اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-08-2017, 08:09 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp عصا الكلام

يقول ستيفن كوفي في كتابه العادة الثامنة: قمتُ بتدريب مجموعة زعماء هنود، كانوا يقودون القبائلَ الهندية المهاجرة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، فقدموا لي أثناء البرنامج التدريبي هديَّة جميلةً، عبارة عن آلة لضبط الحوار تُدعى: عصا الكلام، وهي عصا منحوتة بدقة، طولها خمسة أقدام، كُتب عليها اسم النسر الأصلع، وقد لعبتْ عصا الكلام دورًا مهمًّا في مجتمعهم عدة قرون؛ حيث تعلموا من الأفكار التي تكمُن خلفَ استخدام هذه العصا، وقد كانتْ مِن أقوى الأدوات لتنظيم التواصل فيما بينهم، ومع أن عصا الكلام هذه تبدو طريقةً مُبتذلة، بل طفوليَّة مِن وجهة نظر البعض، إلا أنها تتضمن مفهومًا يُشجِّع بقوة على الحوار العقلانيِّ وفَهم الآخر، فهي تُمثِّل الطريقة التي يمكن مِن خلالها للأشخاص المختلفين أن يفهموا بعضهم بعضًا من خلال الاحترام المتبادل والرؤية والفهم المتعقل، مما يُمَكِّنهم بعد ذلك مِن حلِّ خلافاتهم ومشكلاتهم بشكل تكاتفي، أو على الأقل الوصول إلى تسوية مرضية.

فعندما تجلس جماعة من الناس لمناقشة أمر ما، يُحضر رئيس المجموعة عصا الكلام، ويُسلِّمها للشخص صاحب الدعوى، ويسمح له بالكلام وحدَه حتى يشعرَ أنه قد أنهى ما لديه، وأن خصمه قد فهم ما قاله، حتى لو استدعى منه الأمر الإعادة والتوضيح أكثر، ويشترط أثناء حديث الأول ألَّا يسمح للطرف الآخر بالحديث ما دام صاحبه ممسكًا بعصا الكلام، فإذا تأكد أن رسالته قد فُهمت تمامًا، وجب عليه أن يسلم العصا للشخص الآخر، وعليه أن يلتزم الإنصات كما فعل صاحبه مِن قبلُ، ويطلب من هذا الآخر أن يُبدي دفاعه عن موضوع الخلاف، حتى يتأكدَ أن صاحب الدعوى قد فَهِم تبريره وما يريد قوله في دفاعه، وعندما يشعر كل طرف أنه قد فُهم مِن قبل خصمه، فإن أمرًا مدهشًا سوف يحدث؛ إذ تَتَبَدَّد الطاقة السلبية ويتلاشى النِّزاع، وتتولد الأفكار البَنَّاءة، ويسود الودُّ والاحترام بينهما، وهنا تنشأ أفكار جديدة تطلُّ عليهم مِن خلال البديل الثالث.

فكرة عصا الكلام هذه لا تعني بالضرورة موافقتك للآخر، وتبني رؤيته تمامًا، وإنما تعني: أن تكون قادرًا على الرؤية بعينَي وقلب وعقل ذلك الذي يخالفك الرأي، ومعلوم أن إحدى أبرز حاجات الإنسان هي الحاجة إلى أن يفهمه الغير، فعندما تُشبع لدى الشخص حاجته للفهم، ينتقل التركيز إلى حل المشكلة بالاشتراك مع الآخرين، أما إذا لم تُشبع لديه الحاجة إلى الفَهم، فإن هناك معاركَ طاحنةً وصراعًا سوف يندلع بينهما، ثمَّ يبدأ بعد ذلك التنافس المحموم، ويصبح التواصل قائمًا على الدفاع عن النفس وحمايتها باستخدام العنف، ويجب أن نُدركَ أن حاجة الإنسان إلى فَهم الآخرين له تُشبه تمامًا حاجة الرئتين إلى الهواء، فلو قُدِّر أن سُحِبَ الهواء الموجود في غرفة جلوسكم فجأةً، فكيف سيكون اندفاع مَن يوجد بداخلها للحصول على الهواء المفقود؟!

وماذا لو فهمنا مطالبَ بعضنا باستخدام عصا كلام رمزية، كاستخدام قلم رصاص مثلًا، أو حتى أي قطعة ملموسة أخرى؛ بحيث يلتزم الطرف المتحدث بإيصال فكرته بوضوحٍ، مقابل التزام الطرف الآخر بعدم مقاطعته حتى ينتهي مِن طرح وجهة نظره، ثم يبدأ دور الآخر عند انتقال آلة الكلام الرمزية إليه، وذلك بدلًا مِن الصراعات والتطاحن التي نُشاهدها ونعايشها في حياتنا اليوم، نتيجة عدم إعطاء محاورنا فرصة لإيصال رأيه ووجهة نظره بوضوحٍ.

فالحوارُ هو محادثة بين شخصين أو فريقين حول قضية مُعينة، لكلٍّ منهما وجهة نظر خاصة، ويكون الهدفُ هو الوُصول إلى الحقيقة، أو إلى أكبر قدر ممكن مِن تطابُق وجهات النظر على أقل تقدير، وينبغي أن ينطلقَ الحوار من النقاط والجزئيات المتفق عليها، ثم يَتَدَرذَج بالانتقال إلى ما يقاربها مِن موضوعاتٍ متوسطة الخلاف، وأخيرًا ينتقل إلى مواضع الخلاف التي تسببتْ في بروز الفجوة، وهذا أدعى إلى تقريب شُقة الخلاف، وأحرى إلى تحقيق الوفاق، والتوصل إلى نتائجَ عادلة ترضي الطرفين، وهذا هو المنهج الذي دعا إليه القرآن الكريم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].

وهناك آدابٌ للحوار منها: إشعار المحاور بعدم البغض والكره لشخصه رغم الاختلاف، ذِكْر المبررات عند الاعتراض، التركيز على الرأي وليس على صاحبه، الإنصات وعدم المقاطعة، البراعة الاتصالية، التحلِّي بالرفق أثناء الحوار، وينبغي أن يكونَ حال المحاور في طلب الحق كما قال أبو حامد الغزالي: "كَنَاشِدِ ضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد مُعاونه، فهو يرى معاونه رفيقًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرَّفه الخطأ أو أظهر له الحق"، ويقول الشافعي: "ما ناظرتُ أحدًا فأحببتُ أن يخطئ"، ويقول أيضًا: "ما كلمتُ أحدًا قط إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه".

فهلَّا أخذنا بآليات الحوار البناء وضوابطه في جميع تعاملاتنا في الحياة؟
ففي مجال الأسرة نحتاج إلى التفاهم والاحترام بما يكفل لأعضاء الأسرة كافة السعادة والاستقرار؛ حتى يتفرغوا لبناء كيان متماسك.
وفي مجال العمل ينبغي أن نلتزمَ بالحوار البناء في اجتماعاتنا بما يضمن لأعضاء المنظمة التعاون والعمل بروح الفريق الواحد.

وفي مجال المناظرات الإعلامية نحتاج إلى نبذ العصبية واستخدام (البارادايم) (نظارة العقل) لنقوم بفلترة ردود الأفعال التي يتوقف عليها إصدار قراراتنا، يقول سلمان العودة: "إن مِن الإنصاف أن تقبل ما لدى خصمك مِن الحق والصواب حتى ولو كان فاسقًا أو مبتدعًا أو كافرًا، وفي مجال التعاملات المالية نحتاج إلى اللطف والتسامح بما يضمن بناء مجتمع يقوم على محبة الخير للناس، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كن ورعًا تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن مِن أغنى الناس، وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك؛ تكن مؤمنًا))؛ صحيح الجامع: 7833، وصححه الألباني.
فاصلة: "قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بخير منه تركنا ما عندنا إلى ما عنده"؛ (الإمام أبو حنيفة).

د. علي أحمد الشيخي
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:53 AM.