضِيئةٍ -أي جميلة- عندها غلامٌ وباطيةُ خمْر، فقالت: إني والله ما دعوتُك للشهادة ولكن دعوتُك لتقعَ عليَّ أو تشربَ من هذه الخمر كأسًا أو ت***َ هذا الغلام، قال فاسقِني من هذه الخمر؟ فسقَته كأسًا قال: زيدُوني، فلم يزل يشربُ حتى وقعَ عليها و*** الغلامَ، فاجتنبوا الخمر فإنَّه والله لا يجتمعُ الإيمانُ وإدمانُ الخمر إلا ليوشك أن يخرج أحدُهما صاحبَه"[6].

ولم نقع في القرآن والسنَّة على ما نستشهِدُ به على استضاءة فهم وعقلِ من يحبُّه الله؛ لكنَّه أمرٌ يدرك بداهةً، ويستنْبَط من رُوح الشريعة؛ إذ لا شك أن من يُزَكِّي نفسَه من موانع محبَّة العليِّ الكبير يكون أضوأَ فهمًا وعقلاً من الواقع فيها، ولا شك أيضًا أن من يأخذ بأسباب محبَّتِه تعالى هو الآخر يكونُ كذلك؛ وإلا فأيُّ إنسان أضوأ فهماً وعقلاً من متَّبِع النبي - صلى الله عليه وسلم-، المخلِصِ في عبادته، والمتخلِّق بمكارم الأخلاق، والمحسن في الأمور كلها؟!

ثالثًا: أن يكون متَّحِدَ الهمِّ والشمْل:
وكما أن المحبوبَ من الله يكون منشرِحَ الصدْر مستضيءَ الفهم والعقل، فكذلك يكون متَّحِدَ الهم؛ أيْ يكون همُّه واحدًا وشمله مجتمعاً. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "من كانَ همُّه الآخِرَة جمَع الله شمله وجعل غِناه في قلبه وأتتْه الدنيا وهي راغِمة، ومن كانت نيَّتُه الدنيا فرَّق الله عليه ضيْعته وجعل فقرَه بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له"[7]، ويُقال: جمَع الله شمله أيْ ما تشتَّت من أمرِه، وفرَّق الله شمله: أي ما اجتمع من أمرِه فهو من الأضداد[8].

فهذا دليلٌ على اتحاد همِّ المحبوب من الله تعالى، وقد سبَق أن الزهد في الدنيا من أسباب محبَّته سبحانه عبده، وإن كان هذا كسابِقِه مما يدرَك بالبدَاهة وروحِ الشريعة؛ إذْ من يحبُّهُ اللهُ لابد أنه يريحُه، ولا راحةَ مع تفرِّق الشمل والهمِّ، ومن يحبّه الله يستخلِصْه ومن يستخلصه لا يأبَه بالدنيا، وكذا فإنَّ الآخذَ بأسباب المحبَّة الإلهية والمحترِز من موانعِها يكونُ همُّه في تحصيل هذا الكنـز الثمين فلا ينشغل بغيرِه من السفساف والتفاهات.

[1] انظر: "تفسير القرطبي" (ج14 ص51).

[2] انظر: "الدر المنثور" (ج8 ص547).

[3] انظر: "شعب الإيمان" (2/229).

[4] [حسن] أخرجه الترمذي في القدر (ح2140)، وابن ماجه (3834)، وابن أبي شيبة (10/209 ح29187)، و(11/36 ح30396)، وأحمد (3/112 ح12131)، و(3/257 ح13731)، وأبو يعلى (3687 و3688) جميعا من طريق: الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال، فذكر الحديث. قال الترمذي: "وفي الباب عن النواس بن سمعان وأم سلمة وعبد الله بن عمرو وعائشة، وهذا حديث حسن، وهكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس، وروى بعضهم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وحديث أبي سفيان عن أنس أصح".
وأخرجه الترمذي أيضا في الدعوات (ح3522)، وأحمد (6/294 و301 و351)، وعبد بن حميد (1534) عن شهر بن حوشب عن أم سلمة رضي الله عنها. الحديث، ثم قال الترمذي: "وفي الباب عن عائشة والنواس بن سمعان وأنس وجابر وعبد الله بن عمرو ونعيم بن همار، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن".
وأخرجه أحمد (6/91)، والنسائي في "الكبرى" كما في "التحفة" (11/16059) من طريق: المعلى بن زياد وهشام وبونس، عن الحسن، عن عائشة رضي الله عنها.

[5] انظر: "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" للإمام القرطبي (ص42).

[6] [صحيح موقوف] أخرجه النسائي (8/315 ح5666)، وعبد الرزاق في "المصنف" (9/236)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" ذكر النوع العشرين (63)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/10 ح5586) جميعًا عن عثمان بن عفان - رضى الله عنه - موقوفًا عليه.

[7] [رجاله ثقات] أخرجه ابن ماجه (4105)، وأحمد في "المسند" (5/183)، والطبراني في "الكبير" (11/266) قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/56): "رواه ابن ماجه ورواته ثقات والطبراني". وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (4/212 3541): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة رواه بنحوه، ورواه الطبراني بإسناد لا بأس به، ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه، ورواه أبو يعلى الموصلي من طريق أبان بن عثمان عن زيد بن ثابت، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه الترمذي في الجامع وابن ماجه".

[8] انظر: "تحفة الأحوذي" (ج7 ص140).







__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-01-2014, 01:36 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها

أن يكون هواه تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم


عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"[1].

قال الإمام النووي: هذا الحديث كقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وسببُ نُـزولها أن الزبيرَ - رضى الله عنه - كان بينَه وبين رجلٍ من الأنصار خصومةٌ في ماءٍ فتحاكما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اسقِ يا زبيرُ وسرِّح الماء إلى جارِك"، يحضُّه بذلك على المسامحة والتيسير، فقال الأنصاريُّ: إن كان ابنَ عمَّتِك؟ فتلوَّن وجهُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "يا زبيرُ احبِس الماءَ حتى يبلغ الجدر ثم سرِّحْه"[2]، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أشار على الزبير بما فيه مصلحةُ الأنصاري فلما أحفَظَه الأنصاريُّ بما قال -أي أغضبه- استوعَب للزبير حقَّه الذي يجِبُ له، فنَـزَلت هذه الآيةُ. وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخَرَ أنه قال: "والذي نفسي بيدِه لا يؤمِنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين"[3]، قال أبو الزناد: هذا من جوامِع الكلِم؛ لأنَّه قد جمعت هذه الألفاظ اليسيرة معانِيَ كثيرة؛ لأن أقسامَ المحبَّةِ ثلاثةٌ: محبَّة إجلالٍ وعظمة كمحبَّة الوالِد، ومحبَّة شفقةٍ ورحمة كمحبة الولَد، ومحبَّة استحسانٍ ومشاكلة كمحبَّة سائر الناس، فحصَر أصناف المحبَّة. قال ابن بطال: ومعنى الحديث -والله أعلم- أن من استكمَلَ الإيمانَ علِم أن حقَّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وفضلَه آكَدُ عليه من حقِّ أبيه وابنِه والناسِ أجمعين؛ لأنَّ بالرسول - صلى الله عليه وسلم - استنْقَذَه الله - عليه السلام - من النار وهدَاه من الضلال، والمراد بالحديث: بذلُ النفس دونَه - صلى الله عليه وسلم -، وقد كانت الصحابة - رضي الله عنهم - يقاتِلون معه آباءَهم وأبناءَهم وإخوانهم، وقد قَتَل أبو عبيدةَ أباه لإيذائه رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعرَّض أبو بكرٍ - رضى الله عنه - يومَ بدرٍ لولَدِه عبد الرحمن لعلَّه يتمكنُ منه فيقتُله؛ فمن وجد هذا منه فقد صحَّ أن هواهُ تبَعٌ لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -[4].

وقوله "أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما"[5]، قال البيضاويّ: المراد بالحبِّ هنا الحب العقليَّ الذي هو إيثارُ ما يقتضي العقل السليم رجحانَه، وإن كان على خلاف هوى النفس؛ كالمريض يعافُ الدواء بطبعه فينفر عنه بطبعه ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناولَه، فإذا تأمَّل المرءُ أن الشارِع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاحٌ عاجِل أو خلاصٌ آجلٌ، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرَّن على الائتمار بأمره؛ بحيث يصير هواه تبعا له، ويلتذُّ بذلك التذاذًا عقليًّا، إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمالٌ وخيْر من حيث هو كذلك.

بل المراد في الحديث أن يكون اللهُ ورسولُه عند العبدِ أحبَّ إليه مما سواهما حبًّا قلبيًّا، كما في بعض الأحاديث "أحبُّوا الله بكل قلوبكم"[6]، فيميل بكليَّته إلى الله وحدَه حتى يكون وحدَه محبوبَه ومعبودَه، وإنما يحَبُّ من سواه تبعا لمحبَّته كما يحِبُّ الأنبياءَ والمرسلين والملائكة والصالحين لما كان يحبهم ربه سبحانه، وذلك موجبٌ لمحبَّة ما يحبُّه سبحانه وكراهة ما يكرَهُ، وإيثارِ مرضاته على ما سواه، والسعْيِ فيما يُرضيه ما استطاع، وتركِ ما يكره، فهذه علاماتُ المحبَّة الصادقة ولوازمُها[7]، وأما مجرَّد إيثار ما يقضي العقل رجحانَه وإن كان على خلاف هوى النفس؛ كالمريض يعافُ الدواء بطبعه فينفر عنه.. إلى آخر كلامِه، فهذا قد يكون في بعض الأمور علامةً على الحب ولازمًا له لا أنَّه هو الحبُّ[8].

وقال شيخ الإسلام:
أخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الثلاث من كُنُّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان؛ لأن وجود الحلاوة للشيء يتبع المحبَّة له، فمن أحبَّ شيئًا واشتهاه إذا حصل له مرادُه فإنَّه يجد الحلاوة واللذة والسرورَ بذلك، واللَّذة أمرٌ يحصل عُقَيْبَ إدراكِ المُلائِم الذي هو المحبوب أو المشتَهَى، قال: فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة والفرح يتبع كمالَ محبّة العبدِ لله، وذلك بثلاثة أمور: تكميل هذه المحبّة وتفريعها ودفع ضدِّها، فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما فإنّ محبّة الله ورسولِه لا يُكْتَفَى فيها بأصلِ الحبِّ، بل لا بد أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما. قلتُ: ولا يكون كذلك إلا إذا وافَق ربَّه فيما يحبُّه وما يكرهه.

قال:
وتفريعُها أن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله. قلت: فإن من أحبَّ مخلوقًا لله لا لغرَضٍ آخر كان هذا من تمامِ حبِّه لله؛ فإن محبَّة محبوبِ المحبوب من تمام محبَّة المحبوب، فإذا أحبَّ أنبياءَ الله وأولياءَه لأجْلِ قيامهم بمحبوباتِ الله لا لشيءٍ آخر فقد أحبَّهم لله لا لغيرِه.

قال:
ودفْع ضدِّها أن يكرَه ضدَّ الإيمانِ كما يكرَه أن يُقْذَف في النار. قلت: وإنما كَرِهَ الضدَّ لما دخلَ قلبه من محبَّة اللهِ فانكشَف له بنور المحبَّة محاسنُ الإسلام ورذائلُ الجهل والكفرانِ، وهذا هو الحبُّ الذي يكونُ مع من أحبَّ، كما في الصحيحين عن أنسٍ أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - متى الساعة؟ فقال: "ما أعددتَ لها"؟ قال: ما أعددتُ لها من كثيرِ صلاةٍ ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحبُّ اللهَ ورسولَه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتَ مع من أحببت"[9]، وفي رواية للبخاري: فقلنا ونحنُ كذلك؟ قال: "نعم"، قال أنسٌ: ففرِحْنا يومئذٍ فرحًا شديدًا[10].

وقولُه: "مما سواهما" فيه جمعُ ضمير الربِّ سبحانه وضميرِ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد أنكره على الخطيب لما قال "ومن يعصِهِما فقد غوى"، وأحسن ما قيل فيه قولان.. أحدُهما: ما قاله البيضاوي وغيره أنَّه ثنَّى الضمير هنا إيماءً إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبَّتَين لا كلّ واحدة، فإنها وحدَها لاغيةٌ، وأمر بالأفراد في حديث الخطيب إشعارًا بأنَّ كلّ واحد من العصيانين مستقلٌّ باستلزام الغَوَاية؛ إذ العطفُ في تقدير التكرير والأصلُ استقلالُ كلٍّ من المعطوفَين في الحكم. قلت: وهذا جوابٌ بليغٌ جدًّا[11].

[1] [ضعيف الإسناد] أخرجه البيهقي في "المدخل" (1/188 ح209)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (6/21)، والبغوي في "شرح السنة" (ح104) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وذكره النووي في "الأربعين" عند الحديث رقم (40) ثم قال بعده: "قال الشيخ رحمه الله: حديث حسن صحيح، رويناه في "كتاب الحجة" بإسناد صحيح". اه‍.
لكن تعقبه ابن رجب في شرحه "جامع العلوم والحكم" فقال: تصحيحُ هذا الحديث بعيدٌ جدًّا من وجوه، فذكر منها:
(الوجه الأول): تفرد نُعيمُ بنُ حماد المروزي، وهو ممن عنده مناكير كثيرة لا يتابع عليه.
(الوجه الثاني): اختلف فيه على نُعيم في إسناده، فروي عنه، عن الثقفي، عن هشام، ورُوي عنه عن الثقفي، حدَّثنا بعضُ مشيختنا هشام أو غيره، وعلى هذه الرواية، فيكون شيخ الثَّقفيِّ غيرَ معروف عينه، ورُوي عنه عن الثقفي، حدّثنا بعض مشيختنا، حدَّثنا هشام أو غيره، فعلى هذه الرواية، فالثقفيُّ رواه عن شيخٍ مجهولٍ، وشيخه رواه عن غير مُعَيَّن، فتزدادُ الجهالةُ في إسناده.
(الوجه الثالث): أنَّ في إسناده عُقبةَ بن أوس السَّدوسي البصري، ويقال فيه: يعقوب ابن أوس أيضا، وقد خرَّج له أبو داود والنَّسائي وابن ماجه حديثا عن عبدالله ابن عمرو، ويقال: عبدالله بن عمر، وقد اضطرب في إسناده، وقد وثقه العجلي، وابن سعد، وابن حبان، وقال ابنُ خزيمة: روى عنه ابن سيرين مع جلالته، وقال ابنُ عبد البرِّ: هو مجهول. وقال الغلابي في "تاريخه": يزعمون أنَّه لم يسمع من عبدالله بن عمرو، وإنَّما يقول: قال عبدالله بن عمرو.
فعلى هذا تكون رواياتُه عن عبدالله بن عمرو منقطعة، والله أعلم.
ثم ذكر الحافظ ابن رجب شواهد تشهد لصحة المعنى، فقال: "معنى الحديث، فهو أنَّ الإنسان لا يكون مؤمنًا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعةً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأوامر والنَّواهي وغيرها، فيحبُّ ما أمر به، ويكره ما نهى عنه. وقد ورد القرآن بمثل هذا في غير موضع.. قال تعالى: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾. اه‍ كلامه مختصرًا.
فإذن الحديث ضعيف السند، لكن متنه موافقٌ للشرع منسجم مع العقيدة الإسلامية الصحيحة؛ إذ لابد أن يحبَّ المسلم ما جاء به الرسولُ، لا أن يطيعه كارهًا، لأنه ما كره التنزيلَ أو بعضَه إلا كافرٌ أو منافقٌ ولا يتأتى ذلك من مسلم، وإنما المسلم يعصي وهو يحب الطاعة ويكره المعصية ويحب الطائعين وإن لم يكن منهم ويكره العصاة وإن كان منهم، وتلك فضيلة نرجو أن يغفر الله بها معاصينا.

[2] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في المساقاة (ح2360)، ومسلم في الفضائل (ح2357) من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

[3] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الإيمان (ح15)، ومسلم في الإيمان (ح44) من حديث أنس رضي الله عنه.

[4] انظر: "شرح الأربعين النووية" (ص107).

[5] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الإيمان (ح16)، ومسلم في الإيمان (ح43) من حديث أنس رضي الله عنه.

[6] أخرجه ابن إسحاق في "سيرته"، كما في "سيرة ابن هشام" (3/30)، و"جامع العلوم والحكم" (366).

[7] أي محبَّة العبدِ للهِ تعالى، وهو موضوع الجزء الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله.

[8] ذكر هذا الكلام الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ردًّا على البيضاوي في زعمه أن محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عقليَّة لا قلبيَّة. والمحبة العقلية هي معرفةُ الإنسان وعلمُه بأن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - خير له من والده وولده والناس أجمعين، بل ونفسِه التي بين جنبيه، وهي أول الإيمان وليس وراءها إيمانٌ البتة؛ لأنه إن لم يعلم ذلك لم يكن منـزلا شيئا من الشرع منـزلته، أما المحبَّة القلبية فهي زيادةٌ على المحبة العقلية بنوعِ موالاةٍ تملِك على الإنسان نفسَه بما فوق المعرفة والعلم من إخلاصٍ ورضا وغيرهما من لوازم المحبَّة القلبية التي لا تتوافر في المحبة العقلية.

[9] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الأدب (ح6171)، ومسلم في البر والصلة (ح2639) من حديث أنس رضي الله عنه.

[10] أخرجه البخاري في الأدب (ح6167) ولفظه "أن رجلا من أهل البادية أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك! وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله، قال: إنك مع من أحببت، فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم، ففرحنا يومئذ فرحا شديدا؛ فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني فقال: إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".

[11] انظر: "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص418-420) باختصار، نشر مكتبة الرياض الحديثة - الرياض.







__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-01-2014, 01:37 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها

أن يكون قريبًا مما يقرِّب من الله تعالى

بعيدًا ونافرًا مما يبعد عنه سبحانه



وهذا مناسبٌ للمظهر الذي قبله، وهو محور كلام العلماء السابق؛ أي العمل بمراضي الرب ومحابِّه، والابتعاد عن مبغوضاته ومكروهاته تعالى.

فأخصُّ علامات محبة الله لعبدِه أن يتولى الله تعالى أمرَه.. ظاهرَه وباطنَه، سرَّه وجهرَّه، فيكون هو المشير عليه، والمدبِّر لأمره، والمزيّن لأخلاقه، والمستعمل لجوارحِه، والمسدِّد لظاهره وباطنه، والمؤنِسَ له بلذِّة المناجاة في خلواته، والكاشف له عن الحجب بينه وبين معرفته.

وقد روى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أم سلمة -رضي الله عنها-: "إذا أحبَّ الله عبدًا جعل له واعظًا من نفسِه، وزاجرًا من قلبِه، يأمره وينهاه"[1].

وهو مناسب للدليل الذي قبله؛ فحديث "كنت سمعه... الخ" مناسبٌ هنا أيضًا، وبعضُ الأوجه السبعة المذكورة هناك أوفَق لهذا المظهر؛ فهذا كما يعني النُّجْح والسداد، يعني أيضًا القرب من الله ومما يحبُّه سبحانه، والنفور من غيره مما يغضِبُه تعالى. وهل يسمى العبد مسدَّدا وناجحًا إلا إذا كان يفعل ما يرضي الرب تعالى وينفر مما يغضبُه؟! إذ المطلوبُ النهائي والهدف الختامي رضاه سبحانه ودخول جنَّته، ولا يبلغُ ذلك إلا من فعل الطاعات واجتنب المنهيات، فيسمى مسدَّدا لأنَّه نال مبتغاه، ويسمى متقرِّبا لأنه فعل ما يُتقرَّب به، وهكذا فالصراط المستقيم واحدٌ ومعالمه واحدة.. فرائض ونوافل، والفرائض صلاةٌ وزكاةٌ وصوم وحج وجهاد وغيرها، والنوافل ما زاد على الفرض مما ندَب الشرع إليه، وأحسنُه ما واظبَ عليه إمامُ الأولياء وسيد المتقرِّبين وأنجح الناجحين - صلى الله عليه وسلم -.

وعن قتادة بن النعمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أحبَّ الله عبدًا حماه الدنيا كما يظلُّ أحدُكم يحمي سقيمَه الماء"[2].

قال المباركفوري:
قوله "إذا أحبَّ الله عبدًا حماه الدنيا"؛ أي حفِظه من متاع الدنيا ومناصِبِه؛ أي حال بينه وبين ذلك بأن يُبعدَه عنه ويعسِّر عليه حصولَه، "كما يظلُّ أحدكم يحمي سقيمه الماء"؛ أي شربَه إذا كان يضرُّه والأطباء تحمي شربَ الماء في أمراضٍ معروفة[3].

وقال المناوي:
"إذا أحبَّ الله عبدًا حماه"؛ أيْ حفِظه من متاع "الدنيا"؛ أي حالَ بينه وبين نعيمِها وشهواتها ووقاه أن يتلوَّث بزهرتها لئلا يمرض قلبُه بها وبمحبَّتِها وممارستها ويألفها ويكره الآخرة، "كما يحمِي" أي يمنع "أحدُكم سقيمَه الماء"؛ أي شربَه إذا كان يَضُرُّه، وللماء حالةٌ مشهورة في الحماية عند الأطباء؛ بل هو منهيٌّ عنه للصحيح أيضًا إلا بأقلِّ ممكن، فإنَّه يبلِّد الخاطر ويضعِفُ المعدة[4]؛ ولذلك أمروا بالتقليل منه وحمَوْا المريضَ عنه، فهو جلَّ اسمُه يذُود من أحبّه عنها حتى لا يتدنَّسَ بها وبقذارتها ولا يَشْرَق بغصَصِها، كيف وهي للكبار مؤذيةٌ وللعارفين شاغلةٌ وللمريدين حائلةٌ ولعامة المؤمنين قاطعة، والله تعالى لأوليائه ناصرٌ ولهم منها حافظٌ وإن أرادوها؟![5].

[1] قال الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء": أخرجه أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث أم سلمة بإسناد حسن بلفظ "إذا أراد الله بعبد خيرا".
لكن أورده الألباني في "الضعيفة" (5/143 ح2124)، وعزاه للديلمي (ص93 "زهر الفردوس" للحافظ)، وهناد (1/290 ح506)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/264) من حديث أم سلمة.

[2] [صحيح] أخرجه الترمذي (ح2036)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (ح1728)، والطبراني في "الكبير" (ح15360)، والطبري في "تهذيب الآثار" (ح 2534)، وصححه ابن حبان (ح671)، والحاكم (ح7571 و7968 و8360)، والبيهقي في "الشعب" (ح10059)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (ح 5186). جميعًا من طريق: عمارة بن غزية عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، فذكره. قال أبو عيسى الترمذي: "وهذا حديث حسن غريب". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وقال الدارقطني في "أطراف الغرائب" (4/267): "تفرد به عمارة بن غزية عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود عنه".
وأخرجه مرسلا: ابن أبي شيبة (8/320)، والترمذي (ح2036)، وأحمد (5/427 ح24021) و(5/428 ح24027)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (ح10061) من حديث محمود بن لبيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا. قال أبو عيسى الترمذي: "وقتادة بن النعمان الظفري هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه، ومحمود بن لبيد قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورآه وهو غلام صغير".
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (ح4174)، والطبري في "تهذيب الآثار" (ح 2535)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (ح10060)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (ح2364 و2365) من حديث محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فجعله من مسند رافع بن خديج. قال الهيثمى (10/285): "إسناده حسن".
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (ح6716) عن محمود بن لبيد، عن عقبة بن رافع، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الحديث، من مسند عقبة بن رافع. قال الهيثمى (10/285): "إسناده حسن".

[3] انظر: "تحفة الأحوذي" (ج6 ص159).

[4] في هذا نظرٌ يرجَع فيه إلى الأطباء، ولا يحمل جزمًا على حديث رسول الله، فليس هذا من معاني الحديث ضرورة.

[5] انظر: "فيض القدير" (ج1 ص246).







__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-01-2014, 01:38 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

من آثار المحبة الإلهيّة ومظاهرها

أن يفقهه الله تعالى في دينه ويعلمه


عن معاوية - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدِّين"[1].

قال الحافظ:
هذا الحديثُ مشتمِلٌ على ثلاثة أحكام..
أحدها: فضل التفقُّه في الدين.
وثانيها: أن المعطي في الحقيقةِ هو اللهُ.
وثالثها: أن بعضَ هذه الأمة يبقى على الحقِّ أبدًا.
فالأول لائقٌ بأبواب العلم، والثاني لائق بقَسْم الصدقات.. والثالث لائقٌ بذكر أشرَاط الساعة.. وقد تتعلق الأحاديثُ الثلاثة بأبواب العلم.. خاصةً من جهة إثبات الخير لمن تفقَّهَ في دين اللهِ، وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتَحُ اللهُ عليه به، وأن من يفتح اللهُ عليه بذلك لا يزال ***ُه موجودًا حتى يأتي أمرُ الله، وقد جزَم البخاريُّ بأن المراد بهم[2] أهل العلم بالآثار، وقال أحمدُ بن حنبل: إن لم يكونوا أهلَ الحديث فلا أدري مَنْ هُم، وقال القاضي عياض: أرادَ أحمدُ أهلَ السنة ومن يعتقدُ مذهبَ أهلِ الحديث، وقال النووي: يحتمل أن تكون هذه الطائفة فِرقةً من أنواع المؤمنين ممن يقيمُ أمْرَ الله تعالى من مجاهدٍ وفقيهٍ ومحدِّثٍ وزاهدٍ وآمرٍ بالمعروف وغير ذلك من أنواعِ الخير، ولا يلزم اجتماعُهم في مكانٍ واحد؛ بل يجوزُ أن يكونوا متفرِّقين.

قوله "يفقِّهْه"؛ أي يُفَهِّمه.. يقال: فَقُهَ -بالضم- إذا صار الفِقْه له سجيَّة، وفَقَهَ - بالفتح - إذا سبَق غيرَه إلى الفهم، وفَقِهَ -بالكسر- إذا فَهِمَ، ونكَّر "خيرًا" ليشمَل القليلَ والكثيرَ والتنكيرُ للتعظيم؛ لأنّ المقام يقتضِيه، ومفهوم الحديث أنَّ من لم يتفقه في الدين أي يتعلَّم قواعدَ الإسلام وما يتصل بها من الفروعِ فقد حُرِمَ الخير. وقد أخرج أبو يعلى حديثَ معاوية من وجهٍ آخر ضعيفٍ وزاد في آخره "ومن لم يتفقَّهْ في الدين لم يُبالِ اللهُ به"[3]، والمعنى صحيحٌ؛ لأن من لم يعرِف أمورَ دينِه لا يكون فقيهًا، ولا طالبَ فِقه، فيصح أن يوصف بأنه ما أريدَ به الخير، وفي ذلك بيانٌ ظاهرٌ لفضل العلماء على سائر الناس ولفَضْل التفقُّهِ في الدين على سائر العلوم[4].

وقالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ:
فيه فضيلةُ العلم والتفقُّه في الدين، والحثّ عليه، وسببُه أنه قائِدٌ إلى تقوى الله تعالى[5].

[1] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في العلم (ح71)، ومسلم في الزكاة (ح1037) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.

[2] أي بالطائفة المنصورة الذين لا يضرُّهم من خالفَهم ولا من خذَلهم.

[3] [ضعيف] كما قال الحافظ هنا، ولم أقف عليه عند أبي يعلى، ولكنني وجدته عند ابن عدي في "الكامل" (7/73) في ترجمة (الوليد بن محمد الموقري القرشي) وهو ضعيف، ورواه الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاوية مرفوعًا بلفظ "إن المؤمن لا يغلب ولا يخلب ولا يتنبأ بما لا يعلم، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومن لم يتفقه لم يبال به".

[4] انظر: "فتح الباري" (ج1 ص164-165) مختصرا.

[5] انظر: "شرح النووي على مسلم" (ج7 ص128).







__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-01-2014, 01:40 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها

أن يكون منشغلًا بربه عما سواه تعالى


- أن يكونَ مُنْشَغِلاً بربِّه عمَّا سِوَاه تعالى -
ذكر البَيْهَقِيُّ -في الشُّعب، عن إبراهيم بن علي المريديّ- يقول: من المحالِ أن تعرفَه -أي ربُّ العالمين جلَّ ذكرُه- ثم لا تحبّه، ومن المحُال أن تحبَّه ثم لا تذكره، ومن المحال أن تذكره ثم لا يوجدكَ طعمَ ذكره، ومن المحال أن يوجدك طعم ذكره ثم لا يشغلك به عمّا سواه[1].

وذكر أبو نعيم -في الحِلْية، عن جابر الجعفيّ- قال: قال لي محمد بن عليٍّ: يا جابر، إني لمحزونٌ، وإني لمشتغِل القلبِ، قلتُ: ولم حُزْنُك وشغلُ قلبك؟ قال: يا جابر إنه من دخل وقلبُه صافٍ خالصٌ دينَ اللهِ شغلَه عما سواه[2].

وهذا مع أنه ليس من الوحي المنزل إلا أنه موافقٌ له، فقد نقلنا كثيرًا من النصوص الدالة على أنَّ من مظاهر محبة الله سبحانه لعباده أن يكونوا منشغلين به سبحانه عمَّا سواه، ومن ذلك الجزء الذي أوردناه بشروحه قريبًا من حديث «من عادى لي وليًّا» بمختلف رواياته.

نعم فبقدر محبِّة الله للعبد ينشغل العبد به سبحانه، وليس العكس فقط، فإن المحبَّتين اللتين من الله ومن العبد تعتوِران الإنسان حتى لتأخذانِه من نفسه بالكُلِّيَّة، فضلاً عن أنهما تأخذانِه من محيطِه المعيشي الذي يصبح إطارًا ضيَّقا يراه يَحُول بينَه وبين آفاقٍ أرحب ومُثُلٍ أسمى وأعلى، ومن ثم كان الحلم بالجنِّة والتفكُّر في آلاء الله وغيرهما من المتممات التي منطلقها ومنتهاها محبّة الله، والتي هي مخرج المحبوب من قبل ربِّه من ضنك وكبد الحياة المكتوبين على *** بني آدم.. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾ [طه: 124].

ومع ذلك فهذا المظهر الظاهر لكل ذي عينين ليس في حاجةٍ إلى دليل؛ لأنه ليس محلاًّ للاعتراض إلا من قِبَل ملحدٍ أبعده الله.. أنَّى يُنادى؟!!

[1] ذكره البيهقي في «شعب الإيمان» (1/370).

[2] ذكره أبو نعيم في «حلية الأولياء» (3/182).







__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13-01-2014, 01:41 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

من آثار المحبة الإلهيّة ومظاهرها

أن يسدِّد الله تعالى خُطاه فيكون النجاح دائمًا حليفَه

عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى قال:... فإذا أحببتُه كنتُ سَمْعَه الذي يَسمع به، وبصَره الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطِش بها، ورجله التي يمشي بها، ولَئِن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه"[1]. وعن أبي أُمامة يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: "فأكون سمعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانَه الذي ينطق به، وعقله الذي يعقِلُ به، فإذا دعاني أجبتُه، وإذا سألني أعطيتُه، وإن استنصرني نصرْتُه"[2].

قال الحافظ:
فمن والى أولياءَ اللهِ أكرمَه اللهُ، وقال الطوفي: لما كان وليُّ الله من تولَّى اللهَ بالطاعة والتقوى تولاَّه الله بالحفظ والنصرة.. وقد استُشْكِل كيف يكون البارِي جلَّ وعلا سمعَ العبْد وبصرَه الخ، والجواب من أوجه..

أحدُها: أنه ورد على سبيل التمثيل، والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثارِه أمري، فهو يحبُّ طاعتي ويؤثر خِدمتي، كما يحبُّ هذه الجوارح.

ثانيها: أن المعنى كليَّتُه مشغولةٌ بي؛ فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني، ولا يرى ببصره إلا ما أمرتُه به.

ثالثها: المعنى أجعَلُ له مقاصدَه كأنَّه ينالها بسمعه وبصره.. الخ.

رابعها: كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويدِه ورجله في المعاونة على عدوِّه.

خامسها: قال الفاكهاني، وسبقه إلى معناه ابنُ هبيرة: هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضافٍ، والتقديرُ كنتُ حافظَ سمعِه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحلّ استماعه، وحافظ بصرِه كذلك.. الخ.

سادسها: قال الفاكهاني: يحتمل معنى آخر أدقَّ من الذي قبله، وهو أن يكون معنى سمعه مسموعَه؛ لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول؛ مثل فلان أمَلي بمعنى مأمولي، والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يلتذُّ إلا بتلاوة كتابي، ولا يأنَس إلا بمناجاتي، ولا ينظرُ إلا في عجائب ملكوتي، ولا يمدُّ يدَه إلا فيما فيه رضاي، ورجله كذلك، وبمعناه قال ابنُ هبيرة أيضا.

وقال الطوفي:
اتفق العلماء ممن يُعتَدُّ بقوله أن هذا مجازٌ وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته، حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها، ولهذا وقع في رواية "فبي يَسمع، وبي يُبصر، وبي يَبطِش، وبي يمشي"[3].

وقال الخطابي:
هذه أمثال، والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبَّة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصِمه عن مُواقعة ما يكرَه اللهُ؛ من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحلُّ له بيدِه، ومن السعي إلى الباطل برجله، وإلى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي وعبر بقوله: أحفظُه فلا يتصرَّف إلا في محابِّي؛ لأنه إذا أحبَّه كرِهَ له أن يتصرف فيما يكرهه منه.

سابعها: قال الخطَّابي أيضًا: وقد يكون عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب، وذلِك أن مساعيَ الإنسان كلَّها إنما تكون بهذه الجوارح المذكورة، وقال بعضُهم، وهو منتزَع مما تقدم: لا يتحرَّك له جارحةٌ إلا في اللهِ ولله؛ فهي كلُّها تعمل بالحقِّ للحق، وأسند البيهقي في الزهد عن أبي عثمان الجيزي أحد أئمة الطريق قال معناه: كنت أسرَع إلى قضاء حوائجِه من سمعه في الإسماع وعينه في النظر ويدِه في اللمس ورجلِه في المَشْي.

قوله: "أعطيته"؛ أي ما سأل.
قوله "ولئن استعاذني".. المعنى أعذته مما يخافُ، وفي حديثِ أبي أُمامة "وإذا استنصر بي نصرتُه"، وفي حديث أنس "نصحَني فنصحتُ له"[4].

وقد استشكل بأن جماعةً من العُبَّاد والصُّلَحاء دعَوْا وبالغُوا ولم يجابوا، والجواب أن الإجابة تتنوع؛ فتارةً يقع المطلوب بعينه على الفور، وتارةً يقع ولكن يتأخَّر لحكمةٍ فيه، وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير عين المطلوب؛ حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها.

وفي حديث حذيفة من الزيادة "ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جارِي مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة"[5].

قال الطوفي:
هذا الحديث أصلٌ في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفتِه ومحبَّته وطريقِه؛ إذ المفترضات الباطنة وهي الإيمان، والظاهرة وهي الإسلام، والمركَّب منهما وهو الإحسان فيهما، كما تضمَّنه حديثُ جبريل، والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرِها، وفي الحديث أيضًا أن من أتى بما وجب عليه وتقرب بالنوافل لم يُرَدَّ دعاؤه لوجود هذا الوعد الصادق المؤكَّد بالقسم، وقد تقدَّم الجواب عما يتخلَّف من ذلك وفيه أن العبد، ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبًا لله، لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية، وقد تقدَّم تقرير هذا واضحًا في أوائل كتاب الدعوات[6].

وقال المناوي - رحمه الله تعالى -:
"فإذا أحببته"؛ لتقرُّبه إليَّ بما ذكر حتى قلبه بنور معرفتي، "كنت"؛ أي صرت "سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها".. يعني يجعَلُ الله سلطان حبِّه غالبًا حتى لا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبُّه الله، عونًا له على حماية هذه الجوارح عما لا يرضاه، أو هو كنايةٌ عن نصرة الله وتأييده وإعانته له في كلِّ أموره، وحماية سمعه وبصره وسائر جوارحه عما لا يرضاه، وحقيقة القول ارتهان كلية العبد بمراضي الرب على سبيل الاتساع؛ فإنهم إذا أرادوا اختصاص شيءٍ بنوعِ اهتمام وعناية واستغراق فيه ووَلَه به ونزوعٍ إليه سلكوا هذا الطريق.. قال:
جنوني فيك لا يَخفَى
وناري فيك لا تخبو
وأنت السمْع والناظـ
ر والمُهْجَةُ والقلبُ


والحاصل أن من تقرّب إليه بالفرض ثم النفل قرّبه فرقّاه من درجة الإيمان مقامَ الإحسان، حتى يصِير ما في قلبِه من المعرفة يشاهده بعين بصيرته وامتلاء القلب بمعرفته (يمحو) كلّ ما سواه، فلا ينطق إلا بذكره ولا يتحرَّك إلا بأمره، فإن نظر فيه[7] أو سمع فيه أو بطش فيه وهذا هو كمال التوحيد.

"وإن سألني لأعطينه" مسؤولَه؛ كما وقع لكثيرٍ من السلف، "وإن استعاذ بي" -روي بنونٍ وروي بموحدة تحتية والأول الأشهر- "لأعيذنَّه" مما يخاف، وهذا حال المحبِّ مع محبوبه، وفي وعدِه المحقق المؤكد بالقسم إيذانٌ بأنَّ من تقرب بما مر لا يُرَدّ دعاؤه[8].

فالأقوال الثالث والرابع والسابع من ردِّ ابن حجرٍ الاستشكال الأوَّل على حديث أبي هريرة، وكذلك قول الطوفي والخطابي والداودي والكلاباذي، والتفسير الثاني للمناوي، كل ذلك صريح في أن المقصودَ توفيقُ الله وإعانتُه عبدَه المحبوبَ منه، وذلك ما عنينا به تسديدَ اللهِ تعالى خُطا عبدِه وأن يكونَ النجاحُ حليفَه. وأما إحالتُهم هذا النجاحَ والتسديدَ إلى الائتمار بأوامر الدين والانتهاء عن نواهيه فلا يعني أن العبد لا يكون موفَّقًا ومسدَّدًا إلا في ذلك، بل وفي كل عملٍ يعمله ما لم يكن حرامًا، فإن كان حرامًا فليس توفيقًا من الله لمحبوبه أن ينجزه، بل هو عقابٌ على معصِيَةٍ اقترفها أو لأمرٍ آخَر، والله أعلم.

كما لا يُجْزَم بأن كلَّ من لم تُقْضَ حوائجُه غيرُ محبوبٍ لله؛ لأن عدم التوفيق هذا قد يكون لأمورٍ عارِضة، أو لمصلحةٍ علِمها اللهُ ولم نعلمْها، وفي ذلك جوابُ الاستشكال الثاني الذي أورده ابن حجر على حديث أبي هريرة، وكذا آخر كلام الطوفي.

[1] أخرجه البخاري وقد تقدم تخريجه.

[2] أخرجه الطبراني في "الكبير" (12/145)، وقال الحافظ في الفتح: وزاد عبدالواحد في روايته "وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به"، ونحوه في حديث أبي أمامة، وفي حديث ميمونة "وقلبه الذي يعقل به"، وفي حديث أنس "ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدًا ومؤيِّدا".

[3] قال الألباني -رحمه الله تعالى- في "السلسلة الصحيحة" (2/384 ح1640): "أورد شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث في عدة أماكن من "مجموع الفتاوي" (5/511 و10/58 و11/75-76 و17/133-134) من رواية البخاري بزيادة "فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي". ولم أر هذه الزيادة عند البخاري ولا عند غيره ممن ذكرنا من المخرجين، وقد ذكرها الحافظ في أثناء شرحه للحديث نقلا عن الطوفي، ولم يعزها لأحد". اه‍.

[4] لم أقف على الحديث من طريق أنس.

[5] [إسناده جيد] أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/116) من حديث حذيفة - رضى الله عنه - مرفوعًا، ولفظه: "يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تعالى أوحى إليّ يا أخا المرسلين ويا أخا المنذرين أنذر قومك أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد عندهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائما بين يدي يصلي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به، وأكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة"، قال أبو نعيم: "غريب من حديث الأوزاعي عن عبدة، ورواه علي بن معبد عن إسحاق بن أبي يحيى العكي عن الأوزاعي مثله". وعزاه ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص360) للطبراني، ثم قال: "سنده جيد".

[6] انظر: "فتح الباري" (ج11 ص343-345) باختصار شديد.

[7] أي ففيه نظر وفيه سمع.. إلخ، أي خالصًا لوجهه الكريم لا يشركه أحدٌ في شيءٍ من ذلك.

[8] انظر: "فيض القدير" (ج2 ص240) مختصرا.







__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:19 PM.