اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-02-2014, 07:36 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New الفتوى في الشريعة الإسلامية

الفتوى في الشريعة الإسلامية

الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد؛ فإن الدرس - كما ذكر الشيخ المقدِّم - يتعلق بالفتوى من جهة أهميتها، وشيء عن آدابها وأحكامها الأخرى، بحسب ما يتسع به الوقت، ولا شكَّ أن الله - عز وجل - خلَق الخلق أجمعين، وأنه حينما خلقهم لم يَخلقهم عبثًا ولم يتركهم سُدًى، وإنما خلقهم لمهمَّة عظيمة وغاية جليلة؛ ألا وهي عبادته - سبحانه وتعالى - كما أفصح عن ذلك في كتابه الكريم في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].

الله - عز وجل - خلَق الخلق أجمعين لمُهمَّة عظيمة وغاية جليلة؛ ألا وهي عبادته سبحانه وتعالى، والعبادة لا تَقتصِر على جانب من جوانب الحياة، بل إن العبادة تمتد بقدر ما يمتد نشاط الإنسان؛ فما من حركة ولا سكون يُدَّعى إلا والشريعة حاكمة عليه إفرادًا وترتيبًا، وإذا امتدَّ معنى العبادة ومفهومها - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - بأن العبادة اسم جامع لكل ما يُحبُّه الله ويَرضاه مِن الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فهذا هو المعنى الشامل للعبادة، وبعبارة أخرى: فما مِن أمر مأمور به على وجه الاستحباب أو الوجوب إلا وإتيانه من العبادة، وما مِن أمر منهي عنه على وجه الكراهة أو التحريم إلا وتَركُه عبادة لله - عز وجل - فمَن فعل مأمورًا فقد عبَدَ الله - عز وجل - ومَن ترك محظورًا فقد عبَد اللهَ عز وجل.

والمُسلم - أيًّا كان هو - مأمور ومكلَّف بالقيام بما هو مأمور به شرعًا، وتركِ ما هو منهي عنه شرعًا، وسبيل معرفة ذلك هو كتاب الله - عز وجل - وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتحصيلها بين الناس، كلٌّ بحسبه؛ فمنهم من يَرِدُ ذلك بنفسه، ممَّن كان مؤهلاً ومقتدرًا على استنباط الأحكام ومعرفتها والإحاطة بها، ومنهم من سبيله التقليد؛ بأن يسأل عما خفي عليه أهلَ العلم، والله يقول: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، ولا يصحُّ للمسلم أن يُقدِم على عبادة إلا وهو يَعرف أنها مشروعة؛ ولذا فإن العبادة لا تُقبل إلا إذا كانت خالصة لوجه الله - عز وجل - لا يريد المرء المسلم منها جزاءً ولا شكورًا، ولا رياءً ولا سمعة، ولا يطلب بذلك أمرًا من الأمور بمراءاة، وإنما خالصة لوجه الله - سبحانه وتعالى - وأن تكون صوابًا موافِقةً لهدْي كتاب الله - عز وجل - ولسنَّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والسبيل لمعرفة ذلك - كما قلنا - الكتاب والسنَّة، وما استنبطه العلماء منهما، ومن كان مقلدًا ففَرضُه أن يَنال ذلك من أهل التقليد، وسبيل ذلك الاستفتاء؛ بأن يستفتي الإنسان عما جهِل من الأحكام التي عليه أن يُطبِّقها وأن يَلتزم بها؛ قيامًا بما أوجب الله - عز وجل - عليه، وما شرَع له إتيانَه، مما هو من أعمال العباد الذين لا تنفكُّ عنهم العبودية كما قلنا؛ فما مِن حركة ولا سكون يُدَّعى إلا والشريعة حاكمة عليه إفرادًا وترتيبًا؛ ولذلك أوجب الله - عز وجل - على أهل العلم أن يُبينوا للناس أحكامَ كتاب الله - عز وجل - وأحكام سنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يَنشروا ذلك بين العباد، وحذَّرهم كل التحذير، بل حذَّر الإنسان كل التحذير من الخوض فيما لا يعلم؛ الله - عز وجل - يقول: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]، وهذا تحذير من الله - عز وجل - للإنسان من أن يَخوض في أمور الشرع وأحكام الدين لمجرَّد جرأته وإقدامه من غير معرفة مبنى ذلك من كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلا كان الكذب والافتراء على الله عز وجل؛ وذلك أمر لا يَجوز للمُسلم الإقدام عليه؛ فقد جاءت أدلة كثيرة تدلُّ على ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187]، وإذا كان ذلك في علماء أهل الكتاب، فهو من باب أولى منصبٌّ على علماء أهل الإسلام، وإنه يجب عليهم الإظهار والبيان من الأحكام لما سُئلوا عنه.

وحذر الله - عز وجل - التحذير الكامل مِن كتْم شيء مما يَعرفه العالِم فيما طلب منه بيانه وإيضاحه للسائلين؛ فقال - عز وجل -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159]، وقد سبَق أن بينَّا أو ذكرنا ما قاله الله - عز وجل - في بيان أن على من خفي عليه مسألة أن يقصد أهل العلم لبيانها والاستفتاء عنها، كما قال الله - عز وجل -: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وفي هذا بيان وجوب ذلك على المكلَّف لما يُشكِل عليه أن يقصد أهل العلم؛ ليسألهم عمَّا خفي عليه، وفي هذا أيضًا بيانُ ما على أهل العلم من وجوب إجابة السائل لما سأل عنه مما خفيَ مما يعلمه المسؤول، وأن عليه أن يوصِّل ذلك إلى سائله.

جاءت أحاديث كثيرة في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم تدلُّ على مشروعية الفتوى، وعلى مكانتها؛ ومن ذلك أن عليًّا رضي الله عنه قال: "كنت رجلاً مذَّاءً فاستحييتُ أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني"؛ فقد كان زوجًا رضي الله عنه لفاطمة رضي الله عنها، قال: "كنتُ رجلاً مذاءً فاستحييتُ أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأل فسأله فقال: ((ليغسِلْ ذكرَه ويتوضأ))"، فهذا عليٌّ رضي الله عنه لمَّا خفيَ عليه حكم بعَث مَن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ومِن ذلك أيضًا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال - كما في حديث أبي هريرة -: ((مَن سُئل عن علمٍ فكتَمَه ألجمه الله - عز وجل - بلجام مِن نار يوم القيامة))، وغير ذلك من الأحاديث التي وردَت فيما يجب على العالِم بذلُه من العلم، وما كان السائل يفعله من سؤال أهل العلم عند وقوع الإشكال عليه.

ومِن الأحاديث في هذا الباب: حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يَقبِض العلم انتزاعًا يَنتزعه من العباد، ولكن يَقبِض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلوا))، وهذا فيه بيان على أن العالم القادر المؤهَّل إذا سُئل فليُجِب بما يعلم، فدلَّ ذلك على مشروعية الاستفتاء.

والفتوى لا شك لها مكانة وأهمية كبيرة، وخطرها أيضًا عظيم، وكما يقول ابن القيم: الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ومَن المُفتون؟ هم - كما يقول -: مَن دارت الفُتيا على أقوالهم من الأنام، الذين خُصُّوا باستنباط الأحكام، وعُنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء يُهدى بهم الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، يُشير في ذلك - كما صرَّح به في موضِع آخَر - أن حاجة الناس إلى العلم أشدُّ من حاجتهم إلى الأطباء، فهو يقول: إن الطبيب يُمكِن أن يستغني عنه الإنسان، ولكن الإنسان لا يمكن أن يستغني عن بيان الحلال والحرام مما يَنعكِس ذلك عليه بسعادته في الدنيا وفي الآخرة.

ثم نأتي على بيان حكم الفتوى، ونتناول فيه حكم الفتوى على المفتي.

الفتوى حكمها على المفتي فرض كفاية، وفرض كفاية معناه: إذا قام به مَن يَكفي سقط الإثم عن الباقين؛ فالفتوى فرض كفاية، إذا وُجد عدد من المؤهَّلين وقاموا بهذا العمل، وأدَّوه، وسدوا ما يلزم له - سقَطَ الإثم عن الباقين، إلا أنها تجب في مواضع؛ فتجب إذا استُفتي المُفتي ولم يوجَد مؤهَّل غيره، ففي هذه الحال يجب عليه أن يُجيب على المستفتي، كذلك تجب إذا استُفتي وقامت الحاجة إلى الفتوى؛ كمَن يُستَفتى عن شيء من أحكام الوضوء أو الصلاة وقد ضاق وقت أدائها؛ ففي هذه الحال يتعيَّن عليه الجواب إذا كان عالمًا بحكم المسألة، ولا يجوز له التأخُّر عنه.

كما أن الفتوى - كما قُلنا في الأصل العام - هي فرض كفاية، وقد تَنتقِل إلى الوجوب، وقد ينتقل هذا الحكم إلى الحرمة، فيَحرُم على المفتي أن يفتي في أحوال، منها: إذا كان لا يعلم حكم المسألة، فليس له أن يُفتي، ويَحرم عليه الإفتاء، وكذا إذا كان لا يستطيع استنباط حكمها من أصولها الشرعية، أو اشتبهت عليه الأقوال ولا يستطيع الترجيح، فكل ذلك داخل في إذا كان لا يعلم حكم المسألة، فلا يجوز له أن يفتي فيها، وقد يكون الإنسان عنده إلمام بجمهور المسائل ويَخفى عليه حكم مسألة مُعيَّنة، ولا يضره لو اعتذر بأن يقول: إن حكم هذه المسألة لا عِلم لي به، أو أراجعه وأبحثه وأتبيَّنه، ويَعِدُ السائل من الغد أو بعد الغد أو بعد أسبوع أو بعد شهر، أو يُرشده إلى عالم آخر يظنُّ عنده إحاطة بالمسألة.

وإنما قيل بحرمة الفتوى في هذا الشأن؛ لأن الهجوم على بيان الحكم من غير معرفة بأصله من حلٍّ أو حرمة، إنما ذلك حكم بجهل وضلال، وقد وقع التحذير منه؛ فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((القضاة ثلاثة؛ واحد في الجنة، واثنان في النار؛ فأما الذي في الجنة فرجل عرَف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجارَ في الحُكمِ فهو في النار، ورجل قضى بالناس على جَهلٍ فهو في النار))، إذًا هذا القِسم هو المقصود في هذه الفقرة، الرجل الذي يحكم بجهل فهو في النار؛ فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ما كان من القضاة أو مِن المُفتين ليس على علم بالمسألة، فيجب عليه الاعتذار عنها، أو تأجيل بيان الحكم حتى يستبينَ حكمها، وهكذا.

من الحالات التي يَحرم على المفتي أن يفتي بها إذا كان الإفتاء بهوًى ومَيل مع المستفتي، بأن يُفتيه بما يرغب ويَهوى فيه المستفتي من غير نظر إلى أصل المسألة شرعًا، هذا واضح في التقسيم الذي مضى ذِكره في الحديث: ((القضاة ثلاثة، واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرَف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فزاغ بالحكم، فهو في النار))، هذا هو الذي يَحكم بالجهل وبالهوى وبالميل، فهذا منهيٌّ عنه، سواء كان ذلك قاضيًا أو مفتيًا، ومن الأحوال التي يَحرم فيها على المفتي أن يُفتي إذا كان المفتي في حالةٍ تمنعُه من الفهم وكمال التصوُّر، مما يشغَل فِكره ويَمنعه من التأمل والنظر، فقال العلماء كحرٍّ مُفرِط، أو برد مُزعِج، أو جوع شديد، أو شبع مُفرط، أو وهو يدافعه الأخبثان، وبالجُملة في كل ما يشوِّشُ عليه ذهنه، لا يستطيع تصوُّر المسألة ولا الإحاطة بحُكمِها، ففي هذه الحال يَحرُم عليه الفتوى ولو كان عالِمًا بالحكم الفقهي لها؛ لأن الفتوى لها نشاطات عدة، وليست معرفة الحكم هي كل شيء، معرفة الواقعة، ووقت حضورها، ومعرفة الحكم أيضًا وفَهمُه، ثم مراعاة نزول الحكم على الواقع، وكلها عملية تحتاج إلى الجهد والنظر وصفاء الذِّهن، ولا يتأتَّى ذلك مع انشِغال المفتي بما يشوِّشُ عليه ذهنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقضينَّ حكَمٌ بين اثنين وهو غضبان))، فهذا فيه دلالة ظاهرة على أن مَن اتَّصف بالغرض الذي يشوش الذهن أنه لا يفتي، ويدخل في ذلك جميل الأمور التي تشوِّشُعلى المفتي صفاءَ ذهنه، فلا يُفتي وحاله هكذا، بل يَنتظِر أو يَصرِف السائل حتى يَزول عنه سبب هذا الانشغال.

وهنا أيضًا تظهر مسألة امتناع المفتي عن الفتوى، هل للمفتي أن يمتنع عن الفتوى ولو كان مؤهَّلاً لها؟
نعم، يَجوز للمفتي أن يَمتنِع عن الفتوى ولو كان مؤهلاً لها في حالات، من أبرزها: إذا خشي المفتي غائلة الفتوى، فإذا خشي المفتي أن يترتب على هذه الفتوى هلاك أو فساد أو ضرر أو فتنة يُريدها المستفتي أو غيره فيَمتنع عن الفتوى؛ لأن دفع المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة، وقد أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: ((لولا أنَّ قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمتُ الكعبة وبنَيتُها على قواعد إبراهيم))، فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعل خشية أن يؤدِّيَ إلى فتنة، وهكذا، ومِن ذلك مثلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء أعرابي وبال في المسجد وزجَره الصحابة، أمرَهم صلى الله عليه وسلم بالكفِّ عنه حتى فرغ من بوله، ثم دعا بسَجْلٍ من ماء فصبَّه على بوله، ثم قال له: ((إن المسجد لا يصلُح فيه شيء من هذا))، فالنبي صلى الله عليه وسلم منَع الصحابة من زجر هذا الرجل الذي يبول في المسجد، التبول في المسجد مُنكَر، والمنكر تجب المبادرة إلى إنكاره، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر الأمر بالإنكار لأمر رآه في المآل أشد وأجدى؛ لأن هذا الرجل لو أنه زُجِر وقام من بوله ربما زاد مكان التنجُّس من بقعة واحدة إلى بقعتين وثلاث وأربع، أو ترتَّب عليه داء من جراء احتباس البَول المُفاجئ، فكانت مُراعاة النبي صلى الله عليه وسلم للمآل، مما دفعه إلى منع الصحابة من زجره، وتركه حتى يَفرُغ من بوله، وهكذا يجب على المفتي أن يكون عنده من النظر في المآلات وما تَصير إليه عواقب الفتوى، فإن رأى ما يوجب تأخيرها أخَّرها حتى وقت آخر، أو دفعها إلى غيره ليُعالج هذا الأمر.

فنقول: إنه متى علم المفتي أو غلب على ظنِّه وجَب عليه الامتناع عن الفتوى، فإن شك أُبيحَت الفتوى مع تقييدها بما يَمنع المَحظور.

وكذلك يَجوز للمُفتي أن يَمتنع عن الفتوى إذا قام غيرُه مقامه، فإذا كان هناك عالم مؤهَّل سوف يُجيب هذا الشخص، فلا بأس مِن امتناعه واعتذاره عن الفتوى، فيجوز للمُفتي الامتناع عن الفتوى وردُّ الاستفتاء إذا قام غيره من المفتين المؤهَّلين مقامه، ولم تتعيَّن عليه الفتوى؛ لأنها - كما قلنا - من فروض الكفايات، فإذا قام بها أحد المُفتين سقط الإثم عن الباقين، وينبغي أن يُلحَظ هنا عدم الإضرار بالمستفتي، فربما لو قيل هذا يَعتذر، وهذا يعتذر، وثالث يعتذر، والرابع يعتذر كان فيه إضرار بالمستفتي، فلا بد من ملاحقة المفتين حتى يُجيبوا على سؤاله؛ ولذلك فنقول: إن في هذا الحالة الأفضل هو إجابته إذا كان العالم نشيطًا بحكم المسألة وعالمًا بحكمها، ولا يدفعه إلى غيره، وإن قيل بجواز دفعه إلى غيره.

كذلك من الحالات التي يَمتنع فيها المفتي عن الفتوى لِمُستفتٍ إذا كانت المسألة مما لا نفْعَ فيها للسائل، فإذا كانت المسألة بهذه الصفة ولا يَحتاج إليها المستفتي لم يلزم المفتي الإجابة عليها، وهناك مواقف من الأئمة تدلُّ على ذلك؛ فقد قيل للإمام أحمد عن يأجوج ومأجوج: أمُسلِمون هم؟ فقال للسائل: أحكمت الحِكَم حتى تسأل عن ذا؟ فاسأل رحمكَ الله عما تحتاجه، وسُئل مرة عن مسألة في اللعان، فقال: سلْ - رحمك الله - عما ابتُليت به! يعني أن تسأل في ما أشكل عليك وتحتاجه الآن، وطبعًا هذا بحسب الناس، لو جاء طالب العلم متفقهًا ربما أجابه، لكن الإمام ربما رأى أن هذا السائل أو إجابة هذا السؤال أكبر مِن حاجة هذا الشخص، وأنه لو ذهب يشرَح هذا لأدرك وقتًا طويلاً ربما ذِهنُه لا يستوعبه فأضاع الوقت من غير فائدة.

كذلك من الحالات التي يجوز فيها للمُفتي أن يمتنع عن الفتوى: إذا كان عقل المفتي لا يَحتمِل الجواب، وخاف المفتي أن يكون الجواب فتنةً له ترَك الجواب على استفتائه، ومن هذا القبيل طائفة من الناس ربما لا يسألون إلا عن مُعضِلات ومُتشابه الآيات، مما لا يصحُّ الخوض فيها لأمثال السائلين، وقد كان السلف - رحمهم الله - يَنهون عن التعرُّض للغوامض والتعمق في المُشكلات، والإمعان في ملابسة المُعضِلات، والاعتناء بجَمع المُتشابهات، وكل ذلك مُراعاةً لعقل السائل، وتحمُّلاً لمثل هذا أو ذاك، وقد ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلوطات، فهذا يدلُّ على ترك صعاب المَسائل التي لا نفع فيها للسائل في دين المرء أو دُنياه، ويَكثُر فيها الغلط، ويفتح الكلام فيها باب الفتن والشر على المسلمين؛ ولذلك قال علي رضي الله عنه: "حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟" فنحدِّث الناس بما تستوعبه أذهانهم، وعن ابن مسعود مثل ذلك؛ فقد قال: "ما أنت بمحدِّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنةً".

وكذلك مما يجوز للمفتي الامتناع عن الفتوى فيه: إذا كانت المسألة غير واقعة ولا يستفيد منها السائل؛ لأنه مثلاً من العامة، وليس له فيها حاجة، يعني ليست واقعة، ولا يستفيد منها تفقهًا.

وكان بعض السلف إذا سُئلَ عن مسألة قال: هل كان ذلك؟ فإن قال: نعم، تكلف له الجوابَ، وإلا قال: دعنا في عافية.

وقد كان الإمام أحمد - رحمه الله - يقول: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، يعني: لم تُسبَق إلى تقرير حكمها، وحقَّق ابن القيم عن أن إجابة مثل هذا جائزة أو مكروهة أو مستحبة، قال ابن القيم: والحق التفصيل؛ فإن كان في المسألة نصٌّ من كتاب أو سنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أثرٌ عن الصحابة لم يُكره الكلام فيها، وهذه غير داخلة في المسألة، وإن لم يكن فيها نصٌّ ولا أثر، فإن كانت بعيدة الوقوع أو مقدَّرة لا تقع، لم يستحبَّ له الكلام فيها، وإن كان وقوعها غير نازل ولا مُستبعَد، وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون على بصيرة إذا وقعت استحبَّ له الجواب بما لا يعلم، ثم قال: لا سيما إذا كان السائل يتفقَّه بذلك، ويعتبر بها نظائرها ويفرِّع عليها، فحيثما كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى، وعلَّل - رحمه الله - لعدم الجواب عن المسألة إذا لم يكن فيها نصٌّ أو لم تقَع، قال: لأن الفتوى بالرأي لا تجوز إلا عند الضرورة، فالضرورة تبيحه كما تبيح الميتة عند الاضطرار، ويوجَّه كلام السلف في النهي عما لم يقع من المسائل مما ليس فيه نصٌّ مِن الكتاب والسنَّة أو أثر عن الصحابة، أو كانت بعيدة الوقوع، أو لا نفْعَ فيها للسائل، أو شغلت العالم عما هو أهمُّ، يعني النصوص التي جاءت عن بعض السلف في النهي عمَّا لم يقع مِن مسائل، معناه إذا لم يكن فيها نصٌّ من الكتاب والسنَّة، أو أثر عن الصحابة، أو كانت بعيدة الوقوع، أو لا نفع فيها للسائل، أو شغلت العالِم عما هو أهمُّ منها، هذا ما يتعلَّق بحكم الفتوى وبالنسبة للمُفتين.

أما حكم الفتوى بالنسبة للمُستفتي فذكر العلماء بأن على المُفتي أن يتطلب حكم المسألة التي يَجهل حكمَها إذا أراد العمل بها، سواء كان ذلك في عبادة أو معاملة؛ لعموم قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]؛ ولذلك قال الإمام النووي: ويجب عليه - يعني المستفتي - الاستفتاء إذا نزلت به حادثة يجب عليه عِلمُ حكمها، فإن لم يجد في بلده مَن يستفتيه وجب عليه الرحيل إلى مَن يُفتيه، وإن بَعُدَ داره، وقال: وقد رحل خلائق من السلف المسألة الواحدة الأيام والليالي، ونحن في هذا الوقت - والحمد لله - ما يحتاج الإنسان أن يُسافر الأيام والليالي، بل وسائل الاتصال متوفِّرة؛ من الهاتف أو الإنترنت أو غيرها، ويُمكِن للإنسان أن يتلقَّى الجواب حتى أحيانًا وهو مُضطجِع، وهو على فراشه، أو جالس على أريكته، ويتَّصل بأقصى الدنيا إلى أقصاها في هذه الراحة؛ ولذلك لم يعد الجهل عذرًا لمُعتذِر، بل عليه أن يَبذُل وقته، وأن يبذُل غاية جهده للسؤال عما يشكِل عليه، وهنا أمر مهمٌّ جدًّا أن يعرف من يستفتيه، فليس كل مَن انتصب - كما يقول العلماء - للتدريس أو الإقراء أو للكلام عالِمًا، وإنما العالِم من أحاط بالعلم وبأصوله الصحيحة، وكان مع ذلك عدالةٌ وورعٌ وتقوى وتجربة وخبرة في مجال الفتوى.

هذا ما يتعلق بحكم الفتوى، وفيما يتسع من وقت نتكلم عن شروط المفتي التي يجب أو تتوفَّر فيه حتى يكون مؤهلاً للفتوى.

وقد تكلم العلماء عن شروط المفتي، وأولها: الإسلام، ولا شكَّ أنه لا يكون مُفتيًا إلا من كان مسلمًا؛ لأن مدار الأحكام هي على كتاب الله - عز وجل - وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفها حق المعرفة ويَخبُرها حق الخبر إلا مَن كان محيطًا بها، وهو الذي يستطيع النظر فيها وتطبيق أحكامها على الوقائع، ولا يجوز اتخاذ غير المسلم مصدرًا للفتوى، والله - عز وجل - يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾ [آل عمران: 118]، وقد يَستغرِب بعض الناس؛ يعني هذا الشرط بدَهي، نقول: نعم، هذا الشرط بدهي، ولكن هناك مِن غير المسلمين مَن عندهم إحاطة بالأحكام، فهل هؤلاء يُمكن أن يكونوا مرجعًا للمُستفتين؟ لا، حتى وقد أُثر عن بعض المستشرقين أنه كان يحفظ كتاب المغني كاملاً، فلا يقال: إن مَن حفظ العلم وكان عنده إحاطة به أنه يكون أو يصلح أن يكون مُفتيًا أو قاضيًا حتى بين المسلمين وهو غير مسلم؛ لأن الإسلام - كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم - يعلو ولا يُعلى عليه، ولا يجوز اتخاذ هؤلاء بطانة يُقدَّمون في مثل هذه الأمور، ولأننا نَشترِط أيضًا - كما سوف يأتي - في المفتي العدالةَ، ومَن ليس مسلمًا ليس أهلاً للفتوى، فضلاً عن أن يكون متَّصفًا بالعدالة.

الشرط الثاني: البلوغ؛ الصغير ليس أهلاً للتكاليف؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رُفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يَستيقظ، وعن الصبي حتى يَحتلم، وعن المجنون حتى يفيق))، فالصغير دون البلوغ غير مؤهَّل للفُتيا؛ لعدم نضوج عقله وكمال فهمه، فلا يُوثَق بنظره وإدراكه، بل إن العلماء يَذهبون إلى أبعد من ذلك، وأنه لا يفتي إلا وقد بلغ من العمر مقدارًا يؤهله بالتميُّز وحسن الاستيعاب، مع اكتساب الخبرات في مجال الحكم والفتوى، ويقدِّره بعضهم إذا بلَغ الأربعين، لكن الصحيح أنه مَن حصَل منه نبوغ وظهور في العلم، وكان بالأمة حاجة إليه جاز له أن يُفتي ولو لم يَبلُغ هذا العمر.

أيضًا من شروط المفتي العقل؛ فالعقل هو مَناط التكليف، وبه تحصل صحة التصرف وحسن التدبير، وغير العاقل لا يتوجه إليه أمر ولا نهي، فضلاً عن أن يكون ناقلاً لخبر يتعلَّق بحكم الله وحكم رسوله في مسألة من مسائل الأحكام الشرعية؛ ولذا لا يجوز أن يتولى هذا مَن اختلَّ عقله؛ لعموم الحديث السابق، لكن يبقى أن نُشير: هل المقصود بالعقل الذي تَحصُل به المُدرَكات، يعني العقل الذي نشترطه في المفتي والقاضي ومَن في حكمهما؟ يعني العقل الذي تحصل به المدرَكات، أول المدركات التي هي مناط تكليف الواجبات الشرعية، مثلاً يَعرف يؤدي الصلوات؟ لا ليس هذا هو المقصود في العقل الذي نريده أن يتصدى لمَجال الفتيا ومجال القضاء، لا، كما يقول العلماء: هو أن يكون صحيح التمييز، جيِّد الفطنة، بعيدًا عن السهو والغفلة، عنده القدرة على حل ما أعضل، وحل ما أشكل، هذا صاحب العقل الذي نطلبه فيمن يصلح أن يكون مُفتيًا أو قاضيًا؛ صحيح التمييز، جيد الفطنة، بعيدًا عن السهو والغفلة، عنده القدرة على حل ما أعضل وفكِّ ما أشكل، فلا يكون قاضيًا من اختلَّ رأيه ونظره بكِبَرٍ أو مرض ونحوهما، ولا مَن كان موصوفًا بالسهو، ولا مَن غلبت عليه الغفلة واعتوره دوام السهو، ولا مَن كان موصوفًا بقلَّة الضبط، منعوتًا بنقص الفهم، معروفًا بالاختلال، يُجيب عما يسمح له، ويُفتي بما يَخفى عليه، كما يقول الخطيب البغدادي، مَن كانت هذه صفاته لا يَصلُح أن يكون مُفتيًا.

وأما رابع هذه الشروط فهو العلم بالأحكام الشرعية؛ الفتوى هي بلاغ لأحكام الشرع لمن سألها عما وقع عليه، ويلمُّ به من أحداث ونوازل، وهي لا تَصلُح إلا ممَّن أحاط بأحكام الشرع خبرًا، فيكون عالمًا بما يُبلِّغ عن الله - عز وجل - وعلم المفتي بالأحكام الشرعية يقتضي أن يكون مُلمًّا بأصول الأدلة الشرعية؛ من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال السلف، وأن يكون عنده إلمام أيضًا بعلم أصول الفقه، وكيف تُستنبَط الأحكام، وما هي المصادر التي تستنبط منها الأحكام، وعنده معرفة بدلالات الألفاظ ومفهوماتها، وما يتعلق بها، وهذا يتأتَّى لمن درس علم أصول الفقه، وأن يكون عارفًا بطرق الاستفادة من هذه الأدلة، وكل ذلك يتأتَّى لمن درس أصول الفقه وقواعده وكان له إلمام جيد به.

وكذا أيضًا يحتاج إلى معرفة طرائق تخريج الفروع على الأصول ورد الفروع إلى أصولها العامة، أو حتى على الأصول والقواعد المذهبية، فلا يَصلُح للفتوى حافظ قرآن وحديثٍ لا فقهَ عنده، ولا حافظ فقه لا حظَّ له من علوم الوحي كتابًا وسنَّة، وكيف تتمُّ الاستفادة منها، فنقول: لا يتصدى للفتوى إلا مَن كان عنده إلمام بالكتاب والسنَّة وأصول الفقه وقواعده وجمهور المسائل العِلمية، ولا يُشترَط إلمامه بجَميعها ما دام مُتقنًا بطرائق البحث وطرائق الاستنباط؛ بحيث يتوصَّل إلى المسألة عند طلبِها بيسْر وسهولة.

اختلف العلماء في درجة العلم المطلوبة من المُفتين؛ هل يُشترَط أن يكون مُجتهدًا، أو يكفي أن يكون مقلدًا؟ على فريقين؛ فريق من أهل العلم ذهبوا إلى أنه يشترط أن يكون المفتي مُجتهدًا، ولا يصحُّ أن يكون مقلِّدًا، وذهب آخَرون إلى أنه يجوز أن يكون المفتي مقلدًا، وهذا كما يقول ابن القيم قول أكثر الأصحاب - يعني: من الحنابلة - وقول جمهور الشافعية، ووجْهُ ذلك بأنه لا تُسدُّ حاجات الناس إلا بذلك، وسدُّ الحاجة مُعتبَر، وهو هذا القول الذي نقول بجواز أن يكون المفتي مقلدًا، وكما يقول ابن القيم: هو أصحُّ الأقوال، وعليه العمل، ومثل ذلك عدد من الأئمة قالوا: يجوز إفتاء المقلِّد، وقال بذلك - كما قلنا - ابن القيم، فقال: إنه أصح الأقوال وعليه العمل، وقال بذلك أيضًا المازري من المالكية، وابن هُبَيرة من الحنابلة وابن أبي الدم من الشافعية، وذكروا ذلك في القاضي، والمفتي لا شك أنه مثله، ولما تحدَّث ابن هبيرة - رحمه الله - عن شرط الاجتهاد في القاضي توقف عنده، وقال: يكفي في ذلك المقلِّد، ثم ذكر عن المقلدة قال بأنهم سدُّوا ثغرًا - يعني في القضاء والإفتاء - لا يُمكِن سدُّه بدونِهم، لو شدَّدنا واشترطنا الاجتهاد ما تيسر أن نَلقى مَن يُفتي أو يُغطِّي حاجة الفتيا، ولا يتيسر أن نجد مَن يُغطي حاجة القضاء بالشرع، وبذلك فإنه يكفي في أهلية المفتي أن يكون مقلدًا، إن حصلنا أن يكون مجتهدًا جيد، ما يُمكن يكفي المقلد.

لكن هنا نقطة مهمة جدًّا، وهي: ما هو حد التقليد؟ أهو مجرَّد حفظ متن من المتون أو حفظ متن من المتون مع شرحه؟ ممكن هذا، الآن صار ميسَّرًا وسهلاً، لماذا؟ مع الحاسبات الآن ما عاد نحتاج إلى واحد يحفظ، يفتح الكمبيوتر ويكتب ما الحكم الفلاني؟ فيعطيه الحكم، هل يَكفي هذا أن يكون مقلدًا أو شخصًا ليس عنده إلمام بالعلم ممكن أن يفتي بهذه الطريقة؟ لا، وإنما هنا نقول: المقلد يُشترَط أن يكون فقيه النفس، ذا حظٍّ من العلم، عنده القدرة على تصور المسائل على وجِهها، وفهم أحكامها في جلياتها وخفياتها، وأن يكون مُعظَم المسائل وجمهورها على ذِهنه، متمكنًا من إدراك الباقي بالبحث والنظر والرجوع إليها في مظانها، والقدرة على الترجيح عند اختلاف الأقوال وعند تعارُضِها، ولا يتأتى هذا إلا لمن كان ملمًّا بأصول الفقه وقواعده، والقواعد الفقهية، وجمهور المسائل، دارسًا لشرح من شروحِ كتاب من كتب الفقه دراسةً محكمة، ملمًّا بمصطلحات الفن وبأساليب العلماء في تقرير المسائل، هذا هو المقلِّد الذي نُجيز أن يكون مفتيًا أو قاضيًا.

ولا يصحُّ لشخص حفِظ حديثًا أو حديثين أو عرف كيف يستدلُّ بآية أو آيتَين أن يُنصِّب نفسه، أو شخص يكون مُتخصِّص في الطب أو في الأدب الإنجليزي أو في علم الاجتماع ثم يأخذ يخوض في مسائل الشرع، وإذا قيل له: على رويدك، قال: لا، ما عندنا في الشرع - كما يقولون - رجل دين، نعم صحيح هي كلمة حق يراد بها باطل، ما عندنا رجل دين صحيح، لكن عندنا عالم بالشريعة، كما عندنا عالم بالطِّب، وعالم بالاجتماع، وعالم بالهندسة، عندنا عالم بالشرع، ولا يجوز لطالب العلم مهما علا قدره أن يُفتي في مسألة طبية، والعكس الصحيح، ولا يجوز للطبيب مهما بلَغ قدره في تخصُّصه أن يفتي في مسألة في مسألة في الهندسة، والعكس صحيح، وهكذا يجب احترام التخصُّص، ولا يجوز للإنسان أن يقتحم مسألة لا علم له فيها، وحينما فُتحَ المجال لمثل هذه الأمور صِرنا نسمع العجائب والغرائب، وصارت تُفرَض قواعد ليس لها أصلٌ في الشرع؛ كقولهم: أي مسألة فيها اختلاف فعليك بالقول الذي فيه الترخيص! من أين لهم هذا؟! بل المسلِم هو مُستعبَد بالكتاب والسنَّة، وليس بالترخص بالأقوال؛ بل هو مُستعبَد بالكتاب والسنَّة، حيثما كان الكتاب والسنة فهو المطلوب، فهو القول الوسط، نعم المسلِم مستعبَد بالكتاب والسنَّة، وأما أن كل شخص يُطلِق لسانه ولو بغير علم، وحتى لو كان عنده علم ثم أطلق لسانه بما يُخالف كتاب الله وسنَّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقوله مردودٌ كائنًا مَن كان، وبالغًا مَن بلغ؛ ولذلك ابن القيم يقول فيما يتقحمه بعض الناس من اتجاه نحو الأخذ بالقول ما دام قيل به وفيه سهولة، بغضِّ النظر عن كونه راجحًا أو مرجوحًا، يقول: فإذا انضافت الأقوال الباطلة إلى الظنون الكاذبة، وأعانتها الأهواء الغالبة، فلا تسأل عن تبديل الدين بعد ذلك، والخروج عن جملة الشرائع بالكلية؛ "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (2: 146)، من هنا نأتي إلى أهمية اشتراط العلم في المُفتي، فنقول: يجوز أن يكون مقلدًا مُتقنًا، حسب الأوصاف السابقة، وعليه - على العالم - مجتهدًا أو مُقلِّدًا أن يلتزم بأصول الشريعة عند الفتوى، ولا يجوز له أبدًا أن يُخالف أصلاً من أصولها، أو يقرِّر أمرًا بمُجرَّد أنه فيه خلاف، وأن الخلاف - كما يقولون - يتَّسع بأي الوجهَين، وهذا خطأ؛ فكلام العلماء واضح، مَن تتبَّع الرخص فقد تزندق، ومن جمع الرخص فقد جمع الشر كلَّه، والوسطية التي ندعو لها هي وسطية الكتاب والسنَّة على وَفْق ما جاء في كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فليس في الشرع أمر بالسهولة مطلقًا، وليس فيه أمر بالمشاق مطلقًا؛ فالمشقة ليست مقصودة في الشرع بإطلاق؛ بمعنى أن الإنسان لا يجوز له أن يقصد ما هو شاق بحجة أنه يتعبَّد به لله - عز وجل - بل هو يقوم بالعمل الذي كُلِّف به، فإذا صاحبته مشقة فهو مأجور عليها، وأما أن يقصد للعمل الشاق ويقتحِمُه ويقول: أنا مأجور فيه ولو لم يكن له أصل مشروع، فقد أتى قولاً لدًّا، وعملاً خاطئًا، مثله مثل التيسير والتسهيل ليس في الشرع أيضًا سهولة بإطلاق، وإنما التسهيل والترخيص حيث جاء الشرع بالسهولة والترخيص، وأما الإنسان يطلق هواه ورأيه وفكره بأنه له حق! فلو فُرض فتح هذا الباب فما من سهل إلا له أسهل منه، وكلما بلغ السهل قال: أريد أسهل منه، وإذا بلغ الأسهل، قال: أريد أسهل منه، حتى - كما يقول الإمام الشاطبي - يخرج من الدين بالكلية بشُبهة الترخُّص واتِّباع الأسهل، فإذا انطلق خطام الناس من الالتزام بالكتاب والسنَّة، فقد اتبعوا وركبوا أهواءهم، ومن ركب هواه فقد ضلَّ السبيل.

نعود إلى تأهيل القاضي بالعلم، ونقول: إنه بالإضافة إلى ما ذُكر من تأهله بالعلوم التي أشرنا إليها، فيحتاج أيضًا إلى الخِبرة والدراية والمِراس في المجال الذي يعمل فيه؛ القضاء أو الفتيا، فلا يُمكن - كما يقول بعض الحنفية - لا يُمكن أن يكون العالم عالِمًا ولا المفتي مفتيًا حتى يتتلمذ على الحكم والفتوى، قالوا: ولو حفِظ جميع كتب أصحابنا، هذه مهمَّة جدًّا، يعني حتى الإنسان بالغًا ما بلغ في الحفظ إذا لم يتتلمذ ويتدرَّب على الفتوى إن كان مفتيًا، وعلى القضاء إن كان قاضيًا فلا يُمكِن أن يكون مفتيًا مؤهلاً ولا قاضيًا مؤهلاً حتى يلج الجمَلُ في سَمِّ الخياط، ويقول ابن سهل المالكي: لولا جلوسي مع الحكام ما درَيتُ ما أقول، في أول يوم شاورني سليمان بن الأسود - من أمراء الأندلس - وأنا يومئذ أحفظ المدوَّنة والمُستخرج الحفظ المتقَن، ثم قال: والتجربة أصل في كل فنٍّ، ومعنًى مفتقَر إليه في كل علم، التجربة لا شك أنها أصل في كل فن وأمر يحتاج إليه الإنسان في صغار الأمور وكبارها في جميع المِهَن، لو تتبعت بعض المِهَن اليسيرة لوجدتها تحتاج إلى تدريب وتأهيل، والتتلمذ على مَن سبقه في هذا المجال، ونحن نقول في مجال الفتيا وما في حكمه من القضاء: لا بد مِن التتلمذ على الحكم وعلى القضاء، وأن يتلقى ذلك ممَّن سبقه ممَّن حنكتهم السنون، وصقلت عقولهم التجرِبة، فيأخذ ما عندهم ويبني عليه، بالإضافة إلى تأهيله التأهيل الذي ذكرنا، وبذلك يكون المفتي وأيضًا القاضي قد أخذا بما يؤهله للدخول في هذا المجال.

وأشير أيضًا إلى أنه كما أننا في حاجة إلى تعلُّم الأحكام الموضوعية على نحو ما ذكرناه سابقًا، وفي حاجة إلى الخِبرة، فإننا في حاجة أيضًا إلى تعلم أصول تنزيل الأحكام على الوقائع، وهو فنٌّ مستقل، يعني ربما أطلق عليه "تحقيق المناط"، أو تنزيل الأحكام على الوقائع، أو إيقاع الأحكام على محلِّها، هذا الفن هو أيضًا له أصول ينبغي للمفتي والقاضي أن يحيطا بها حتى تكون فتواه وحُكمه في مكانه ملاقيًا للواقعة، وبغير ذلك ربما أخطأ في تحقيق مناط حكم المسألة مع علمه بحكمها، ما لم يكن ملمًّا بأصول تنزيل الأحكام على الوقائع التي تُعينه على تنزيل الحكم على الواقعة بيُسر وسهولة، هذا ما يتعلق بتأهيل المفتي ومَن في حكمه بالعلم بالأحكام الشرعية.

مما يَشترطه العلماء في المفتي أن يكون عدلاً، والعدالة: محافَظَةٌ على الدين، واحترام للمروءات ومكارم العادات؛ فالمحافظة على الدين تكون بأداء الفرائض بسننها، وما وجب من شعائر الإسلام؛ من زكاة، وصيام، وحج إلى بيت الله الحرام... وسائر أحكام الإسلام، واجتناب المحارم يكون بعدم إتيان الكبائر وعدم الإدمان على الصغائر، واحترام المروءة ومكارم العادات يكون بفعل ما يُجمِّله ويَزينه؛ كحُسْن الجوار، واجتناب ما يُدنِّسه ويشينه من الأمور الدنية المزرية، وينبغي - بل يجب - أن يكون بعيدًا عن التأويلات الفاسدة في مجال العقيدة أو غيرها.

ووصَف الإمام الماوردي "العَدْل" فقال: أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفًا عن المحارم، متوقيًا عن المآثم، بعيدًا عن الرِّيَب، مأمونًا في الرضا والغضب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه.

وإنما قال العلماء في اشتراط العدالة في المفتي؛ لأن العدالة صفة تُوجِب الثقة بصاحبِها في قوله وأداء واجبِه، فمَن اختلَّ دينه وفسدت مروءته لم يَصلُح للفتيا وإن كان من أهل الاجتهاد؛ لعدم الوثوق بقوله، ولذا قال الإمام النووي: اتفقوا أن الفاسق لا تصحُّ فتواه، والخطيب البغدادي يقول: علماء المسلمين لم يختلفوا في أن الفاسق غير مقبول الفتوى بأحكام الدين، وإن كان بصيرًا بها، ومثله عن ابن حمدان وغيره من أئمة الإسلام.

ويُشترَط في المفتي العدالة، ومَن عُرِفَ بتتبُّع الحيَل المُحرَّمة أو المكروهة أو تتبع الرُّخَص، فسَق وحرُم استفتاؤه، ووجب منعه من الإفتاء، وكذا مَن يُفتي بالأقوال الضعيفة المصادمة للأدلة الشرعية، فإن فتواه مردودة عليه، هذا ما يتعلق بشروط الفتوى.

وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

الأسئلة:
س 1: هذا السائل يقول: إذا استيقظ الإنسان بعد الفجر وقد خرج وقتها، فهل يجب عليه القضاء فورًا أم لا؟ وهل يجوز له أن يؤخرها ساعة أو ساعتين لما يجد من تعبٍ في نفسه؟ وجزاكم الله خيرًا.
أولاً: نقول: يجب على الإنسان الاحتياط باتخاذ ما يوقظه للصلاة في وقتها، ولا يجوز له أن ينام ويُهمِل ما يهيئُه لأن يستيقظ للصلاة في وقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سافر في سفر أو كان من عادته في السفر أن يترك مَن يحرُس ومَن يُوقظهم للصلاة عند وقتها، فينبغي للإنسان أن يحتاط في أن يجعل ما يوقظه للصلاة، سواء كان ذلك من جوَّال أو غيره من المنبهات، أو يوصي مَن يُوقظه.

ثانيًا: إذا بذل الإنسان جهده، ثم غلبه نوم، ربما الإنسان يعمل ذلك ثم يغلبه النوم يومًا ما، فإذا حصَل ذلك، فلم يستيقظ إلا بعد الفجر وقد خرَج الوقت، فها هنا يجب عليه القضاء، ولا بأس مِن الترخُّص بالمدة اليسيرة، ولكن ليس بالساعة أو الساعتين كما يذكر السائل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام في سفره وجعل من يَحرُسهم، فنام الحارس، فاستيقظ بعدما طلعت الشمس، فانتقل من هذا المكان الذي كان فيه إلى مكان آخر، ووضعوا فيه وصلَّوا، مما يدل على أنه حينما يخرج الوقت يعني الإنسان عنده فُسحة، ولكن الفسحة ليست واسعة مثلما ذكر السائل الساعة أو الساعتين، لكن الإنسان عنده فسحة شيئًا يسيرًا.

س 2: هذا يسأل عن الاختلاف في الفتاوى بين طلبة العلم، فأقول: عندما تختلف الفتوى في شيء من الأمور فلا شكَّ أن العلماء في السابق ذكروا اختلاف الفتوى بين المفتين، وذكروا أن الإنسان يتبَع مَن كان تأهيله أكثر، وكان أورع وأتقى لربه، وأكثر خبرة ودراية، فعندنا الآن عدد من المميزات؛ تأهيله أكثر، وتقواه وورعه وخبرته ودرايته في مجال الفتوى، مَن كان متَّصفًا بهذه الصفات يقدَّم على غيره، وقد ذكر فتوى اللجنة الدائمة أيضًا أكثر مِن شخص، خمسة أشخاص ستة، فصوابهم أقرب مما لو كان شخصًا واحدًا.

س 3: هذا السؤال يقول: هل علم الحديث يؤخذ من الشيخ الذي درَسَ عليه الفقه؟
علم الحديث هو تخصُّص، وقد يوجد مَن يُلمُّ بأكثر من تخصص؛ كحال العلماء الماضين؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، ممَّن جمعوا فنونًا كثيرة في الشريعة، وقد يكون إنسان بارع ومحيط بعلم الفقه، ولكن ليس عنده إحاطة بعلم الحديث، خاصة في مجال التأسيس يدرس على كل شخص فيما يُتقِنه، يدرس على كل شيخ فيما يتقنه، واللهِ، هناك شيخ يتقن علم الحديث أَدرُس عنده الحديث، شيخ آخر يُتقِن علم الفقه أدرس عنده الفقه، وثالث يُتقِن علم أصول الفقه أدرس عنده علم أصول الفقه، وربما وجدت شيخًا يُلمُّ بكل هذه العلوم أدرس عنده إذا كان فعلاً يلمُّ به كلها إلمام المتخصِّص فنعم، فالشاهد أن الإنسان قد يلم بفن واحد وقد يلم بفنون مُتعدِّدة، وهذا لا يضرُّه وكلٌّ بحسب جهده، ولكن بالنسبة لطالب العلم هو يتخير ما هو أفضل، وإن كان شخص يلمُّ بعلم الفقه يدرس عنده الفقه، وإن كان شخصٌ يلمُّ بعلم الحديث يدرس عنده علم الحديث، وهكذا.

س 4: وهذا يقول: قدم مِن خارج هذه البلاد ناويًا الحج، وبقي في مدينة جدة فترة حتى جاء الحج، فذهب إلى مكة بدون لباس الإحرام؛ أي: لابسًا المخيط وأدى الحج وانتهى منه، فماذا عليه؟
أول شيء إذا قدم في أشهر الحج أو في غير أشهُر الحج، إذا كان في أشهر الحج، وقد قدم قاصدًا الحج فعليه أن يُحرِم مِن الميقات الذي يمر به، ميقاته الذي يمرُّ به عليه أن يحرم منه، إذا تجاوز ميقاته ولم ينوِ الإحرام - يعني نية الدخول في النسُك - فهذا قد ترك واجبًا، ومَن ترك واجبًا فعليه دم.

أيضًا ذكر مخالفتين أنه بقي في جدة ومن جدة دخل إلى مكة بلباسه، يعني أنه تجاوز كل المواقيت، حتى لو فرضنا أنه معذور لأنه دخل في غير أشهر الحج، وأنه نوى الحج من جدة وساغ له ذلك، بقي لبسه المخيط، فلبسه للمخيط أيضًا هذا فيه فدية؛ كما قال الله - عز وجل -: ﴿ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [البقرة: 196]، وأما حجُّه فهو صحيح، يعني لو فرضنا أنه تجاوز الميقات ولم يُحرِم إلا بعد الميقات، فهذا - كما قلنا - فيه دم، وفرضنا أنه أيضًا انطلق من جدة بلباسه حتى دخل مكة ولم يبلس الإحرام إلا داخل مكة، فهذا أيضًا - كما قلنا - فيه فدية من صيام وصدقة ونسُك، ولكن يبقى أن الحج صحيح، وعليه هذه الواجبات.

س 5: يسأل يقول: هناك من يريد أن يُميِّع قضية الفتوى بحجة تغيير الفتوى بتغيُّر الزمان والمكان، ماذا عن هذه القاعدة، وما هي ضوابطها.. ؟
هذه القاعدة "تغيُّر الفتوى بتغير الزمان والمكان


__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:29 AM.