|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
من أقوال العلماء: لنحذر من: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)
هذه العبارة العظيمة مقتطفةٌ من حديثٍ أخرجه البخاري (6502) بلفظٍ: ((إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)). اعتنى العلماء قديمًا وحديثًا بهذا الحديث شرحًا وتخريجًا لما له الأهمية البالغة في تربية المسلم فردًا ومجتمعًا، وقد وَقفتُ على مقالات على شبكة الألوكة[1] تشرح مفردات الحديث ومعانيه؛ فارتأيت أن أشارك في هذا الموضوع، لكن بصورة مكمِّلة لتِلْكُم المقالات الجميلة، وذلك بتسليط الضوء - من كلام أئمة الشأن - على عبارة وجيزة من هذا الحديث، ولكنها عظيمةِ الأثر وهي قوله تعالى: (من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب))؛ لأنها تعالج مسألة عامة؛ بها يُصلح المجتمع المسلم، وترتقي أخلاقه، وتشتد أواصر المحبة والمودة والاحترام مهما تباعدت أقطاره، وتنوعت أجناسه، واختلفت لغاته. من هم أولياء الله؟ "وأولياء الله: هم أهل الإيمان وأهل التقوى من الرجال والنساء، وهم الذين يؤدُّون فرائض الله، ويبتعدون عن محارم الله، ويقفون عند حدود الله؛ هذا هو المؤمن، وهذا هو التقي، وهذا هو الولي، ليس الولي صاحب الخرافات من الصوفية وأشباههم من أصحاب البدع، وإنما أولياء الله هم أهل الإيمان، وهم أهل التقوى وإن كانوا زِرَاعيين، وإن كانوا عمَّالًا، وإن كانوا أطباء، وإن كانوا مهندسين، وإن كانوا فراشين في الدوائر، كلهم أولياء الله إذا كانوا من أهل الإيمان والتقوى؛ كما قال الله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 63]. بيَّن سبحانه في هذه الآية: أن أولياءه هم أهل التقوى والإيمان، وهم أهل التوحيد، وهم العابدون لله وحده، الذين أدُّوا فرائضه من الصلاة وغيرها، وتركوا المعاصي، فهم أولياء الله وإن لم تحصل لهم كرامات، فأكثر الصحابة لم يحصل لهم كرامات، وهم أفضل عباد الله، وهم أفضل الأولياء بعد الأنبياء، فولي الله هو المؤمن والمؤمنة، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 34]"[2]. وقال شيخ الإسلام: "وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحبُّ، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر ونهوا عما نهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع"[3]. فَإذَا كان وليُّ الله هو الموافقَ المتابع له فيما يحبه ويرضاه ويبغضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليه معاديًا له؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ [الممتحنة: 1]، فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه: فلهذا قال: (ومن عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة)[4]. قلتُ: ومِن هذا الكلام تبيَّن لنا أنَّ وليَّ الله تعالى هو: كلُّ مسلمٍ مؤمنٍ وقَّافٍ عندَ حدودِ الله تعالى، رجَّاعٍ إلى الحقِّ! متى تكون المحاربة؟ يقول ابن رجب الحنبلي: "اعلم أن جميع المعاصي محاربة لله عز وجل، قال الحسن بن آدم: هل لك بمحاربة الله من طاقة؟ فإنَّ من عصى الله فقد حاربه، لكنْ كلَّمَا كان الذنب أقبح، كان أشد محاربة لله، ولهذا سمَّى الله تعالى أكلة الربا وقطاع الطريق محاربين لله تعالى ورسوله؛ لعظم ظلمهم لعباده، وسعيهم بالفساد في بلاده، وكذلك معاداة أوليائه، فإنه تعالى يتولى نصرة أوليائه، ويحبهم ويؤيدهم، فمن عاداهم، فقد عادى الله وحاربه"[5]. ويقول الشاه ولي الله الدهلوي: "إِذَا أحبَّ اللهُ عبدًا، وَنزلت محبته فِي الْمَلأ الْأَعْلَى، ثمَّ نزل لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض، فَخَالف هَذَا النظام أحد، وعاداه، وسعى فِي رد أمره وكبت حَاله، انقلبت رَحْمَة الله بِهَذَا المحبوب لعنة فِي حق عدوه، وَرضَاهُ بِهِ سخطًا فِي حَقه" [6]. النوع المؤثر في معاداة أولياء الله؟ قال ابن دقيقِ العيد في "شرح الأربعين": "قال صاحب الإفصاح: في هذا الحديث من الفقه: أن الله سبحانه وتعالى قدَّمَ الأعْذَار إلى كل من عادى وليًّا: أنه قد آذنه بأنه محاربه بنفس المعاداة، ووليُّ الله تعالى هو الذي يتبع ما شرعه الله تعالى، فليحذر الإنسان من إيذاء قلوب أولياء الله عز وجل، ومعنى المعاداة أن يتخذه عدوًّا، ولا أرى المعنى إلا من عاداه لأجل ولاية الله، وأما إذا كانت لأحوال تقتضي نزاعًا بين وليين لله محاكمة أو خصومة راجعة إلى استخراج حق غامض، فإن ذلك لا يدخل في هذا الحديث"[7]. قلتُ: ويدخلُ في ذلك ما نراه اليوم من معاداة الكثير من الآباء لأبنائهم الحريصين على الفرائض، والجُمع والجَمَاعات في المساجد والأعياد، وعَلى الخيرِ والرزق الحلال؛ مع تفشي الأنانية، وحب السيطرة، واستعمال مختلف القدرات البشرية فيما لا ينبغي، فاستحال الركض وراء مستلزمات الحياة وكمالياتها من الأولويات، وإنْ كان ذلك على حساب تربية الأبناء، وفلذات الأكباد! حكم إيذاء أولياء الله؟ قال ابن باز رحمه الله: "هذا الحديث العظيم يدلُّ على تحريم إيذاء المؤمنين ومعاداتهم؛ لأن المؤمنين هم أولياء الله؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62، 63]؛ فكلُّ مؤمن ولي من أولياء الله، تجب موالاته ومحبته في الله، وتحرُم معاداته وظلمه بأي نوع من الظلم والأذى[8]. قلتُ: وقد عدَّ بعضُ العلماء والأئمَّة رحمهم الله الاعتداءَ على أولياء الله تعالى مِن كبائر الذنوب، ومنهم: الهيتمي في (الزواجر من اقتراف الكبائر) (1/ 185)، والإمام الذهبي في كتابه الكبائر، وغيرهما. من أسباب ارتكاب هذا الجُرم؟ قالَ ابن مفلح: "...بل ربَّما حملهم عرض الدنيا مع ذلك على معاداة من أمره ونهاه، فتتكرر المعصية على اختلاف مراتبها وصفاتها على ما لا يخفى، وقد يصير هذا المسكين لأجل هذا العرض القليل الزائل عن قليل معاديًا لأولياء الله، مواليًا لأهل الفسوق، والمعاصي، ولا يخفى ما يعمل المعادي لقوم حسب ما يُمكنه، وما يعمل الموالي لقوم، وقد روى البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: (من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة)، وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [الأحزاب: 57]، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]. ومَنْ نظر في هذا وأمثاله، علِم أن مثل هذه المعصية قد فُتِنَ بها خلقٌ كثير، وحصل بها من الضرر ما لم يحصل بغيرها، فنسأل الله العافية وحسن العاقبة لنا ولإخواننا المسلمين، وأن يصلح أحوالنا وأحوالهم آمين يا رب العالمين، والله أعلم"[9]. من أخطر أنواع المعاداة: قال العُثيمين رحمه الله: "إن الموالاة والمعاداة يجب أن تكون لله عز وجل، فإن مَن أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فقَدْ سَلك الطريق التي بها تُنال ولاية الله عز وجل، أمّا مَن كانتْ ولايته ومعاداته وحبه وبغضه للهوى، أو للتقليد الأعمى، فقد حُرِم خيرًا كثيرًا، وربما يقع في أمر كبير، فقد يعادي وليًّا من أولياء الله عز وجل، فيكون حربًا لله تعالى .... وربما يحب ويوالي عدُوًّا من أعداء الله عز وجل، فيقع في أمر كبير وخطر عظيم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]"[10]. الخلاصة: 1- وَليُّ الله تعالى هو كلُّ مؤْمنٍ قائمٍ بما افترضَ الله عليه، وقَّاف عندَ حدوده، من التوابين الرجاعين الخاضعين لله تعالى. 2- معاداة أولياء الله تعالى وإيذاؤهم، حرام وإن كانتْ مِن أبٍ لابْنه! 3- معاداة أولياء الله ليس المقصود بها المنازعة في الحقوق المالية والعادية التي توافق الأعراف، والأعمال العادية، وإنما المعاداة لأجل استقامتهم، وخضوعهم لله تعالى والوقوف عند حدوده، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. 4- من أسبابِ هذه المعاداة الجري وراء شهواتٍ مذمومة، وأخطرها معاداة أولياء الله بموالاة أعداء الله تعالى. 5- على كلِّ فردٍ من أفراد المجتمعِ المسلم - بدون استثناءٍ - الحذر من معاداة أولياء الله تعالى بما في ذلك معاملةُ الآباء أبناءَهم الصالحين. والله تعالى وحده الهادي إلى سواء السبيل. [1] انظر: https://www.alukah.net/sharia/0/115418/ https://www.alukah.net/web/alkathiri/0/109805/ http://www.alukah.net/sharia/0/107177/ [2] مجموع فتاوى ابن باز (10/ 327). [3] مجموع الفتاوى (11/ 160). [4] مجموع الفتاوى (11/ 161). [5] جامع العلوم والحكم(2/ 335)، (ت شعيب الأرنؤوط). [6] حجة الله البالغة (2/ 111). [7] شرح الأربعين النووية (ص 127). [8] ابن باز (مجموع الفتاوى) (8/ 278). [9] الآداب الشرعية (3/ 130). [10] مجموع الفتاوى (3/ 15). ياسين نزال
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|