|
#1
|
||||
|
||||
شلل الأطفال
شلل الأطفال
مجلة المعرفة ما من شك في أن كل إنسان قد سمع بمرض خطير، جرى العرف على تسميته (( بشلل الأطفال )) (ويطلق عليه اسم (( بوليو )) Polio)، وهو مرض يصيب الأطفال بوجه خاص، ولكنه ليس مقصوراً عليهم وحدهم بأي حال. وقد تحدث إصابات فردية به في أي وقت في الأجواء الحارة والمعتدلة، في فترة الصيف والخريف. فما هو سبب هذا المرض، وكيف تحدث آثاره المدمرة؟ لكي نفهم ذلك، يجب أن نستعيد بعض سمات التشريح البشري. النخاع الشوكي: إن الخلايا التي تتأثر بفيروس شلل الأطفال، توجد في المخ والنخاع الشوكي. وكما يستقر المخ داخل الجمجمة، فإن الحبل الشوكي Spinal Cord أيضاً يوجد داخل أنبوبة عظمية طويلة تحيط به وتحميه، وتتكون من حلقات من الفقرات تستقر فوق بعضها بعضاً، وتسمى هذه الأنبوبة (( القناة الشوكية Vertebral )) أو (( القناة الفقرية Spinal C**** )). والحبل الشوكي أبيض اللون، ويبلغ قطره حوالي نصف بوصه، وطوله حوالي 18 بوصه في الشخص البالغ، ويتفرع منه 31 زوجاً من الأعصاب، والتي توجد على مسافات منتظمة على طول الحل الشوكي بين الفقرات. وتمتد هذه الأعصاب إلى مختلف أجزاء الجسم بما فيها العضلات والجلد. ولكل عصب جذران منفصلان في الحبل الشوكي، جذر خلفي أو ظهري يتكون من الألياف العصبية التي تنقل الإحساسات من أعضاء الحس إلى الحبل الشوكي، وجذر أمامي أو بطني تحمل أليافه التنبيهات الحركية إلى العضلات. وتبعاً لذلك، يطلق على هذين الجذرين، الجذر الظهري الحسي Dorsal Sensory، والجذر البطني الحركي Vantral Motor Boot، وبعد أن يغادر الجذران العمود الفقري، يتحدان ويكونان حزمة واحدة من الألياف نسمي ((الجذع العصبي Nerve Trunk )). الحبل الشوكي من الداخل: وإذا تأملنا قطاعاً عرضياً في الحبل الشوكي، تبدو أمامنا كتلة من المادة الرمادية المشكلة على هيئة حرف H تشبه المادة الخارجية للمخ تقريباً. ويطلق على الأطراف الأربعة للحرف H أسم (( القرون Cornua ))، ويسمى الطرفان المتجهان إلى الأمام (( القرنان الأماميان أو البطنيان )) والقرنان المتجهان إلى الخلف (( القرنان الخلفيان أو الظهريان )). إن خلايا المادة الشبيهة بالنخاع، الموجود في القرن الأمامي - هي نفسها التي تتعرض لهجوم فيروس شلل الأطفال أو (( بوليوميليتيس )) Pollomyeltls، (وهي كلمة مشتقة من اليونانية ومعناها: التهاب النخاع الرمادي). وعلى هذا فإن مرض البوليو (شلل الأطفال) إن هو إلا مرض يصيب الخلايا الموجودة في القرون الأمامية لنخاع الحبل الشوكي وتشكل الامتدادات الطويلة لهذه الخلايا الأعصاب الحركية المتجهة إلى العضلات. الفيروس: ومن العسير أن نتبين هل يمكن اعتبار الفيروسات Viruses كائنات حية أو مركبات كيميائية معقدة chemical Compounds فهي تملك القدرة على التكاثر، ولكنها أيضاً قد تتجمع لتشبه التركيب البللوري الذي نعرفه عن المواد الكيميائية. وهي في الحقيقة نوع من الحلقات التي تصل بين ما هو حي، وما ليس كذلك. ولكن لكي تتكاثر الفيروسات، لابد أن تنفذ إلى داخل الخلايا الحية. ويبلغ قطر معظم الفيروسات أقل من 0.2 ميكرون (جزءان من عشرة آلاف جزء من المليمتر الواحد)، ولا يمكن رؤيتها إلا بواسطة المجهر (الميكروسكوب) الإلكتروني. وتتسبب الفيروسات المختلفة في إحداث العديد من الأمراض المعدية مثل نزلات البرد، والأنفلونزا، والحصبة، والجدري، وشلل الأطفال (البوليو). وفي حالة شلل الأطفال، يتسلل الفيروس إلى الجسم عبر أغشية القناة الهضمية، ومن هنا يسري مع تيار الدم، وقد يغزو الجهاز العصبي المركزي، حيث يوطد وجوده في خلايا القرن الأمامي للحبل الشوكي. تدمير الخلايا العصبية: وحينما تشن الفيروسات هجومها على الخلايا العصبية للقرن الأمامي، فإن ذلك يسفر عن تدميرها تماماً واختفائها بسرعة - قد لا تكون إلا ساعات قليلة - كما تضمر أليافها العصبية. ولما كانت كل مجموعة من الخلايا تنقل التنبيهات إلى عضلات معينة عن طريق الجذور العصبية الحركية، فإن هذه العضلات تصاب بالشلل حينما يتم تدمير الخلايا العصية. وفي الإنسان، توجد حوالي 800.000 (ثمانمائة ألف) خلية عصبية Nerve Cells في القرن الأمامي للحبل الشوكي. وقد يتمكن الفيروس من تدمير الخلايا تارة في الجزء من العمود الفقري، وتارة اخرى في جزء آخر، مرة في أحد القرون، ومرة ثانية في القرنين معاً. ولهذا السبب، فإن الأعصاب والعضلات المعينة التي حرمت من التنبيهات الحركية، تختلف اختلافاً كبيراً ويظهر الشلل مرة في أحد أجزاء الجسم، ومرة ثانية في مكان آخر. وحين تموت مئات أو آلاف قليلة من الخلايا العصبية، فقد لا ينتج عن ذلك إلا مجرد ضعف في العضلات إلى حد ما. أما إذا دمر ثلثا الخلايا - أو أكثر - التي تعتمد عليها مجموعة من العضلات، فإنه ينتج عن ذلك شلل كامل. وفي بعض الحالات، يتم تدمير الخلايا العصبية التي تتحكم في عضلات الحجاب الحاجز والضلوع، وهذه العضلات بمثابة المنفاخين اللذين ينفخان الرئتين، فإذا أصيبا بالشلل، فسرعان ما يموت المريض اختناقاً، إلا إذا استعمل جهازاً خاصاً يطلق عليه (( الرئة الحديدية Iron Lung )) بغرض إحداث تنفس صناعي بصفة مستمرة. أعراض المرض ومساره: إن شلل الأطفال، عدوى شائعة جداً، ولكن معظم الإصابات طفيفة لدرجة أنها تمر دون تشخيص. ويحتاج الأطباء إلى إجراء تجارب علمية مضنية لكي يكتشفوا الإصابات الخفيفة التي من هذا القبيل. ومما هو جدير بالتنويه به أن هناك ثلاثة أنواع مختلفة من الفيروس الشلل، وأنه من الممكن أن يصاب الإنسان على فترات مختلفة بكل واحد منها. أما النوبات الخطيرة لشلل الأطفال، والتي تحدث أحياناً، فتبدأ فجأة بصداع وارتفاع في درجة الحرارة. وفي بعض الاحيان، يشفى المرضى الذين يصابون بهذه الطريقة من غير أن تظهر عليهم أعراض أخرى، ولكن بعضهم يصابون بالشلل الذي يعتبر من معالم العدوى الشديدة. وعادة ما يختفي المرض بعد أسبوعين، ولكن في الحالات الخطيرة، يبقى الشلل مدى الحياة. التطعيم ضد شلل الأطفال: إن الاحتياطات الوقائية ضد المرض، تساعد على الحد من انتشاره. وإد كان فيروس الشلل يخرج من الجهاز الهضمي، فإن النظافة المنزلية والشخصية وخاصة نظافة اليدين، وحماية الأطعمة من التلوث، تعتبر قواعد أولية لمنع المرض. وقد أنتج الطبيب الأمريكي (( جوناس سولك Jonas Salk )) مصلاً مضاداً للمرض سنة 1955، يستعمل منذ ذلك الحين في أنحاء العالم، وقد أسفر عن نتائج طيبة. ويتم التطعيم بمصل سولك عن طريق حقنة ثلاث أو أربع مرات. وبعد الحقنة الثانية، تقل فرصة الإصابة عنها في الأشخاص الذين لم يجر تطعيمهم إلى حوالي الربع وتنخفض هذه الفرصة إلى بعد الحفنة الثالثة. وقد ابتكر حديثاً دكتور (( ألبرت سابين Albert Sabin )) وهو طبيب من (( سينسينائي Cininnati )) مصلاً جديداً لا يحتاج إلى الحقن ويمكن إعطائه عن طريق الفم، كما أن له ميزة أخرى، وهي أنه يوفر الحماية من شلل الأطفال بسرعة كبيرة. وهذا المصل مصنوع من فيروسات حية، سلبت منها قدرتها على إحداث الشلل. |
العلامات المرجعية |
|
|