اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > رمضان كريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-08-2009, 04:14 PM
الصورة الرمزية مراد قنديل
مراد قنديل مراد قنديل غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
العمر: 59
المشاركات: 255
معدل تقييم المستوى: 16
مراد قنديل is on a distinguished road
Mnn فقه الصيام

الصيام

الصيام ، يطلق على الامساك . قال الله تعالى : ( إني نذرت للرحمن صوما ) أي إمساكا عن الكلام . والمقصود به هنا ، الامساك عن المفطرات ، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، مع النية فضله :
1 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عزوجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام ، فإنه لي ( 1 ) ، وأنا أجزي به ( 2 ) ، والصيام جنة ( 3 ) ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ( 4 ) ، ولا يصخب ( 5 ) ، ولا يجهل ( 6 ) ، فإن شاتمه أحد ، أو قاتله ، فليقل : إني صائم ، مرتين ، والذي نفس محمد بيده لخلوف ( 7 ) فم الصائم ، أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك ، وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه " . رواه أحمد ، ومسلم ، والنسائي . 2 - ورواية البخاري ، وأبى داود : " الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله ، أو شاتمه فليقل ، إني صائم ، مرتين ، والذي نفس محمد بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي . الصيام لي ، وأنا أجزي به ، والحسنة بعشرة أمثالها " .
( هامش ) ( 1 ) إضافته إلى الله إضافة تشريف . ( 2 ) هذا الحديث بعضه قدسي وبعضه نبوي . فالنبوي . من قوله : والصيام جنة إلى آخر الحديث . ( 3 ) " جنة " أي مانع من المعاصي . ( 4 ) " الرفث " أي الفحش في القول . ( 5 ) " لا يصخب " أي لا يصيح . ( 6 ) " لا يجهل " أي لا يسفه . ( 7 ) " الخلوف " تغير رائحة الفم بسبب الصوم .
3 - وعن عبد الله بن عمرو . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام أي ( 1 ) رب منعته الطعام والشهوات ، بالنهار ، فشفعني به . ويقول القرآن : منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه فيشفعان ( 2 ) " رواه أحمد بسند صحيح .
4 - وعن أبي أمامة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة ، قال : " عليك بالصوم فإنه لا عدل له " ( 3 ) ثم أتيته الثانية ، فقال : " عليك بالصيام " . رواه أحمد ، والنسائي ، والحاكم ، وصححة .
5 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصوم عبد يوما في سبيل الله الا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه ، سبعين خريفا " رواه الجماعة ، إلا أبا داود .
6 - وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن للجنة بابا ، يقال له : الريان ، يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب " . رواه البخاري ومسلم .
أقسامه : الصيام قسمان : فرض ، وتطوع . والفرض ينقسم ثلاثة أقسام :
1 - صوم رمضان . 2 - صوم الكفارات . 3 - صوم النذر .
والكلام هنا ينحصر في صوم رمضان ، وفي صوم التطوع . أما بقية الاقسام ، فتأتي في مواضعها .
صوم رمضان حكمه : صوم رمضان ، واجب بالكتاب ، والسنة والاجماع .
( 1 ) " أي " حرف نداء بمعنى " يا " أي : يا رب . ( 2 ) أي تقبل شفاعتهما . ( 3 ) " لا عدل له " أي لا مثل له .
فأما الكتاب : فقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب ( 1 ) عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وقال : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد ( 2 ) منكم الشهر فليصمه ) . وأما السنة : فقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بني الاسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان وحج البيت " . وفي حديث طلحة بن عبيد الله ، " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله . أخبرني عما فرض الله علي من الصيام ؟ قال : " شهر رمضان " . قال : هل علي غيره ؟ قال : " لا . إلا أن تطوع " . وأجمعت الامة : على وجوب صيام رمضان . وأنه أحد أركان الاسلام ، التي علمت من الدين بالضرورة ، وأن منكره كافر مرتد عن الاسلام . وكانت فرضيته يوم الاثنين ، لليلتين خلتا من شعبان ، من السنة الثانية من الهجرة .
فضل شهر رمضان ، وفضل العمل فيه :
1 - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حضر رمضان " قد جاءكم شهر مبارك ، افترض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " رواه أحمد ، والنسائي ، والبيهقي .
2 - وعن عرفجة قال : كنت عند عتبة بن فرقد وهو يحدث عن رمضان
قال : فدخل علينا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه عتبة هابه ، فسكت ، قال : فحدث عن رمضان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان ، " تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة ، وتصفد فيه الشياطين ، قال : وينادي فيه ملك : يا باغي الخير أبشر ، ويا
( 1 ) " كتب " أي فرض . ( 2 ) شهد : حضر . ( . ) / صفحة 434 /
باغي الشر أقصر ، حتى ينقضي رمضان . " رواه أحمد ، والنسائي وسنده جيد .
3 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ، إذا اجتنبت الكبائر " . رواه مسلم .
4 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام رمضان وعرف حدوده ، وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله " رواه أحمد ، والبيهقي ، بسند جيد .
5 - وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا ( 1 ) غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه أحمد ، وأصحاب السنن .
الترهيب من الفطر في رمضان :
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عرى الاسلام ، وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الاسلام ، من ترك واحدة منهن ، فهو بها كافر حلال الدم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة ، وصوم رمضان " رواه أبو يعلى ، والديلمي ، وصححه الذهبي .
2 - وعن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر يوما من رمضان ، في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله ، وإن صامه " رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي ، وقال البخاري : ويذكر عن أبي هريرة رفعه : " من أفطر يوما من رمضان ، من غير عذر ، ولا مرض ، لا يقضه صوم الدهر ، وإن صامه " . وبه قال ابن مسعود . قال الذهبي : وعند المؤمنين مقرر : أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ، أنه شر من الزاني ، ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه ، ويظنون به الزندقة ، والانحلال .
( 1 ) " احتسابا " أي طالبا وجه الله وثوابه . ( . ) / صفحة 435 /
بم يثبت الشهر : يثبت شهر رمضان برؤية الهلال ، ولو من واحد عدل أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما .
1 - فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه . رواه أبو داود ، والحاكم ، وابن حبان ، وصححاه .
2 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صوموا لرؤيته ( 1 ) وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما . " رواه البخاري ومسلم . . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، قالوا : تقبل شهادة رجل واحد ، في الصيام ، وبه يقول ابن المبارك والشافعي ، وأحمد . وقال النووي : وهو الاصح . وأما هلال شوال ، فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماو لا تقبل فيه شهادة العدل الواحد ، عند عامة الفقهاء . واشترطوا أن يشهد على رؤيته ، اثنان ذوا عدل ، إلا أبا ثور فإنه لم يفرق في ذلك بين هلال شوال ، وهلال رمضان ، وقال : يقبل فيهما شهادة الواحد العدل . قال ابن رشد : " ومذهب أبي بكر بن المنذر ، هو مذهب أبي ثور ، وأحسبه مذهب أهل الظاهر . وقد احتج أبو بكربن المنذر ، بانعقاد الاجماع على وجوب الفطر ، والامساك عن الاكل ، بقول واحد ، فوجب أن يكون الامر كذلك ، في دخول الشهر وخروجه ، إذ كلاهما علامة ، تفصل زمان الفطر من زمان الصوم " . وقال الشوكاني : وإذا لم يرد ما يدل على اعتبار الاثنين في شهادة الافطار من الادلة الصحيحة ، فالظاهر أنه يكفي فيه قياسا على الاكتفاء به في الصوم .
( 1 ) المراد بالرؤية : الرؤية الليلية . ( . ) / صفحة 436 /
وأيضا ، التعبد بقبول خبر الواحد ، يدل على قبوله في كل موضع ، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه ، بعدم التعبد فيه بخبر الواحد ، كالشهادة على الاموال ونحوها ، فالظاهر ما ذهب إليه أبو ثور . اختلاف المطالع : ذهب الجمهور : إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع . فمتى رأى الهلال أهل بلد ، وجب الصوم على جميع البلاد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته " . وهو خطاب عام لجميع الامة فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا . وذهب عكرمة ، والقاسم بن محمد ، وسالم ، وإ**** ، والصحيح عند الاحناف ، والمختار عند الشافعية : أنه يعتبر لاهل كل بلد رؤيتهم ، ولا يلزمهم رؤية غيرهم . لما رواه كريب قال : قدمت الشام ، واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام ، فرأيت الهلال ليلة الجمعة . ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني ابن عباس - ثم ذكر الهلال - فقال : متى رأيتهم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس ، وصاموا ، وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين ، أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا . . . هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أحمد ، ومسلم والترمذي . وقال الترمذي : حسن ، صحيح ، غريب ، والعمل على هذا الحديث ، عند أهل العلم ، أن لكل بلد رؤيتهم . وفي فتح العلام شرح بلوغ المرام : الاقرب لزوم أهل بلد الرؤية ، وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها ( 1 ) . ( 1 ) هذا هو المشاهد ، ويتفق مع الواقع . ( . ) / صفحة 437 /
من رأى الهلال وحده : اتفقت أئمة الفقه على أن من أبصر هلال الصوم وحده أن يصوم . وخالف عطاء فقال : لا يصوم إلا برؤية غيره معه . واختلفوا في رؤيته هلال شوال ، والحق أنه يفطر كما قال الشافعي ، وأبو ثور . فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب الصوم والفطر للرؤية ، والرؤية حاصلة له يقينا ، وهذا أمر مداره الحس ، فلا يحتاج إلى مشاركة .
أركان الصوم : للصيام ركنان تتركب منهما حقيقته :
1 - الامساك عن المفطرات ، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس . لقول الله تعالى : ( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) . والمراد بالخيط الابيض ، والخيط الاسود بياض النهار وسواد الليل . لما رواه البخاري ومسلم : أن عدي بن حاتم قال : لما نزلت ( حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود ) عمدت إلى عقال أسود ، وإلى عقال أبيض ، فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في الليل ، فلا يستبين لي ، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال : " إنما ذلك سواد الليل ، وبياض النهار " .
2 - النية : لقول الله تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " . وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " . ولابد أن تكون قبل الفجر ، من كل ليلة من ليالي شهر رمضان . لحديث حفصة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يجمع ( 1 )
( 1 ) " يجمع " من الاجماع ، وهو إحكام النية والعزيمة . ( . ) / صفحة 438 /
الصيام قبل الفجر ، فلاصيام له . " رواه أحمد وأصحاب السنن ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان . وتصح في أي جزء من أجزاء الليل ، ولا يشترط التلفظ بها فإنها عمل قلبي ، لادخل للسان فيه ، فإن حقيقتها القصد إلى الفعل امتثالالامر الله تعالى ، وطلبا لوجهه الكريم . فمن تسحر بالليل ، قاصدا الصيام ، تقربا إلى الله بهذا الامساك ، فهو ناو . ومن عزم على الكف عن المفطرات ، أثناء النهار ، مخلصا لله ، فهو ناو كذلك وإن لم يتسحر . وقال كثير من الفقهاء : إن نية صيام التطوع تجزئ من النهار ، إن لم يكن قد طعم . قالت عائشة : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : " هل عندكم شئ ؟ قلنا : لا . قال : " فإني صائم " . رواه مسلم ، وأبو داود . واشترط الاحناف أن تقع النية قبل الزوال وهذا هو المشهور من قولي الشافعي . وظاهر قولي ابن مسعود ، وأحمد : أنها تجزئ قبل الزوال ، وبعده ، على السواء . على من يجب : أجمع العلماء : على أنه يجب الصيام على المسلم العاقل البالغ ، الصحيح المقيم ، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض ، والنفاس . فلا صيام على كافر ، ولا مجنون ، ولاصبي ولا مريض ، ولا مسافر ، ولا حائض ، ولانفساء ، ولاشيخ كبير ، ولا حامل ، ولا مرضع . وبعض هؤلاء لا صيام عليهم مطلقا ، كالكافر ، والمجنون ، وبعضهم يطلب من وليه أن يأمره بالصيام ، وبعضهم يجب عليه الفطر والقضاء ، وبعضهم يرخص لهم في الفطر وتجب عليه الفدية ، وهذا بيان كل على حدة .
صيام الكافر ، والمجنون : الصيام عبادة إسلامية ، فلاتجب على غير المسلمين ، والجنون غير مكلف لانه مسلوب العقل الذي هو مناط التكاليف ، وفي حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم " . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي . صيام الصبي : والصبي - وإن كان الصيام غير واجب عليه - إلا أنه ينبغي لولي أمره أن يأمره به ، ليعتاده من الصغر ، مادام مستطيعا له ، وقادرا عليه . فعن الربيع بنت معوذ قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم - صبيحة عاشوراء - إلى قرى الانصار : من كان أصبح صائما فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه ، فكنا نصومه بعد ذلك ، ونصوم صبياننا الصغار منهم ، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ( 1 ) فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه ، حتى يكون عند الافطار رواه البخاري ، ومسلم . من يرخص لهم في الفطر ، وتجب عليهم الفدية : يرخص الفطر للشيخ الكبير ، والمرأة العجوز ، والمريض الذي لا يرجى برؤه ، وأصحاب الاعمال الشاقة ، الذين لا يجدون متسعا من الرزق ، غير ما يزاولونه من أعمال . هؤلاء جميعا يرخص لهم في الفطر ، إذا كان الصيام يجهدهم ، ويشف عليهم مشقة شديدة في جميع فصول السنة . وعليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكينا ، وقدر ذلك بنحو صاع ( 2 ) أو نصف صاع ، أو مد ، على خلاف في ذلك ، ولم يأت من السنة ما يدل على التقدير .
( 1 ) العهن : الصوف . ( 2 ) " الصاع " قدح وثلث . ( . ) / صفحة 440 /
قال ابن عباس : رخص للشيخ الكبير أن يفطر : ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه . رواه الدارقطني والحاكم وصححاه . وروى البخاري عن عطاء : أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " قال ابن عباس ليست بمنسوخة ، هي للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، لا يتسطيعان أن يصوما ، فيطعمان ( 1 ) مكان كل يوم مسكينا . والمريض الذي لا يرجى برؤه ، ويجهده الصوم ، مثل الشيخ الكبير ، ولافرق . وكذلك العمال الذين يضطلعون بمشاق الاعمال . قال الشيخ محمد عبده : فالمراد بمن " يطيقونه " في الآية ، الشيوخ الضعفاء والزمني ( 2 ) ونحوهم كالفعلة الذين جعل الله معاشهم الدائم بالاشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه . ومنهم المجرمون الذين يحكم عليهم بالاشغال الشاقة المؤبدة إذا شق الصيام عليهم ، بالفعل ، وكانوا يملكون الفدية . والحبلى ، والمرضع - إذا خافتا على أنفسهما ، أو أولادهما ( 3 ) أفطرتا - وعليهما الفدية ، ولاقضاء عليهما ، عند ابن عمر ، وابن عباس . روى أبو داود عن عكرمة ، أن ابن عباس قال ، في قوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه ) ، كانت رخصة للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام ، أن يفطرا ، ويطعما مكان كل يوم مسكينا ، والحبلى ، والمرضع - إذا خافتا ( يعني على أولادهما ) - أفطرتا ، وأطعمتا . رواه البزار . وزاد في آخره : وكان ابن عباس يقول لام ولد له حبلى : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه ، فعليك الفداء ، ولاقضاء عليك . وصحح الدارقطني إسناده . وعن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال : تفطر ، وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا ( 4 ) من حنطة . رواه مالك ، والبيهقي .
( 1 ) مذهب مالك وابن حزم أنه لاقضاء ولا فدية . ( 2 ) المرضى مرضا مزمنالايبرأ . ( 3 ) معرفة ذلك بالتجربة أو بإخبار الطبيب الثقة أو بغلبة الظن . ( 4 ) " المد " ربع قدح من قمح . ( . ) / صفحة 441 /
وفي الحديث : " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحبلى والمرضع الصوم " . وعند الاحناف وأبي عبيد وأبي ثور : أنهما يقضيان فقط ، ولا إطعام عليهما . وعند أحمد ، والشافعي : أنهما - إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا - فعليهما القضاء والفدية ، وإن خافتا على أنفسهما فقط ، أو على أنفسهما وعلى ولدهما ، فعليهما القضاء ، لا غير . من يرخص لهم في الفطر ، ويجب عليهم القضاء : يباح الفطر للمريض الذي يرجى برؤه ، والمسافر ، ويجب عليهما القضاء . قال الله تعالى : ( ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) . وروى أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، بسند صحيح ، من حديث معاذ ، قال : " إن الله تعالى فرض على النبي صلى الله عليه وسلم الصيام ، فأنزل : ( يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) إلى قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فكان من شاء صام . ومن شام أطعم مسكينا . فأجزأ ذلك عنه . ثم إن الله تعالى أنزل الآية الاخرى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) إلى قوله ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فأثبت صيامه على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وأثبت الاطعام للكبير الذي لايستطيع الصيام " .
والمرض المبيح للفطر ، هو المرض الشديد الذي يزيد بالصوم ، أو يخشى تأخر برئه ( 1 ) . قال في المغني : " وحكى عن بعض السلف : أنه أباح الفطر بكل مرض ، حتى من وجع الاصبع والضرس ، لعموم الآية فيه ، ولان المسافر يباح له الفطر ، وإن لم يحتج إليه ، فكذلك المريض " وهذا مذهب البخاري ، وعطاء ، وأهل الظاهر .
( 1 ) يعرف ذلك ، إما بالتجربة أو بإخبار الطبيب الثقة أو بغلبة الظن . ( . ) / صفحة 442 /
والصحيح الذي يخاف المرض بالصيام ، يفطر ، مثل المريض وكذلك من غلبه الجوع أو العطش ، فخاف الهلاك ، لزمه الفطر وإن كان صحيحا مقيما وعليه القضاء . قال الله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) . وقال تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) . وإذا صام المريض ، وتحمل المشقة ، صح صومه ، إلا أنه يكره له ذلك لاعراضه عن الرخصة التي يحبها الله ، وقد يلحقه بذلك ضرر . وقد كان بعض الصحابة يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعضهم يفطر ، متابعين في ذلك فتوى الرسول صلى الله عليه وسلم . قال حمزة الاسلمي : يا رسول الله ، أجد مني قوة على الصوم في السفر ، فهل علي جناح ؟ فقال : هي " رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها ، فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " رواه مسلم ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة - ونحن صيام - قال : فنزلنا منزلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم " فكانت رخصة ، فمنا من صام ، ومنا من أفطر ، ثم نزلنا منزلا آخر ، فقال : " إنكم مصبحو عدوكم ، والفطر أقوى لكم " فأفطروا ، فكانت عزمة ، فأفطرنا ، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في السفر " رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ، ومنا المفطر ، فلا يجد الصائم على المفطر ( 1 ) ولا المفطر على الصائم ثم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ، ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر ، فإن ذلك حسن . رواه أحمد ومسلم . وقد اختلف الفقهاء في أيهما أفضل ؟ . فرأى أبو حنيفة ، والشافعي ، ومالك : أن الصيام أفضل ، لمن قوي
( 1 ) " فلا يجد الصائم على المفطر " أي لا يعيب عليه . ( . ) / صفحة 443 /
عليه ، والفطر أفضل لمن لا يقوى على الصيام . وقال أحمد : الفطر أفضل . وقال عمر بن عبد العزيز : أفضلهما أيسرهما ، فمن يسهل عليه حينئذ ، ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك ، فالصوم في حقه أفضل . وحقق الشوكاني ، فرأى أن من كان يشق عليه الصوم ، ويضره ، وكذلك من كان معرضا عن قبول الرخصة ، فالفطر أفضل وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء - إذا صام في السفر - فالفطر في حقه أفضل . وما كان من الصيام خاليا عن هذه الامور ، فهو أفضل من الافطار . وإذا نوى المسافر الصيام بالليل ، وشرع فيه ، جاز له الفطر أثناء النهار . فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم ( 1 ) ، وصام الناس معه ، فقيل له : إن الناس قد شق عليهم الصيام ، وإن الناس ينظرون فيما فعلت ، فدعا بقدح من ماء بعد العصر ، فشرب ، والناس ينظرون إليه ، فأفطر بعضهم وصام بعضهم ، فبلغه : أن ناسا صاموا ، فقال : " أولئك العصاة " ( 2 ) رواه مسلم والنسائي ، والترمذي وصححه . وإذا ما نوى الصوم - وهو مقيم - ثم سافر في أثناء النهار فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز الفطر له ، وأجازه أحمد وإ**** . لما رواه الترمذي - وحسنه - عن محمد بن كعب قال : أتيت في رمضان أنس بن مالك ، وهو يريد سفرا ، وقد رحلت له راحلته ، ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل فقلت له : سنة ؟ فقال : سنة ، ثم ركب ( 3 ) . وعن عبيد بن جبير قال : ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط ( 4 ) في رمضان ، فدفع ، ثم قرب غداءه ثم قال : اقترب ، فقلت
( 1 ) " الغميم " اسم واد أمام عسفان . ( 2 ) لانه عزم عليهم ، فأبوا ، وخالفوا الرخصة . ( 3 ) في سنده عبيد بن جعفر وهو ضعيف . ( 4 ) " الفسطاط " : مصر القديمة . ( . ) / صفحة 444 /
ألست بين البيوت فقال أبو بصرة : أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 1 ) ؟ . رواه أحمد ، وأبو داود ، ورجاله ثقات . قال الشوكاني : والحديثان يدلان على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه ، من الموضع الذي أراد السفر منه . وقال : قال ابن العربي : وأما حديث أنس ، فصحيح ، يقتضي جواز الفطر ، مع أهبة السفر . وقال : وهذا هو الحق . والسفر المبيح للفطر ، هو السفر الذي تقصر الصلاة بسببه ، ومدة الاقامة التي يجوز للمسافر أن يفطر فيها ، هي المدة التي يجوز له أن يقصر الصلاة فيها . وتقدم جميع ذلك في مبحث قصر الصلاة ومذاهب العلماء وتحقيق ابن القيم . وقد روى أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، والطحاوي . عن منصور الكلبي : أن دحية بن خليفة خرج من قرية ، من دمشق مرة ، إلى قدر عقبة ( 2 ) من الفسطاط ، في رمضان ، ثم إنه أفطر ، وأفطر معه ناس . وكره آخرون أن يفطروا ، فلما رجع إلى قريته ، قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه ، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، يقول ذلك للذين صاموا ، ثم قال عند ذلك : اللهم اقبضني إليك . من يجب عليه الفطر والقضاء معا : وجميع رواة الحديث ثقات ، إلا منصور الكلبي ، وقد وثقه العجلي . اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض ، النفساء ويحرم عليهما الصيام ، وإذا صاتا لا يصح صومهما ، ويقع باطلا ، وعليهما قضاء ما فاتهما . روى البخاري ، ومسلم ، عن عائشة ، قالت : كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة .
( 1 ) استفهام إنكاري . ( 2 ) أي أن المسافة التي قطعها من القرية التي خرج منها تعدل المسافة التي بين مصر القديمة وميت عقبة المجاورة لا مبالغة ، وقدرت هذه المسافة بفرسخ . ( . ) / صفحة 445 /
الايام المنهي عن صيامها جاءت الاحاديث مصرحة بالنهي عن صيام أيام نبينها فيما يلي ( 1 ) النهي عن صيام يومي العيدين : أجمع العلماء على تحريم صوم يومي العيدين ، سواء أكان الصوم فرضا ، أم تطوعا . لقول عمر رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين . أما يوم الفطر ، ففطركم من صومكم ( 1 ) ، وأما يوم الاضحى ، فكلوا من نسككم ( 2 ) " . رواه أحمد ، والاربعة .
( 2 ) النهي عن صوم أيام التشريق : لا يجوز صيام الايام الثلاثة ، التي تلي عيد النحر . لما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذاقة يطوف في منى : " أن لا تصوموا هذه الايام ، فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عزوجل . رواه أحمد بإسناد جيد . وروى الطبراني في الاوسط ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل صائحا يصيح : أن لا تصوموا هذه الايام فإنها أيام أكل ، وشرب ، وبعال ( 3 ) " وأجاز أصحاب الشافعي ، صيام أيام التشريق ، فيما له سبب ، من نذر ، أو كفارة ، أو قضاء . أمامالا سبب له ، فلا يجوز فيها بلا خلاف . وجعلوا هذا نظير الصلاة التي لها سبب في الاوقات المنهي فيها عن الصلاة .
( 3 ) النهي عن صوم يوم الجمعة منفردا : يوم الجمعة عيد أسبوعي للمسلمين ، ولذلك نهى الشارع عن صيامه . وذهب الجمهور : إلى أن النهي للكراهة ( 4 ) لا للتحريم إلا إذا صام يوما
( 1 ) أي الفطر من صيام رمضان . ( 2 ) " النسك " الاضاحي . ( 3 ) " بعال " أي جماع الرجل زوجته . ( 4 ) وعن أبي حنيفة ومالك : لا يكره ، والادلة المذكورة عليهما . ( . ) / صفحة 446 /
قبله ، أو يوما بعده ، أو وافق عادة له ، أو كان يوم عرفة ، أو عاشوراء . فإنه حينئذ لا يكره صيامه . فعن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث وهي صائمة ، في يوم جمعة فقال لها : " أصمت أمس " ؟ فقالت . لا ، قال : " أتريدين أن تصومي غدا " ؟ قالت : لا . قال : " فأفطري إذن " رواه أحمد ، والنسائي ، بسند جيد . وعن عامر الاشعري قال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن يوم الجمعة عيدكم فلا تصوموه . إلا أن تصوموا قبله أو بعده " رواه البزار بسند حسن . وقال علي رضي الله عنه : من كان منكم متطوعا ، فليصم يوم الخميس ، ولا يصم يوم الجمعة ، فإنه يوم طعام ، وشراب وذكر رواه ابن أبي شيبة بسند حسن . وفي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاتصوموا يوم الجمعة ، إلا وقبله يوم ، أو بعده يوم " . وفي لفظ لمسلم : " ولاتخصوا ليلة الجمعة ، بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة ، بصيام من بين الايام ، إلا أن يكون في صوم ، يصومه أحدكم " .
( 4 ) النهي عن إفراد يوم السبت بصيام : عن بسر السلمي ، عن أخته الصماء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ( 1 ) وإن لم يجد أحدكم إلا لحا ( 2 ) عنب ، أو عود شجرة فليمضغه " . رواه أحمد ، وأصحاب السنن ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط مسلم وحسنه الترمذي ، وقال : ومعنى الكراهة في هذا ، أن يختص الرجل يوم السبت بصيام ، لان اليهود يعظمون يوم السبت .
( 1 ) ويشتمل القضاء والنذور والنفل ، إذا وافق عادته ، أو كان يوم عرفة ، ونحو ذلك . . . ( 2 ) " لحاء " أي قشر . ( . ) / صفحة 447 /
وقالت أم سلمة : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ، ويوم الاحد ، أكثر مما يصوم من الايام ، ويقول : إنهما عيد المشركين ، فأنا أحب ان أخالفهم " . رواه أحمد والبيهقي ، والحاكم وابن خزيمة ، وصححاه . ومذهب الاحناف ، والشافعية والحنابلة ، كراهة الصوم يوم السبت ، منفردا ، لهذه الادلة . وخالف في ذلك مالك ، فجوز صيامه منفردا ، بلا كراهة ، والحديث حجة عليه .
( 5 ) النهي عن صوم يوم الشك : قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : من صام اليوم الذي شك فيه فقد عصى أبا القاسم ، صلى الله عليه وسلم ، رواه أصحاب السنن . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، وبه يقول سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وعبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإ**** ، كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه . ورأى أكثر هم إن صامه وكان من شهر رمضان ، أن يقضي يوما مكانه ( 1 ) فإن صامه لموافقته عادة له جاز له الصيام حينئذ بدون كراهة . فعن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقدموا ( 2 ) صوم رمضان ، بيوم ، ولا يومين ، إلا أن يكون صوم يصومه رجل ، فليصم ذلك اليوم " رواه الجماعة . وقال الترمذي : حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم ، كرهوا أن يتعجل الرجل ، بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان . وإن كان رجل يصوم صوما ، فوافق صيامه ذلك ، فلا بأس به عندهم .
( 1 ) وعند الحنفية : إن ظهر أنه من رمضان وصامه أجزأه عنه . ( 2 ) " تقدموا " أي تتقدموا .
( 6 ) النهي عن صوم الدهر : يحرم صيام السنة كلها ، بما فيها الايام التي نهى الشارع عن صيامها . لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاصام ، من صام الابد " رواه أحمد ، والبخاري ، ومسلم . فأن أفطر يومي العيد ، وأيام التشريق ، وصام بقية الايام انتفت الكراهة ، إذا كان ممن يقوى على صيامها . قال الترمذي : وقدكره قوم من أهل العلم صيام الدهر . إذا لم يفطر يوم الفطر ، ويوم الاضحى ، وأيام التشريق . فمن أفطر في هذه الايام ، فقد خرج من حد الكراهة ، ولايكون قد صام الدهر كله . هكذا روي عن مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحق . وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حمزة الاسلمي على سرد الصيام ، وقال له : " صم إن شئت وأفطر إن شئت " . وقد تقدم . والافضل أن يصوم يوما ، ويفطر يوما ، فإن ذلك أحب الصيام إلى الله ، وسيأتي .
( 7 ) النهي عن صيام المرأة ، وزوجها حاضر ، إلا بإذنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصوم ، وزوجها حاضر حتى تستأذنه . فعن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصم المرأة يوما واحدا ، وزوجها شاهد إلا بإذنه ، إلا رمضان " رواه أحمد ، والبخاري ومسلم . وقد حمل العلماء هذا النهي على التحريم ، وأجازوا للزوج أن يفسد صيام زوجته لو صامت ، دون أن يأذن لها ، لافتياتها ( 1 ) على حقه ، وهذا في غير رمضان كما جاء في الحديث ، فإنه لا يحتاج إلى إذن من الزوج ( 1 ) " لافتياتها " أي لتعديها على حقه . ( . ) / صفحة 449 /
وكذلك لها أن تصوم من غير إذنه ، إذا كان غائبا ، فإذا قدم ، له أن يفسد صيامها . وجعلوا مرض الزوج ، وعجزه من مباشرتها ، مثل غيبته عنها . في جواز صومها ، دون أن تستأذنه .
النهي عن وصال الصوم ( 1 ) :
1 - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والوصال " - قالها ثلاث مرات - قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله ؟ قال : " إنكم لستم في ذلك مثلي ، إني أبيت يطعمني ( 2 ) ربي ويسقيني ، فاكلفوا من الاعمال ما تطيقون " رواه البخاري ومسلم . وقد حمل الفقهاء النهي على الكراهة . وجوز أحمد ، وإسحق وابن المنذر ، الوصال إلى السحر ، ما لم تكن مثقة على الصائم . لما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل ، فليواصل حتى السحر " . صيام التطوع رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام هذه الايام الاتية : صيام ستة أيام من شوال : روى الجماعة - إلا البخاري والنسائي - عن أبي أيوب الانصاري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر ( 3 ) " .
( 1 ) وصل الصوم متابعة بعضه بعضا دون فطر أو سحور . ( 2 ) " يطعمني الخ " أي يجعل الله له قوة الطاعم والشارب . ( 3 ) هذا لمن صام رمضان كل سنة ، قال العلماء : الحسنة بعشر أمثالها ورمضان بعشرة شهور . والايام الستة بشهرين . ( . ) / صفحة 450 /
وعند أحمد : أنها تؤدى متتابعة وغير متتابعه ، ولا فضل لاحدهما على الاخر . وعند الحنفية ، والشافعية ، الافضل صومها متتابعة ، عقب العيد .
صوم عشر ذي الحجة وتأكيد يوم عرفة لغير الحاج :
1 - عن أبي قتادة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم عرفة ، يكفر سنتين ، ماضية ، ومستقبلة ، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية " . رواه الجماعة إلا البخاري ، والترمذي .
2 - عن حفصة قال : أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء والعشر ( 1 ) ، وثلاثة أيام من كل شهر ، والركعتين قبل الغداة . رواه أحمد ، والنسائي .
3 - عن عقبة بن عامر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق ، عيدنا - أهل الاسلام - وهي أيام أكل وشرب " . رواه الخمسة ، إلا ابن ماجه . وصححه الترمذي .
4 - عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه . قال الترمذي ، قد استحب أهل العلم ، صيام يوم عرفة إلا بعرفة .
5 - عن أم الفضل : أنهم شكوا في صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلت إليه بلبن ، فشرب ، وهو يخطب الناس بعرفة . متفق عليه .
صيام محرم ، وتأكيد صوم عاشوراء ويوما قبلها ، ويوما بعدها :
1 - عن أبي هريرة قال ، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال : " الصلاة في جوف الليل " . قيل : ثم أي الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال : " شهر الله ( 2 ) الذي تدعونه المحرم " رواه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود .
( 1 ) أي من ذي الحجة . ( 2 ) الاضافة للتشريف . ( . ) / صفحة 451 /
2 - عن معاوية بن أبي سفيان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن شاء صام ، ومن شاء فليفطر " متفق عليه .
3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش ، في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه ، وأمر الناس بصيامه . فلما فرض رمضان قال : " من شاء صامه ومن شاء تركه " . متفق عليه 4 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء . فقال : " ما هذا ؟ " قالوا : يوم صالح ، نجى الله فيه موسى . وبني السرائيل من عدوهم ، فصامه موسى فقال صلى الله عليه وسلم : " أنا أحق بموسى منكم " فصامه ، وأمر بصيامه . متفق عليه .
5 - عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال : كان يوم عاشوراء ، تعظمه اليهود ، وتتخذه عيدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوموه أنتم " متفق عليه .
6 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه ، قالوا يا رسول الله : إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى . . فقال : " إذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع " ، قال : فلم يأت العام المقبل ، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم ، وأبو داود . وفي لفظ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن بقيت إلى قابل لاصومن التاسع " : يعني مع يوم عاشوراء . رواه أحمد ومسلم . وقد ذكر العلماء : أن صيام يوم عاشوراء على ثلاث مراتب : المرتبة الاولى : صوم ثلاثة أيام : التاسع ، والعاشر ، والحادي عشر . المرتبة الثانية : صوم التاسع ، والعاشر . المرتبة الثالثة : صوم العاشر وحده
التوسعة يوم عاشوراء : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من وسع على نفسه ، وأهله يوم عاشوراء ، وسع الله عليه سائر سنته " . رواه البيهقي في الشعب ، وابن عبد البر . وللحديث طرق أخرى ، كلها ضعيفة . ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض ، ازدادت قوة : كما قال السخاوي .
صيام أكثر شعبان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان . قالت عائشة : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط ، إلا شهر رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان . رواه البخاري ، ومسلم . وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت : يا رسول الله ، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : " ذلك شهر يغفل الناس عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الاعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " . رواه أبو داود ، والنسائي وصححه ابن خزيمة . وتخصيص صوم يوم النصف منه ظنا أن له فضيلة على غيره ، مما لم يأت به دليل صحيح .
صوم الاشهر الحرم : الاشهر الحرم ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب ويستحب الاكثار من الصيام فيها . فعن رجل من باهلة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله . أنا الرجل الذي جئتك عام الاول ، فقال : " فما غيرك ، وقد كنت حسن الهيئة ؟ " قال : ما أكلت طعاما إلا بليل منذ فارقتك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . " لم عذبت نفسك ؟ " ثم قال : " صم شهر الصبر ،ويوما من كل شهر " . قال : زدني ، فإن بي قوة . قال : " صم يومين " . قال : زدني . قال : " صم من الحرم واترك . صم من الحرم واترك . صم من الحرم واترك " وقال بأصابعه الثلاثة ، فضمها ، ثم أرسلها ( 1 ) . رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه والبيهقي ، بسند جيد . وصيام رجب ، ليس له فضل زائد على غيره من الشهور ، إلا أنه من الاشهر الحرم . ولم يرد في السنة الصحيحة : أن للصيام فيه فضيلة بخصوصه ، وأن ما جاء في ذلك مما لا ينتهض للاحتجاج به . قال ابن حجر . لم يرد في فضله ، ولا في صيامه ، ولا في صيام شئ منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة منه ، حديث صحيح يصلح للحجة . صوم يومي الاثنين والخميس : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم الاثنين ، والخميس ، فقيل له ( 2 ) فقال : " إن الاعمال تعرض كل اثنين وخميس ، فيغفر الله لكل مسلم ، أو لكل مؤمن ، إلا المتهاجرين ، فيقول : أخرهما " رواه أحمد ، بسند صحيح . وفي صحيح مسلم : أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين ؟ فقال : " ذاك يوم ولدت فيه ، وأنزل علي فيه " أي نزل الوحي علي فيه صيام ثلاثة أيام ، من كل شهر : قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام ، البيض : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة . وقال : هي " كصوم الدهر " رواه النسائي ، وصححه ابن حبان . وجاء عنه صلى الله عليه وسلم : أنه كان يصوم من الشهر ، السبت
( 1 ) " أرسلها " أي أشار إليه بصيام ثلاثة أيام وفط ثلاثة أخرى . ( 2 ) " فقيل له " " أي سئل عن الباعث على صوم يومي الخميس ، والاثنين .
والاحد ، والاثنين ، ومن الشهر الاخر ، الثلاثاء ، والاربعاء ، والخميس ، وأنه كان يصوم من غرة كل هلال ، ثلاثة أيام ، وأنه كان يصوم . الخميس ، من أول الشهر ، والاثنين الذي يليه ، والاثنين الذي يليه . صيام يوم وفطر يوم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو قال ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أخبرت أنك تقوم الليل وتصوم النهار " قال : قلت : يا رسول الله نعم ، قال : " فصم ، وافطر ، وصل ، ونم ، فإن لجسدك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لزورك ( 1 ) عليك حقا ، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام . " قال : فشددت فشدد علي . قال : فقلت ، يا رسول الله إني أجده قوة . قال : " فصم من كل جمعة ثلاثة أيام . " قال فشددت فشدد علي . قال فقلت : يا رسول الله إني أجد قوة . قال : " صم صوم نبي الله داود ، ولا تزد عليه " . قلت : يا رسول الله . وما كان صيام داود عليه الصلاة والسلام ؟ قال : كان يصوم يوما ، ويفطر يوما " . رواه أحمد ، وغيره . وروى أيضا عن عبد الله بن عمرو وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحب الصيام إلى الله صيام داود ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصفه ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكان يصوم يوما ، ويفطر يوما " .
جواز فطر الصائم المتطوع
1 - عن أم هانئ رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح ، فأتي بشراب ، فشرب ، ثم ناولني ، فقلت . إني صائمة فقال : " إن المتطوع أمير على نفسه ، فإن شئت فصومي ، وإن شئت فأفطري . " رواه أحمد والدارقطني ، والبيهقي . ورواه الحاكم وقال صحيح الاسناد . ولفظه : " الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام ، وإن شاء أفطر .
( 1 ) " زورك " أي ضيفك . ( . ) / صفحة 455 /
وعن أبي جحيفة قال : آخى النبي صلى الله عليه وسلم ، بين سلمان ، وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء متبذلة ، فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ، ليس له حاجة في الدنيا ، فجاء أبو الدرداء ، فصنع له طعاما ، فقال : كل فإني صائم ، فقال : ما أنا بآكل حتى تأكل ، فأكل ، فلما كان الليل ، وذهب أبو الدرداء يقوم قال : نم ، فنام ، ثم ذهب . فقال : نم ، فلما كان في آخر الليل ، قال : قم الان ، فصليا ، فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا ، ولاهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق سلمان . رواه البخاري ، والترمذي . 3 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما ، فأتاني هو وأصحابه ، فلما وضع الطعام ، قال رجل من القوم : إني صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعاكم أخوكم وتكلف لكم " ثم قال : " أفطر ، وصم يوما مكانه ، إن شئت " . رواه البيهقي بإسناد حسن ، كما قال الحافظ . وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز الفطر ، لمن صام متطوعا ، واسحبوا له قضاء ذلك اليوم ، استدلالا بهذه الاحاديث الصحيحة الصريحة .
آداب الصيام
يستحب للصائم أن يراعي في صيامه الاداب الاتية :
( 1 ) السحور : وقد أجمعت الامة على استحبابه ، وأنه لا إثم على من تركه ، فعن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تسحروا فإن في السحور ( 1 ) بركة " . رواه البخاري ، ومسلم . وعن المقدام بن معد يكرب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم
( 1 ) السحور بالفتح المأكول ، وبالضم المصدر والفعل . ( . ) / صفحة 456 /
بهذا السحور ، فإنه هو الغذاء المبارك " . رواه النسائي ، بسند جيد . وسبب البركة : أنه يقوي الصائم ، وينشطه ، ويهون عليه الصيام . بم يتحقق : ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليله ، ولو بجرعة ماء . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السحور بركة ، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " . رواه أحمد .
وقته : وقت السحور من منتصف الليل إلى طلوع الفجر ، والمستحب تأخيره . فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قمنا إلى الصلاة ، قلت : كم كان قدر ما بينهما : ؟ قال : خمسين آية . رواه البخاري ، ومسلم . وعن عمرو بن ميمون قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعجل الناس إفطارا وأبطأهم سحورا . رواه البيهقي بسند صحيح . وعن أبي ذر الغفاري رضي الله مرفوعا : " لا تزال أمتي بخير ، ما عجلوا الفطر ، وأخروا السحور " . وفي سنده سليمان بن أبي عثمان ، وهو مجهول . الشك في طلوع الفجر : ولو شك في طلوع الفجر ، فله أن يأكل ، ويشرب ، حتى يستيقن طلوعه ، ولا يعمل بالشك ، فإن الله عزوجل جعل نهاية الاكل والشرب التبين نفسه ، لا الشك ، فقال : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر " . وقال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : إني أتسحر فإذا شككت أمسكت ، فقال ابن عباس : كل ، ما شككت حتى لا تشك . وقال أبو داود ، قال أبو عبد الله ( 1 ) : " إذا شك في الفجر يأكل حى يستيقن طلوعه " . وهذا مذهب ابن عباس ، وعطاء ، والاوزاعي ، وأحمد . وقال النووي : وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الاكل للشاك في طلوع الفجر .
( 2 ) تعجيل الفطر : ويستحب للصائم أن يعجل الفطر ، متى تحقق غروب الشمس . فعن سهل بن سعد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال الناس بخير ، ما عجلوا الفطر " . رواه البخاري ومسلم . وينبغي أن يكون الفطر على رطبات وترا ، فإن لم يجد فعلى الماء . فعن أنس رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن ، حسا حسوات ( 2 ) من ماء " . رواه أبو داود ، والحاكم وصححه ، والترمذي وحسنه . وعن سليمان بن عامر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان أحدكم صائما ، فليفطر على التمر ، فإن لم يجد التمر فعلى الماء ، فإن الماء طهور " . رواه أحمد ، والترمذي ، وقال : حسن صحيح . وفي الحديث دليل على أنه يستحب الفطر قبل صلاة المغرب بهذه الكيفية ، فإذا صلى تناول حاجته من الطعام بد ذلك ، إلا إذا كان الطعام موجودا ، فإنه يبدأ به ، قال أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل صلاة المغرب ، ولا تعجلوا عن عشائكم " . رواه الشيخان . ( 3 ) الدعاء عند الفطر وأثناء الصيام : روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد " . وكان عبد الله إذا أفطر
( 1 ) هو أحمد بن حنبل . ( 2 ) " حسا " أي شرب . ( . ) / صفحة 458 /
يقول : " اللهم إني أسألك - برحمتك التي وسعت كل شئ - أن تغفر لي " . وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : " ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الاجر إن شاء الله تعالى " . وروي مرسلا : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : " اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت " . وروى الترمذي - بسند حسن - أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ( 1 ) ، والامام العادل ، والمظلوم " .
( 4 ) الكف عما يتنافى مع الصيام : الصيام عبادة من أفضل القربات ، شرعه الله تعالى ليهذب النفس ، ويعودها الخير . فينبغي أن يتحفظ الصائم من الاعمال التي تخدش صومه ، حتى ينتفع بالصيام ، وتحصل له التقوى التي ذكرها الله في قوله : " يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " . وليس الصيام مجرد إمساك عن الاكل والشرب ، وإنما هو إمساك عن الاكل ، والشرب ، وسائر ما نهى الله عنه . فعن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الصيام من الاكل والشرب ، إنما الصيام من اللغو ، والرفث ، فإن سابك أحد ، أو جهل عليك ، فقل إني صائم ، إني صائم " . رواه ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط مسلم . وروى الجماعة - إلا مسلما - عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لم يدع ( 2 ) قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ( 3 ) " .
( 1 ) يستفاد منه استحباب الدعاء طول مدة الصيام . ( 2 ) " يدع " أي يترك . ( 3 ) أي ليس لله إرادة في قبول صيامه ، أي إن الله لا يقبل صيامه . ( . ) / صفحة 459 /
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر " . رواه النسائي ، وابن ماجه والحاكم ، وقال : صحيح على شرط البخاري .
( 5 ) السواك : ويستحب للصائم أن يتسوك أثناء الصيام ، ولا فرق بين أول النهار
وآخره . قال الترمذي : " ولم ير الشافعي بالسواك ، أول النهار وآخره بأسا " . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك ، وهو صائم . وتقدم ذلك في هذا الكتاب فليرجع إليه .
( 6 ) الجود ومدارسة القرآن : الجود ومدارسة القرآن مستحبان في كل وقت ، إلا أنهما آكد في رمضان . روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ( 1 ) .
( 7 ) الاجتهاد في العبادة في العشر الاواخر من رمضان :
1 - روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان إذا دخل العشر الاواخر أحيى الليل ، وأيقظ أهله ، وشد المئزر " . وفي رواية لمسلم : " كان يجتهد في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيره " .
2 - وروى الترمذي وصححه ، عن علي رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الاواخر ، ويرفع المئزر " .
( 1 ) أي في الاسراع والعموم . ( . ) / صفحة 460 /
مباحات الصيام يباح في الصيام ما يأتي :
1 - نزول الماء والانغماس فيه : لما رواه أبو بكر بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أنه حدثه فقال : ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب على رأسه الماء وهو صائم ، من العطش أو من الحر . رواه أحمد ، ومالك ، وأبو داود ، بإسناد صحيح . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصبح جنبا ، وهو صائم ، ثم يغتسل " . فإن دخل الماء في جوف الصائم من غير قصد قصومه صحيح .
2 - الاكتحال : والقطرة ونحوهما مما يدخل العين ، سواء أوجد طعمه في حلقه أم لم يجده ، لان العين ليست بمنفذ إلى الجوف . وعن أنس : " أنه كان يكتحل وهو صائم " . وإلى هذا ذهبت الشافعية ، وحكاه ابن المنذر ، عن عطاء ، والحسن ، والنخعي ، والاوزاعي ، وأبي حنيفة ، وأبي ثور . وروي عن ابن عمر ، وأنس وابن أبي أوفى من الصحابة . وهو مذهب داود . ولم يصح في هذا الباب شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال الترمذي .
3 - القبلة : لمن قدر على ضبط نفسه . فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ( 1 ) ، وكان أملككم لاربه " . وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : " هششت ( 2 ) يوما ، فقبلت وأنا صائم ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : صنعت اليوم أمرا عظيما ، قبلت وأنا صائم ، فقال رسول الله عليه وسلم : " أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت
( 1 ) والمقصود المداعبة ( 2 ) " هششت " أي نشطت . ( . ) / صفحة 461 /
صائم ؟ " قلت : لا بأس بذلك ؟ ، قال : " ففيم ( 1 ) " . قال ابن المنذر رخص في القبلة عمر وابن عباس وأبو هريرة وعائشة ، وعطاء ، والشعبي ، والحسن ، وأحمد ، وإ**** . ومذهب الاحناف والشافعية : أنها تكره على من حركت شهوته ، ولا تكره لغيره ، لكن الاولى تركها . ولا فرق بين الشيخ والشاب في ذلك ، والاعتبار بتحريك الشهوة ، وخوف الانزال ، فإن حركت شهوة شاب ، أو شيخ قوي ، كرهت . وإن لم تحركها لشيخ أو شاب ضعيف ، لم تكره ، والاولى تركها . وسواء قبل الخد أو الفم أو غيرهما . وهكذا المباشرة باليد والمعانقة لهما حكم القبلة .
4 - الحقنة : مطلقا ، سواء أكانت للتغذية ، أم لغيرها ، وسواء أكانت في العروق ، أم تحت الجلد ، فإنها وإن وصلت إلى الجوف ، فإنها تصل إليه من غير المنفذ المعتاد .
5 - الحجامة ( 2 ) : فقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم ( 3 ) ، إلا إذا كانت تضعف الصائم فإنها تكره له ، قال ثابت البناني لانس : أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، إلا من أجل الضعف . رواه البخاري وغيره . والفصد ( 4 ) مثل الحجامة في الحكم .
6 - المضمضة والاستنشاق : إلا أنه لا تكره المبالغة فيهما ، فعن لقيط ابن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فإذا استنشقت فأبلغ ، إلا أن تكون صائما " . رواه أصحاب السنن . وقال الترمذي : حسن صحيح . وقد كره أهل العلم السعوط ( 5 ) للصائم ، ورأوه : أن ذلك يفطر ، وفي الحديث ما يقوي قولهم .
( 1 ) " ففيم " أي ففيم السؤال . ( 2 ) " الحجامة " أخد الدم من الرأس . ( 3 ) رواه البخاري . ( 4 ) " الفصد " أي أخذ الدم من أي عضو . ( 5 ) " السعوط " أي وضع الدواء في الانف ( . ) / صفحة 462 /
قال ابن قدامة : وإن تمضمض ، أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه ، من غير قصد ولا إسراف فلا شئ عليه ، وبه قال الاوزاعي وإ**** والشافعي في أحد قوليه ، وروي ذلك عن ابن عباس . وقال مالك ، وأبو حنيفة : يفطر ، لانه أوصل الماء إلى جوفه ، ذاكرا لصومه ، فأفطر ، كما لو تعمد شربه . قال ابن قدامة - مرجحا الرأي الاول - ولنا أنه وصل الماء إلى حلقه ، من غير إسراف ولا قصد ، فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حلقه ( 1 ) وبهذا فارق المتعمد .
7 - وكذا يباح له ما لا يمكن الاحتراز عنه كبلع الريق وغبار الطريق ، وغربلة الدقيق والنخالة ونحو ذلك . وقال ابن عباس : لا بأس أن يذوق الطعام الخل ، والشئ يريد شراءه . وكان الحسن يمضغ الجوز لابن ابنه وهو صائم ، ورخص فيه إبراهيم . وأما مضغ العلك ( 2 ) فإنه مكروه ، إذا كان لا يتفتت منه أجزاء . وممن قال بكراهته : الشعبي ، والنخعي ، والاحناف ، الشافعي ، والحنابلة . ورخصت عائشة وعطاء في مضغه ، لانه لا يضل إلى الجوف ، فهو كالحصاة ، يضعها في فمه . هذا إذا لم تتحلل منه أجزاء ، فإن تحللت منه أجزاء ونزلت إلى الجوف ، أفطر . قال ابن تيمية : وشم الروائح الطيبة لا بأس به للصائم . وقال : أما الكحل ، والحقنة ، وما يقطر في إحليله ، ومداواة المأمومة والجائفة ، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ، فمنهم من لم يفطر بشئ من ذلك ، ومنهم من فطر بالجمع لا بالكحل ، ومنهم من فطر بالجميع ، لا بالتقطير ، ومنهم من لا يفطر بالكحل ، ولا بالتقطير ، ويفطر بما سوى ذلك .
( 1 ) قال ابن عباس : دخول الذباب في حلق الصائم لا يفطر . ( 2 ) " العلك " أي اللبان .
فإن الصيام من دين الاسلام ، الذي يحتاج إلى معرفته الخاص ، والعام . فلو كانت هذه الامور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ، ويفسد الصوم بها ، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة ، وبلغوه الامة ، كما بلغوا سائر شرعه . فلما لم ينقل أحد من أهل العلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، لا حديثا صحيحا ، ولا ضعيفا ، ولا مسندا ، ولا مرسلا علم أنه لم ينكر شيئا من ذلك . قال : فإذا كانت الاحكام التي تعم بها البلوى ، لابد ان يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ، ولابد أن تنقل الامة ذلك . فمعلوم أن الكحل ، ونحوه لمما تعم به البلوى ، كماتعم بالدهن ، والاغتسال ، والبخور ، والطيب . فلو كان هذا مما يفطر ، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ، كما بين الافطار بغيره ، فلما لم يبين ذلك ، علم أنه من جنس الطيب ، والبخور ، والدهن . والبخور قد يتصاعد إلى الانف ويدخل في الدماغ ، وينعقد أجساما . والدهن يشربه البدن ، ويدخل إلى داخله ويتقوى به الانسان ، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة . فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطيبه ، وتبخره ، وادهانه ، وكذلك اكتحاله . وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم ، إما في الجهاد ، وإما في غيره ، مأمومة ، وجائفة ، فلو كان هذا يفطر ، لبين لهم ذلك . فلما لم ينه الصائم عن ذلك ، علم أنه لم يجعله مفطرا . ثم قال : فإن الكحل لا يغذي البتة ، ولا يدخل أحد كحلا إلى جوفه ، لامن أنفه ، ولا من فمه . وكذلك الحقنة ( 1 ) لاتغذي ، بل تستفرغ ما في البدن ، كما لوشم شيئا من
( 1 ) يقصد الحقنة الشرجية ، فإنها لا تفطر الصائم . ( . ) / صفحة 464 /
المسهلات ، أو فزع فزعا ، أوجب استطلاق جوفه ، وهي لا تصل إلى المعدة . والدواء الذي يصل إلى المعدة ، في مداواة الجائفة ( 1 ) والمأمومة لا يشبه ما يصل إليها من غذائه . والله سبحانه قال : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( الصوم جنة ) ، وقال : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والصوم ) . فالصائم نهي عن الاكل والشرب ، لان ذلك سبب التقوى ، فترك الاكل والشراب الذي يولد الدم الكثير ، الذي يجري فيه الشيطان ، إنما يتولد من الغذاء ، لاعن حقنة ، ولا كحل ، ولا ما يقطر في الذكر ، ولا ما يداوى به المأمومة والجائفة " انتهى .
8 - ويباح للصائم ، أن يأكل ، ويشرب ، ويجامع ، حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر ، وفي فمه طعام ، وجب عليه أن يلفظه ، أو كان مجامعا وجب عليه أن ينزع . فإن لفظ أو نزع ، صح صومه ، وإن ابتلع ما في فمه من طعام ، مختارا ، أو استدام الجماع ، أفطر . روى البخاري ، ومسلم ، عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا ، واشربوا ، حتى يؤذن ابن أم مكتوم 9 - ويباح للصائم أن يصبح جنبا ، وتقدم حديث عائشة في ذلك .
10 - والحائض والنفساء إذا انقطع الدم من الليل ، جاز لهما تأخير الغسل إلى الصبح ، وأصبحتا صائمتين ، ثم عليهما أن تتطهرا للصلاة .
( 1 ) " الجائفة " أي الجراحة التي تصل إلى الجوف " والمأمومة " أي الشجة في الرأس تصل إلى أم الدماغ ومداواتهما ليست تغذية . ( . ) / صفحة 465 /
ما يبطل الصيام ما يبطل الصيام قسمان :
1 - ما يبطله ، ويوجب القضاء . 2 - وما يبطله ، ويوجب القضاء ، والكفارة . فأماما يبطله ، ويوجب القضاء فقط فهو ما يأتي :
( 1 و 2 ) الاكل ، والشرب عمدا : فإن أكل أو شرب ناسيا ، أو مخطئا ، أو مكرها ، فلا قضاء عليه ولا كفارة . فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نسي - وهو صائم - فأكل أو شرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه " . رواه الجماعة . وقال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم . وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإ**** . وروى الدارقطني والبيهقي والحاكم وقال - صحيح على شرط مسلم . عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر في رمضان - ناسيا - فلا قضاء عليه ، ولا كفارة " . قال الحافظ ابن حجر : اسناده صحيح . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه " . رواه ابن ماجه والطبراني والحاكم .
( 3 ) القئ عمدا : فإن غلبه القئ ، فلا قضاء عليه ولا كفارة . فعن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ذرعه ( 1 ) القئ
( 1 ) " ذرعه " أي غلبه . ( . ) / صفحة 466 /
فليس عليه قضاء ، ومن استقاء ( 1 ) عمدا فليقض " . رواه أحمد وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والدارقطني ، والحاكم ، وصححه . قال الخطابي : لا أعلم خلافا بين أهل العلم ، في أن من ذرعه القئ ، فإنه لا قضاء عليه ، ولا في أن من استقاء عامدا ، فعليه القضاء .
( 4 ، 5 ) الحيض ، والنفاس ، ولو في اللحظة الاخيرة ، قبل غروب الشمس ، وهذا مما أجمع العلماء عليه .
( 6 ) الاستمناء ( 2 ) ، سواء ، أكان سببه تقبيل الرجل لزوجته أو ضمها إليه ، أو كان باليد ، فهذا يبطل الصوم ، ويوجب القضاء . فإن كان سببه مجرد النظر ، أو الفكر ، فإنه مثل الاحتلام نهارا في الصيام لا يبطل الصوم ، ولا يجب فيه شئ . وكذلك المذي ، لا يؤثر في الصوم ، قل ، أو كثر .
( 7 ) تناول ما لا يتغذى به ، من المنفذ المعتاد ، إلى الجوف ، مثل تعاطي الملح الكثير ، فهذا يفطر في قول عامة أهل العلم .
( 8 ) ومن نوى الفطر - وهو صائم - بطل صومه ، وإن لم يتناول مفطرا . فإن النية ركن من أركان الصيام ، فإذا نقضها - قاصدا الفطر ومعتمدا له - انتقض صيامه لا محالة .
( 9 ) إذا أكل ، أو شرب ، أو جامع - ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر ، فظهر خلاف ذلك - فعليه القضاء ، عند جمهور العلماء ، ومنهم الائمة الاربعة . وذهب إ**** ، وداود ، وابن حزم ، وعطاء ، وعروة ، والحسن البصري ، ومجاهد : إلى أن صومه صحيح ، ولاقضاء عليه . لقول الله تعالى : ( ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) . ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ الخ . . . " . وتقدم .
( 1 ) " استقاء " أي تعمد القئ واستخرجه ، بثم ما يقيئه ، أو بإدخال يده . ( 2 ) " الاستمناء " أي تعمد إخراج المني بأي سبب من الاسباب .
وروى عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن الاعمش ، عن زيد بن وهب قال : " أفطر الناس في زمن عمر بن الخطاب ، فرأيت عساسا ( 1 ) أخرجت من بيت حفصة فشربوا ثم طلعت الشمس من سحاب فكأن ذلك شق على الناس ، فقالوا : نقضي هذا اليوم ، فقال عمر : لم ؟ والله ما تجانفنا لاثم " ( 2 ) . وروى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : أفطرنا يوما من رمضان ، في غيم ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم طلعت الشمس . قال ابن تيمية : وهذا يدل على شيئين : ( الاول ) : يدل على أنه لا يستحب مع الغيم التأخير إلى أن يتيقن الغروب ، فإنهم لم يفعلوا ذلك ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة - مع نبيهم - أعلم وأطوع لله ولرسوله ، ممن جاء بعدهم . ( والثاني ) : يدل على أنه لا يجب القضاء ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمرهم بالقضاء ، لشاع ذلك كما نقل فطرهم فلما لم ينقل دل على أنه لم يأمرهم به . وأماما يبطله ويوجب القضاء ، والكفارة ، فهو الجماع ، لاغير ، عند الجمهور . فعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هلكت يا رسول الله ، قال : " وما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان . فقال : " هل تجد ما تعتق رقبة ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين " ؟ قال : لا . قال : " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا " ؟ قال : لا . قال : ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق ( 3 ) فيه تمر ، فقال : " تصدق بهذا " . قال : فهل على أفقر منا ؟ فما بين لابتيها ( 4 )
( 1 ) " عساسا " أي أقداحا ضخاما ، قيل : إن القدح نحو ثمانية أرطال . ( 2 ) " ما تجانفنا " التجانف : الميل . أي لم نمل لارتكاب الاثم . ( 3 ) " العرق " مكيال يسع 15 صاعا . ( 4 ) " لابتيها " جمع لاية . وهي الارض التي فيها حجارة سود . والمراد ما بين أطراف المدينة أفقر منا .
أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى بدت نواجذه ، وقال : " اذهب فأطعمه أهلك ( 1 ) " . رواه الجماعة . ومذهب الجمهور : أن المرأة ، والرجل سواء ، في وجوب الكفارة عليهما ما داما قد تعمدا الجماع ، مختارين ، في نهار رمضان ( 2 ) ناويين الصيام . فإن وقع الجماع نسيانا ، أو لم يكونا مختارين ، بان أكرها عليه ، أو لم يكونا ناويين الصيام ، فلا كفارة على واحد منهما . فإن أكرهت المرأة من الرجل ، أو كانت مفطرة لعذر وجبت الكفارة عليه دونها . ومذهب الشافعي : أنه لا كفارة على المرأة مطلقا ، لافي حالة الاختيار ، ولافي حالة الاكراه . وإنما يلزمها القضاء فقط . قال النووي : والاصح - على الجملة - وجوب كفارة واحدة عليه خاصة ، عن نفسه فقط ، وأنه لاشئ على المرأة ، ولا يلاقيها الوجوب ، لافه حتى مال مختص بالجماع ، فاختص به الرجل ، دون المرأة ، كالمهر . قال أبو داود : سنل أحمد ( 3 ) عمن أتى أهله في رمضان ، أعليها كفارة ؟ قال : ما سمعنا أن على امرأة كفارة . قال في المغني : ووجه ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ، ولم يأمر في المرأة بشئ ، مع علمه بوجود ذلك منها " اه‍ . والكفارة على الترتيب المذكور في الحديث ، في قول جمهور العلماء . فيجب العتق أولا ، فإن عجز عنه صام شهرين متتابعين ( 4 ) ، فإن عجز
( 1 ) إستدل بهذا ، من ذهب إلى سقوط الكفارة بالاعسار ، وهو أحد قولي الشافعي ، ومشهور مذهب أحمد ، وجزم به بعض المالكية والجمهور على أن الكفارة لا تسقط بالاعسار . ( 2 ) فإن كان الصيام قضاء رمضان ، أو نذرا وأفطر بالجماع ، فلا كفارة في ذلك . ( 3 ) هذه إحدى الروايتين ، عن أحمد . ( 4 ) ليس فيهما رمضان ولا أيام العيدين والتشريق . ( . ) / صفحة 469 /
عنه ، أطعم ستين مسكينا من أوسط ما يطعم منه أهله ( 1 ) ، وانه لا يصح الانتقال من حالة إلى أخرى ، إلا إذا عجز عنها . ويذهب المالكية ، ورواية لاحمد : أنه مخير بين هذه الثلاث فأيها فعل أجزأ عنه . لما روى مالك ، وابن جريج ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا . رواه مسلم و " أو " تفيد التخيير . ولان الكفارة بسبب المخالفة ، فكانت على التخيير ، ككفارة اليمين . قال الشوكاني : وقد وقع في الروايات ، ما يدل على الترتيب والتخيير ، والذين رووا الترتيب أكثر ، ومعهم الزيادة . وجمع المهلب ، والقرطبي ، بين الروايات ، بتعدد الواقعة . قال الحافظ : وهو بعيد ، لان القصة واحدة ، والمخرج متحد ، والاصل عدم التعدد . وجمع بعضهم بحمل الترتيب على الاولوية ، والتخيير على الجواز . وعكسه بعضهم . انتهى . ومن جامع عامدا في نهار رمضان ولم يكفر ، ثم جامع في يوم آخر منه فعليه كفارة واحدة ، عند الاحناف ، ورواية عن أحمد لانها جزاء عن جناية تكرر سببها ، قبل استيفائها ، فتتداخل . وقال مالك والشافعي ، ورواية عن أحمد : عليه كفارتان ، لان كل يوم عبادة مستقلة ، فإذا وجبت الكفارة بإفساده لم تتداخل كرمضانين . وقد أجمعوا على أن من جامع في نهار رمضان ، عامدا وكفر ، ثم جامع في يوم آخر ، فعليه كفارة أخرى .
( 1 ) مذهب أحمد لكل مسكين مدمن قمح ، أو نصف صاع من تمر أو شعير ونحوهما . وقال أبو حنيفة : من القمح نصف صاع ومن غيره صاع . وقال الشافعي ومالك : يطعم مدا من أي الانواع شاء . وهذا رأي أبي هريرة وعطاء والاوزاعي ، وهو أظهر . فإن العرق الذي أعطي للاعرابي يسع 15 صاعا . ( . ) / صفحة 470 /
وكذلك أجمعوا ، على أن من جامع مرتين ، في يوم واحد ولم يكفر عن الاول ، أن عليه كفارة واحدة . فإن كفر عن الجماع الاول لم يكفر ثانيا ، عند جمهور الائمة . وقال أحمد : عليه كفارة ثانية . قضاء رمضان قضاء رمضان لا يجب على الفور ، بل يجب وجوبا موسعا في أي وقت ، وكذلك الكفارة . فقد صح عن عائشة : أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان ( 1 ) ولم تكن تقضيه فورا عند قدرتها على القضاء . والقضاء مثل الاداء ، بمعنى أن من ترك أياما ، يقضيها دون أن يزيد عليها . ويفارق القضاء الاداء ، في أنه لا يلزم فيه التتابع ، لقول الله تعالى : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " . أي ومن كان مريضا ، أو مسافرا فأفطر ، فليصم عدة الايام ، التي أفطر فيها ، في أيام أخر ، متتابعات أو غير متتابعات ، فإن الله أطلق الصيام ولم يقيده . وروى الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - في قضاء رمضان - : " إن شاء فرق ، وإن شاء تابع " . وإن أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر ، صام رمضان الحاضر ، ثم يقضي بعده ما عليه ، ولا فدية عليه ، سواء كان التأخير لعذر ، أم لغير عذر . وهذا مذهب الاحناف ، والحسن البصري . ووافق مالك والشافعي ، وأحمد ، وإسحق ، والاحناف : في أنه لافدية عليه ، إذا كان التأخير بسبب العذر . وخالفوهم فيما إذا لم يكن له عذر في التأخير ، فقالوا : عليه أن يصوم رمضان الحاضر . ثم يقضي ما عليه بعده ويفدي عما فاته عن كل يوم مدا من طعام .
( 1 ) رواه أحمد ومسلم . ( . ) / صفحة 471 /
وليس لهم في ذلك دليل يمكن الاحتجاج به . فالظاهر ما ذهب إليه الاحناف ، فانه لاشرع إلا بنص صحيح . من مات وعليه صيام أجمع العلماء : على أن من مات - وعليه فوائت من الصلاة - فإن وليه لا يصلي عنه ، هو ولا غيره ، وكذلك من عجز عن الصيام لا يصوم عنه أحد أثناء حياته . فإن مات وعليه صيام وكان قد تمكن من صيامه قبل موته فقد اختلف الفقهاء في حكمه . فذهب جمهور العلماء ، منهم أبو حنيفة ، ومالك ، والمشهور عن الشافعي إلى أن وليه لا يصوم عنه ويطعم عنه مدا ، عن كل يوم ( 1 ) . والمذهب المختار عند الشافعية : أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه ، ويبرأ به الميت ، ولا يحتاج إلى طعام عنه . والمراد بالولي ، القريب ، سواء كان عصبة ، أو وارثا ، أو غيرهما . ولو صام أجنبي عنه ، صح ، إن كان بإذن الولي ، وإلا فإنه لا يصح . واستدلوا بما رواه أحمد ، والشيخان ، عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " زاد البزار لفظ : إن شاء ( 2 ) . وروى أحمد . وأصحاب السنن : عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم : فقال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : " لو كان على أمك دين أكنت قاضيه ؟ " قال : نعم . قال : " فدين الله أحق أن يقضى " قال النووي : وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الاحاديث الصحيحة الصريحة .
( 1 ) يرى الحنيفة أن الواجب نصف صاع من قمح ، وصاعا من غيره . ( 2 ) سندها حسن . ( . ) /
التقدير في البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها : اختلف الفقهاء في التقدير ، في البلاد التي يطول نهارها ، ويقصر ليلها ، والبلاد التي يقصر نهارها ، ويطول ليلها ، على أي البلاد يكون ؟ فقيل : يكون التقدير على البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع ، كمكة والمدينة ، وقيل : على أقرب بلاد معتدلة إليهم
ليلة القدر فضلها : ليلة القدر أفضل ليالي السنة لقوله تعالى : ( إنا أنزلناه ( 1 ) في ليلة القدر . وما أدراك ماليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر ) أي العمل فيها ، من الصلاة والتلاوة ، والذكر . خير من العمل في ألف شهر ، ليس فيها ليلة القدر . استحباب طلبها : ويستحب طلبها في الوتر من العشر الاواخر من رمضان فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في طلبها في العشر الاواخر من رمضان . وتقدم ، أنه كان إذا دخل العشر الاواخر أحيى الليل وأيقظ أهله ، وشد المئزر ( 2 ) أي الليالي هي ؟ : للعلماء آراء في تعيين هذه الليلة ، فمنهم من يرى أنها ليلة الجادي والعشرين ، ومنهم من يرى أنها ليلة الثالث والعشرين ومنهم من يرى أنها ليلة الخامس والعشرين ، ومنهم من ذهب إلى أنها ليلة التاسع والعشرين ، ومنهم من قال : إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الاواخر . وأكثرهم على أنها ليلة السابع والعشرين . روى أحمد - بإسناد صحيح - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال
( 1 ) أي القرآن : " شهر رمضان " الذي أنزل فيه القرآن . ( 2 ) أي اعتزل النساء واشتد في العبادة . (
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين " . وروى مسلم ، وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي - وصححه عن أبي ابن كعب أنه قال : والله الذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لاعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها ، بيضاء ، لاشعاع لها . قيامها والدعاء فيها :
1 - روى البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه " .
2 - وروى أحمد ، وابن ماجه ، والترمذي - وصححه - عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله . أرأيت إن علمت ، أي ليلة ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : قولي : " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني



الاعتكاف
( 1 ) معناه : الاعتكاف لزوم الشئ وحبس النفس عليه ، خيرا كان أم شرا . قال الله تعالى : ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ) أي مقيمون متعبدون لها . والمقصود به هنا لزوم المسجد والاقامة فيه بنية التقرب إلى الله عزوجل .
( 2 ) مشروعيته : وقد أجمع العلماء على أنه مشروع ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما . رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه ، وقد اعتكف أصحابه وأزواجه معه وبعده ، وهو إن كان قربة ، إلا أنه لم يرد في فضله حديث صحيح . قال أبوداود : قلت لاحمد رحمه الله : تعرف في فضل الاعتكاف شيئا ؟ قال : لا ، إلا شيئا ضعيفا .
( 3 ) أقسامه : الاعتكاف ينقسم إلى مسنون وإلى واجب ، فالمسنون ما تطوع به المسلم تقربا إلى الله ، وطلبا لثوابه ، واقتداء بالرسول صلوات الله وسلامه عليه ، ويتأكد ذلك في العشر الاواخر من رمضان لما تقدم ، والاعتكاف الواجب ما أوجبه المرء على نفسه ، إما بالنذر المطلق ، مثل أن يقول : لله علي أن أعتكف كذا ، أو بالنذر المعلق كقوله : إن شفا الله مريضي لاعتكفن كذا . وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه " وفيه : أن عمر رضي الله عنه قال : يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال : " أوف بنذرك "
( 4 ) زمانه : الاعتكاف الواجب يؤدى حسب ما نذره وسماه الناذر ، فإن نذر الاعتكاف يوما أو أكثر وجب الوفاء بما نذره . والاعتكاف المستحب ليس له وقت محدد ، فهو يتحقق بالمكث في المسجد مع نية الاعتكاف طال الوقت أم قصر . ويثاب ما بقي في المسجد ، فإذا خرج منه ثم عاد إليه جدد النية إن قصد الاعتكاف ، فعن يعلى بن أمية قال : إني لامكث في المسجد ساعة ما أمكث إلا لاعتكف . وقال عطاء : هو اعتكاف ما مكث فيه ، وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف . وإلا فلا . وللمعتكف أن يقطع اعتكافه المستحب متى شاء ، قبل قضاء المدة التي نواها . فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه . وأنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الاواخر من رمضان فأمر ببنائه ( 1 ) فضرب . قالت عائشة : فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب ، وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائه فضرب . فلما صلى الفجر نظر إلى الابنية ، فقال : ما هذه ؟ " آلبرتردن " ( 2 ) قالت : فأمر ببنائه فقوض ( 3 ) ، وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الاول " يعني من شوال " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بتقويض أبنيتهن وترك الاعتكاف بعد نيته منهن دليل على قطعه بعد الشروع فيه . وفي الحديث أن للرجل أن يمنع زوجته من الاعتكاف
( 1 ) في هذا دليل على جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعا من المسجد ينفرد فيه مدة اعتكافه ما لم يضيق على الناس ، وإذا اتخذه يكون في آخر المسجد ورحابه لئلا يضيق على غيره وليكون أخلى له وأكمل لانفراده . ( 2 ) " البر " الطاعة ، في شرح مسلم سبب إنكاره أنه خاف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه أو غيرته عليهن فكره ملازمتهن المسجد مع أنه يجمع الناس ويحضره الاعراب والمنافقون . وهن محتاجات إلى الخروج والدخول لما يعرض لهن فيبتذلن بذلك . أو لانه صلى الله عليه وسلم رآهن عنده في المسجد وهو في المسجد فصار كأنه في منزله بحضوره مع أزواجه وذهب المهم من مقصود الاعتكاف ، وهو التخلي عن الازواج ومتعلقات الدنيا وشبه ذلك ، أو لانهن ضيقن المسجد بأبنيتهن . انتهى . ( 3 ) أزيل وهدم
بغير إذنه ، وإليه ذهب عامة العلماء ، واختلفوا فيما لو أذن لها ، هل له منعها بعد ذلك ؟ فعند الشافعي وأحمد وداود : له منعها وإخراجها من اعتكاف التطوع .
( 5 ) شروطه : ويشترط في المعتكف أن يكون مسلما ، مميزا طاهرا من الجنابة والحيض والنفاس ، فلا يصح من كافر ولا صبي غير مميز ولاجنب ولاحائض ولا نفساء .
( 6 ) أركانه : حقيقة الاعتكاف المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله تعالى ، فلو لم يقع المكث في المسجد أو لم تحدث نية الطاعة لا ينعقد الاعتكاف . أما وجوب النية فلقول الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " وأما أن المسجد لا بد منه فلقول الله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) ووجه الاستدلال ، أنه لو صح الاعتكاف في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد لانها منافية للاعتكاف ، فعلم أن المعنى بيان أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد .
( 7 ) رأي الفقهاء في المسجد الذي ينعقد فيه الاعتكاف : اختلف الفقهاء في المسجد يصح الاعتكاف فيه فذهب أبو حنيفة واحمد وإ**** وأبو ثور إلى أنه يصح في كل مسجد يصلى فيها الصلوات الخمس وتقام فيه الجماعة ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح " رواه الدارقطني . وهذا حديث مرسل ضعيف لا يحتج به . وذهب مالك والشافعي وداود ، إلى أنه يصح في كل مسجد لانه لم يصح في تخصيص بعض المساجد شئ صريح . وقالت الشافعية الافضل أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع ، لان الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد الجامع ، ولان الجماعة في في صلواته اكتر ، ولا يعتكف في غيره إذا تخلل وقت الاعتكاف صلاة جمعة حتى لا تفوته . وللمعتكف أن يؤذن في المئذنة إن كان بابها في المسجد أو في صحنه . ويصعد على ظهر المسجد لان كل ذلك من المسجد ، فإن كان باب المئدنة خارج المسجد بطل اعتكافه إن تعمد ذلك ، ورحبة المسجد منه عند الحنفية والشافعية ، ورواية عن أحمد . وعن مالك ورواية عن أحمد ، أنها ليست منه ، فليس للمعتكف أن يخرج إليها . وجمهور العلماء على أن المرأة لا يصح لها أن تعتكف في مسجد بيتها ، لان مسجد البيت لا يطلق عليه اسم مسجد ، ولا خلاف في جواز بيعه ، وقد صح أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد لنبوي . صوم المعتكف المعتكف إن صام فحسن ، وإن لم يصم فلا شئ عليه . روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام . فقال : " أوف بنذرك " ففي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالوفاء بالنذر دليل على ان الصوم ليس شرطا في صحة الاعتكاف ، إذ أنه لا يصح الصيام في الليل . وروى سعيد بن منصور عن أبي سهل . قال ، كان على امرأة من أهلي اعتكاف . فسألت عمر بن عبد العزيز ، فقال ليس عليها صيام ، إلا أن تجعله على نفسها . فقال الزهري : لا اعتكاف إلا بصوم . فقال له عمر : عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قال : فعن أبي بكر ؟ قال : لا . قال : فعن عمر ؟ قال : لا . قال : واظنه قال عن عثمان ؟ قال : لا . فخرجت من عنده فلقيت عطاء وطاووسا فسألتهما ؟ فقال طاووس : كان فلان لا يرى عليها صياما إلا أن تجعله على نفسها . وقال عطاء : ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها . قال الخطابي ، وقد اختلف الناس في هذا ، فقال الحسن البصري : إن اعتكف من غير صيام أجزأه ، وإليه ذهب الشافعي . وروي عن علي وابن مسعود أنهما قالا : إن شاء صام وإن شاء أفطر . وقال الاوزاعي ومالك : لا اعتكاف إلا بصوم ، وهو مذهب أهل الرأي وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة ، وهو قول سعيد ابن المسيب وعروة بن الزبير والزهري وقت دخول المعتكف والخروج منه تقدم أن الاعتكاف المندوب ليس له وقت محدد . فمتى دخل المعتكف المسجد ونوى التقرب إلى الله بالمكث فيه صار متعكفا حتى يخرج ، فإن نوى اعتكاف العشر الاواخر من رمضان ، فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس . فعند البخاري عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الاواخر " . والعشر اسم لعدد الليالي ، أول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين أو ليلة العشرين . وما روي أنه صلى الله عليه وسلم : كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه . فمعناه أنه كان يدخل المكان الذي أعده للاعتكاف في المسجد . أما وقت دخول المسجد للاعتكاف فقد كان أول الليل . ومن اعتكف العشر الاواخر من رمضان فإنه يخرج بعد غروب الشمس آخر يوم من الشهر عند أبي حنيفة والشافعي . وقال مالك وأحمد : إن خرج بعد غروب الشمس أجزأه ، والمستحب عندهما أن يبقى في المسجد حتى يخرج إلى صلاة العيد . وروى الاثرم بإسناده عن أبي أيوب عن أبي قلابة : أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر ، ثم يغدو كما هو إلى العيد ، وكان - يعنى في اعتكافه - لا يلقى له حصير ولا مصلى يجلس عليه ، كان يجلس كأنه بعض القوم ، قال : فأتيته في يوم الفطر فإذا في حجره جويرية مزينة ، ما ظننتها إلا بعض بناته ، فإذا هي أمة له ، فأعتقها ، وغدا كما هو إلى العيد . وقال إبراهيم . كانوا يحبون لمن اعتكف الشعر الاواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد ، ثم يغدو إلى المصلى من المسجد ومن نذر اعتكاف يوم أو أيام مسماة ، أو أراد ذلك تطوعا فإنه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر ، ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس سواء أكان ذلك في رمضان أم في غيره ، ومن نذر اعتكاف ليلة أو ليال مسماة ، أو أراد تطوعا ، فإنه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ويخرج إذا تبين له طلوع الفجر . قال ابن حزم : لان مبدأ الليل إثر غروب الشمس ، وتمامه بطلوع الفجر ، ومبدأ اليوم بطلوع الفجر ، واتمامه بغروب الشمس ، وليس على أحد إلا ما التزم أو نوى . فإن نذر اعتكاف شهر أو أراده تطوعا بدأ الشهر من أول ليلة منه . فيدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ، ويخرج إذا غابت الشمس كلها من آخر الشهر سواء رمضان وغيره . ما يستحب للمعتكف وما يكره له يستحب للمعتكف أن يكثر من نوافل العبادات ، ويشغل نفسه بالصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على النبي صلوات الله وسلامه عليه والدعاء ، ونحو ذلك من الطاعات التي تقرب إلى الله تعالى وتصل المرء بخالقه جل ذكره . ومما يدخل في هذا الباب دراسة العلم واستذكار كتب التفسير والحديث ، وقراءة سير الانبياء والصالحين وغيرها من كتب الفقه والدين ، ويستحب له أن يتخذ خباء في صحن المسجد انتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم . ويكره له أن يشغل نفسه بما لا يعنيه من قول أو عمل ، لما رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي بسرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ويكره له الامساك عن الكلام ظنا منه أن ذلك مما يقرب إلى الله عزوجل ، فقد روى البخاري وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذا هو برجل قائم فسأل عنه ؟ فقالوا : أبو اسرائيل . نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يتكلم ويصوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه . " وروى أبو داود عن على رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتم بعد احتلام ، ولا صمات يوم إلى الليل " ( 1 )
( 1 ) أي لا يسمى من فقد أباه يتيما بعد بلوغه ، والصمات : السكوت .
ما يباح للمعتكف يباح للمعتكف ما يأتي :
1 - خروجه من معتكفه لتوديع أهله ، قالت صفية ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ثم قمت فانقلبت ، فقام معي ليقلبني ( 1 ) ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد . فمر رجلان من الانصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي " ، قالا : سبحان الله يا رسول الله ، قال : " إن الشيطان يجري من الانسان مرجى الدم ، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا " أو قال " شرا ( 2 ) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود .
2 - ترجيل شعره وحلق رأسه ، وتقليم أظفاره وتنظيف البدن من الشعث والدرن ولبس أحسن الثيات والتطيب بالطيب . قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون معتكفا في المسجد فيناولني رأسه من خلل الحجرة ، فأغسل رأسه - " وقال مسدد فأرجله ( 3 ) " وأنا حائض . رواه البخاري ومسلم وأبو داود .
3 - الخروج للحاجة التي لا بد منها ، قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان . رواه البخاري ومسلم وغيرهما . وقال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول ، لان هذا مما لا بد منه . ولا يمكن فعله في المسجد ، وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه ، وإن بغته القئ فله أن يخرج ليقئ
( 1 ) يردها لبيتها قال الحطامي وفيه انه خرج من المسجد معها ليبلغها منزلها ، وفي هذا حجة لمن رأى أن الاعتكاف لا يفسد إذا خرج في واجب وأنه لا يمنع المعتكف من اتيان معروف . ( 2 ) حكي عن الشافعي : ان ذلك كان منه شفقة عليهما ، لانهما لو ظنا به ظن سوء كفرا فبادر إلى إعلامهما ذلك لئلا يهلكا . وفي تاريخ ابن عساكر عن ابراهيم بن محمد قال كنا في مجلس ابن عيينة والشافعي حاضر حدث بهذا الحديث . وقال للشافعي : ما فقهه ؟ فقال : إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا حتى لا يظن بكم ظن السوء ، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم اكهمهم ، وهو أمين الله في أرضه . فقال ابن عيينة جزاك الله خيرا يا أبا عبد الله ما يجيئنا منك إلا كلام تحبه . ( 3 ) تصليحه بالمشط .
خارج المسجد ، وكل ما لا بد منه ولا يمكن فعله في المسجد فله خروجه إليه ، ولا يفسد اعتكافه ما لم يطل . انتهى . ومثل هذا الخروج للغسل من الجنابة وتطهير البدن والثوب من النجاسة . روى سعيد بن منصور قال : قال علي بن أبي طالب : إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة ، وليحضر الجنازة ، وليعد المريض وليأت أهله يأمرهم بحاجته
وهو قائم . وأعان رضي الله عنه ابن أخته بسبعمائة درهم من عطائه أن يشتري بها خادما ، فقال : إني كنت معتكفا ، فقال له علي : وما عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت ؟ وعن قتادة : أنه كان يرخص للمعتكف أن يتبع الجنازة ويعود المريض ولا يجلس . وقال إبراهيم النخعي كانوا يستحبون للمعتكف أين يشترط هذه الخصال - وهن له وإن لم يشترط - عيادة المريض ، ولا يدخل سقفا ، ويأتي الجمعة : ويشهد الجنازة ، ويخرج إلى الحاجة . قال : ولا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة . قال الخطابي : وقالت طائفة للمعتكف أن يشهد الجمعة ويعود المريض ، ويشهد الجنازة . روي ذلك عن علي رضي الله عنه ، وهو قول سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي . وروى أبو داود عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالمريض وهو معتكف ، فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه وما روي عنها من أن السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا فمعناه أن لا يخرج من معتكفه ، قاصدا عيادته ، وأنه ، لا يضيق عليه أن يمر به فيسأل غير معرج عليه .
4 - وله أن يأكل ويشرب في المسجد وينام فيه ، مع المحافظة على نظافته وصيانته ، وله أن يعقد العقود فيه كعقد النكاح وعقد البيع والشراء ، ونحو ذلك .
ما يبطل الاعتكاف
يبطل الاعتكاف بفعل شئ مما يأتي :
1 - الخروج من المسجد لغير حاجة عمدا وإن قل ، فإنه يفوت المكث فيه ، وهو ركن من أركانه .
2 - الرده . لمنافاتها للعبادة ، ولقول الله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) .
3 ، 4 ، 5 - ذهاب العقل بجنون أو سكر . والحيض والنفاس ، لفوات شرط التمييز والطهارة من الحيض والنفاس .
6 - الوطء لقول الله تعالى : ( ولا تقربوهن وأنتم عاكفون في المساجد ، تلك حدود الله فلا تقربوها ) ولا بأس باللمس بدون شهوة ، فقد كانت إحدى نسائه صلى الله عليه وسلم ترجله وهو معتكف ، أما القبلة واللمس بشهوة فقد قال أبو حنيفة وأحمد أنه قد أساء ، لانه قد أتى بما يحرم عليه ، ولا يفسد اعتكافه إلا أن ينزل ، وقال مالك : يفسد اعتكافه لانها مباشرة محرمة فتفسد كما لو أنزل ، وعن الشافعي روايتان كالمذهبين . قال ابن رشد : وسبب اختلافهم ، هل الاسم المشترك ، بين الحقيقة والمجاز له عموم أم لا وهو أحد أنواع الاسم المشترك . فمن ذهب إلى أن له عموما قال : إن المباشرة في قوله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ، ) يطلق على الجماع وعلى ما دونه ، ومن لم ير له عموما - وهو الاشهر الاكثر - قال : يدل إما على الجماع ، وإما على ما دون الجماع ، فإذا قلنا : إنه يدل على الجماع بإجماع ، بطل أن يدل على غير الجماع ، لان الاسم الواحد لا يدل على الحقيقة والمجاز معا . ومن أجرى الانزال بمنزلة الوقاع ، فلانه في معناه ، ومن خالف فلانه يطلق عليه الاسم حقيقة . قضاء الاعتكاف من شرع في الاعتكاف متطوعا ثم قطعه استحب له قضاءه وقيل : يجب . قال الترمذي : واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى . فقال مالك : إذا انقضى اعتكافه وجب عليه القضاء ، واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشرا من شوال . وقال الشافعي : إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شئ أوجبه على نفسه وكان متطوعا ، فخرج فليس عليه قضاء ، إلا أن يحب ذلك اختيارا منه . قال الشافعي : وكأن علم لك أن لا تدخل فيه ، فإذا دخلت فيه وخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة . أما من نذر أن يعتكف يوما أو أياما ثم شرع فيه وأفسده وجب عليه قضاؤه متى قدر عليه باتفاق الائمة ، فإن مات قبل أن يقضيه لا يقضى عنه . وعن أحمد : أنه يجب على وليه أن يقضي ذلك عنه . روى عبد الرزاق عن عبد الكريم بن أمية قال : سمعت عبد الله بن عبد الله بن عتبة يقول : إن أمنا ماتت وعليها اعتكاف ، فسألت ابن عباس فقال : اعتكف عنها وصم . وروى سعيد ابن منصور : ان عائشة اعتكفت عن أخيها بعد ما مات . المعتكف يلزم مكانا من المسجد ، وينصب فيه الخيمة :
1 - روى ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاواخر من رمضان . قال نافع : وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2 - وروي عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف طرح له فراش ، أو يوضع له سرير وراء اسطوانة التوبة ( 1 ) .
3 - وروى عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية على سدتها ( 2 ) قطعة حصير . نذر الاعتكاف في مسجد معين من نذر الاعتكاف في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الاقصى وجب عليه الوفاء بنذره في المسجد الذي عينه ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا " أما إذا نذر الاعتكاف في غير هذه المساجد الثلاثة فلا يجب عليه الاعتكاف
( 1 ) هي أسطوانة ربط بها رجل من الصحابة نفسه حتى تاب الله عليه . ( 2 ) " سدتها " أي بابها وإنما وضع الحصير على بابها حتى لا ينظر فيها أحد .
في المسجد الذي عينه ، وعليه أن يعتكف في أي مسجد شاء ، لان الله تعالى لم يجعل لعبادته مكانا معينا ولانه لا فضل لمسجد من المساجد على مسجد آخر إلا المساجد الثلاثة ، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاز في مسجدي هذا بمائة صلاة " . وإن نذر الاعتكاف في المسجد النبوي جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام لانه أفضل منه
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:19 AM.