اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-08-2010, 12:41 AM
zemosat zemosat غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 252
معدل تقييم المستوى: 15
zemosat is on a distinguished road
افتراضي الوهابية

هل هنا منتدى ثانوية أم منتدى الوهابية
لماذا تم حذف هذا الموضوع ؟ " فتنة الوهابية "
لماذا تعارضون كل من يخالفونكم فى الفكر
إن حذف الموضوع لا يدل على الشجاعة فى الفكر هذا هو منهجكم لا تريدون أن تسمعوا لأحد وتخفون الحقائق حتى يصير الناس خلف فكركم الشاذ الهدام الذى نما و شب على دماء المسلمين


فتنة الوهابية


بسم الله الرحمن الرحيم



فتنة الوهابية

ترجمة المؤلف

هو أحمد بن زين بن أحمد دحلان المكي، الشافعي، فقيه، مؤرخ، شارك في أنواع من العلوم، مفتي السادة الشافعية بمكة المعظمة، وشيخ الإسلام. ولد بمكة سنة 1231هـ وتوفي بالمدينة في المحرم سنة 1304هـ. له مؤلفات كثيرة مطبوعة متداولة منها: الأزهار الزينية في شرح متن الألفية، وتاريخ الدول الإسلامية بالجداول المرضية، وفتح الجواد المنان على العقيدة المسماة بفيض الرحمن، والدرر السنيّة في الرد على الوهابية، ونهل العطشان على فتح الرحمن، في تجويد القرءان، وخلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، والفتوحات الإسلامية، إلى غير ذلك. ومنها هذا الكتيب الذي بين يدي القارىء، ءاملين أن يستفيد القراء منه والله من وراء القصد.

فتنة الوهابية

اعلم أن السلطان سليم الثالث (1204- 1222هـ) حدث في مدة سلطنته فتن كثيرة منها ما تقدم ذكره، ومنها فتنة الوهابية التي كانت في الحجاز حتى استولوا على الحرمين ومنعوا وصول الحج الشامي والمصري، ومنها فتنة الفرنسيس لما استولوا على مصر من سنة ثلاث عشرة (1213) إلى سنة ست عشرة (1216) ولنذكر ما يتعلق بهاتين الفتنتين على سبيل الاختصار لأن كلاً منهما مذكور تفصيلاً في التواريخ وأفرد كل منهما بتأليف رسائل مخصوصة، أما فتنة الوهابية فكان ابتداء القتال فيها بينهم وبين أمير مكة مولانا الشريف غالب بن مساعد وهو نائب من جهة السلطنة العليَّة على الأقطار الحجازية وابتداء القتال بينهم وبينه من سنة خمس بعد المائتين والألف وكان ذلك في مدة سلطنة مولانا السلطان سليم الثالث ابن السلطان مصطفى الثالث بن أحمد (وأما ابتداء أول ظهور الوهابية) فكان قبل ذلك بسنين كثيرة وكانت قوتهم وشوكتهم في بلادهم أولاً، ثم كثر شرهم وتزايد ضررهم واتسع ملكهم و***وا من الخلائق ما لا يحصون واستباحوا أموالهم وسبوا نساءهم وكان مؤسس مذهبهم الخبيث محمد بن عبد الوهاب وأصله من المشرق من بني تميم وكان من المعمرين فكاد يعد من المنظرين لأنه عاش قريب مائة سنة حتى انتشر عنه ضلالهم، كانت ولادته سنة ألف ومائة وإحدى عشرة وهلك سنة ألف ومائتين، وأرخه بعضهم بقوله:

(بدا هلاك الخبيث) 1206

وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وكان أبوه رجلاً صالحًا من أهل العلم وكذا أخوه الشيخ سليمان، وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنه سيكون منه زيغ وضلال لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته في كثير من المسائل، وكانوا يوبخونه ويحذرون الناس منه فحقق الله فراستهم فيه لما ابتدع من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمة الدين وتوصل بذلك إلى تكفير المؤمنين فزعم أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به وبالأنبياء والأولياء والصالحين وزيارة قبورهم شرك، وأن نداء النبي صلى الله عليه وسلم عند التوسل بهم شرك، وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء الصالحين عند التوسل بهم شرك، وأن من أسند شيئًا لغير الله ولو على سبيل المجاز العقلي يكون مشركًا نحو نفعني هذا الدواء، وهذا الولي الفلاني عند التوسل به في شىء. وتمسك بأدلة لا تنتج له شيئًا من مرامه، وأتى بعبارات مزورة زخرفها ولبَّسَ بها على العوام حتى تبعوه، وألف لهم في ذلك رسائل حتى اعتقدوا كفر أكثر أهل التوحيد، واتصل بأمراء المشرق أهل الدرعية ومكث عندهم حتى نصروه وقاموا بدعوته وجعلوا ذلك وسيلة إلى تقوية ملكهم واتساعه، وتسلطوا على الأعراب وأهل البوادي حتى تبعوهم وصاروا جندًا لهم بلا عوض وصاروا يعتقدون أن من لم يعتقد ما قاله ابن عبد الوهاب فهو كافر مشرك مهدر الدم والمال، وكان ابتداء ظهور أمره سنة ألف ومائة وثلاث وأربعين، وابتداء انتشاره من بعد الخمسين ومائة وألف. وألّف العلماء رسائل كثيرة للرد عليه حتى أخوه الشيخ سليمان وبقية مشايخه وكان ممن قام بنصرته وانتشار دعوته من أمراء المشرق محمد بن سعود أمير الدرعية وكان من بني حنيفة قوم مسيلمة الكذاب، ولما مات محمد بن سعود قام بها ولده عبد العزيز بن محمد بن سعود، وكان كثير من مشايخ ابن عبد الوهاب بالمدينة يقولون سيضل هذا أو يضل الله به من أبعده وأشقاه فكان الأمر كذلك، وزعم محمد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك وأن الناس كانوا على شرك منذ ستمائة سنة وأنه جدد للناس دينهم وحمل الآيات القرءانية التي نزلت في المشركين على أهل التوحيد كقوله تعالى: {ومن أضلّ ممن يدعو من دونِ اللهِ من لا يستجيبُ لهُ إلى يومِ القيامةِ وهم عن دُعائهم غافلون} وكقوله تعالى {ولا تدعُ من دونِ اللهِ ما لا ينفعكَ ولا يضرُّك} وكقوله تعالى {والذينَ يدعونَ من لا يستجيبُ لهم إلى يومِ القيامة} وأمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة، فقال محمد بن عبد الوهاب من استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين أو ناداه أو سأله الشفاعة فإنه مثل هؤلاء المشركين ويدخل في عموم هذه الآيات، وجعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين مثل ذلك، وقال في قوله تعالى حكاية عن المشركين في عبادة الأصنام {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} إن المتوسلين مثل هؤلاء المشركين الذين يقولون {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} قال:"فإن المشركين ما اعتقدوا في الأصنام أنها تخلق شيئًا بل يعتقدون أن الخالق هو الله تعالى بدليل قوله تعالى: {ولئنْ سألتهم من خلقهُم ليقولنَّ الله} و {ولئنْ سألتهم من خلقَ السمواتِ والأرضَ ليقولنَّ الله} فما حكم الله عليهم بالكفر والإشراك إلا لقولهم ليقربونا إلى الله زلفى فهؤلاء مثلهم".

وما ردوا به عليه في الرسائل المؤلفة للرد عليه أن هذا استدلال باطل فإن المؤمنين ما اتخذوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا الأولياء ءالهة وجعلوهم شركاء لله بل إنهم يعتقدون أنهم عبيد الله مخلوقون ولا يعتقدون أنهم مستحقون العبادة. وأما المشركون الذين نزلت فيهم هذه الآيات فكانوا يعتقدون استحقاق أصنامهم الألوهية ويعظمونها تعظيم الربوبية وإن كانوا يعتقدون أنها لا تخلق شيئًا، وأما المؤمنون فلا يعتقدون في الأنبياء والأولياء استحقاق العبادة والألوهية ولا يعظمونهم تعظيم الربوبية، بل يعتقدون أنهم عباد الله وأحباؤه الذين اصطفاهم واجتباهم وببركتهم يرحم عباده فيقصدون بالتبرك بهم رحمة الله تعالى، ولذلك شواهد كثيرة من الكتاب والسنة. فاعتقاد المسلمين أن الخالق الضار والنافع المستحقّ العبادة هو الله وحده ولا يعتقدون التأثير لأحد سواه، وأن الأنبياء والأولياء لا يخلقون شيئًَا ولا يملكون ضرًّا ولا نفعًا وإنما يرحم اللهُ العبادَ ببركتهم. فاعتقاد المشركين استحقاق أصنامهم العبادة والألوهية هو الذي أوقعهم في الشركِ لا مجرد قولهم (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله)، لأنهم لما أقيمت عليهم الحجة بأنها لا تستحق العبادة وهم يعتقدون استحقاقها العبادة قالوا معتذرين (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فكيف يجوز لابن عبد الوهاب ومن تبعه أن يجعلوا المؤمنين الموحدين مثل أولئك المشركين الذين يعتقدون ألوهية الأصنام؟!

فجميع الآيات المتقدمة وما كان مثلها خاصّ بالكفار والمشركين ولا يدخل فيه أحد من المؤمنين. روى البخاريّ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج أنهم انطلقوا إلى ءايات نزلت في الكفار فحملوها على المؤمنين، وفي رواية عن ابن عمر أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال :"أخوَفُ ما أخاف على أمّتي رجل يتأوّل القرءان بصنعه في غير موضعه" فهو وما قبله صادق على هذه الطائفة. ولو كان شىء مما صنعه المؤمنون من التوسل وغيره شركًا ما كان يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وخلفها. ففي الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه :"اللهمّ إني أسألك بحقّ السائلين عليك" وهذا توسّل لا شكّ فيهِ وكان يُعلّم هذا الدّعاء أصحابَه ويأمرهم بالإتيانِ به، وبسط ذلكَ طويل مذكور في الكتب وفي الرسائل التي في الردّ على ابن عبد الوهاب. وصحّ عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما ماتت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ رضي الله عنها ألحدها صلى الله عليه وسلم في القبر بيده الشريفة وقال :"اللهمَّ اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسّعْ عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء الذين من قبلي إنك أرحم الراحمين" وصح أنّه صلى الله عليه وسلم سأله أعمى أن يردّ اللهُ بصرَه بدعائِه فأمره بالطهارةِ وصلاة ركعتين ثم يقول :"اللهمَّ إني أسألُك وأتوجّه إليكَ بنبيّك محمد نبيّ الرحمةِ يا محمّد إنّي أتوجه بكَ إلى ربي في حاجتي لتُقضى اللهمَّ شفّعه فيَّ" ففعل فرد اللهُ عليه بصره، وصحّ أن ءادمَ عليه السلام توسّل بنبيّنا صلى الله عليه وسلم حين أكل من الشجرةِ لأنّه لما رأى اسمَه صلى الله عليه وسلم مكتوبًا على العرشِ وعلى غرف الجنة وعلى جباه الملائكة سأل عنه فقال الله له: هذا ولد من أولادك. فقال اللهمّ بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد فنودي يا ءادمُ لو تشفعت إلينا بمحمد في أهل السماء والأرض لشفعناك. وتوسل عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنه لما استسقى الناس وغير ذلك مما هو مشهور فلا حاجة إلى الإطالة بذكره والتوسل الذي في حديث الأعمى قد استعمله الصحابة السلف بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وفيه لفظ "يا محمَّد"، وذلك نداء عند المتوسل. ومن تتبع كلام الصحابةِ والتابعين يجد شيئًا كثيرًا من ذلكَ كقول بلال بن الحارث الصحابي رضي الله عنهُ عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم :"يا رسول الله استسق لأمّتك" كالنداء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور.

وممن ألف في الرد على ابن عبد الوهاب أكبر مشايخه وهو الشيخ محمد ابن سليمان الكردي مؤلف حواشي شرح ابن حجر على متن بافضل فقال من جملة كلامه: يا ابن عبد الوهاب إني أنصحك لله تعالى أن تكف لسانك عن المسلمين فإن سمعتَ من شخص أنه يعتقد تأثير ذلكَ المستغاث به من دون الله فعرفه الصواب وأبِنْ له الأدلة على أنه لا تأثير لغير الله فإن أبى فكفره حينئذ بخصوصه ولا سبيل لك إلى تكفير السواد الأعظم من المسلمين، وأنت شاذ عن السواد الأعظم فنسبة الكفر إلى من شذ عن السواد الأعظم أقرب لأنه اتبع غير سبيل المؤمنين. قال تعالى :{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصلِه جهنّم وساءت مصيرًا} وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.اهـ.

وأما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد فعلها الصحابةُ رضي الله عنهم ومن بعدهم من السلف والخلف وجاء في فضلها أحاديث أفردت بالتأليف، ومما جاء في النداء لغير الله تعالى من غائب وميت وجماد قوله صلى الله عليه وسلم :"إذا أفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله أحبسوا فإن لله عبادًا يجيبونه" وفي حديث ءاخر :"إذا أضلّ أحدكم شيئًا أو أراد عونًا وهو بأرضٍ ليس فيها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني" وفي رواية "أغيثوني"، "فإن لله عبادًا لا ترونهم". وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل الليل قال :"يا أرض، ربي وربك الله" وكان صلى الله عليه وسلم إذا زار قال :"السلام عليكم يا أهل القبور" وفي التشهد الذي يأتي به كل مسلم في كل صلاة صورة النداء في قوله :"السلام عليك أيها النبيّ". والحاصل أن النداء والتوسل ليس في شىء منهما ضرر إلا إذا اعتقدَ التأثير لمن ناداه أو توسل به، ومتى كان معتقدًا أن التأثير لله لا لغير الله فلا ضرر في ذلك، وكذلكَ إسناد فعل من الأفعال لغير الله لا يضرّ إلا إذا اعتقدَ التأثير، ومتى لم يعتقد التأثير فإنه يُحمل على المجاز العقليّ كقوله: نفعني هذا الدواء أو فلان الوليّ، فهو مثل قوله: أشبعني هذا الطعام، وأرواني هذا الماء، وشفاني هذا الدواء. فمتى صدر ذلك من مسلم فإنه يحمل على الإسناد المجازي والإسلام قرينة كافية في ذلكَ فلا سبيل إلى تكفير أحد بشىء من ذلكَ، ويكفي هذا الذي ذكرناه إجمالاً في الرد على ابن عبد الوهاب ومن أراد بسط الكلام فليرجع إلى الرسائل المؤلفة في ذلكَ وقد لخصت ما فيها في رسالة مختصرة فلينظرها من أرادها.

ولما قام ابن عبد الوهاب ومن أعانه بدعوتهم الخبيثة التي كفروا بسببها المسلمين ملكوا قبائل الشرق قبيلة بعد قبيلة، ثم اتسع ملكهم فملكوا اليمن والحرمين وقبائل الحجاز وبلغ ملكهم قريبًا من الشام، فإن ملكهم وصل إلى المزيريب وكانوا في ابتداء أمرهم أرسلوا جماعة من علمائهم ظنًا منهم أنهم يفسدون عقائد علماء الحرمين ويدخلون عليهم الشبهة بالكذب والمين، فلما وصلوا إلى الحرمين وذكروا لعلماء الحرمين عقائدهم وما تملكوا به، رد عليهم علماء الحرمين وأقاموا عليهم الحجج والبراهين التي عجزوا عن دفعها، وتحقق لعلماء الحرمين جهلهم وضلالهم ووجدوهم ضحكة ومسخرة، كحمر مستنفرة، فرَّت من قسورة ونظروا إلى عقائدهم فوجدوها مشتملة على كثير من المكفرات، فبعد أن أقاموا البرهان عليهم كتبوا عليهم حجة عند قاضي الشرع بمكة تتضمن الحكم بكفرهم بتلك العقائد ليشتهر بين الناس أمرهم، فيعلم بذلك الأول والآخر، وكان ذلك في مدة إمارة الشريف مسعود بن سعيد بن سعد بن زيد المتوفى سنة خمس وستين ومائة ألف، وأمر بحبس أولئك الملحدة فحبسوا وفرَّ بعضهم إلى الدرعية فأخبرهم بما شاهدوا فازدادوا عتوًّا واستكبارًا وصار أمراء مكة بعد ذلك يمنعون وصولهم للحج فصاروا يغيرون على بعض القبائل الداخلين تحت طاعة أمير مكة، ثم انتشب القتال بينهم وبين أمير مكة مولانا الشريف غالب بن مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد، وكان ابتداء القتال بينهم وبينه من سنة خمس بعد المائتين والألف ووقع بينهم وبينه وقائع كثيرة *** فيها خلائق كثيرون ولم يزل أمرهم يقوى وبدعتهم تنتشر إلى أن دخل تحت طاعتهم أكثر القبائل والعربان الذين كانوا تحت طاعة أمير مكة.

وفي سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف ساروا بجيوش كثيرة حتى نازلوا الطائف وحاصروا أهله في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة، ثم تملكوهُ و***وا أهله رجالاً ونساءً وأطفالاً ولا نجا منهم إلا القليل، ونهبوا جميع أموالهم ثم أرادوا المسير إلى مكة، فعلموا أن مكة في ذلك الوقت فيها كثير من الحجاج، ويقدم إليها الحاج الشامي والمصري فيخرج الجميع لقتالهم فمكثوا في الطائف إلى أن انقضى شهر الحج، وتوجه الحجاج إلى بلادهم وساروا بجيوشهم يريدون مكة ولم يكن للشريف غالب قدرة على قتال جيوشهم، فنزل إلى جدة فخاف أهل مكة أن يفعل الوهابية معهم مثل ما فعلوا مع أهل الطائف فأرسلوا إليهم وطلبوا منهم الأمان لأهل مكة، فأعطوهم الأمان ودخلوا مكة ثامن محرم من السنة الثامنة عشرة بعد المائتين والألف ومكثوا أربعة عشر يومًا يستتيبون الناس ويجددون لهم الإسلام على زعمهم، ويمنعونهم من فعل ما يعتقدون أنه شرك كالتوسل وزيارة القبور، ثم ساروا بجيوشهم إلى جدة لقتال الشريف غالب، فلما أحاطوا بجدة رمى عليهم بالمدافع والقلل ف*** كثيرًا منهم ولم يقدروا على تملك جدة فارتحلوا بعد ثمانية أيام، ورجعوا إلى بلادهم وجعلوا لهم عسكرًا بمكة وأقاموا لهم أميرًا فيها وهو الشريف عبد المعين أخو الشريف غالب، وإنما قبل أمرهم ليرفق بأهل مكة ويدفع ضرر أولئك الأشرار عنهم، وفي شهر ربيع الأول من السنة المذكورة سار الشريف غالب من جدة ومعه وإلى جدة من طرف السلطنة العلية وهو شريف باشا ومعهما العساكر فوصلوا إلى مكة وأخرجوا من كان بها من عساكر الوهابية ورجعت إمارة مكة للشريف غالب ثم بعد ذلك تركوا مكة واشتغلوا بقتال كثير من القبائل، وصار الطائف بأيديهم وجعلوا عليه أميرًا (عثمان المضايفي) فصار هو وبعض جنودهم يقاتلون القبائل التي في أطراف مكة والمدينة ويدخلونهم في طاعتهم حتى استولوا عليهم وعلى جميع الممالك التي كانت تحت طاعة أمير مكة، فتوجه قصدهم بعد ذلك للاستيلاء على مكة فساروا بجيوشهم سنة عشرين وحاصروا مكة وأحاطوا بها من جميع الجهات وشددوا الحصار عليها وقطعوا الطرق ومنعوا الميرة عن مكة، فاشتد الحصار على أهل مكة حتى أكلوا الكلاب لشدة الغلاء وعدم وجود القوت، فاضطر الشريف غالب إلى الصلح معهم وتأمين أهل مكة فوسط أناسًا بينه وبينهم فعقدوا الصلح على شروط فيها رفق بأهل مكة، فمن تلك الشروط أن إمارة مكة تكون له فتم الصلح ودخلوا مكة في أواخر ذي القعدة سنة عشرين وتملكوا المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وانتهبوا الحجرة وأخذوا ما فيها من الأموال، وفعلوا أفعالاً شنيعة، وجعلوا على المدينة أميرًا منهم "مبارك بن مضيان"، واستمر حكمهم في الحرمين سبع سنين ومنعوا دخول الحج الشامي والمصري مع المحامل مكة، وصاروا يصنعون للكعبة المعظمة ثوبًا من العباء القيلان الأسود، وأكرهوا الناس على الدخول في دينهم ومنعوهم من شرب التنباك ومن فعل ذلك وأطّلعوا عليه عزروه بأقبح التعزير، وهدموا القبب التي على قبور الأولياء.

وكانت الدولة العثمانية في تلك السنين في ارتباك كثير وشدة قتال مع النصارى، وفي اختلاف في خلع السلاطين و***هم كما سنقف عليه إن شاء الله تعالى، ثم صدر الأمر السلطاني (من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلطان محمود خان ثاني بن عبد الحميد خان أول سلطان أحمد) لصاحب مصر محمد علي باشا بالتجهيز لقتال الوهابية وكان ذلك في سنة 1226 فجهز محمد علي باشا جيشًا فيه عساكر كثيرة جعل عليهم بفرمان سلطان ولده طوسون باشا فخرجوا من مصر في رمضان من السنة المذكورة ولم يزالوا سائرين برًا وبحرًا حتى وصلوا إلى ينبع فملكوه من الوهابية، ثم لما وصلت العساكر إلى الصفرا والحديدة وقع بينهم وبين العرب الذين في الحربية قتال شديد بين الصفرا والحديدة وكانت تلك القبائل كلها في طاعة الوهابي وانضم إليها قبائل كثيرة فهزموا ذلك الجيش و***وا كثيرًا منهم وانتهبوا جميع ما كان معهم وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة 26، ولم يرجع من ذلك الجيش إلى مصر إلا القليل فجهز جيشًا غيره سنة سبع وعشرين وعزم محمد علي باشا على التوجه إلى الحجاز بنفسه، وتوجهت العساكر قبله في شعبان في غاية القوة والاستعداد وكان معهم من المدافع ثمانية عشر مدفعًا وثلاثة قنابل فاستولت العساكر على ما كان بيد الوهابية وملكوا الصفراء والحديدة وغيرهما في رمضان بلا قتال، بل بالمخادعة ومصانعة العرب بإعطاء الدراهم الكثيرة حتى أنهم أعطوا شيخ مشايخ حرب مائة ألف ريال، وأعطوا شيخًا من صغار المشايخ حرب أيضًا ثمانية عشر ألف ريال ورتبوا لهم علائف تصرف لهم كل شهر، وكان ذلك كله بتدبير شريف مكة الشريف غالب وهو في الظاهر تحت طاعة الوهابي، وأما المرة الأولى التي هزموا فيها فلم يكونوا كاتبوا الشريف غالب في ذلك حتى يكون الأمر بتدبيره، ودخلت العساكر المدينة المنورة في أواخر ذي القعدة، ولما جاءت الأخبار إلى مصر صنعوا زينة ثلاثة أيام وأكثروا من الشنك وضرب المدافع وأرسلوا بشائر لجميع ملوك الروم واستولت العساكر السائرة من طريق البحر على جدة في أوائل المحرم سنة ثمان وعشرين، ثم طلعوا إلى مكة واستولوا عليها أيضًا، وكل ذلك بلا قتال بتدبير الشريف سرًّا، ولما وصلت العساكر إلى جدة فرَّ من كان بمكة من عساكر الوهابية وأمرائهم، وكان سعود أمير الوهابية حج في سنة سبع وعشرين ثم ارتحل إلى الطائف، ثم إلى الدرعية ولم يعلم باستيلاء العساكر السلطانية على المدينة إلا بعد ذلك، ثم لما وصل إلى الدرعية علم باستيلائهم على مكة ثم الطائف ولما وصلت العساكر إلى جدة ومكة فر من الطائف أميرها عثمان المضايفي، وفر من كان بها من عساكر الوهابية وأمرائهم.

وفي شهر ربيع الأول من سنة ثمان وعشرين أرسل محمد علي باشا مبشرين إلى دار السلطنة ومعهم المفاتيح وكتبوا إليهم أنها مفاتيح مكة والمدينة وجدة والطائف فدخلوا بها دار السلطنة بموكب حافل ووضعوا المفاتيح على صفائح الذهب والفضة وأمامهم البخورات في مجامر الذهب والفضة وخلفهم الطبول والزمور وعملوا لذلك زينة وشنكًا ومدافع وخلعوا على من جاء بالمفاتيح وزادوا في رتبة محمد علي باشا، وبعثوا له أطواخًا وعدة أطواخ بولايات لمن يختار تقليده، وفي شهر شوال سنة ثمان وعشرين توجه محمد علي باشا بنفسه إلى الحجاز وقبل توجهه من مصر قبض الشريف غالب على عثمان المضايفي الذي كان أميرًا على الطائف للوهابية، وكان من أهل أكبر أعوانهم وأمرائهم فزنجره بالحديد وبعثه إلى مصر فوصل في ذي القعدة بعد توجه الباشا إلى الحجاز، ثم أرسل إلى دار السلطنة ف***وه ووصل محمد علي باشا في ذي القعدة إلى مكة وقبض على الشريف غالب بن مساعد وبعثه إلى دار السلطنة وأقام لشرافة مكة ابن أخيه الشريف يحيي بن سرور بن مساعد، وفي شهر محرم من سنة 29 بعثوا إلى السلطنة مبارك بن مضيان الذي كان أميرًا على المدينة المنورة للوهابية، فطافوا به في القسطنطينية في موكب ليراه الناس ثم ***وه وعلقوا رأسه على باب السرايا، وفعل مثل ذلك بعثمان المضايفي، وأما الشريف غالب فأرسلوه إلى سلانيك وبقي بها مكرمًا إلى أن توفي سنة إحدى وثلاثين ودفن بها وبني عليه قبة تزار، ومدة إمارته على مكة ست وعشرون سنة. ثم إن محمد علي باشا وجه كثيرًا من العساكر إلى تربة وبيشة وبلاد غامد وزهران وبلاد عسير لقتال طوائف الوهابية وقطع دابرهم، ثم سار بنفسه في أثرهم في شعبان سنة تسع وعشرين ووصل إلى تلك الديار و*** كثيرًا منهم وأسر كثيرًا وخرب ديارهم، وفي شهر جمادى الأولى سنة تسع وعشرين هلك سعود أمير الوهابية وقام بالمُلْك بعده ولده عبد الله ورجع محمد علي باشا من تلك الديار التي وصلها من ديار الوهابية عند إقبال الحج، وحج ومكث بمكة إلى رجب سنة ثلاثين ثم توجه إلى مصر وترك بمكة حسن باشا، ووصل الباشا إلى مصر في منتصف رجب سنة ثلاثين ومائتين وألف، فتكون إقامته بالحجاز سنة وسبعة أشهر، وما رجع إلى مصر إلا بعد أن مهد أمور الحجاز، وأباد طوائف الوهابية التي كانت منتشرة في جميع قبائل الحجاز والشرق وبقي منهم بقية بالدرعية أميرهم عبد الله بن سعود فجهز محمد علي باشا لقتاله جيشًا وأرسله تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا، وكان عبد الله بن سعود قبل ذلك يكاتب مع طوسون باشا بن محمد علي باشا حين كان بالمدينة وعقد معه صلحًا على بقاء إمارته ودخوله تحت طاعة محمد علي باشا، فلم يرض محمد علي باشا بهذا الصلح فجهز ولده إبراهيم باشا وجعل أمر العساكر إليه، وكان ابتداء ذلك في أواخر سنة إحدى وثلاثين فوصل إلى الدرعية سنة اثنتين وثلاثين ونازل بجيوشه عبد الله بن سعود في ذي القعدة سنة 33، ولما جاءت الأخبار إلى مصر ضربوا لذلك ألف مدفع وفعلوا شنكًا وزينوا مصر وقراها سبعة أيام، وكان محمد علي باشا له اهتمام كبير في قتال الوهابية وأنفق في ذلك خزائن من الأموال حتى أخبر بعض من كان يباشر خدمته أنهم دفعوا في دفعة من الدفعات لأجرة تحميل بعض الذخائر خمسة وأربعين ألف ريال، هذا في مرة من المرات كان ذلك الحمل من الينبع إلى المدينة عن أجرة كل بعير ست ريالات دفع نصفها أمير ينبع والنصف الآخر أمير المدينة، وعند وصول الحمل من المدينة إلى الدرعية كان أجر تلك الحملة فقط مائة وأربعين ألف ريال، وقبض إبراهيم باشا على عبد الله بن سعود وبعث به وكثير من أمرائهم إلى مصر فوصل في سابع عشر محرم سنة أربع وثلاثين وصنعوا له موكبًا حافلاً يراه الناس وأركبوه على هجين وازدحم الناس للتفرج عليه، ولما دخل على محمد علي باشا قام له وقابله بالبشاشة وأجلسه بجانبه وحادثه، وقال له الباشا ما هذه المطاولة؟ فقال الحرب سجال قال، وكيف رأيت ابني إبراهيم باشا قال: ما قصر وبذل همته ونحن كذلك حتى كان ما قدره الله تعالى فقال له الباشا أنا أترجى فيك عند مولانا السلطان، فقال المقدّر يكون ثم ألبسه خلعة وانصرف إلى بيت إسماعيل باشا ببولاق، وكان بصحبة عبد الله بن سعود صندوق صغير مصفح فقال الباشا له. ما هذا؟ فقال هذا ما أخذه أبي من الحجرة أصحبه معي إلى السلطان، فأمر الباشا بفتحه فوجدوا فيه ثلاثة مصاحف من خزائن الملوك لم ير الراؤون أحسن منها ومعها ثلاثمائة حبة من اللؤلؤ الكبار وحبة زمرد كبيرة وشريط من الذهب، فقال له الباشا الذي أخذتموه من الحجرة أشياء كثيرة غير هذا، فقال: هذا الذي وجدته عند أبي فإنه لم يستأصل كل ما كان في الحجرة لنفسه بل أخذه العرب وأهل المدينة وأغاوات الحرم وشريف مكة، فقال الباشا صحيح وجدنا عند الشريف أشياء من ذلك. ثم أرسلوا عبد الله بن سعود إلى دار السلطنة ورجع إبراهيم باشا من الحجاز إلى مصر في شهر المحرم من سنة 35 بعد أن أخرب الدرعية خرابًا كليًا حتى تركوا سكناها. ولما وصل عبد الله بن سعود إلى دار السلطنة في شهر ربيع الأول طافوا به البلد ليراه الناس ثم ***وه عند باب همايون و***وا أتباعه أيضًا في نواح متفرقة.

هذا حاصل ما كان في قصة الوهابي بغاية الاختصار ولو بسط الكلام في كل قضية لطال، وكانت فتنهم من المصائب التي أصيب بها أهل الإسلام فإنهم سفكوا كثيرًا من الدماء، وانتهبوا كثيرًا من الأموال، وعمَّ ضررهم، وتطاير شررهم فلا حول ولا قوة إلا بالله، وكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيها التصريح بهذه الفتنة كقوله صلى الله عليه وسلم :"يخرج أناس من قبل الشرق يقرأون القرءان لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق" وهذا الحديث جاء بروايات كثيرة بعضها في صحيح البخاري وبعضها في غيره لا حاجة لنا إلى الإطالة بنقل تلك الروايات ولا لذكر من خرجها لأنها صحيحة مشهورة ففي قوله "سيماهم التحليق" تصريح بهذه الطائفة لأنهم كانوا يأمرون كل من اتبعهم أن يحلق رأسه، ولم يكن هذا الوصف لأحد من طوائف الخوارج والمبتدعة الذين كانوا قبل زمن هؤلاء، وكان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول: لا حاجة إلى التأليف في الرد على الوهابية بل يكفي في الرد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم "سيماهم التحليق" فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم. واتفق مرة أن امرأة أقامت الحجة على ابن الوهاب لما أكرهوها على اتباعهم ففعلت، أمرها ابن عبد الوهاب أن تحلق رأسها فقالت له حيث أنك تأمر المرأة بحلق رأسها ينبغي لك أن تأمر الرجل بحلق لحيته لأن شعر رأس المرأة زينتها وشعر لحية الرجل زينته فلم يجد لها جوابًا. ومما كان منهم أنهم يمنعون الناس من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم مع أن أحاديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كثيرة ومتواترة، وأكثر شفاعته لأهل الكبائر من أمته. وكانوا يمنعون من قراءة دلائل الخيرات المشتملة على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ذكرها كثير من أوصافه الكاملة ويقولون إن ذلك شرك ويمنعون من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على المنابر بعد الأذان، حتى أن رجلاً صالحًا كان أعمى، وكان مؤذنًا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بعد أن كان المنع منهم، فأتوا به إلى ابن عبد الوهاب فأمر به أن ي*** ف***، ولو تتبعت لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأت الدفاتر والأوراق، وفي هذا القدر كفاية والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________

كيف ترقى رقيك الأنبيـــاء يا سمــاء مـا طاولتها سمــاء
إنما مثلوا صفاتك للنــــاس كما مثل النجــوم المــــــــاء
أنت مصباح كل فضل فما تصدر إلا عن ضوئك الأضـــــواء
ومحيا كالشمس منك مضئ أسفرت عنه ليلــة غــــراء
تتباهى بك العصــــور وتسمو بك عليـــــاء بعد عليـــــاء
  #2  
قديم 17-08-2010, 09:48 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي الرد على من يدعى أن الشيخ يكفر المؤمنين

لقد بلغت هذه الفرية الخاطئة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -، فتعددت ردوده وأجوبته عليها، ولأن فرية تكفير المسلمين واستباحة دمائهم قد شاعت وذاعت في غالب بلاد المسلمين، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، فقد حرص الشيخ – رحمه الله – على تأكيد هذه الردود, وإعلان براءته مما ألحق به..، فأرسل هذه الردود إلى مختلف البلاد.
فعلى النطاق المحلي في منطقة نجد، نلاحظ أن الشيخ قد بعث رسالة لأهل الرياض ومنفوحه، ينفي تلك الفرية، يقول الشيخ الإمام رحمه الله:
(وقولكم إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا، كيف تفعلون كذا. فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين). (4)
ويبعث رسالة لمحمد بن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول فيها:
(وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن، والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله). (1)
وفي رسالته لأهل القصيم، يشير رحمه الله إلى مفتريات الخصم العنيد ابن سحيم ويبريء نفسه من فرية تكفير المسلمين و***هم، يقول الشيخ الإمام:
(والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: أني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري، وأني أكفر من حلف بغير الله.. جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم. (2)
ويؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بطلان تلك الفرية، ويدحضها فيقول - في رسالته لحمد التويجري -:
(وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبيّن له الحجة على بطلان الشرك…).(3)
ويؤكد الشيخ الإمام - مرة أخرى - بطلان تلك الدعوى، وأنها دعوى كذب وبهتان، فيقول جواباً على سؤال الشريف.. (4)
(وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: أنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله..). (5)
ويبعث الشيخ رسالة لأحد علماء المدينة لدحض فرية تكفير الناس عموما، يقول الشيخ:
(فإن قال قائلهم أنهم يكفرون بالعموم فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفّر أهل التوحيد). (6)
ويكتب الشيخ الإمام إلى إسماعيل الجراعي صاحب اليمن تكذيباً لهذه الفرية قال الشيخ:
(وأما القول بأنّا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم).(7)
ولما أرسل أحد علماء العراق وهو الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السويدي كتاباً للشيخ الإمام يسأله عما يقوله الناس فيه … من تكفير الناس إلا من تبعه … فأجابه الشيخ بجواب ذكر فيه كيد الأعداء ثم أعقبه برد فرية الخصوم:
(وأجبلوا علينا بخيل الشيطان ورجله، منها: إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه، فضلاً عن أن يفتريه، ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من تبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل، هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون..) (1).
وينفي الشيخ حسين بن غنام فرية تكفير المسلمين عن الشيخ الإمام، ويؤكد أن الخصوم هم الذين كفّروا الشيخ واستحلوا دمه، يقول رحمه الله – في وصف الشيخ ـ:
(إنه رحمه الله لما تظاهر ذلك الأمر والشأن، في تلك الأوقات والأزمان، والناس قد أشربت منهم القلوب بمحبة المعاصي والذنوب، وتولعوا بما كانوا عليه من العصيان، وقبائح الأهواء على كل إنسان، لم يسرع لها لسان، ولم يصمم منه لب أو جنان على تكفير هؤلاء العربان، بل توقف تورعاً عن الإقدام في ذلك الميدان، حتى نهض عليه جميع العدوان، وصاحوا وباحوا بتكفيره وجماعته في جميع البلدان، ولم يثبتوا فيما جاءوا به من الإفك والبهتان، بل كان لهم على شنيع ذلك المقال إقدام وإسراع وإقبال، ولم يأمر رحمه الله بسفك دم ولا قتال على أكثر الأهواء والضلال).(2)
ويفند الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب تلك الفرية، فيقول:
(وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق، بأننا نكفر الناس على الإطلاق، أهل زماننا، ومن بعد الستمائة، إلا من هو على ما نحن فيه، ومن فروع ذلك أن لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرر عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبويه ماتا على الشرك بالله … فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولاً، كان جوابنا في كل مسألة من ذلك (سبحانك هذا بهتان عظيم)، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا، فقد كذب وافترى، ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا علم قطعياً أن جميع ذلك وضعه علينا وافتراه أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص عليه بأن الله لا يغفره، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإنا نعتقد أن من فعل أنواعاً من الكبائر ك*** المسلم بغير حق، والزنا، والربا وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك، أنه لا يخرج بفعله ذلك من دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام، إذا مات موحداً بجميع أنواع العبادة). (3)
ويدل على براءتهم - أيضاً – من تلك الفرية ما يقوله الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – في موضع آخر:
(إن صاحب البردة وغيره ممن يوجد الشرك في كلامه والغلو في الدين، وماتوا لا يحكم بكفرهم، وإنما الواجب إنكار هذا الكلام، وبيان من اعتقد هذا على الظاهر فهو مشرك كافر، وأما القائل فيرد أمره إلى الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي التعرض للأموات، لأنه لا يعلم هل تاب أم لا..). (4)
ولما سئل الشيخ عبد العزيز بن حمد سبط الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن تلك الفرية، كان جوابه رحمه الله – بعد أن ساق السؤال _:
(وأما السؤال الثاني وهو قولكم: من لم تشمله دائرة إمامتكم ويتسم بسمة دولتكم، وهل داره دار كفر وحرب على العموم الخ.
فنقول وبالله التوفيق: الذي نعتقده وندين الله به، أن من دان بالإسلام وأطاع ربه فيما أمر، وانتهى عما عنه نهى وزجر، فهو المسلم حرام المال والدم كما يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة. ولم نكفر أحداً دان بالإسلام لكونه لم يدخل في دائرتنا، ولم يتسم بسمة دولتنا، بل لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله، ومن زعم أنا نكفر الناس بالعموم، أو نوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ببلده فقد كذب وافترى). (1)
ومن الحجج الدامغة التي سطرها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وأزهق بها فرية عثمان بن منصور حين قذف الشيخ الإمام بتكفير المسلمين و***هم، يقول الشيخ عبد اللطيف في (مصباح الظلام) دحضاً لذلك:
(هذه العبارة تدل على تهور في الكذب، ووقاحة تامة، وفي الحديث: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت). (2)
وصريح هذه العبارة أن الشيخ كفر جميع الأمة من المبعث النبوي إلى قيام الساعة إلا من وافقه على قوله الذي اختص به، وهل يتصور هذا عاقل عرف حال الشيخ وما جاء به ودعا إليه، بل أهل البدع كالقدرية والجهمية والرافضة والخوارج لا يكفرون جميع من خالفهم، بل لهم أقوال وتفاصيل يعرفها أهل العلم، والشيخ رحمه الله لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب – أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات وتوحيد العمل والعبادات – مجمع عليه المسلمين لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم). (3)
كما يوضح الشيخ عبد اللطيف تورع جده – الشيخ الإمام – عن التكفير فيقول: (والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر، حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور، أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها). (4)
ويورد الشيخ عبد اللطيف – في إحدى رسائله – معتقد الشيخ الإمام في مسألة التكفير فيقول:
(فإنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية) (5).
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف أن من عرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أدرك براءته من تلك الفرية الكاذبة فيقول – رحمه الله -:
(كل عاقل يعرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، يعلم أنه من أعظم الناس إجلالاً للعلم والعلماء، ومن أشد الناس نهياً عن تكفيرهم وتنقصهم وأذيتهم، بل هو ممن يدينون بتوقيرهم وإكرامهم والذب عنهم، والأمر بسلوك سبيلهم، والشيخ رحمه الله لم يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمعت الأمة على كفره كمن اتخذ الآلهة والأنداد لرب العالمين)(1).
وتضمنت مناظرة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن لداود بن جرجيس، تفنيداً لفرية تكفير الناس فيقول الشيخ عبد اللطيف:
(وأما القول بأنا نكفر الناس عموماً ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، سبحانك هذا بهتان عظيم)(2).
ويدحض الشيخ صالح بن محمد الشتري كذبهم، فيقول:
(وأما ما ادعاه أعداءه المعاصرون له أنه كفر بالعموم، أو يكفر بالذنوب أو يقاتل من لا يستحق ***اً، أو يستحل دمه وماله، فالجواب أن نقول سبحانك هذا بهتان عظيم، ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب تبرأ فيهن مما نسب إليه أعداؤه وأن مذهبه مذهب السلف الصالح..) (3).
ويجمل السهسواني الجواب على مفتريات شيخ الكذب دحلان في اتهام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب فيقول:
(هذا كله افتراء بلا ريب على الشيخ، يعرفه من له رائحة من الإيمان والعلم والعقل).(4)
ويقول أيضاً - بعد ذكر مفتريات أخرى لدحلان في قذف الشيخ الإمام بتكفير الناس -:
(الجواب على هذه الأقوال كلها أنها على طولها وكثرتها كاذبة خبيثة فلا تعجبك كثرة الخبيث). (5)
وينفي السهسواني مزاعم دحلان التي رمى بها دعوة الشيخ في مسألة التكفير..، فيقول:
(أن الشيخ وأتباعه لم يكفروا أحداً من المسلمين، ولم يعتقدوا أنهم هم المسلمون، وأن من خالفهم هم مشركون، ولم يستبيحوا *** أهل السنة وسبي نسائهم … ولقد لقيت غير واحد من أهل العلم من اتباع الشيخ، وطالعت كثيراً من كتبهم، فما وجدت لهذه الأمور أصلاً وأثراً، بل كل هذا بهتان وافتراء).(6)
ومما قاله محمد رشيد رضا معلقاً - على الكلام السابق -:
(بل في هذه الكتب خلاف ما ذكر وضده، ففيها أنهم لا يكفرون إلا من أتى بما هو كفر بإجماع المسلمين) (7).
ويورد الشيخ سليمان بن سحمان الدفاع عن الشيخ الإمام، ويبرأه من هذا البهتان فيقول رحمه الله – حاكياً حال الشيخ:
(فإنه رحمه الله كان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها.. فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمع على تكفيره الأمة، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم.. ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها فقد كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم …). (1)
وكتب أحمد الكتلاني في (الصيب الهطال) – دفاعا عن الشيخ في هذا المقام – قريباً مما كتبه ابن سحمان (2).
وأجاب أحد علماء نجد على تلك الفرية، حيث تلقفها صاحب جريدة القبلة وزعم أن الوهابيين يلزمون الناس بتكفير آباءهم وأجدادهم.
فكان جواب هذا العالم:
(وهذا من نمط ما قبله من الكذب والبهتان، والذي نقوله في ذلك أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة إليه، فالذي يحكم عليه إذا كان معروفاً بفعل الشرك ويدين به، ومات على ذلك، فظاهره أنه مات على الكفر فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه. وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى فإن كانت قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله. وأما من لا نعلم حاله في حال حياته، ولا ندري ما مات عليه، فإنا لا نحكم بكفره، وأمره إلى الله فمن نسب إلينا غير هذا فقد كذب علينا وافترى وحسبنا الله ونعم الوكيل)(3).
ويكذّب الشيخ محمد بن عثمان الشاوي هذا البهتان، فيقول في رسالته (القول الأسد):
(فإنا لم نكفر بالعموم، ولا نكفر إلا من قام الدليل القاطع على كفره، بصرفه حق الله لغيره، ودعائه، والتجاءه إلى ما لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلا عن غيره …).(4)
ويهاجم القصيمي في كتابه (الصراع) خصوم الشيخ – من الرافضة – مؤكداً براءة الشيخ من فرية التكفير، وأن هؤلاء الرافضة أحق وأجدر بهذا الوصف فيقول:
(إن من عجائب الأيام وفكاهاتها المضحكة قوماً، المبكية قوماً آخرين، أن تذهب الشيعة تتهم أهل السنة من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإكفار المسلمين وإحلال دمائهم وأموالهم، في حين أن الشيعة تعلن على رؤوس الملأ ومسامع العالمين إكفار خيار الأمة، وإكفار كبراء الصحابة، ومن تولاهم من فرق المسلمين، والذي يكفر خيار الصحابة كالصديق وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية وغيرهم .. كيف لا يمنعه الحياء من أن يتهم أحدا بإكفار المسلمين..). (5)
من خلال هذه النقول المتعددة تظهر براءة الشيخ الإمام، وكذا أتباعه وأنصار دعوته من مفتريات وأكاذيب الخصوم في مسألة التكفير، ومن طالع كتبهم وقرأ رسائلهم تبين له صحة معتقدهم وسلامة فهمهم لمسألة التكفير، وإن اعتقادهم فيها هو عين اعتقاد السلف الصالح.

يتبع لتفنيد باقى الشبه
  #3  
قديم 17-08-2010, 10:04 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي فرية أن الوهابيين خوارج، وأن نجد اليمامة قرن الشيطان مع الرد والدحض لها

فرية أن الوهابيين خوارج،
وأن نجد اليمامة قرن الشيطان مع الرد والدحض لها

يورد شيخ الكذب والبهتان أحمد دحلان، اتهامه لأنصار هذه الدعوة السلفية بفرية التحليق فيقول:
(وكانوا يأمرون من اتبعهم أن يحلق رأسه، ولا يتركونه يفارق مجلسهم إذا تبعهم، حتى يحلقوا رأسه، ولم يقع مثل ذلك قط من أحد من الفرق الضالة التي مضت قبلهم، فالحديث صريح فيهم، وكان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول: لا يحتاج أن يؤلف أحد تأليفاً للرد على ابن بعد الوهاب، بل يكفي من الرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم. (سيماهم التحليق) فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم). (6)
ويتهم الرافضي محمد حسن الموسوي الوهابيين بأنهم على نهج الخوارج. ثم يقول كاذباً (أن الوهابية أصحاب الزلازل والفتن بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم). (7)
ويدعي النبهاني أن نجد اليمامة هي قرن الشيطان، وأنها من بلاد المشرق التي ذمها الرسول صلى الله عليه وسلم يقول النبهاني في رائيته الصغرى:
أشار رسول الله للشرق ذمّه وهم أهله لا غرو أن أطلع الشـرا
به يطلع الشيطان ينطح قرنه رؤوس الهدى والله يكسره كسرا) (1)
وقد حشد الدجوي في مجلته (الأزهر) إحدى عشرة صفة من صفات الخوارج، وحملها - ظلماً وبغياً - على أنصار وأتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.(2)
كما زعم الأفاك الأثيم، والكذاب اللئيم الرافضي (العاملي) أن الوهابيين يشبهون الخوارج من ثلاث عشرة جهة.(3)
ويورد العاملي الأحاديث التي في ذم المشرق، وذم نجد، ليحملها على نجد اليمامة (4). ثم يدافع عن موطنه – العراق -، فيقول نافياً أن تكون العراق هي نجد قرن الشيطان-.
(وما يحكي عن بعض الوهابيين من أن المراد من نجد هو العراق؛ لأنها أعلى من الحجاز والنجد في اللغة ما أشرق من الأرض، معلوم الفساد، فإن نجداً حيثما يطلق بلا قيد يراد به بلادهم التي لا تسمى عرفاً إلا بهذا الاسم قديماً وحديثاً..) (5).
ويأتي العاملي بزور آخر، حيث يدعي أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب من عشيرة ذي الخويصرة التميمي، وذلك لأن كلاهما من بني تميم، يقول العاملي:
(ومن الأخبار المرجح ورودها في الوهابية قوله صلى الله عليه وسلم في ذي الخويصرة التميمي أن من ضئضيء هذا قوماً يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم.. فيكون المراد من ضئضئه أي من أصله وعشيرته، لا من نسله وعقبه؛ لأن عشيرة الرجل هي أصله ومعدنه، وذو الخويصرة وابن عبد الوهاب من أصل واحد، من عشيرة واحدة فكلاهما تميمي.(6)
ويدعي الزهاوي أن من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إخباره عن هؤلاء الخوارج، يقصد أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -. (1)
ويزعم أحمد بن محمد الغماري أن دعوة الشيخ الإمام هي قرن الشيطان، فيقول: (ولما طلع قرن الشيطان بنجد في أواخر القرن الحادي عشر، وانتشرت فتنته، كانوا يحملون الأحاديث عليه وعلى أصحابه). (2)
ويردد أبو زهرة تلك الفرية - دون تورع أو تثبت - فيقول عن أتباع هذه الدعوة بأنهم:
(كانوا يشبهون الخوارج الذين كانوا يكفرون مرتكب الذنب)(3).
كما أن الشيعي محمد جواد مغنية يزعم أن الوهابية لا تختلف عن الخوارج في مسألة التكفير …. (4).




الجواب والرد والدحض
إن هذا الركام – من تلك الأكاذيب – الذي افتراه خصوم الدعوة السلفية ما يلبث أن يتلاشى ويزول، فيكون كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وذلك عندما نسوق ما سطّره بعض أتباع هذه الدعوة السلفية من الحجج الواضحة والأدلة الدامغة في دحض ذلك البهتان.
لقد كذب الخصوم على الشيخ الإمام حين زعموا أنه يكفّر المسلمين بالذنوب فإن الشيخ قد أوضح في هذه المسألة، فقال في رسالته لأهل القصيم:
(ولا أكفّر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه عن دائرة الإسلام) (5).
ومع أن الإمام الشوكاني رحمه الله في باديء الأمر لم تبلغه معلومات موثقة عن هذه الدعوة السلفية، إلا أنه لم يصدق تلك الدعاوى الكاذبة، فقال:
(وبعض الناس يزعم أنه يعتقد اعتقاد الخوارج، وما أظن ذلك صحيحاً) (6).
(سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر – رحمه الله -، فقال السائل: إنكم تكفرون بالمعاصي.
فأجاب: ليس هذا قولنا، بل هذا قول الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ولم نكفّر أحداً بعمل المعاصي، بل نكفّر من فعل المكفرات كالشرك بالله بأن يعبد معه غيره، فيدعوا غير الله، أو ي*** له، أو ينذر له، أو يخافه، أو يرجوه، أو يتوكل عليه، فإن هذه الأمور كلها عبادة لله بنص القرآن … إلى آخر جوابه رحمه الله)(7).
ويفند الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فرية (التحليق) فيقول:
(وأما البحث عن حلق شعر الرأس، وأن بعض البوادي الذين دخلوا في ديننا قاتلوا من لم يحلق رأسه، و***وا بسبب الحلق خاصة، وأن من لم يحلق رأسه صار مرتداً، والردة لا تكون إلا بإنكار ما علم بالضرورة من دين الإسلام، وأنواع الكفر والردة من الأقوال والأفعال معلومة عند أهل العلم، وليس عدم الحلق منها، بل ولم نقل إن الحلق مسنون فضلاً عن أن يكون واجباً، فضلاً عن أن يكون تركه ردة عن الإسلام.
ونحن لم نأمر أحداً من الأمراء بقتال من لم يحلق رأسه بل نأمرهم بقتال من أشرك بالله، وأبى عن توحيد الله) (1).
ويوضح الشيخ عبد العزيز بن حمد – سبط الشيخ الإمام – في جواب له، بعضاً من أحكام حلق شعر الرأس، ويذكر السبب في حلقه عندهم في بلاد نجد، فقال رحمه الله:
(فالذي تدل على الأحاديث، النهي عن حلق بعض وترك بعض، فإما تركه كله فلا بأس به، إذا أكرمه الإنسان كما دلت عليه السنة النبوية. وأما حديث كليب (2) فهو يدل على الأمر بالحلق عند دخوله في الإسلام إن صح الحديث، ولا يدل على أن استمرار حلقه سنة، وأما تعزير من لم يحلق وأخذ ماله فلا يجوز وينهى فاعله عن ذلك؛ لأن ترك الحلق ليس منهياً عنه، وإنما نهى عنه ولي الأمر؛ لأن الحلق هو العادة عندنا، ولا يتركه إلا السفهاء عندنا، فنهى عن ذلك نهي تنزيه لا نهي تحريم سداً للذريعة؛ ولأن كفار زماننا لا يحلقون فصار في عدم الحلق تشبهاً بهم).(3)
ويؤكد الشيخ عبد الرحمن بن حسن في رد شافي – على من احتج بحديث نجد قرن الشيطان – أن الذم والمدح يقع على الحال لا على المحل، كما يذكر المراد بنجد قرن الشيطان، فقال رحمه الله:
(.. الذم إنما يقع في الحقيقة على الحال لا على المحل، والأحاديث التي وردت في ذم نجد كقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لنا في يمننا. اللهم بارك لنا في شامنا) الحديث.. قيل إنه أراد نجد العراق؛ لأن في بعض ألفاظه: ذكر المشرق , والعراق شرقي المدينة، والواقع يشهد له، لا نجد الحجاز، ذكره العلماء في شرح هذا الحديث، فقد جرى على العراق من الملاحم والفتن، ما لم يجر في نجد الحجاز، يعرف ذلك من له اطلاع على السير والتاريخ، كخروج الخوارج بها، وكم*** الحسين، وفتنة ابن الأشعث، وفتنة المختار وقد ادعى النبوة … وما جرى في ولاية الحجاج بن يوسف من القتال، وسفك الدماء وغير ذلك مما يطول عده.
وعلى كل حال فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون الحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل. وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس) (4).
ثم قال رحمه الله: (فلو ذم نجد بمسيلمة بعد زواله، وزوال من يصدقه، لذم اليمن بخروج الأسود العنسي ودعواه النبوة …، وما ضرَّ المدينة سكنى اليهود بها، وقد صارت مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومعقل الإسلام , ما ذمت مكة بتكذيب أهلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشدة عدواتهم له، بل هي أحب أرض الله إليه..).(5)
ويذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن في الرد على عثمان بن منصور، الذي وصف أهل هذه الدعوة بأنهم خوارج، ونزل الأحاديث التي وردت في شأن الخوارج عليهم – في رده – أن أهل هذه الدعوة من أبعد الناس عن مشابهة الخوارج، يقول:
(وأما أهل هذه الدعوة الإسلامية التي أظهرها الله بنجد، وانتشرت واعترف بصحتها كثير من العلماء والعقلاء، وأدحض الله حجة من نازعهم بالشهادة، فهم بحمد الله، يدعون إلى ما بعث الله به رسله من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له..) (1).
كما يبيّن الشيخ عبد الرحمن بن حسن - في موضع آخر - أن رأي أهل هذه الدعوة في الخوارج هو رأي الصحابة رضي الله عنهم. (2)
ويقرر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن المراد بالمشرق ونجد الذي ورد ذمه في الحديث فقال:
(إن المراد بالمشرق ونجد في هذا الحديث وأمثاله هو العراق؛ لأنه يحاذي المدينة من جهة الشرق، يوضحه أن في بعض طرق هذا الحديث: وأشار إلى العراق)، قال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة، كان نجده بادية الشام ونواحيها فهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وقال الداوودي: أن نجداً من ناحية العراق، ذكر هذا الحافظ ابن حجر، ويشهد له ما في مسلم عن ابن عمر قال: يا أهل العراق ما أسئلكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الفتنة تجيء من هاهنا، وأومأ بيده إلى المشرق، فظهر أن هذا الحديث خاص لأهل العراق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسَّر المراد بالإشارة الحسيّة، وقد جاء صريحاً في (المعجم الكبير) للطبراني النص على أنها العراق. وقول ابن عمر وأهل اللغة وشهادة الحال كل هذا يعين المراد..)(3).
ويشير الشيخ عبد اللطيف إلى فضل بني تميم فيقول:
(وقد جاء في فضل أهل نجد كتميم، ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أحب تميماً لثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لما جاءت صدقاتهم هذه صدقات قومي، وقوله في الجارية التميمية: اعتقها فإنها من ولد إسماعيل، وقوله: هم أشد أمتي على الدجال.. هذا في المناقب الخاصة، وأما العامة للعرب، فلا شك في عمومها لأهل نجد؛ لأنهم من صميم العرب، وما ورد في تفضيل القبائل والشعوب أدل وأصرح في الفضيلة مما ورد في البقاع والأماكن في الدلالة على فضل الساكن والقاطن.
ومعلوم أن رؤساء عبّاد القبور الداعين إلى دعائهم وعبادتها لهم حظ وافر مما يأتي به الدجال، وقد تصدى رجال من تميم، وأهل نجد للرد على دجاجلة عبّاد القبور الدعاة إلى تعظيمها مع الله، وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، إن قلنا إن (ال) في الدجال للجنس لا للعهد، وإن قلنا أنها للعهد كما هو الظاهر، فالرد على جنس الدجال توطئة وتمهيد لجهاده، ورد باطله فتأمله فإنه نفيس جداً). (1)
ويجيب الشيخ عبد اللطيف على من عاب الشيخ الإمام بدار مسيلمة، فيقول:
(ولا يعيب شيخنا بدار مسيلمة إلا من عاب أئمة الهدى ومصابيح الدجى بما سبق في بلادهم من الشرك والكفر المبين، وطرد هذا القول جرأة على النبيين وأكابر المؤمنين، وهذا المعترض (2) كعنز السوء يبحث عن حتفه بظلفه ولا يدري.
وقد قال بعض الأزهريين(3): مسيلمة الكذّاب من خير نجدكم. فقلت وفرعون اللعين رأس مصركم، فبهت، وأين كفر فرعون من كفر مسيلمة لو كانوا يعلمون). (4)
ويرد الشيخ عبد اللطيف على ابن منصور حين طعن في نجد اليمامة؛ لأنها – على حد زعمه – بلد نجدة الحروري والقرمطي، فيقول رحمه الله:
(ثم كون الحروري والقرمطي من هذه البلاد، كلام كذب وزور على عادته، فإن نجدة ابتلي ببدعته ومروقه بالعراق، وبها استقر وهي وطنه، وأيضا فقد ثبت أنه تاب لما ناظره ابن عباس. والقرمطي بلاده القطيف والخط، وليس من حدود اليمامة، بل ولا من حدود نجد. ثم لو فرض أنه من نجد، ومن اليمامة ومن بلدة الشيخ أي ضرر في ذلك ؟
وهل عاب الله ورسوله أحداً من المسلمين أو غيرهم ببلده ووطنه، وكونه فارسياً أو زنجياً أو مصرياً من بلاد فرعون، ومحل كفره وسلطته ؟ وعكرمة بن أبي جهل من أفاضل الصحابة، وأبوه فرعون هذه الأمة)(5).
وقد تتبع الشيخ السهسواني في (صيانة الإنسان) الروايات في شأن نجد قرن الشيطان، وساق أقوال العلماء في ذلك، ومرادهم بنجد هاهنا(6)، ثم قال:
(ولا يخفى عليك أن لفظاً من ألفاظ هذا الحديث، لا يقتضي أن كل من يولد في المشرق يكون مصداقاً لهذا الحديث..
ومجرد وقوع الفتنة لا يستلزم ذم كل من يسكنه، بدليل ما رواه الشيخان عن أسامة بن زيد قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى ؟ قالوا: لا قال: فإني لأرى الفتن تقع من خلال بيتكم كوقع المطر). (7)
وذكر المؤلف أحاديث أخرى، ثم قال:
(وهذه الأحاديث وغيرها مما ورد في هذا الباب دالة على وقوع الفتن في المدينة النبوية، فلو كان وقوع الفتن في موضع مستلزماً لذم ساكنيه لزم ذم سكان المدينة كلهم أجمعين، وهذا لا يقول به أحد، على أن مكة والمدينة كانتا في زمن موضع الشرك والكفر، وأي فتنة أكبر منهما، بل وما من بلدٍ أو قريةٍ إلا وقد كانت في زمن أو ستصير في زمان موضع الفتنة، فكيف يجتريء مؤمن على ذم جميع مسلمي الدنيا؟ وإنما مناط ذم شخص معين كونه مصدراً للفتن من الكفر والشرك والبدع). (1)
كما ساق السهسواني الروايات التي تثبت أن العراق هو المراد في أحاديث الفتن في نجد، وأنه المشرق بالنسبة للمدينة المنورة. (2)
ويقول السهسواني عن دعوى التحليق:
(وهذا كذب صريح وبهتان قبيح). (3)
ويقول علامة العراق محمود شكري الآلوسي عن بلده العراق – والتي هي في الحقيقة نجد قرن الشيطان ـ:
(ولا بدع فبلاد العراق معدن كل محنة وبليّة، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية، فأهل حروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق، والمعتزلة وما قالوه للحسن البصري وتواتر النقل به … إنما نبغوا وظهروا بالبصرة، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت، والقول الشنيع في الإمام علي، وسائر الأئمة ومسبّة أكابر الصحابة..، كل هذا معروف مستفيض). (4)
ويعلن الشيخ ابن سحمان براءتهم من الخوارج، فينشد هذه الأبيات:
ونبرأ من دين الخوارج إذ غــلوا بتكفيرهم بالذنب كل موحـد
وظنوه ديناً من سفاهة رأيهـــم وتشديدهم في الدين أي تشدد
ومن كل دين خالف الحق والهدى وليس على نهج النبي محـمد (5)
ويرد ابن سحمان إفك الحداد حين وصف أهل نجد بأنهم من ذرية مسيلمة الكذّاب، ويؤكد أن العراق موطن الفتن؛ لأنها مشرق المدينة وليست اليمامة، يقول ابن سحمان:
(.. وآباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلافهم كانوا على جاهلية، وشرك، وعبادة للأصنام والأحجار وغيرها. ولا يتوجه عيب أحد منهم بأسلافه وقد يخرج الله من أصلاب المشركين، والكفّار من هو خواص أوليائه وأصفيائه …). (6)
ويقول: (قد كان بلد الشيخ اليمامة، ولم تكن اليمامة مشرق المدينة، بل مشرق المدينة العراق ونواحيه، فاليمامة، ليست مشرق المدينة، ولا هي وسط المشرق بين المدينة والعراق، بل اليمامة شرق مكة المشرفة..). (1)
ويبيّن عبد الكريم بن فخر الدين الهندي تحريف دحلان، ويرد عليه، ثم يذكر جواباً على دعوى التحليق، فيقول – حين ذكر دحلان أن نجد جزيرة العرب هي قرن الشيطان ـ:
(انظر كيف صنيعه وتحريفه كلام الرسول وتضييعه، مع أن شرّاح الحديث يذكرون في ذيله *** عثمان رضي الله عنه، وواقعة الجمل وصفين، وظهور الخوارج.. ونحو ذلك، ولم يعينوا مورده كما عين، مع أن حدوث الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج عن الموارد المذكورة فيما هنالك). (2)
ويقول عبد الكريم أيضاً:
(وأما ما ورد في الخوارج سيماهم التحليق، فلا ينطبق على ما ادعاه فإن ترك الشعر واللّمة سنة عند محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، فإن كان صحيحاً يحمل أمره ذلك، فيمن كان جديد الإسلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألق عنك شعر الكفر) (3)) (4).
ويبيّن ناصر الدين الحجازي في (النفخة) المراد بالشرق وحده – أثناء رده على إفك الأسكندراني – فيقول:
(إن الشرق اسم عام نهايته مطلع الشمس، وقد ظهر منه فتن كثيرة كفتنة جنكيزخان، وهولاكو ومن بعده من التتار، واستطال الأمر، و***ت الألوف المؤلفة من المسلمين فما الذي حملت على أن تخصمه بأولئك المساكين الذين يضربون في الأرض، ليحصلوا قوتهم من حلال ….). (5)
ويجيب الحجازي عن فرية التحليق فيقول – رحمه الله ـ:
(وأما ما ذكرته عن التحليق فذاك) كلام خرافة يا أم عمرو). (6)
وألف الشيخ حكيم محمد أشرف سندهو – رحمه الله – رسالة مستقلة بعنوان (أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان(7))، جمع فيها روايات هذا الحديث، وذكر أقوال شرّاح الحديث في بيان معناه، وكذا أقوال علماء اللغة، والجغرافيين، وأثبت – على ضوئها – أن المراد بنجد قرن الشيطان هي العراق، ونوجز بعض ما أورده وهو يقول – بعد أن ساق مرويات هذا الحديث ـ:
(مقصود الأحاديث أن البلاد الواقعة في جهة المشرق من المدينة المنورة، هي مبدأ الفتنة والفساد ومركز الكفر والإلحاد، ومصدر الابتداع والضلال، فانظروا في خريطة العرب بنظر الإمعان، يظهر لكم أن الأرض الواقعة في شرق المدينة إنما هي أرض العراق فقط موضع الكوفة والبصرة وبغداد). (7)
ويقول - في موضع آخر -:
(واتفقت كلمة شرّاح الحديث وأئمة اللغة ومهرة جغرافية العراب أن النجد ليس اسماً لبلد مخصوص، ولا اسماً لبلدة بعينها، بل يقال لكل قطعة من الأرض مرتفعة عما حواليها نجد …). (1)
وقد رد الشيخ حمود التويجري في كتابه (إيضاح المحجة) على فرية الغماري فكان من رده:
(أن الروايات الواردة في طلوع قرن الشيطان من المشرق كلها عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد صرح في بعضها أن المراد بالمشرق أرض العراق فبطل بذلك كل ما يتعلق به الملاحدة على أهل الجزيرة العربية).(2)
ولما زعم الغماري أن المراد بطلوع قرن الشيطان بنجد هو ظهور الشيخ أعقبه التويجري برد قال فيه:
(وهذا من البهتان والإثم المبين، لكونه وصفهم بصفة ذميمة لم ترد فيهم، وإنما وردت في غيرهم، وقد قال الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) (3). وقد شهد علماء الدين للشيخ بأنه أظهر توحيد الله، وجدد دينه، ودعا إليه، واعترفوا بعلمه وفضله وهدايته، وأثنوا عليه نظماً ونثراً) (4).
ويقول العلامة ناصر الدين الألباني – معلقاً على حديث (اللهم بارك لنا في شامنا..) بعد أن ساق طرقه ومروياته:
(فيستفاد من مجموع طرق الحديث أن المراد من نجد في رواية البخاري ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم، وإنما هو العراق، وبذلك فسره الإمام الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني … وقد تحقق ما أنبأ به عليه السلام، فإن كثيراً من الفتن الكبرى كان مصدرها العراق كالقتال بين سيدنا علي ومعاوية، وبين علي والخوارج، وبين علي وعائشة وغيرها مما هو مذكور في كتب التاريخ. فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوته..) (5).
وينفي د. عبد الباري عبد الباقي أن يكون الوهابيين خوارج، فيقول:
(فعلى عكس الخوارج، لم يتبرأ الوهابيون من عثمان وعلي رضي الله عنهما). (6)
ويدحض القصيمي فرية التحليق – شعار الخوارج كما يقولون.. ـ، وينفي أن تكون منطبقة على الوهابيين، فيقول:
(وهذا قول فاسد مردود، وبيان ذلك أن حجته في هذا القول، هي أن النجديين فيهم من يحلقون رؤوسهم، وفاتهم أن معنى سيمى القوم، أي علامتهم التي بها يتميزون عن غيرهم، وما به يعرفون ويختصون، وإذا كان الأمر مشتركاً بين الناس مشاعاً بين أصنافهم، فليس سيمى الطائفة ولا علامة، وكذلك التحليق لا يمكن أن يكون سيمى لأحد اليوم؛ لأن التحليق أمر تفعله أمم كثيرة في أقطار كثيرة من الأقطار الإسلامية، فلا يمكن أن يكون سيمى النجديين يقيناً..). (1)
ويبطل القصيمي – دعوى الرافضي العاملي – أن الوهابيين خوارج فيقول: (إن الوهابيين يشهدون بحق وصدق أن هؤلاء الذين أكفرهم الخوارج كعلي وعثمان ومعاوية ومن وافق هؤلاء الصحابة من الصحابة والتابعين من أفضل البشر، وأصدقهم ديناً، وإيماناً وسيرة وسريرة..)(2).

يتبع لتفنيد باقى الشبه




  #4  
قديم 17-08-2010, 10:16 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين عرض ثم رد

شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين

عرض ثم رد

يفتعل الخصوم شبهة أخرى، هي في حقيقتها لا تختلف عن أختها السابقة، فيدعون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من بعده، قد عمدوا إلى آيات من القرآن نزلت في المشركين، وخوطب بها الكفار – آنذاك – فحملها – أي الشيخ وأتباعه كما يدعون – على المسلمين، فجعلوا المسلمين مثل الكفار..

هذه هي شبهتهم، مع ملاحظة أنهم يقصدون بالمسلمين – هاهنا – من يستغيث بالأموات، وي*** للجن، وينذر للأولياء … فهم مسلمون – على حد ظنهم – ماداموا يعترفون بأن الله هو المؤثر، والفاعل وبيده النفع والضر..، وهم مسلمون – أيضاً – لأنهم ينطقون بالشهادتين، ولو وقعوا في تلك الشركيات.

وسنورد شبهتهم في ذلك.. ثم نتبعها بالرد والبيان.

يشير سليمان بن عبد الوهاب إلى تلك الشبهة، فيقول – مخاطباً أنصار الدعوة السلفية -:

(ولكن ليس هذا بأعجب من استدلالكم بآيات نزلت في الذين (إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) ([1]) والذين يقال لهم (أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى) ([2]) والذين يقولون (أجعل الآلهة إلهاً واحداً) ([3])، ومع هذا يستدلون بهذه الآيات، وتنزلونها على الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقولون ما لله من شريك، ويقولون ما أحد يستحق أن يعبد مع الله …) ([4]).

ويورد علوي الحداد تلك الشبهة فيقول:

(وأما ما استدل به من الآيات الكريمة على تكفير المسلمين كقوله تعالى (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون) ([5]).

وما بعدها من الآيات فهي إنما نزلت في حق الكفار المنكرين للقرآن والرسول فأي مناسبة بين المسلم والكافر)([6]).

ويدعي اللكنهوري تلك الدعوى فيقول:

(كما أن الخوارج طبقوا ما ورد في الكفّار والمشركين من الآيات على المسلمين المؤمنين، فكذلك هؤلاء الوهابيون يطبقون سائر تلك الآيات الواردة في المشركين على مسلمي العالم..) ([7]).

ويزيد دحلان عن غيره – كعادته – الأكاذيب والشبهات، فيقول مستكثراً من تلك الشبهة:

(وعمدوا إلى آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين فحملوها على المؤمنين..) ([8]).

ويقول في موضع آخر:

(وحملوا الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على خواص المؤمنين وعوامهم. كقوله تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحدا) ([9]) وقوله تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) ([10]).. حيث حملوها على المؤمنين، وأدخلوهم في عموم هذه الآيات) ([11]).

ويقول دحلان في موضع ثالث، أثناء ذكره معتقد الشيخ الإمام:

(وتمسك في تكفير المسلمين بآيات نزلت في المشركين، فحملها على الموحدين) ([12]).

وتلقف الزهاوي تلك الشبهة فرددها - كغيره - قائلاً:

(وحمل الآيات التي نزلت في الكفّار من قريش على أتقياء الأمة) ([13]) ثم قالها مرة أخرى: (فعمد إلى الآيات القرآنية النازلة في المشركين فجعلها شاملة لجميع المسلمين) ([14]).

ويرددها ثالثة فيقول: (حملت الوهابية جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم..) ([15]).

ويسوق محمد نجيب سوقية هذا الشبهة بأسلوبه المعتاد من بذاءة اللسان وكثافة الجهل وانعدام الورع.. فيقول عن الوهابية:

(أما كفاها فجوراً فيما تدعيه، وتموه به على العامة من هذه الأمة بقولها أن جميع ما جاء في آي القرآن مما كان أنزل بحق المشركين والكافرين يحملونه على كافة المسلمين الموحدين، ليتني أدري عنهــم هل وجدوا أحداً ينسب التأثير لشــيء ما في الوجود إلا لله وحده لا شريك له … أو يعتقد أن يكــون فاعلاً غير الله تعالى في هذا العالم …)([16]).

ويظهر في هذه الشبهة تلبيس الخصوم، وتمويههم على سواد الناس، حيث جعلوا عبّاد القبور مسلمين موحدين، لأنهم يعترفون بأن الله هو الفاعل دون غيره، ولذا فهم مسلمون – كما صرح بذلك (نجيبهم) سوقية !.

وقد أشار الشيخ عبد الله أبو بطين إلى خطر مقالة الخصوم، فقال رحمه الله:

(وأما قول من يقول أن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين، فلا تتناول من فعل فعلهم، فهذا كفر عظيم، مع أن هذا قول ما يقوله إلا ثور مرتكس في الجهل، فهل يقول أن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا؟ فلا يحد الزاني اليوم، ولا تقطع يد السارق، ونحو ذلك، مع أن هذا قول يستحي من ذكره، أفيقول هذا أن المخاطبين بالصلاة والزكاة وسائر شرائع الإسلام انقرضوا وبطل حكم القرآن ؟) ([17]).

وقد تحدث الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن آثار هذه الشبهة فكان مما قاله رحمه الله:

(أن من منع تنزيل القرآن، وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل العموم اللفظي، فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، ومن أعظم الناس تعطيلاً للقرآن، وهجراً له وعزلاً عن الاستدلال به في موارد النزاع، فنصوص القرآن وأحكامه عامة لا خاصة بخصوص السبب.

وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من الصد عن سبيل الله والكفر به. مع معرفته ؟) ([18]).

ويذكر الشيخ عبد اللطيف أن تلك الشبهة قد وقع فيها داود بن جرجيس فقال الشيخ عبد اللطيف:

(ومن شبهاته قوله في بعض الآيات هذه نزلت فيمن يعبد الأصنام، هذه نزلت في أبي جهل، هذه نزلت في فلان وفلان يريد – قاتله الله – تعطيل القرآن عن أن يتناول أمثالهم وأشباههم ممن يعبد غير الله، ويعدله بربه)([19]).

ويبين الشيخ عبد اللطيف أن هذه الشبهة من الأسباب المانعة عن فهم القرآن:

(ومن الأسباب المانعة عن فهم كتاب الله أنهم ظنوا أن ما حكى الله عن المشركين، وما حكم عليهم ووصفهم به خاص بقوم مضوا، وأناس سلفوا، وانقرضوا، لم يعقبوا وارثاً.

وربما سمع بعضهم قول من يقول من المفسرين هذه نزلت في عبّاد الأصنام، هذه في النصارى …، فيظن الغر أن ذلك مختص بهم، وأن الحكم لا يتعداهم، وهذا من أكبر الأسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن والسنة) ([20]).

ويظهر الشيخ صالح بن محمد الشثري خطورة هذه الشبهة ومدى انحرافها فيقول – رداً على دحلان -:

(فيا سبحان الله كيف بلغ اتباع الهوى بصاحبه إلى هذا الجهل العظيم، والتناقض البين، وتحريف آيات الله المحكمات الدالة على السؤال والطلب، ويحتج بها على أنها وردت في المشركين وأن حكمها لا يتعداهم … مع أن أحكام القرآن متناولة لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة. قال تعالى (لأنذركم به ومن بلغ) ([21]) وعلى قول هذا المبطل أن حكم القرآن لا يتعدى من نزل فيه، فيقال: قد خاطب الله الصحابة بشرائع الدين كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وبآيات المواريث، وبآيات الحدود، فيلزم على قول هذا المبطل أن حكمها لا يتعدى الصحابة. وهذا كفر وضلال، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..) ([22]).

ويوضح السهسواني – رحمه الله – صحة معتقد الشيخ الإمام في تلك المسألة، فقال:

(نعم قد استدل الشيخ رحمه الله على كفر عباد القبور بعموم آيات نزلت في الكفّار، وهذا مما لا محذور فيه، إذ عبّاد القبور ليسوا بمؤمنين عند أحد من المسلمين …، وإنما تمسك الشيخ في تكفير الذين يسمّون أنفسهم مسلمين، وهم يرتكبون أموراً مكفرة بعموم آيات نزلت في المشركين، وقد ثبت في علم الأصول أن العبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص السبب، وهذا مما لا مجال فيه لأحد) ([23]).

ومما كتبه الشيخ عبد الكريم بن فخر الدين - رداً على دحلان وغيره ممن وقع في تلك الشبهة - قوله:

(إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فحمل آية نزلت في مشرك على مؤمن بتشبيه به شائع ذائع، ولأجل ذلك أجرى الفقهاء حكم الكفر بالتشبه بالكفر، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)([24]))([25]).

ويقول ابن سحمان:

(فمن فعل كما فعل المشركون من الشرك بالله، بصرف خالص حقّه لغير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين، ودعاهم مع الله، واستغاث بهم كما يستغيث بالله، وطلب منهم ما لا يطلب إلا من الله، فما المانع من تنزيل الآيات على من فعل كما فعل المشركون، وتكفيره، وقد ذكر أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن إذا عميت قلوبهم عن معرفة الحق، وتنزيل ما أنزله الله في حق المشركين على من صنع صنيعهم واحتذا حذوهم فلا حيلة فيه) ([26]).

ويكشف محمد رشيد رضا عن كثافة جهل أصحاب هذه الشبهة فيقول:

(ومن عجائب جهل دحلان وأمثاله أنهم يظنون أن ما بيّنه القرآن من بطلان شرك المشركين خاص بهم لذواتهم، وليس بحجة على من يفعل مثل فعلهم كأن من ولد مسلماً يباح له الشرك لجنسيته الإسلامية، وإن أشرك بالله في كل ما عده كتاب الله شركاً، وعلى هذا لا يتصور وقوع الردة في الإسلام، لأن من سمي مسلماً يجب أن يسمى كفره وشركه إسلاماً، أو يعد مباحاً له أو حراماً على الأقل، وقد يعدونه مشروعاً بالتأويل) ([27]).

ويرد الشيخ فوزان السابق تلك الدعوى، فيقول:

(وأما القول بأن الآيات التي نزلت بحق المشركين من العرب لا يجوز تطبيقها على من عمل عملهم ممن يتسمى بالإسلام لأنه يقول: لا إله إلا الله، فهو قول من أغواه الشيطان. فآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض لأن مجرد التلفظ بالشهادة مع مخالفة العمل بما دلت عليه لا تنفع قائلها. وما لم يقم بحق لا إله إلا الله نفياً وإثباتاً، وإلا كان قوله لغواً لا فائدة فيه.

فالمعترض يريد تعطيل أحكام الكتاب والسنة، وقصرهم على من نزلت فيهم، وهذا القول يقتضي رفع التكليف عن آخر هذه الأمة) ([28]).

ونختم هذه الأجوبة، بما سطره القصيمي ردا على هذه الشبهة، يقول:

(وما زال المسلمـون والعلماء والأئمة الأعلام، يستدلون بالآيات العامة النازلة في الكفار على ما يفتون به المسلمين … وما زالوا يأخذون من تلك العموميات الحجج والدلالات على معتقداتهم وإيمانهم، ولا خلاف عندهم أن القرآن إذا ما نهى اليهود، والنصارى، أو المجوس عن أمر من الأمور، أو أخبر أن ذلك كفر فيهم، أنهم هم أيضاً منهيون عن ذلك الأمر، وأنه كفر فيهم.

وقد عقد الإمام الشاطبي في أول كتابه (الاعتصام) فصلاً مبسوطاً رد به على البدع والمبتدعين، محتجاً بعموم الآيات النازلة في أهل الكتاب، وذكر فيه أقاويل كثيرة عن السلف من صحابة وتابعين ومن بعدهم قد احتجوا فيها بالآيات المطلقة النازلة أصلاً في طوائف الشرك، وأهل الكتاب على إثم البدعة، وخطأ المبتدعين من المسلمين) ([29]).

يتبع لتفنيد باقى الشبه




  #5  
قديم 17-08-2010, 10:22 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة

شبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة

ادعى بعض خصوم الدعوة السلفية أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب قد خرج على دولة الخلافة العثمانية، ففارق بذلك الجماعة، وشق عصا السمع والطاعة.
فيصف ابن عفالق التوحيد الذي عليه أتباع الدعوة السلفية، فيقول: (وأما توحيدكم الذي مضمونه الخروج على المسلمين … فهذا إلحاد لا توحيد)([1]) وينعتهم عمر المحجوب مخاطباً لهم: (ووقعتم في شق العصا)([2]) ونلاحظ أن ابن عابدين في حاشيته - كما سبق ذكره - قد وصف أتباع هذه الدعوة بأنهم خوارج، وذلك ضمن باب البغاة، وهم الخارجون عن طاعة الإمام بلا حق([3]).
ويدعي دحلان أن أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب (فارقوا الجماعة والسواد الأعظم) ([4])، كما يدعي الزهاوي أنهم عرفوا (بالمروق عن طاعة أمير المؤمنين)([5])، وإن كثيراً من الخصوم قد وصفوا الشيخ الإمام وأتباعه بأنهم خوارج؛ لأن من صفات الخوارج الخروج على إمام المسلمين، وشق عصا الطاعة بمجرد وقوعه في المعاصي التي دون الكفر الأكبر …
ونوضح ذلك بما ادعاه العاملي حيث يقول:
(الخوارج استحلوا قتال ملوك المسلمين والخروج عليهم.. وكذلك الوهابيون) ([6]).
ويذكر صاحب كتاب (خلاصة تاريخ العرب)، مبحثاً لعنوان:
(المبحث السادس: في خروج الوهابية عن الطاعة) ([7]).
ويدعي عبد القيوم زلوم أن الوهابيين بظهور دعوتهم قد كانوا سبباً في سقوط دولة الخلافة.
يقول:
(وكان قد وجد الوهابيون كيان داخل الدولة الإسلامية بزعامة محمد بن سعود ثم ابنه عبد العزيز، فأمدتهم انجلترا بالسلاح والمال، واندفعوا على أساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة أي رفعوا السيف في وجه الخليفة، وقاتلوا الجيش الإسلامي جيش أمير المؤمنين بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم) ([8]).
وقبل أن نورد الجواب على شبهة خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة، فإنه من المناسب أن نذكر ما كان عليه الشيخ الإمام من اعتقاد وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف.
يقول الشيخ الإمام في رسالته لأهل القصيم:
(وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه) ([9]).
ويقول أيضاً:
(الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبداً حبشياً فبين له هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً. ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند كثير من يدعي العلم، فكيف العمل به)([10]).
وصرح الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله باعتقادهم في هذه المسألة فقال:
(ونرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية) ([11]).
وبعد هذا التقرير الموجز الذي أبان ما كان عليه الشيخ من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله.
فإننا نشير إلى مسألة مهمة جواباً عن تلك الشبهة، فهناك سؤال مهم هو: هل كانت نجد موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية ؟ يجيب الدكتور صالح العبود على هذا السؤال فيقول:
(لم تشهد نجد على العموم نفوذاً للدولة العثمانية، فما امتد إليها سلطانها، ولا أتى إليها ولاة عثمانيون، ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان، الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقراء تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية، فمن خلال رسالة تركية عنوانها (قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان) يعني قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر (الديوان) ألفها – يمين علي أفندي – الذي كان أميناً للدفاتر الخاقاني سنة 1018هـ الموافقة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري، كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثون إيالة، منها أربع عشرة إيالة عربية، وبلاد نجد ليست معها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد..) ([12]).
ويقول الدكتور عبد الله العثيمين:
(ومهما يكن فإن نجداً لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنها لم تشهد نفوذاً قوياً بفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت، فلا نفوذ بني جبر، أو بني خالد في بعض جهاتها، ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي، فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة، والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حاداً عنيفاً)([13]).
يقول الدكتور عجيل النشمي:
(إن نجداً وما جاورها لم تعرها دولة الخلافة أهمية تذكر، وربما كانت سياستها هذه تجاه بلاد نجد لسعة أراضيها، وترامي أطرافها، هذا من جانب، ولتمكن التوزيع القبلي والعشائري من جانب آخر..) ([14])
ويقول أمين سعيد في هذا الشأن:
(ولقد حاولنا كثيراً في خلال دراستنا لتاريخ الدولتين الأموية والعباسية، وتاريخ الأيوبيين، والمماليك في مصر، ثم تاريخ العثمانيين الذين جاءوا بعدهم وورثوهم، أن نعثر على اسم وال، أو حاكم أرسله هؤلاء، أو أولئك أو أحدهم إلى نجد أو إحدى مقاطعتها الوسطى، أو الشمالية أو الغربية أو الجنوبية، فلم نقع على شيء، مما يدل على مزيد من الإهمال تحمل تبعته هذه الدول..
على أن الذي استنتجناه في النهاية هو أنهم تركوا أمر مقاطعات نجد الوسطى والغربية إلى الأشراف الهاشميين حكام الحجاز الذين جروا على أن يشرفوا على قبائلها إشرافاً جزئياً) ([15]).
ويقول أيضا:
(وكان كل شيخ أو أمير في نجد مستقل استقلالاً تاماً في إدارة بلاده وما كان يعرف الترك، ولا الترك يعرفونه)([16]).
ويبين حسين خزعل حال نجد زمن العصر العثماني فيقول:
(ولما حلت سنة 923هـ، وظهرت الدولة العثمانية على المسرح السياسي في جزيرة العرب، - وإن كانت الجزيرة العربية لن تشتمل بالحكم العثماني المركزي المباشر، بل اكتفت الدولة العثمانية بالسلطة الأسمية عليها -، كان كل قطر من أقطار الجزيرة العربية مستقلا بذاته، ولا سيما نجد، فقد كانت العصبيات فيها قائمة على قدم وساق، لكل عشيرة دولة، ولكل حاكم من أولئك الحكام حوزته الخاصة يحكمها حكماً مطلقاً ([17]).
ويقول جاكلين بيرين في ذلك:
(ولكن شبه الجزيرة العربية ظلت ممتنعة على الفتح التركي بفضل صحرائها التي هلكت فيها عطشاً الجيوش التي وجهها السلطان سليمان سنة 1550 م) ([18]).
فإذا كانت نجد - محل ظهور وانطلاق هذه الدعوة - ليست تحت سيطرة العثمانيين، فكيف ترد هذه الشبهة ويظن أن الشيخ قد خرج على دولة الخلافة ؟.
واستكمالاً لهذا المبحث نذكر بعض جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على ذلك الاعتراض، يقول الشيخ عبد العزيز:
(لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية - فيما أعلم وأعتقد -، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل … وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى …) ([19]).
ويجيب الشيخ محمد نسيب الرفاعي على من ادعى أن هذه الدعوة حركة انقلابية المراد منها خلع الخليفة العثماني، وإعادة الخلافة إلى العرب، فكان مما قاله:
(لم يكن ليخطر على بال الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن ينقلب على خليفة المسلمين ولا مرّ بخاطره ذلك.. ولكن الملتفين حول الخليفة إذ ذاك من الطرقيين المتصوفة قلبوا له الأخبار، وشوهوها، ليوغروا صدر الخليفة عليهم، وحرضوه عليهم بحجة أنهم أهل حركة انقلابية على الخليفة نفسه، تقصد إرجاع الخلافة إلى العرب.. مع أن من صميم عقيدة الشيخ رحمه الله التي هي العقيدة الإسلامية الحقة أنه لا تنقض الأيدي من طاعة الخليفة القائم إلا أن يروا فيه كفراً بواحاً صراحاً، ولم ير الشيخ شيئاً من هذا حتى يدعو الناس إلى خلع الخليفة، حتى ولو كان الخليفة فاسقاً في ذاته، إن لم يصل فسقه إلى درجة الكفر البواح الصراح، فلا يجوز الانقلاب عليه، ولا الانتقاض على حكمه، وأن الشرع يخالف القيام على السلطان إلا في حالات الكفر البواح الصراح، حتى وإن الحركة – من أولها إلى آخرها – لم يكن للخليفة والخلافة أي علاقة في الدعوة ألبتة، حتى ولما استتب لهم الأمر في نجد والحجاز، أنهم انتقضوا على الخليفة، ولم يكن للخليفة ذكر قط في مراحل الدعوة..) ([20]).
يتبين – من خلال النصّيْن السابقين – جانب من موقف الشيخ من دولة الخلافة فليس هناك عداء أو خصومة لدولة الخلافة.
ولذا يقول الدكتور عجيل النشمي:
(نستطيع القول باطمئنان أن كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس فيها تصريح بموقف عدائي ضد دولة الخلافة.
- يقول أيضا: ولم نعثر على أي فتوى له تكفر الدولة العثمانية بل حصر افتاءاته في البوادي القريبة منه التي كان على علم بأنها على شرك..) ([21]).
بل – كما يقول النشمي – أن موقفه من دولة الخلافة هو موقف الناصح الآمر بالمعروف، المنكر لما يخالف الشرع دون أن يتعداه إلى الصدام المسلح، بل كان يتجنبه ويتحاشاه، كما هو واضح في موقفه من الأشراف الذين يحكمون الحجاز باسم دولة الخلافة. ويذكر النشمي بعض الأحداث التاريخية – في زمن الشيخ – التي تثبت ما كان عليه الشيخ الإمام من نبل الموقف، وتقدير العثمانية وإجلالها([22]).
ونورد خلاصة ما كتبه النشمي في هذا الموضوع، حيث يقول:
(فكانت سياسة الشيخ وموقفه تجاه الحجاز أنه لم يؤثر عنه طوال حياته تحريض أو استعداء أو دعوة لحربها، أو الاستيلاء عليها لشعوره أن ذلك الفعل قد يسفر على أنه خروج على دولة الخلافة.
لم تحرك دولة الخلافة ساكناً، ولم تبدر منها أية مبادرة امتعاض، أو خلاف يذكر رغم توالي أربعة من سلاطين آل عثمان في حياة الشيخ..) ([23]).
إذا كان - ما سبق - يعكس تصور الشيخ لدولة الخلافة، فكيف كانت صورة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة ؟
يقول د. عجيل النشمي مجيباً على هذا السؤال:
(لقد كانت صورة حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة صورة قد بلغت من التشويه والتشويش مداه، فلم تطلع دولة الخلافة إلا على الوجه المعادي لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، سواء عن طريق التقارير التي يرسلها ولاتها في الحجاز، أو بغداد، أو غيرهما .. أو عن طريق بعض الأفراد الذين يصلون إلى الآستانة يحملون الأخبار)([24]).
وساق النشمي بعضاً من الأمثلة التي تظهر مدى التشويه وقلب الحقائق الذي ضمته تلك التقارير، أو نقله بعض الأفراد.
ولا زالت آثار هذا التشويش، وتبديل الحقائق وتزويرها ظاهراً جلياً فيما كتب عن تاريخ العثمانيين، ونورد مثالاً على ذلك:
يقول المؤرخ التركي سليمان بن خليل العزي:
(إن المراسلات التي وصلت إلى القسطنطينية من الشريف مسعود بن سعيد شريف مكة تبين أن ملحداً لا دينياً باسم محمد بن عبد الوهاب، قد ظهر من الشرق، قام بضرب وإجبار سكان تلك المنطقة لإخضاعهم لنفسه عن طريق اجتهاد زائف..) ([25]) .
وأما دعوى (زلوم) أن دعوة الشيخ أحد أسباب سقوط الخلافة، وأن الانكليز ساعدوا الوهابيين على إسقاطها.
فيقول محمود مهدي الاستانبولي جواباً على هذه الدعوى العريضة:
(قد كان من واجب هذا الكاتب أن يدعم رأيه بأدلة وإثباتات، وقديماً قال الشاعر:
وإذا الدعاوى لم تقم بدليلها بالنص، فهي على السفاه دليل
مع العلم أن التاريخ يذكر أن هؤلاء الانكليز وقفوا ضد هذه الدعوة، منذ قيامها خشية يقظة العالم الإسلامي) ([26]).
ويقول الاستانبولي:
(والغريب المضحك والمبكي معاً أن يتهم هذا الأستاذ حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها من عوامل هدم الخلافة العثمانية، مع العلم أن هذه الحركة قامت حوالي عام 1811م، والخلافة هدمت حوالي 1922م) ([27]).
ومما يدل على أن الانكليز ضد الحركة الوهابية، أنهم أرسلوا الكابتن فورستر سادلير ليهنيء إبراهيم باشا على النجاح الذي حققه ضد الوهابيين – إبان حرب إبراهيم باشا للدرعية -، وليؤكد له أيضاً مدى ميله إلى التعاون مع الحركة البريطانية لتخفيض – ما أسموه بأعمال القرصنة الوهابية في الخليج العربي([28]).
بل صرحت هذه الرسالة بالرغبة في إقامة الاتفاق بين الحكومة البريطانية، وبين إبراهيم باشا، بهدف سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل([29]).
يقول الشيخ محمد بن منظور النعماني:
(لقد استغل الانجليز الوضع المعاكس في الهند للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورموا كل من عارضهم ووقف في طريقهم، ورأوه خطراً على كيانهم بالوهابية، ودعوهم وهابيين …، وكذلك دعا الإنجليز علماء ديوبند – في الهند – بالوهابيين من أجل معارضتهم السافرة للانجليز، وتضييقهم الخناق عليهم..) ([30]).
وبهذه النقول المتنوعة ينكشف زيف هذه الشبهة، وتهافتها أمام البراهين العلمية الواضحة من رسائل الشيخ الإمام ومؤلفاته، كما يظهر زيف الشبهة أمام الحقائق التاريخية التي كتبها المنصفون.




يتبع لتفنيد باقى الشبه
  #6  
قديم 17-08-2010, 10:30 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي

تحريم التوسل.. عرض ثم رد


ادعى كثير من خصوم الدعوة السلفية أن الشيخ الإمام وأتباعه - من بعده - وأنصار دعوته .. أنهم يحرمون التوسل .. وحشد الخصوم لإثبات صحة دعواهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
وسنتحدث - بشيء من الإطناب - عن تلك الشبهة، نظراً لكثرة الخصوم وتعددهم، ممن رموا الشيخ الإمام وأنصار دعوته السلفية بتلك الشبهة دون تبيين أو تفصيل لدعواهم.
لقد ادعى هؤلاء الخصوم جواز التوسل بالأموات مثلما جاز التوسل بالأحياء؛ لأنه لا فرق بينهما - على حدَّ زعمهم -، ومما يدل على أهمية الشبهة وخطورتها أن الخصوم قد اتخذوا لفظ (التوسل) مطيّة يتوصلون بها إلى إثبات ما تهواه أنفسهم من جواز بعض الشركيات، والكفريات مثل: الاستغاثة بالأموات، والاستغاثة بهم في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات؛ لأن هؤلاء الجهلة يزعمون أنه لا فرق بين لفظ التوسل، ولفظ الاستغاثة، فخلطوا بينهما..
ونظراً لكثرة أقوال الخصوم وتنوعها في هذه المسألة فإنه يمكن حصر أقوالهم – بعد استقرائها – في هذين العنصرين الأساسيين التاليين:
العنصر الأول: جواز التوسل بذوات المخلوقين أحياء وأمواتاً، وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم، فيجوز التوسل به في حياته، وبعد وفاته، ويوم البعث، بل يجوز التوسل به قبل وجوده، وجواز الإقسام على الله بكريم عليه، وأنه حيث جاز التوسل بالأعمال الصالحة وهي أعراض، فجواز التوسل بالذوات الفاضلة وهي أعيان من باب أولى ويورد هؤلاء القوم ما عندهم من الأدلة والنصوص التي تثبت دعواهم.
العنصر الثاني: جواز التوسل بالأموات كما جاز التوسل بالأحياء؛ لأنه لا فرق بينهما، فليس للحي تأثير كما أنه ليس للميت تأثير؛ لأن المؤثر والفاعل هو الله وحده، إضافة إلى أن الميت حي في قبره، كما أن له حياة قبل موته ….
وحيث جاز التوسل بالأموات والأحياء جميعاً بلا فرق، فإنه لا فرق أيضاً بين معنى التوسل ومعنى الاستغاثة ومعنى الالتجاء.. ونحوها؛ لأن المعنى واحد.
وسنورد أقوال الخصوم – كما جاءت مسطورة في كتبهم – في بيان هذين العنصرين، ونشرع في سرد أقوالهم في بيان العنصر الأول على النسق الآتي:
يدعي ابن عفالق جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فيقول – مخاطباً الوهابيين -:
(فإن كنتم تنكرون التوسل والتشفع به صلى الله عليه وسلم مطلقاً فالكلام ساقط معكم، والخطاب مستد بيننا وبينكم، وإن كنتم تقولون يجوز ذلك في حياته، وفي ***ات يوم القيامة إظهاراً لعظيم شأنه وتنويهاً برفيع مقامه، وتقولون بعدم ذلك بعد وفاته، فأي دليل قام لكم على ذلك، وأي أمر أسقط عظيم جاهه بعد وفاته … ومن المعلوم إنما أقره عليه السلام في حياته فهو شرع بعد وفاته) ([1]).
ويقرر محمد سليمان الكردي مشروعية التوسل بالأنبياء والصالحين فيقول:
(وأما التوسل بالأنبياء والصالحين فهو أمر محبوب ثابت في الأحاديث الصحيحة وغيرها، وقد أطبقوا على طلبه، واستدلوا بأمور يطول شرحها .. بل ثبت في الأحاديث الصحيحة التوسل بالأعمال الصالحة وهي أعراض. فالبذوات أولى) ([2]).
ويؤكد عمر المحجوب كثرة الأدلة التي تثبت دعواه في جواز التوسل بذوات الخلق فيقول:
(.. فإن التوسل بالمخلوق مشروع. ووارد في السنة ليس بمحظور ولا ممنوع، ومشارع الحديث الشريف بذلك مفعمة، وأدلته كثيرة محكمة، تضيق المهارق عن استقصائها، ويكل اليراع إذا كلف بإحصائها. ويكفي منها توسل الصحابة والتابعين في خلافة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين واستسقاؤهم عام الرمادة بالعباس …) ([3]).
ويردد الحداد نفس المقالة السابقة فكان مما قاله:
(وثبت في الأحاديث الصحيحة أن التوسل بالأنبياء والصلحاء أمر محبوب، وقد أطبقوا على طلبه، واستدلوا بأمور يطول شرحها..) ([4]).
ويجوز إسماعيل التميمي التوسل بذوات المخلوقين ويدعي الإجماع على جواز التوسل بالمصطفى صلى الله عليه وسلم …
فيقول: (وإذا جاز التوسل بالأعمال الصالحة وهي أعراض جاز التوسل بالذوات الفاضلة بعد موتها من باب أولى)([5]).
ويقول – أيضاً -: (أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر مجمع عليه لا خلاف فيه .. وإن التوسل بغيره الأكثر على المشروعية..) ([6]).
وكذلك يجوّز عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الله التوسل بذوات المخلوقين فيقول مستغرباً:
(كيف جاز التوسل بأعراض المفضولين – أي الأعمال الصالحة -، ولم يجز بأعيان الفاضلين، مع كون العين أفضل من العرض، والفاضل أفضل من المفضول) ([7]).
ويجوّز عبد الرؤوف – أيضاً – الإقسام على الله بما أقسم به، فيقول: (الإقسام على الله بما أقسم به ليس حلفاً بغير الله حتى تحرمه، والذي يحكم بالتحريم لابد له من إقامة الدليل، ومع فقد الدليل ليس إلى المنع سبيل …)([8]).
ومما ذكره النجفي في تجويز التوسل بكل معظم قوله:
(إن من توسل إلى الله بمعظم من قرآن، أو نبي، أو عبد صالح، أو مكان شريف، أو بغير ذلك فلا بأس عليه، بل كان آتياً بما هو أفضل وأولى …)([9]).
وسرد أحمد دحلان أدلتهم في مشروعية التوسل بذات المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فكان مما ذكره من الأدلة (ما رواه الطبراني والبيهقي أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في زمن خلافته في حاجة، فكان لا يلتفت إليه، ولا ينظر إليه في حاجته، فشكا ذلك لعثمان بن حنيف فقال: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل ثم قل: اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك لتقضي حاجتي وتذكر حاجتك فانطلق الرجل فصنع ذلك، ثم أتى بباب عثمان رضي الله عنه، فجاء البواب فأخذ بيده، فأدخله على عثمان رضي الله عنه، فأجلسه معه، قال له: اذكر حاجتك، فذكر حاجته فقضاها …).
قال دحلان: (فهذا توسل ونداء بعد وفاته صلى الله عليه وسلم) ([10]).
ومما استدل به: حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم حين اقترف آدم الخطيئة فقال: يا رب أسالك بحق محمد إلا ما غفر لي … فغفر له. فهذا دليل على جواز التوسل بمحمد قبل وجوده – كما يقول دحلان - ([11]).
واستدل على جواز التوسل بالأنبياء بقول النبي صلى الله عليه وسلم (اغفر لأمي فاطمة بنت أسيد، ووسّع عليها مدخلها بحق نبيك، والأنبياء الذين من قبلي)([12]).
كما استدل على جواز التوسل بالأحياء بحديث استسقاء عمر بالعباس – رضي الله عنهما -([13]).
ويذكر السمنودي دليلاً آخر على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم مع ندائه بعد وفاته وهو مرثية صفية رضي الله عنها عمة الرسول فإنها رثته بأبيات فيها قوله:
ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا وكنت بنا برا ولم تك جافياً
ثم يقول السمنودي:
(ففي ذلك النداء بعد وفاته مع قولها أنت رجاءنا، وقد سمع تلك المرثية الصحابة رضوان الله عليهم فلم ينكر عليها أحد منهم …) ([14]).
ومما كتبه محمد بن محمد القادري، مكذباً الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في مسألة التوسل قوله:
(والحاصل أن قوله لا يجوز التوسل بالأنبياء والأولياء فهذا كذب وافتراء، وقد نص الأئمة على أنه يجوز التوسل بأهل الخير والصلاح) ([15]).
ويدعي الكسم اختصاص المصطفى صلى الله عليه وسلم بجواز أن يقسم على الله به، فقال:
(واختص صلى الله عليه وسلم بجواز أن يقسم على الله به، وفي المواهب اللدنية: قال ابن عبد السلام: وهذا ينبغي أن يكون مقصوراً على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله بغيره.. وخالف في ذلك بعضهم فجوّز القسم على الله تعالى بكل نبي..) ([16]).
ويذكر الدجوي أن التوسل بذوات الصالحين هو توسل بأعمالهم الصالحة فيقول – مخاطباً الوهابيين -: (لماذا لا تجعلون التوسل بالولي أو النبي توسلاً بعمله الصالح، فإنك تتوسل بالولي من حيث هو ولي مقرب إلى الله، وما تقرب إليه بما أحبه من صالح الأعمال، وسؤال الله بالأعمال الصالحة مجمع على جوازه منا ومنكم) ([17]).
ويقول العاملي في تجويز الإقسام على الله بكل ما هو صالح، وأن ذلك توسل مستحب: (الإقسام على الله بكريم عليه من نبي، أو ولي، أو عبد صالح، أو عمل صالح، أو غير ذلك نوع من التوسل.. وهو محبوب لله تعالى، وأنه تعالى يحب أن يتوسل إليه عبده بأنواع الوسائل) ([18]).
ويزعم الطباطبائي أن التوسل بالأموات كالتوسل بالأحياء في الحكم، فيقول:
(إن التوسل بالميت نظير التوسل بالحي، وسؤاله قضاء الحوائج بواسطة دعائه من الله تعالى .. فأحد التوسلين كالآخر بجامع السؤال من المخلوق، فإذا جاز بالنسبة إلى الأحياء، جاز مطلقاً) ([19]).
ويورد الشطي بعض النصوص القرآنية التي استدل بها على دعواهم من جواز التوسل بالأموات، نذكر من أدلته قوله تعالى:
(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) ([20]).
وقوله عزَّ وجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون([21])) ([22]).
ويجمع خزبك خلاصة دعواهم فيقول:
(وخلاصة القول أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل وجوازه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته، وكذلك بغيره من الأنبياء والمرسلين والعلماء والصالحين كما دلت عليه الأحاديث الثابتة المتواترة) ([23]).
ويجوز السيامي – كأسلافه – التوسل بالأنبياء والصالحين ويجعله مستحباً، فيقول:
(إن التوسل بالأنبياء والصالحين … جائز، بل مستحب ومطلوب …) ([24]).
ويدعي (الجبالي) أن التوسل بالجاه هو من باب التبرك … فيقول:
(وليس التوسل بجاههم إلى المولى لتقضى له حاجته إلا تبركاً بمن كرّمهم الله، وجعل لهم منزلة عنده..) ([25]).
ويفسر المالكي لفظ (الوسيلة) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) فيقول:
(لفظ الوسيلة عام في الآية كما ترى فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين، في الحياة وبعد الممات، والإتيان بالأعمال الصالحة على الوجه المأمور به، وللتوسل بها بعد وقوعها) ([26]).
يظهر من هذه النقول السابقة عن كتب المناوئين لهذه الدعوة السلفية – والتي أوردناها بإيجاز – أنها تجوز التوسل البدعي المحظور، فتجوز التوسل بذوات المخلوقين وأشخاصهم أحياء كانوا أم أمواتاً وتجوز – أيضاً – التوسل بجاه الأولياء ومنزلتهم عند الله، كما تجوز الإقسام على الله بكل صالح أو فاضل، ويورد هؤلاء الخصوم نصوصاً من القرآن، ونصوصاً من السنة يستدلون بها على دعواهم، كما سبق ذكر بعضها.
وأما أقوالهم التي يتضمنها العنصر الثاني، فنسردها على النحو الآتي:
يدعي القباني عدم الفرق بين لفظ التوسل، ولفظ الاستغاثة، ولفظ التشفع فيقول:
(جواز التوسل والتشفع والاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وبغيره من الأنبياء والأولياء … ولا فرق في ذلك بين التعبير بالتوسل، أو الاستغاثة، أو التشفع، أو التوجه به صلى الله عليه وسلم في الحاجة..) ([27]).
ويذكر معنى الاستغاثة، حين تكون مرادفة لمعنى التوسل، فيقول:
(فالمستغاث في الحقيقة هو الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة بينه وبين المستغيث، فهو تعالى مستغاث، والغوث منه خلقاً وإيجاداً، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاث، والغوث منه تسبباً وكسباً) ([28]).
ويؤكد صاحب (إزهاق الباطل) عدم الفرق في التعبير بين لفظ الاستغاثة أو التوسل أو التشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقرر جواز التوسل أو الاستغاثة بالنبي، ما دام أن المتوسل أو المستغيث يعتقد أن الله هو المتصرف في الأمور، فيقول:
(لا فرق أن يعبر بلفظ الاستغاثة، أو التوسل، أو التشفع، أو التوجه.. فكل من الاستغاثة والتوسل والتوجه والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره في (تحقيق النصرة)، و (مصباح الظلام)، و(المواهب اللدنية) للقسطلاني واقع في كل حال قبل خلقه، وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في ***ات القيامة..) ([29]).
ثم يقول، بعد كلام طويل: (ولا ينبغي أن يستريب أحد في جوازه، كيف والقائل معتقد بأن الله هو الشافي والكاشف للضر، وأن الأمور ترجع إليه) ([30]).
ويقول أيضاً:
(إن كان يعتقد - أي المتوسل والمستغيث بغير الله - أن المتصرف في الأمور هو الله والطلب في الحقيقة، ونفس الأمر منه، وغيره لا يملك شيئاً من الضر والنفع والوضع والرفع، ولكن مع ذلك يتوجه الخطاب، والطلب إلى الوجيه المقرّب لدى الرب … فالطلب في الحقيقة منه تعالى لا من سواه، وإن كان في الظاهر متوجهاً إلى غيره فلا بأس به في المعنى..) ([31]).
فالتوسل والاستغاثة بالأموات جائزة – عند صاحب (إزهاق الباطل) – ما دام أن المتوسل والمستغيث بالموتى يعترف بأن الله هو المتصرف في الأمور.
ويؤكد محسن بن عبد الكريم هذا المعنى الذي قرره سلفه، فيقول:
(والمتوسل بالنبي، أو الولي لا يعتقد أنه يفعل ما يريد، وأنه إن شاء الضر فعله، وإن لم يأذن به الله، وإن شاء النفع فعله، وإن لم يأذن به الله. ولو كان معتقداً لذلك لما جعله – أي الولي أو النبي – وسيلة إلى الله، ولوجّه العبادة إليه من أول الأمر)([32]).
ويستنكر داود بن جرجيس على من استغرب طلب التسبب من الموتى، ما دام أن ذلك الذي طلب من الموتى، ويستغيث، ويتوسل بهم يعترف بأن الله هو الفاعل، فيقول:
(كيف يستغرب طلب التسبب من الموتى والتشفع والتوسل بدعائهم إلى ربهم …؟ فهل إذا عامل أحد هؤلاء الذين هذا حالهم معاملة الأحياء يلام على ذلك، أو يعاب أو يؤثم أو يكفّر .. مع اعتقاده أن الفعل لله وحده خلقاً وإيجاداً لا شريك له، وأنه يكون من أهل القبور من الأنبياء، والأولياء تسبباً وكسباً؟) ([33]).
ويدعي داود أن الصالحين بعد وفاتهم أحياء في قبورهم، كما هم عليه في الدنيا فيقول:
(وكان بعد من يدعي العلم في زعمه وهو أجهل من هبنقة، يقول كيف يعلم الأنبياء، والأولياء بمن يستشفع بهم ويناديهم؟ فقلت لهم هم مكشوف لهم في الدنيا، وهم على ما هم عليه بعد موتهم..) ([34]).
ويقول: (إن سائر الموتى أحياء حياة برزخية، ولا ينكر التوسل والتشفع بهم إلا من جعلهم تراباً وعظاماً، وترك ما يجب لهم ويسند إليهم إكراماً وتعظيماً..) ([35]).
ويزعم ابن جرجيس أن منكري التوسل والاستغاثة بالموتى، إنما أتاهم الإنكار من اعتقادهم أن الميت لا يسمع ولا يرى وليس له حياة برزخية، يقول داود:
(اعلم أيها المؤمن أن المنكر للتوسل والتشفع من الأنبياء، والأولياء من عبّاد الله الصالحين والاستغاثة بهم .. إنما أتاه الإنكار من اعتقاده أن الميت إذا مات صار تراباً، لا يسمع ولا يرى وليس له حياة برزخية في قبره .. ولو كان معتقداً أن سائر أهل القبور أحياء حياة برزخية يعقلون، ويسمعون، ويرون، ويتزاورون، وأن أعمال الأحياء تعرض عليهم، لما وسعه الإنكار..) ([36]).
وجاء في رسالة ضد الوهابية ما نصه:
(ثم أي فرق بين التوسل بالأحياء في قضاء الحاجات، وبين من مضي من الأنبياء والأولياء حتى جوزتم الأول وأنكرتم الثاني) ([37]).
ويبين محمد بن مصطفى الحسني جواز التوسل والاستغاثة بغير الله، لعدم اعتقاد – هؤلاء المستغيثين والمتوسلين – التأثير لغير الله، ولا يكتفي الحسني بذلك، بل يقرر انتقاء التأثير وسقوط الأسباب، فليست النار سبباً في الاحتراق وإنما اقترنت النار بالإحراق فقط … يقول:
(والمسلمون لم يعتقد أحد منهم التأثير في الواسطة المتوسل بها إلى الله، كيف وصغار الولدان منهم يعرف ذلك ضرورة لقراءته كلام الله كل حين، وقد نفوا التأثير عما يحكم عليه بالعادة أنه مؤثر بحاسة العيان كالنار مثلاً، فإن إحراق ما مسته لا دلالة للعادة عليه أصلاً، وإنما غاية ما دلت عليه العادة الاقتران فقط بين الأمرين ..) ([38]).
ويجعل دحلان كلاًّ من التوسل والتشفع والاستغاثة بالأموات بمعنى واحد هو التبرك فقط … ثم يدعي أنهم أسباب يرحم الله بهم، لكن الله هو المؤثر وحده، ولكن – أيضاً – هؤلاء الأموات سبب عادي لا تأثير له !! يقول دحلان:
(فالتوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى واحد، وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباء الله تعالى، لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً، فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى، وذكر هؤلاء الأخيار سبب عادي في ذلك التأثير، وذلك مثل الكسب العادي فإنه لا تأثير له) ([39]).
ويورد دحلان قولاً آخر يدعي فيه مساواة الحي بالميت؛ لأن كلاًّ منهما لا تأثير له في شيء، ومن اعتقد أن الحي يقدر على بعض الأشياء، فقد اعتقد اعتقاداً باطلاً، يقول:
(الحي والميت مستويان في أن كلاًّ منهما لا تأثير له في شيء .. واعتقادكم أن الحي قادر على بعض الأشياء يستلزم اعتقادهم أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، وهو اعتقاد فاسد ومذهب باطل، فإن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الخالق للعباد وأفعالهم هو الله وحده لا شريك له، والعبد ليس له إلا الكسب الظاهري .. فيستوي الحي والميت في أن كلاًّ منهما لا خلق له ولا تأثير، والمؤثر هو الله تعالى وحده..) ([40]).
ويدعي السمنودي - كأسلافه السابقين - عدم التفريق في التوسل بين أن يكون بلفظ التوسل، أو الاستغاثة أو التوجه.. ما دام أن الاستغاثة بالأنبياء والصالحين ليس لها معنى إلا طلب الغوث حقيقة من الله ومجازاً بالتسبب العادي([41]).
ويطنب الدجوي في هذه المسألة، فيجوّز التوسل والاستغاثة بالأموات إذا كان من فعلها يسند الخلق إلى الله وحده .. ولو أسند شيئاً لغير الله فإن ذلك يحمل على الإسناد المجازي لا الحقيقي ..، فلا تفرقة – إذن – بين الأحياء والأموات في هذا المقام، بل إن حصر التوسل في الحي دون الميت أقرب إلى وقوع الناس في الشرك.
يقول الدجوي:
(لا أدري كيف يكفرون من يقول: إن الله خالق كل شيء، وبيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع الأمر كله، والمتوسل ناطق بهذا في توسله. فإن المتوسل إلى الله بأحد أصفيائه قائل أنه لا فاعل إلا الله، ولم ينسب إلى من توسل به فعلاً ولا خلقاً، وإنما أثبت له القربة والمنزلة عند الله .. حتى أننا لو رأيناه أسند شيئاً لغير الله تعالى، علمنا بمقتضى إيمانه أنه من الإسناد المجازي، لا الحقيقي كقولهم أنبت الربيع البقل) ([42]).
ويقول في موضع آخر:
(ولست أدري هل يأخذ هؤلاء بالظواهر أم بالمقصود منها؟ فإن كان التعويل عندهم على الظواهر، كان قول القائل (أنبت الربيع البقل، وأرواني الماء وأشبعني الخبز) شركاً وكفراً.
وإن كانت العبرة بالمقاصد والتعويل على ما في القلوب التي تعتقد أنه لا خالق إلا الله وأن الإسناد لغيره إنما هو لكونه كاسباً له، أو سبباً فيه، لا لكونه في التفرقة بين الحي والميت على نحو ما يقولونه (كأن الحي يصح أن يكون شريكاً لله دون الميت))([43]).
ثم يقول: (فالتفرقة بين الأحياء والأموات في هذا المقام غير صحيحة، فإن الطلب من الله، والفعل لله لا من المستغاث به) ([44]).
ويهاجم الدجوي مخالفيهم فيقول:
(إن تخصيص جواز التوسل بالحي دون الميت أقرب إلى إيقاع الناس في الشرك، فإنه يوهم أن للحي فعلاً يستقل به دون الميت، فأين هذا من قولنا أن الفعل في الحقيقة لا للحي ولا للميت ؟ ومن أمعن النظر في كلامهم لم يفهم منه إلا مذهب المعتزلة في الأحياء ومذهب الذين يئسوا من أصحاب القبور في الأموات) ([45]).
ويقرر العاملي أن: (الأخبار صرحت بعدم الفرق بين الحي والميت بل - وكذا - الموجود والمعدوم) ([46]).
ويدعي العاملي – أيضاً – أن: (التفرقة بين التوسل بالأحياء والأموات تحكم محض وجمود بحت) ([47]).
ويذكر الزهاوي مقالة أسلافه، فيدعي أن التوسل والتشفع والاستغاثة بمآل واحد؛ لأن القصد منها التبرك بالأموات الذين بسببهم يرحم الله عباده، ولكنهم أسباب – عادية – لا تأثير لهم؛ لأن الموجد حقيقة هو الله([48]).
ويقول الزهاوي:
(المراد من الاستغاثة بالأنبياء والصالحين والتوسل بهم هو أنهم أسباب ووسائل لنيل المقصود، وأن الله هو الفاعل.. لا أنهم هم الفاعلون كما هو المعتقد الحق في سائر الأفعال، فإن السكين لا يقطع بنفسه بل القاطع هو الله، والسكين سبب عادي خلقه الله تعالى القطع عنده) ([49]) فليست السكين – على حد زعم الزهاوي – سبباً في القطع وإنما خلق الله القطع عند اقترانه بالسكين..
ويدعي الزهاوي - بناء على ما قرره - عدم التفريق في التوسل بذوات المخلوقين أحياء أو أمواتاً، فليس لهم تأثير في شيء([50]).
ويزعم الطباطبائي أن الميت كالحي إدراكاً وشعوراً بل يزيد الميت على الحي فيقول:
(أما عدم كون نداء الأموات توجيهاً للخطاب نحو المعدوم، فلأن للميت من الإدراك والشعور، والالتفات مثل ما له في الحياة، بل أزيد لإجماع المسلمين عليه بعد الكتاب والسنة) ([51]).
ويذكر خزبك عدم الفرق في التوسل بين الأحياء والأموات؛ لأن الله وحده هو المؤثر والأحياء والأموات ليس لهم تأثير في شيء ([52]).
ويورد حسن الشطي شبهة لمن خالفهم، ويردّ عليهم، فيقول:
(فإن قلت شبهة من منع التوسل رؤيتهم بعض العوام يطلبون من الصالحين أحياءً وأمواتاً أشياء لا تطلب إلا من الله، ويجدونهم يقولون للولي افعل لي كذا وكذا، فهذه الألفاظ الصادرة منهم توهم التأثير لغير الله.
أجيب بأن الألفاظ الموهمة محمولة على المجاز العقلي، والقرينة عليه صدوره من موحد، ولذا إذا سئل العامي عن صحة معتقده بذلك فيجيبك بأن الله هو الفعال وحده لا شريك له، وإنما الطلب من هؤلاء الأكابر عند الله تعالى المقربين لديه على سبيل التوسط بحصول المقصود.. ولا يصح لنا أن نمنعهم من التوسل والاستغاثة مطلقاً..) ([53]).
ويورد سوقية معتقدهم في الأفعال، فكان مما أورده أنه قال:
(واعتقاد أهل السنة والجماعة أن الفاعل في هذه العوالم هو الله وحده لا شريك له، لا تأثير لشيء من الأشياء كبر أو صغر، شديداً كان أو ضعيفاً، والشيء يوجد عنده لا به.. مثل قول الموحد أنبت الربيع البقل، فإسناد الإنبات إلى الربيع إسناد مجازي، للعلم بأن المنبت حقيقة هو الله وحده لا يشاركه فيه غيره..) ([54]).
ويذكر محمد عاشق الرحمن – بعد أن ساق حديث توسل آدم بمحمد قبل وجوده – عدم الفرق بين لفظ التوسل ولفظ الاستعانة ولفظ الالتجاء، فيقول:
(ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل، أو الاستعانة، أو التشفع، أو الالتجاء، والداعي بالدعاء المذكور وما في معناه متوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه ومستغيث به) ([55]).
ويقول محمد الطاهر يوسف - في شأن التوسل بالموتى -:
(بالنسبة للمتوسل بهم، فلا فرق بين أنهم أحياء أو أموات؛ لأن المتولي لأمورهم هو الله، وهو حي لا يموت، ومن اعتقد أن الولي ينفع في حياته دون مماته، وهو رأي الفرق المعتزلة – يعني الوهابيين - فقد ضل عن السبيل..) ([56]).
ويجيء المالكي أحد أفراخ أولئك الخصوم، فيردد ما قاله أشياخه، فيقول:
(إن الاستغاثة، والتوسل إن كان المصحح لطلبها هو الحياة كما يقولون فالأنبياء أحياء في قبورهم وغيرهم من عباد الله المرضيين، ولو لم يكن للفقيه من الدليل على صحة التوسل والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم إلا قياسه على التوسل والاستغاثة به في حياته الدنيا لكفى، فإنه حيي الدارين، دائم العناية بأمته متصرف بإذن الله في شؤونها..) ([57]).
ويقول أيضاً:
(أما دعوى أن الميت لا يقدر على شيء فهي باطلة..) ([58])
ويدعي المالكي (أن الأرواح لها من الإطلاق والحرية ما يمكنها من أن تجيب من يناديها، وتغيث من يستغيث بها كالأحياء سواء بسواء، بل أشد وأعظم) ([59]).
وهكذا يتضح العنصر الثاني من خلال تلك النقول – التي سبق إيرادها – عن كتب المناوئين، فظهر أن الخصوم يعتقدون أن التوسل إلى الله بالأموات بمعنى الاستغاثة بهم فلا فرق بين المعنيين.
وتبين أنه لا فرق – عندهم – في التوسل والاستغاثة بين الحي وبين الميت، لأنه ليس للميت ولا للحي تأثير، فالمؤثر والفاعل هو الله وحده، ولو جد في بعض (الألفاظ الموهمة) – كما يسمونها – ما يتوهم منه إسناد الفعل إلى الأموات، فلا حرج في ذلك؛ لأن هذا الإسناد مجازي لا حقيقي …
وكذلك لا فرق عندهم بين الأحياء والأموات في التوسل، والاستغاثة؛ لأن الأموات أحياء في قبورهم، بل إن حياتهم وإدراكهم أتم وأكمل ممن كان في الدنيا.
وسنورد الرد والبيان الشافي على تلك الشبهة من خلال ما سطّره بعض أئمة الدعوة السلفية، وأنصارها.
وقبل أن نورد الرد والبيان – بشيء من التفصيل – لما تضمنته شبه تحريم التوسل بكلا عنصريها، نرى أن يسبق ذلك إشارة لما يحتويه لفظ (التوسل) من الإجمال والاشتراك الذي يحتاج إلى تفصيل وتمييز.
ولقد بين علماء الدعوة ذلك، فأوضحوا ما يحمله مصطلح (التوسل) من الإجمال الذي لابد من تفصيله، وما يتضمنه من الإطلاق الذي لابد تقييده.
يقول صاحب كتاب (التوضيح):
(إن التوسل فيه إجمال واشتراك بحسب الإصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة والتابعين طلب الدعاء من النبي أو الصالح، أو التوجه بدعائه …
وأما معناه في لغة المعاندين فهو أن يسأل الله عز وجل بذات ذلك المخلوق، ويقسم عليه تعالى به، أو يسأل ذلك المخلوق نفسه على معنى أنه وسيلة من وسائل الله يتقرب بذاته ويسأل منه شفاعته..) ([60]).
ويوضح الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ما يحتويه لفظ (التوسل) من الاشتراك، فيقول:
(إن لفظ التوسل صار مشتركاً، فعبّاد القبور يطلقون التوسل على الاستغاثة بغير الله، ودعائه رغباً ورهباً وال*** والنذر، والتعظيم بما لم يشرع في حق مخلوق.
وأهل العلم يطلقونه على المتابعة والأخذ بالسنة فيتوسلون إلى الله بما شرعه لهم من العبادات، وبما جاء به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو التوسل في عرف القرآن والسنة … ومنهم من يطلقه على سؤال الله ودعائه بجاه نبيه أو بحق عبده الصالح. أو بعباده الصالحين، وهذا هو الغالب عند الإطلاق في كلام المتأخرين كالسبكي والقسطلاني وابن حجر – أي الهيتمي -) ([61]).
وكذا ذكر الآلوسي ما تضمنه لفظ التوسل من جمال، فقال رحمه الله:
(إن لفظ التوسل صار مشتركاً على ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة التي يحبها الرب ويرضاها، ويطلق على التوسل بذوات الصالحين ودعائهم واستغفارهم، ويطلق في عرف عبّاد القبور التوجه إلى الصالحين ودعائهم مع الله في الحاجات والملمَّات) ([62]).
لقد استغل الخصوم هذا الإجمال والاشتراك في لفظ التوسل، فقلبوا الحقائق، وأجازوا دعاء الموتى والاستغاثة بهم باسم التوسل، ثم زعموا أن الشيخ الإمام يكفّر من توسل بالأنبياء والصالحين.
فزعم ابن سحيم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يكفّر من توسل بالصالحين([63]). وحرّف ابن منصور الكلم عن مواضعه، فادعى أن الشيخ الإمام يكفّر من توسل بذوات الصالحين([64])، وافترى دحلان حين قال:
(كان محمد بن عبد الوهاب يخطب للجمعة في مسجد الدرعية ويقول في كل خطبة: ومن توسل بالنبي فقد كفر)([65]).
ويزيد العاملي كذباً وزوراً على سلفه، فيقول:
(والتوسل بأنواعه مما منعه الوهابية وجعلوه شركاً) ([66]).
إن الشيخ الإمام كفّر من استغاث بالأموات سواء كانوا أنبياء أو أولياء ولو سميت تلك الاستغاثة توسلاً فالعبرة بالحقائق والمعاني وليست بالأسماء والمباني، فالتوسل عند عبّاد القبور يطلقونه على الاستغاثة بالموتى وطلب الحاجات منهم – كما تقدم -.
وأما دعوى أن الشيخ كفّر من توسل بالصالحين، بمعنى سؤال الله بجاه هؤلاء الصالحين فقد أجاب الشيخ الإمام على تلك الدعوى – رداً على ابن سحيم – فقال:
(فالمسائل التي شنع بها منها، ما هو من البهتان الظاهر – وذكر الشيخ الإمام منها – قوله: أني أكفر من توسل بالصالحين، وجوابي أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم) ([67]).
وفي المقابل نجد أن خصوماً فهموا أن الشيخ لا ينكر الاستغاثة بالموتى، وطلب الحاجات منهم، واحتجوا بجواب كتبه الشيخ الإمام في حكم التوسل إلى الله بالصالحين ذكر فيه أنه لا ينكر من توسل بالصالحين؛ لأنها من مسائل الفقه، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، مع أن الشيخ الإمام صرّح، ووضّح في نفس الجواب الفرق بين التوسل بذوات الصالحين بمعنى سؤال الله بذواتهم، وبين سؤال الصالحين ودعائهم والاستغاثة بهم – فيما لا يقدر عليه إلا الله -، فكان مما قاله رحمه الله: (ولكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يطلب منه تفريج الكربات، وإعطاء الرغبات، فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً، ولكن يقول في دعائه: أسألك بنبيك، أو بالمرسلين، أو بعبادك الصالحين، أو غيره يدعو عنده، لكن لا يدعو إلا الله مخلصاً له الدين) ([68]).
فاحتجوا بهذا النص الذي هو حجة دامغة عليهم، وادعوا به جواز الاستغاثة بالموتى الصالحين باسم التوسل، مع أن كلام الشيخ دليل عليهم لا لهم، وردّ على خطئهم وانحرافهم([69]).
وعقب هذه الإشارة التي أوضحت ما يتضمنه لفظ التوسل من الإجمال والاشتراك، فإننا نورد بياناً موجزاً للتوسل الشرعي - كما بينه وقرره علماء الدعوة - تمييزاً له عن التوسل البدعي..
إن التوسل الشرعي إما أن يكون بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى وإما أن يكون التوسل بالأعمال الصالحة، وإما أن يكون التوسل بدعاء الرجل الصالح.
وقد أشار الشيخ حمد بن ناصر بن معمر إلى هذه الأنواع الثلاثة التي تشمل التوسل الشرعي فقال:
(.. الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم هو التوسل إلى الله بالأسماء والصفات والتوحيد، والتوسل بما أمر الله به من الإيمان بالرسول ومحبته وطاعته ونحو ذلك، وكذلك توسلوا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته وتوسلوا بدعاء العباس وبيزيد..) ([70]).
ويذكر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين بعض أنواع التوسل المشروع فيقول:
(فلم يبق إلا التوسل بالأعمال الصالحة كتوسل المؤمنين بإيمانهم في قولهم: (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان)([71])..، وكتوسل أصحاب الصخرة المنطبقة عليهم([72])، وكسؤاله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وهذا معنى قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) ([73]) فإنها القربة التي تقرب إلى الله وتقرب فاعلها منه، وهي الأعمال الصالحة) ([74]).
ويوجز الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب أنواع التوسل المشروع بقوله:
(التوسل المشروع الذي جاء به الكتاب والسنة وهو التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحات، والأسماء والصفات اللائقة بجلال رب البريات، وكذلك التوسل إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته، وبدعاء غيره من الأنبياء والصالحين في حياتهم) ([75]).
ويبين الشيخ سليمان بن سحمان التوسل المشروع، وأنه ما كان في عرف الصحابة والتابعين فيقول:
(التوسل في عرف الصحابة والتابعين هو طلب الدعاء من الرسول في حياته كما كانوا يتوسلون به عند القحط، فيدعوا الله ويستسقيه، فيسقيهم الله، ثم بعد مماته توسل عمر بدعاء عمه.. فهذا (من) التوسل المشروع، والشيخ – أي محمد بن عبد الوهاب – لا يمنع من هذا ولا ينكره) ([76]).
فالتوسل الشرعي معلوم ومفهوم بأدلته وأنواعه، وكما قال أبو السمح: (وأما التوسل إلى الله تعالى فقد أمر تعالى به إجمالاً وتفصيلاً، وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً حتى أصبح من فلق الصبح..) ([77]).
وقد فصّل القصيمي أنواع التوسل المشروع، فجعلها أحد عشر نوعاً .. وهي في الحقيقة كلها مندرجة ضمن الأنواع الثلاثة من التوسل المشروع([78]).
وهذا التوسل المشروع قد أقر به الشيخ رحمه الله، وكذا أتباعه امتثالاً لما شرعه الله تعالى لعباده من الوسائل التي تقربهم إليه.
لذا يقول محمد بن نسيب الرفاعي:
(فإن أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقرون بالتوسل المشروع، ويدعون إليه.. فهل الإنصاف يا ناس أن نتهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها تنكر التوسل، ونقيم الدنيا عليها ونقعدها بالباطل، بينما هي تقر بالتوسل على ما يحب الله ورسوله، وتحض المسلمين عليه) ([79]).
وبعد هذه العجالة التي أوضحنا فيها المراد بالتوسل المشروع وأنواعه، وبعض أدلته، وإقرار وإيمان أئمة الدعوة السلفية بهذا التوسل الذي شرعه الله تعالى، وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم.
ننتقل إلى الرد والبيان لما تضمنه العنصر الأول من شبهة تحريم التوسل، ونعرض لأنواع التوسل البدعي بالرد والمناقشة، ثم نتحدث عن أدلتهم ومدى صحتها سنداً، ومدى صحة الاستدلال بها متناً.
نقصد بالتوسل البدعي، التوسل إلى الله بذوات المخلوقين وأشخاصهم، والتوسل إلى الله بجاه الصالحين ومنزلتهم عند الله، الإقسام على الله بالمتوسل به – كما ذكره خصوم الدعوة السلفية -:
وينبغي أن يعلم – ابتداء – أن حكم هذه الأنواع الثلاثة لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر الذي يخرج عن الملة، وإنما هي بدع قد تصل إلى درجة التحريم، أو دونه، لأن من توسل إلى الله بهؤلاء الصالحين، أو جاههم، فهو يدعو الله مخلصاً له الدين، ولكن يقول: أسألك بهؤلاء الصالحين([80]).
ولعلنا إذا أوردنا – الآن – الردود على تلك الأنواع من التوسل البدعي يتضح الحكم ويزول اللبس والإشكال.
وقد تحدث الشيخ حمد بن ناصر بن معمر عن ذلك التوسل فقال:
(وأما التوسل بالذات فيقال: ما الدليل على جواز سؤال الله بذوات المخلوقين ومن قال هذا من الصحابة والتابعين.
وأما التوسل بالذات بعد الممات فلا دليل عليه، ولا قاله أحد من السلف، بل المنقول عنهم يناقض ذلك. وقد نص غير واحد من العلماء على أن هذا لا يجوز، ونقل عن بعضهم جوازه، وهذه المسألة وغيرها من المسائل إذا وقع فيها النزاع بين العلماء، فالواجب رد ما تنازعوا إلى الله والرسول. ومعلوم أن هذا لم يكن منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مشهوداً بين السلف، وأكثر النهي عنه.
ولا ريب أن الأنبياء والصالحين لهم الجاه عند الله، لكن الذين لهم عند الله من الجاه والمنازل والدرجات أمر يعود نفعه إليهم، ونحن ننتفع من ذلك باتباعنا لهم ومحبتنا، فإذا توسلنا إلى الله بإيماننا بنبيه صلى الله عليه وسلم، ومحبته وطاعته واتباع سنته كان هذا من أعظم الوسائل وأما التوسل بنفس ذاته مع عدم التوسل بالإيمان به وطاعته، فلا يكون وسيلة، فالمتوسل بالمخلوق إذا لم يتوسل بما مرّ من التوسل به من الدعاء للمتوسل وبمحبته واتباعه، فبأي شيء يتوسل به الإنسان إذا توسل إلى غير بوسيلة، فإما أن يطلب من الوسيلة الشفاعة له عند ذلك، مثل أن يقول لأبي الرجل أو صديقه أو من يكرم عليه اشفع لنا عند فلان، وهذا جائز، وإما أن يقسم عليه لا يجوز الإقسام بالمخلوق، كما أنه لا يجوز أن يقسم على الله بالمخلوقين، فالتوسل إلى الله بذات خلقه بدعة مكروهة، لم يفعلها السلف من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان) ([81]).
ويوجز الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الجواب على أنواع هذا التوسل، فيقول:
(وأما التوسل، وهو أن يقال: اللهم إني أتوسل إليك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو بحق نبيك أو بجاه عبادك الصالحين، أو بحق عبدك فلان، فهذا من أقسام البدع المذمومة ولم يرد بذلك نص) ([82]).
يبين الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حكم سؤال الله بالموتى فقال:
(وهذا يفعله كثير من المتأخرين، وهو من البدع المحدثة في الإسلام، ولكن بعض العلماء يرخص فيه، وبعضهم ينهي عنه ويكرهه .. لكنه لا يوصله إلى الشرك الأكبر..) ([83]).
وأما التوسل إلى الله في الدعاء بغير النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول عنه الشيخ عبد الله:
(لا نعلم أحداً من السلف فعله، ولا روي فيه أثر) ([84]).
ويذكر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين حكم الإقسام على الله بمخلوق فقال:
(وأما الإقسام على الله بمخلوق فهو منهي عنه باتفاق العلماء، وهل هو منهي عنه تنزيه أو تحريم ؟ على قولين أصحهما أنه كراهة تحريم) ([85]).
ومما أجاب به الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب لمن سأله عن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والمرسلين، فكان مما قاله رحمه الله:
(وأما التوسل بجاه المخلوقين كمن يقول: اللهم إني أسألك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك بعد موتهم، فهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر العلماء على النهي عنه، وحكى ابن القيم رحمه الله تعالى أنه بدعة إجماعاً. ولو كان الأنبياء والصالحون لهم جاه عند الله سبحانه وتعالى فلا يقتضي ذلك جواز التوسل بذواتهم وجاههم؛ لأن الذين لهم من الجاه والدرجات أمر يعود نفعه إليهم، ولا ننتفع من ذلك بشيء إلا باتباعنا لهم ومحبتنا لهم) ([86]).
ويوضح الشيخ عبد الرحمن بن حسن أن سؤاله الله بالرجل الصالح ليس في الشريعة ما يدل على جوازه فيقول:
(ولو جاز (سؤال الله بالرجل الصالح)، لما ترك الصحابة السابقون الأول من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، كما كانوا يتوسلون بدعائه في حياته إذا قحطوا. وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج بالعباس بن عبد المطلب عام الرمادة بمحضر من السابقين الأولين يستسقون فقال عمر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، ثم قال ارفع يديك يا عباس فرفع يده، يسأل الله تعالى، ولم يسأله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغيره، ولو كان هذا التوسل حقاً، كانوا إليه أسبق، وعليه أحرص) ([87]).
ونورد بعض جواب الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن في مسألة سؤال الله بالمخلوق، والإقسام على الله به، حيث قال رحمه الله:
(وإذا تقرر هذا، فقد عرفت سلمك الله كلام الناس في مسألة سؤال الله بمخلوق، والإقسام على الله به، وقد ذاكرتك فيها بأن الذي نعتقده أنا لا نكفر بها أحداً، بل نقول هي بدعة شنيعة نهى عنها السلف..) ([88])
ويسوق السهسواني جواباً حول السؤال بحق فلان فيقول:
(فالقول الفصل في ذلك: أن السؤال بحق فلان إن ثبت بحديث صحيح، أو حسن فلا وجه للمنع، وإن لم يثبت فهو بدعة، وقد عرفت فيما سلف أن كل حديث ورد في هذا الباب لا يخلو من مقال ووهن، فالأحوط ترك هذه الألفاظ، وقد جعل الله في الأمر سعة، وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم التوسل المشروع على هيئات متعددة، فلا ملجيء إلى الوقوع في مضيق الشبهات..) ([89]).
ويقول الشيخ صالح بن أحمد:
(وأما التوسل بذوات الأشخاص فغير جائز، وهو من البدع المحدثة وأمر لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن اجتلبوا له أحاديث لا أصل لها، ودندنوا حولها، وحملوا بعض الآيات على غير محملها لهواهم، وليس كل قول قيل بالقبول يقابل، إلا ما جاء في كتاب الله، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جل ذلك عن الرد)([90]).
ولعل تصور أنواع التوسل البدعي – الثلاثة – يكون أكثر وضوحاً وبياناً، وكذلك حكمها، عندما ننتقل إلى رد وبيان العنصر الثاني من شبهة هذا الفصل.
ومن المناسب – في هذا المقام – أن نذكر كلمة جامعة لشيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة التوسل بالصالحين حيث يقول رحمه الله:
(ومازلت أبحث، وأكشف ما أمكنني من كلام السلف والأئمة والعلماء، هل جوز أحد منهم التوسل بالصالحين في الدعاء، أو فعل ذلك أحد منهم، فما وجدته، ثم وقفت على فتيا للفقيه أبي محمد بن عبد السلام أفتى بأنه لا يجوز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فجوز التوسل به إن صح الحديث في ذلك)([91]).
وأما ما أورده القوم من الأدلة القرآنية واستدلالهم بها، وكذا أحاديثهم..، فنذكر أمثلة من إجابات أنصار هذه الدعوة السلفية على تلك الأدلة.
فأما استدلالهم بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) ([92]) فيقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين:
(الوسيلة هي القربة والتوسل إلى الله التقرب إليه بطاعته، واتباع رسوله، والاقتداء به، وهذا هو الوسيلة المأمور بها في قوله سبحانه (وابتغوا إليه الوسيلة) ومن الوسيلة دعاؤه لهم صلى الله عليه وسلم وطلبهم ذلك منه في حياته كما كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم ويستسقي لهم كقول عمر: اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، فهذا من الوسيلة المأمور بها) ([93]).
ويبين الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن المراد بالوسيلة في الآية فيقول:
(إن الوسيلة في شرع الله الذي شرعه على ألسن جميع رسله هي عبادته وحده لا شريك له، والإيمان به، وبرسله، والأعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها) ([94]).
وقد ساق القصيمي الجواب على استدلالهم بهذه الآية من ثمان وجوه كلها على طريق الإلزام والجدل([95]).
كما أورد القصيمي سبعة وجوه جواباً على استدلالهم بقوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله …. الآية) ([96])، نختار وجهاً واحداً منها حيث قال:
(وهي واقعة معينة لا تفيد العموم بمعناها، ولا لفظها، وقعت في حياته صلى الله عليه وسلم، فمن أين أخذت التعميم في الحياة والممات ؟ مع أن لفظها لا يفيد، ومعناها لا يريده، وأما كون الوقائع المعينة تكون عامة لغير صاحب الواقعة فمن أدلة أخرى دلت عليه) ([97]).
وأما استدلالهم ببعض الأحاديث، فالجواب عليها ما يلي:
فأما حديث توسل آدم بحق محمد، فقد أجاب عليه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فكان مما قاله رحمه الله:
(فأما حديث توسل آدم بحق محمد. فالجواب أن هذا الحديث ساقط، لأن عبد الرحمن بن يزيد ضعيف بالاتفاق ضعفه مالك، وأحمد، وابن معين، وابن المديني، وأبو زرعة، وأبو داود، وابن سعد، وابن أبي حاتم، وابن خزيمة، وابن حبان، قال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه، فهذا كما ترى تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو هو. وقال الحافظ الذهبي في (تلخيص المستدرك) لما ذكر الحاكم هذا الحديث، فقال هذا صحيح.
قال الذهبي: أظنه موضوعاً ثم هو مخالف للقرآن؛ لأن الله عز وجل ذكر قصة آدم عليه السلام، وتوبته وتوسله، ولم يذكر الله أنه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم) ([98]) .
ويوضح الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن المعنى الصحيح لحديث (أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي …) – وهو في السنن – حيث استدلوا به على سؤال الله بخلقه. فقال الشيخ رحمه الله في بيان معناه:
(وأما ما ورد في السنن (بحق السائلين عليك) وبحق ممشى الذاهب إلى المسجد ونحو ذلك، فالله سبحانه وتعالى جعل على نفسه حقاً تفضلاً منه وإحساناً إلى عباده، فهو توسل إليه بوعده، وإحسانه، وما جعله لعباده المؤمنين على نفسه حقاً تفضلاً منه، وإحساناً إلى عباده، فليس هذا من الباب أعني باب مسألة الله بخلقه، وقد منعه فقهاء الحنفية، كما حدثني به محمد بن محمود الجزائري الحنفي([99]) رحمه الله بداره بالأسكندرية، وذكر أنهم قالوا: لا حق لمخلوق على الخالق.
ويشهد لهذا ما يروي أن داود قال: اللهم إني أسألك بحق آبائي عليك، فأوحى الله إليه: (أي حق لآبائك عليّ) أو نحو هذا. والحق المشار إليه بالنفي هذا غير ما تقدم إثباته. فإن المثبت بمعنى الوعد الصادق وما جعله الله للماشي إلى الصلاة، وللسائلين من الإجابة، والإنابة فضلاً منه وإحساناً، والمنفي هنا هو الحق الثابت بالمعارضة، والمقابلة على الإيمان والأعمال الصالحة، فالأول يرجع ويعود إلى التوسل بصفاته الفعلية والذاتية، والثاني يرجع إلى التوسل بذوات المخلوقين، فتأمله فإنه نفيس جداً) ([100]) .
وأما استدلالهم بحديث (يا عباد الله أعينوني)، وحديث (يا عباد الله احبسوا) فأجاب عنه الشيخ محمد بن ناصر الحازمي فقال: (والحديثان لا يصحان. أما الأول: فرواه الطبراني في الكبير بإسناد منقطع، والثاني: ففي إسناده معروف بن حسان، قال ابن عدي: منكر الحديث..) ([101]) .
وكتب الشيخ أحمد بن عيسى جواباً على استدلالهم بحديث الأعمى، فكان مما كتبه:
(قد قرر جمع من العلماء ما قرره شيخ الإسلام في معنى حديث الأعمى، وبينوا أنه ليس فيه إلا طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه دلالة فيه على التوسل بالذات، كالعلامة السويدي وابنه، والشيخ نعمان بن محمود أفندي الآلوسي..) ([102]).
وقد أفاض الشيخ السهسواني في الرد على ما استدلوا به من أحاديث، وتعقبها بالرد والنقد، فكان مما قاله رحمه الله – جواباً على استدلالهم بحديث فاطمة بنت أسيد على جواز التوسل بالأنبياء -:
(وفيه – أي حديث فاطمة بنت أسيد – روح بن صلاح، وثقه ابن حبان والحاكم، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال الذهبي في (الميزان) روح بن صلاح المصري يقال له ابن سبابة ضعفه ابن عدي، يكنى أبا الحارث، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم ثقة مأمون. أ.هـ.
فقد علم بذلك أن في سنده روح بن صلاح المصري وهو ضعيف ضعفه ابن عدي، وهو داخل في القسم المعتدل من أقسام من تكلم في الرجال كما في (فتح المغيث) للسخاوي ولا اعتداد بذكر ابن حبان له في الثقات، فإن قاعدته معروفة من الاحتجاج بمن لا يعرف كما في (الميزان).
وكذلك لا اعتداد بتوثيق الحاكم وتصحيحه فإنه داخل في القسم المتسمح كما قال السخاوي) ([103]).
ويقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري في حاشية الجواب السابق:
(هذا الحديث – أي حديث فاطمة بنت أسيد – لا يصح دراية، إذ صيغة متنه وركاكة ألفاظه وما فيه من المبالغة مما يدل على عدم ثبوته. زيادة على غرابته، وما في سنده من الضعف الذي تكلم عليه المؤلف) ([104]).
وأما استدلالهم بحديث عثمان بن حنيف، فقال السهسواني عن هذا الحديث:
(في سنده أبو جعفر، فإن كان هو عيسى بن أبي عيسى ما هان أبو جعفر الرازي التميمي – كما ظنه الحافظ ابن حجر في (التقريب) – فالأكثرون على ضعفه .. قال عنه الحافظ في (التقريب): صدوق سيء الحفظ، وقال أبو زرعة: يهم كثيراً، وقال الفلاس: سيء الحفظ، وقال النسائي: ليس بالقوي.
وإن كان أبا جعفر المدني كما في سنن ابن ماجة فهو مجهول..) ([105]).
وأما استدلالهم بحديث (أسألك بحق السائلين إليك)، فقد تكلم السهسواني على سنده فقال:
(ففي سنده عطية العوفي فإن جارحيه أكثر من معدليه، ووجه ضعفه كونه شيعياً مدلساً، وكذا عدم الضبط وكثرة الخطأ .. كما أن في سنده فضيل بن مرزوق، وهو ممن اختلف فيه.. وكذا في سنده الفضل بن موفق أبو الجهم ضعفه أبو حاتم، والأشبه أن هذا الحديث موقوف كما قال أبو حاتم) ([106]).
هذه بعض الردود على استدلال الخصوم في إثبات التوسل البدعي، ولم نقصد بتلك الردود الإحاطة والتفصيل، وإنما قصدنا مجرد التنبيه والتمثيل، فلقد ألفت – ولله الحمد – كتب عرضت لهذه الأدلة بالرد والنقد التفصيلي([107])، فأغنى ذلك عن ذكره. وننتقل إلى الرد على ما جاء في العصر الثاني من هذه الشبهة ونشرع في الرد عليها – أولاً – فيما ادعوه بأن التوسل إلى الله بالموتى بمعنى الاستغاثة بهم، فقد أورد صاحب كتاب (التوضيح) هذه الدعوى ثم أبطلها من عدة وجوه، فكان مما قاله رحمه الله:
(فإن قيل يجوز أن يكون لفظ الاستغاثة بغير الله بمعنى التوسل، فمعنى قول المستغيث أستغيث برسول الله، وبفلان الولي أي أتوسل برسول الله أو بالولي الصالح، ويصح حينئذٍ أن يقال تجوز الاستغاثة في كل ما يطلب من الله بالأنبياء والصالحين بمعنى أنه يجوز التوسل بهم في ذلك ويصح لفظاً ومعنى. الجواب أن هذا باطل من وجوه:
أحدهما: أن لفظ الاستغاثة في الكتاب والسنة وكلام العرب إنما هو مستعمل بمعنى الطلب من المستغاث به لا بمعنى التوسل، وقد اتفق من يعتد به من أهل العلم على أن الاستغاثة لا تجوز بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وقول القائل أستغيث به بمعنى توسلت بجاهه، هذا كلام لم ينطق به أحد من الأمم لا حقيقةً ولا مجازاً ولم يقل أحد مثل هذا، ولا معناه لا مسلم ولا كافر.
الثاني: أنه لا يقال أستغيث إليك يا فلان بفلان أن تفعل بي كذا، وإنما يقال أستغيث بفلان أن يفعل بي كذا، فأهل اللغة يجعلون فاعل المطلوب هو المستغاث به، ولا يجعلون المستغاث به واحداً والمطلوب آخر، فالاستغاثة طلب منه لا به.
الثالث: أن من سأل الشيء، أو توسل به، لا يكون مخاطباً له ولا مستغيثاً به، لأن قول السائل، أتوسل إليك يا إلهي بفلان: إنما هو خطاب لله، لا لذلك المتوسل به بخلاف المستغاث به، فإنه مخاطب مسئول منه الغوث فيما سأل من الله فحصلت المشاركة في سؤال ما لا يقدر عليه إلا الله، وكل دعاء شرعي لابد أن يكون الله هو المدعو فيه.
الرابع: أن لفظ التوسل والتوجه ومعناهما يراد به أن يتوسل إلى الله ويتوجه إليه بدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم عند خالقهم في حال دعائهم إياه، فهذا هو الذي جاء في بعض ألفاظ السلف من الصحابة رضوان الله عليهم .. وهذا هو الذي عناه الفقهاء في كتاب الاستسقاء في قولهم ويستحب أن يستسقى بالصالحين..) ([108])
ويوضح الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الفرق بين التوسل والاستغاثة فيقول:
(وبينهما فرق عظيم أبعد ما بين المشرق والمغرب.. فالعامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بالأنبياء والصالحين كقول أحدهم أتوسل إليك بنبيك أو بملائكتك أو بالصالحين أو بحق فلان وغير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور ولا يسألونها وينادونها فإن المستغيث بالشيء طالب منه سائل له، والمتوسل به لا يدعو ولا يطلب منه، ولا يسأل وإنما يطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو به وبين المدعو والمستغاث، ولا يعرف في لغة أحد من بني آدم أن من قال أتوسل إليك برسولك أو أتوجه إليك برسولك فقد استغاث به حقيقة فإنهم يعلمون أن المستغاث به مسئول مدعو فيفرقون بين المسئول وبين المسئول به، سواء استغاث بالخالق أو بالمخلوق) ([109]).
كما يوضح الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الفرق بينهما فيقول:
(واعلم أن التوسل بذات المخلوق أو بجاهه غير سؤاله ودعائه، فالتوسل بذاته أو بجاهه أن يقول: اللهم اغفر لي وارحمني، وأدخلني الجنة بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك فهذا بدعة ليس شرك، وسؤاله ودعاؤه هو أن يقول: يا رسول الله أسألك الشفاعة وأنا في كرب شديد، فرج عني، واستجرت بك من فلان فأجرني ونحو ذلك، فهذا كفر وشرك أكبر ينقل صاحبه من الملة؛ لأنه صرف حق الله لغيره؛ لأن الدعاء عبادة لا يصلح إلا لله، فمن دعاه فقد عبده، ومن عبد غير الله فقد أشرك، والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر، وكثير من الناس لا يميز ولا يفرق بين التوسل بالمخلوق أو بجاهه، وبين دعائه وسؤاله فافهم ذلك) ([110]).
ويرد الشيخ عبد الرحمن بن حسن على هؤلاء المجوزين للشرك باسم التوسل، فيقول:
(وليس عند هؤلاء الملاحدة ما يصدون به العامة عن أدلة الكتاب والسنة التي فيها النهي عن الشرك في العبادة إلا قولهم قال أحمد بن حجر الهيتمي، قال فلان، وقال فلان يجوز التوسل بالصالحين ونحو ذلك من العبارات الفاسدة. فنقول هذا وأمثاله ليسوا بحجة تنفع عند الله وتخلصكم من عذابه، بل الحجة ما في كتاب الله وسنة رسوله الثابتة عنه، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وما أحسن ما قال الإمام مالك رحمه الله، وكلما جاءنا رجل أجدل من رجل نترك ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله. إذا عرف ذلك فالتوسل يطلق على شيئين فإن كان ابن حجر وأمثاله أرادوا سؤال الله بالرجل الصالح فهذا ليس في الشريعة ما يدل على جوازه، فإن كان أرادوا بالتوسل دعاء الميت والاستشفاع به فهذا هو شرك المشركين بعينه، والأدلة على بطلانه في القرآن كثيرة جداً) ([111]).
ويبين الشيخ عبد الرحمن بن حسن ضلال داود بن جرجيس حيث خلط بين التوسل إلى الله بالموتى وبين الاستغاثة بالموتى، فكان مما قاله الشيخ رحمه الله:
(فدخل عليه الضلال والخطأ من وجوه: منها أنه جعل المتوسل به بعد موته في دعاء الله مستغيثاً به، وهذا لا يعرف في لغة أحد من الأمم لا حقيقة ولا مجازاً مع دعواه الإجماع على ذلك، فإن المستغاث هو المسئول المطلوب منه لا المسئول به) ([112]).
ويوضح الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن الفرق بين مسألة الله بجاه الخلق، ومسألة الخلق ما لا يقدر عليه إلا الله، فيقول:
(فاعلم أن مسئلة الله بجاه الخلق نوع، ومسئلة الخلق ما لا يقدر عليه إلا الله نوع آخر، فمسئلة الله بجاه عباده منعها أهل العلم، ولم يجزها أحد ممن يعتد به، ويقتدي به كالأئمة الأربعة، وأمثالهم من أهل العلم والحديث، إلا أن ابن عبد السلام أجاز ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقيده بثبوت صحة الحديث الذي جاء في ذلك وهو حديث الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ادع الله يا محمد.. الحديث. قال ابن عبد السلام إن صح الحديث فيجوز بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، والحديث في سنده من لا يحتج به عند أهل العلم كما لا يخفى على أهل الصناعة.- إلى أن قال الشيخ عبد اللطيف: وبالجملة فهذه المسألة نوع، ولا يخرج بها الإنسان عن مسئلة الله، وإنما الكلام في سؤال العباد وقصدهم من دون الله، فسؤال العباد والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جلي، ولو قال يا ولي الله اشفع لي فإن السؤال محرم، وطلب الشفاعة منهم يشبه قول النصارى يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله) ([113]).
ويشير الشيخ السويدي([114]) إلى الفرق بينهما فيقول:
(وهذا التوسل الذي ذكر فيه الخلاف فيما إذا كان الداعي يتوجه إلى ربه، متوسلاً إليه بغيره مثل أن يقول أسألك بجاه فلان عندك، أو بحرمته أو بحقه، وأما إذا توجه إلى ذلك الغير وطلب منه فهو شرك كما تحقق) ([115]).
ويبين الشيخ سليمان بن سحمان أنواع التوسل جملة، موضحاً الفرق بينهما فيقول:
(والتوسل له أقسام، فقسم مشروع وهو التوسل بالأعمال الصالحة، وبدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وطلب الاستغفار منه، وبدعاء الصالحين وأهل الفضل والعلم، وكذلك بالأعمال الصالحة، وقسم محرم، وبدعة مذمومة، وهو التوسل بحق العبد وجاهه وحرمته نبياً كان ذلك، أو ولياً، أو صالحاً؛ لأن ذلك لم يرد به نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين.. وأما قصد هؤلاء من التوسل فهو دعاء الأنبياء والأولياء، والصالحين، وكشف الكربات، وإغاثة اللهفات، فمن صرف شيئاً من هذه الأنواع لغير الله فهو كافر مشرك بإجماع المسلمين..) ([116]).
وبهذا يعلم أن هناك توسلاً شرعياً، توسلاً بدعياً محرماً، وأن التوسل عند عباد القبور هو بمعنى دعاء الموتى والاستغاثة بهم. وكذلك ندرك خطأ ما ذكره هؤلاء الخصوم بأن لفظ التوسل بمعنى الاستغاثة، وكذلك بمعنى الالتجاء، وغيرها من الألفاظ التي أوردوها بقصد التمويه والتلبيس، وتزيين الشرك بأسماء ينخدع بها عامة الناس، لذا يقول أبو بطين رحمه الله:
(ولما علم الشيطان أن كل من قرأ القرآن، أو سمعه ينفر من الشرك، ومن عبادة غير الله ألقى في قلوب الجهال أن هذا توسل، وتشفع بهم، والتجاء إليهم ونحو ذلك فسلب العبادة والشرك اسمهما من قلوبهم، وكساهما أسماء لا تنفر عنها القلوب) ([117]).
ولكن تغيير الأسماء لا يغير الحقائق، الحكم يدور مع الحقيقة وجوداً وعدماً، وليس مع الأسماء والألفاظ، لذا قال الشيخ ابن سحمان رحمه الله:
(فإنه من المعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير أسمائها، فلا تزول هذه المفاسد بتغير أسمائها، كتسمية عبادة غير الله توسلاً وتشفعاً، أو تبركاً وتعظيماً للصالحين وتوقيراً، فإن الاعتبار بحقائق الأمور، لا بالأسماء والاصطلاحات والحكم يدور مع الحقيقة، وجوداً وعدماً لا مع الأسماء..) ([118]).
وأما دعواهم بعدم الفرق بين التوسل والاستغاثة بالأحياء وبين التوسل والاستغاثة بالأموات؛ لأنه ليس للميت ولا للحي تأثير أو فعل؛ لأن الفاعل – حقيقة – هو الله وحده، وإن وجد في كلام العامة بعض (الألفاظ الموهمة) التي توهم إسناد الفعل إلى الأموات، فلا جناح عليهم؛ لأن هذا الإسناد إسناد مجازي لا حقيقي، هذه هي دعواهم، فأما الرد عليهم فيكون على النحو التالي:
يبين الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين بطلان دعواهم بأن الطلب من الأموات من باب التسبب([119])، فيقول:
(نحن لا ننكر إضافة الأشياء إلى أسبابها، ولكن الله سبحانه هو خالق الأسباب والمسببات، ولا يلزم من ذلك أن نعتمد على الأسباب، فضلاً عن أن نسألها ونرغب إليها وهي مخلوقة، بل يتعين على العباد أن يعتمدوا على خالق الأسباب ويرغبوا إليه، ويستعينوا به ويعبدوه وحده، إياك نعبد وإياك نستعين).
ثم يقول: (فطرد هذا الأصل الباطل – أي دعاء الأموات كأسباب – أن يجوز ذلك في جميع الأسباب، وقد قال تعالى: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً) ([120]). فيلزمه أن يجوز للناس أن يطلبوا من الريح أن تسير لهم سحاباً ماطراً، وقال تعالى في حق نبيه: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) ([121]) والمراد بالظلمات ظلمات الجهل والكفر والشك إلى نور العلم والإيمان، فيجوز على أصل هذا أن يقال يا رسول الله أخرجنا من الظلمات إلى النور) ([122]).
ويكشف الشيخ صالح الشثري بطلان دعوى دحلان – ومن معه – حين جوز التوسل والاستغاثة بالأموات، ما دام أن المتوسل والمستغيث بهم يعتقد أن التأثير والإيجاد لله وحده، وأنه ليس للحي ولا للميت فعل أو تأثير، يقول الشثري رحمه الله:
(وعلى معتقد هذا الملحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ وظلم في قتال المشركين؛ لأنهم لا يعتقدون تأثيراً، ولا إيجاداً لغير الله، مع أن هذا الملحد قد نقض أصله في نفس تعريفه بقوله: فالمستغيث يطلب ممن استغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، فهل التحصيل إلا فعل قائم بالواسطة الذي طلب منه، وقد سلك في معتقده هذا مع تناقضه مذهب القدرية المجبرة، القائلين بأن العبد مجبور لا فعل له حقيقة، بل إسناد الفعل إليه مجاز، فكأنه لم يسمع قول الله سبحانه وتعالى: (وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم) ([123]) فأثبت سبحانه فعل الظلم لهم فعاقبهم عليه، وقال تعالى (ومكروا ومكر الله) ([124]) الآية، أيظن من له أدنى رائحة من عقل أن الله قصد نسبة مكر المشركين إليهم مجاز، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً) ([125]).
ويرد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على دعوى ابن جرجيس حين ادعى أن من اعتقد أن الأسباب العادية فاعلة من غير استنادها إلى الله فهو كافر إجماعاً فيقول:
(إذا كان إسناد الفعل إليها استقلالاً يكفر فاعله إجماعاً، وهي من الأسباب العادية التي أودع الله فيها قوة فاعلة، فكيف لا يكفر من أسند مالا يقدر عليه إلا الله من إغاثة اللهفات، وتفريج الكربات إلى غير الله من الصالحين، ونحوهم، وزعم أنها وسائل أو أن الله وكل إليهم التدبير كرامة لهم، هذا أولى بالكفر وأحق به ممن قبله.
ويقال للعراقي أنت لا ترضى تكفير أهل القبور لاحتمال العذر والشبهة وأنه شرك أصغر يثاب من أخطأ فيه، فكيف جزمت بكفر من أسند القطع للسكين من غير استناد إلى الله وما الفرق بين من عذرته وجزمت بإثباته، وبين من كفرته وجزمت بعقابه ليست إحدى المسألتين بأظهر من الأخرى، وما يقال من الجواب فيما أثبته من الكفر يقال فيما نفيته..
ويقال جمهور العقلاء على الفرق بين الأسباب العادية وغيرها، فالشبع والري والدفء أسباب عادية فاعلة، وإنما يكفر من أنكر خلق الله لهذه الأسباب، وقال بفعلها دون مدبر عليم حكيم، وهذا البحث يتعلق بتوحيد الربوبية، وأما جعل الأموات أسباباً يستغاث بها وتدعى وترجى، وتعظم على أنها وسائط فهذا دين عباد الأصنام، يكفر فاعله بمجرد اعتقاده وفعله، وإن لم يعتقد الاستقلال كما نص عليه القرآن في غير موضع) ([126]).
ويورد الشيخ السهسواني ما في دعوى دحلان من البطلان، حين ادعى أن المتوسلين والمستغيثين بالأموات لا يعتقدون التأثير إلا لله وحده، فيقول السهسواني رحمه الله:
.. أقول: فيه كلام من وجوه:
الأول: أنه يعتقد كثير من العوام، وبعض الخواص في أهل القبور، وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء أنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله..
الثاني: أن مجرد عدم اعتقاد التأثير والخلق والإيجاد والإعدام.. لا يبريء من الشرك فإن المشركين الذين بعث الله الرسل إليهم أيضاً كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق بل لابد فيه من إخلاص توحيده وإفراده..
الثالث: أن مجرد كون الأحياء والأموات شركاء في أنهم لا يخلقون شيئاً وليس لهم تأثير في شيء، لا يقتضي أن يكون الأحياء والأموات متساوين في جميع الأحكام، حتى يلزم من جواز التوسل بالأحياء جواز التوسل بالأموات، وكيف وليس معنى التوسل بالأحياء إلا التوسل بدعائهم، وهو ثابت بالأحاديث الصحيحة، وأما التوسل بدعاء الأموات فلم يثبت بحديث صحيح ولا حسن..) ([127]).
ويسوق الشيخ عبد الكريم بن فخر الدين حجة في الرد على دعوى دحلان – ومن سار على نهجه – حين زعم أن ذكر الصالحين في الاستغاثة والتوسل إنما هو سبب عادي لا تأثير له، فقال الشيخ عبد الكريم مجيباً:
(فإن كان كما زعم، فينبغي أن لا يكون التأثير والخلق والإيجاد لله القدير بدون ذكر الأخيار عادة، فإنه سبب عادي على قوله، فيلزم منه أنه لا يشبع بطن أحد بمجرد أكله إلا إذا ذكر هؤلاء الأخيار، فإن الأكل سبب عادي للشبع، وذكر الأخيار سبب عادي ثاني، وأن لا يسرج سراج بالفتيلة والزيت إلا بذكر الأخيار وقس على ذلك كل شيء من غير انحصار) ([128]).
وأما دعوى بعضهم أنه يجوز الاستغاثة بالأموات والأحياء؛ لأن لهم قدرة كسبية وتسببية، فيجيب الآلوسي عن هذه الدعوى فيقول:
(وما أورد على الجواب من أن للمستغاث بهم قدرة كسبية وتسببية، فتنسب الإغاثة إليهم بهذا المعنى سواء أكانوا أحياءً أم أمواتاً وسواء كانت الاستغاثة بما يقدر عليه المستغاث به أم لا، مدفوع بأن كون العبد له قدرة كسبية لا يخرج بها عن مشيئة رب البرية لا يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله ولا يستغاث به، ولا يتوكل عليه ـ ولا يلتجأ في ذلك إليه، فلا يقال لأحد حي، أو ميت قريب، أو بعيد ارزقني، أو أمتني، أو أحيّ ميتي، أو اشف مريضي إلى غير ذلك مما هو من الأفعال الخاصة بالواحد الفرد الصمد، بل يقال لمن له قدرة كسبية قد جرت العادة بحصولها ممن أهله الله لها، أعني في حمل متاعي أو غير ذلك، والقرآن ناطق بحظر دعاء كل أحد، لا من الأحياء، ولا من الأموات سواء كانوا أنبياء أو صالحين، أو غيرهم، وسواء كان الدعاء بلفظ الاستغاثة، أو بغيرها، فإن الأمور غير المقدورة للعباد لا تطلب إلا من خالق القدر ومنشيء البشر، كيف والدعاء عبادة وهي مختصة به سبحانه) ([129]).
ويرد الشيخ ابن سحمان على ما زعمه الخصوم حين ظنوا أن السكين لا يقطع بنفسه، وإنما القاطع هو الله تعالى، والسكين سبب عادي خلق الله تعالى القطع عنده فيقول رحمه الله:
(فالجواب أن يقال: هذا من أقوال أهل البدع والأهواء، وليس هو من كلام أهل السنة والجماعة، قال شيخ الإسلام، وهؤلاء هم الاقترانية الذين يقولون أن الله يخلق عند السبب، لا بالسبب ومن نحا نحوهم من المتصوفة القائلين بإسقاط الأسباب الظاهرة، وذلك لأن عندهم ليس في الوجود شيء يكون سبباً لشيء أصلاً، ولا شيء جعل لشيء ولا يكون شيء لشيء، فالشبع عندهم لا يكون بالأكل.. ولا الطاعات عندهم سبب الثواب، ولا المعاصي سبب للعقاب) ([130]).
ويبطل القصيمي دعواهم بالمجاز العقلي في هذه الشبهة، فيقول:
(إذا كان إدخال المجاز جائزاً لديكم في الأدعية وفي النداء، وفي كل الأقوال المعبرة عن الاعتقاديات، وعن الديانات فهل ترون أن هذا جائز بلا قيد ولا شرط في هذه المسائل بحيث إدخال المجاز في كل قول وفي كل دعاء ما دام مقبولاً في قانون البلاغة وعلوم المجازات ؟ أم أنتم لا تدعون هذه الدعوى ولا تذهبون هذا المذهب، فلا تطلقون جواز المجاز في جميع أقوال العبادات .. إنه لا فرار لكم من اختيار أحد المذهبين وأيا اخترتم فقد خصمتم، ولا ريب فإنكم إذا اخترتم الرأي الأول، وزعمتم أن المجاز جائز مطلقاً بلا قيد ولا شرط في كل كلام ومقال، قيل لكم هذا باطل بالإجماع والضرورة فإنه لو كان صحيحاً حقاً لما استطعنا أن نخطيء ولا أن نعارض من قال مثلاً عيسى هو ابن الله، أو قال علي بن أبي طالب هو خالق محمد عليه السلام.. وذلك أن هنالك مجاز الحذف، فيرد بقوله عيسى هو ابن الله أي ابن أمة الله.. وبقوله علي خالق محمد أنه مختار خالق محمد. وبهذا التأويل تصبح هذه الأقاويل من أقاويل المؤمنين الصحيحة المقبولة: التي لا اعتراض عليها ولا فند فيها، وهذا يقضي بألا يؤخذ قائل بمقال، ولا متكلم بكلام…
وأما إن قلتم بالرأي الثاني، أي قلتم أنه ليس كل ما صح مجازاً صح ديناً بل من المجازات ما هو ضلالات، ومنه ما الذهاب إليه إثم كبير، وذنب لا يجوز للمسلم اقتحامه، قيل لكم إذن لعل هذا المجاز الذي زعمتموه وأجريتموه.. هو إثم وباطل) ([131]).
ويقول أيضاً في الرد على الدعوى السابقة:
(هنالك فرق بين دعوة الميتين وبين قول الناس أنبت الربيع البقل والماء العشب، ذلك أن الأول طلب والثاني خبر، وبين الأمرين فرق حقيقي عظيم معروف، وليس كل ما جاز إخباراً، جاز طلباً، والدليل على هذا الفرق الواضح أنه صح أن يقال أنبت الربيع البقل والماء العشب ولم يصح أن يقال: يا ربيع أنبت البقل، ويا ماء أنبت العشب) ([132]).
وأما دعواهم بأن هؤلاء المستغيثين بالأموات لا يعتقدون التأثير إلا لله وحده، وليس قصدهم من تلك الاستغاثات إلا التبرك، ولو وقع منهم بعض (الألفاظ الموهمة) التي توهم إسنادهم التأثير لغير الله.
فإن واقع أولئك المستغيثين بغير الله، يبطل تلك الدعوى ويسقطها، لذا قال الشيخ حسين النعمي([133]) معقباً على تلك الدعوى:
(إن من يتكلم بهذا لا يدري ما فشى في العامة.. وما صار هجيراهم عند الأموات، ومصارع الرفات من دعائهم، والاستغاثة بهم، والعكوف حول أجداثهم، ورفع الأصوات بالخوار. وإظهار الفاقة، والاضطرار، واللجأ في ظلمات البحر، والسفر نحوها بالأزواج والأطفال) ([134]).
ويرد ابن سحمان تلك الدعوى الخاطئة، فكان مما قاله:
(والألفاظ التي يقولها العوام، وينطقون بها دالة دلالة مطابقة على اعتقاد التأثير من غير الله فما معنى الشبهة ؟) ([135]).
وأما الرد على دعواهم بأنه لا فرق بين الحي والميت؛ لأن الميت له حياة في قبره، وله إدراك وشعور، فإذا كان لا فرق بينهما، فيجوز التوسل، والاستغاثة بالأموات، والأحياء دون تفريق، فإن الرد على تلك الدعوى يكون على النحو التالي:
يوضح الشيخ أبو بطين بطلان دعواهم، وتناقضهم فيها، مع بيان الحق في تلك المسألة، فيقول:
(فمن سوى بين الحي والميت بقوله يطلب من الميت ما يطلب من الحي، فقد سوى بين ما فرق الله والناس بينهما، حتى المجانين يعرفون الفرق بين الحي والميت) ([136]).
(ويقال لهذا المساوي بين الأحياء والأموات من المعلوم أن أهل الدنيا يستقضون حوائج بعضهم من بعض، برهم وفاجرهم، مسلمهم وكافرهم وقد استعار النبي صلى الله عليه وسلم أدرعاً من صفوان بن أمية وهو مشرك، وما زال المسلمون يستقضون حوائجهم من المسلم، والذمي والبر، والفاجر، فيلزم المساوي بين الأحياء والأموات أن يساوي بين أموات المذكورين كما كانوا في الدنيا كذلك، فإن قال طلب الحاجات مختص بموتى الصالحين فلا يجوز طلبها من موتى الكفار والفساق قيل له نقضت أصلك حيث فرقت بين أحياء هؤلاء، وأمواتهم، فإن قال موتى الصالحين أحياء في قبورهم كما زعم، فهو كاذب في ذلك، ولم يرد في ذلك حديث إلا ما أخبر الله عن حياة الشهداء مع أن حياتهم لا تدرك بالحس، ولا بالعقل فالله سبحانه أعلم بحقيقتها، وأما سوى الشهداء غير الأنبياء، فلم يأت خبر عن الرسول أنهم أحياء في قبورهم، وإنما هو افتراء وكذب.. فإن قال: أن صالحي الأموات ينعمون في البرزخ، قيل له وضدهم يعذبون فيدركون العذاب كما يدرك الصالح النعيم. وهذا إدراك وإحساس لا يعلم حقيقته إلا الله) ([137]).
ويؤكد الشيخ صالح الشثري بداهة الفرق بين الطلب من الحي وبين الطلب من الميت فقال:
(من المعلوم بالفطرة السليمة، وإن كان جاهلاً يفرق بين الطلب من الحي الحاضر مما في يده أو دعائه له، وبين الطلب من الميت والغائب، ولا يسوي بين الحي والميت إلا من اختالته الشياطين عن الفطرة التي فطره الله عليها، أو إنسان أعماه الهوى والتقليد..) ([138]).
وقد أورد السهسواني كثيراً من الحجج في إبطال التسوية بين الحي والميت فكان مما قاله:
(إن قدرة الحي على بعض الأشياء دون الميت ثابت بالكتاب والسنة … - منها – قوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ([139]). – ومن الأحاديث – قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان، انقطع عنه عمله …))([140])
كما أن إثبات الكسب ولو باطنياً للميت مخالف للنص الصريح هو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله) فلا يعبأ به، على أن قدرة الحي على الكسب يعلم حدها بالمشاهدة، مثلاً نعلم أن الحي يقدر على حمل الحجر، وعلى أن يحول بينه، وبين عدوه الكافر، أو يدفع عنه سبعاً صائلاً، أو لصاً، أو يدعو له، أو نحو ذلك، وأما قدرة الميت على الكسب فعلى تقدير تسليمها لا تعلم حدها بالمشاهدة، فما طريق العلم بها ؟ وهل هي مساوية لقدرة الحي أو زائدة عليها أو ناقصة عنها؛ فلابد من بيانه حتى يطلب منه على حسبه، ودونه لا معنى لهذه الدعوة العمياء) ([141]).
ويصف أحد العلماء قياس الأموات على الحياء بهذا الوصف:
(قياس الأموات من الأنبياء والصالحين في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله على الأحياء القادرين على الأسباب العادية المقدور عليها من أفسد القياس، وأبطل إبطال، وأمحل المحال؛ لأن الله سبحانه وتعالى فرق بين الأحياء والأموات ولم يسو بينهما بقوله (وما يستوي الأحياء والأموات ([142]))([143]).
ويتحدث علامة العراق الآلوسي عن مسألة سماع الأموات فيقول:
(لا يشك أحد من أهل العلم أن في مسألة السماع قولين، أحدهما: أن الأموات يسمعون، ومع ذلك لا يستمد منهم ولا يستغاث بهم في قضاء الحاجات، ولا يلجأ إليهم لعدم ورود ذلك في الشريعة.
والآخر: أنهم لا يسمعون، وإلى كل قول من هذين القولين ذهب جم غفير من أهل العلم، وكل منهما أورد أدلة على مدعاه لا يمكن إنكارها، وليس هذا الاختلاف في متأخري الأمة، بل عن السلف كانوا مختلفين في ذلك فإنكار السماع رأساً، وإثباته مطلقاً لا شك في أنه مكابرة محضة، فالراجح قصر السماع على ما ورد وهذا الوجه يجمع بين الروايات المختلفة) ([144]).
ولكن - كما يذكر الآلوسي - من يقول بسماع الأموات لا يقول بأنهم يسمعون كل كلام، ومن أي محل كان قريب أو بعيد … فإن هذا باطل بإجماع المسلمين) ([145]).
وأخيراً نكتفي بما أوردناه من نقول موجزة لأئمة الدعوة وأنصارها في إزالة اللبس في هذه الشبهة، ثم ردها، ومن أراد المزيد والتفصيل فعليه بما كتب السلف قديماً، وأتباعهم من أهل هذه الدعوة وغيرهم. يتبع اتفنيد باقى الشبه






  #7  
قديم 17-08-2010, 10:37 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي

منع الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم (1)

أطلق الخصوم على الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وأنصار دعوته شبهة منع الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم، فادعوا أن الشيخ الإمام وأتباعه من بعده يمنعون طلب الشفاعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم وكذلك يمنعون طلبها من الأنبياء والصالحين.
وقبل الشروع في عرض هذه الشبهة ثم ردها، ينبغي أن ننبه إلى أن موضوع الشفاعة يرتبط إلى حد كبير بموضوع التوسل، لذا فهناك تداخل كبير بين هذا الفصل، وبين الفصل السابق كما سيتضح أثناء عرض هذا الفصل -، إلا أنه مع هذا التداخل فهناك بعض المسائل التي يستقل بها موضوع الشفاعة عن موضوع التوسل، مما ناسب إفراده بهذا الفصل.
وقد تحدث خصوم هذه الدعوة عن شبهة منع الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فادعوا أن الشيخ الإمام، وأتباعه من بعده يمنعون طلب الشفاعة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا سائر الأنبياء والأولياء، وذكر الخصوم حجتهم في هذه المسألة، وسنورد أقوالهم من خلال كتبهم -، وحججهم في هذا المقام.
يدعي القباني الفرق بين المشركين الذين اتخذوا الأصنام شفعاء لهم عند الله لتقربهم إليه زلفى، وبين المسلمين كما زعم القباني الذين يطلبون الشفاعة من الأنبياء والأولياء.
فليس سبب كفر مشركي العرب هو اتخاذ الأولياء شفعاء تقربهم عند الله زلفى، وإنما كان كفرهم بسبب اعتقادهم أن الملائكة والأولياء بنات وأبناء الله على حد دعوى القباني، لذا يقول القباني:
(العلة التي وجبت كفر المشركين هي اعتقادهم في الأنبياء، والأولياء، والملائكة أنهم أبناء الله، وبنات الله تعالى الله عن ذلك..) (2).
ويقول أيضاً: (إن عبادة المشركين للأنبياء، والأولياء إنما هي بالسجود لتماثيلهم، ليتقربوا إليهم) (2).
ويستنكر القباني أن يكفر من قال: يا رسول الله اشفع لي، فيقول بكل قبح ووقاحة مخاطباً الشيخ الإمام:
(أما أنهم كفروا بمجرد قولهم يا رسول الله اشفع لي، أو أغثني، وأنها مساواة لقول المشرك واعتقاده أن المسيح هو الله، ولعبادة تمثاله من السجود وال*** كما ادعيت ذلك، وجزمت به. فما أقمت على ذلك الدليل والبرهان يا طويل الآذان) (3).
ويجوّز ابن داود الهمداني طلب الشفاعة من الأنبياء والأولياء فلا يحتاج إلى إذن من الله، لأن الله أذن لهم في الشفاعة، يقول ابن داود:
(إن الله تعالى أذن لنا أن نطلب منهم أي الأنبياء والأولياء الشفاعة، وليعلم أولاً أن طلب الشفاعة منهم لا يحتاج إلى ورود إذن من الله في ذلك، فإنا بعد أن علمنا أن لهم جاهاً وجيهاً عنده تعالى، بحيث إذا شفعوا قبلت شفاعتهم، فعلمنا مع ذلك أن الله تعالى أذن لهم في الشفاعة، ساغ لنا أن نطلبها منهم، ونجعلهم شفعاء عنده، ونقول لهم اشفعوا لنا عند الله في قضاء حوائجنا فإن لكم عند الله جاهاً وجيهاً، وشفاعة مقبولة كما يسوغ لأحدنا أن يقول لآخر توسط لي عند السلطان واشفع لي لدى فلان) (1).
ويرد ابن داود على الشيخ الإمام في تلك المسألة، فيقول:
(وقول الزنديق الحجازي: إن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن طلبها منه كما قال: )وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً( (2) غلط، فإن الدعاء المنهي عنه هنا بمعنى العبادة، وطالب الشفاعة لا يعبد الشفيع، بل يطلب منه أن يشفّعه عند الله، كما أن يوسف بدعائه لأحد صاحبي السجن لم يكن عابداً له ولا كافراً، وقوله(3) (فإن الشفاعة التي أعطاها غير النبي، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون. أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة، فاطلبها منهم. فإن قلت هذا، فقد عبدتم) غلط أيضاً، لما قلنا من أن طلب الشفاعة ممن أعطيها سواء كان نبياً، أو كان ولياً، أو وصياً، أو ملكاً، أو مؤمناً ليس عبادة له، فيصح لنا أن نطلب الشفاعة من الأوصياء، والأولياء، والملائكة، والصلحاء، وليس في ذلك شرك) (4).
ويسوي ابن داود بين قول: اللهم شفّع محمداً فينا، وبين قول: يا محمد اشفع لي، فيقول:
(وإذا ثبت أن لهم محمد صلى الله عليه وسلم وعترته الشفاعة المقبولة، وأنهم مأذونون في الشفاعة، ونحن مأمورون بطلبها، كان لنا الخيار في الدعاء. فإن شئت طلبناها، وقلنا اللهم شفعهم فينا، أو لا تحرمنا شفاعتهم، أو تقبل شفاعته فينا، وإن شئنا طلبناها منهم وقلنا يا أولياء الله اشفعوا لنا عند الله، واستغفروا ذنوبنا إلى غير ذلك) (5).
ويفسر محمد بن عبد المجيد معنى الإذن أحد شرطي قبول الشفاعة فيقول:
(والذي يظهر - والله أعلم - تفسير الإذن بلازمه، من الرضى والاختيار، والمعنى: لا أحد يشفع عنده شفاعة نافعة، إلا برضاه، واختياره تعالى، إذ لا ينفذ لأحد مراد لم يرده الله تعالى )(6).
وبناءً على ذلك فإن محمد بن عبد المجيد لا يشترط الإذن للشافع، لذا يقول:
(والمتحصل من هذا أن الشفاعة لا تتوقف على إذن خاص، بمعنى إطلاقها وإباحتها للشافع، ولكن يتوقف نفعها على رضاه تعالى أن يقبلها واختياره لذلك..) (7).
ويدافع محمد بن عبد المجيد عن المستغيثين بالموتى والذين يسألونهم الشفاعة فيقول:
(والمشركون كانوا يعتقدون في أصنامهم أنها تنفع وتضر.. فأين هذا ممن يستغيث من المسلمين بنبي، أو ولي، ويسأله الشفاعة، معتقدا أنه لا يملك نفعاً ولا ضراً..) (1).
ويرد محمد ابن عبد المجيد على اعتراض لما قرره، فيقول:
(وأما تمسكه أي الإمام سعود بن عبد العزيز في منع استشفاعهم إلى الله بقوله تعالى: ) قل لله الشفاعة جميعا( (2) قلنا مسلم، ولا ينافي طلبنا منهم الشفاعة في مآرب الدنيا والآخرة، لأن شفاعتهم لنا من بعد إذنه تعالى لهم بإلهام، أو غيره مما يعلمونه أولاً، ولأن شفاعتهم مجرد دعائه لله تعالى، وطلب وابتهال، كما يدعو المؤمن لأخيه بظهر الغيب. ومعنى توقفها على الإذن توقف قبولها على رضاه تعالى، واختياره الإجابة، لا كما زعم المشركون أن معبوداتهم تشفع لهم عنده، وجزموا بذلك، ولم يلتفتوا إلى توقف نفع شفاعتها على قبوله تعالى، ورضاه، حتى كأنهم لا يجوزون رد شفاعتها )(3).
ويدعي الحداد أن سبب كفر مشركي العرب هو نسبتهم الولد لله تعالى، وليس لأنهم جعلوا الأصنام، أو الأولياء شفعاء تقربهم عند الله زلفى. فيقول:
(وقوله تعالى في سورة الزمر: ) والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى((4) فإن بعدها قوله تعالى ردا على من نسب له الولد، تعالى الله ) لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار ( (5).. وقولهم ليقربونا معتقدين أنهم آلهة وأنهم شركاء، كما حكي عنهم سبحانه في قوله: ) هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ( (6)، الآية، ولو أنهم آمنوا بالله وحده، وأقروا برسالة نبيه، وما جاء به، واعتقدوا في الحجر أنه من خلقه، وأنه لا ذنب له، نفعهم، لقوله عليه السلام (لو اعتقد أحدكم في حجر لنفعه) (7)، لاعتقاده أنه لا يضر ولا ينفع خلق من خلقه إلا بإذنه)(8).
ويدعي عمر المحجوب أن الوهابيين ينكرون الكثير من الشفاعة فيقول:
(ولعلك من المبتدعة الذين ينكرون أنواعاً كثيرة من الشفاعة)(1).
ويذكر إسماعيل التميمي أن الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم ليس عبادة له؛ لأنها في ملكه.. يقول:
(وليست – أي مسألة الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم - عبادة للمطلوب أي محمد ؛ لأنه لا يعظم طالبها كتعظيم المعبود..)(2).
(أما مسألة طلب الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فإن هذا الطلب ليس عبادة، فإن الله لما وعده بها، وبالإذن فيها صارت في يده، فطلبها منه كطلب حاجة من يد قادر على إعطائها..) (3).
ويورد جعفر النجفي كلاماً حول الشفاعة، كان مما قاله:
(إن الشفاعة إن كانت من قبيل الدعاء، فيرجع طلبها إلى التماس الدعاء من الأنبياء والأولياء، فتكون عبارة عن دعاء مخصوص لنجاة الغير، أو قضاء حاجته في أمور الدنيا والآخرة. فلا كلام، ولا بحث في جواز طلبها من كل أحد كما لو سألت إخوانك الدعاء .. ولا ريب أن المستشفع بالنبي، والأولياء في دار الدنيا يريد هذا المعنى). (4)
ويسوق دحلان ما قرره علماء الدعوة من اشتراط إذن الله في قبول الشفاعة، ثم ذكر رده، فيقول:
(ومما يعتقده المنكرون للزيارة، والتوسل منع طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون أن الله تعالى قد قال في كتابه العزيز: ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( (5)، وقال تعالى: ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى((6) فالطالب للشفاعة لا يعلم حصول الإذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة للمؤمنين.
وقد صحت الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم يشفع لمن قال بعد الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة..) (7) إلى آخر الدعاء المشهور، ولمن صلى على النبـي صلـى الله عليه وسلم يوم الجمعة، ولمن زار قبره صلى الله عليه وسلم .. فالطالب للشفاعة كأنه يتوسل إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يحفظ عليه الإيمان إلى أن يتوفاه الله، فيدخل في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون من أهلها) (8).
ويذكر السمنودي ما اشترطه علماء الدعوة لقبول الشفاعة، من الإذن للشافع أن يشفع، والرضا عن المشفوع له، ثم يرد ذلك بقوله:
(وأقول أن منعهم المذكور، واحتجاجهم هذا عليه مردود عليهم، وباطل بالأحاديث الصحيحة الصريحة في حصول الإذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة للمؤمنين، لكونهم ممن ارتضى الله تعالى أن يشفع له، وبما صح متواتراً من طلب بعض الصحابة الشفاعة لله من النبي صلى الله عليه وسلم)(9).
ويورد السمنودي النصوص التي تثبت الشفاعة، ثم يقول:
(وهذه الآيات، والأحاديث وما ماثلها على عمومها، ولم يخصصها أحد بحال الحياة دون الممات)(1).
ويدعي السمنودي أن طلب الشفاعة من باب التسبب فقال:
(والشفاعة وإن كانت في الحقيقة بإذن الله..، ولكن على المسلم أن يباشر السبب، وأمر الإذن في القضاء إلى الله تعالى إن شاء، وإن لم يشأ، لم يكن. هذا هو اعتقاد المسلمين لا يعتقدون غيره، فمقصودهم بطلبهم الشفاعة من الأنبياء، والصالحين إنما هو التسبب) (2).
ويذكر الطباطبائي أن الوهابيين يثبتون الشفاعة، ولكن يمنعون طلبها في الدنيا من أصحابها، ثم يرد على هذا المعتقد فيقول:
(قالت الوهابية أن الشفاعة للأنبياء، والأولياء منقطعة في الدنيا وإنما هي ثابتة لهم في الآخرة، فلو جعل العبد بينه وبين الله وسائط من عباده يسألهم الشفاعة كان ذلك شركاً وعبادة لغير الله، فاللازم أن يوجه العبد دعاءه إلى ربه ويقول: اللهم اجعلنا ممن تناله شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز له أن يقول يا محمد اشفع لي عند الله) ثم ذكر أدلتهم على ذلك:
ثم قال: (وقالت الإمامية أن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم، وصالح المؤمنين، والملائكة المقربين، فيجوز الاستشفاع بهم إلى الله تعالى لنهوض الكتاب والسنة عليه..
وقول ابن عبد الوهاب: أن الله أعطى نبيه الشفاعة، ولكن نهاك عن الاستشفاع به.. كلام شعري مبناه الخيال، فإنه مثل أن يقول أن الله تعالى أعطى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة سقاية الحوض، ولكن نهى الناس عن الورود عليه، والاستسقاء منه.
وقوله تعالى: ) من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ( (3) دلت على جواز وقوع الشفاعة الحسنة من المؤمنين، بعضهم في حق بعض، ومتى جاز، جاز التوسل بالشفيع ولو كان ذلك شركاً لما صح الإذن في الشفاعة لا عقلاً ولا سمعاً مع أنها مأذون فيها ومرغب إليها بقوله سبحانه: ) يكن له نصيب منها ( (4).
ويجوز عبد الرؤوف الرافضي الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى الله فيقول:
(وقد جوز الشرع الاستشفاع به إلى الله، وليس فيه شرك ولا هو دين المشركين أصلاً، ونوضح المقال بضرب من المثال ونقول:
ولا شك أن السجود لغير الله شرك، وقد أمر الله تعالى ملائكته المقربين أجمعين أن يسجدوا لآدم، فانقادوا كلهم أجمعون، فصار سجودهم لغير الله الذي كان كفراً وشركاً لولا أمر الله، طاعة مقبولة عند الله، وخاتم الأنبياء خير من فاتح الأنبياء، بل من سائر الأنبياء والاستشفاع به أيسر من السجود..) (5)
ويدعي العاملي جواز طلب الشفاعة من كل مؤمن حياً أو ميتاً، لأنه كطلب الدعاء فيقول:
(فطلب الشفاعة من الغير، كطلب الدعاء منه. وقد ثبت جواز طلب الدعاء من أي مؤمن كان ويجوز طلب الشفاعة إلى الله تعالى من كل مؤمن فضلاً عن الأنبياء والصالحين، وفضلاً عن سيد المرسلين) (1).
ويدعي العاملي أيضاً أن اتخاذ الأصنام، أو الأولياء شفعاء عند الله، ليس سبباً في شرك عباد الأصنام والأولياء، يقول:
(والمشركون لم يعلم أن هذا سبب في شركهم؛ لأنه لم يصدر منهم وحده، بل صدر معه ما هو كاف في الشرك، والكفر من إنكار الرسل، والشرائع، والعبادة للأصنام)(2).
ويستنكر العاملي طلب الشفاعة من الله وحده في الدنيا، فيقول:
(أما قولهم فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله. فإذا كانت حقاً فما المانع من طلبها ؟ أفيجعل الله طلب الحق باطلاً وشركاً؟ تعالى الله عن ذلك، فطلب الحق لا يكون إلا حقاً، وطلب الباطل لا يكون إلا باطلاً، والتقييد بقولهم في دار الدنيا دال على جواز طلبها في الآخرة، كما يدل عليه حديث تشفع الناس بالأنبياء، واعتذار كل منهم ثم تشفعهم بمحمد صلى الله عليه وسلم..
وهل منع الناس من الشرك في الدنيا، وأبيح لهم الشرك في الآخرة (3). ثم يورد العاملي دليلاً له، ويرد عليه:
(وأما قوله: إن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك أن تطلبها منه وقال: ) فلا تدعوا مع الله أحداً ( (4) فقول فاسد، لأن الدعاء المنهي عنه في الآية لا يشمل طلب الشفاعة، كما لا يشمل طلب الدعاء التي هو نوع منه، ولا يمكن أن يكون شاملاً لذلك، إذ يكون محصله أن الله تعالى أباح لك أن تطلب من كل أحد ما أعطاه الله إياه إلا الشفاعة) (4).
وادعى فضل الرسول البركاتي هذه المقالة:
(والنجدية خالفوا أهل السنة والجماعة في الشفاعة، وخلطوا مع الاعتزال أنواعاً من الخبط والشناعة، قالوا إن الشفاعة بالوجاهة غير ممكنة واعتقادها كفر) (6).
ويبيح الأوردبادي الاستشفاع بالأولياء بقوله:
(وأما الاستشفاع بهم، فلم يكن إلا لأن الله أثبت الشفاعة لعباده المكرمين في قوله تعالى: ) إلا لمن ارتضى( (7) وأذن بشفاعتهم في قوله تعالى: ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه( (8) فيتوسل عند الله، ويتوجه، ويستشفع إليه بأوليائه من عباده) (9).
يتبين من خلال هذه النقول أن هؤلاء الخصوم يدعون أن العلّة التي أوجبت كفر المشركين، هي اعتقادهم في الأنبياء، والملائكة أنهم أبناء الله وبناته تعالى الله عن ذلك -، أو اعتقادهم أن الأصنام تنفع وتضر، وليست علة كفرهم اتخاذهم الأصنام، أو الأولياء شفعاء كي تقربهم عند الله زلفى.
كما أن المناوئين يجوّزون طلب الشفاعة من الأنبياء، والأولياء في دار الدنيا؛ لأن الله أذن لهم في الشفاعة، وبعضهم يفسر الإذن بمعنى الرضا والاختيار. ونلاحظ أنهم ينفون أن يكون طلب الشفاعة من الأنبياء أو الأولياء عبادة لهم، بل هو دعاء المسلم لأخيه كما أن طلب الشفاعة منهم عام لا فرق في ذلك بين الأحياء منهم والأموات.
ويدعي الخصوم أن الشفاعة حين تطلب في الدنيا من الأنبياء، فلأنها في ملكهم وحوزتهم.
لقد أفاض علماء هذه الدعوة السلفية الحديث عن ما يتعلق بهذه المسألة فوضوحها غاية الوضوح، وأوردوا الأدلة والبراهين عليها، وذكروا شبهات الخصوم، واعتراضهم، ثم أعقبوها بالرد والمناقشة.
وقد تحدث الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب عن هذه المسألة في أكثر من موضوع، وأطال في بيانها وإظهارها.
فيبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب مشابهة هؤلاء الذين اتخذوا الصالحين شفعاء، ووسائط بينهم وبين الله، ويدعونهم، ويرجونهم، بحال المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن اتخذ الأصنام أو الأولياء شفعاء تقربهم عند الله زلفى، مع اعتقاد أن النفع والضر من عند الله، ويورد الاعتراضات في ذلك فيقول:
(إن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق، ولا يرزق ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً، ولا ضراً، فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم.
فجوابه هو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرّون بما ذكرت، ومقرّون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه، والشفاعة، كما في القرآن. فإن قال هؤلاء الآيات إنما نزلت فمن يعبد الأصنام. كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً فجاوبه بما تقدم .. فإنه إذا أقرّ أن الكفّار يشهدون بالربوبية كلها، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعله، وفعلهم بما ذكر فأذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ( (1) ويدعون عيسى بن مريم وأمه، ويدعون الملائكة..
فقل له: أعرفت أن الله كفّر من قصد الأصنام، وكفّر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قال: الكفّار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبّر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم. فالجواب أن هذا قول الكفّار سواء بسواء، واقرأ عليه قوله تعالى: ) والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( (2). وقوله تعالى: ) ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( (1) واعلم أن هذه الشبهة أكبر ما عندهم) (2).
ويقرر الشيخ الشفاعة، ويثبتها، ويذكر شرطي الشفاعة، ثم يرد على من قال إن الله أعطى الشفاعة محمداً فأطلبها منه، يقول رحمه الله:
(فإن قال أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها ؟ فقل لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأرجوا شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: ) قل لله الشفاعة جميعاً ( (3) ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( (4)، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: ) ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ( (5) فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيها، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، تبين لك أن الشفاعة كلّها لله فاطلبها منه، وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه فيّ وأمثال هذا.
فإن قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله.
فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا فقال: ) فلا تدعوا مع الله أحداً ( (6)، فإن كنت تدعو الله أن يشفّع نبيّه فيك، فأطعه في قوله: ) فلا تدعوا مع الله أحداً (، وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون، أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم، فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه) (7).
ويرد الشيخ الإمام على من ألصق بهم فرية إنكار شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول:
(يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، صاحب المقام المحمود، نسأل الله رب العرش العظيم أن يشفعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه. هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح، وهم أحب الناس لنبيهم، وأعظمهم في اتباع شرعه) (8).
ويؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن الشفاعة لا تطلب في الدنيا إلا من الله، فلا تطلب من الأنبياء، أو الأولياء بعد موتهم يقول رحمه الله:
(والشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى: ) وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً ( (1) وقال: ) ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين ( (2)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء، وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل (يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها، ثم يقال ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، ثم يحد لهم حداً فيدخلهم الجنة) (3) فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟ وهذا الذي ذكرناه، ولا يخالف فيه أحداً من علماء المسلمين. بل قد أجمع السلف الصالح من الصحابة والتابعين الأئمة الأربعة وغيرهم..) (4).
وعلى ضوء ذلك، فلا تطلب الشفاعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولأنه أيضاً ليس هناك دليل على طلبها منه بعد موته، لذا قال الشيخ الإمام:
(القائل أنه يطلب الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله، أو من سنّة رسول الله، أو من اجتماع الأمة. والحق أحق أن يتبع) (5).
ويؤكد الشيخ الإمام أن طلب الشفاعة من موتى الصالحين يضاد توحيد العبادة وينافيه، فيقول:
(إن أهل الجاهلية يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله، وعبادته. يريدون شفاعتهم، لظنهم أن الله يحب ذلك، وأن الصالحين يحبونه كما قال تعالى: )ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله( (6)، وقال تعالى: )والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى( (7).
وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص..) (8).
ويردّ الإمام عبد العزيز الأول على من ادعى عدم شرط الإذن من الله في مسألة الشفاعة فيبين أن من شفع عند غيره بغير إذنه فهو شريك له في حصول ذلك المطلوب .. يقول رحمه الله:
(ولهذا حسم جل وعلا مادة الشفاعة عن كل أحد بغير إذن الإله وحده، فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لا ملك ولا نبي ولا غيرهما؛ لأن من شفع عند غيره بغير إذنه فهو شريك له في حصول ذلك المطلوب لتأثيره فيه بشفاعته، ولا سيما إن كانت من غير إذنه فجعله يفعل ما طلـب منه، والله تعالى لا شريك له بوجه من الوجوه، وكل من أعان غيره على أمر فقد شفعه فــيه، والله تعالى وتر لا يشفعه أحد بوجه من الوجوه، ولهذا قال عز من قال: )قل لله الشفاعة جميعاً( (9)) (10).
وتبدو أهمية هذه المسألة ومدى قيمتها، من خلال ما كتبه الإمام عبد العزيز الأول، حين تحدث عن حال أولئك المستشفعين بالموتى، ثم أشار إلى فائدة مهمة وهي أن الشفاعة ثابتة بالوصف، لا بالشخص .. يقول:
(وما حجتهم علينا إلا أن المدعو يكون شفيعاً ووسيلة، ونحن نقول: هؤلاء الداعون الهاتفون بذكره، المعتقدون في الأحياء الغائبين المدعوين، والأموات يطلبون كشف شدتهم، وتفريج كربتهم، وإبراء مريضهم وتكثير رزقهم.. لم يكفهم الاقتصار على مسألة الشفاعة والوسيلة، وهما من أعظم المخاصمة الجارية علينا مما قاتلنا وبدّعنا، وجعل اليهود والنصارى أخف شراً منا ومن أتباعنا.
وحقيقة قولنا أن الشفاعة وإن كانت حقاً في الآخرة فلها أنواع مذكورة في محلها، ووجب على كل مسلم الإيمان بشفاعته صلى الله عليه وسلم، بل وغيره من الشفعاء، فهي ثابتة بالوصف لا بالشخص، ماعدا الشفاعة العظمى فإنها لأهل الموقف عامة وليس منها ما يقصدون، فالوصف من مات لا يشرك بالله شيئاً كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل نبي دعوة مستجابة وأني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً) (1)) (2).
ويقرر الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب معتقدهم في مسألة الشفاعة فيقول:
(ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذا نثبتها لسائر الأنبياء، والملائكة، والأولياء، والأطفال حسب ما ورد أيضاً، ونسألها من المالك لها، والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد، بأن يقول أحدنا متضرعاً إلى الله تعالى: اللهم شفّع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة، أو اللهم شفّع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم. فلا يقال يا رسول الله، أو يا ولي الله، أسألك الشفاعة، أو غيرها كأدركني، أو أغثني، أو اشفعني، أو انصرني على عدوي، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى) (3).
ويبين الشيخ محمد بن ناصر بن معمر أن الشفاعة كلّها لله وحده، وأنها لا تكون إلا بشرطيها: الإذن للشافع أن يشفع، والرضا عن المشفوع له، فيقول رحمه الله:
(وبيان أن الشفاعة كلّها لله، ليس لأحد فيها شيء، وأنه لا شفاعة إلا بعد إذن الله تعالى، وأنه تعالى لا يأذن إلا لمن رضى قوله وعمله، وأنه لا يرضى إلا التوحيد، ومعلوم أن أعلى الخلق، وأفضلهم، وأكرمهم عند الله الرسل والملائكة المقرّبون، وهم عبيد محض لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدمون بين يديه ولا يفعلون شيئاً إلا بعد إذنه لهم وأمره، فيأذن سبحانه لمن يشاء أن يشفع فيه فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له تعالى، والذي شفع عنده إنما بإذنه له، وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته أن يرحم عبيده) (4).
ويسوق صاحب كتاب (التوضيح) شرط رضا الله عن المشفوع له، وشرط الإذن للشافع، مما يقضي وجوب التجرد، والتوجه لله وحده، فيقول:
(ومسألة الشفاعة لم ينفها الله سبحانه، لكن أخبر أنها لا تكون ولا تنفع إلا لمن أذن له، فالشفاعة بعد رضائه تعالى عن المشفوع فيه وهذا بخلاف الشفعاء للمخلوقين، فإنهم قد يشفعون لمن لم يؤذن لهم في الشفاعة وقبل استئذان المشفوع إليه، وهذا كقوله: )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه( (1).
وقوله: )وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى( (2)، وقال: )ولا يشفعون إلا لمن ارتضى( (3) وقال: )ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون( (4)، وهذا يوجـب انقطاع تعلق القلوب بغيره، ولو كان نبياً، أو ملكاً. فكيف بالمشايخ، والعلماء، والملوك. فإن غاية الراجي لهم المعتقد أن يقول هم يشفعون لي، فقد أخـبر سبحانه أنه ما من شفيع إلا من بعد إذنه، وأنكر أن يشفع أحد إلا بإذنه وأخبر أن الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن له) (5).
ويبيّن الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب مناسبة إيراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب لباب (الشفاعة) ضمن أبواب (كتاب التوحيد)، فيقول:
(لما كـان المشركون في قديم الزمان وحديـثه، إنما وقعوا في الشرك لتعلقهـم بأذيال الشفاعة. كما قال تعالى: ) ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( (6)، وكذلك قطع الله أطماع المشركين منها، وأخبر أنه شرك، ونزّه نفسه عنه، ونفى أن يكون للخلق من دونه ولي أو شفيع، كما قال تعالى:
) الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ( (7) أراد المصنف الشيخ الإمام في هذا الباب، إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك، وأن الشفاعة التي يظنها من دعا غير الله ليشفع له، كما يشفع الوزير عند الملك منتفية دنيا وأخرى، وأنها لله، هو الذي يأذن للشافع ابتداء، لا يشفع ابتداء كما يظنه أعداء الله ( (8).
ويرد الشيخ سليمان على دعوى الخصوم بأن طلب الشفاعة من الموتى ليست عبادة لهم، لأنه دعاهم للشفاعة فقط، فيقول رحمه الله:
(فإن قلت: إنما حكم سبحانه وتعالى بالشرك على من عبد الشفعاء، أما من دعاهم للشفاعة فقط، فهو لم يعبدهم، فلا يكون ذلك شركاً.
قيل: مجرد اتخاذ الشفعاء ملزوم للشرك، والشرك لازم له، كما أن الشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه وتعالى، والتنقص لازم له ضرورة شاء المشرك أم أبى. وعلى هذا فالسؤال باطل من أصله لا وجود له في الخارج، وإنما هو شيء قدره المشركين في أذهانهم، فإن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة، فإذا دعاهم للشفاعة، فقد عبدهم، وأشرك في عبادة الله شاء أم أبى) (1).
ويكشف الشيخ سليمان بن عبد الله عما يتضمنه اتخاذ الشفعاء من دون الله من التنقص لعظمة الإلهية، والهضم لحق الربوبية، وسوء الظن برب العالمين فيقول:
(إن المتخذ للشفعاء والأنداد، إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه من وزير أو ظهير، وهذا أعظم التنقص لمن هو غني من كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشفيع، وإما أن يظن أنه لا يعلم حتى يعلمه الشفيع، أو لا يرحم حتى يجعله الشفيع يرحم، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الشفيع أن يرفع حاجتهم إليه كما هو حال ملوك الدنيا.. وهذا أصل شرك الخلق، وكله تنقص للربوبية وهضم لحقها، ولهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه وتعالى أن ذلك شرك، ونزّه نفسه عنه فقال: ) ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله. قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ( (2)) (3).
ويجمل الشيخ سليمان بن عبد الله حقيقة أمر الشفاعة فيقول:
(وحقيقة أمر الشفاعة، أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود، فهذا هو حقيقة الشفاعة، لا كما يظن المشركون والجهال أن الشفاعة هي كون الشفيع يشفع ابتداء فيمن شاء، فيدخله الجنّة، وينجيه من النار. ولهذا يسألونها من الأموات وغيرهم إذا زاروهم..) (4).
ويتحدث الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن امتناع طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فيسوق الأدلة النقلية التي تثبت هذا المنع ثم أورد دليلاً عقلياً في منع ذلك فقال:
(وأما دليله من العقل، فالعقل الصريح يقضي، ويحكم بما يوافق النقل بأن النجاة والسعادة والفلاح وأسباب ذلك كله لا تحصل إلا بالتوجه إلى الله تعالى وحده، وإخلاص الدعاء، والالتجاء له؛ لأن الخير كله بيده، وأما المخلوق فليس في يده من هذا شيء كما قال تعالى: )ما يملكون من قطمير( (5) فتسوية المخلوق بالخالق خلاف العقل كما قال تعالى: ) أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ( (6) فالذي له الخلق، والأمر، والنعم كلها منه، وكل مخلوق فقير إليه لا يستغني عنه طرفة عين، هو الذي يستحق أن يدعى ويرجى ويرغب إليه ويرهب منه ) (7).
ويرد الشيخ عبد الرحمن بن حسن على من كذب وادعى فرية الإجماع على طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فيقول:
(الله أكبر ما أعظمها من فرية على الله، وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى السلف، وأئمة الدين. فانظر إلى هذه الجرأة العظيمة، جعل ما أجمع عليه الرسل، والكتب، والسلف، والمسلمون من تحريم دعاء غير الله، وتشديد النهي عنه، وعن اتخاذا الشفعاء، جعل ذلك المحرم أشد التحريم مجمعاً على جوازه..) (1).
ويوضح الشيخ عبد الرحمن بن حسن شناعة اتخاذ الشفعاء من دون الله، وما يتضمنه من الطامات.. فكان مما قاله:
(ولا ريب أن اتخاذ الشفعاء والتوجه إليهم بالقلب واللسان ينافي إسلام القلب والوجه لله وحده، وقد قال تعالى: ) وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع.. ( (2). أخبر تعالى أن النذارة بالقرآن لا ينتفع بها إلا من تخلى عن الشفعاء في دار العمل، وعلق رغبته، ورهبته وسؤاله وطلبه بمن له الملك وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله..) (3).
ويقول أيضاً: (ولا ريب أن الاستشفاع بالموتى يتضمن أنواعاً من العبادة: سؤال غير الله، وإنزال الحوائج به من دون الله، ورجائه، والرغبة إليه، والإقبال عليه بالقلب والوجه والجوارح واللسان .. وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله) (4).
ويظهر الشيخ عبد الرحمن بن حسن المراد بالاستشفاع بالمصطفى في حياته فيقول:
(وأما الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته فالمراد به استجلاب دعائه، وليس خاصاً به صلى الله عليه وسلم بل كل حي صالح يرجى أن يستجاب له، فلا بأس أن يطلب منه، وأن يدعو للسائل بالمطالب الخاصة والعامة..) (5).
ويفرّق الشيخ أبو بطين بين أن تطلب من الشافع أن يشفع، وبين أن تطلبه يقضي حوائجك، كما فرّق القرآن بينهما .. يقول أبو بطين:
(وقد فرق القرآن بينهما في قول صاحب يس ) ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغني عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون ( (6) فالإنقاذ هو بالنصرة والمظاهرة، والشفاعة بالجاه والمكانة) (7).
وينبّه الشيخ أبو بطين على ما يقع اللبس فيه، من إطلاق القول بأن الله ملّك المؤمنين الشفاعة، فيقول رحمه الله:
(إطلاق القول بأن الله ملّك المؤمنين الشفاعة، خطأ، بل الشفاعة كلّها لله وحده ) قل لله الشفاعة جميعاً( (8)، وأثبت سبحانه الشفاعة بإذنه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء يشفعون والصالحين يشفعون، وعلى هذا فمن أذن الله له في الشفاعة، يصح أن يقال أنه ملك ما أذن له فيه فقط، لا ما لم يؤذن له فيه، فهو تمليك معلق على الإذن والرضا لا تمليك مطلق كما يزعمه هذا الضال (1)، وسيد الشفعاء صلوات الله وسلامه عليه لا يشفع حتى يقال له ارفع رأسك، وقل يسمع واشفع تشفع..) (2).
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على هذا التنبيه، ويزيده بياناً ووضوحاً بقوله:
(وليس قولهم: أنه أعطى الشفاعة بمعنى ملكها وحازها كسائر العطايا والأملاك التي يعطاها البشر، وأيضاً فإن الله يعطي رسله وأولياءه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أفيقال أن الله أعطاهم ذلك، وملكهم إياه، فيطلب منهم ويرغب إليهم فيه؟ فإن كان ذلك مشروعاً وسائغاً، فالشفاعة قيدت بقيود لم تقيد بها هذه العطايا والمواهب السنية، وقد قال تعالى: ) قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ( (3)، وقد قال تعالى: ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( (4)، وقال تعالى: ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( (5)) (6).
ويقرر الشيخ عبد اللطيف مشابهة من طلب الشفاعة من الأولياء الموتى، بحال النصارى فيقول:
(ولو قال يا ولي الله اشفع لي، فإن نفس السؤال محرم، وطلب الشفاعة منهم يشبه قول النصارى، يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله. وقد أجمع المسلمون أن هذا شرك، وإذا سألهم معتقداً تأثيرهم من دونه فهو أكبر وأطم) (7).
ويتحدث الحازمي عن الشفاعة، فيؤكد على شرط الإذن للشافع أن يشفع فيقول:
(وأما الشفاعة فإن الله تعالى يقول: ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( (8) ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشفع يوم القيامة، حتى يأذن الله به بالشفاعة، ثم إن هؤلاء الذين اعتقدهم الخلق، ونصبوا على قبورهم الأعواد المنقوشة، ووضعوا في محلاتهم الفرش النفيسة، ونحروا عند قبورهم، لا يدري هل لهم شفاعة أم لا ؟ قال الله تعالى: ) أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون ( (9)، وقال تعالى في الملائكة الكرام: ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ( (10)، ولما قال صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت: ) وما نتنزل إلا بأمر ربك.. الآية () أخرجه البخاري، فإذا كان نزول جبريل عليه السلام لزيارة خير الأنام لا يكون إلا بأمر ذي الجلال والإكرام، فكيف يطلب منه شيء وبالأولى من ليس بأمين وحي رب العالمين) (1).
ويذكر الشيخ صالح الشثري ما وقع فيه المبتدعة من قلب الحقائق فكان مما ذكره:
(فإذا كنا على جنازة ميت، ندعوا له لا ندعوا به، ونشفع له لا نستشفع به، فبعد الدفن أولى وأحرى، فبدّل أهل الشرك والبدع قولاً غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له بدعاء نفسه، والشفاعة له بالاستشفاع به..) (2).
ومما ذكره السهسواني أثناء رده على دحلان قوله:
(وجملة القول أن طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم في حياته ثابت بلا شك، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهذا لا ينكره أحد) (3).
ويقول رحمه الله: (ثبوت الشفاعة، وحصول الإذن يوم القيامة مسلّم لا ينكره أحد من أهل السنة والجماعة، وأما حصول الإذن الآن بالشفاعة التي تكون يوم القيامة فثبوته غير مسلّم) (4).
ويشير الشيخ أحمد بن عيسى إلى أن صرف طلب الشفاعة إلى غير الله من الموتى ونحوهم شرك عظيم.. يقول رحمه الله:
(قد أخبر تعالى أن الشفاعة جميعها له، فمن طلبها من غير الله، فقد طلبها ممن لا يملكها، ولا يسمع ولا يستجيب، وفي غير الوقت الذي تقع فيه، ولا قدرة له عليها إلا برضا ممن هي له، وإذنه فيها وقبوله، فطلبها ممن هي له في دار العمل عبادة من جملة العبادات، وصرف ذلك الطلب لغيره شرك عظيم، ومن تدبر آيات الشفاعة حق التدبر، علم علماً يقينياً أنها لا تقع إلا لمن أخلص أعماله كلّها لله واتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده وشرائع دينه، فليس لله من عمل عبده إلا الإخلاص) (5).
ويوضح الشيخ ابن سحمان رحمه الله الحكم في الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول أثناء ردّه على الزهاوي:
(قوله ثم إن الوهابية عدوا الاستشفاع إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كفراً مع أن الإجماع منعقد على جوازه. فأقول إن كان أراد بالاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول القائل: اللهم إني أسألك بجاه محمد، أو بحقه، أو حرمته، فهذا القول بدعة محدثة محرمة ولا يكفر الوهابية أحداً بهذا، وإن أراد بالاستشفاع بالنبي بأن يدعوه ويستغيث به كأن يقول يا رسول الله أغثني، وأدركني، وأنا في حسبك، أو يسأله، أو يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، ويتوكل عليه، ويلجأ إليه في جميع مهماته .. فإن كان أراد هذا فقد ذكر في (الإقناع) من كتب الحنابلة أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً.
وأما دعوى انعقاد الإجماع على جوازه فدعوى مجردة اللهم إلا إجماع عبّاد القبور، وأولئك ليسوا من أهل الإسلام، فضلاً عن أن يجمعوا على الأحكام) (6).
ومما اتفق عليه علماء مكة وعلماء نجد في (البيان المفيد) ما نصّه:
(ونعتقد) أن الشفاعة ملك لله وحده ولا تكون إلا لمن أذن الله له ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى( (1) ولا يرضى الله إلا عمن اتبع رسله، فنطلبها من الله مالكها، فنقول اللهم شفع فينا نبيك مثلاً، ولا نقول: يا رسول الله اشفع لنا، فذلك لم يرد به كتاب، ولا سنّة ولا عمل سلف، ولا صدر ممن يوثق به من المسلمين، فنبرأ إلى الله أن نتخذ واسطة تقربنا إلى الله أو تشفع لنا عنده، فنكون ممن قال الله فيهم وقد أقروا بربوبيته، وأشركوا بعبادته ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( (2)) (3).
وقد ساق القصيمي الدلائل على بطلان الاستشفاع بالموتى، نختار منها قوله:
(المستشفعون بالموتى لابد أن يعتقدوا أنهم قد أعطوا من كمال السمع، والإحاطة بالغيب ما لم يكن لهم، وما لم يكن إلا لله وحده، ولابد أن يعتقدوا فيهم أيضا أنهم يعلمون الغيوب، ويحيطون علماً بالقريب والبعيد .. ولهذا يدعو النبي والولي في الوقت الواحد منهم الداعون الكثيرون المختلفون لغات، ولهجات، وحاجات، ثم لا يشكون أن ذلك النبي، أو الولي يسمع دعاءهم، واستشفاعهم. فإذا كان الاستشفاع بالموتى يلزمه نحلهم هذه الصفات التي لا يمكن أن تعدو رب العالمين، أو نحل بعضها فلا ريب في بطلان هذا الاستشفاع، وفساد عقائد القائلين به) (4). ثم يقول القصيمي:
(كما أن الله قد ذكر في كتابه إنكار شفاعات المشركين، ونعى عليهم أنواع استشفاعاتهم، فنفى شفاعاتهم جملة، ونعى عليهم استشفاعهم أيضاً جملة، وأخبر أن من جملة ضلال القوم، وفساد عقائدهم، ومن جملة شركهم بالله، واستحقاقهم النقمة والمقت، اتخاذهم الشفعاء إليه، وطلبهم الشفاعة من معبوديهم..)(5).
ويقول القصيمي أيضاً: (ولا يمكن أيضا أن يقال: أن هذا الاستشفاع المنكر على المشركين هو الاستشفاع المقرون باعتقاد صاحبه بأن ذلك المستشفع به المرجو للشفاعة قديم مع الله مساوٍ له في القدرة والسلطان، وذلك لأن المشركين كانوا مقرّين بأن الله وحده هو خالق الخلق وخالق العالم وخالق أصنامهم وشفعائهم وما يعبدون ويدعون من دون الله.
ولا يمكن أيضاً أن يحمل هذا الاستشفاع الذي يعتقد صاحبه أن من استشفع به يشفع بدون إذن الله، وبدون رضاه، بل يشفع قهراً وقسراً، لأن المشركين كانوا مقرّين بخضوع أصنامهم وخضوع كل شيء لله لا ينازعون في هذا ولا يمحالون، ولهذا يتخذون أصنامهم شفعاء لديه تعالى، ويقولون أنها تقربهم إلى الله زلفى، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ولا ريب أنه لابد أن يكون الشافع والمشفوع له خاضعين دائنين لسلطانه وقهره؛ لأنهم لو كانوا يعتقدون أن الأصنام مستقلة عن الله، قادرة على منح الخير، والفلاح، والسعادة من دون الله، وبدون إذنه ورضاه، لما احتاجوا إلى جعلهم شفعاء لديه سبحانه) (6).
فإذا كان الأمر كذلك، فإن هؤلاء المستشفعين بالموتى قد شابهوا المشركين الأولين في اتخاذهم الأصنام شفعاء، ووسائط تقربهم إلى الله زلفى.
ثم يتحدث عما يجره الاستشفاع بالموتى من المحرمات فكان مما قاله:
(إن تجويز الاستشفاع بالموتى يلزمه أنواع كثيرة من أنواع المحرمات المحظورة في الدين، وفي العقول، فإن الميت إذا استشفع به، وقصد للشفاعـة، فلابد أن يعكـف على قبره وأن يطاف به، وأن يستلم، ويقصد، ويحج من كل مكان ومما يدل على هذا التلازم الواقع والعادة..) (1).
ويرد القصيمي على دعوى العاملي بأن الله أعطى الصالحين الشفاعة، فلا مانع من سؤالهم ما أعطوا، فكان من ردوده أنه قال:
(قد أعطى الله الملائكة الشفاعة على ما ذكر في الآية، ولا يجوز طلبها منهم، ولا الاستشفاع بهم بالضرورة، بل لقد أعطى الجماد الشفاعة كما قال: أنه أعطاها الحجر الأسود، وأخبر أنه يشفع ويشفّع يوم القيامة. وهل يجرأ المخالف الرافضي أن يدعي أنه يجوز طلب الشفاعة من الجماد ومن الحجر الأسود، وأنه يجوز الاستشفاع به ؟ بل لقد جاء وصح أن القرآن يشفع، وأن الأطفال يشفعون لآبائهم وأقاربهم. فهل يزعم الرافضي أن الاستشفاع بالقرآن، والقرآن عندهم مخلوق، وبالأطفال جائز مطلوب ودين يتقرب إلى الله به ؟)(2).
ثم أورد جواباً أخر على دعوى العاملي السابقة، يقول القصيمي:
(ثم من ذا الذي قال بأن كل من أعطي شيئاً جاز طلبه منه ؟ وأي دليل على هذا القول إذا قيل ؟ وهل يجوز للناس جميعاً أن يسألوا الأغنياء الأموال والأشياء التي أعطاها الله إياها ؟ وهل يجوز لكل مسلم أن يسأل كل مخلوق ما أعطاه الله وما ملّكه إياه من أنواع الأموال والأعطيات بحجة أن الله أعطاه ذلك وبحجة أن لا مانع من سؤال الخلق ما أعطوا؛ لأن طلب الحق لا يكون باطلا) (3).
ونختم هذا الفصل بسؤال وجه إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ونص هذا السؤال: -
هل الوهابية ينكرون شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
فأجاب سماحته بما يلي: -
(لا يخفى على كل عاقل درس سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أنهم براء من هذا القول، لأن الأمام – رحمه الله – قد أثبت في مؤلفاته، لاسيما في كتابيه (التوحيد)، و (كشف الشبهات) شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة، ومن هنا يعلم أن الشيخ رحمه الله وأتباعه لا ينكرون شفاعته عليه الصلاة والسلام، وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين، بل يثبتونها كما أثبتها الله، ورسوله، ودرج ذلك سلفنا الصالح عملاً بالأدلة من الكتاب والسنة، وبهذا يتضح أن ما نقل عن الشيخ وأتباعه من إنكار شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من أبطل الباطل، ومن الصد عن سبيل الله والكذب على الدعاة إليه وإنما أنكر الشيخ – رحمه الله – وأتباعه طلبها من الأموات ونحوهم.. (4).
يظهر من خلال هذه النقول المتعددة ما كان عليه أئمة هذه الدعوة السلفية من الفهم العميق والمعتقد الصحيح لمسألة الشفاعة، وطلبها وشروطها، وما يتعلق بها..، ومن ثم استطاعوا أن يردوا شبهات الخصوم ودعاويهم بأقوى الأدلة وأوجزها.



يتبع لتفنيد باقى الشبه
  #8  
قديم 17-08-2010, 10:37 AM
الصورة الرمزية 10القعقاع
10القعقاع 10القعقاع غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 279
معدل تقييم المستوى: 15
10القعقاع is on a distinguished road
افتراضي

أخي في الله العابد لله ، جزاك الله كل خير على ردودك الطيبة وبارك الله فيك ، وإللي بيقول منتدى ثانوية أم وهّابية ، حسبُنا اللهُ ونعم الوكيل فيه ، الضَّال المُضلل ،والحق أن يقول : معتقد السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين وهو منهج أهل السُّنة والجماعة ، نسأل الله تعالى أن ينتقم من أمثال هؤلاء الذين يُريدون الفتنة والخراب ، واللهُ يقول : واللهُ يريدُ أن يتوب عليكم ويُريدُ الذين يتبعون الشهواتِ أن تميلوا ميلاً عظيماً سورة النساء
__________________
لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ المَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ

مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللهِ الصَّادِقِ الوَعْدِ الأمِين
" صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبه وسلم "

  #9  
قديم 17-08-2010, 10:48 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي الزيارة الشرعية لقبر النبى صلى الله عليه وسلم

الزيارة الشرعية لقبر النبى صلى الله عليه وسلم كما نص عليها أئمة الدين
أورد صاحب (التوضيح) الكثير مما يحدث عند القبور من الشركيات والبدع والمحدثات (3).
ثم يبيّن صاحب (التوضيح) الزيارة الشرعية لقبر نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول:
(فأما المشروع من زيارة قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو ما قاله الإمام مالك وأحمد بن حنبل والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم من المجتهدين كلّهم قالوا: إن من كان حاضراً في المدنية، فيشرع في حقّه أن يأتي إلى القبر، فيصلي، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضوان الله عليهما. قالوا: ولا يكثر من المجيء عليه، ولا يكرره في اليوم مرات احتراماً له، ولأنه لم يفعله الصحابة ولا التابعون، وأن من قدم من سفر، أو خرج إليه فيقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي، ويسلم عليه، وعلى صاحبيه بعد أن يصلي لله في المسجد ركعتين)(4).
ثم يتبعه ببيان الزيارة البدعيّة للقبر النبوي فيقول:
(وأما غير المشروع فهو قصده للدعاء واتخاذه عيداً بالاجتماع عنده، والسفر إليه، لما في (الصحيحين) وغيرها من المسانيد والسنن أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يتخذ قبره مسجداً وقال: (اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) بعد قوله: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد استهانة بأهلها، بل لما يخاف على القاصدين لها من الفتنة بدعائها، أو الدعاء عندها) (5).
ويبين صاحب (التوضيح) بطلان ما استدلوا به من أحاديث في مشروعية شد الرحال لزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وسائر القبور(1)، فيذكر أوجه البطلان فيها:
أحدهما: أن هذه الأحاديث كلها مكذوبة موضوعة باتفاق غالب أهل العلم، ولم يجعلها في درجة الضعيف إلا القليل.
الثاني: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا روي في ذلك شيء لأهل الصحيح، ولا السنن، ولا الأئمة المصنفين في المسانيد كالإمام أحمد وغيره.
الثالث: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيداً كما ثبت عنه من غير وجه رواه أبو داود من حديث أبي هريرة، ورواه سعيد بن منصور في سننه من حديث أبي سعيد المهري وغيرهما.
فكيف يقول لا تجعلوا قبري عيداً وصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم ثم يقول: من حجّ ولم يزرني فقد جفاني، أو يقول من زار قبري وجبت له شفاعتي، ونحوها من المختلقات، وكيف يسأل ربه لا يجعل قبره وثناً يعبد ثم يأمر بشد الرحال إليه، وأنه للدعاء عنده يقصد.
الرابع: أن متأخري الفقهاء القائلين بزيارة القبور من الشافعية، وغيرهم حتى ابن حجر الهيتمي صرح في الإمداد الذي شرح به الإرشاد كلّهم قالوا ينوي الزائر مع زيارته التقرب بالسفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وشد الرحل إليه، والصلاة فيه لتكون زيارة القبور تابعة له..) (2).
ويتحدث الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن حال عبّاد القبور فيقول: (فإن عبّاد القبور لا يقتصرون على بعض من يعتقدون فيه الضر والنفع، بل كل من ظنوا فيه ذلك بالغوا في مدحه، وأنزلوه منزلة الربوبية، وصرفوا له خالص العبودية، حتى أنهم إذا جاءهم رجل وادعى أنه رأى رؤيا مضمونها أنه دفن في المحل الفلاني رجل صالح، بادروا إلى المحل وبنوا عليه قبة وزخرفوها بأنواع الزخارف، وعبدوها بأنواع من العبادة، وأما القبور المعروفة أو المتوهمة فأفعالهم معها، وعدها لا يمكن حصره. فكثير منهم إذا رأوا القباب التي يقصدونها، كشفوا الرؤوس، فنزلوا عن الأكوار، فإذا أتوها طافوا بها، واستلموا أركانها، وتمسحوا بها، وصلّوا عندها ركعتين)(3).
ويجيب الشيخ عبد الرحمن بن حسن على من سأله عن حكم شد الرحال إلى المكانات المشرفة للأنبياء والأولياء، فيقول:
(فالجواب لا ريب أن هذا مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فإذا كان تبركاً للمحل المزور فهو من الشرك؛ لأنهم قصدوا بذلك تعظيم المزور كقصد النبي صلى الله عليه وسلم، أو الولي لتعود بركته بزعمهم. وهذه حال عبّاد الأصنام سواء كما فعله المشركون باللات، والعزى ومناة، فإنهم يقصدونها لحصول البركة بزيارتهم لها، وإتيانهم إليها..) (4).
ويوجز الشيخ عبد الرحمن بن حسن الجواب في مسألة شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
(إن بعض العلماء قد قال يجوز السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين، وهذا القول لصاحب (المغني)، وبعض المتأخرين من الحنابلة والشافعية، وهؤلاء يحتجون بقوله (فزوروها) وأما ما يحتج به بعض من لا يعرف الحديث من قوله (من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي) فهذا الحديث لا تقوم به حجة عند من له معرفة بعلل الحديث.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: والصحيح ما ذهب إليه المتقدمون كأبي عبد الله بن بطة، وأبي الوفاء بن عقيل، وطوائف من المتقدمين من أن هذا السفر منهي عنه لا تقصر فيه الصلاة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وحجتهم ما في (الصحيحين) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد). وهذا الحديث أتفق الأئمة على صحته والعمل به في الجملة. فلو نذر الرجل أن يصلي في مسجد، أو مشهد، أو يعتكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة، لم يجب عليه ذلك باتفاق العلماء ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أو المسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، كما نصَّ عليه، شيخ الإسلام..) (1).
ويعلق الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على ما يردده عبّاد القبور من قول: الدعاء عند قبر فلان ترياق مجرب، فيقول رحمه الله:
(وهذه العبارة وهي قولهم الدعاء عند قبر فلان ترياق مجرب، قد تنازعها عبّاد القبور والمتبركون بها، فمنهم من يدعي ذلك لقبر أبي حنيفة ومنهم من يدعيه لقبر معروف الكرخي، وعبّاد عبد القادر وأحمد البدوي والحسين عندهم ما هو أعظم من ذلك وأطم، وبعضهم يفضل الدعاء عندها على الدعاء في المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وبهذا وأمثاله عمرت المشاهد، وعطلـت المساجـد وبنيت القـباب، وأرخيت السـتور على التوابيت بمضاهاتها لبيت الله ) (2).
ولقد أفاض الشيخ عبد اللطيف في الحديث عن حال بلاد المسلمين قبيل ظهور دعوة الشيخ الإمام، وما كانت عليه تلك البلاد من الفتنة بالقبور، والغلو في المشاهد، وما عمّ فيها وطمّ من مظاهر الوثنية.. فكان مما قاله رحمه الله:
(وفي بندر جدة، ما قد بلغ من الضلال حدّه، وهو القبر الذي يزعمون أنه قبر حواء وصنعه لهم بعض الشياطين، وأكثروا في شأنه الإفك المبين، وجعلوا له السدنة والخدام وبالغوا في مخالفة ما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، من النهي عن تعظيم القبور، والفتنة بمن فيها من الصالحين والكرام، وكذلك مشهد العلوي بالغوا في تعظيمه، وتوقيره، وخوفه، ورجائه.
وكذلك الموصل، وبلاد الأكراد ظهر فيها من أصناف الشرك والفجور والفساد.. فعندهم المشهد الحسيني قد اتخذه الرافضة وثناً بل رباً مدبراً وخالقاً ميسراً، وأعادوا به المجوسية، وأحيوا به معاهد اللات والعزى، وما كان عليه أهل الجاهلية الأولى وكذلك مشهد العباس، ومشهد علي ومشهد أبي حنيفة ومعروف الكرخي والشيخ عبد القادر فإنهم قد افتتنوا بهذه المشاهد رافضتهم وسنتهم.
والرافضة يصلون لتلك المشاهد ويركعون ويسجدون لمن في تلك المعاهد، وقد صرفوا من الأموال والنذور لسكان تلك الأجداث والقبور ما لا يصرف عشر معشاره للملك العلي القدير ) (1).
وهذه البدع والشركيات قد أنكرها أهل العلم، وليس إنكار الشيخ الإمام بدعاً في هذا الأمر.. يقول الشيخ عبد اللطيف مبيناً ذلك:
(وهذه الحوادث المذكورة والكفريات المشهورة والبدع المزبورة قد أنكرها أهل العلم والإيمان، واشتد نكيرهم، حتى حكموا على فاعلها بخلع ربقة الإسلام والإيمان ولكن كان الغلبة للجهال والطغام انتقض عرى الدين وانثلمت أركانه.
فليس إنكار الحوادث من خصائص هذا الشيخ، بل له سلف صالح من أئمة العلم والهدى، قاموا بالنكير والرد على من ضل وغوى وصرف خالص العبادة إلى من تحت أطباق الثرى ..) (2).
ومن المناسب أن ننقل ما سطره المؤرخ الشهير ابن بشر رحمه الله عن بعض الأعمال التي قام بها الإمام سعود بن عبد العزيز في هذا المقام.
(ففي حوادث سنة 1216هـ حين توجه سعود بالجيوش إلى كربلاء، فهدم القبة الموضوعة على قبر الحسين) (3).
(وفي حوادث سنة 1217هـ حين دخل سعود مكة، وطاف وسعى، فرق جيوشه يهدمون القباب التي بنيت على القبور والمشاهد الشركية، وكان في مكة من هذا النوع شيء كثير في أسفلها، وأعلاها، ووسطها، وبيوتها).
ثم يقول ابن بشر:
(فأقام فيها أكثر من عشرين يوماً، ولبث المسلمون في تلك القباب بضعة عشر يوماً يهدمون، يباكرون إلى هدمها كل يوم، وللواحد الأحد يتقربون، حتى لم يبق في مكة شيء من تلك المشاهد، والقباب إلا أعدموها وجعلوها تراباً)(4).
ويصف الشيخ الشثري شد الرحال إلى المشاهد بأنه من محدثات الأمور.. فيقول:
(قد علم بالضرورة من دين الإسلام أن شد الرحال إلى المشاهد، وإلى قبور الأنبياء، والصالحين، لأجل تعظيمهم ليس من عمل المصطفى، ولا من عمل الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان، بل هو مبتدع محدث مردود على صاحبه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد(1)) (2).
ويفند السهسواني دعاوى دحلان، ويكشف الصواب في هذا المقام فيقول رحمه الله:
(قوله أي دحلان: - والزيارة شاملة للسفر، لأنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المزور كلفظ المجيء الذي نصت عليه الآية الكريمة) (3).
أقول: هب أن الزيارة مطلقة شاملة للسفر، ولكن قوله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) مقيد لذلك الإطلاق، على أن لفظ الزيارة مجمل كالصلاة والزكاة والربا. فإن كل زيارة قبر ليست قربة بالإجماع للقطع بأن الزيارة الشركية والبدعية غير جائزة، فلما زار النبي صلى الله عليه وسلم القبور وقع ذلك الفعل بياناً لمجمل الزيارة، ولا يثبت السفر من فعله صلى الله عليه وسلم، مع أن الخروج إلى مطلق المسجد أيضاً شامل للسفر وهو قربة..، فيكون السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة أيضاً قربة، والخصم أيضاً لا يقول به، وكذلك الصلاة والذكر شاملان لجميع الصلوات المبتدعة والأذكار المبتدعة، فلو سوغ الاستدلال بمثل تلك الإطلاقات، للزم جواز تلك الصلوات المبتدعة والأذكار المحدثة) (4).
ثم يرد السهسواني قول دحلان: (وقد صح خروجه صلى الله عليه وسلم لزيارة قبور أصحابه بالبقيع، وبأحد، فإذا ثبت مشروعية الانتقال لزيارة قبر غير قبره صلى الله عليه وسلم فقبره الشريف أولى).
فيقول السهسواني مجيباً: -
(أقول: الثابت بالحديث المذكور إنما هو مشروعية الانتقال الذي هو دون السفر للزيارة، ولم ينكر أحد، والانتقال الذي تنكر مشروعيته هو السفر، وهو ليس بثابت) (5).
ثم يبطل السهسواني قاعدة دحلان: أن وسيلة القربة المتوقف عليها قربة .. لكي يجوّز دحلان من خلالها شد الرحال لزيارة القبور .. فأبطلها السهسواني من عدة أوجه، نذكر منها ما يلي:
الأول: أن هذه القاعدة في أي كتاب من كتب الأصول والفقه ؟ وما الدليل عليها من الكتاب والسنة ؟ ولابد من نقل الإجماع عليها.
الثاني: أن هذه القاعدة منقوضة بأن إتيان مسجد قباء والصلاة فيه ركعتين قربة. لما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً ويصلي فيه ركعتين. مع أن السفر إلى قباء ليس بقربة، فإنه سفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال.
الثالث: أنا لا نسلم أن مطلق زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قربة، بل القربة هي الزيارة التي لا يقع فيها شد رحل بدليل حديث (لا تشد الرحال ).
الرابع: أنه لو سلم كون مطلق زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قربة، فلا نسلم كونها متوقفة على السفر للزيارة، لجواز أن يسافر لزيارة المسجد النبوي، أو أمر آخر من التجارة وغيرها.
الخامس: أنه لو سلمت هذه القاعدة فهي إنما هي وسيلة لم ينه الشرع عنها، والسفر للزيارة قد نهى الشارع عنه بدليل (لا تشد الرحال) (1).
(3) انظر : المرجع السابق، ص 216، 229.

(4) المرجع السابق، ص 241، وانظر : ص 242 245.

(5) المرجع السابق، ص 246.

(1) وقد ذكر صاحب (التوضيح) تلك الأحاديث، وقد سبق إيرادها نقلاً عن دحلان.

(2) (التوضيح عن توحيد الخلاق)، ص 251، 252 باختصار.
وانظر : باقي الأوجه ص 252، 253.

(3) (تيسير العزيز الحميد)، ص 221

(4) (مجموعة الرسائل والمسائل) 2/41 بتصرف يسير.

(1) المرجع السابق، ص2/51.
وانظر : جواباً أخر للشيخ عبد الرحمن بن حسن في نفس الكتاب 4/390، 393.

(2) (البراهين الإسلامية)، ق39.

(1) (مجموعة الرسائل والمسائل) 3/387 باختصار.

(2) المرجع السابق، 3/388، 389، باختصار.
وانظر : المرجع السابق 3/397، 450، وانظر : كتاب (مصباح الظلام)، ص 314.

(3) (عنوان المجد في تاريخ نجد) 1/257 بتصرف.

(4) المرجع السابق، 1/263.
وقد ذكر الجبرتي قريباً من ذلك.
انظر : كتاب (من أخبار الحجاز ونجد في تاريخ الجبرتي)، لمحمد غالب، إشراف دار اليمامة للبحث الرياض، سنة 1395هـ، ص11.

(1) رواه البخاري ومسلم.

(2) (تأييد الملك المنان)، ق4.

(3) أي قوله تعالى : ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ( {سورة النساء: آية 64}.

(4) (صيانة الإنسان)، ص76.

(5) المرجع السابق، ص77.

(1) المرجع السابق، ص 77 79 باختصار.
  #10  
قديم 17-08-2010, 10:56 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي وجه الشبه بين المشركين الأوائل وعباد القبور

وجه الشبه بين المشركين الأوائل وعباد القبور
(فإن قلت أن هؤلاء القبوريين يعتقدون أن الله تعالى هو الضار النافع، والخير والشر بيده وإنما استغاثوا بالأموات قصداً لإنجازه ما يطلبونه من الله عزّ وجل.
قلت: وهكذا كانت الجاهلية فإنهم يعلمون أن الله سبحانه هو الضار النافع، وأن الخير والشر بيده، وإنما عبدوا الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى كما حكاه الله عنهم في كتابه العزيز) (2).
ويورد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين هذا التقسيم، ويسوق بعض أقوال أهل العلم التي توضح ذلك التقسيم وتقرره، فيقول رحمه الله :
(وأما الإقرار بتوحيد الربوبية وهو أن الله سبحانه خالق كل شيء ومليكه ومدبره. فهذا يقر به المسلم والكافر ولا بد منه، لكن لا يصير الإنسان به مسلماً حتى يأتي بتوحيد الإلهية الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون، وبه يتميز المسلم من المشرك، وأهل الجنة من أهل النار، فقد أخبر سبحانه في مواضع من كتابه عن المشركين أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، ويحتج عليه سبحانه بإقرارهم بتوحيد الربوبية على إشراكهم في توحيد الألوهية.
قال سبحانه: ) قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار، ومن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ومن يدبر الأمر فسيقولون الله ( (3)الآية.
قال البكري الشافعي في تفسيره على هذه الآية: إذا قلت إذا أقروا بذلك فكيف عبدوا الأصنام ؟ قلت: كلهم كانوا يعتقدون بعبادتهم الأصنام عبادة الله، والتقرب إليه، لكن في طرق مختلفة، ففرقة قالت: ليس لنا أهلية عبادة الله بلا واسطة لعظمته، فعبدناها لتقربنا إليه زلفى. وفرقة قالت: الملائكة ذو وجاهة عند الله، اتخذناها أصناماً على هيئة الملائكة لتقربنا إلى الله زلفى، وقالت: جعلنا الأصنام قبلة لنا في العبادة كما أن الكعبة قبلة في عبادته. وفرقة اعتقدت أن لكل صنم شيطاناً متوكلاً بأمر الله، فمن عبد الصنم حق عبادته قضى الشيطان حوائجه بأمر الله، وإلا أصابه الشيطان بنكبة بأمر الله.
وقال ابن كثير عند قوله تعالى: ) والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ((4) إنما يحملهم على عبادتهم أنهم عبدوا الأصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم، فعبدوا تلك الصور تنزيلاً لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم، ورزقهم وما ينوبهم من أمر الدنيا.
وقال تعالى: ) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ( (5) قال ابن عباس وغيره: إذا سألتهم من خلق السموات والأرض قالوا الله، وهم يعبدون معه غيره. ففسروا الإيمان في هذه الآية بإقرارهم بتوحيد الربوبية، والشرك بعبادتهم غير الله وهو توحيد الألوهية) (6).
ويبين الشيخ الشثرى الفرق بين التوحيدين من خلال إقرار المشركين بتوحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، فيقول رحمه الله :
(توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، بل أقروا به، فلو أشرك أحد فيما يختص بالرب من ذلك، لكان شركاً في توحيد الربوبية لا يغفر، والرب سبحانه يأمر نبيّه في كتابه العزيز بأن يحتج على المشركين في شركهم في توحيد الألوهية بإقرارهم بتوحيد الربوبية. قال تعالى: ) قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار، ومن يخرج الحي من الميت، و يخرج الميت من الحي، ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون((1) وقال تعالى: ) هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى يؤفكون ( (2) وغيرها من الآيات التي ذكرها المؤلف ثم قال الشثرى:
(أتراهم مشركين في ربوبيته التي أقروا بهــا أم شركهـم في توحيد الإلهية بجعل معبوديهم وسائط بينهم وبين الله؟) (3).
ويقول أيضاً موضحاً شرك كفّار العرب الأولين -:
(فإذا عرفت أنهم لم يعتقدوا فيمن عبدوهم صفات الربوبية، وإنما جعلوهم وسائط بينهم وبين الله يحبونهم كحب الله، يدعونهم ويتذللون لهم، ويتضرعون إليهم لطلب الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، بزعمهم أن رتبتهم قصرت عن التأهل لسؤال رب الأرض والسماوات قال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار) (4)) (5).
ومما أورده السهسواني في الجواب على اعتراض دحلان، قوله رحمه الله: -
(لا مرية في أننا مأمورون باعتقاد أن الله وحده هو ربنا ليس لنا رب غيره، وباعتقاد أن الله وحده هو معبود ليس لنا معبود غيره، وأن لا نعبد إلا إياه، والأمر الأول هو الذي يقال له توحيد الربوبية، والأمر الثاني هو الذي يقال له توحيد الألوهية.)(6). ثم ذكر السهسواني الآيات الدالة على كلا الأمرين(7) إلى أن قال رحمه الله:
(ولا أظنك شاكاً في أن مفهوم الرب، ومفهوم الإله متغايران، وإن كان مصداقهما في نفس الأمر، وفي اعتقاد المسلمين الخالص واحداً. وذلك يقتضي تغاير مفهومي التوحيد، فيمكن أن يعتقد أحد من الضالين توحيد (الرب) ولا يعتقد توحيد الإله، وأن يشرك واحد من المبطلين في الإلهية، ولا يشرك في الربوبية، وإن كان هذا باطلاً في نفس الأمر، ألا ترى أن مصداق الرازق، ومالك السمع والأبصار، والمحي والمميت، ومدبر الأمر، ورب السموات السبع، ورب العرش العظيم، ومن بيده ملكوت كل شيء والخالق، ومسخر الشمس والقمر، ومنزل الماء من السماء، ومصداق الإله واحد ؟ ومع ذلك كان مشركو العرب يقرّون بتوحيد الرازق ومالك السمع والأبصار وغيرهما ويشركون في الألوهية والعبادة) (1).
ويكشف السهسواني عن تنبيه مفيد، وهو أن كون مصداق الرب عين مصداق الإله في نفس الأمر، وعند المسلمين المخلصين، لا يقتضي اتحاد مفهوم توحيد الربوبية والألوهية، ولا اتحاد مصداق الرب والإله عند المشركين..
يقول رحمه الله:
(فعبّاد القبور يقرون بتوحيد الرازق، والمحي والمميت، والخالق والمؤثر، والمدبر والرب، ومع ذلك يدعون غير الله من الأموات خوفاً وطمعاً، وي***ون لهم، ويطوفون لهم، ويحلقون لهم، ويخرجون من أموالهم جزءاً لهم، وكون مصداق الرب عين مصداق الإله في نفس الأمر، وعند المسلمين المخلصين، لا يقتضي اتحاد مفهوم توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، ولا اتحاد مصداق الرب والإله عند المشركين من الأمم الماضية، وهذه الأمة.
أما نعقل أن لفظ توحيد الربوبية، ولفظ توحيد الألوهية كلاهما مركبان إضافيان، والمضاف في كليهما كلي، وهذا غني عن البيان، وكذلك المضاف إليه في كليهما، فإن الربوبية والألوهية منتزعان من الرب والإله، وهم كليان. أما الرب فلأن معناه المالك والسيد والمتصرف للإصلاح والمصلح والمدبر، والمربي، والجابر، والقائم والمعبود، وكل واحد مما ذكر معنى كلي.
وأما الإله فلأن معناه المعبود بحق أو باطل، وهو معنى كلي، فالمنتزع منهما أيضاً يكون معنى كلياً، فتوحيد الربوبية اعتقاد أن الرب واحد سواء كان ذلك الرب عين الإله أو غيره، وتوحيد الألوهية اعتقاد أن الإله واحد سواء كان ذلك الإله عين الرب أو غيره.
وإذا تقرر هذا فنقول: يمكن أن يوجد في مادة توحيد الربوبية ولا يوجد توحيد الألوهية لمن يعتقد أن الرب واحد، ولا يعتقد أن الإله واحد، بل يعبد آلهة كثيرة. ويمكن أن يوجد في مادة توحيد الألوهية ولا يوجد توحيد الربوبية لمن يعتقد أن المستحق للعبادة واحد، ولا يعتقد وحدانية الرب، بل يقول أن الأرباب كثيرة متفرقة، ويمكن أن يجتمعا في مادة واحدة كمن يعتقد أن الرب والإله واحد، فثبت أن مفهوم توحيد الربوبية مغاير لمفهوم توحيد الألوهية. نعم توحيد الربوبية من حيث أن الرب مصداقه إنما هو تعالى لا غير يستلزم توحيد الألوهية من حيث أن الإله مصداقه إنما هو الله تعالى لا غير، لكن هاتين الحيثيتين زائدتان على نفس مفهومي التوحيدين، ثابتان بالبرهان العقلي والنقلي) (2).
ثم يقول السهسواني:
(على أنا لو قطعنا النظر عن بحث تغاير مفهومي التوحيدين، فمطلوبنا حاصل أيضاً، فإن توحيد الألوهية لا يتأتى إنكاره من أحد من المسلمين).
وهو كاف لإثبات إشراك عبّاد القبور، فإنهم إذا دعوا غير الله رغبة ورهبة، وطلبوا منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ونحروا لهم، ونذروا لهم، وطافوا لهم، وحلقوا لهم، وصنعوا غير ذلك من العبادات فقد عبدوا غير الله، واتخذوهم آلهة من دون الله) (3).
ثم يسوق السهسواني ما استدل به دحلان على اتحاد توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ويعقبه بالمناقشة والجواب، فلما ادعى دحلان أن قوله تعالى: (ألست بربكم قالوا بلى) (1)دليل على أن الله اكتفى من البشر بتوحيد الربوبية، لأنه لم يقل ألست بإلهكم، فكان جواب السهسواني على هذا الاستدلال بما يلي:
(إن غاية مايثبت من الآية أن الله تعالى لم يذكر في هذه الآية توحيد الألوهية، وهذا لا دلالة له بشيء من الدلالات على اتحادهما، فرب حكم يذكر في آية دون أخرى، وتوحيد الألوهية وإن لم يذكر في هذه الآية فهو مذكور في آيات أخرى، وتوجيه الاكتفاء بتوحيد الربوبية ليس منحصراً في أنهما لما كانا متحدين اكتفى بذكر أحدهما، بل هناك احتمالات أخر:
الأول: أن الإقرار بتوحيد الربوبية مع لحاظ قضية بديهية، وهي أن غير الرب لا يستحق العبادة يقتضي الإقرار بتوحيد الألوهية عند من له عقل سليم وفهم مستقيم، قال ابن كثير تحت قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار) (2) الآية، يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانية ربوبيته على وحدانية ألوهيته.
الاحتمال الثاني: أن في الآية اختصاراً والمقصود: ألست بربكم وإلهكم ؟ يدل عليه أثر ابن عباس: إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وتكفل لهم بالأرزاق.. الحديث.
الاحتمال الثالث: أن المراد بالرب المعبود، قال القرطبي: الرب المعبود، وعن عكرمة في تفسير قوله تعالى: (ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (3)، قال يسجد بعضنا لبعض، كذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره وغيره، وقال الله تعالى في سورة التوبة: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) (4) فالمراد بالأرباب في تلك الآية هم المعبودون(5).
ويرد الشيخ ابن سحمان دعاوى الحداد في اعتراضه على ذلك التقسيم، فيقول رحمه الله:
(وأما قوله أي الحداد : فيا عجباً هل للكافر توحيد صحيح؟ فإنه لو كان توحيده صحيحاً لأخرجه من النار الخ.
والجواب: لم يقل الشيخ أن للكافر المشرك توحيداً صحيحاً، ولكن أخبر أن مشركي العرب كانوا مقرّين بأن الله وحدة خالق كل شيء، وكانوا مع هذا مشركين، قال تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (6)، قال طائفة من السَّلف: تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله وهم مع ذلك يعبدون غيره، فإيمانهم هو إقرارهم بتوحيد الربوبية، وهذا الإيمان بتوحيد الربوبية لا يدخلهم في الإسلام وهم يعبدون غير الله، أي يشركون به في توحيد الألوهية) (1).
ويؤكد عبد الكريم بن فخر الدين على ضرورة التفريق بين نوعي التوحيد، فيقول:
(أقول قال الله سبحانه: (قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون)(2) وقال عزَّ من قائل: (وإذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون(3) الآية، فتبيّن لك أن المشركين من العرب الأول كانوا يقرون بربوبية الله تعالى، وينكرون وحدانيته تعالى في الألوهية أي العبودية، ويقولون إنكاراً منهم (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب)(4) الآية .. فلأجل ذلك تنوع التوحيد بنوعين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، فإنكار هذا إنكار الحس) (5).
وقد أجاب القصيمي على دعاوى الدجوي، وتتبعها بالرد والنقاش، ثم أعقبها بالبراهين الدالة على خلاف تلك الدعوى ..
فلما زعم الدجوي أن المشركين كانوا ينكرون وجود الله مستدلاً بما فهمه من الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن)(6). فأجاب القصيمي على هذا الاستدلال بعدة أوجه نذكر منها:
(الأول: ليس في الآية الكريمة إنكار للرحمن، وإنما فيها استفهام عنه (بما) التي يسأل بها حقيقة الشيء، والمصدق بوجود الأمر يسأل عنه، لا خلاف بين اللغويين في ذلك فهم يقولون: ما الروح؟ كما قال تعالى: (ويسألونك عن الروح)(7) وهم يؤمنون بها .. فالسؤال عن الأمر ليس إنكاراً له.
الثاني: نقول هب ذلك جحوداً، ولكن هل هو جحود لذاته تعالى؟ أم جحود لتسميته بالرحمن؟ هو لم يدلل على ما قال، وقد سمع العربي لفظ عقار وخندريس وكميت، من أسماء الخمر، فيقول ما العقار وما الخندريس وما الكميت؟ وهو مؤمن بها، وقد يكون شربها، ولكن يجحد تسميتها بهذا الاسم، أو يجهلها، فالاسم غير المسمى، والمدلول غير الدال.
الثالث: في خبر صلح الحديبية لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو نائب المشركين في الصلح: أما الرحمن فلا نعرفه، ولكن أكتب باسمك اللهم، فقول سهيل: لا نعرف الرحمن، ولكن أكتب باسمك اللهم. يدل على أمرين، على أنهم مؤمنون بالله، وأنهم يستعينون به في أمورهم، وعلى أن الذي ينكرونه هو وصفه بالرحمن، ولو كانوا ينكرون ذاته لعارض باسم اللهم، ولأنكر لفظ الجلالة، ولفظ الرحيم المذكورين فهذا يفسر الآية، ويوضح قولهم (وما الرحمن).
الرابع: المفسرون قاطبة يفسرون الآية بإنكار المشركين لهذا الاسم لا لذاته، وقد أجمعوا على هذا التفسير.
الخامس: هذه الآية على فهمهم مخالفة لتسمية العرب مشركين بالله والناس قاطبة يقولون أنهم مشركون بالله، فلو كان جاحديه لما كانوا مشركين به، فتسميتهم مشركين بالله يدل على أنهم مؤمنون بوجوده، ولكن عبدوا معه غيره)(1).
وقد ذكر القصيمي أجوبة أخرى .. فنكتفي بما ذكرناه (2).
ثم رد القصيمي مقالة الدجوي بأن الرسول لم يذكر الفرق بين التوحيدين فقال القصيمي:
(نقول: إما أن يريد أنهم لم يذكروه باللفظ المذكور، وإما أن يريد أنهم لم يذكروه ولا بالمعنى، ولم يفهموا من دخل في الدين أن هناك توحيدين، إن أراد الأول فلا يضرنا ولا ينفعنا ..، وإن أراد الثاني نازعناه، وقلنا إنك لم تقم دليلاً عليه، بل نقول أن الرسول وأصحابه أعلموا الداخلين في الدين أن هناك توحيد ألوهية وربوبية بقولهم لهم قولوا لا إله إلا الله، ولا تعبدوا إلا الله ولا تدعوا إلا إياه، مع قولهم لا خالق ولا رازق إلا الله، وهؤلاء يريدون أن يكون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقول: ينقسم التوحيد إلى قسمين..) (3).
ثم ذكر القصيمي البراهين على الفرق بين توحيد الألوهية، والربوبية فكان مما قاله:
البرهان الأول: فرّقت كتب اللغة والتفسير بين معنى كلمة الإله، وبين معنى كلمة الرب، فإله بمعنى المعبود، والرب بمعنى المالك للشيء وصاحبه.
البرهان الثاني: قال تعالى: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس) (4) ذكر الرب ثم المالك ثم الإله، فلو كان الرب والإله شيئاً واحداً. لكان في الآية تكرار ينبو بها عن حدّ البلاغة.
البرهان الثالث: باتفاق أهل اللغة أن إلهاً بمعنى مألوه ككتاب أي مكتوب، وأن رباً بمعنى راب أي اسم فاعل، لأنه يقال رب الناس أي ملكهم، فلا يصح تفسير اسم الفاعل باسم المفعول.
البرهان الرابع: أخبر القرآن أن الكفّار كان يسمون أصنامهم آلهة قالوا: (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك)(5) ولم يخبر في آية أنهم قالوا لها أرباباً، فلو كان لا فرق بين اللفظين لسموها أرباباً كما سموها آلهة.
البرهان الخامس: الذي يحقن دم المشرك أن ينطلق بكلمة الإخلاص على ألا يأتي بما ينقضها وهذه الكلمة التي تحقن الدم هي لا إله إلا الله باتفاق المسلمين. ولا يعصمه أن يقول لا خالق إلا الله بإجماع المذاهب، ولو كان معنى الإله والرب واحداً لما عصم دمه أحد اللفظين دون الآخر) (6).
وهكذا يظهر عبر تلك النقول لأئمة الدعوة وأنصارها أن تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، والتفريق بينهما، أن ذلك تقسيم وتفريق تثبته الأدلة وتقرّره النصوص، ويشهد له أئمة العلم والهدى. فليس تقسيماً مبتدعاً كما ادعاه أولئك الناس استحدثه ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب، بل الصواب والحق في هذا التقسيم والتفريق، والزيغ والضلال في الإعراض عنه، والاعتراض عليه، ومن ثم ظهر ما كان عليه الخصوم من الجهل بحقيقة التوحيد، وقصر التوحيد على توحيد الربوبية، حتى ظنّوا أن مشركي العرب قد أنكروا توحيد الربوبية، الذي يعتبرونه هؤلاء الخصوم غاية التوحيد.
ومن المناسب في نهاية هذا الفصل أن نذكر ماكتبه حسين بن مهدي النعمي رحمه الله حول إقرار مشركي العرب بتوحيد الربوبية، دون الإقرار بتوحيد العبادة يقول:
(ولقد تتبعنا في كتاب الله فصول تراكيبه، وأصول أساليبه، فلم نجده تعالى حكى عن المشركين أن عقيدتهم في آلهتهم وشركائهم التي عبدوها من دونه، أنها تخلق، وترزق، وتحي، وتميت، وتنزل من السماء ماء، وتخرج الحي من الميت، والميت من الحي .. بل إذا ضاق عليهم الأمر واشتدت بهم الكرب، فزعوا إلى الله وحده، فإذا سئلوا عن حقيقة دينهم هل هو شرك في الربوبية ؟ دانوا وأذعنوا للرب وحده بالاختصاص بكل ذلك والإنفراد، وهذا واضح لمن ألقى السمع للقرآن فيما حكى عنهم بقوله: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون، قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله قل أفلا تتقون ..) (1)الآيات.
فهذا شرك القوم واتخاذهم الآلهة الذي كان سبباً أن سجّل عليهم ربهم القاهر فوق عباده بالشرك والغي والضلال والكفر والظلم والجهلة) (2).
ويقول النعمي في موضع آخر:
(ومن أمعن النظر في آيات الكتاب وما قصَّ من محاورات الرسل مع أممهم وجد أن أسّ الشأن، ومحط رحال القصد شيوعاً، وكثرةً وانتشاراً وشهرةً، هو دعاء الله وحده، وإخلاص العبادة له، وأن الغافلين كانوا بنقيض هذه الصفة من دون أن يضيفوا لما عبدوا شيئاً من صفات الربوبية كخلق ورزق وغيرهما، أو يجعلوا لها من ذواتها وصفاتها مقتضياً وملزماً للعبادة، بل أعربوا عن اتخاذها آلهة لتقريبهم إلى الله وشفاعتها عنده ) (3).
(3) سورة يونس : آية 31.

(4) سورة الزمر : آية 3.

(5) سورة يوسف : آية 106.

(6) (الانتصار)، ص 8، 9.

(1) سورة يونس : آية 31.

(2) سورة يونس : آية 34.

(3) (تأييد الملك المنان)، ق24، 25.

(4) سورة الزمر : آية 3.

(5) (تأييد الملك المنان) ق 26.

(6) (صيانة الإنسان) ص 444.

(7) انظر : المرجع السابق، ص 444 446.

(1) المرجع السابق، ص446، 447.

(2) المرجع السابق، ص447 449.

(3) المرجع السابق، ص449.

(1) سورة الأعراف : آية 172.

(2) سورة يونس : آية 31.

(3) سورة آل عمران : آية 64.

(4) سورة التوبة : آية 31.

(5) (صيانة الإنسان)، ص 450 454 باختصار.
وما كتبه السهسواني في الاحتمال الثالث، هو قريب مما كتبه الشيخ الإمام حول اجتماع التوحيدين، وافتراقهما، فإن كلمة (الرب) وكلمة (الإله) إذا اجتمعتا افترقتا، وإذا افترقتا اجتمعتا، كما بينه الشيخ الإمام بالأدلة والبراهين، مما ذكرناه سابقاً.

(6) سورة يوسف : آية 106.

(1) (الأسنة الحداد)، ص 117.
وانظر : ما كتبه ابن سحمان في الفرق بين التوحيدين في كتابه (الصواعق المرسلة الشهابية) ص 141.

(2) سورة المؤمنون : آية 86.

(3) سورة الصافات : آية 35.

(4) سورة ص : آية 5.

(5) (الحق المبين)، ص36.

(6) سورة الفرقان : آية 60.

(7) سورة الإسراء : آية 85.

(1) (الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم)، ص 23 25.

(2) انظر : المرجع السابق، ص25 40.
ثم ذكر القصيمي البراهين الدالة على أن المشركين الأوائل مؤمنون بأن الله خالق كل شيء ص 40 55.

(3) المرجع السابق ص59، باختصار، انظر : الرد مفصلاً ص58 67.

(4) سورة الناس : آية 1-3.

(5) سورة هود : آية 53.

(6) (الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم)، ص67 71. بتصرف يسير.
وانظر : بقية البراهين ص67 72، ومجموعها سبعة عشر برهاناً.

(1) سورة المؤمنون : آيات 84 87.

(2) (معارج الألباب) ص 202، 204 باختصار.

(3) المرجع السابق، ص 214.
  #11  
قديم 17-08-2010, 11:06 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي

إنكار دعاء الموتى
ساق خصوم الدعوة السلفية اعتراضاً ثالثاً على دعوة الشيخ الإمام، فذكروا أن الشيخ الإمام ينكر دعاء الموتى، وينكر الاستغاثة بهم، بل ويكفّر من دعا الأموات واستغاث بهم.
وقبل أن نورد هذا الاعتراض بشيء من البيان والتوضيح، وما تضمنه من استدلالات الخصوم في جواز دعاء الموتى والاستغاثة بهم، فإن من المناسب أن نذكّر بأن هذا الفصل يتداخل مع فصل تحريم التوسل، فهناك علاقة وارتباط بينهما، حيث أن مسألة الدعاء والاستغاثة تتصل بمسألة التوسل كما هو ظاهر في فصل تحريم التوسل - .
ولذا فإن بعض المسائل والأفكار التي سبق ذكرها هناك في فصل تحريم التوسل ولها صلة بهذا الفصل، فإننا هاهنا نسوقها بإيجاز وإجمال، لكي يكتمل عرض أفكار هذا الفصل بصورة شمولية، وقد نضيف إليه ما يزيده بياناً ووضوحاً.
وأفردت مسألة دعاء الموتى بهذا الفصل، نظراً لأهمية عبادة الدعاء ووجوب صرفها لله وحده، فالدعاء كما هو معلوم من أفضل الطاعات وآكد العبادات، وأعظمها شأناً، وأعلاها قدراً، وقد دلّ على هذا الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في هذا المقام-:
(الدعاء عبادة من أجل العبادات، بل هو أكرمها على الله .. فإن لم يكن الإشراك فيه شركاً، فليس في الأرض شرك، وإن كان في الأرض شرك، فالشرك في الدعاء أولى أن يكون شركاً من الإشراك في غيره من أنواع العبادة، بل الإشراك في الدعاء هو أكبر شرك المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم يدعون الأنبياء والصالحين والملائكة ليشفعوا لهم عند الله، ولهذا يخلصون في الشدائد لله، وينسون ما يشركون(3).
ومع أهمية هذه العبادة ووجوب صرفها لله وحده وإخلاص الدعاء له سبحانه في السراء والضراء، حيث أن تجريد الدعاء لله وحده إيمان وتوحيد، ودعاء غيره مهما كان كفر وإشراك، ومع كل ذلك، فإن الكثير قد اتخذوا من الموتى ملجأ وملاذاً يلوذون بهم، فيسألونهم تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، وربما زادوا على ذلك فسألوهم دخول الجنان، والنجاة من النيران.
ولم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزوا ذلك، فأنكروا على من أخلص الدعاء لله وحده، واعترضوا عليه وخالفوه، كما فعل أولئك الخصوم مع أتباع هذه الدعوة السلفية.
ومما يجدر ذكره أن الخصوم قد يعترضون على الشيخ الإمام في إنكاره دعاء الموتى والاستغاثة بهم، ولكن لا يسمونه دعاء، فقد يسمونه توسلاً أحياناً وربما أطلقوا عليه استمداداً، وربما جعلوه تشفعاً، وربما زينوا دعاء الموتى وصيّروه نداء لا دعاء، وكل ذلك يفعله أولئك الخصوم لكي يزينـوا للعوام ذلك الشرك بأسماء لا ينفرون منها ...
وقصدهم ومرادهم من تلك الأسماء هو سؤال الموتى، وطلب الحاجات منهم، وطلب حصول الغوث منهم، وسؤال المدد، وشفاء المرض وغيره من الأمور التي لا تسأل ولا تطلب إلا من الله وحده.
ويورد الخصوم اعتراضهم على إنكار دعاء الموتى، فيستغربون ويستنكرون المنع من سؤال الموتى والاستغاثة بهم، ثم يوردون ما عندهم من الاستدلالات في إثبات وتجويز دعاء الأموات فيدعون أن سؤال الموتى ودعائهم جائز، كما جاز سؤال الأحياء وطلب عونهم، ووجه المساواة بين الموتى والأحياء هو أن الأموات كالأحياء في الحياة. فلهم حياة برزخية يدركون فيها ويشعرون، ويتصرفون كالأحياء، وأيضاً فالأموات مثل الأحياء في السؤال وطلب الحاجات؛ لأن من سأل ودعا ميتاً معتقداً أن الله هو المؤثر والفاعل، فهذا جائز، مثل سؤال الأحياء، فلا فرق بين الأحياء والأموات، لأن الفاعل حقيقة هو الله، ويدعي أولئك الخصوم أن سؤال الموتى ليس دعاء لهم، بل هو نداء كنداء الغائب، وليس كل نداء دعاء، فيجوز نداء الموتى ما دام أن الذي يناديهم لا يعتقد التأثير لهم، يجعل الله هو المؤثر وحده.
وبهذا يظهر ما تضمنه اعتراض الخصوم في هذا الفصل إجمالاً، وسنذكره الآن بشيء من التفصيل مدعماً بأقوال الخصوم من خلال كتبهم:
يقول القباني معترضاً.
(وأما ما ادعاه بأن الاستغاثة هي عبادة لغير الله تعالى، وأنها شرك أكبر من شرك الكفّار، فلم يقم على ذلك الدليل والبرهان..)(1).
ويجوّز القباني الاستغاثة بغير الله فيقول:
(جواز التوسل والتشفع والاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبغيره من الأنبياء والأولياء)(2).
ويدعي القباني أن منع الاستغاثة بالأموات قول محدث فيقول:
(قد قلدت ابن تيمية في عدم جواز التشفع والاستغاثة بمخلوق ميت أو غائب)(3).
ويؤكد الحداد جواز الاستغاثة بالأنبياء، والمرسلين وبالعلماء الصالحين بعد موتهم ويعلل ذلك بقوله:
(لأن معجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم، أما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبورهم يأكلون، ويشربون، ويصلون، ويحجون بل وينكحون كما وردت بذلك الأخبار.
والشهداء أيضاً أحياء عند ربهم شوهدوا نهاراً، وجهاراً يقاتلون الكفّار في العالم المحسوس في الحياة وبعد الممات)(4).
ويدعي الحداد أن إنكار الاستغاثة بالأموات من هفوات الشيخ الإمام، فيقول:
(ومن هفوات النجدي إنكار التوسل والاستغاثة والمناداة بأسمائهم أي الأموات ..) (5).
ثم يقول محتجاً: (.. كيف ساغ له أن ينكر على الأكابر، بل يسميهم مشركين لما استغاثوا بالأموات) (6).
ويسوق محسن بن عبد الكريم أقوال أسلافه ممن عارض هذه الدعوة، فأنكروا أن يوجد الشرك في دعاء غير الله، فيقول:
(وألزمهم أي ألزم يوسف بن إبراهيم الأمير الوهابيين أن الشرك في الدعاء ليس بشرك أكبر، فلا يخرج به فاعله من دائرة الإسلام بعد تحقق دخوله فيه، وعرفهم أن للدعاء في الآيات والحديث التي تمسكوا بها معنى غير النداء لطلب الحاجات)(7).
ويقول محسن: (وأما المولى عبد الله بن عيسى في كتابه (السيف الهندي) فإنه لم يساعدهم من أول الأمر على تسمية دعاء الأولياء والتوسل بهم معصية فضلاً عن أن يكون شركاً أصغر. فكيف يكون شركاً أكبر مخرجاً عن الإسلام)(1).
ويدعي ابن جرجيس أن الواقع لمنع الوهابيين من الاستغاثة بالأنبياء والأولياء بعد موتهم هو عدم إيمانهم بالحياة البرزخية (2)، وابن جرجيس بدعواه تلك قد افترى عليهم بهتاناً عظيماً
ويدعي ابن جرجيس أن حياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم حياة حقيقية، ويجعل باباً في سماع الموتى يقول فيه:
(ولما كان الميت لا يردّ رداً متعارفاً ،بل رداً نؤمن به ولا نسمعه غالباًلم يحصل حقيقة التكلم .. لا لأن الميت لا يسمع. وهذا ظاهر) (3).
ويقول أيضاً: (وكان بعض من يدعي العلم في زعمه، يقول كيف يعلم الأنبياء والأولياء، بمن يستشفع بهم ويناديهم، فقلت لهم هم مكشوف لهم في الدنيا، وهم على ما هم عليه بعد موتهم) (4).
ويدعي ابن جرجيس أن الأولياء حياتهم حقيقية، فلا مانع من الطلب منهم فلا إثم في ذلك، مادام أن الطالب منهم يعتقد أن الفعل لله وحده، ثم يزيد في كذبه وافترائه، ويدعي إجماع العلماء على جواز الطلب من الموتى.
يقول ابن جرجيس:
(إن الأنبياء والأولياء المنقولين بسيف المجاهدة لله كالشهداء الوارد فيهم النص القرآني في حياتهم الحقيقة. كيف يستغرب طلب التسبب منهم والتشفع .. فهل إذا عامل أحد هؤلاء الذين هذا حالهم معاملة الأحياء يلام على ذلك. أو يعاب، أو يؤثم .. مع اعتقاده أن الفعل لله وحده خلقاً وإيجاداً لا شريك له، وأنه يكون من أهل القبور من الأنبياء والأولياء تسبباً وكسباً) (5).
ثم يقول: (فالأحاديث الواردة في الطلب من الموتى، وأجمع عليها العلماء مبني أمرها على هذا الأصل ..)(6).
ويجوّز ابن داود الهمداني الاستغاثة بالموتى، ويعلل ذلك أن المستغيث بهم يعتقد أن المتصرف في الأمور هو الله، وأنه وحده يملك الضر والنفع، ولكن مع ذلك يوجه الخطاب والطلب إلى المقرب. فالطلب في الحقيقة منه تعالى لا من سواه، وإن كان في الظاهر متوجهاً إلى غيره (7).
ويجوّز ابن داود الاستغاثة بالموتى؛ لأنه لا فرق بين الأحياء والأموات فيقول:
(فإنه لا فرق بين الميت والحي، إلا أن الروح مفارق عن البدن العنصري في الميت وحالّ في الحي، ومتعلق التعظيم، والاستغاثة والمخاطبة والاستجارة ونحوها إنما هو الروح وليس للبدن) (1).
ويدعي دحلان كذلك عدم الفرق بين الأحياء والأموات؛ لأنهم لا يخلقون شيئاً، والمؤثر والخالق هو الله وحده .. كما أن المستغاث به حقيقة هو الله، وأما النبي أو الولي فهو واسطة بينه وبين المستغيث، فالغوث من الله خلقاً وإيجاداً، والغوث من المخلوق تكسباً وتسبباً .. (2).
ويرد دحلان على من جعل دعاء غير الله شركاً، ويسمي دحلان هذا الدعاء نداء، فيقول:
(وشبهتهم التي يتمسكون بها أنهم يزعمون أن النداء دعاء، وكل دعاء عبادة، بل الدعاء مخ العبادة.
وحاصل الرد عليهم أن النداء قد يسمى دعاء في قوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً}(3) لكنه لا يسمى عبادة، فليس كل دعاء عبادة، ولو كان كل نداء دعاء وكل دعاء عبادة، لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات، فيكون كل نداء ممنوعاً مطلقاً سواء كان للأحياء والأموات، أم للحيوانات والجمادات. وليس الأمر كذلك، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقد ألوهيته، واستحقاقه للعبادة فيخضعون بين يديه، فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله تعالى، أو اعتقاد التأثير لغير الله تعالى، وأما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته وتأثيره، فإنه ليس عبادة ولو كان ميتاً أو غائباً) (4).
ويورد السمنودي إنكار أئمة الدعوة السلفية الاستغاثة بالموتى في مقام الاعتراض والمخالفة، فيقول عنهم:
(أنكروا جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذا بغيره من الأنبياء والصالحين والأولياء. بل تجاوزوا الحد فزعموا أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذا بغيره ممن ذكروا شرك أكبر..) (5).
ويقرر السمنودي أن حياة الموتى في قبورهم حياة حقيقية، فبعد أن ساق حديث حمل الجنازة والإسراع بها، وأنها إن كانت صالحة قالت قدموني .. الحديث قال السمنودي بعد إيراد هذا الحديث:
(فهذا يدل على أن الميت يتكلم حقيقة بلسان المقال بحروف وأصواتاً يخلقها الله تعالى فيه، وأسند الفعل إلى الجنازة وأراد الميت) (6).
ويجوّز الطباطبائي الاستغاثة بالموتى، وأنها ليست بشرك فيقول:
(وأما عدم كون التوسل بالميت إلى الله شركاً، فلأنه نظير التوسع بالحي وسؤاله قضاء الحوائج بواسطة دعائه من الله تعالى، فكما أنه ليس من الشرك، كذلك التوسل بالميت، فيجعل أحد التوسلين كالآخر، بجامع السؤال من المخلوق، إذ لا وجه لتوهم كونه شركاً، إلا كونه دعاء لغير الله تعالى، فإذا جاز بالنسبة إلى الأحياء جاز مطلقاً.. وذلك لوقوع نداء المخلوق والدعاء، والالتماس له في الكتاب لقوله سبحانه { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه}(1) وسؤال قوم موسى منه الاستسقاء، وقال سبحانه حكاية عن يوسف (اذكرني عند ربك) (2). فلو جازت هذه الأسئلة ولم تكن شركاً جاز سؤال الأنبياء والأولياء عند الوقوف على قبورهم، أو من مكان بعيد إجابة للمضطر)(3).
ويدعي الطباطبائي عدم التفريق بين الحي وبين الميت؛ لأن للميت من الإدراك والشعور مثل ماله حال الحياة، بل يدعي أن الميت يزيد على الحي في الإدراك، وأن الكتاب، والسنّة والإجماع قد دلّ على ذلك (4).
ويزعم الطباطبائي أن الأنبياء قد استعانوا بغير الله فيقول:
(فالأنبياء مع أنهم معصومون، استعانوا بغير الله تعالى، حتى نزل في حق محمد صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)(5) فكيف تنكر الوهابية جواز الاستمداد بالمخلوق) (6).
ويذكر الطباطبائي مقالة الوهابيين في شأن دعاء غير الله، ثم يردها.. فيقول:
(وثالثها قول الوهابية: أن الدعاء مخ العبادة، والعبادة لا تجوز لغير الله تعالى، لأنها شرك.
والجواب عنه: المنع عن أن مطلق الدعاء عبادة فضلاً عن أين يكون روح العبادة، وإنما الدعاء من الدعوة، ومنها قوله تعالى: (ندع أبناءنا) (7) وذكر الطباطبائي آيات أخرى، إلى أن قال -: فإن المراد من الدعاء فيها النداء، وليس كل نداء دعاء، وكل دعاء عبادة، بل ولا دعاء الله عبادة لمحض ندائه ومجرد خطابه..) (8).
وعقد النبهاني في كتابه (شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق) باباً يتكون من أربعة فصول لتقرير مشروعية الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والأولياء أحياءً وأمواتاً (9).
ويدعي النبهاني أن هؤلاء المستغيثين بالموتى يعترفون بأن الله وحده هو الفعّال فلا حرج عليهم في ذلك.. يقول:
(وأنت إذا نظرت إلى كل فرد من أفراد المسلمين عامتهم وخاصتهم، لا تجد في نفس أحد منهم غير مجرد التقرب إلى الله لقضاء حاجاتهم الدنيوية والأخروية بالاستغاثات. مع علمهم بأن الله هو الفعّال المطلق المستحق للتعظيم بالأصالة وحده لاشريك له)(1).
ويدعي الزهاوي تجويز العلماء الأجلاء الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم فيقول:
(وقد جوّز العلماء الاستغاثة والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإطلاق لفظ الاستغاثة على من يحصل منه غوث ولو تسبباً وكسباً أمر نطقت به اللغة، وجوّزه الشرع..) (1).
ويجوّز الزهاوي الاستغاثة بالموتى، لأن الموتى لهم حياة وسماع مثل الأحياء، فيقول:
(لا يقال أن حياة الأنبياء والشهداء غير الحياة الدنيوية، فلا تنطبق هذه على تلك، لأنا نقول لو سلمنا أن تلك الحياة ليست من نوع الحياة الدنيوية، فمجرد ثبوت الحياة لهم أي حياة كانت، كاف لثبوت السماع لهم وتجويز التوسل والاستغاثة بهم..)(2).
ويبيح الدجوي الاستغاثة بغير الله من الموتى والغائبين، ويذكر المسوّغات لتجويز دعواه فيقول:
(فالمستغيث لا يعتقد أن المستغاث به من الخلق مستقل في أمر من الأمور غير مستمد من الله تعالى، أو راجع إليه. وذلك شيء مفروغ منه، ولا فرق في ذلك بين الأحياء والأموات، فإن الله خالق كل شيء..) (3).
كما يدعي الدجوي أيضاً عدم الفرق بين الأحياء، والأموات، لأن الأموات لهم حياة مثل الأحياء، فيقول:
(لا فرق بين الحي والميت، فإن منزلته ميتاً كمنزلته حياً؛ لأن الفاعل حقيقة هو الله .. كما أن الأرواح بعد موتها باقية مدركة فاهمة على نحو ما كانت عليه في حياتها أو أشد، ولذلك يتساءلون عن الأحياء، ويفرحون، ويحزنون بما يكون منهم..)(4).
ويسوّغ محمد حسنين مخلوف الاستغاثة بالرسول فيقول:
(الدعاء بنحو أغثني أو أعني يا رسول الله ليس توسلاً ممنوعاً بل هو جائز سائغ، فإن الاستغاثة طلب الغوث والتخلص من البلية. وهذا كما يسند إلى الله تعالى، يسنده إلى غيره.. وكذلك الاستعانة فإنها طلب المعونة من الغير، وهي من الله تعالى خلق الفعل في العبد، ومن العباد المشاركة في الفعل ليسهل..) (5).
ويقول مخلوف:
(أن الاستغاثة تستعمل تارة في طلب الإغاثة بمعنى خلق التخلص من البلية وهذا مختص به تعالى، وتارة في طلب الإغاثة بمعنى السعي في التخلص من الشدة وهذا المعنى يصح إسناده إلى العباد) (6).
ويجوّز حسن الشطي الإستغاثة بالأنبياء، والأولياء والصالحين حال حياتهم، وبعد مماتهم بحجة أن: (الاستغاثة والطلب في حقيقة الأمر من الله تعالى لا من غيره فلا يصح القول بمنعها) (7).
ويسوق العاملي ما ذكره الشيخ الإمام في حكم من استغاث بغير الله، وذلك في مقام الاعتراض عليه، والإنكار لمقالته فيقول العاملي:
(وصرّح محمد بن عبد الوهاب بأن دعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله موجب للارتداد عن الدين، والدخول في عداد المشركين) (1).
ويرد العاملي على الوهابيين في منعهم من الاستغاثة بالمصطفى بعد وفاته وسائر الأنبياء، فيقول :
فإن كان منعه لأنه خطاب غير قادر على سماع الكلام فالنبي محمد وسائر الأنبياء أحياء بعد الموت (2).
ويجوّز العاملي دعاء الأنبياء مادام أن الداعي لا يعتقد استقلالاً لهم بقضاء الحاجات، فيقول:
(فدعاء الأنبياء والصالحين ليس دعائهم بالذات بأن يحسبوا كافين في قضاء الحاجة، وإنجاح المأمور ..
وأما الذين يحسبهم كفاة مستقلين في دفع مكروه أو جلب نفع واستغنى بذلك عن دعوة الله فنحن أيضاً نحكم بكفره وشركه)(3).
ويسوق سوقية دليلاً على حياة الموتى فيقول:
(فالحياة ثابتة قطعاً لا يشك فيها مؤمن .. خلافاً لهذه الفرقة المغرورة الشاذة، بل إن علماء أوربا يقولون بخلود الأرواح وقد توصلت لاستحضارها ومخاطبتها بالنوم .. مما يدل دلالة قاطعة على الحياة بعد الموت)(4).
ويزعم محمد بن أحمد نور فيما نقله عنه الشيخ صالح بن أحمد أن تفسير قوله تعالى في شأن الشهداء (بل أحياء ولكن لا تشعرون) (5) هو: (أن الشهداء أحياء، ولكن لا تشعرون ما هم فيه من الحال من تنعيم وفرح وسرور واستبشار) (6).
ويجوّز محمد الطاهر يوسف الاستغاثة بالأموات، ويعلل ذلك (بأن استناد الإغاثة إلى الله استناد حقيقي، واستنادها إلى الخلق مجازي، ولا فرق بين الحي والميت؛ لأن المتولي لأمورهم في الدارين هو الله الذي أكرمهم بفضله) (7).
وبعد إيراد اعتراض أولئك الخصوم على إنكار أئمة الدعوة السلفية الاستغاثة بالموتى ودعاءهم، وما تضمنه هذا الإيراد من بيان بعض استدلالاتهم وحججهم في ذلك، بعد ذلك نسوق بعض ما كتبه أئمة الدعوة السلفية وأنصارها في تقرير وتأكيد أن الدعاء عبادة يجب صرفها لله وحده، وأن من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر. وسيتضح هذا جلياً من خلال أجوبتهم ومناقشتهم لأقوال الخصوم.
لقد ركز الشيخ الإمام على عبادة الدعاء، وبيّن وجوب صرفها لله وحده سواء كان الدعاء دعاء مسألة، أو دعاء عبادة، وعقد باباً في كتابه (كتاب التوحيد) بعنوان: (باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره) (1).
وألف الشيخ الإمام رحمه الله رسالة موجزة في مسائل مستنبطة من قول الله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) (2) ، فقال رحمه الله فيها عشرة درجات .. نختار منها قوله:
الأولى: تصديق القلب أن دعوة غير الله باطلة، وقد خالف فيها من خالف.
الثانية: أنها منكر يجب فيها البغض، وقد خالف فيها من خالف.
الثالثة: أنها من الكبائر، والعظائم المستحقة للمقت والمفارقة وقد خالف فيها من خالف.
الرابعة: أن هذا هو الشرك بالله الذي لا يغفره، وقد خالف فيها من خالف.
الخامسة: أن الداعي لغير الله لاتقبل منه الجزية كما تقبل من اليهود، ولا تنكح نساؤهم كما تنكح نساء اليهود، لأنه أغلظ كفراً) (3).
ولما دخلت جيوش الموحدين مكة سنة 1218هـ، كان مما حدث مع علماء مكة ما سطّره الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:
(عرّفناهم أنّا دائرون مع الحق أينما دار، وتابعون للدليل الجلي الواضح، ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا، فلم ينقموا علينا أمراً فألحينا عليهم في مسألة طلب الحاجات من الأموات إن بقي لديهم شبهة، فذكر بعضهم شبهة أو شبهتين، فرددناها بالدلائل القاطعة من الكتاب والسنّة حتى أذعنوا، ولم يبق عندهم أحد منهم شك ولا ارتياب فيما قاتلنا الناس عليه، أنه الحق الجلي الذي لا غبار عليه، وحلفوا لنا الأيمان المعقدة من دون استحلاف على انشراح صدورهم، وجزم ضمائرهم، أنه لم يبق لديهم شك في من قال: يا رسول الله أو قال ابن عباس، أو يا عبد القادر، أو غيرهم من المخلوقين طالباً بذلك دفع شر أو جلب خير في كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى من شفاء المريض، والنصر على العدو، ونحو ذلك أنه مشرك الشرك الأكبر الذي يهدر دمه ويبيح ماله، وإن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون هو الله وحده، لكنه قصد المخلوقين بالدعاء متقرباً لهم لقضاء حاجته) (4).
وقد سبق في فصل تحريم التوسل بيان بطلان أن تكون الاستغاثة بالأنبياء وغيرهم بمعنى التوسع من عدة أوجه، كما قرر ذلك في كتاب (التوضيح) فأغنى عن إعادته وتكراره (5).
ويبين الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله بطلان دعاء الموتى فيقول:
(نحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، بل نعلم أنه نهى عن كل هذا الأمور، وأن ذلك من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله .يقول تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) (1) فهذه الآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعوا، وذلك المدعو (2) يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته. ويخاف عذابه، فكل من دعا ميتاً أو غائباً من الأنبياء والصالحين فقد تناولته هذا الآية، وقد دعا من لا يغيثه ولا يملك كشف الضر عنه ولا تحويله..) (3)
ويوضح الشيخ حمد حكم من دعا ميتاً أو غائباً فيقول:
(من دعا ميتاً أو غائباً فقال يا سيدي فلان أغثني أو انصرني أو ارحمني، أو اكشف عني شدتي، ونحو ذلك فهو كافر مشرك يستتاب فإن تاب وإلا ***.
وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء، فإن هذا هو شرك المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم لم يكونوا يقولون: أنها تخلق، وترزق وتدبر أمر من دعاها بل كانوا يعلمون أن ذلك لله وحده كما حكاه عنهم في غير موضع في كتابه، وإنما كانوا يفعلون عندها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم من دعائها والاستغاثة بها..)(4).
ويسوق الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إجماع العلماء في حكم من صرف الدعاء لغير الله فيقول:
(اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئاً من نوعي الدعاء أي دعاء العبادة ودعاء المسألة لغير الله فهو مشرك، ولو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وصلى وصام. إذ شرط الإسلام مع التلفظ بالشهادتين أن لا يعبد إلا الله فمن أتي بالشهادتين وعبد غير الله، فما أتي بهما حقيقة وإن تلفظ بهما كاليهود الذين يقولون لا إله إلا الله وهم مشركون) (5).
ومما أورده الشيخ سليمان في شرحه للآية الكريمة وهي قوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة } (6) أثناء شرحه لباب (من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره من (كتاب التوحيد) يقول رحمه الله.
(حاصل كلام المفسرين أن الله تعالى حكم بأنه لا أضل ممن يدعو من دون الله لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، واستغاثة من هذه حاله، ومعنى الاستفهام في إنكار أن يكون الضلال كلهم أبلغ ضلالاً ممن عبد غير الله ودعاه، حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على تحصيل كل بغية ومرام، ويدعون من دونه من لا يستجيب لهم ولا قدرة على استجابة أحد منهم مادام في الدنيا وإلى أن تقوم القيامة) (1).
ولما سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن حكم الاستغاثة بالموتى، كان مما قاله رحمه الله:
(وأما مسألة استغاثة الأحياء بالموتى في طلب الجاه والسعة والرزق والأولاد فالجواب هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وهذا شرك في الربوبية، والألوهية، وقد كان شرك المشركين في جاهليتهم بطلب الشفاعة والقربة، وأما طلب الرزق والأولاد وشفاء المرضى فقد أقروا بأن آلهتهم لا تقدر على ذلك كما قال تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون } (2)) (3).
ويقول الشيخ أيضاً في مسألة سماع الموتى:
(ومن قال أن الميت يسمع، ويستجيب، فقد كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه .. قال تعالى: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) (4)) (5).
ويبين الشيخ عبد الرحمن خطورة دعاء الموتى والتعلق بهم، ثم يبطله فيقول:
(إن التعلق بالأموات والالتجاء والرغبة إليهم هو أصل دين المشركين.
ويترتب على ذلك من أنواع العبادة جلها ومعظمها، كالمحبة والدعاء، والتوكل والرجاء ونحو ذلك، وكل هذا عبادة لا يصلح منه شيء لغير الله أبداً. ولو جاز التعلق بالأموات، لجاز أن يستظهر العبد بالحفظة من الملائكة الذين هم لا يفارقونه بيقين، وهم كما وصف الله: {عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} (6)، وهذا لا يقوله مسلم أصلاً، بل لو فعله أحد لكان مشركاً بالله، فإذا لم يجز ذلك في حق الملائكة الحاضرين، فإنه لا يجوز في حق أرواح أموات قد فارقت أجسادها لا يعلم مستقرها إلا الله من باب أولى، قال تعالى: { والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}(7))(8).
ويوضح الشيخ عبد الرحمن بن حسن كيف كان الاستمداد بالأموات شركاً أكبر فيقول:
(إن الاستمداد بالأموات والغائبين هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، فإن الاستمداد عبادة، والعبادة لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله وذلك أن الاستمداد نتيجته الاعتماد، والاعتماد هو معنى التوكل الذي هو من خصائص الإلهية وأجمعها لأعمال القلوب.
كما أن مورد العبادة القلب واللسان والأركان، والمستمد لا يكون إلا داعياً، وراغباً، وراهباً، وخاشعاً، ومتذللاً، ومستعيناً. فإن الاستمداد طلب المدد بالقلب، واللسان، والأركان ولابد، وهذه الأعمال هي أنواع العبادة، فإذا كانت لله وحده، فقد ألهمه العبد، فإذا صرف لغير الله تعالى صار مألوهاً له) (1).
ويرد الشيخ عبد الرحمن دعواهم في التفريق بين الدعاء والنداء، ويثبت أنهما مترادفان، ويذكر الأدلة القرآنية التي تدل على أنهما بمعنى واحد ومنها ما قاله رحمه الله -:
(قال تعالى: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) (2) فعطف النداء على الدعاء عطف مرادف.
ومما يوضح ترادف النداء والدعاء وأنهما بمعنى واحد، ما أخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام بقوله: (ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له) (3) فأخلص القصد لله بندائه في كربه وشدته فاستجاب الله له. وقال في الآية الأخرى: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)(4) فسماه تعالى دعاء (5).
ومما كتبه الشيخ أبو بطين رحمه الله في شأن الحياة البرزخية للشهداء، والحياة البرزخية للمصطفى صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
(فحياتهم برزخية الله أعلم بحقيقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات بنص القرآن والسنّة، ومن شك في موته فهو كافر، وكثير من الناس خصوصاً في هذه الأزمنة، يدعون أنه صلى الله عليه وسلم حي كحياته لما كان على وجه الأرض بين أصحابه، وهذا غلط عظيم، فإن الله سبحانه أخبر بأنه ميت، وهل جاء أثر صحيح أنه باعثه لنا في قبره مثل حياته على وجه الأرض يسأله أصحابه عما أشكل عليهم، ومعلوم ما صار بعده صلى الله عليه وسلم من الاختلاف العظيم، ولم يجيء أحد إلى قبره صلى الله عليه وسلم يسأل عما اختلفوا فيه، وفي الحديث المشهور (ما من مسلم يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام) (6). فهذا يدل على أن روحه صلى الله عليه وسلم ليست دائمة في قبره) (7).
ويشير أبو بطين إلى كثرة وقوع الاستغاثة بالنبي عند المتأخرين، وما كتبه ابن تيمية في ذلك، فيقول أبو بطين رحمه الله:
(والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم صدرت من كثير من المتأخرين ممن يشار إليهم بالعلم، وقد صنف رجل يقال له ابن البكري كتاباً في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورد عليه الشيخ ابن تيمية، بين فيه بطلان ما ذهب إليه وبين أنه من الشرك. قال الشيخ رحمه الله:
(وقد طاف هذا يعني ابن البكري على علماء مصر، فلم يوافقه منهم أحد، وطاف عليهم بجوابي الذي كتبته، وطلب منهم معارضته، فلم يعارضه أحد منهم، مع أن عند بعضهم من التعصب ما لا يخفى ..)(1).
ويرد الشيخ أبو بطين على افتراء داود، حين زعم الإجماع على مشروعية الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال رحمه الله:
(ثم زعم أن الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم في الشدائد أمر مشهور معمول به عند الصحابة والتابعين، فنسب إلى خير القرون ما هم أبعد الناس عنه، ويكفي في إبطال الشبهة كلّها قول الله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله) (2)، وقوله سبحانه: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) (3)، وهذا في حال حياته صلى الله عليه وسلم فكيف الحال بعد الممات) (4).
ويستنكر الشيخ أبو بطين دعوى التفريق بين الدعاء والنداء، ثم يبطلها، فيقول رحمه الله:
(ومن العجب قول بعض من ينسب إلى علم ودين أن طلبهم من المقبورين والغائبين ليس دعاء لهم بل هو نداء، أفلا يستحي هذا القائل من الله إذا لم يستح من الناس من هذه الدعوى الفاسدة السّمجة التي يروج بها على رعاع الناس. والله سبحانه وتعالى قد سمى الدعاء نداء كما في قوله: {إذ نادى ربه نداء خفياً} (5)، وقوله تعالى: {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} (6) وأي فرق بين ما إذا سأل العبد ربه حاجة، وبين ما إذا طلبها من غيره ميت أو غائب، بأن الأول يسمى دعاء والثاني نداء؟ وما أسمج هذا القول وأقبحه .. وهو قول يستحي من حكايته لولا أنه يروج على الجهال) (7).
ويقول الشيخ محمد بن ناصر التهامي مبيناً تحريم دعاء غير الله:
(فإذا رددنا ما تنازعنا فيه، وقلنا بتحريم دعوة غير الله والاستغاثة به.. وجدنا القرآن ينادي بالنهي عن دعوة غير الله ويختمها بالوعيد الشديد لمن فعل ذلك، ولو لم يحتج على صاحب الرسالة إلا بآية واحدة، لانقطعت حجته، ووهت شبهته، والسنة كذلك تنادي في النهي عن أن يدعى مع الله غيره، كما في (الصحيح) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار) (8). ومسمى الدعاء هو السؤال والطلب لغة وشرعاً، والند هو الشبه والمثل. فمن استغاث بغير الله من ميت أو غائب، أو دعاه فقد شبهه بالله الذي يصمد إليه كل مخلوق في كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وأخراهم) (9).
كما أن القول بتحريم دعاء غير الله واعتباره من الشرك الأكبر المخرج من الملة ليس مما انفرد واختص به الشيخ ابن عبد الوهاب، بل جمهور أهل العلم على ذلك فيقول الحازمي مدافعاً عن الشيخ الإمام.
(إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ليس أول من فتح هذا الباب، بل ما ذكره هو ما عليه جمهور العلماء.. فهو يقول لا يدعى في الممات إلا الله عز وجل وأكثر الخلق يدعون سواه في كل محل، إذا عثرت دابة نادى من يعتقده كالشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد بن علوان، أو العيدروس، أو البدوي، أو العلوي، وإذ مسّهم الضر في البحر، دعى كل واحد منهم شيخ بلده في زعمه، ويقول ابن عبد الوهاب: هذا فعل المشركين؛ وليس هو أول من قال هذه المقالة بل قد سبق إليها..) (1).
ويبطل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن دعوى تصرف الموتى فيقول رحمه الله:
(وأما القول بالتصرف بعد الممات، فيقول تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) (2) وقوله سبحانه: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى)(3) وقوله: (كل نفس ذائقة الموت) (4)، وفي الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله.. الحديث) (5). فجميع ذلك دال على انقطاع الحس والحركة من الميت، فإن أرواحهم ممسكة، وإن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان، فدل ذلك على أن ليس للميت تصرف في ذاته، فضلاً عن غيره بحركة، وإن روحه محبوسة مرهونة بعملها من خير وشر، فإذا عجز عن حركة نفسه فكيف يتصرف في غيره..) (6).
ويتحدث الشيخ عبد اللطيف عن مسألة سماع الموتى فيقول:
(واعلم أن مسألة السماع فيها كلام للمحققين لا يحيط به علماً إلا من فقه عن الله قلبه، ودق في باب العلم نظره وفهمه.. فتأمل قوله تعالى: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم.. الآية) (7).
فإن هذه الآيات فيها دعوى نفي الإجابة فقط مع بقاء أصل السماع، لئلا يتحد فعل الشرط وجوابه، والأظهر أن سماع الميت مقيد بحال دون حال، لا في جميع حالاته) (8).
ويبين الشيخ عبد اللطيف اختلاف حياة البرزخ عن حياة الدنيا فيقول:
(والذي دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله، وإجماع الأمة أن الحال بعد مفارقة الأرواح للأبدان ليست كحال الحياة من وجوه كثيرة لا يمكن استقصاؤها ويكفي المؤمن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث..) (9)فهذا الحديث يدخل تحته جميع أعماله الباطنة والظاهرة، وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وأن الأسباب الحسية تزول بالموت، فكيف بغيره، وإذا كان لا يملك لنفسه شيئاً وعمله قد انقطع فكيف يتصرف، ويدبر ويستمد منه، وتطلب منه الحوائج إن هذا لهو الضلال المبين)(10).
وينقل الشيخ عبد اللطيف نصاً نفيساً لابن تيمية رحمه الله في بطلان الاستغاثة بالأموات، وآثارها السيئة ..، وأن الاستغاثة بالله وحده هي سبب انتصار المسلمين على التتار آنذاك -، يقول ابن تيمية:
(ونحن نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات لا الأنبياء، ولا غيرهم بلفظ الاستغاثة ولا غيرها .. وربما قصدوا الأموات في ضرورة نزلت بهم فيدعون دعاء المضطر، راجين قضاء حاجاتهم .. حتى أن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور قال بعض الشعراء:
يا خائفين من التتر.. لوذوا بقبر أبي عمر ينجيكموا من الضرر
فقلت لهؤلاء الذين يستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال، لا نهزموا كما انهزم المسلمون يوم أحد، فإنه كان قد قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك، ولحكمة كانت لله في ذلك، ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، فلما كان ذلك بعد ذلك جعلنا نأمر بإخلاص الدين لله والاستعانة به، وأنهم لا يستعينون إلا به، ولا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل.
فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم، نصرهم الله على عدوهم نصراً عزيزاً لم يتقدم نظيره، ولم يهزم التتار مثل هذه الهزيمة أصلاً..) (1).
ويرد الشيخ عبد اللطيف على افتراء داود ابن جرجيس حين كذب، وزعم إباحة دعاء الموتى فقال الشيخ عبد اللطيف:
(من المستحيل شرعاً وفطرةً وعقلاً أن تأتي هذه الشريعة المطهرة الكاملة بإباحة دعاء الموتى والغائبين، والاستغاثة بهم في المهمات والملمات، كقول القائل يا علي، أو يا حسين أو يا عباس، أو يا عبد القادر، أو يا عيدروس، أو نحو ذلك من الألفاظ الشركية التي تتضمن العدل بالله والتسوية به تعالى وتقدس (2)وقد نص على ذلك مشايخ الإسلام حتى ذكره ابن حجر في (الأعلام) (3) مقراً له) (4).
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف أن دعاء الموتى شرك أكبر، وإجماع العلماء على ذلك فيقول:
(الأدلة والنصوص متواترة متظاهرة على أن طلب الحوائج من الموتى، والتوجه إليه شرك محرم، وأن فاعله من أسفه السفهاء، وأضل الخلق وأنه ممن عدل بربه، وجعل له أنداداً وشركاء في العبادة التي لا تصلح لسواه، ولا تنبغي لغيره، وأنه أصل شرك العالم، وقد حكى الإجماع على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كلامه، وكذلك ابن قيّم الجوزية قرر تحريمه، وأنه من الشرك الأكبر، وأنه أصل شرك العالم في كتابه (إغاثة اللهفان) وغيره، وابن عقيل كفّر بطلب الحوائج من الموتى) (5).
ويكشف الشيخ عبد اللطيف عما لبّس فيه المخالفون حين ادعوا الحياة الحقيقية للموتى كما لهم في الدنيا - ومن ثم جوّزوا سؤالهم، فيقول جواباً على هذا التلبيس:
(ليست حياة الأنبياء والشهداء كما يظنه هؤلاء وأسلافهم من الصابئة من أن لهم علماً بحال من دعاهم، وقدرة على إجابته، وتصرفاً في العالم وجولاناً في الملكوت، ويكفي المؤمن في بيان حياتهم والإشارة إلى حقيقتها قوله تعالى: (ولا تحسبنّ الذين ***وا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه ((أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت)(2)، ويكفي في إبطال قول الصابئة وورثتهم قوله تعالى في المسيح: { وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد } (3) فإن في هذه الآية ما يدل على أنه عليه السلام لا علم له بما صدر وجرى منهم بعد وفاته وأنه إنما يشهد بما كان منهم مدة حياته، وبقائه فيهم، ولا يعلم سواه ..) (4).
ويرد الشيخ عبد اللطيف على من ادعى حياة الأنبياء بعد وفاته كحياتهم الدنيا، فقال الشيخ رحمه الله:
(إن هذه مقالة جاهل لا يفرق بين حياة الأنبياء والشهداء بعد الموت، وحياتهم في الدنيا فظنّ الغبي أنها هي الحياة الدنيوية ولذلك نفى الموت، والله تعالى يقول { إنك ميت وإنهم ميتون } (5) والحياة البرزخية تجامع الموت ولا تنافيه كحال الشهداء) (6).
ويرد الشيخ عبد اللطيف دعوى داود حين ظنّ جواز دعاء الموتى، مادام أن الذي يدعوهم ويستغيث بهم يعتقد أن الفاعل والموجد هو الله وحده، ثم يرد ويبطل الشيخ عبد اللطيف تفريق داود بين الدعاء والنداء، فقال رحمه الله:
(وهذا الأحمق زاد قيداً، فقال لا يشرك إلا من قصد واعتقد الاستقلال من دون الله، وفي تلبية المشركين في الجاهلية لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، فهؤلاء لم يدعوا الاستقلال وعلى زعم هذا ليسوا بمشركين. وقوله وهذا نداء لا دعاء من أدل الأشياء على جهله، فإن النداء هو رفع الصوت بالدعاء، أو الأمر أو النهي ويقابله النجا الذي هو المسارة وخفض الصوت. هذا بإجماع أهل اللغة كما حكاه ابن القيم في نونيته، وشيخ الإسلام في تسعينيته، وليس قسيماً للدعاء، قال تعالى: { ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم}(7) الآية، فما فعلوه هو عين ما أمروا به، وكفى بهذه الآية حجة على إبطال قوله.
وقال تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه) (8) ونوحاً إذ نادى من قبل) (9) وسمى هذا النداء دعاء في كتابه العزيز، قال عن نوح عليه السلام: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) (10)، وقال: (هنالك دعا زكريا ربه) (11) وفي الحديث: (دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله عنه) (1) وذكر الشيخ عبد اللطيف غيرها من النصوص، إلى أن قال: فانظر هذه النصوص وما أفادت من إطلاق اسم الدعاء على المسألة والطلب) (2).
ولما سئل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله عن بعض الأحاديث التي وصفت موسى عليه السلام في حياة البرزخ، فأجاب عن ذلك جواباً شافياً، وضّح فيه وبيّن ما تختص به الحياة البرزخية وتتميز به عن الحياة الدنيوية، ثم نقل جواباً لابن تيمية رحمه الله في الجواب على ذلك السؤال، سئل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن عما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى وهو يصلي في قبره، ورآه يطوف بالبيت، ورآه في السماء، وكذلك الأنبياء فأجاب :
(هذه الأحاديث وأشباهها تمر كما جاءت ويؤمن بها، إذ لا مجال للعقل في ذلك، ومن فتح على نفسه هذا الباب هلك، في جملة من هلك، فهذه الأحاديث التي مر البحث فيها خاض فيها بعض الزنادقة، وصنف مصنفاً بناه عليها، وجادل وماحل في أن من كان حياً هذه الحياة التي أطلقت في القرآن فينبغي أن ينادى، لا فرق عند هذا الجاهل بين الحياة الحسية والبرزخية، لأنه اشتبه عليه أمر هذه الصلاة .. ولم يعلم أنه لا خلاف في أن أهل البرزخ يجري عليهم من نعيم الآخرة ما يتلذذون به مما هو ليس من عمل التكليف، ومعاذ الله أن نعارض نص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)، والحديث عام؛ لأن المقصود به جنس بني آدم؛ لأن الفرد يعم كما هو مقرر في محاله، ألم يعلم المسكين أن البرزخ طور ثان وله حكم ثان؟ إذ لو كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة أن يلاقي الأولياء والأفاضل كما زعم بعض المصنفين، لبطل حكم الاجتهاد بعده، ولم يتراجع الصحابة رضوان الله عليهم بعده مسائل طال فيها نزاعهم إلى زماننا هذا، إذا تحققت هذه الإشارة، وتأملتها، فلابد أن أنقل كلام ابن تيمية قدس الله روحه في أحاديث السؤال:
(قال رحمه الله: أما رؤيا موسى في الطواف فهذا كان رؤيا منام لم يكن ليلة المعراج، كذلك جاء مفسراً لما رأى المسيح أيضاً، ورأى الدجال، أما رؤيته ورؤية غيره من الأنبياء ليلة المعراج في السماء، لما رأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحيى وعيسى، فهذا رأى أرواحهم مصورة في صورة أبدانهم .. وأما كونه رأى موسى يصلي في قبره، ورآه في السماء أيضاً، فهذان لا منافاة بينهما فإن أمر الأرواح من جنس أمر الملائكة، في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط، كالملك ليست كالبدن . إلى آخر ما نقله) (3).
ويورد الشيخ أحمد بن عيسى الأدلة المتعددة على ترادف الدعاء والنداء وأنهما بمعنى واحد، فكان مما قاله رحمه الله رداً على من فرق بينهما :
(كأنه لم يسمع ما ذكره الله في كتابه من أن مدلول النداء والدعاء واحد، قال الله تعالى: (ذكر رحمة ربك عبده زكريا. إذا نادى ربه نداء خفياً، قال رب إني وهن العظم مني)(4) فقوله: (رب) هذا هو الدعاء، سماه نداء، ثم قال (ولم أكن بدعائك رب شقياً)(4) فتبين أن النداء في هذه الآية هو الدعاء لا غير.
وقال في سورة آل عمران: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب)(5) فقوله: (رب) هو الدعاء في قوله: (هنالك دعا)، وفي سورة مريم قال: (إذ نادى)، وفي سورة آل عمران قال: (دعا) والصيغة واحدة. ثم قال: { إنك سميع الدعاء}، وقال تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) (1)، وفي الحديث مرفوعاً: (دعوة أخي ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله عنه)) (2).
ومما يدل على ترادف الدعاء والنداء في كلام العرب، قول الشاعر:
فقلت ادعي وأدعو فإني أنـــ ـدى لصوت أن ينادي داعيان) (3)
ويبين علامة العراق محمود الآلوسي اختلاف الحياة البرزخية عن الحياة المعهودة .. ومن ثم فلا يجوز سؤال الموتى، يقول رحمه الله:
(إن الأموات لا يسألون سؤال الأحياء بوجه من الوجوه، إذ الموت غير الحياة، وما ثبت لهم من الحياة فهي برزخية غير الحياة المعهودة في الدنيا فمن أراد بها الحياة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبره وتصرفه، ويحتاج معها إلى الطعام والشراب واللباس فهذا انتكاس ظاهر، والحس والعقل يكذبه كما يكذبه النص، ومن أراد أنها حياة أخرى غير هذه الحياة بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا ليسأل ويمتحن في قبره فهذا حق ونفيه خطأ وقد دل عليه النص الصحيح الصريح) (4).
ويوضح الشيخ ابن سحمان الفرق بين طلب الغوث من الأحياء، وطلبه من الأموات، والفرق بين الأحياء والأموات .. فكان من توضيحه أنه قال:
(وأما الإغاثة بالأسباب العادية، وما هو في طوق البشر وقدرتهم فهذا ليس الكلام فيه، والأموات لا قدرة لهم على الأسباب العادية وما هو في طوق البشر وقدرتهم.. والله سبحانه خلق في الحي اختياراً ومشيئة بها يثاب وبها يعاقب وبها يكلّف، والميت ليس له قدرة الحي، ولا يكلف، بل ينقطع عمله بموته، وتطوى صحيفته، ولا يسأل، ولا يستفتى ولا يرجع إليه في شيء مما للعباد عليه قدرة، وسائر الحيوان يفرقون بين الحي والميت) (5).
ويرد الشيخ ابن سحمان على من جوّز الاستغاثة بالأموات بشرط الإقرار بأن الله هو المؤثر، والموجد وحده سبحانه فقال رحمه الله:
(إن مجرد عدم التأثير، والخلق والإيجاد، والإعدام والنفع والضر إلا الله لا يبريء من الشرك، فإن المشركين الذين بعث الله الرسل إليهم أيضاً كانوا مقرّين بأن الله هو الخالق الرازق النافع والضار، بل لابد فيه من إخلاص توحيده وإفراده، وإخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله والطلب منه والنداء، والاستغاثة كلها يكون لله) (6).
وقرر علماء الحجاز وعلماء نجد في (البيان المفيد) أن الدعاء عبادة يجب صرفها لله وحده، وأن صرفها لغيره شرك أكبر فقالوا رحمهم الله:
(ونعتقد أن عبادة غير الله شرك أكبر، وأن دعاء غير الله من الأموات والغائبين، وحبه كحب الله، وخوفه ورجائه ونحو ذلك شرك أكبر، وسواء دعاء عبادة أو دعاء استعانة في شدة أو رخاء فإن الدعاء مخ العبادة وسواء دعاه لجلب نفع أو دفع ضر ..)(1)
ويوضح الشيخ عبد الله بن بلهيد رحمه الله أن دعاء غير الله شرك أكبر، وإن كان فاعله يعتقد أن الله بيده النفع والضر.. فقال رحمه الله:
(فإن قال قائل أن من يدعو النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأولياء لا يعتقد أنه يملك نفعاً أو ضراً، ولا يطلب ذلك منه. وأن قوله عند قيامه، أو دخوله، أو خروجه أو غير ذلك من أحواله يا رسول الله أو يا فلان إن أراد به طلب النفع والضر فهو شرك، وإن أراد أنه يشفع له عند الله أو يقّربه إلى الله فهذا ليس بشرك.
فيقال أن شرك المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم هو بتعلقهم على الأنبياء، والصالحين لطلب القربة، والشفاعة، كما قال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (2)) (3).
(ولما سئل أحد العلماء: هل النداء بمعنى الدعاء أم بينهما فرق ؟ كان جوابه: لا فرق بينهما، وتفريق من فرّق بين النداء والدعاء تفريق يرده الكتاب والسنة واللغة ..
- ثم ذكر الأدلة من الكتاب والسنة ثم قال:
- وقال في (المصباح) : النداء الدعاء، وقال النحاة النداء هو الدعاء بأحرف مخصوصة) (4).
ويرد الشيخ صالح بن أحمد على من ادعى أن حياة الشهداء في قبورهم حياة حقيقية فيقول:
(إن حياة الشهداء في قبورهم كما قال تعالى: (بل أحياء ولكن لا تشعرون) (5)، فنؤمن بأننا لا نشعر بحقيقة حياتهم التي أخبرنا بها سبحانه وتعالى، وهو المختص بحقيقة علمها وأما الأستاذ (6) فحمل قوله تعالى: (ولا تشعرون) على عدم شعوره بالسرور والنعيم الذي هم فيه، وهذا مبلغ علمه.
وتقتضي دعواه عدم موتهم، تحريم تقسيم أموالهم، على الورثة، وعدم تزوج نسائهم؛ لأنهم أحياء على زعمه، والمسلمون متفقون الوهابية وخلافهم على تقسيم أموالهم، وتزويج نسائهم كسائر الأموات) (7).
وأما دعوى المجوّزين الاستغاثة بالأموات، بحجة أن الفاعل هو الله وحده والعبد لا فعل له، فيرد القصيمي تلك الحجة فيقول:
(قولك أن العبد ليس فاعلاً، إما أن يكون دلّ عليه العقل، أو القرآن أو الحديث، أو الإجماع، أو المشاهدة، أو الضرورة، أو شيء غيرها، ولا شيء، أما العقل فإنه لا يفهم أن العبد ليس فاعلاً وأنه كالريشة تقلبها الريح أنّى شاءت، بل العقل يعلم أنه لا يحسن عقاب العبد، ولا ثوابه، ولا أمره، ولا نهيه، إلا إذا كان فاعلاً قادراً على الفعل والترك، ولهذا لا يلوم الحجر الهاوي من أعلى إلى أسفل إذا ضر، ولا يشكره إذا نفع ..
وأما القرآن فمن أوله إلى آخره ينادي بهدم هذه المقالة، منها قوله تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (1)، وأما الحديث: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) (2)، وأما الإجماع فالسَّلف قاطبة يرون العبد فاعلاً حقيقة لا يشذ منهم واحد.
وهذا مذكور في كتاب (خلق أفعال العباد للبخاري، وغيره) (3).
وعقب إيراد ما سطّره أئمة الدعوة السلفية وأنصارها في مسألة دعاء الموتى، اتضح جلياً عظم شأن الدعاء، وأنه من آكد العبادات وأهمها وأعلاها قدراً، وأن الدعاء عبادة يجب أن لا تصرف إلا لله وحده. فمن خالف ذلك، ودعا الأموات والغائبين فقد صرف هذه العبادة العظيمة إلى غير مستحقها، فوقع في الشرك الأكبر المخرج عن دين الإسلام، وإن كان يعتقد أثناء دعاءه للموتى، أن الله هو الخالق المؤثر وبيده سبحانه النفع والضر، فإن هذا لن ينفعه كما لم ينفع مشركي العرب ممن قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يعترفون ويقرون بما يقر به طالبوا الحاجات من الموتى، من إقرار بتوحيد الربوبية.
كما ظهر في ثنايا هذا الفصل الجواب والرد على دعواهم بعدم التفرقة بين الحي والميت، إما على حسب ظنهم، لأن الموتى لهم حياة حقيقية في قبورهم كالأحياء في دنياهم، أو عدم التفريق بينهما؛ لأن المؤثر والفاعل هو الله وحده، وليس للميت ولا للحي فعل أو تأثير.
كما تبين – أيضاً – بطلان تلبيسهم في التفرقة بين الدعاء والنداء ولله الحمد والمنة.
(3) (تيسير العزيز الحميد)، ص 219، باختصار يسير .

(1) (فصل الخطاب)، ق 60.

(2) المرجع السابق، ق 19، انظر : ق 27.

(3) المرجع السابق، ق 53.

(4) (مصباح الأنام)، ص 26.

(5) المرجع السابق، ص 54.

(6) المرجع السابق، ص 62.

(7) (لفحات الوجد)، ق 18.

(1) المرجع السابق، ق 20.
وقد تضمنت رسالة (في الرد على الوهابية) لعبد الله بن بلفقيه العلوي أدلة كثيرة استدل بها العلوي على أن الشرك في الدعاء ليس بشرك أكبر، والرسالة المذكورة عبارة عن محاورة جرت بين هذا العلوي وبين بعض أتباع الدعوة السلفية سنة 1211هـ، كما ذكر ذلك العلوي في مقدمة رسالته.

(2) انظر (المنحة الوهبية)، ص 4.

(3) المرجع السابق، ص 6.

(4) المرجع السابق ص 15.

(5) المرجع السابق، ص 25.

(6) المرجع السابق، ص 25.

(7) انظر : (إزهاق الباطل)، ق 75، 76 باختصار.

(1) المرجع السابق، ق77، باختصار.
وانظر : أدلته على إثبات حياة الموتى، ق 77 82.

(2) انظر : (الدرر السنية) ص 13، 14، 17.

(3) سورة النور : آية 63.

(4) (الدرر السنية)، ص 34.

(5) (سعادة الدارين)، 1/151.

(6) المرجع السابق، 1/341.
ونقل السمنودي بعض ما سطّره ابن جرجيس في مسألة سماع الموتى وتزاورهم وتصرفهم بعد موتهم، وزاد عليه. انظر : (سعادة الدارين)، 1/335، 336.

(1) سورة القصص : آية 15.

(2) سورة يوسف : آية 42.

(3) (البراهين الجلية)، ص 27، باختصار.

(4) انظر : المرجع السابق ص 24 27.

(5) سورة الأنفال : آية 64.

(6) (البراهين الجلية)، ص 33 ،34.

(7) سورة آل عمران : آية 61.

(8) (البراهين الجلية)، ص 39 ،40.

(9) انظر (شواهد الحق)، ص 98 121.

(10) المرجع السابق، ص 116، باختصار.

(1) (الفجر الصادق)، ص 54.

(2) المرجع السابق، ص 68.

(3) (المقالات الوفية) (تقريظ الدجوي تلك المقالات...) ص 223 ،224 بتصرف يسير.
وانظر ما كتبه الدجوي في مجلة نور الإسلام، المجلد الأول، مقال حكم التوسل بالنبي، ص 589.
والمجلد الثاني، مقال التوسل وجهلة الوهابيين، ص 30.

(4) المرجع السابق، نفس الصفحات.

(5) (رسالة في حكم التوسل بالأنبياء والأولياء) (ضمن مجموعة كتب) ص 173 بتصرف يسير.

(6) المرجع السابق، ص 175.

(7) (النقول الشرعية)، ص 113.

(1) (كشف الارتياب)، ص 269.

(2) المرجع السابق، ص 278.
وقد جعل العاملي في كتابه المذكور ثلاثة فصول، الأول في حياة النبي بعد موته، والثاني في حياة سائر الأنبياء والشهداء، والثالث في حياة سائر الناس (انظر : (كشف الارتياب)، ص 109-114).
وكان العاملي بتلك الفصل، يقلد أسلافه من أمثال جعفر النجفي الذي اتخذ تلك الفصول (انظر : كتابه (منهج الرشاد)، ص 51-55)، وقد ادعى جعفر النجفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره يسمع الكلام، ويرد الجواب كما في حياته، غير أن الله حبس سمع الناس إلا قليلاً من الخواص.

(3) المرجع السابق، ص 45 47 باختصار.

(4) تبيين الحق والصواب، ص 18.

(5) سورة البقرة : آية 154.

(6) نقلاً عن : (تدمير أباطيل محمد بن أحمد نور)، ص74.

(7) (قوة الدفاع والهجوم)، ص 12، 13 بتصرف يسير. وانظر : كتاب (الحقائق الإسلامية)، ص 39.

(1) (مجموعة مؤلفات الشيخ، 1/42.

(2) سورة الجن : آية 18.

(3) (مجموعة مؤلفات الشيخ)، 1/388، 389، باختصار.

(4) (الهدية السنية)، ص 36، 37.

(5) انظر : كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق)، ص 307 312.

(1) سورة الإسراء : آية 56، 57.

(2) أي من الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين.

(3) (الهدية السنية)، ص 54، 55 باختصار.

(4) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 4 / 596.

(5) (تيسير العزيز الحميد)، ص227.
وانظر : الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء في بيان أن الاستغاثة بغير الله شرك أكبر يخرج عن دين الإسلام:
(تيسير العزيز الحميد)، ص 214 236.

(6) سورة الأحقاف : آية 5.

(1) (تيسير العزيز الحميد)، ص 239.

(2) سورة يونس : آية 31.

(3) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 2/36.

(4) سورة الأحقاف : آية 5.

(5) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 2/37.

(6) سورة الأنبياء : آية 26، 27.

(7) سورة النمل : آية 26، 27.

(8) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 4/385 387 باختصار.

(1) (الدرر السنية)، 9/152 بتصرف يسير.

(2) سورة البقرة : آية 171.

(3) سورة الأنبياء : آية 76.

(4) سورة القمر : آية 10.

(5) (القول الفصل النفيس)، ص 29، 30.

(6) (رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما. وقال عنه ابن تيمية : إسناده جيد، وصححه ابن القيم في (جلاء الأفهام) عن كتاب (النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد)، ص121 باختصار.

(7) (مجموعة الرسائل والمسائل) 2 /128 باختصار.

(1) المرجع السابق، 2 / 242.

(2) سورة الأعراف : آية 188.

(3) سورة الجن : آية 21.

(4) (تأسيس التقديس)، ص 114.

(5) سورة مريم : آية 3.

(6) سورة الأنبياء : آية 87.

(7) (الانتصار)، ص 25.

(8) رواه البخاري.

(9) (إيقاظ الوسنان)، ق 26 باختصار.

(1) المرجع السابق، ص 11 باختصار.

(2) سورة الزمر : آية 30.

(3) سورة الزمر : آية 42.

(4) سورة الأنبياء : آية 35.

(5) رواه مسلم.

(6) (البراهين الإسلامية)، ق10 باختصار يسير.

(7) سورة فاطر : آية 13.

(8) (البراهين الإسلامية)، ق14، 15.

(9) رواه مسلم.

(10) (البراهين الإسلامية)، ق36، 37.

(1) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 3/409.

(2) يقصد الشيخ عبد اللطيف بالتسوية بالله أي في ألوهيته وعبادته وليس في ربوبيته، لأن كفار مكة يقرون بتوحيد الربويية كما هو معلوم، انظر : تفصيل ذلك : (تيسير العزيز الحميد)، ص469.

(3) أي ابن حجر الهيتمي في كتابه (الأعلام بقواطع الإسلام).

(4) (دلائل الرسوخ)، ص 79 باختصار.

(5) (مصباح الظلام)، ص 252.

(1) سورة آل عمران : آية 169.

(2) رواه مسلم.

(3) سورة المائدة : آية 117.

(4) (مصباح الظلام)، ص 291.

(5) سورة الزمر : آية 30.

(6) (مصباح الظلام)، ص 249.

(7) سورة الكهف : آية 52.

(8) سورة الأنبياء : آية 83.

(9) سورة الأنبياء : آية 76.

(10) سورة القمر : آية 10.

(11) سورة آل عمران : آية 38.

(1) رواه أحمد والترمذي والنسائي.

(2) (دلائل الرسوخ)، ص 81، 82.

(3) (الدرر السنية)، 1/274، 275 باختصار يسير.

(4) سورة مريم : آية 2، 3، وجزء من آية 4.

(5) سورة آل عمران : آية 38.

(1) سورة الأنبياء : آية 87.

(2) رواه أحمد والترمذي والنسائي.

(3) (الرد على شبهات المستعينين بغير الله،) ص14، 15 باختصار.

(4) (تتمة منهاج التأسيس)، ص 379، وانظر : ص347، 348، وانظر : كتاب (غاية الأماني)، 1/256.

(5) (كشف غياهب الظلام)، ص 303 بتصرف يسير.

(6) (الصواعق المرسلة الشهابية)، ص 62.

(1) (البيان المفيد)، ص 6.

(2) سورة الزمر : آية 3.

(3) خطاب ابن بلهيد أثناء اجتماع علماء الحجاز ونجد، ص 17.

(4) جريدة أم القرى، عدد 285.

(5) سورة البقرة : آية 154.

(6) يقصد محمد بن أحمد نور، وسبق نقل قوله.

(7) (تدمير أباطيل محمد بن أحمد نور)، ص 74، بتصرف يسير.

(1) سورة النساء : آية 79.

(2) رواه مسلم.

(3) (البروق النجدية)، ص 82 باختصار.
  #12  
قديم 17-08-2010, 11:08 AM
icetea icetea غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
icetea is on a distinguished road
افتراضي

لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ المَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ

مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللهِ الصَّادِقِ الوَعْدِ الأمِين
" صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبه وسلم "
  #13  
قديم 17-08-2010, 11:11 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي ثمان قواعد أو تمهيدات أراها مهمة لمن أراد الدخول في النقاش مع المناوئين لدعوة الشيخ م

هذه ثمان قواعد أو تمهيدات أراها مهمة لمن أراد الدخول في النقاش مع المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - استللتها من كتابي " ثناء العلماء على كتاب الدرر السنية والرد على من تطاول عليه "؛ كحسن المالكي
تمهيد ( 1 ) :الطعن في دعوة الشيخ ليس بالأمر الجديد

إن الطعن في دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – ليس وليد الساعة ، إنما بدأ منذ أن خالف الإمام عقائد المنحرفين في عصره ، وجهر بدعوة التوحيد ، وفي هذا يقول – رحمه الله – في رسالته لعلماء البلد الحرام : " سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ وبعد : جرى علينا من الفتنة مابلغكم وبلغ غيركم ، وسببه هدم بناء في أرضنا على قبور الصالحين ، ومع هذا نهيناهم عن دعوة الصالحين ، وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله ، فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البناء على القبور ، كبر على العامة ، وعاضدهم بعض من يدعي العلم ؛ لأسباب ما تخفى على مثلكم ، أعظمها اتباع الهوى ، مع أسباب أخر فأشاعوا عنا أنا نسب الصالحين ، وأنا على غير جادة العلماء ، ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب ، وذكروا عنا أشياء يستحي العاقل من ذكرها " . فما المالكي إلا حلقة ضئيلة في سلسلة بائسة من أهل البدع والمناوئين على مر الأيام ، ولكنه يفوقهم قبحًا ووزرًا ؛ لأنه يمارس هذا التلبيس والضلال في وقت تكشفت فيه الحقائق ، وانجلت الغمة بإظهار الله – عز وجل – لهذه الدعوة ، وانتشارها في الآفاق ، وانقشاع غشاوة الشبهات والأكاذيب التي أثيرت حولها ، رغم كيد الحاقدين .

ولطلاب الحق أن يُطالعوا هذه الرسائل المهمة : " عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي " للشيخ صالح العبود ، " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب " للدكتور عبدالعزيز آل عبداللطيف ، " إسلامية لا وهابية " للشيخ ناصر العقل ، " الشيخ محمد بن عبدالوهاب المجدد المفترى عليه " للشيخ أحمد بن حجر آل بو طامي ، " محمد بن عبدالوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه " للأستاذ مسعود الندوي ، و " كشف الأكاذيب والشبهات عن دعوة المصلح الإمام محمد بن عبدالوهاب " للأستاذ صلاح آل الشيخ .

تمهيد ( 2 ) : الحوار لا ينبغي أن يكون عن وجود " التكفير " ، إنما يكون عن أسبابه

إن الشيخ – رحمه الله – وأتباع دعوة التوحيد مع خصومهم – قديمًا وحديثًا – يدورون في حلقة مفرغة ، وجدال عقيم ؛ عندما يتهمونه وأتباعه أنهم يُكفرون المسلمين أو أن عندهم غلوًا في التكفير .. الخ تهمهم ؛ لأنه سيرد عليهم بأنه يبرأ من ذلك كله ، وإنما هو يكفر من وقع في الشرك الأكبر

فالخلاف بينه وبينهم ينبغي أن لا يكون في مجرد " التكفير " ؛ لأنه لا إسلام دون تكفير لمن يستحق التكفير – لو كان الخصوم يعقلون - ، ونصوص الكتاب والسنة حافلة بهذا ، إنما الخلاف – كما سبق في مقدمة الرسالة – ينبغي أن يكون في حقيقة من كفرهم الشيخ ؛ هل هم مسلمون ؟ أو أنهم نقضوا إسلامهم بما ارتكبوه ودافعوا عنه من " شركيات " ؟

فينبغي أن تنصرف جهود خصوم الشيخ – ومن وافقهم – إلى إثبات أن من كفرهم الشيخ مسلمون – رغم صرفهم أنواعًا من العبادة لغير الله ؛ من نذر أو *** أو دعاء .. الخ .

هاهنا المعترك بين الشيخ وخصومه .

أما الصياح بأن الشيخ كفر هؤلاء أو قاتل أولئك ، والاعتقاد بأنهم بهذا أقاموا الحجة على أن دعوة الشيخ " تكفيرية " ! فهذا سذاجة وجهل . لأن الشيخ وعلماء دعوته لم يُنكروا هذا كله – رغم التزيدات والفهم السقيم كما سيأتي - حتى " يفرح " البعض بالعثور عليه ! بل هم يقرون ما ثبت منه ، ولا يعدونه مذمة – مادام مرجعه الأدلة الشرعية - .

فالخلاف ينبغي أن يكون في : " هل يستحق هؤلاء المكفَّـرين " أن يُحكم عليهم بذلك ، أو لا يستحقون ؟! ويكون المرجع في هذا الأدلة الشرعية بفهم سلف الأمة ، لا بمجرد العواطف والأماني التي يعقبها " التباكي "

تمهيد ( 3 ) : عند المخالفين : من قال " لا إله إلا الله " فقد برئ من الكفر مهما ارتكب من النواقض !

ظن المخالفون للشيخ أن من قال : لا إله إلا الله لا يكفر، ولو لم يعمل بمقتضاها، ويقولون إن الذين قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكفَّرهم، ونزل فيهم القرآن، لا يشهدون أن (لا إله إلا الله) فكيف يُجعل أولئك المشركون الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله مثل الذي يقولها ويصلي ويصوم؟ ولأن هذه المسألة من أهم المسائل التي إذا ما وعاها المسلم وفهمها حق الفهم تيقن افتراء الخصوم على دعوة الشيخ ، وعدم فهمهم لحقيقة التوحيد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإليك نقولا مفيدة للشيخ – الذي أولاها الأهمية - ولبعض علماء الدعوة وغيرهم :

- هذه الشبهة أُوردت على الإمام محمد بن عبدالوهاب، وتولى الإجابة عليها بنفسه، قال - رحمه الله - ما نصه : " اعلم أن لهؤلاء شبهة، يوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم، فأصغ سمعك لجوابها، وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن، لا يشهدون أن (لا إله إلا الله)، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن، ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي، ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟ فالجواب: أنه لا خلاف بين العلماء كلهم، أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، وكذبه في شيء، أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن، وجحد بعضه، كمن أقر بالتوحيد، وجحد وجوب الزكاة، أو أقر بهذا كله، وجحد الصوم، أو أقر بهذا كله، وجحد الحج.

ولما لم ينقد أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج، أنزل الله في حقهم )فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين( ، ومن أقر بهذا كله، وجحد البعث، كفر بالإجماع، وحل دمه وماله، كما قال تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً( ، فإذا كان الله قد صرّح في كتابه، أن من آمن ببعض، وكفر ببعض، فهو الكافر حقاً، وأنه يستحق ما ذكر، زالت الشبهة، وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الأحساء، في كتابه الذي أرسله إلينا.

ويقال أيضاً: إن كنت تقر أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وجحد وجوب الصلاة، إنه كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان، وصدق بذلك كله، لا تختلف المذاهب فيه، وقد نطق به القرآن كما قدمنا.

فمعلوم أن التوحيد هم أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذه الأمور كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل! ويقال أيضاً: هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاتلوا بني حنيفة، وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويؤذنون، ويصلون.

فإن قال إنهم يقولون: إن مسيلمة نبي، فقل: هذا هو المطلوب، إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي صلى الله عليه وسلم كفر، وحل ماله ودمه، ولم تنفعه الشهادتان، ولا الصلاة، فكيف بمن رفع شمسان، أو يوسف ؟ أو صحابياً أو نبياً إلى مرتبة جبار السماوات والأرض؟ سبحان الله ما أعظم شأنه )كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون( .

ويقال أيضاً: الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار، كلهم يدعون الإسلام، وهم من أصحاب علي، وتعلموا العلم من الصحابة، ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابة على ***هم وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟ أم تظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر، والاعتقاد في علي بن أبي طالب يكفر؟

ويقال أيضاً : بنو عبيد القداح، الذين ملكوا المغرب في زمان بني العباس، كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويدّعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء، دون ما نحن فيه، أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون، حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.

ويقال أيضاً: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول والقرآن وإنكار البعث وغير ذلك، فما معنى الباب الذي ذكره العلماء في كل مذهب: (باب حكم المرتد)، وهو المسلم الذي يكف بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعاً كثيرة كل نوع منها، يكفِّر ويُحل دم الرجل وماله، حتى إنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب.

ويقال أيضاً: الذين قال الله فيهم )يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم( ، أما سمعت الله كفّرهم بكلمة، مع كونهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجاهدون معه، ويصلون، ويزكون ويحجون ويوحدون.

وكذلك الذين قال الله فيهم )لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( ، فهؤلاء الذين صرح الله فيهم أنهم كفروا بعد إيمانهم، وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح.

فتأمل هذه الشبهة، وهي قولهم: تكفِّرون من المسلمين أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله، ويصلون ويصومون، ثم تأمل جوابها، فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق... إلى أن قال: وللمشركين شبهة أخرى: يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة *** من قال لا إله إلا الله، وكذلك قوله "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"، وأحاديث أخر في الكف عمن قالها.

ومراد هؤلاء الجهلة: أن من قالها لا يكفر، ولا يُ***، ولو فعل ما فعل. فيقال لهؤلاء المشركين الجهال: معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود، وسباهم، وهم يقولون لا إله إلا الله.

وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويصلون ويدّعون الإسلام.

وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار، وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر و***، ولو قال لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئاً من أركان الإسلام كفر وقُتل، ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعا من الفروع، وتنفعه إذا جحد التوحيد، الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟ ولكن أعداء الله ما فهموا الأحاديث.

فأما حديث أسامة: فإنه *** رجلاً ادّعى الإسلام، بسبب أنه ظن أنه ما ادّعى الإسلام إلا خوفاً على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام: وجب الكف عنه، حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، وأنزل الله تعالى في ذلك )يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا( ، أي: فتثبتوا، فالآية تدل: على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قُتل، لقوله تعالى )فتبينوا(، ولو كان لا يُ*** إذا قالها، لم يكن للتثبت معنى.

وكذلك الحديث الآخر وأمثاله، معناه ما ذكرناه أن : من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه، إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك. والدليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أ***ته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ وقال: "أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، هو الذي قال في الخوارج "أينما لقيتموهم فا***وهم، لئن أدركتهم لأقلنهم *** عاد"، مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلاً وتسبيحاً، حتى إن الصحابة يحقرون صلاتهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة، فلم تنفعهم لا إله إلا الله، ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام، لما ظهر منهم مخالفة الشريعة" .

- و قال الشيخ عبدالله أبا بطين – رحمه الله - : " من أعظم المصائب إعراض أكثر الناس عن النظر في معنى هذه الكلمة العظيمة – أي لا إله إلا الله - ، حتى صار كثير منهم يقول : من قال لا إله إلا الله ما نقول فيه شيئًا وإن فعل ما فعل ! لعدم معرفتهم بهذه الكلمة نفيًا وإثباتًا . مع أن قائل ذلك لابد أن يتناقض ، فلو قيل له : ما تقول فيمن قال : لا إله إلا الله ، ولا يُقر برسالة محمد بن عبدالله ؟ لم يتوقف في تكفيره . أو أقر بالشهادتين وأنكر البعث ؟ لم يتوقف في تكفيره . أو استحل الزنا أو اللواط أو نحوهما ، أو قال إن الصلوات الخمس ليست بفرض ، أو أن صيام رمضان ليس بفرض ؟ فلابد أن يقول بكفر من قال ذلك . فكيف لاتنفعه لاإله إلا الله ولاتحول بينه وبين الكفر ؟!! فإذا ارتكب ما يناقضها ؛ وهو عبادة غير الله ، وهو الشرك الأكبر الذي هو أكبر الذنوب ، قيل : هو يقول لا إله إلا الله ، ولا يجوز تكفيره!! "

- وقال – أيضًا - رحمه الله-: "ولازم قول من قال: إنه لا يجوز قتال من قال لا إله إلا الله. تخطئة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتالهم مانعي الزكاة، وإجماعهم على قتال من لا يصلي إذا كانوا طائفة ممتنعين. بل يلزم من ذلك تخطئة جميع الصحابة في قتالهم بني حنيفة، وتخطئة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قتال الخوارج، بل لازم ذلك رد النصوص بل رد نصوص القرآن كما قدمنا، ورد نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا تحصى، ويلزم صاحب هذه المقالة الفاسدة أنه لا يجوز قتال اليهود لأنهم يقولون لا إله إلا الله !! فتبين بما قررناه أن صاحب هذا القول مخالف للكتاب والسنة والإجماع".

- وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن – رحمه الله - : " وقد غلط كثير من المشركين في هذه الأعصار، وظنوا أن من كفَّر من تلفظ بالشهادتين فهو من الخوارج، وليس كذلك؛ بل التلفظ بالشهادتين لا يكون مانعاً من التكفير إلا لمن عرف معناهما، وعمل بمقتضاهما، وأخلص العبادة لله، ولم يشرك به سواه، فهذا تنفعه الشهادتان .

وأما من قالهما ولم يحصل انقياد لمقتضاهما، بل أشرك بالله، واتخذ الوسائط والشفعاء من دون الله، وطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، وقرَّب لهم القرابين، وفعل لهم ما يفعله أهل الجاهلية من المشركين، فهذا لا تنفعه الشهادتان بل هو كاذب في شهادته، كما قال تعالى: ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (.

ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله هو : عبادة الله ، وترك عبادة ما سواه ، فمن استكبر عن عبادته ولم يعبده ؛ فليس ممن يشهد أن لا إله إلا الله ، ومن عبده وعبد معه غيره ؛ فليس هو ممن يشهد أن لا إله إلا الله ".

- وقال – رحمه الله – رادًا على من تشرب قلبه هذه الشبهة ممن شابههم المالكي :

" وأما قوله: ومن تسمّى بالإسلام، وأحب محمداً سيد الأنام، وأحب أصحابه الكرام، واتبع العلماء الأعلام، لا يكفِّر أحداً من سائر المسلمين، فضلاً عن هداتهم في الدين، اللهم إلا أن يكون من الغلاة الذين أسقطوا حرمة "لا إله إلا الله" وسوّل لهم الشيطان وأملى لهم، حيث استباحوا دماء المسلمين إلى آخر رسالته.

فيقال في جوابه: هذا الجاهل يظن أن من أشرك بالله واتخذ معه الأنداد والآلهة، ودعاهم مع الله لتفريج الكربات وإغاثة اللهفات، يحكم عليه والحال هذه بأنه من المسلمين؛ لأنه يتلفظ بالشهادتين، ومناقضتهما لا تضره، ولا توجب عند كفره، فمن كفَّره فهو من الغلاة الذين أسقطوا حرمة "لا إله إلا الله" وهذا القول مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم، ويتوكل عليهم كفر إجماعاً" . انتهى

ومجرد التلفظ من غير التزام لما دلَّت عليه كلمة الشهادة، لا يجدي شيئاً، والمنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار.

نعم، إذا قالها المشرك ولم يتبين منه ما يخالفها، فهو ممن يُكف عنه بمجرد القول، ويحكم بإسلامه، وأما إذا تبين منه وتكرر عدم التزامه ما دلّت عليه من الإيمان بالله وتوحيده والكفر بما يعبد من دونه، فهذا لا يحكم له بالإسلام ولا كرامة له، ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة تدل على هذا.

فمن تسمى بالإسلام حقيقة، وأحب محمداً، واقتدى به في الطريقة، وأحب أصحابه الكرام، ومن تبعهم من علماء الشريعة، يجزم ولا يتوقف بكفر من سوّى بالله غيره، ودعا معه سواه من الأنداد والآلهة، ولكن هذا الصحاف يغلط في مسمى الإسلام، ولا يعرف حقيقته ، وكلامه يحتمل أنه قصد الخوارج الذين يكفرون بما دون الشرك من الذنوب وحينئذ يكون له وجه، ولكنه احتمال بعيد، والظاهر الأول.

وقد ابتلي بهذه الشبهة، وضل بها كثيرٌ من الناس، وظنوا أن مجرد التكلم بالشهادتين مانع من الكفر، وقد قال تعالى: )ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون (. وقال تعالى: )ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين (. وقال تعالى: )له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال( فالتكفير بدعاء غير الله: هو نص كتاب الله، وفي الحديث: "من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار". وفي الحديث أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها". وفي رواية: "إلا بحق الإسلام".

وأعظم حق الإسلام وأصله الأصيل هو: عبادة الله وحده، والكفر بما يعبد من دونه، وهذا هو الذي دلت عليه كلمة الإخلاص، فمن قالها وعبد غير الله، أو استكبر عن عبادة الله فهو مكذب لنفسه، شاهد عليها بالكفر والإشراك.

وقد عقد كل طائفة من أتباع الأئمة في كتب الفقه باب مستقلاً في حكم المرتد، وذكروا أشياء كثيرة يكفر بها الإنسان، ولو كان يشهد أن لا إله إلا الله، وقد قال تعالى في النفر الذين قالوا في غزوة تبوك بعض القول الذي فيه ذمٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه: )ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( فكفَّرهم بعد إيمانهم بالاستهزاء ولو كان على وجه المزح واللعب، ولم يمنع ذلك قولهم "لا إله إلا الله".

وكذلك: إجماع الأمة على كفر من صدَّق مسيلمة الكذاب، ولو شهد "أن لا إله إلا الله" وقد كفَّر الصحابة أهل مسجد بالكوفة بكلمة ذُكرت عنهم في احتمال صدق مسيلمة، ولم يلتفت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنهم يشهدون "أن لا إله إلا الله". لأنه قد وجد منهم ما ينافيها: )ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور( وبالجملة فالذي يقوم بحرمة "لا إله إلا الله": هم الذين جاهدوا الناس عليها، ودعوهم إلى التزامها علماً وعملاً، كما هي طريقة رسل الله وأنبيائه، ومن تبعهم بإحسان، كشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله تعالى- وأما من أباح الشرك بالله وعبادة غيره، وتولى المشركين، وذب عنهم، وعادى الموحدين وتبرأ منهم فهو الذي أسقط حرمة (لا إله إلا الله) ، ولم يعظمها، ولا قام بحقها، ولو زعم أنه من أهلها القائمين بحرمتها " .

وقال – أيضًا – رحمه الله - : " وقد رأيت لبعض المعاصرين كتاباً يعارض به ما قرر شيخنا من أصول الملة والدين؛ ويجادل بمنع تضليل عُبَّاد الأولياء والصالحين، ويناضل عن غلاة الرافضة والمشركين، الذين أنزلوا العباد بمنـزلة الله رب العالمين، وأكثر التشبيه بأنهم من الأمة، وأنهم يقولون: لا إله إلا الله، وأنهم يصلون ويصومون، ونسي في ذلك عهود الحمى؛ وما قرَّره كافة الراسخين من العلماء، وأجمع عليه الموافق والمخالف من الجمهور والدهماء، ونصَّ عليه الأكابر والخواص، من اشتراط العلم والعمل في الإتيان بكلمة الإخلاص، والحكم بموجب الردة على فاعل ذلك من سائر العبيد والأشخاص، وسمّى كتابه: "جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة"، ومراده بالأمة هنا: من عبد آل البيت وغلا فيهم، وعبد الصالحين ودعاهم، واستغاث بهم؛ وجعلهم وسائط بينه وبين الله يدعوهم ويتوكل عليهم !! هذا مراده ولكنه أوقع عليهم لفظ الأمة ترويجاً على الأغمار والجهال، ولبساً للحق بالباطل، وهو يعلم ذلك وسيجزيه الله ما وعد به أمثاله من المفترين. قال تعالى: )إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين( ، فلكل مفترٍ نصيب منها بحسب جرمه وعلى قدر ذنبه، وقد رأيت على هذا الرجل من الذلة والمهانة مدة حياته ما هو ظاهر بين يعرفه من عرفه " .

- وقال – رحمه الله - : " إن الشيخ إنما كفّر وقاتل وأخذ الأموال بأحداث لا تزال موجودة في الأمة تقلّ وتكثر، وأنها لا يكفر بها أحد، وأن تكفير الصحابة لمن كفَّروه من أهل الردة على اختلافهم، وتكفير علي للغلاة، وتكفيره للسحرة و***هم، وتكفير من بعدهم للقدرية ونحوهم، وتكفير من بعد أولئك للجهمية، و***هم للجعد بن درهم وجهم بن صفوان ومن على رأيهم، و***هم للزنادقة، وهكذا في كل قرن وعصر من أهل العلم والفقه والحديث طائفة قائمة تكفر من كفَّره الله ورسوله، وقام الدليل على كفره لا يتحاشون عن ذلك؛ بل يرونه من واجبات الدين وقواعد الإسلام وفي الحديث: "من بدل دينه فا***وه"، وبعض العلماء يرى أن هذا والجهاد عليه ركن لا يتم الإسلام بدونه.

وقد سلك سبيلهم الأئمة الأربعة المقلدون، وأتباعهم في كل عصر ومصر، وكفَّروا طوائف من أهل الأحداث، كالقرامطة والباطنية، وكفّروا العبيديين ملوك مصر وقاتلوهم، وهم يبنون المساجد، ويصلون ويؤذنون، ويدَّعون نصرة أهل البيت، وصنَّف ابن الجوزي كتاباً سمَّاه "النصر على مصر" ذكر فيه وجوب قتالهم، وردتهم.

وقد عقد الفقهاء في كل كتاب من كتب الفقه المصنفة على مذاهبهم، أبواباً مستقلة في حكم أهل الأحداث التي توجب الردة، وسماه: باب الردة، وأكثرهم عرَّفوا المرتد: بأنه الذي يكفر بعد إسلامه، وذكروا أشياء دون ما نحن فيه من المكفرات حكموا بكفر فاعلها، وإن صلى وصام، وزعم أنه مسلم. قال الشيخ عثمان الحنبلي صاحب "حاشية المنتهى" في عقيدته: تتمة: الإسلام: الإتيان بالشهادتين مع اعتقادهما والتزام الأركان الخمسة إذا تعينت وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به: ومن جحد ما لا يتم الإسلام بدونه، أو جحد حكماً ظاهراً، أجمع على تحريمه أو حله إجماعاً قطعياً، أو ثبت جزماً كتحريم لحم الخنـزير، أو حل خبز، ونحوهما كفر، أو فعل كبيرة، وهي ما فيها حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو داوم على صغيرة – وهي ما عدا ذلك- فسق . انتهى.

وهذا يعرفه صغار الطلبة فضلاً عن العلماء الممارسين.

وهذا الأحمق يَعُدُّ هذا باباً ضيقاً، ويسفه رأي الأئمة وعلماء الأمة ويجهلهم، وهو يزعم أنه ينصرهم. وما أحسن ما قيل: " لأن يعادي المرء عاقلاً خير له من أن يكون له صديق أحمق " .والباب الذي يسع كل أحد هو الباب الشرعي، الذي عليه الداعي النبوي. وأما إهمال الجهاد، وعدم تكفير المرتدين، ومن عدل بربه، واتخذ معه الأنداد والآلهة، فهذا إنما يسلكه من لم يؤمن بالله ورسوله، ولم يُعَظِّم أمره، ولم يسلك صراطه، ولم يقدر الله ورسوله حق قدره، بل ولا قدَّر علماء الأمة وأئمتها حق قدرهم، وهذا هو الحرج والضيق. قال تعالى: )فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام( .والجهاد للمارقين والمرتدين وتكفيرهم داخل في مسمى الإسلام، بل هو من أركانه العشرة، كما نصَّ عليه بعض المحققين، وفي الحديث: "وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" فلا ينشرح له ويراه حقاً وواسعاً إلا صدر من أراد الله هدايته وتوفيقه، ويراه ضيقاً حرجاً من أراد الله أن يضله ويخزيه بين عباده المؤمنين. هكذا يقرر الكلام هنا والقول في هذا الموضع، لا ما زعمه من خسف الله قلبه، فعكس القضية، وراغم الأدلة الشرعية، والقوانين المحمدية، فبعداً لقوم لا يؤمنون. وأما قوله: (إن تكفيرها حذَّر منه نبيها صلى الله عليه وسلم غاية التحذير) .

فيقال: إن زعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر عن تكفير من أتى ما يوجب الكفر ويقتضيه ممن بدّل دينه، فهذا مكابرة وجحد للضروريات والحسيّات، وقائله إلى أن يعالج عقله أحوج منه إلى تلاوة الآيات والأحاديث، وحكاية الإجماع، وفعل الأمة طبقة طبقة وقرناً قرناً. وإن أراد أن النهي عن تكفير عموم الأمة وجميعها: فهذا لم يقله أحد، ولم نسمع به عن مارق ولا مبتدع، وهل يقول هذا من له عقل يدرك به ويعرف ما في الأمة من العلم والإيمان والدين؟ وأما بعض الأمة فلا مانع من تكفير من قام الدليل على كفره كبني حنيفة، وسائر أهل الردة في زمن أبي بكر، وغلاة القدرية والمارقين الذين مرقوا في زمن علي رضي الله عنه وغلوا فيه، وهكذا الحال في كل وقت وزمان، ولولا ذلك لبطل الجهاد وترك الكلام في أهل الردة وأحكامهم، وفي هذا القول ما تقدم من تسفيه جميع الأمة، وتجهيل علمائها الذين كفّروا بكثير من الأحداث والمكفِّرات، وفيه أنهم لم يسلكوا الطريق الواسع، ولم يفهموا الحديث عن نبيهم . وبالجملة: فهذا المعترض مموّه بلفظ الأمة مُلَبِّس " .

- وقال – رحمه الله - : " واعلم أن هذا المعترض لم يتصور حقيقة الإسلام والتوحيد؛ بل ظن أنه مجرَّد قول بلا معرفة ولا اعتقاد، وإلا فالتصريح بالشهادتين والإتيان بهما ظاهراً هو نفس التصريح بالعداوة والبغضاء، وما أحسن ما قيل: وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم.

ولأجل عدم تصوره أنكر هذا، وردّ إلحاق المشركين في هذه الأزمان بالمشركين الأولين، ومنع إعطاء النظير حكم نظيره، وإجراء الحكم مع علته، واعتقد أن من عبد الصالحين ودعاهم وتوكل عليهم وقرَّب لهم القرابين مسلم من هذه الأمة، لأنه يشهد أن لا إله إلا الله ويبني المساجد ويصلي، وأن ذلك يكفي في الحكم بالإسلام ولو فعل ما فعل من الشركيات !! وحينئذٍ فالكلام مع هذا وأمثاله في بيان الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وحكم بأنه لا يغفر، وأن الجنة حرام على أهله، وفي بيان الإيمان والتوحيد الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وحرم أهله على النار، فإذا عرف هذا وتصوره تبيَّن له: أن الحكم يدور مع علَّته، وبطل اعتراضه من أصله، وانهدم بناؤه " .

- وقال – رحمه الله – موجهًا حديثه إلى من هم سلفٌ للمالكي : " ما تقول في الغالية الذين حرَّقهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بمشهد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! أهم من الثنتين والسبعين فرقة أم لا؟ وما تقول في مانعي الزكاة الذين قاتلهم الصديق وأجمعت الصحابة على تكفيرهم، أهم من الثنتين والسبعين فرقة أم لا ؟ وكذلك بنو حنيفة، وبنو عبيد القداح ملوك مصر والمغرب، فإن دخلوا في الثنتين والسبعين فرقة بطل تأسيسك وانهدم أصلك الفاسد، وإن لم يدخلوا كما هو الصحيح بطل إدخالك أمثالهم من عُبَّاد القبور في مسمى الأمة في هذا الحديث، وثبت أن من الفرق من يخرج عن الملة ويرتد بما خالف فيه من نحلته " .

وقال الشيخ أحمد بن حجر آل بو طامي : "ونحن نسأل هؤلاء المنتقدين: ما حكم من تشهد بالشهادتين وصلى وصام وحج البيت الحرام وكثيراً ما تصدق على الفقراء والمساكين ويعمل أعمال البر، ولكن أخذ ورقة من أوراق المصحف الشريف وألقاها في القاذورات وهو يعرف أن هذا لا يجوز، بل هذا كفر ولكنه عمل هذا مع أنه قد أتى بتلك الأعمال الجليلة كما سبق ذكره.

فما يكون موقف هؤلاء؟ هل يقولون إنه مسلم لأنه تشهد بالشهادتين وصلى وصام؟ أو يقولون إنه كافر؟ فإن قالوا هو مسلم فقد خالفوا الإسلام وإجماع المسلمين، وسأورد للقارئ من نصوص العلماء ما يبين خطأهم وضلالهم. وإن قالوا كافر فقد نقضوا قولهم وانهار أساسهم حيث أنهم خطأوا الوهابيين على زعمهم وبدعواهم لأنهم يُكفرون من يستغيث بغير الله، أو ينذر لغير الله ولم يراعوا أنه تشهد بكلمة الشهادتين، فهاهم كفروا من كان مسلماً على زعمهم ولم يلتفتوا إلى قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولم تشفع له أعماله الجليلة عندهم.

وها أنا ذا أنقل للقراء من كلام العلماء أتباع المذاهب الأربعة في تكفير من أتى بشيء مما سيأتي بيانه". – ثم ذكر ما تيسر منها - .

تمهيد ( 4 ) : عدم فهم المخالفين لحقيقة العبادة

إن المناوئين لدعوة الشيخ – ومنهم المالكي ومن تأثر به - يعترفون أن الشرك الذي حرمه الله - عز وجل – هو صرف " العبادة " لغير الله ، ولكنهم يُخرجون بعض أفرادها ؛ كالدعاء أو ال*** أو النذر . وهم بهذا وقعوا في جهل وتناقض ؛ جهل بحقيقة العبادة ومعناها ، وتناقض عندما فرقوا بين المتماثلات .

وفي هذا يقول الشيخ عبدالله أبا بطين – رحمه الله - عن أحد هؤلاء الخصوم : " فإنه مع اعترافه بأن الشرك الذي حرمه الله هو الشرك في العبادة ، لا يعرف حد العبادة وحقيقتها ، وربما قال : العبادة التي صرفها لغير الله شرك : الصلاة والسجود . فإذا طُلب منه الدليل على أن الله سمى الصلاة لغيره أو السجود لغيره شركًا ، لم يجده ، وربما قال : لأن ذلك خضوع ، والخضوع لغير الله شرك ! فيقال له : هل تجد في القرآن أو السنة تسمية هذا الخضوع شركًا ؟ فلا يجده . فيلزمه أن يقول : لأنه عبادة لغير الله . فيقال : وكذلك الدعاء وال*** والنذر عبادات ، مع ما يلزم هذه العبادات من أعمال القلوب : من الذل والخضوع والحب والتعظيم والتوكل والخوف والرجاء وغير ذلك " .

تمهيد ( 5 ) : خلط المناوئين للشيخ بين " التوسل " البدعي والشركي ! ثم افتراؤهم على الشيخ أنه يُكفر بالأول !

إن المناوئين لدعوة الشيخ يخلطون بين " التوسل " البدعي المختلف فيه ، وبين " الاستغاثة " أو " الشفاعة " الشركية ؛ تلبيسًا على المسلمين ؛ فيسمون الثاني باسم الأول ؛ ثم يضيفون لهذا الخلط والتلبيس افتراء وبهتانًا على الشيخ أنه يُكفر " المتوسل " ! فيظن المسلمون ويصدقون أنه يُكفر من وقع في التوسل المختلف فيه ، وهذا ما يريده الخصوم ! – وقد تابعهم المالكي في هذا البهتان للأسف رغم ادعائه العقيدة السلفية !!

- يقول الدكتور عبدالعزيز آل عبداللطيف في رسالته " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب " : " لقد استغل الخصوم هذا الإجمال والاشتراك في لفظ التوسل، فقبلوا الحقائق، وأجازوا دعاء الموتى، والاستغاثة بهم باسم التوسل، ثم زعموا أن الشيخ الإمام يكفّر من توسل بالأنبياء والصالحين !!

إن الشيخ الإمام كفّر من استغاث بالأموات سواء كانوا أنبياء أو أولياء ولو سميت تلك الاستغاثة توسلاً، فالعبرة بالحقائق والمعاني وليست بالأسماء والمباني، فالتوسل عند عبّاد القبور يطلقونه على الاستغاثة بالموتى وطلب الحاجات منهم –كما تقدم-. وأما دعوى أن الشيخ كفّر من توسل بالصالحين، بمعنى سؤال الله بجاه هؤلاء الصالحين فقد أجاب الشيخ الإمام على تلك الدعوى –رداً على ابن سحيم- فقال: "فالمسائل التي شنع بها، منها ما هو من البهتان الظاهر وذكر الشيخ الإمام منها- قوله: أني أكفر من توسل بالصالحين، وجوابي أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم" .

ووضح حفيده الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب الفرق بينهما بقوله: " اعلم أن التوسل بذات المخلوق أو بجاهه غير سؤاله ودعائه، فالتوسل بذاته أو بجاهه أن يقول: اللهم اغفر لي وارحمني، وادخلني الجنة بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك فهذا بدعة ليس شرك، وسؤاله ودعاؤه هو أن يقول: يا رسول الله أسألك الشفاعة وأنا في كرب شديد، فرّج عني، واستجرت بك من فلان فأجرني ونحو ذلك، فهذا كفر وشرك أكبر ينقل صاحبه من الملة؛ لأنه صرف حق الله لغيره؛ لأن الدعاء عبادة لا يصلح إلا لله، فمن دعاه فقد عبده، ومن عبد غير الله فقد أشرك، والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر، وكثير من الناس لا يميز ولا يفرق بين التوسل بالمخلوق أو بجاهه، وبين دعائه وسؤاله فافهم ذلك " .

وقال الشيخ عبدالله أبابطين – رحمه الله – : " فإذا علم الانسان وتحقق معنى الإله وأنه المعبود ، وعرف حقيقة العبادة ، تبين له أن من جعل شيئًا من العبادة لغير الله فقد عبده واتخذه إلهًا ، وإن فر من تسميته معبودًا أو إلهًا ، وسمى ذلك توسلا وتشفعًا أو التجاءً ونحو ذلك . فالمشرك مشرك شاء أم أبى ، كما أن المرابي مرابٍ شاء أم أبى ، وإن لم يُسمّ ما فعله ربًا ، وشارب الخمر شاربٌ للخمر وإن سماها بغير اسمها ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يأتي ناسٌ من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها " ، فتغيير الاسم لايُغير حقيقة المسمى ولايُزيل حكمه " .

وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن – رحمه الله - : " تلطف الشيطان في كيد هؤلاء الغلاة في قبور الصالحين ، بأن دس عليهم تغيير الأسماء والحدود الشرعية ، والألفاظ اللغوية ؛ فسموا الشرك وعبادة الصالحين توسلا ونداء وحُسن اعتقاد في الأولياء وتشفعًا بهم واستظهارًا بأرواحهم الشريفة ؛ فاستجاب له صبيان العقول وخفافيش البصائر ، وداروا مع الأسماء ولم يقفوا مع الحقائق " .

وقال - أيضًا - : " اعلم أن مسألة الله بجاه الخلق نوع، ومسألة الخلق ما لا يقدر عليه إلا الله نوع آخر، فمسألة الله بجاه عباده منعها أهل العلم، ولم يجزها أحد ممن يعتد به، ويقتدى به كالأئمة الأربعة، وأمثالهم من أهل العلم والحديث، إلا أن ابن عبد السلام أجاز ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقيّده بثبوت صحة الحديث الذي جاء في ذلك وهو حديث الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ادع يا محمد الحديث قال ابن عبدالسلام إن صح الحديث فيجوز بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، والحديث في سنده من لا يحتج به عند أهل العلم كما لا يخفى على أهل الصناعة. إلى أن قال الشيخ عبداللطيف: وبالجملة فهذه المسألة نوع، ولا يخرج بها الإنسان عن مسئلة الله، وإنما الكلام في سؤال العباد وقصدهم من دون الله... فسؤال العباد والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جلي، ولو قال يا ولي الله اشفع لي فإن نفس السؤال محرم، وطلب الشفاعة منهم بشبه قول النصارى يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله وقد أجمع المسلمون على أن هذا شرك.

وقال الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله - : " المسألة الثالثة ؛ وهي مسألة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهو أن يقول القائل : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فهي مسألة مشهورة ، والكلام فيها معروف .. – إلى أن يقول – ونحن وإن قلنا بالمنع من التوسل به صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ أو نحوه لما نعتقده من أصحية المنع ، فنحن مع ذلك لا نشدد في ذلك على من فعله مستدلا بالحديث ؛ فضلا عن أن نكفره ، كما ينسبه إلينا من لم يعرف حقيقة ما نحن عليه " .

وقال الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله – رادًا على أحد الشانئين ممن شابههم المالكي في الافتراء : " قد كان من المعلوم أن الوهابية لا يقولون إن التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وجاهه وحقه وزيارة قبره الشريف شركٌ بالله ، بل هذا من الكذب الموضوع على الوهابية ، وهم – ولله الحمد – فيما يقولون وينتحلون على صراط مستقيم ، ولايقولون بجهل الجاهلين وانتحال المبطلين الزائغين عن الدين القويم ، بل يقولون إن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحرمة المحدثة في الإسلام ؛ لأنه لم يرد نصٌ عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا من بعدهم من سلف الأمة وأئمتها المهتدين ... " ثم وضح – رحمه الله – الفرق بين التوسل البدعي والاستغاثة الشركية .

وقال الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ : " التوسل بالأموات قسمان : قسم محرم لا يجوز ؛ كأن تقول : اللهم إني أتوسل إليك بفلان ، وقسم شرك لا يُغفر ؛ كأن يقول القائل : يا سيدي يا بدوي أنا في حسبك ، أنا في عرضك ، اشفع لي ، يا سيدي الحسين اشفع لي ، فهذا شرك ؛ لأن الشفاعة ملك لله ، ولا تُطلب إلا منه " .

وأختم بجواب رائع للشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ – حفظه الله – يجلي هذا الأمر الذي حاول المخالفون الخلط فيه :

" سؤال: ما الفرق بين التوسل والشفاعة، نرجو التوضيح وجزاكم الله خيراً.

الجواب: التوسل هو اتخاذ الوسيلة، والوسيلة: هي الحاجة نفسها، أو ما يوصل إلى الحاجة وقد يكون ذلك التوسل باستشفاع، يعني: بطلب شفاعة؛ بمعنى أنه يريد أن يصل إلى حاجته –بحسب ظنه- بالاستشفاع، وقد يروم التوصل إلى حاجته –بحسب ظنه- بغير الاستشفاع؛ فيتوسل مثلاً بالذوات فيسأل الله بذات فلان، أو بجاهه، أو بحرمته، مثل أن يقول: اللهم إني أسألك بنبيك محمد –بعد وفاته عليه الصلاة والسلام- أو يقول: اللهم إني أسألك بأبي بكر، أو بعمر، أو بالإمام أحمد، أو بابن تيمية، أو بالولي الفلاني، أو بأهل بدر، أو بأهل بيعة الرضوان، أو بغيرهم. فهذا هو الذي يسمونه توسلاً، وهذا التوسل معناه: أنه جعل أولئك وسيلة، وأحياناً يستعمل في التوسل لفظ: الحرمة، والجاه، فيقول: أسألك بحرمتهم، أو أسألك بجاههم، ونحو ذلك .

أما الاستشفاع: فهو أن يسألهم الشفاعة أي: يطلب منهم أن يشفعوا له.

فتحصل من ذلك: أن التوسل يختلف عن الاستشفاع، في أنَّ المستشْفِع: طالب للشفاعة، وقد علم أن الشفاعة إذا طلبها من العبد يكون قد سأل غير الله، وأما المتوسل –بحسب عُرْف الاستعمال- فإنه يسأل الله، لكن يجعل ذلك بوسيلة أحدٍ.

فالاستشفاع: سؤال لغير الله، وأما الوسيلة فهي سؤال الله بفلان، أو بحرمته، أو بجاهه: وكل هذا لا يجوز؛ لأنه اعتداء في الدعاء؛ ولأنه بدعة محدثة ووسيلة إلى الشرك، وأما الاستشفاع بالمخلوق الذي لا يملك الدعاء، كالميت، أو الغائب، أو نحوهما: فهو شرك أكبر؛ لأنه طلب ودعاء لغير الله.

فالتوسل –بحسب العرف- هو من البدع المحدثة، ومن وسائل الشرك، وأما طلب الشفاعة من غير الله فهو دعاء غير الله، وهو شرك أكبر.

لكن الجاهليون والخرافيون والقبوريون يسمون جميع عباداتهم الشركية –من طلب الشفاعة، وال***، والنذر، والاستغاثة بالموتى، ودعائهم- توسلاً وهذا غلط في اللغة، والشرع معا، فالكلام في أصله لا يصح؛ فإن بين التوسل والشفاعة فرقاً من حيث مدلول المعنى اللغوي، فكيف يسوى بينهما في المعنى؟! أما إذا أخطأ الناس وسموا العبادات المختلفة توسلاً فهذا غلط من عندهم، لا يتحمله الشرع، ولا تتحمله اللغة " .

تمهيد ( 6 ) : خصوم الدعوة كفّروا الشيخ – رحمه الله – وأتباعه ، وبادروهم بالقتال

وهذا مالايذكره المناوئون للدعوة عند حديثهم عنها ! لأنه يناقض ويعارض ما يحاولون إشاعته . وقد اعترف بهذا المؤرخون :

- لقد اتخذ أشراف مكة موقفاً عدائياً من دعوة الشيخ محمد والدولة السعودية على حد سواء منذ البداية. فقد سجن أحد أولئك الأشراف الحجاج التابعين للدولة السعودية سنة (1162هـ) .

وأصدر قاضي الشرع في تلك البلدة المقدسة فتوى بتكفير الشيخ محمد وأتباعه.

ولذلك مُنِعوا من أداء الحج سنوات طويلة. وكم كانت فرحة الشيخ عظيمة عندما تلقى رسالة من الشريف أحمد بن سعيد عام (1185هـ)، طالباً منه بعث عالم نجدي لشرح الدعوة التي نادى بها. وقد أرسل إليه الشيخ تلميذه عبدالعزيز الحُصيِّن. وبعث معه رسالة تنبئ عبارتها بما كان يختلج في نفسه من مشاعر طيّبة تجاه ذلك الشريف، وما كان يملأ جوانحه من آمال في مناصرته لدعوة الحق. قال الشيخ:

"بسم الله الرحمن الرحيم. المعروض لديك، أدام الله فضل نِعَمه عليك، حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد - أعزَّه الله في الدارين، وأعزَّ به دين جده سيد الثقلين-، أن الكتاب لما وصل إلى الخادم وتأمَّل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج عنها. وهذا هو الواجب على ولاة الأمور... فلا بدَّ من الإيمان به - أي بالنبي صلى الله عليه وسلم- ولابد من نصرته لا يكفي أحدهما عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذين بعثه الله منهم، وشرَّفهم على أهل الأرض، وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم".

على أن هذه الرسالة اللطيفة لم تُجن منها الثمار المرجوَّة؛ ذلك أن الشريف أحمد نفسه لم يبق في الحكم أكثر من سنة، فتلاشى ما دار في ذهن الشيخ من أمل، واستمر منع أنصاره من أداء الحج، ومع مرور الأيام لم يكتف أشراف مكة بذلك المنع؛ بل بدأوا بمهاجمة الأراضي النجدية التابعة للدولة السعودية عام (1205هـ/1790م). وكانت النتيجة أن انتصر السعوديون في نهاية المطاف على أولئك الأشراف حتى دخلت الحجاز تحت حكمهم. ولم يكن موقف زعماء بني خالد من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدولة السعودية أقل عداوة من موقف أشراف مكة .

- يقول زيني دحلان القبوري : " وكان أهل الحرمين يسمعون بظهورهم - أي الشيخ محمد وأتباع دعوته - في الشرق وفساد عقائدهم ولم يعرفوا حقيقة ذلك، فأمر مولانا الشريف مسعود أن يناظر علماء الحرمين العلماء الذين أرسلوا فناظروهم فوجدوهم ضحكة ومسخرة كحمر مستنفرة فرت من قسورة، ونظروا إلى عقائدهم فإذا هي مشتملة على كثير من المكفرات ، فبعد أن أقاموا عليهم البرهان والدليل أمر الشريف مسعود قاضي الشرع أن يكتب حجة بكفرهم الظاهر ليعلم به الأول والآخر وأمر بسجن أولئك الملاحدة الأنذال، ووضعهم في السلاسل والأغلال فسجن منهم جانباً وفرَّ الباقون ووصلوا إلى الدرعية وأخبروا بما شاهدوا ،فعتى أمرهم واستكبر، ونأى عن هذا المقصد وتأخر، حتى مضت دولة الشريف مسعود وأقيم بعده أخوه الشريف مساعد بن سعيد، فأرسلوا في مدته يستأذنون في الحج فأبى وامتنع من الإذن لهم فضعفت عن الوصول مطامعهم ،فلما مضت دولة الشريف مساعد وتقلد الأمر أخوه الشريف أحمد بن سعيد أرسل أمير الدرعية جماعة من علمائه كما أرسل في المدة السابقة.

فلما اختبرهم علماء مكة وجدوهم لا يتدينون إلا بدين الزنادقة فأبى أن يقر لهم في حمى البيت الحرام قرار ،ولم يأذن لهم في الحج بعد أن ثبت عند العلماء أنهم كفار، كما ثبت في دولة الشريف مسعود.

فلما أن ولي الشريف سرور أرسلوا أيضاً يستأذنونه في زيارة البيت المعمور فأجابهم: بأنكم إن أردتم الوصول آخذ منكم في كل سنة وعام صرمة مثل ما نأخذها من الأعاجم وآخذ منكم زيادة على ذلك مائة من الخيل الجياد ،فعظم عليهم تسليم هذا المقدار وأن يكونوا مثل العجم فامتنعوا من الحج في مدته كلها، فلما توفي وتولى سيدنا الشريف غالب أرسلوا أيضاً يستأذنون في الحج فمنعهم وتهددهم بالركوب عليهم ،وجعل ذلك القول فعلاً ،فجهز عليهم جيشاً في سنة ألف ومائتين وخمسة، واتصلت بينهم المحاربات والغزوات إلى أن انقضى تنفيذ مراد الله فيما أراد وسيأتي شرح تلك الغزوات والمحاربات بعد توضيح ما كانوا عليه من العقائد الزائغة التي كان تأسيسها من محمد بن عبدالوهاب.

إلى أن يقول معترفًا : " والحاصل أنه – أي الشيخ محمد - لبَّس على الأغبياء ببعض الأشياء التي توهمهم بإقامة الدين، وذلك مثل أمره للبوادي بإقامة الصلاة والجماعة ومنعهم من النهب، ومن بعض الفواحش الظاهرة كالزنا واللواط، وكتأمين الطرق والدعوة إلى التوحيد، فصار الأغبياء الجاهلون يستحسنون حاله وحال أتباعه " .

- وقال الشيخ محمد - رحمه الله – في رسالته لأهل المغرب : " وأما: ما صدر من سؤال الأنبياء، والأولياء الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج، والصلاة عندها واتخاذها أعياداً، وجعل السدنة والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منها، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة، حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان" رواه مسلم

وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد، أعظم حماية وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم، من حديث جابر، وثبت فيه أيضاً: أنه بعث علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا تمثالاً إلا طمسه؛ ولهذا قال غير واحد من العلماء: يجب هدم القبب المبنية على القبور، لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذا: هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا، وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم، وظفرنا بهم ، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه، بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ؛ ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان، قاتلناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) " .

- وقال الشيخ عبد الله بن الإمام محمد – رحمهما الله - : "وهذا الدين الذي ندعو إليه، قد ظهر أمره وشاع وذاع، وملأ الأسماع، من مدة طويلة، وأكثر الناس بدّعونا، وخرّجونا، وعادونا عنده، وقاتلونا، واستحلوا دماءنا وأموالنا، ولم يكن لنا ذنب سوى تجريد التوحيد، والنهي عن دعوة غير الله والاستغاثة بغيره، وما أحدث من البدع والمنكرات، حتى غُلبوا وقُهِروا، فعند ذلك أذعنوا وأقروا بعد الإنكار" .

- وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ، مقرراً منهج جده –الإمام محمد- في مسألة القتال، ومزيلا للشبه في ذلك:" الشيخ لم يبدأ أحداً بالقتال، بل أعداؤهم الذين ابتدأه بذلك، وقتاله كان من باب الدفع والمجازاة على السيئة بمثلها، وما حدث بعده أو في وقته من خطأ أو تعد، فلا يجوز نسبته إليه، وأنه أمر به أو رضيه، وقد جرى لأسامة بن زيد في دم الجهني، وجرى لخالد بن الوليد في دماء بني جذيمة، وأموالهم ما لا يجهله أهل العلم والإيمان.

وذلك في عهده صلى الله عليه وسلم، وقد برئ منه وأنكره، فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"، وقال لأسامة "أ***ته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ كيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟" .

ومن أشكل عليه أمر القتال في زمن الشيخ، وعلى دعوته، فهو إما جاهل بحال الأعداء وما قالوه في الإسلام، وما بدلوه من الدين، وما كانت عليه البوادي والأعراض من الكفر بآيات الله، ورد أحكام القرآن، والاستهزاء بذلك، والرجوع إلى سوالف البادية، وما كانت عليه من العادات والأحكام الجاهلية... أو هو جاهل بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، لا شعور له بشيء من ذلك، ولا يدري ما الناس فيه من أمر دينهم ؟

وبالجملة: فالواجب أن يتكلم الإنسان بعلم وعدل، ومن فاته العلم، فحسبه السكوت، إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ومن خلع ربقة الدين من عنقه، فليقل ما شاء، والله بما يعملون بصير " .

- وقال الدكتور ناصر العقل عن الشيخ وأتباع الدعوة :

" 1- إن خصومهم هم البادئون بالقتال بإعلان الحرب المسلحة وغير المسلحة على الدعوة ودولتها وأتباعها، بل أعلنت قوى الشر استعمال القوة والقتال للشيخ وأتباعه قبل وصوله الدرعية وقبل أن يكون لهم كيان ،حيث هدده سليمان بن محمد الحيدي في الأحساء (من بني خالد) وأنذر عثمان بن معمر -أمير العيينة- إن لم يتخذ موقفاً حازماً ضد الشيخ الإمام وكذلك فعل ابن شامس العنـزي. ) انظر : حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، لخزعل ، ص 14) . ثم لما استقرت الدعوة في الدرعية بدأها بالحرب دهام بن دواس أمير الرياض آنذاك.

2- إن الخصوم كانوا كثيراً ما يغدرون بأتباع الدعوة من الدعاة القضاة والعلماء وطلاب العلم والمعلمين الذين كان يبعثهم الشيخ محمد والولاة والمشايخ –المؤيدين للدعوة- للقرى والبادية والأقاليم لتعليم الناس دينهم وإجراء الأحكام الشرعية بينهم ،بل كثيراً ما يعلنون العصيان على الحاكم الإمام محمد بن سعود، وينقضون البيعة والعهد، ويخرجون على الجماعة والإمام، وهذا ما يحرمه الإسلام، ويأمر بتأديب من يفعله.

3- وكان حكام الحجاز غالباً يعلنون العداء لدعوة التوحيد وأتباعها وكانت عداوتهم متنوعة عقدية وسياسية وإعلامية ثم عسكرية، وأحياناً ي***ون بعض العلماء والدعاة بل والرسل الذين يبعثهم أهل الدعوة إليهم.

4- وكانوا يمنعونهم من حقوقهم المشروعة كإبلاغ الدعوة، وكأداء فريضة الحج، فقد منعوهم منه سنين طويلة ثم أذنوا فيه سنة (1197هـ)، ثم الشريف غالب منعهم من الحج مرة أخرى منذ سنة (1203هـ) وما بعدها ثم غزا معتدياً، فقد بدأ الشريف غالب وغيره من حكام الحجاز الحرب على الدعوة وأتباعها قبل أن يبدؤوهم.

وأعلن الحرب المسلحة ضدهم، وقد اعترف خصوم الدعوة بذلك وذكره مؤرخوهم معتزين به. ( انظر : خلاصة الكلام لدحلان ، ص 228-229) .

وعلى هذا فإنه عند التحقيق العلمي المتجرد يثبت قطعاً أن ما يقال عن الإمام وعلماء الدعوة وحكامها (آل سعود) وأتباعها حول التكفير واستحلال قتال المسلمين ودمائهم كلها مما لا يصح ،أو مما قد يكون له وجه شرعي معتبر قام عليه الدليل الشرعي، ذلك أن تكفير من يستحق التكفير شرعاً وسب من يستحق السب شرعاً ليس من التكفير والسب المذموم ولا القسوة، بل مما هو مطلوب شرعاً في الدين الإسلامي بشروطه وضوابطه التي يعرفها الراسخون في العلم. إذن فقد ثبت أنهم لم يبدءوا القتال ولم يقاتلوا ابتداء إنما بدأ القتال خصومهم.

ثم إنه من الطبيعي أن اختيار منهج القوة والحزم والقتال عند الضرورة هو الحل الأمثل في كثير من الأحوال ،ومنها الحال التي وصلت إليها الدعوة مع خصومها. ونظراً لقوة الباطل والهوى وتمكنه من قلوب كثير من الناس وحياتهم لم تقبل نفوسهم الحق ولم تذعن لأهله. كما أن الناظر لحال كثيرين من الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها تشنيعاً على الدعوة وأتباعها في شبهة التكفير يجد العجب من تحيزهم ضد السنة وأهلها في هذه المسألة (وغيرها) وإغفالهم لأهل البدع الخلص الذين يكفرون خيار الأمة؛ فيكفرون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزاوجه أمهات المؤمنين، ويكفرون السلف الصالح.

بل إن أكثر مزاعم التكفير والتشدد التي ألصقت بالدعوة وإمامها حدثت من الرافضة الذين يكفرون خيار الأمة ويستنقصونهم، ومن أشياعهم الذين يشاركونهم في بدع المقابرية والقباب والمشاهد والمزارات البدعية، والطرق الصوفية والموالد والأذكار المحدثة، ومن المعلوم لدى كل باحث ومحقق: أن أصل هذه البدع ومنشأها كان من مكفّرة الصحابة والسلف الصالح، فأين العدل والإنصاف والتحقيق الذي يدّعونه؟، وأين الغيرة على الحق والدين وعلى الأولياء والصالحين التي يزعمونها؟ وهم يهينون الصالحين ببدعهم. وأين النصح للمسلمين الذي يتظاهرون به؟! وهم يروجون البدع وينصرونها " .

- ثم نقل عن المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي قوله في تاريخه عن جيش إبراهيم باشا عدو الدعوة : " ولما وصلوا بدراً واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف، وبها خيار الناس، وبها أهل العلم الصلحاء : نهبوهم وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم فكانوا ..يبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون :هؤلاء الكفار الخوارج".

- ويقول الشيخ فوزان السابق : " إن الوهابين لم يبدأوا أحداً بالقتال، ولم يعتدوا على جيرانهم بالحجاز والعراق، حتى غزاهم جيرانهم في عقر دارهم، ومنعوهم من حج بيت الله الحرام، حتى آل الأمر إلى تجذيب النساء مع الرجال من تحت أستار الكعبة في وقت الشريف مسعود وبعده، فلما حيل بينهم وبين أداء ركن من أركان الإسلام تعين عليهم الجهاد. فلما مكن الله لهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، لا كما يقول المعترض المفترى.

وهذا ما ذكره العلامة محمود فهمي المصري في كتابه البحر الزاخر. قال رحمه الله تعالى: ومع ما كان عليه الوهابيون من الحروب والمبارزات في بلاد بالعرب لم يعتدوا على حقوق الحكومتين المجاورتين لهم، وهما حكومة بغداد والحجاز، وكانت قوافل الحجاج تمر من وسط أراضيهم من غير أن يحصل لأي قافلة ضرراً أو انزعاج، وكانوا في أحوال أخوية ودية مع الشريف سرور شريف مكة، وفي سنة 1781 بعد الميلاد استحصلوا على رخصة منه في أداء حجهم وطوافهم بالكعبة، فتولد من زيادة قوتهم ونفوذ شوكتهم اشتعال نار الغيرة والحسد في قلب الشريف غالب، وفي ظرف بضع سنين من تقلده الحكومة، وتوظفه شريف مكة بعد الشريف سرور: أعلن حرباً على الوهابية، وكانت طرائق هذا الحرب مثل طرائق حرب البدو، متقطعاً بهدنات صغيرة قصيرة المدة، ولما انتظمت مخابرات الشريف غالب مع الدولة التركية العثمانية، لم يهمل أدنى طريقة يمكنه إجراءها في تمكين الدولة العثمانية من إدخال عساكرها في بلاد العرب لأجل الوقوع بالوهابين، إلا وأجراها، وادعى أنهم من الملحدين الكافرين " .

تمهيد ( 7 ) : واقع أهل نجد قبل دعوة الشيخ محمد – رحمه الله -

ظن المناوئون للدعوة – ومن اغتر بكلامهم – أن علماء الدعوة ومؤرخيها بالغوا في وصف حال نجد قبل قيام الشيخ محمد – رحمه الله – بدعوة التوحيد ؛ من حيث انتشار الممارسات البدعية والشركية ، وزعموا أن هذا من المبالغات المقصودة المخالفة للواقع لأجل مدح الشيخ أوالدعوة و التماس العذر له فيما قام به ! ثم فهم بعضهم من تلك العبارات أن الشيخ أو علماء الدعوة يُكفرون بالعموم ! وهذا جهلٌ ومغالطة . ولو أنصف هؤلاء لعلموا أن ما نُقل من المعارضة والمخاصمة للشيخ – سواء بواسطة التآليف أو القتال – دليلٌ واضح على حال البلاد قبل دعوة الشيخ ، وإلا فلماذا هذا الاستنكار الواسع لها والمدافعة لو كان الناس ذاك الوقت على حالٍ مستقيمة مرضيّة ؟! كيف وقد شهد لهذا الحال الكئيب مؤرخو تلك الفترة ممن هم أوثق من المناوئين جميعًا ؟! .

ولو عقل هؤلاء – أيضًا – لعلموا أن وصف انتشار الجهل المنتشر والمخالفات الشرعية لا يعني تكفير الناس بالعموم -كما يدعون - ، فشتان بين الأمرين . وهذا يُدركه أهل العلم المنصفون الذين يُنزلون الألفاظ منزلها المناسب ، دون تزيد أو تضخيم . ويلزم هؤلاء المدعون أن يحكموا بهذا الحكم الشنيع على كل من وصف حال الأمة – في فترة من فترات الجهل والإعراض عن دين الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم – بأنه يُكفر الناس . فهل يلتزمون هذا ؟ لا أظن ذلك ؛ لأن مؤلفات العلماء – سنيّهم ومبتدعهم – لا تخلو منه .

مثلا : - ما قول المالكي في قول إمام الزيدية ! الهادي بن الحسين في إحدى رسائله : " .. فقد تراكمت الفتن ، وجَل ما نحن فيه من تعطيل الكتاب والسنة ، وظهور السِفاح وخمول النكاح ، وظهور الرويبضة من الناس ، وشرب الخمور ، وارتكاب الشرور ، وأكل الربا ، وقبول الرشا ، والجري في ميادين الهوى ، وجور السلطان ونهج الشيطان ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. " .

- وما قوله في ما ذكره الإمام الزيدي الآخر ! إدريس بن عبدالله في إحدى رسائله : " وأذكركم الله في أرامل افتقرت ، ويتامى ضُيعت ، وحدود عُطلت ، وفي دماء بغير حق سُفكت ، فقد نُبذ الكتاب والإسلام ؛ فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه " .

- وما قوله في ما قاله ابن حجر الهيتمي في مقدمة رسالته " الزواجر عن اقتراف الكبائر " : " .. دعاني ذلك مع ما تفاحش من ظهور الكبائر ، وعدم أنفة الأكثر عنها في الباطن والظاهر ، لما أن أبناء الزمان وإخوان اللهو والنسيان قد غلبت عليهم دواعي الفسوق ، والخلود إلى أرض الشهوات والعقوق .. الخ ".

- وماقوله فيما أخبر به الشوكاني – رحمه الله – عن أبناء عصره عندما قال – وكأنه يرد على المالكي - : " ومن أنكر حصول النداء للأموات والاستغاثة بهم استقلالا ؛ فليخبرنا ما معنى ما يسمعه في الأقطار اليمنية من قولهم : يا ابن العجيل ، يا زيلعي ، يا ابن علوان ، يا فلان بن فلان ، وهل يُنكر هذا منكر ؟ أو يشك فيه شاك ؟ وما عدى ديار اليمن فالأمر فيها أطم وأعم ، ففي كل قرية ميت يعتقده أهلها وينادونه ، وفي كل مدينة جماعة منهم ، حتى إنهم في حرم الله ينادون : يا ابن عباس ، يا محجوب ، فماظنك بغير ذلك ؟ " . ثم قال : " واعلم أن ما حررناه وقررناه من أن كثيرًا مما يفعله المعتقدون في الأموات يكون شركًا ، قد يخفى على كثير من أهل العلم ؛ وذلك لا لكونه خفيًا في نفسه ، بل لإطباق الجمهور على هذا الأمر ، وكونه قد شاب عليه الكبير ، وشب عليه الصغير ، وهو يرى ذلك ويسمعه ، ولا يرى ولا يسمع من ينكره .. " .وما قوله فيما ألفه العلماء من كل المذاهب في التحذير من البدع والشركيات التي أخبروا عن انتشارها في عصرهم ؛ كأبي شامة وابن وضاح والشاطبي والسيوطي وعلي محفوظ والقاسمي وغيرهم ؟

تمهيد ( 8 ) : أصول الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله - في قضية التكفير.
  #14  
قديم 17-08-2010, 11:27 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 15
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي الامام المجدد محمد بن عبد الوهاب

ما رددت على موضوع الكاتب لأن الشيخ موضع شبهة فهى دعوى يغنى بطلانها عن ابطالها ولكن من منطلق قوله صلى الله عليه وسلم "من ذب عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يعتقه من النار } وإسناده حسن . [ ص: 106 ] ورواه الترمذي عن أبي الدرداء بلفظ { من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة } وقال حسن . ورواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ بلفظ { من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة . وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } } .

وروى أبو الشيخ في التوبيخ عن أنس رضي الله عنه مرفوعا { من اغتيب عنده أخوه المسلم فلم ينصره وهو يستطيع نصره أدركه إثمه في الدنيا والآخرة } . ورواه الأصبهاني بلفظ { من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصرته فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة ، وإن لم ينصره أذله الله في الدنيا والآخرة } .

وأخرج الإمام أحمد عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة } . وقال عدي بن حاتم : الغيبة مرعى اللئام . وقال أبو عاصم النبيل : لا يذكر في الناس ما يكرهونه إلا سفلة لا دين له .
ويكفى الشيخ شرفا أن جل منتقديه من الصوفية الجهلاء والروافض الغلاة وما أنكروه عليه لا تثبت له قدم ولا يقوم على أساس صحيح فهم من أجهل الناس بالاستدلال وقواعده وأول قواعده صحة المستدل به وكما ذكر أخانا صاحب الموضوع أحاديث فى التوسل لا أصل لها وحتى ما صح منها أولوه على غير مقصوده ليمرروا نقدهم وأقول له تثبت قبل أن تتكلم فكل ما فعلت أن نقلت كلام ابن دحلان دون أدنى تحقق بصحة نقله أو لا ولم يذكر من تنقل عنه من كلام الشيخ ما يؤكد اتهاماته له ولكن اكتفى برميه بتهم لو طالع كتب الشيخ لعلم أن الشيخ لم يتفوه ولم يقل أى من ذلك .
ونصحيتى لك الكلمة مردودها وخيم وعاقبتها الندم فقبل أن ترمى انسان بتهمه تثبت منها وأنا أقطع أنك لم تقرأ للشيخ كتابا واحد لتعلم حقيقة دعوته .
والله أسأل أن يبصرنا بأمور ديننا ويهدينا لما فيه الخير والسداد وغفر الله لنا ولك .
وهذا كتاب دعاوى المناوئين للرد على الشبهات التى أثيرت حول الامام محمد بن عبد الوهاب لمن أراد الاستزاده مما طرحه الأخ ومما لم يطرحه والرد عليها بالدلائل الدامغة التى لا يبقى للمعترض بعدها أى دليل
الملفات المرفقة
نوع الملف: zip 6.zip‏ (642.6 كيلوبايت, المشاهدات 134)
  #15  
قديم 31-08-2010, 03:07 PM
رمضان كريم 2 رمضان كريم 2 غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 129
معدل تقييم المستوى: 14
رمضان كريم 2 is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العابد لله مشاهدة المشاركة
ما رددت على موضوع الكاتب لأن الشيخ موضع شبهة فهى دعوى يغنى بطلانها عن ابطالها ولكن من منطلق قوله صلى الله عليه وسلم "من ذب عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يعتقه من النار } وإسناده حسن . [ ص: 106 ] ورواه الترمذي عن أبي الدرداء بلفظ { من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة } وقال حسن . ورواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ بلفظ { من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة . وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } } .

وروى أبو الشيخ في التوبيخ عن أنس رضي الله عنه مرفوعا { من اغتيب عنده أخوه المسلم فلم ينصره وهو يستطيع نصره أدركه إثمه في الدنيا والآخرة } . ورواه الأصبهاني بلفظ { من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصرته فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة ، وإن لم ينصره أذله الله في الدنيا والآخرة } .

وأخرج الإمام أحمد عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة } . وقال عدي بن حاتم : الغيبة مرعى اللئام . وقال أبو عاصم النبيل : لا يذكر في الناس ما يكرهونه إلا سفلة لا دين له .
ويكفى الشيخ شرفا أن جل منتقديه من الصوفية الجهلاء والروافض الغلاة وما أنكروه عليه لا تثبت له قدم ولا يقوم على أساس صحيح فهم من أجهل الناس بالاستدلال وقواعده وأول قواعده صحة المستدل به وكما ذكر أخانا صاحب الموضوع أحاديث فى التوسل لا أصل لها وحتى ما صح منها أولوه على غير مقصوده ليمرروا نقدهم وأقول له تثبت قبل أن تتكلم فكل ما فعلت أن نقلت كلام ابن دحلان دون أدنى تحقق بصحة نقله أو لا ولم يذكر من تنقل عنه من كلام الشيخ ما يؤكد اتهاماته له ولكن اكتفى برميه بتهم لو طالع كتب الشيخ لعلم أن الشيخ لم يتفوه ولم يقل أى من ذلك .
ونصحيتى لك الكلمة مردودها وخيم وعاقبتها الندم فقبل أن ترمى انسان بتهمه تثبت منها وأنا أقطع أنك لم تقرأ للشيخ كتابا واحد لتعلم حقيقة دعوته .
والله أسأل أن يبصرنا بأمور ديننا ويهدينا لما فيه الخير والسداد وغفر الله لنا ولك .

جزاكم الله كل الخير أخى الكريم العابد لله وهكذا العهد بك جعلك الله ممن يحمى هذا الدين ويزود عنه وبارك الله لك وفيك
موضوع مغلق

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:38 PM.