|
#1
|
|||
|
|||
الجبال في القرآن الكريم
الجبال في القرآن الكريم
مقدمة: ليس بوسع أي عالم مُنصف من علماء الجيولوجيا أو الجغرافيا، إلا أن يشهد أن القرآن حق، وذلك حينما يتدبر كلام القرآن عن الجبال، ففي القرآن الكريم نجد أدق وصف للجبال، ونجد أيضًا الكثير من الحقائق عن الجبال التي لم يكتشفها العلماء إلا في القرن العشرين، وحديث القرآن عن الجبال يشير إلى أقدم الجبال وأطوار نشأتها، وينتهي بالإخبار بمآل الجبال بين يدي الساعة، فتلك أقدم الجبال جعلها الله رواسي للأرض من فوقها؛ لتثبيت الأرض وحفظها من الاضطراب، والجبال بصفة عامة تعمل على اتزان الأرض، ومن ثم كانت الجبال أوتادًا تثبت الأرض، حقًّا الجبال خلق عظيم، ولعظم شأنها حثَّ القرآن على التفكر فيها؛ حيث يقول عز وجل: ﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20]. والجبال تقرن في آيات القرآن مع السماء والأرض؛ يقول تعالى: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 90 - 92] . والجبال كالكائن الحي تنفعل وتخر هدًّا من هول جريمة ادعاء الولد إلى الله، بل إنها أشفقت من حمل الأمانة؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. الجبال الشم الرواسي تشارك المخلوقات في سجودها وتسبيحها للخالق عز وجل، ومع ذلك يستنكف الكثير من الناس أن يشاركوها في سجودها؛ يقول تبارك تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾ [الحج: 18]. وتسبيح الجبال شيء لا يدركه العقل البشري، وقد تفضل الله على عبده داود، فجعل الجبال تسبح معه؛ يقول تعالى: ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 17 - 18 ]، ويقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴾ [سبأ: 10]. وفي الوقت الذي كان فيه داود شاكرًا لأنعم ربه، جحدت عاد نعمة ربهم الذي سخر لهم الجبال ينحتون منها البيوت بحذق ومهارة؛ يقول تعالى: ﴿ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ﴾ [الحجر: 82 - 83]. والجبال منظومة كونية يرد ذكرها في القرآن بصيغة الجمع، فإذا ما وردت الكلمة بصيغة المفرد "جبل"، فإنها تحمل إيحاءً مخصوصا، فهي جبال شهدت مع إبراهيم عليه السلام كيف يحيي الله الموتى، أو جبل دُك في الأرض حينما تجلى الله له، أو جبل يخشع ويتصدع من حمل الأمانة، أو جبل ينتق فوق بني اسرائيل؛ ليأخذوا ما آتاهم الله بقوة، أو جبل يعتقد ابن نوح جهلًا منه أنه يعصمه من الغرق؛ [البقرة - 260، الأعراف: 143، الأعراف:171، هود: 43، الحشر: 21]. وفي القرآن إشارة علمية شغلت العلماء قديمًا وحديثًا حول وظيفة الجبال، وما معنى أنها رواسي؟ وعلى أي شيء ترسو؟ وحقيقة الجبال الأوتاد، وما هي العلاقة بين شموخ الجبال وتصريف الرياح، وإنزال المطر، وطبيعة العلاقة بين مد الأرض وإنقاصها من الأطراف والرواسي؟ وهل الجبال تتحرك في الدنيا؟ ولسوف نوضح تلك الإشارات؛ ليتبين لنا سبق القرآن في كشف ظواهر الجبال، ونشير إلى مآل الجبال في الآخرة، ولسوف نفصل الحديث في النقاط التالية: الإشارات العلمية: وفيما يلي بيان العطاءات العلمية لآيات الجبال في القرآن الكريم: 1- كلمات تهدي وآيات تكشف: أ- الكلمات الهاديات: رواسي، رواسي شامخات، الجبال أوتاد، ألقى فيها رواسي، جعل فيها رواسي، نَصْب الجبال، مد الأرض، تميد الأرض، الجبال أكنان، جُدَد بيض وحمر مختلف ألوانها، غرابيب سود، تسيير الجبال،. دك الجبال، نسف الجبال، قاع صفصف، تسيير الجبال، الجبال كالعهن، الجبال كالعهن المنفوش، الجبال كثيب مهيل. ب- الآيات الكاشفات: 1- الرواسي الأصيلة: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت: 10]. 2- الرواسي بين الجعل والإلقاء: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 31]. ﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15]. 3- مرور الجبال: يقول تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [ النمل: 88]. 4- وتدية الجبال: يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ:7]. 2- أقدم الجبال [شكل: 1]: يقول تعالى: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت: 10]. كانت الأرض في مهد نشأتها مضطربة غير مستقرة، فجعل الله فيها جبالا ثوابت لئلا تميد، وللعلم أن أكثر الأقاليم استقرارًا هي الرواسخ [الكريتونات: "Cratons"، وتمثل الدروع [Shields] وهي أقدم صخور الأرض أنوية القارات، فالدرع العربي على سبيل المثال يمثل ركيزة شبه الجزيرة العربية، والدرع الإفريقي يمثل أساس القارة الإفريقية، وهكذا تمثل الدروع القاعدة التي تستند عليها عجائب العالم: Basement Foundation]] والجدير بالذكر أن الرواسي الأصيلة في الأرض جعلت فيها من مادة الأرض من خلال نشاط داخلها صيَّرها رواسي، ولهذا لا يفهم ﴿ مِن فَوْقِهَا ﴾ على أنها أنزلت من السماء. نصب الجبال: يقول تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20 ] ويلزم الإحاطة من فروع علوم الأرض؛ لكي نفهم كيف تنصب الجبال، إنها عملية غاية في التعقيد، تتطلب معرفة أنواع صخور الجبال وبنياتها، ومكونات الصهارة [المجما] التي تصعد من جوف الأرض، والعوامل التي تؤثر على الأرض؛ سواء من داخلها، أو على سطحها، وأخيرًا معرفة تفسر الآلية التي تبرز فيها الجبال في ضوء نظرية ألواح الغلاف الصخري، وكلما نمت المعارف الجيولوجية، بدأنا نفهم توجيه قوله تعالى: ﴿ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴾، وكلما ارتفعت سلاسل الجبال، كانت الجبال أحدث عمرًا، فجبال الهيمالايا التي تحوي على أعلى قمة في العالم اليوم بدأ نصبها منذ 45 مليون سنة، بينما توقف رفع جبال الأبلاش منذ 250 مليون سنة. ولا تبرز فجأة، بل يستغرق تكوين الجبال ونصبها ملاليين السنين عبر رحلة شاقة ضاربة في أعماق الزمان. وفى أثناء تلك الفترات تتراكم الرواسب ثم يعتريها التشوه والتصدع ثم ترفع الجبال. وقد تنصب الجبال بأن تصطدم قارة بقارة أخرى. وإليك على سبيل المثال قصة نصب سلاسل جبال الهيمالايا [شكل:2]، فالهند كانت تقع على الحافة الجنوبية لبحر قديم لا وجود له اليوم اسمه بحر التيثي [Tethyan Ocean]، بينما كانت تقع التبت عند الحافة الشمالية لذلك البحر العظيم، كان ذلك منذ قرابة المائة مليون سنة، وقطعت الهند مسافة حوالي 1500 كم في أثناء زحزحتها باتجاه آسيا، إلى أن أتى وقت اختفى البحر وابتلعه جوف الأرض، وجاءت لحظة التصادم المحتومة، وعند نطاق التصادم دكت الهند دكًّا، وسُحِقت التبت سحقًا، ركبت الأخيرة فوق الهند، وحينئذ نصبت جبال الهيمالايا. حقًّا إنها أشبه بقيامة صغرى تعلو فيها قارة فوق قارة، والأعجب أن تبرز الجبال من رحم المحيط، وجبال عمان الشمالية خير مثال على ذلك، فحول العاصمة مسقط، يمكن أن ترى قاع بحر قديم قد ألقى على اليابسة، نتيجة تصادم قاع ذلك البحر بيابسة العربية، وامتطى قاع البحر سطح الأرض، وأثناء التصادم - ذلك التصادم المريع - نقلت جبال من أماكنها بالكامل لمئات الكيلو مترات. وتنشأ جبال وتنصب من جراء تصادم قارة بقارة مجاورة، أو قارة وفاع بحر، أو قاع بحر ينطبق من منتصفه، وأيضًا من رحم البحر المشقوق من منتصفه، أو القارة المنشطرة، وما أوتينا من العلم إلا قليلاً، وتبقى كلمات القرآن حافزًا للعقل البشري؛ ليبحث في قوله تعالى: ﴿ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴾، ويثبت العلم الحديث أن الجبال تنشأ بفعل حركة قطع الأرض المتجاورات؛ حيث تتصادم القطع المتجاورة أو تتباعد، ومن تصادمها وتباعدها تبرز سلاسل الجبال؛ يقول تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا.. ﴾ [الرعد: 31 ]. هذا وقد أشرنا من قبل إلى تقطيع الأرض ومرور الجبال. الْجِبَالَ أَوْتَاد: يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النبأ: 6-7 ]. يبدو للعيان أن الجبال ظاهريًّا تشبه الوتد، ولكن ما اكتشف حديثًا يجزم بأن الجبال أوتاد، فلنأخذ جبال الهيمالايا على سبيل المثال؛ حيث تعلو قمتها ثمانية كيلو مترات، وبضع مئات الأمتار عن سطح البحر، والمدهش أن المسح الجيولوجي أثبت أن قاعدة الهيمالايا تضرب لمسافة 65 كيلو مترًا تقريبًا في جوف الأرض؛ حيث تطفو الجبال في وشاح الأرض اللدن [شكل: 3]، وبصفة عامة، فإن الجزء المختفي من الجبال تحت السطح يعادل على الأقل ثمانية أضعاف الجزء البارز فوق سطح الأرض، حقيقة وتدية الجبال لم يعرفها بشر عند نزول القرآن، ولا حتى بعد نزوله، بقرابة ألف عام، حقًّا إنه الوحي الذي أخبر محمد بذلك في قرآن يتلى إلى يوم القيامة. وقد أجمع المفسرون على أن ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ بمعنى جعل للأرض أوتادًا، أرساها وثبتها وقرَّرها؛ لتسكن ولا تميد بأهلها، والجبال من الناحية الشكلية أشبه بأوتاد الخيمة التي تُشد إليها، ويرى الدكتور محمد أحمد الغمراوي [رحمه الله] أن الجبال تساند عمل الجاذبية الأرضية للاحتفاظ بهواء الأرض، والحقيقة أن الجبال في الأقاليم المتزنة تؤدي إلى نمطية الجاذبية، ويطرح الدكتور الغمراوي سؤالين يتطلبان بحثًا علميًّا، وهو: أكانت جاذبية الأرض كافية للاحتفاظ بهواء الأرض، لو أن كتلتها نقصت بقدر كتلة الجبال؟ وهل لارتفاع الجبال دخل في احتفاظ الأرض بجوها؟ ويمكن صياغة السؤال الثاني: هل لو أصبح سطح الأرض قاعًا صفصفًا مستويًا مع احتفاظ الأرض بكتلتها غير منقوصة، تكفي جاذبيتها عندئذ للاحتفاظ بالهواء؟ ويؤكد علم الجيوفيزياء أن تضاريس الأرض بما فيها الجبال، تؤثر على توزيعات الجاذبية الأرضية، والجزء البارز من الجبال له وظيفة تساعد في الإمساك بما فوقه، وبينما الجزء المغمور في الأرض له وظيفة تعمل على تثبيت الأرض، ومن روعة النص القرآني أن [أوتادًا] تشير إلى وظيفة الأوتاد، وأيضًا اختلاف ماهية الأوتاد؛ سواء في الأبعاد، أو المكونات، أو العمق؛ وفقًا لاختلاف أنواع الجبال.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
صدق الله العظيم
__________________
اللهم اجعلنا من الذين سرحت أرواحهم في دار العلى و حطّت همم قلوبهم في غاية التقى و جنوا من ثمار رياض التسنيم و استظلّوا تحت ظلّ الكرامة الظليل اللهم ألبسنا لباس التقوى واكفنا ما أهمنا وارزقنا من واسع كرمك واغفر لنا واحمنا بحمايتك واحفظنا من كل شر وارزقنا الطمأنينة وراحة البال وأدخلنا الجنة يا ذا الجلال والإكرام . |
العلامات المرجعية |
|
|