|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
غزوة مؤتة
ذكر غزوة مؤتة(23)
في جُمادى الأولى سنة ثمان ، ومقتل جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة قال ابن إسحاق : فأقام بها بقية ذي الحجة، ووَلِىَ تلك الحجَّة . المشركون ، والمحرَّم وصفراً وشهريْ ربيع ، وبعث في جُمادى الأولى بعْثَه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤْتة . أمراء غزوة مؤتة: قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَه إلى مُؤْتَة في جُمادى الأولى سنة ثمانٍ ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبد الله ابن رواحة على الناس . فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج ، وهم ثلاثةُ آلافٍ ، فلما حضر خروجهم ودع الناسُ أمراءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلَّموا عليهم . فلما ودع عبد الله بن رواحة من ودع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بكى فقالوا : ما يبكيك يابنَ رواحة ؟ فقال : أما واللّه ما بى حُب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ اية من كتاب الله عزّ وجلّ ، يذكر فيها النار { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } [مريم: 71](24) فلست أدري كيف لي بالصَّدَر بعد الوُرود ؛ فقال المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ؛ فقال عبد الله بن رواحة : ما قاله عبد الله بن رواحة قبل ذهابه أميراً إلى مؤتة : # لكنى أسأل الرحمنَ مغفرةً وضربةً ذات فَرْغٍ تقذفُ الزَّبَدَا(25) # أو طعنةً بيدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً بَحَرْبةٍ تُنْفِذُ الأحشاءَ والكَبِدا(26) # حتى يُقالَ إذا مَرُّوا على جَدَثي أرشدَه الله من غازٍ وقد رشدا (27) قال ابن إسحاق : ثم إن القوم تهيئوا للخروج ، فأتى عبد الله ابن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه ، ثم قال : # فثبَّتَ الله ما آتاك من حَسَن تثبيتَ موسى ونصرا ًكالذي نُصِرُوا # إنى تفرست فيك الخير َ نافلةَ الله يعلمُ أني ثابتُ البصر # أنتَ الرسولُ فمنْ يُحرَم نوافلَه والوجْهَ منه فقد أزْرَى به القَدَرُ قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر هذه الأبيات : # أنت الرسولُ فمن يُحرَم نوافلَه والوجْهَ منه فقد أزْرى به القدرُ # فثبَّت الله ما آتاك من حَسَن في المرسَلين ونصراً كالذي نُصِرُوا # إني تفرستُ فيك الخيرَ نافلة فراسةً خالفتْ فيك الذي نظروا يعنى المشركين وهذه الأبيات في قصيدة له . ! قال ابن إسحاق : ثم خرج القوم ، وخرج رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم ، قال عبد الله بن رواحة : # خَلَف السلامُ على امرئ ودعْتُه في النخلِ خيرَ مُشَيعٍ وخليلِ (28) تخوف الناس من لقاء هرقل : ثم مضوا حتى نزلوا مَعَان ، في أرض الشام ، فبلغ الناسَ أن هرقل قد نزل مآب ، من أرض البلقاء، في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لَخم وجُذَام والقَيْن وبَهْراء وبَلِىّ مائة ألف منهم ، عليهم رجل من بَلِىّ ثم أحد إرَاشة يقال له : مالك بن زَافِلة . فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معانٍ ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره ، فنمضي له . تشجيع ابن رواحة لهم وما قاله في ذلك من الشعر : قال : فشجع الناسَ عبدُ الله بن رواحة، وقال : يا قوم ، واللّه إن التي تكرهون ، للتي خرجتم تطلبون الشهادةَ، وما نُقاتل الناس بعَدد ولا قُوة ولا كَثْرَة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحْدَى الْحُسنَيين :إما ظهورٌ وإما شهادة" قال : فقال الناس : قَدْ واللّهِ صدق ابنُ رواحة . فمضى الناس ؛ فقال عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك : # جَلَبْنا الخيلَ من أجإٍ وفرع ثُغَرُّ من الحشيش لها العُكُومُ (29) # حَذَوْناها من الصُّوَّان سِبْتا أزَلَّ كأن صفحتَه أديمُ (30) # أقامت ليلتين على مَعانٍ فأعقبَ بعدَ فتْرتِها جُمومُ (31) # فرُحْنا والجيادُ مُسَوَّمات تَنَفَّسُ في مناخِرِها السَّمومُ # فلا وأبي مآبَ لنأتينْها وإن كانت بها عَربٌ ورومُ # فعبَّأنا أعنَّتها فجاءتْ عَوَابسَ والغبارُ لها بَرِيمُ (32) # بذي لَجَبٍ كأن البيضَ فيه إذا برزتْ قوانسُها النجومُ (33) # فراضية المَعيشة طَلَّقَتْها أسنتها فتَنْكِحُ أو تَئِيمُ (34) . قال ابن إسحاق : ثم مضى الناس فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حُدث عن زيد بن أرقم ، قال : كنتُ يتيماً لعبد الله بن رواحة في حجره ، فخرج بي في سفره ذلك مُرْدِفي على حقيبة رحْله فواللّه إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه : # إذا أدَّيْتنِي وحَمَلْتِ رحْلي مسيرةَ أربعٍ بعد الحِساءِ(35) # فشأنُك انعمٌ وخَلاكِ ذم ولا أرجعْ إلى أهلي ورائي (36) # وجاء المسلمون وغادَروني بأرضِ الشامِ مُشْتَهِيَ الثَّوَاءِ # وردك كل ذي نسبٍ قريبٍ إلى الرحمنِ منقطعَ الإخاءِ # هنالك لا أبالي طَلْعَ بَعْلٍ ولا نَخْلٍ أسافلُها رِوَاء(37) فلما سمعتهنَّ منه بكيت . قال : فخفقني بالدَّرة، وقال : ما عليك يا لُكَع (538) أن يرزقني الله شهادةً وترجع بين شُعْبتي الرحْل ! قال : ثم قال عبد الله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز : # يا زيدُ زيدَ اليعملات الذُّبِّلِ تطاول الليلُ هُدِيتَ فانزِلِ (39) لقاء الروم وحلفائِهم : قال ابن إسحاق : فمضى الناس ، حتى إذا كانوا بتُخوم (1) البَلْقاء لقيتهم جموعُ هرقل ، من الروم والعرب ، بقرية من قُرى البَلْقاء يقال لها مَشَارِف ، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مُؤْتة، فالتقى الناس عندَها، فتعبأ لها المسلمون ، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عُذْرَة، يقال له قُطْبة بن قَتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له عُبَاية بن مالك . قال ابن هشام : ويقال عُبادة بن مالك . مقتل زيد بن حارثة : قال ابن إسحاق : ثم التقى الناسُ واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شَاطَ (40) في رماحِ القومَ . مقتل جعفر وما قاله من الشعر قبل موته : ثم أخذها جعفرُ فقاتل بها، حتى إذا ألْحمه (41) القتال اقتحم (42) عن فرس له شقراءَ، فعقرها(43)، ثم قاتل القومَ حتى قُتل . فكان جعفرُ أول رجل من المسلمين عقر في الإِسلام . وحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عَبَّاد، قال : حدثني أبي الذي أرضعني وكان أحد بني مرة بن عوف ، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال : واللّه لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى قُتل وهو يقول : # يا حبَّذا الجنةُ واقترابُها طيَبةً وبارداً شرابُها # والرومُ قد دنا عذابُها كافرة بعيدة أنسابُها # عليَّ إذا لاقيتُها ضِرَابُها من شجاعة جعفر : قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم : أن جعفَر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقُطعت ، فأخذه بشماله فقُطعت ، فاحتضنه بعَضُدَيْه حتى قتُل رضى الله عنه ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جَنَاحَيْن في الجنة يطير بهما حيث شاء(46). ويقال : إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربةً، فقطعه بنصْفَين . مقتل عبد الله بن رواحة : قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير : عن أبيه عباد قال : حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مُرة بن عوف ، قال : فلما قُتل جعفر أخذ عبد الله بن رَوَاحة الرايةَ، ثم تقدم بها، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسَه ، ويتردد بعضَ التردد، ثم قال : # أقسمْتُ يا نفسُ لَتَنْزِلِنَّه ، لتَنْزِلِنَّ أو لتكْرَهِنَّهْ # إن أجْلَبَ الناسُ وشَدُّوا الرَّنَّهْ ما لي أراكِ تكرهينَ الجنَّهْ (1) # قد طالَ ما قد كنتِ مُطمئنه هل أنتِ إلا نُطْفةٌ في شَنَّهْ (2) وقال أيضاً : # يا نفسُ إلا تُقْتَلِي تموتى هذا حِمامُ الموْتِ قد صَليتِ # وما تمنَّيتِ فقد أعْطِيتِ إن تفعلى فعلَهما هُدِيتِ يريد صاحبيه : زيدا(3) وجعفرا ؟ ثم نزل . فلما نزل أتاه ابن عم له بعَرْق (ا) من لحم فقال : شُد بهذا صلبَك ، فإنك قد لَقيتَ في أيامِك هذه ما لقيتَ ، فأخذه من يده ثم انتهَسَ (2) منه نَهْسةً، ثم سمع الحَطْمَة(3) فيِ ناحيةِ الناس ، فقال وأنتَ في الدنيا ؟! ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قُتل . إمارة خالد وحُسن تصرفه : ثم أخذ الراية ثابتُ بنُ أقْرَم أخو بني العَجْلان ، فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل . فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فلما أخذ الراية دافع القوم ، وخاشى(4) بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه ، حتى انصرف . بالناس . الرسول يتنبأ بما حدث : قال ابن إسحاق : ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني : أخذ الرايةَ زيدُ بن حارثة فقاتل بها حتى قُتل شهيدا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قُتل شهيداً قال : ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رَوَاحة بعضُ ما يكرهون ، ثم قال : ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قُتل شهيداً، ثم قال : لقد رُفعوا إلىَّ في الجنة، فيما يرى النائم ، على سُررٍ من ذَهب ، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازْوِرَاراً(1) عن سريرَيْ صاحبيه ، فقلت : عَمَّ هذا ؟ فقيل لي : مَضيا وتردد عبدُ الله بعضَ التردد، ثم مضى . حزن الرسول على جعفر ووصيته بآله : قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن أم عيسى الخزاعية، عن أم جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي طالب ، عن جدتها أسماء بنت عُمَيْس ، قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دَبَغت أربعين مَنًّا - قال ابن هشام : ويروى أربعين منيئة - وعجنت عجيني ، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم قالت : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتينى ببنى جعفر؛ قالت : فأتيته بهم ، فتشممهم وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمى، ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شىء ؟ قال : نعم أصيبوا هذا اليوم . قالت : فقمتُ أصيح ، واجتمعت إلىَّ النساء، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال : لا تغفلوا ال جعفر من أن تصنعوا لهم طهاما، فإنهم قد شُغلوا بأمرِ صاحبِهم (2). وحدثني عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت ، لما أتى نعىُ جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن . قالت : فدخل عليه رجل فقال : يا رسول الله ، إن النساء عثَيننا وفتَنَّنا ؛ قال : فارجعْ إليهن فأسكتهن . قالت : فذهب ثم رجع ، فقال له مثل ذلك - قال : تقول وربما ضَرَّ التكلفُ أهلَه - قالت : قال : فاذهب فأسكتهن ،،فإن أبَيْنَ فاحثِ في أفواهِهن الترابَ ، قالت : وقلتُ في نفس : أبعدَك الله فواللّه ما تركتَ نفسَك وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وعَرَفتُ أنه لا يقدرُ على أن يحْثِى في أفواهِهن الترابَ . شعر قطبة في قتله ابن زافلة في غزوة مؤتة : قال ابن إسحاق : وقد كان قُطبْةُ بن قَتادة العُذْرِيُّ : الذي كان على مَيمنة المسلمين ، قد حمل على مالك بن زافلة فقتله ، فقال قُطبة بن قَتادة : # طعنت ابنَ زافلة، بن الإِرا شِ برُمْحٍ مضى فيه ثم انحَطَمْ # ضربتُ على جِيدِه ضَرْبةً فمالَ كما مالَ غُصْنُ السّلَمْ (1) # وسُقنا نساءَ بني عمِّه غداةَ رَقُوقَيْن سَوْقَ النَّعَمْ (2) قال ابن هشام : قوله : " ابن الإِراش " عن غير ابن إسحاق . والبيت الثالث عن خَلَّاد بن قرة ويقال : مالك م بن رافلة.. ما قالته كاهنة حدس : قال ابن إسحاق : وقد كانت كاهنةٌ من حَدَس حين سمعت بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مُقبلاً، قد قالت لقومها من حَدَس - وقومها بطن يقال لهم بنو غَنْم -: أنذركم -قَوْماً خذراً(3)، ينظرون شَزْراً(4)، ويقودون الخيل تَتْرَى، ويُهريقون دَماً عَكْراً، فأخذوا بقولها ،.. واعتزلوا من بين لخم ؛ فلم تزل بعدُ أثرى حدَس : وكان الذين صَلُوا الحرب يومئذ بنو ثَعْلبة، بطن من حَدس، فلم يزالوا قليلاً بعدُ. فلما انصرف خالد بالناس أقبل بهم قافلا. الرسول يلتقي بالأبطال : قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال : لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون . قال : ولقيهم الصبيانُ يشتدون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُقبل مع القوم على دابة، فقال : خذوا الصبيان فاحملوهم ، وأعطونى ابن جعفر، فاتى بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه . قال : وجعل الناس يَحْثُون على الجيش الترابَ ، ويقولون : يا فُرار، فررتم في سبيل الله ! قال : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليسوا بالفُرَّار، ولكنهم الكُرَّار - إن شاء الله تعالى(1). قال ابن إسحاق : وحدّثني عبد الله بن أبي بكر، عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن بعض آل الحارث بن هشام : وهم أخواله ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قالت أم سلمة لامرأة سَلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة : ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ؟ قالت : واللهّ ما يستطيع أن يخرج ، كلما خرج صاح به الناس يا فرار، فررتم في سبيل الله ، حتى قعد في بيته فما يخرج . ما قيل من الشعر في غزوة مؤتة : ما قاله ابن المسحَّر : قال ابن إسحاق : وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم ، قيس بن المسَّحَر اليَعْمري ، يعتذر مما صنج يومئذ ا وصنع الناس : # فواللّهِ لا تنفَكُّ نفسي تلومُنيِ على موقفي والخيلُ قابعةٌ قُبْلُ (1) # وقَفتُ بها لا مُستجيراً فنافِذاَ ولا مانعاً من كان حُمَّ له القَتلُ # على أننى آسيتُ نفسي بخالدٍ ألا خالدٌ في القومِ ليس له مِثْلُ # وجاشت إليَّ النفسُ من نَحْوِ جعفر بمؤتة إذ لا ينفعُ النابلَ النَّبلُ # وضَمَّ إلينا حَجْزَتَيْهم كِلَيْهِما مهاجرةٌ لا مشركون ولا عُزْل (2) فتبيَّن قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره ، أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت ، وحقَّق انحياز خالد بمن معه . قال ابن هشام : فأما الزهري فقال فيما بلغنا عنه : أمَّر المسلمون عليهم خالد بن الوليد، ففتح الله عليهم ، وكان عليهم حتى قفل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت يبكى شهداء مؤتة : قال ابن إسحاق : وكان مما بُكى به أصحابُ مؤتة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول حسان ابن ثابت : # تأوَّبنى ليلٌ بيثربَ أعسرُ وهَمٌّ إذا ما نَوَّمَ الناسُ مُسْهِرُ(3) # لذكرى حبيب هيَّجت لي عَبرةَ سَفوحاً وأسبابُ البكاءِ التذكرُ # بَلى إن فُقْدانَ الحبيبِ بليةٌ وكم من كريم يُبْتَلَى ثم يَصْبِرُ # رأيتُ خيارَ المؤمنين تواردوا شَعوبَ وخَلْفاً بعدَهم يتأخرُ # فلا يُبعدَنَّ الله قتلَى تتابعوا بمؤتةَ منهمُ ذو الجناحين جَعفرُ # وزيدٌ وعبدُ الله حين تتابعوا جميعاً وأسبابُ المنيةِ تَخْطِرُ # غداةَ مَضَوْا بالمؤمنين يقودُهم إلى الموتِ ميمونُ النقيبةِ أزهَرُ # أغرُّ كضوءِ البدرِ من ال هاشمٍ ألِىّ إذا سِيمَ الظَّلامةَ مِجْسَرُ # فطاعَن حتى مالَ غيرَ مُوَسَّدٍ لمعتركٍ فيه قَنا مُتَكَسر # فصار مع المستشهِدين ثوابُهُ جِنان ومُلتفُّ الحدائقِ أخضَرُ # وكنا نرى في جعفر من محمد ٍ وفاءً وأمراً حازماً حين يَأمُرُ # فما زال في الإِسلام من آلِ هاشم دعائمُ عزّ لا يُزَلْنَ ومَفخرُ # هُمُ جبلُ الإِسلامِ والناسُ حولَهم رِضامٌ إلى طَوْدٍ يَروقُ ويَقْهَرُ(1) # بهاليلُ منهمْ جعفرٌ وابنُ أمِّه علىّ ومنهم أحمدُ المتخيَّرُ(2) # وحمزةُ والعباسُ منهمْ ومنهمُ عَقيلٌ وماءُ العودِ من حيثُ يُعْصَرُ # بهم تُفْرَجُ اللَّأوَاءُ في كلِّ مَأزِق عَماس إذا ما ضاقَ بالناس مصدر(3) # همُ أولياءُ الله انزل حكمُه عليهم ، وفيهم ذا الكتابِ المطهَّرُ شعر كعب بن مالك في غزوة مؤْتة : وقال كعب بن مالك : # نام العيونُ ودمع عينِك يَهْمِلُ سَحّاً وَكَفَ الطَّبابُ المخضَّلُ (1) # في ليلةٍ وردت علىَّ همومُها طَوْراً أخِنُّ وتارة أتململ (2) # واعتادني حُزنٌ فبتُّ كأننى ببناتِ نَعْشٍ والسّماكِ مُوَكَّلُ (3) # وكأنما بينَ الجوانحِ والحَشَى مما تأوَّبَني شهاب مُدْخَلُ # وَجْداً على النفرِ الذين تتابعوا يوماً بمؤتَةَ أسندوا لم يُنْقَلُوا # صلَّى الإِلهُ عليهمُ من فتية وَسَقَى عظامَهمُ الغَمامُ المُسْبِلُ (4) # صبروا بمؤتةَ للإِلهِ نفوسَهم حَذَرَ الرَّدَى ومخافةً أن يَنْكُلوا # فمضوا أمامَ المسلمين كأنهم فُنُقٌ عليهنَّ الحديدُ المُرْفلُ (1) # إذ يهتدون بجعفر ولوائه قُدَّام أولِهم فنعْمَ الأوَّلُ # حتى تفرجتِ الصفوفُ وجعفر حيثُ التقى وعْثُ الصفوفِ مُجَدَّلُ (2) # فتغير القمر المنيرُ لفقدِه والشمسُ قد كَسَفَتْ وكادت تَأفِلُ (3) # قَرْمٌ علا بنيانُه من هاشم فَرْعاً اشَمَّ وسُؤْدُداً ما يُنْقَل (4) # قومٌ بهم عصم الإِلهُ عبادَه وعليهمُ نزل الكتابُ المنْزَلُ # فَضلوا المعاشرَ عزةً وتكرُّماً وتغمدَتْ أحلامَهم مَن يَجْهَلُ # لا يُطلقونَ إلى السَّفاهِ حُباهُمُ ويُرَى خطيبُهم بحقّ يفْصِلُ # بيضُ الوجوه ترى بطونَ أكفِّهم تندَى إذا اعتذر الزمانُ الممْحِلُ # وبهدْيهم رضِىَ الإِلهُ لخلقِه وبجَدِّهم نُصر النبي المرْسَلُ حسان يبكي جعفراً بعد غزوة مؤتة : وقال حسان بن ثابت يبكى جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه : # ولقد بكيتُ وعَزَّ مهْلَكُ جعفر حِبِّ النبي على البريةِ كُلِّها # ولقد جَزِعتُ وقلتُ حين نُعيتَ لي مَنْ للجِلادِ لَدَى العُقابِ وظِلِّها(1) # بالبيضِ حين تُسَلُّ من أغمادِها ضَرْباً وإنهالِ الرماحِ وعَلِّها(2) # بعدَ ابنِ فاطمةَ المباركِ جعفر خيرِ البريةِ كلِّها وأجلِّها : # رَزْءاً وأكْرَمها جميعاً مَحتداً وأعَزّها مُتَظلِّما وأذلِّها : # للحقِّ حين ينوبُ غير تنحُّلٍ كَذِباً، وأنداها يداً، وأقلِّها : (3) # فُحشاً، وأكثرِها إذا ما يُجْتَدَى فضلاً، وأبذلها نَدًى، وأبلِّها : (1) # بالعُرفِ غيرَ محمدٍ لا مثلُه حي مِنَ احياءِ البريِّةِ كُلِّها حسان يبكي زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بعد مُؤْتة : وقال حسان بن ثابت في يوم مؤتة يبكى زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة : # عَيْنِ جودي بدمعكِ المنزورِ واذكري في الرخاءِ أهلَ القبورِ(2) # واذكري مُؤْتَةَ وما كان فيها يوم راحوا في وقْعةِ التغوير(1) # حين راحوا وغادروا ثَمَّ زيداً نعْمَ مأوَى الضَّرِيك والمأسورِ(2) # حِبَّ خيرِ الأنامِ طُرّاً جَميعاً سَيِّدَ الناسِ حُبُّه في الصدورِ # ذاكُمُ أحمدُ الذي لا سواه ذاك حُزني له معاً وسروري # إن زيداً قد كان منا بأمر ليس أمْرَ المكذَبِ المغرورِ # ثم جودي للخزرَجِىِّ بدمعٍ سيداً كان ثَمَّ غير نَزُور(3) # قد أتانا من قتلهم ما كفانا فبحُزنٍ نبيت غير سُرورِ قول أحد الشعراء بعد رجوعه من مؤْتة : وقال شاعر من المسلمين ممن رجع من غزوة مؤتة : # كفى حزناً أني رجَعتُ وجعفرٌ وزيدٌ وعبدُ الله في رَمْسِ أَقْبُرِ(1) # قَضَوْا نحبَهم لما مَضَوْا لسبيلهم وخُلِّفْتُ للبلوَى مع المُتغَبِّرِ(2) # ثلاثةُ رهطٍ قُدِّموا فتقدَّمواإلى وِرْدِ مكروه من الموتِ أحمر(3) تسمية شهداء مؤتة : وهذه تسمية من استشهد يوم مؤتة : من قريش ، ثم من بني هاشم : جعفرُ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزيدُ بن حارثة رضي الله عنه . ومن بني عَدِيِّ بنِ كعب : مسعودُ بن الأسود بن حارثة بن نَضْلة . ومن بني مالك بن حِسْل : وهب بن سعد بن أبي سَرْح . ومن الأنصار ثم من بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رَوَاحة، وعَبَّاد بن قَيْس . ومن بني غَنْم بن مالك بن النجار : الحارث بن النعمان بن أساف بن نَضْلة بن عبد بن عَوْف بن غَنْم . ومن بني مازن بن النجار: سُراقة بن عَمرو بن عطية بن خَنْساء. قال ابن هشام : وممن استُشهد يوم مؤتة، فيما ذكر ابن شهاب . من في مازن بن النجار : أبو كُلَيب وجابر، ابنا عمرو بن زيد بن عَوْف بن مَبْذول وهما لأب وأم. ومن بني مالك بن أفْصَى : عَمرو وعامر، ابنا سعد بن الحارث بن عَبَّاد بن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفْصَى. قال ابن هشام : ويقال أبو كلاب (ا) وجابر، ابنا عمرو. ذكر الأسباب الموجبة للسير إلى مكة، وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَ بعثِه إلى مؤتة جُمادَى الآخرة ورجباً . ما وقع بين بني بكر وخزاعة: ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كِنَانة عدت على خزاعة، وهم على ماءٍ لهم بأسفل مكة يقال له : الوَتير، وكان الذي هَاجَ ما بين بني بكرٍ وخُزاعة أن رجلا من بني الحَضْرمي ، واسمه مالك بن عَبَّاد - وحِلف الحضرمى يومئذ إلى الأسْود بن رَزْنٍ (2)- خرج تاجراً، فلما توسط أرضَ خُزاعة، عَدَوْا عليه فقتلوه ، وأخذوا مالَه ، فعدت بنو بكر على رجل من خُزاعة فقتلوه ، فعدت خُزاعة قُبيل الإسلام عليّ بني الأسود بن رَزْنٍ الدِّيلى - وهم مَنْخَرُ(ا) بني كنانة وأشرافُهم - سلمى وكلثوم وذؤيب - فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم ( 2 ) . قال ابن إسحاق : وحدثني رجل من بني الديل ، قال : كان بنو الأسود بن رَزْن يُودَوْن في الجاهلية دِيتين ديتين ، ونُودَي دية دية، لفضلهم فينا. قال ابن إسحاق : فبينا بنو بكر وخُزاعة على ذلك حَجز بينَهم الإسلامُ ، وتشاغل الناس به ، فلما كان صلح الحُديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ،كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم ، كما حدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير، عن المِسْور بن مخرمة ومَرْوان بن الحكم ، وغيرهم من علمائِنا : أنه من أحب أن يدخل في عَقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عَقْد قريش وعهدهم فليدخل فيه ؛ فدخلت بنو بكر في عَقْد قريش وعهدهم ، ودخلت خُزاعة في عَقْد رسول الله صلى الله عليه وسلم شذ وعهده . قال ابن إسحاق : فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خُزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رَزْن ، فخرج نَوْفل بن معاوية الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم ، وليس كل بني بكر تابَعَهُ حتى بَيَّت خُزاعة وهم على الوَتير، ماءٍ لهم ، فأصابوا منهم رجلاً، وتحاوزوا واقتتلوا، ورَفَدَتْ (1) بني بكر قريشٌ بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مُسْتَخفيا، حتى حازوا(2) خُزاعة إلى الحرم ، فلما إنتهوا إليه ، قالت بنو بكر : يا نَوْفل ، إنا قد دخلنا الحرم ، إلهكَ إلهكَ ، فقال كلمة عظيمة : لا إلهَ له اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأرَكم ، فلعمري إنكم لتَسْرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأرَكم فيه ؟ وقد أصابوا منهم ليلةَ بيتوهم بالوَتير رجلاً يقال له مُنبِّه وكان منبه رجلا مفئودا(3) خرج هو ورجل من قومه يقال له تميم بن أسد، لا وقال له منبه : يا تميم ، انج بنفسك فأما أنا فواللّه إنى لميت ، قتلونى أو تركونى ، لقد انبَتَّ (3) فؤادي ، وانطلق تميم فأفلت ، وأدركوا مُنَبها فقتلوه ، فلما دخلت خزاعة مكة، لجئوا إلى دار بُدَيْل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له رافع ؛ فقال تميم بن أسد يعتذر من فراره من منبه : شعر تميم يعتذر من فراره عن منبه : # لما رأيتُ بني نُفـاثَة أقبـلوا يَغْشَوْنَ كُلَّ وتيرةٍ وحِجابِ (5) # صَخْراً ورَزْناً لا عَرِيبَ سِوَاهُمُ يُزْجُونَ كلَّ مُقَلَّصٍ خَنَّابِ (6) # وذكرْتُ ذَحْلاً عندَنا مُتَقادِمًا فيما مضى من سالفِ الأحْقابِ (7) # ونَشَيْتُ رِيحَ الموتِ مِن تِلْقَائِهم ورَهِبْتُ وقعَ مُهَنَّدٍ قَضَّابِ (1) # وعَرَفْتُ أنْ مَنْ يَثْقفوه يَتركوا لحماً لِمُجْرِيَةٍ وشِلْو غُرابِ (2) # قَوَّمتُ رِجْلاً لا أخافُ عِثَارَها وطرحْتُ بالمتْن العَراءِ ثياي (3) # ونجوْتُ لا ينجو نجائي أحْقبٌ عِلْجٌ أقَبُّ مُشمَرُ الأقرابِ (4) # تَلْحَى ولو شَهِدَتْ لكان نكيرُها بَوْلاَ يَبُلُّ مشافــِرَ القَبْقَابِ (ْ5) # القومُ أعلمُ ما تركتُ مُنَبِّهــاً عن طِيبِ نفسٍ فاسألي أصحابي قال ابن هشام : وتروى لحبيب بن عبد الله الأعلم الهُذَلي. وبيته : " وذكرت ذَحْلا عندنا متقادما " عن أبي عبيدة، وقوله " خَناب " و" عَلج أقب مشمِّر الأقراب " عنه أيضا. شعر الأخزر فيما وقع بين خزاعة وبكر : قال ابن إسحاق : وقال الأخزر بن لُعط الديلي ، فيما كان بين كنانة وخُزاعة في تلك الحرب : # ألا هل أتى قُصْوَى الأحابيش أننا ردَدْنا بني كعب بأفْوَق ناصِلِ(6) # حَبَسْناهُم في دارةِ العبدِ رافــع وعندَ بُدَيْلٍ مَحْبِساً غيرَ طائل # بدارِ الذليلِ الآخذِ الضَيمِ بعدَما شَفَيْنا النفوسَ منهمُ بالمنَاصِلِ(1) # حَبَسناهمُ حتى إذا طال يومُهم نفحْنا لهم من كلِّ شِعْبٍ بوابلِ(2) # نذبِّحهم ذَبْـحَ التُّيوسِ كأننــا أسـُود تَبارَى فيهمُ بالقَواصِلِ(3) # همُ ظلمونا واعتدوا في مسيرِهم وكانوا لدَى الأنصابِ أولَ قاتِل # كأنهم بالجِزْعِ إذ يَطرُدونهم قفاثَوْر خُفَّان النعامِ الجَوافلِ(4) بديل بن عبد مناة يردُّ على الأخزر : فأجابه بديل بن عبد مناة ابن سلمة بن عمرو بن الأجب ، وكان يقال له : بديل بن أم أصرم ، فقال : # تفاقدَ قوم يفخَرون ولم نَدَعْ لهم سَيداً يَنْدُوهُمُ غيرَ نافلِ (1) # أمِنْ خِيفةِ القومِ الالى تزدَرِيهِمُ تُجيز الوَتيرَ خائفاً غير آئِلِ (2) # وفي كلِّ يومٍ نحن نحبو حِباءَنا لعَقْل ولايُحْبَى لنافى المعَاقِلِ(3) # ونحن صبَحْنا بالتَّلاعةِ دارَكم بأسيافِنا يَسْبِقنَ لوْمَ العَـواذِل # ونحن منعنا بينَ بَيْضٍ وعَتْوَد إلى خَيْفِ رَضْوَى مِن مَجَرِّ القنابلِ(4) # ويومَ الغَميم قد تكفَّتَ ساعياً عُبَيْسٌ فجَعْناه بِجَلْدٍ حُلاحِلِ (5) # أإن أجْمَرَتْ في بيتها أمُّ بعضِكم بجُعْموسِها تَنزونَ أن لم نُقاتِلِ(6) # كذبْتُم وبيتِ الله ما إن قَتلتُمُ ولكن تَرَكْنا أمرَكم في بَلابِلِ(7) قال ابن هشام : قوله " غير نافل "، وقوله " إلى خَيْف رَضوى " عن غير ابن إسحاق . ما قاله حسان في ذلك : قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت في ذلك : # لحا الله قوماً لم نَدَعْ من سَراتِهمٍ لَهم أحداً يَنْدُوهُمُ غيرَ ناقبِ # أخُصْيَيْ حمارٍ مات بالأمس نَوْفلا متى كُنتَ مِفْلاحاً عدوَّ الحقائبِ خُزاعة تستنجد بالرسول : قال ابن إسحاق: فلما تظاهرت بنو بكر وقُريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينَهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خُزاعة، وكانوا في عَقده وعَهْده ، خرج عَمْرو بن سالم الخُزاعى، ثم أحدُ بنيِ كعب ، حتى قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان ذلك مما هاج فتْحَ مكة، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظَهْراني الناس ، فقال : # يا ربِّ إني ناشدٌ محمدَا حلفَ أبينا وأبيه الاتْلَدَا # قد كنتُم وُلْداً وكنا وَالدَا ثُمَّتَ أسْلمنا فلم ننزعْ يدَا(1) # فانصرْ هَداك الله نصراً اعتدَا وادْعُ عبادَ الله يأتوا مدَدَا(2) # فيهم رسولُ الله قد تجرَّدَا إن سِيمَ خَسْفاً وجهُه تربَّدَا(3) # في فَيْلَقٍ كالبحرِ يجري مُزْبِدَا إن قُريشا أخلفُوك الموْعِدَا(4) # ونَقَضُوا ميثاقَك الموَكَّدَا وجعلوا لي في كَدَاءٍ رُصَّدَا(1) # وزعموا أن لَست أدْعُو أحدَا وهُمْ أذَلُّ وأقَلُّ عَدَدَا # هُم بَيَّتونا بالوَتِيرِ هُجَّدَا وقتلونا رُكَّعاً وسُجَّدَا(2) يقول : قُتِلنا وقد أسلمنا. قال ابن هشام : ويُروى أيضا : # فانصرْ هداك الله نصراً أيدا قال ابن هشام : ويُروى أيضا : # نحن ولدناك فكنْتَ وَلَدا لتمال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نُصرْتَ يا عمرُو بن سالم ،ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عَنان (3) من السماء، فقال : إن هذه السحابة لتستهلّ بنصر بني كعب. ابن ورقاء يذهب إليه صلى الله عليه وسلم شاكيا : ثم خرج بُدَيْل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد، ويزيد في المدة . ومضى بُدَيْل بن ورقاء وأصحابه حتى لَقُوا أبا سفيان بن حرب بعُسفان ، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليشد العقد، ويزيد في المدة، وقد رهبوا الذين صنعوا. فلما لقى أبو سفيان بُدَيْل بن ورقاء، قال : من أين أقبلت يا بُدَيْل ؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : تسيرت في خزاعة في هذا الساحل ، وفى بطن هذا الوادي ؛ قال : أو ما جئتَ محمداً ؟ قال : لا ؛ فلما راح بُدَيْل إلى مكة ؛ قال أبو سفيان : لئن جاء بديل المدينة لقد عَلف بها النَّوَى، فأتى مبرك راحلته ، فأخذ من بعرها ففتَّه ، فرأى فيه النوى، فقال : أحلف باللّه لقد جاء بديل محمداً. أبو سفيان يحاول الصلح : ثم خرج أبو سفيان حتى قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طَوَتْه عنه ، فقال : يا بُنيَّةُ، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبتِ به عنى ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : واللّه لقد أصابك يا بُنية بعدي شرٌّ . ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فلم يرد عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمرَ بن الخطاب فكلَّمه ، فقال : أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فواللّه لو لم أجد إلا الذَّرَّ لجاهدتكم به (1). ثم خرج فدخل على عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، وعندها حَسَنُ بن علىٍّ ، غلام يدبُّ بين يديها، فقال : يا علي ، إنك أمَسُّ القوم بى رحما، وإني قد جئتُ في حاجة، فلا أرجعن كما جئتُ خائبا، فاشفعْ لي إلى رسول الله ، فقال : ويحك يا أبا سفيان ! واللّه لقد عَزَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلَّمه فيه . فالتفت إلى فاطمة فقال : يابْنَةَ محمد، هل لك أن تأمري بُنَيَّك هذا فيجير بين الناس ، فيكون سيدَ العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت : واللّه ما بلغ بني ذلك أن يجيرَ بين الناس وما يُجير أحدٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ا) قال : يا أبا الحسن ، إنى أرى الأمور قد اشتدت علىَّ، فانصحنى، قال : واللّه ما أعلم لك شيئا، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجِرْ بين الناس ، ثم الحقْ بأرضِك ، قال : أو ترى ذلك مُغنياً عني شيئاً ؟ قال : لا واللّه ، ما أظنه ، ولكني لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال : أيها الناس ، إنى أجرتُ بينَ الناس . ثم ركب بعيرَه فانطلق ، فلما قدم على قريش، قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمدا فكلمته ، فواللّه ما ردَّ علىَّ شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة، فلم أجد فيه خيرا، ثم جئتُ ابن الخطاب ، فوجدته أدْنَى العدوِّ. قال ابن هشام : أعدى العدو. قال ابن إسحاق : ثم جئتُ عليا فوجدته ألين القوم ، وقد أشار عليَّ بشيء صنعتُه ، فواللهّ ما أدري هل يُغْنى ذلك شيئاً أم لا ؟ قالوا : وبم أمرك ؟ قال أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلت ، قالوا : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال لا، قالوا. ويلك ! واللّه إن زاد الرجل على أن لعب بك فما يُغْنى عنك ما قلت : قال : لا واللّه ، ما وجدت غير ذلك . الاستعداد لفتح مكة : وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهلَه أن يُجَهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضى الله عنها، وهي تحرك بعضَ جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : أي بُنَية : أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه ؟ قالت : نعم ، فتجهزْ ؟ قال : فأين ترينه يريد ؟ قالت : لا واللّه ما أدري. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمَ الناسَ أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجِدِّ والتهيُّؤ، وقال : اللهم خذِ العيونَ والأخبارَ عن قريش حتى نبغَتها في بلادِها. فتجهز الناس . حسان يحث الناس على فتح مكة : فقال حسان بن ثابت يحرض الناس ، ويذكر مصاب رجال خزاعة : # عَنَاني ولم أشهدْ ببطحاءِ مكةٍ رجال بني كَعْب تُحَزُّ رقابُها # بأيدي رجاليِ لم يَسُلُّوا سيوفَهم وقتلَى كثيرٌ لم تُجَنَّ ثيابُها(1) # ألا ليتَ شِعري هل تنالنَّ نُصرتي سُهَيلَ بنَ عمرو وخْزُها وعقابُها # وصفوانُ عَوْدٌ حَنَّ من شُفْرِ استهِ فهذا أوانُ الحربِ شُدَّ عصابُها فلا # تأمننا يابنَ أمِّ مجالدٍ إذا احتُلبتْ صِرْفاً وأعْصَلَ نابُها(2) # ولا تجزَعوا منا فإن سيوفَنا لها وقْعةٌ بالموتِ يُفتَح بابُها قال ابن هشام : قول حسان : " بأيدي رجال لم يَسُلُّوا سيوفَهم " يعني قريشا، " وابن أم مجالد " يعنى عِكرمة بن أبي جهل . كتاب حاطب يحذر أهل مكة : قال ابن إسحاق . وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُروة بن الزبير وغيره من علمائنا، قالوا : لمما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة(1) كتابا إلى قرش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمرِ في السيرِ إليهم ، ثم أعطاه امرأةً، زعم محمدُ بن جعفر أنها من مُزَيْنة، وزعم لي غيره أنها سَارَة، مولاة لبعض بني عبد المطلب ، وجعل لها جُعلاً على أن تبلِّغه قريشا، فجعلته في رأسها، ثم فَتلت عليه قرونَها، ثم خرجت به . الخبر من السماء بما فعل حاطب : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ من السماء بما صنع حاطب ، فبعث عليّ بن أبي طالب ، والزبير بن العوام رضى الله عنهما، فقال : أدركا امرأةً قد كتب معها حاطبٌ بن أبي بَلْتَعة بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم ، فخرجا حتى أدركاها بالخليقة، خليقة بني أبي أحمد، فاستنزلاها، فالتمساه في رحلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها عليّ بن أبي طالب : إني أحلف باللّه ما كُذِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كُذِبْنا، ولتُخْرِجِنَّ لنا هذا الكتاب أو لنكشِفَنَّكِ ، فلما رأت الجِدَّ منه ، قالت : أعرض ، فأعرض ، فحلت قرونَ رأسِها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه ، فأتَى به رسول الله صلى الله عليه وسلم : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا، فقال : يا حاطب ، ما حملك على هذا ؟ فقال : يا رسول الله ، أما واللّه إني لمؤمن باللّه ورسوله ، ما غيرت ولا بدَّلت ولكني كنت امْرَءاً ليس لي في القوم من أصلٍ ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم . فضل أهل بدر : فقال عمر بن الخطاب ، يا رسول الله ، دعنى فلأضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق ؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطَّلع إلى أصحاب بدر، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم . فأنزل الله تعالى في حاطب : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } [الممتحنة: 1] (1). إلى قوله : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } [الممتحنة:4] إلى آخر القصة(1). خروج الرسول إلى مكة : قال ابن إسحاق : وحدثني محمد ابن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس ، قال . ثم مضى رسول صلى الله عليه وسلم ، واستخلف على المدينة أبا رُهْم ، كُلثوم بن حُصَيْن بن عُتبة بن خلف الغِفاري وخرج لعشر مضيْنَ من رمضان ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصام الناسُ معه ، حتى إذا كان بالكُدَيْد، بين عُسْفان وأمَج أفطر. تلمُّس قريش أخباره عليه السلام : قال ابن إسحاق : ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين ، فسَبَّعت سُلَيم وبعضهم يقول ألَّفت سُلَيم ، وألَّفت مُزَيْنة(2)، وفى كل القبائل عَدَدٌ وإسلام ، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف عنه منهم أحد، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه سلم مَرَّ الظهران ، وقد عُمِّيَت الأخبارُ عن قريش ، فلم يأتِهم خبرٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يدرون ما |
#2
|
||||
|
||||
جزااااااااااك الله خيرااااااااااا
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|