|
#1
|
|||
|
|||
النبى والولى
هل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي؟ بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله --- اما بعد يكفي أن نقول: أن هذا الكلام كلام لبعض المشايخ وانتهى أمره، ليس كلامًا لله ولا حديثًا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لكي نهتم بمعالجته أو ببيان تزييفه، وهو من جهة أخرى كلام باطل من أصله؛ ذلك لأن من معجزات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا القرآن الكريم الذي هو معجزة المعجزات كلها، كما الإشارة كذلك في بعض الأحاديث الصحيحة، فإذا أخذنا تلك الكلمة على إطلاقها: ما كان معجزةً لنبي جاز أن يكون كرامةً لولي، فقد كان القرآن معجزةً لنبينا أفيجوز أن يكون ذلك كرامةً لولي من أتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! هذا مستحيل. نعم! على طريقة الغلاة يمكن أن يكون ذلك، لكن ما بني على فاسد فهو فاسد، التفاضل بين النبوة والولاية وذكر بعض ضلالات أولياء الشيطان [قال صاحب الطحاوية «ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء»]: يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الاتحادية والجهلة وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع. فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة وتصفية نفسه إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم، ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء، ومنهم من يقول إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء، ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء، ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون، وهو أن هذا الوجود المشهود واجب بنفسه، ليس له صانع مباين له، ولكن هذا يقول: هو الله، وفرعون أظهر الإنكار بالكلية، لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم؛ فإنه كان مثبتاً للصانع، وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق كابن عربي وأمثاله، وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره، قال: «النبوة ختمت، ولكن الولاية لم تختم، وادعى في الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين، وأن الأنبياء مستفيدون منها كما قال: مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي وهذا قلب للشريعة فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين كما قال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} والنبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة كما تقدم التنبيه على ذلك. الولاية ليست بادعاء الكرامة [قال صاحب الطحاوية: «والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن» واقول وهم الموصوفون في قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون} وليست الكرامة بادعاء الكرامات وخوارق العادات كما يتوهم كثير من الناس، بل ذلك من الإهانات التي تُشَوِّه جمال الإسلام. ذكر بعض أحوال أولياء الشيطان [عن جندب عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «حد الساحر ضربة بالسيف».(ضعيف). وله طريق أخرى أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود: " أن الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، وكان يضرب رأس الرجل، ثم يصيح به، فيقوم خارجا، فيرتد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله، يحيى الموتى! ورآه رجل من صالح المهاجرين، فنظر إليه، فلما كان من الغد، اشتمل على سيفه فذهب يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنقه، فقال: إن كان صادقا فليحي نفسه! وأمر به الوليد ديناراً صاحب السجن- وكان رجلاً صالحاً- فسجنه، فأعجبه نحو الرجل، فقال: أتستطيع أن تهرب؟ قال: نعم، قال: فاخرج لا يسألني الله عنك أبداً ". صححة الالبانى قلت: ومثل هذا الساحر المقتول، هؤلاء الطرقية الذين يتظاهرون بأنهم من أولياء الله، فيضربون أنفسهم بالسيف والشيش، وبعضه سحر وتخييل لا حقيقة له، وبعضه تجارب وتمارين، يستطيعه كل إنسان من مؤمن أو كافر إذا تمرس عليه وكان قوي القلب، ومن ذلك مسهم النار بأفواههم وأيديهم، ودخولهم التنور. وظني أن جندباً رضي الله عنه، لو رأى هؤلاء ل***هم بسيفه كما فعل بذلك الساحر " ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ". [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لو عرفتم الله حق معرفته؛ لعلمتم العلم الذي ليس معه به جهل، ولو عرفتم الله حق معرفته؛ لزالت الجبال بدعائكم، وما أوتي أحد من اليقين شيئاً إلا ما لميؤت منه أكثر مما أوتي»، فقال معاذ ابن جبل: ولا أنت يا رسول الله! فقال: ولا أنا. قال معاذ: فقد بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يمشي على الماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ولو ازداد يقيناً لمشى على الهواء».منكر، ضعيف الإسناد. قلت: وهو عندي منكر ؛ فإن فيه أن عيسى لم يكن يقينه من القوة بحيث يمكنه أن يمشي على الهواء، بينما حكوا أن هذا كان لبعض الأولياء، فينتج من ذلك أن هذا البعض كان أقوى يقيناً من عيسى عليه السلام!! ولا يخفى ما في هذا من الضلال البين، ويلزم من ذلك أحد أمرين ولا بد: إن كان هذا الذي حكوا صحيحاً، فالحديث غير صحيح، وإن كان هذا الحديث صحيحاً؛ فالذي حكوا غير صحيح ولا بد. فتأمل. لا يجوز طاعة أحد في معصية الله [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]:«لا طاعة لبشر في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف». وفي الحديث فوائد كثيرة أهمها أنه لا يجوز إطاعة أحد في معصية الله تبارك وتعالى، سواء في ذلك الأمراء والعلماء والمشايخ. ومنه يعلم ضلال طوائف من الناس: الأولى: بعض الطرقيين الذين يطيعون شيوخهم ولو أمرهم بمعصية ظاهرةبحجة أنها في الحقيقة ليست بمعصية، وأن الشيخ يرى ما لا يرى المريد، وأعرف شيخاً من هؤلاء نصب نفسه مرشداً قص على أتباعه في بعض دروسه في المسجد قصة خلاصتها أن أحد مشايخ الطرقيين أمر ليلة أحد مريديه بأن يذهب إلى أبيه في***ه على فراشه بجانب زوجته، فلما ***ه، عاد إلى شيخه مسرورا لتنفيذ أمر الشيخ! فنظر إليه الشيخ وقال: أتظن أنك ***ت أباك حقيقة؟ إنما هو صاحب أمك! وأما أبوك فهو غائب! ثم بنى على هذه القصة حكما شرعيا بزعمه فقال لهم: إن الشيخ إذا أمر مريده بحكم مخالف للشرع في الظاهر أن على المريد أن يطيعه في ذلك، قال: ألا ترون إلى هذا الشيخ أنه في الظاهر أمر الولد ب*** والده، ولكنه في الحقيقة إنما أمره ب*** الزاني بوالدة الولد، وهو يستحق ال*** شرعا! ولا يخفى بطلان هذه القصة شرعا من وجوه كثيرة. أولاً: أن تنفيذ الحد ليس من حق الشيخ مهما كان شأنه، وإنما هو من الأمير أو الوالي. ثانياً: أنه لو كان له ذلك فلماذا نفذ الحد بالرجل دون المرأة وهما في ذلك سواء؟ ثالثاً: إن الزاني المحصن حكمه شرعا ال*** رجما، وليس ال*** بغير الرجم. ومن ذلك يتبين أن ذلك الشيخ قد خالف الشرع من وجوه، وكذلك شأن ذلك المرشد الذي بنى على القصة ما بنى من وجوب إطاعة الشيخ ولو خالف الشرع ظاهرا، حتى لقد قال لهم: إذا رأيتم الشيخ على عنقه الصليب فلا يجوز لكم أن تنكروا عليه! ومع وضوح بطلان مثل هذا الكلام، ومخالفته للشرع والعقل معا نجد في الناس من ينطلي عليه كلامه وفيهم بعض الشباب المثقف. يضلون مؤمنين بالقصة لأنها من باب الكرامات في زعمهم، قال: فتبا لإرشاد يؤدي إلى تعطيل العقول والاستسلام للمضلين إلى هذه المنزلة، فهل مِنْ عَتْب بعد ذلك على من يصف دين هؤلاء بأنه أفيون الشعب؟ الفرق بين الكرامة والاستدراج [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]:«يا سارية الجبل، يا سارية الجبل». مما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعمر وليس ذلك بغريب عنه، فإنه " محدث " كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين، فاستدلال بعض الطرقيين بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه: {عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}. فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم!! سبحانك هذا بهتان عظيم. على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفاً، فهو من الأمور الخارقة للعادة التي قد تقع من الكافر أيضاً، فليس مجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلا على أنه يدل على ولايته ولذلك يقول العلماء إن الخارق للعادة إن صدر من مسلم فهو كرامة وإلا فهو استدراج، ويضربون على هذا مثل الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري، فتمطر وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة. ومن الأمثلة الحديثة قصة " فتاة شابة ذهبت إلى جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها، وبعد معارك مريرة معه فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع، وأخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب، وهي تصيح في أعماقها بلا انقطاع: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ " ولكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها؟ وبعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها: " ماذا حدث؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ ".وكان تاريخ الرسالة متفقاً مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها ". وفي المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ " التخاطر " و" الاستشفاف " ويعرف باسم " البصيرة الثانية " اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه، التي طالما سمعنا من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلى عمر، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من الطرقيين يستغلونها لإثبات إمكان اطلاع الأولياء على الغيب، والكل مخطئ. فالقصة صحيحة ثابتة وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به ولكن ليس فيها ما زعمه الطرقيين من الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوما، فقد يصيب كما في هذه الحادثة وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لابد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} ولقد أحسن من قال: إذا رأيت شخصاً قد يطير ... وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف على حدود الشرع ... فإنه مستدرج وبدعي والحمد لله رب العالمين |
العلامات المرجعية |
|
|