|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
النبى بشر يوحى اليه
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) (6 فصّلت) تفسير بن كثير يقول تعالى: { قل} يا محمد لهؤلاء المكذبين المشركين { إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} لا ما تعبدونه من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين، إنما اللّه إله واحد { فاستقيموا إليه} أي أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل، { واستغفروه} أي لسالف الذنوب، { وويل للمشركين} أي دمار لهم وهلاك عليهم { الذين لا يؤتون الزكاة} قال ابن عباس: يعني الذين لا يشهدون أن لا إله إلا اللّه، كقوله تبارك وتعالى: { فقل هل لك إلى أن تزكى} والمراد بالزكاة هنا طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة، ومن أهم ذلك طهارة النفس من الشرك، وزكاة المال إنما سميت زكاة، لأنها تطهره من الحرام، وتكون سبباً لزيادته وبركته وكثرة نفعه، واستعماله في الطاعات. وقال السدي: { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} أي لا يؤدون الزكاة، وقال قتادة: يمنعون زكاة أموالهم، وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير، ثم قال جلَّ جلاله بعد ذلك: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون} قال مجاهد وغيره: غير مقطوع ولا مجبوب، كقوله تعالى: { ماكثين فيها أبداً} ، وكقوله عزَّ وجلَّ: { عطاء غير مجذوذ} وقال السدي: غير ممنون عليهم، وقد رد عليه بعض الأئمة، فإن المنه للّه تعالى على أهل الجنة، قال اللّه تعالى: { بل اللّه يمن عليكم أن هداكم للإيمان} ، وقال أهل الجنة: { فمنّ اللّه علينا ووقانا عذاب السموم} ، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إلا أن يتغمدني اللّه برحمة منه وفضل).
آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 25-04-2014 الساعة 09:01 PM |
#2
|
||||
|
||||
تفسير الجلالين
{ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه } بالإيمان والطاعة { واستغفروه وويل } كلمة عذاب { للمشركين } . تفسير الطبري الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَات اللَّه مِنْ قَوْمك : أَيّهَا الْقَوْم , مَا أَنَا إِلَّا بَشَر مِنْ بَنِي آدَم مِثْلكُمْ فِي الْجِنْس وَالصُّورَة وَالْهَيْئَة لَسْت بِمَلَكٍ { يُوحَى إِلَيَّ } يُوحِي اللَّه إِلَيَّ أَنْ لَا مَعْبُود لَكُمْ تَصْلُح عِبَادَته إِلَّا مَعْبُود وَاحِد . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَات اللَّه مِنْ قَوْمك : أَيّهَا الْقَوْم , مَا أَنَا إِلَّا بَشَر مِنْ بَنِي آدَم مِثْلكُمْ فِي الْجِنْس وَالصُّورَة وَالْهَيْئَة لَسْت بِمَلَكٍ { يُوحَى إِلَيَّ } يُوحِي اللَّه إِلَيَّ أَنْ لَا مَعْبُود لَكُمْ تَصْلُح عِبَادَته إِلَّا مَعْبُود وَاحِد .' يَقُول : فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ , وَوَجِّهُوا إِلَيْهِ وُجُوهكُمْ بِالرَّغْبَةِ وَالْعِبَادَة دُون الْآلِهَة وَالْأَوْثَان .يَقُول : فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ , وَوَجِّهُوا إِلَيْهِ وُجُوهكُمْ بِالرَّغْبَةِ وَالْعِبَادَة دُون الْآلِهَة وَالْأَوْثَان .' يَقُول : وَسَلُوهُ الْعَفْو لَكُمْ عَنْ ذُنُوبكُمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ شِرْككُمْ , يَتُبْ عَلَيْكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ .يَقُول : وَسَلُوهُ الْعَفْو لَكُمْ عَنْ ذُنُوبكُمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ شِرْككُمْ , يَتُبْ عَلَيْكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ .' وَقَوْله : { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَصَدِيد أَهْل النَّار , وَمَا يَسِيل مِنْهُمْ لِلْمُدَّعِينَ لِلَّهِ شَرِيكًا الْعَابِدِينَ الْأَوْثَان دُونه الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ اللَّه الطَّاعَة الَّتِي تُطَهِّرهُمْ , وَتُزَكِّي أَبْدَانهمْ , وَلَا يُوَحِّدُونَهُ ; وَذَلِكَ قَوْل يُذْكَر عَنِ ابْن عَبَّاس . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 23471 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 23472 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا حَفْص , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } : الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِزَكَاةِ أَمْوَالهمْ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه فِيهَا , وَلَا يُعْطُونَهَا أَهْلهَا , وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا قَائِلِي ذَلِكَ قَبْل , وَقَدْ : 23473 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : لَا يُقِرُّونَ بِهَا وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا , وَكَانَ يُقَال : إِنَّ الزَّكَاة قَنْطَرَة الْإِسْلَام , فَمَنْ قَطَعَهَا نَجَا , وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ ; وَقَدْ كَانَ أَهْل الرِّدَّة بَعْد نَبِيّ اللَّه قَالُوا : أَمَّا الصَّلَاة فَنُصَلِّي , وَأَمَّا الزَّكَاة فَوَاللَّهِ لَا تُغْصَبُ أَمْوَالنَا ; قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : وَاللَّه لَا أُفَرِّقُ بَيْن شَيْء جَمَعَ اللَّه بَيْنه ; وَاللَّه لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا فَرَضَ اللَّه وَرَسُوله لَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ. 23474 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : لَوْ زَكَّوْا وَهُمْ مُشْرِكُونَ لَمْ يَنْفَعهُمْ. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا : مَعْنَاهُ : لَا يُؤَدُّونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَشْهَر مِنْ مَعْنَى الزَّكَاة , وَأَنَّ فِي قَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلَوْ كَانَ قَوْله : { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } مُرَادًا بِهِ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } مَعْنًى ; لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ مَنْ لَا يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَا يُؤْمِن بِالْآخِرَةِ , وَفِي اتِّبَاع اللَّه قَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } قَوْله { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ الزَّكَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهَا زَكَاة الْأَمْوَال .وَقَوْله : { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَصَدِيد أَهْل النَّار , وَمَا يَسِيل مِنْهُمْ لِلْمُدَّعِينَ لِلَّهِ شَرِيكًا الْعَابِدِينَ الْأَوْثَان دُونه الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ اللَّه الطَّاعَة الَّتِي تُطَهِّرهُمْ , وَتُزَكِّي أَبْدَانهمْ , وَلَا يُوَحِّدُونَهُ ; وَذَلِكَ قَوْل يُذْكَر عَنِ ابْن عَبَّاس . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 23471 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 23472 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا حَفْص , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } : الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِزَكَاةِ أَمْوَالهمْ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه فِيهَا , وَلَا يُعْطُونَهَا أَهْلهَا , وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا قَائِلِي ذَلِكَ قَبْل , وَقَدْ : 23473 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : لَا يُقِرُّونَ بِهَا وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا , وَكَانَ يُقَال : إِنَّ الزَّكَاة قَنْطَرَة الْإِسْلَام , فَمَنْ قَطَعَهَا نَجَا , وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ ; وَقَدْ كَانَ أَهْل الرِّدَّة بَعْد نَبِيّ اللَّه قَالُوا : أَمَّا الصَّلَاة فَنُصَلِّي , وَأَمَّا الزَّكَاة فَوَاللَّهِ لَا تُغْصَبُ أَمْوَالنَا ; قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : وَاللَّه لَا أُفَرِّقُ بَيْن شَيْء جَمَعَ اللَّه بَيْنه ; وَاللَّه لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا فَرَضَ اللَّه وَرَسُوله لَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ. 23474 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : لَوْ زَكَّوْا وَهُمْ مُشْرِكُونَ لَمْ يَنْفَعهُمْ. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا : مَعْنَاهُ : لَا يُؤَدُّونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَشْهَر مِنْ مَعْنَى الزَّكَاة , وَأَنَّ فِي قَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلَوْ كَانَ قَوْله : { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } مُرَادًا بِهِ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } مَعْنًى ; لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ مَنْ لَا يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَا يُؤْمِن بِالْآخِرَةِ , وَفِي اتِّبَاع اللَّه قَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } قَوْله { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ الزَّكَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهَا زَكَاة الْأَمْوَال .' |
#3
|
||||
|
||||
تفسير القرطبي
قوله تعالى: { قل إنما أنا بشر مثلكم} أي لست بملك بل أنا من بني آدم. قال الحسن : علمه الله تعالى التواضع. { يوحى إلي} أي من السماء على أيدي الملائكة { أنما إلهكم إله واحد} فآمنوا به { فاستقيموا إليه} أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه، كما يقول الرجل : استقم إلى منزلك؛ أي لا تعرج على شيء غير القصد إلى منزلك. { واستغفروه} أي من شرككم. { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} قال ابن عباس : الذين لا يشهدون { أن لا إله إلا الله} وهي زكاة الأنفس. وقال قتادة : لا يقرون بالزكاة أنها واجبة. وقال الضحاك ومقاتل : لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة. قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفر مع منع وجوب الزكاة عليه. وقال الفراء وغيره : كان المشركون ينفقون النفقات، ويسقون الحجيج ويطعمونهم، فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهم هذه الآية. { وهم بالآخرة هم كافرون} فلهذا لا ينفقون في الطاعة ولا يستقيمون ولا يستغفرون. الزمخشري : فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة؟ قلت : لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته ألا ترى إلى قوله عز وجل: { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم} [البقرة : 265] أي يثبتون أنفسهم، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا، فقويت عصبتهم ولانت شكيمتهم؛ وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحروب وجوهدوا. وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة، وتخويف شديد من منعها، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين، وقرن بالكفر بالآخرة. قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون} قال ابن عباس : غير مقطوع؛ مأخوذ من مننت الحبل إذا قطعته؛ ومنه قول ذي الإصبع : إني لعمرك ما بابي بذي غلق ** على الصديق ولا خيري بممنون وقال آخر : فترى خلفها من الرجع والوقـ ** ـع منينا كأنه أهباء يعني بالمنين الغبار المنقطع الضعيف. وعن ابن عباس أيضا ومقاتل : غير منقوص. ومنه المنون؛ لأنها تنقص منه الإنسان أي قوته؛ وقال قطرب؛ وأنشد قول زهير : فضل الجياد على الخيل البطاء فلا ** يعطي بذلك ممنونا ولا نزقا قال الجوهري : والمن القطع، ويقال النقص؛ ومنه قوله تعالى: { لهم أجر غير ممنون} . وقال لبيد : غبس كواسب لا يُمن طعامها وقال مجاهد: { غير ممنون} غير محسوب. وقيل: { غير ممنون} عليهم به. قال السدي : نزلت في الزمني والمرضى والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه. |
#4
|
||||
|
||||
تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (قل) أي: في الرد عليهم { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ.. } [فصلت: 6] يعني: لماذا تقفون مني ومن دعوتي هذا الموقف المعاند؟ لماذا تجعلون بيني وبينكم الحُجُب، وأنا واحد منكم عربي مثلكم تعرفون صِدْقي وتاريخي قبل ذلك بين ظهرانيكم. ومن رحمة الله بكم أنْ أرسلني إليكم بشراً منكم، ولم يرسل إليكم مَلكاً: { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [الأنعام: 9]، وتعلمون سوابقه في الصدق والأمانة والعفة. ثم لو جاءكم مَلَكٌ، أكنتم تقتدون به على مَلَكيته؟ إن الأسوة لا تكون من المَلَك للبشر. وتأمل الأدب والتواضع من رسول الله في قوله: { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ.. } [فصلت: 6] يعتني: لا كبرياء ولا تعالٍ، لكن فضلني الله عنكم بأنه { يُوحَىٰ إِلَيَّ.. } [فصلت: 6] ومضمون هذا الوحي { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ.. } [فصلت: 6] وما دام يُوحى إليَّ فأنا مُبلَّغ لا ذنبَ لي تؤاخذونني عليه، أنا بشر مثلكم ومن أنفسكم لا أمتاز عليكم إلا بما ميًّزني الله به من الوحي. لذلك نجد الحق سبحانه كثيراً ما يصحح لرسول الله ويُعدِّل له الحكم ويعاتبه، ورسول الله هو نفسه الذي يخبرنا بذلك، وهذا دليلٌ على أنه أمين في البلاغ عن ربه، لذلك يقول تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } [الحاقة: 44-46]. وقال: { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ.. } [فصلت: 6] ولم يقل ربكم لأنهم يؤمنون بوجود الله الخالق الرازق، المشكلة عندهم في الإله المعبود، فالإله المعبود له أوامر ومطلوبات الإله يقتضي الطاعة في الأمر وفي النهي، فهم مسلمون بالربوبية مشركون في الألوهية، فأراد أنْ يبين لهم: { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ.. } [فصلت: 6] ليس متعدداً، مرة يقول { إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ.. } [فصلت: 6] وفي سورة الإخلاص قال: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] واحد يعني ليس له ثانٍ، وأحد يعني أحد في ذاته غير مركّب من أشياء فهي تنفي التجزؤ. وقد اتخذ الكفارُ آلهةً متعددة ليُرضوا ما في أنفسهم من عاطفة التديُّن، وليكون لهم إله معبود بلا منهج وبلا تكاليف، لذلك قلنا: إن من الوسطية في ديننا أنه يؤمن بإله واحد، في حين يوجد مَنْ يؤمن بآلهة متعددة، ويوجد مَنْ ينكر الإله بالمرة، فجاء الدين الإسلامي وبيَّن أن الإله واحد. وما دام هو إله واحد { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ.. } [فصلت: 6] استقم يعني: سِرْ على حدّ الاستقامة لا تميل هنا ولا هناك. قالوا: كان رجل من طيء، اسمه ابن بندر رأى شاباً بيته هنا، لكن لا يذهب إليه من الطريق المعتاد المستقيم، إنما يدور في طرقات القرية ليذهب إلى بيته. فعرف من ذلك أن الشاب يقصد بدورانه في الطرقات شيئاً مريباً، فقال له: يا هذا استقم إلى بيتك يعني: اذهب إليه من الطريق المستقيم، عندها عرف الشاب أن الرجل (فقسه) وعرف قصده غير الشريف فارتدع.كذلك قوله تعالى: { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ.. } [فصلت: 6] يعني: اقصدوه من طريق الاستقامة، وسمَّى طريقه الصراط المستقيم، وقد أثبت العلم أن الطريق المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، ثم إن الطريق المستقيم قد يكون ضيقاً يجبرك على الاستقامة عليه، وقد يكون واسعاً يسمح بالميل يميناً ويساراً (أوتوستراد). فإنْ كان واسعاً فاستقم فيه أيضاً لتقصر على نفسك مسافة الوصول، لأنك حين تميل تزيد المسافة، لذلك قال: { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [البقرة: 108] يعني: في وسطه دون ميل، بحيث يكون ما على يمينك مثل ما على شمالك، فمرة قال { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] ومرة قال { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [البقرة: 108]. فقوله تعالى: { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ.. } [فصلت: 6] أي: بدايةً، فإنْ أصابتكم غفلة عن المنهج واقترفتم شيئاً { وَٱسْتَغْفِرُوهُ.. } [فصلت: 6] أي: اطلبوا منه المغفرة. { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [فصلت: 6-7] لأن الاستغفار طلب مَحْو الشيء السابق، والقاعدة الشرعية تقول: إن درء المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة. ومثَّلنا لذلك بواحد يريد أنْ يرمي لك تفاحة، وواحد يريد أن يرميك بحجر فأيهما أَوْلى، الأَوْلَى دَفْع الحجر، فقال { وَٱسْتَغْفِرُوهُ.. } [فصلت: 6] ليتم لكم مسْح الذنوب، ولُتنشئوا مع الله علاقة جديدة قائمة على الطاعة والاستقامة. كلمة { وَوَيْلٌ.. } [فصلت: 6] يعني: هلاك { لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ.. } [فصلت: 6-7] وهل فُرضَتْ الزكاةُ على مشرك؟ الزكاة لم تكُنْ فُرضت حتى على المؤمنين في هذا الوقت. قالوا: المراد بالزكاة هنا تطهير المال في حالة نموه، وكان المشركون يفعلون ذلك بالفعل، لكن يفعلونه من منطق الكرم والسمعة الطيبة، ولم يكُنْ الله في بالهم. لذلك حُكِي أن المطعم بن عدي كان له قِدْرٌ يطعم فيه كذا وكذا، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كنت أستظل من وهج الشمس بظل قِدْر المطعم بن عدي ". ومثله حاتم الطائي وغيرهم من كرماء العرب، لكنه قال: { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [فصلت: 7] لأن الإنسان عادة يحب ماله، والحق سبحانه يقول: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الحشر: 9] لأن للإنسان مطالبَ كثيرة في الحياة. كان البيع والشراء تبادلاً عينياً. يعني: تعطيني سلعة، وأعطلك مقابلها سلعة أخرى، وقت لم يوجد النقد بَعْد تعطيني قمحاً، وأعطيك تمراً مثلاً، فكل شيء من هذه الأشياء ثمن وسلعة، فالقمح عندك سلعة، والتمر عندي ثمن. فكل واحد منا بائع ومُشْتَرٍ. لذلك قال تعالى في قصة سيدنا يوسف: { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ.. } [يوسف: 21] فقال: اشتراه يعني أخذه وقال عن الآخرين: { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ.. } [يوسف: 20] يعني: باعوه. إذن هذه مبادلة، كل واحد منهم بائع ومشتر في نفس الوقت.{ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [فصلت: 7] أم أن هذه كلمة عامة، فبإِشراكهم لم يأخذوا حكم الله في الزكاة، فلم يَعُدْ فيهم خير لبيئاتهم ولا لمواطنيهم، لأن الله تعالى يريد من الإيمان أنْ ينشر الاستطراق العبودي في البشر، بأن يعين القوي الضعيف، والصحيح يعين المريض، والغني يعين الفقير، والعالِم يعين الجاهل. ولكن أهم زاوية من زوايا الحياة هي زاوية استبقاء الحياة بالقوت، والقوت يحتاج إلى المال، لذلك الحق سبحانه وتعالى حين يتكلم في هذه المسألة عن المؤلَّفة قلوبهم، وهم قوم نريد أن نُرقق قلوبهم ناحية دين الله، ونجذبهم إليه ليحسنوا التمعن والاختيار، لا أن نشتريهم للدين كما يدعي البعض. ومن الطرق إلى هذه الغاية أنْ نحسن إليهم، لذلك جعلهم الله تعالى مصرفاً من مصارف الزكاة، وأعطاهم من مال الله لانتْ قلوبهم. وحين تُحسن إلى شخص ماذا فعلتَ به؟ أولاً نفضت عنه البغض، وما دُمْتَ نفضتَ عنه البغض، فلا ينظر إليك وهو كاره لك ولا حاقد عليك، وعلى الأقل يسمع منك، وهذا ما حدث للمؤلَّفة قلوبهم. لذلك لما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد جماعة من العرب عن دين الله، لماذا؟ أول شيء ارتدوا من أجله فريضة الزكاة، ومن أجلها كانت حروب الردة، لذلك سمعنا أن سجاح مدعية النبوة ومسيلمة أول ما قالوا في دعواهم قالوا: نسقط عنكم الزكاة. لينالوا بذلك الرضا عن نبوتهم المزعومة، يريدون بذلك تخفيف التكاليف التي تشق على النفس. وبعضهم قال: نسقط عنكم نصف الصلاة، وكل مُخفف لشرع الله باطل وفيه إيذاء، لأنه ينزل من منهج الله إلى منهج التخفيف، والله سبحانه حين يريد التخفيف والتيسير يأتي بالتيسير من عنده سبحانه، ومنهج الله لا يُستدرك عليه. وفي شرع الله أحكام كثيرة تدل على هذا التخفيف، كصيام المريض والمسافر، وصلاة المريض والمسافر، وغير ذلك كثير في الشرع، فالله المشرِّع لك هو الذي يحدد لك التخفيف، لا أنت، وهو سبحانه أعلم بمدى المشقة التي تحتاج إلى تخفيف الحكم. لذلك نسمع مَنْ يقول: نريد أنْ نُجدد الإسلام، نقول: سبحان الله، يا قوم اتقوا الله كيف نُجدد الإسلام؟ وكيف نستدرك على أحكام الله، ونقول: يا شيخ جدِّد ما شئتَ فلن يلبس مسلم جديدك، والعلة أن لباسَ التقوى من الخالق لا يَخْلَقُ حتى يُجدده مخلوق، أريحوا أنفسكم. لكن لماذا جعل الله تعالى من الناس الغنيِّ والفقير المحتاج؟ لماذا لم يجعلهم جميعاً في سَعَة ولا داعي للزكاة إذن؟ قالوا: لأن الله تعالى يريد أنْ يُشيع بين خَلْقه التراحم والتوادّ، وحين يجد الفقير الغني لا يتكبر عليه بغناه، بل يأتي إليه ويطرق عليه بابه، ويعطيه حقه في مال الله، ساعتها يحبه ويحب له الخير والمزيد ولا يحقد عليه، ولا يتمنى زوال النعمة من بين يديه.إذن: حين تعطي إنما تستل الغضب والحقد من النفوس، فتجعل مالك عُرْضة للمزيد. والحق سبحانه قادر على أن يجعل الناس جميعاً أغنياء، إنما الحكمة في أن يوجد الغني الفقير، وأن تتداول هذه المسألة، فقد لا يدوم للغني غناه، ولا يدوم للفقير فقره، فالأحوال تتقلب، بحيث يرتبط كُل بكُلٍّ ارتباطَ محبة ومودة، والارتباط هنا ليس ارتباطَ تفضل، إنما حاجة. إننا لو تخرَّجنا جميعاً في الجامعة، فمَنْ يكنس الشارع، ومَنْ يقود السيارة، ومَنْ يصنع لنا كذا وكذا؟ تقول: يمكن أنْ نتفق على أن يقوم كلٌّ منا بعمل في يوم محدد. نقول: نعم لكن يكون العمل هنا تفضُّلاً، والتفضل لا يلزم أحداً إنما تلزمه الحاجة، والله يريد أن ترتبط مصالح الناس بالحاجة، ولذلك تجد الرجل يعمل العمل الشاقّ، وربما فيه أذى، قد لا تتحمله أنت، وقد ترى هذا العمل حقيراً، فما الذي حمله عليه؟ حملته الحاجة، وألجأته إليه ضروريات الحياة، وأكْل العيش ومسئولية الأسرة والأولاد، وإلا ما أهان نفسه هكذا. ووالله لقد شاهدنا في بيت واحد رجلاً يعمل (صرماتي)، وأخاه يبيع العطور، وتأمل ماذا يشم كل واحد منهما. وكان سيدنا الشيخ موسى رضي الله عنه كثيراً ما يدعو ويقول: اللهم أفقر الصنَّاع وأغْنِ العلماء، وكنا نغضب من هذا الدعاء ونقول له: ماذا تقول يا سيدنا؟ كيف ذلك؟ فيقول: والله لو افتقر العلماء لزلُّوا في الفتوى، ولو اغتنى الصناع لما انتفعنا منهم بشيء. نعم رأينا فعلاً العامل إنْ كان في جيبه عشرة جنيهات قعد عن العمل حتى يصرفها. إذن: لا بدَّ من الحاجة لتُقضَى مصالح الخَلْق. الحق سبحانه وتعالى جعل استطراق المال في المجتمع أهمَّ قضية في الإسلام، لذلك جعلها من أركان الإسلام، فالحق سبحانه لم يعْفِ أحداً من أن يمدَّ يد الاستطراق الاقتصادي للغير، إنْ كان واجداً يبذل، وإنْ كان غير واجد مالاً فليجد مقالاً ينصح به مَنْ يجد. قال تعالى: { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ.. } [التوبة: 91]. فإذا لم يكُنْ لديه المال ولا المقال الذي يُرقِّق به القلوب، فلا أقلَّ من أنْ يفعل ذلك في ذاته: { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ.. } [التوبة: 92] أي في الجهاد { قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } [التوبة: 92]. وهذه هي المرحلة الثالثة: إنْ كان واجداً فليبذل، وإنْ كان غير واجد فليبذل المقال الذي يُرقِّق به قلوب الواجدين، وأخيراً إذا لم يجد هذا ولا هذا يحزن في نفسه أنه لا يجد، فنفسه تتوق للبذل لكنه لا يجد، ويصل به الوَجْد في هذه المسـألة إلى أنه يبكي ألماً وحزناً لشوقه إلى العطاء. هذا كله لاستطراق المال والاقتصاد في المجتمع الإسلامي لأنه عَصَبُ الحياة وبه تُسْتبقى الحياة، وبه يكون القوت. وقوله سبحانه: { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [فصلت: 7] يعني: كفروا في البداية حين أشركوا بالإله الواحد، وكفروا في النهاية بالآخرة، كفروا في المنبع والمصب. |
#5
|
||||
|
||||
(قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَر مّثْلُكُمْ)
من المهم جداً أن نعلم أن الله تعالى جعل نبيه صلى الله عليه وسلم بشراً لحكم كثيرة منها: أ- حتى تقام الحجة على الكفار إذ لو كان مختلفاً عنهم لقالوا لا نستطيع أن نفهم عنه، قال تعالى (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)) (الأنعام 9). ب- جعل الله تعالى نبيه من *** قومه حتى يعقلوا عنه ولا يشككوا فيه فكان ذلك من منّة الله تعالى على عباده، قال تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)) [آل عمران-164]، فبيّن سبحانه أنه (من أنفسهم). ج- وجعل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بشراً حتى يمكن الاقتداء به، وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) [الأحزاب-21]، فلو لم يكن بشراً مخلوقاً كسائر البشر لتعذر الاقتداء به، ولقال الناس يا رب أرسلت لنا رسولاً من غير طبيعتنا فلا يمكننا الاقتداء به، فلله حكمة بالغة في ذلك. |
#6
|
||||
|
||||
موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الباب الأول: تحدثت فيه عن أسباب قيام الأمة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت فيه نسبه الطاهر وتربيته وأهم صفاته قبل النبوة وبعد النبوة ومواقفه من المشركين المعاندين لرسالته من احتمال الأذى وعدم خضوعه لمغرياتهم، وإكمال الدين على يديه. وفي الباب الثاني: وهو أهم الأبواب فقد تحدثت فيه عن أنواع الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قسّمتها إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول: الأدب القلبي ـ وهو ما كان محله القلب كالإيمان بنبوته ـ صلى الله عليه وسلم ومحبته. النوع الثاني: الأدب القولي ـ وهو ما كان محله اللسان ـ مثل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. النوع الثالث: الأدب العملي ـ وهو ما كان محله الجوارح غير اللسان ـ مثل اتباعه صلى الله عليه وسلم وتنفيذ أمره. وفي الباب الثالث: فقد تحدثت فيه عمّا ينافي التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان يقصد فاعله التأدب بعينه عن جهل أو تأويل أو غير ذلك مثل الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم دون مسجده وغيرها من البدع الأخرى التي تصحب ذلك أو تفعل في مسجده صلى الله عليه وسلم. وفي الخاتمة: فقد ذكرت أهم النتائج التي توصلت إليها أثناء البحث. ولا شك أنّ عملاً كهذا يتطلب جهدًا كبيرًا لإنجازه حتى يخرج إلى حيز الوجود في أكمل صورته. وقد بذلت جهدًا متواصلاً تجاه هذا البحث مع أنّي لاقيت صعوبات كثيرة وأهمها ما هو متعلق بمراجع الموضوع من بحث وتنقيب في الكتب المطبوعة وغير المطبوعة ومن تنسيق وترتيب واستنباط وغير ذلك. وأخيرًا: أسجل هنا أهم الصعوبات التي واجهتني: (أ) لم أجد من تكلم عن هذا الموضوع في مؤلف واحد مما كلفني مراجعة بطون الكتب التي لها صلة بهذا الموضوع من قريب ومن بعيد ككتب التفسير وكتب الحديث وشروحها وكتب السيرة والمغازي وكتب الشمائل وغير ذلك من مطبوع ومخطوط. (ب) الذين تطرقوا إلى موضوع من مواضيع هذه الرسالة ينقسمون إلى فئتين: الفئة الأولى: تذكر النصوص الواردة في المسألة من القرآن والسنة سردًا دون تعليق. وأما الفئة الثانية: فهي على نقيض ذلك إذ تخصص كتابًا كاملاً لموضوع من مواضيع رسالتي وتتكلم عنه بالتفصيل، وحينئذٍ أجد صعوبة في استخلاص المعلومات التي تتمشى مع حجم رسالتي وخاصة المبحث الذي خصصت لتلك المسألة إذ أنّ كتابًا واحدًا من تلك المؤلفات يوازي ما في هذه الرسالة أو أكثر، فما بال المبحث الذي هو جزء من فصل ضمن باب من رسالة مكونة من عدة أبواب. (ج) بعض المراجع لهذا الموضوع ما زالت مخطوطة ولم أتمكن من الوصول إليها، ولذلك اضطررت إلى اقتباس بعض النصوص المعزوة إلى تلك المخطوطات من مراجع فرعية. (د) بعض المراجع التي رجعت إليها واقتبست منها يعزو أصحابها بعض النصوص التي لها علاقة وثيقة بالموضوع إلى شخص غير مشهور ويذكرون كنيته أو نسبته إلى قبيلة، أو بلد دون المؤلف أو الاسم الكامل للشخص والقرن الذي عاش فيه مع أنّ هذه النسبة أو الكنية مشتركة بين عدة أشخاص عاشوا قبل صاحب ذلك المرجع أو من أقرانه، وحينئذ أجد صعوبة في الوصول إلى الشخص المقصود منهم. التمهيد يحتاج موضوع بحثي هذا (التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم) إلى بيان بعض المسائل التي تبيّن المراد منه حتى تكون الدراسة محددة من ناحية الموضوع ومن ناحية الهدف معًا. وهذه المسائل هي: 1 بيان المراد بالتأدّب مع الرسول صلى الله عليه وسلم. 2 ضرورة الالتزام في التأدّب معه صلى الله عليه وسلم بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية. وسوف أتناول بحث هاتين النقطتين فيما يلي: 1 بيان المراد بالتأدّب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: التأدب مصدر من الفعل الخماسي (تأدّب) بتشديد الدال، وله معان متعددة يشترك فيها مع كلمة الأدب مع الزيادة بسبب ما فيه من تضعيف. ولذا حسن أن أبدأ ببيان معنى الأدب أولاً، وبعدها أبيّن معنى التأدّب مع ملاحظة الفرق بين الصيغتين. أ الأدب في اللغة: يقول ابن فارس[4]: (الهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرع مسائله وترجع إليه، فالأدْب أن تجمع الناس إلى طعامك، ومن هذا القياس، الأدب أيضًا لأنّه مجمع على استحسانه...)[5]. ولهذا قال ابن منظور[6]: (أصل الأدب الدعاء)[7]. هذا أصل كلمة الأدب، وأمّا عن اشتقاقها، فيقول الجواليقي[8]: (واشتقاقه من شيئين يجوز أن يكون من الأدب وهو العجب، ومن الأدب مصدر قولك: أدب فلان القوم يؤدبهم أدبًا بالكسر إذا دعاهم... ثم قال: فإذا كانت من الأدب الذي هو العجب فكأنّه الشيء الذي يعجب منه لحسنه ولأنّ صاحبه هو الرجل الذي يعجب منه لفضله، وإذا كان من الأدب الذي هو العجب فكأنه الشيء الذي يدعو الناس إلى المحامد والفضل وينهاهم عن المقابح والجهل)[9]. |
#7
|
|||
|
|||
تسلم ياغالى
|
#8
|
||||
|
||||
|
#9
|
||||
|
||||
إن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليجد أنها حوت جميع مكارم الأخلاق التي تواطأ عليها فضلاء ونجباء البشر ونبلاؤهم، حتى إنها لتجيب على كل ما يختلج في الفؤاد من أسئلة قد تبدو محيرة لمن لم يذق طعم الإيمان بالله تعالى من الذين كفروا ، والغريب في الأمر أن بعض بني قومنا من المسلمين هداهم الله لا يحفلون بهذه الميزة العظيمة التي ميزنا الله بها وهي كون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة حسنة رغم أنها تمثل الرادع الفعلي عن ارتكاب ما يخل بخلق المسلم ، وهي المحرك الأساس إلى الارتقاء بالذات إلي معالي الأمور وقممها السامقات . إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قرآنٌ يمشي على الأرض وكان خلقه القرآن ، ولذلك تجد كثيراً من عامة المسلمين اليوم إذا سألتهم ولو كان ذلك بطريقة عشوائية عن : من هو قدوتك أو مثلك الأعلى؟! لسمعت الإجابة: النبي صلى الله عليه سلم! أتعرف شيئاً عن سيرته؟! فسيحدثك ولو بالقدر القليل عن سيرته عليه السلام من ولادته ونشأته وعبادته وشجاعته وحسن خلقه وغزواته وغير ذلك إلى الوفاة. وإنك لتسمع من البعض أيضاً عبارة: هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وما ذلك إلاَّ دلالة واضحة على أن المسلمين عموماً لديهم الرجوع الذهني إلى القدوة المطلقة وهو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .. فيفعلون ما فعل وينتهون عما نهى ويخجلون من فعل شيء لم يفعله. * * * أين هذا من الكثرة الكاثرة في الأرض اليوم بكل في كل زمان من الكافرين على جميع أصنافهم وتنوع مذاهبهم وتنوع مذاهبهم ومشاربهم؟ خذ مثلاً .. النصارى الموجودين اليوم .. لو سألت أحدهم أو مجموعة منهم عن قدوته في الحياة لما حار جواباً إلاَّ بعد تفكير مضطرب قد تأتي الإجابة بعده ليست كما تريد .. وينسى (المسيح عليه السلام) أو (يسوع كما يحلو لهم أن يعبروا) لأنه يجهل سيرته تماماً ولا يعلم منها إلا الجزء المظلم في نظرة النصرانية من أنه أحد الأقانيم الثلاثة .. ثلاثة في واحد .. وأنه ابن الإله ، وهو المصلوب لإنقاذ ال*** البشري من تبعات خطيئة أبيهم آدم .. وهو الذي نزل باسم الإله تارة أو ابنه تارة أو ما إلى ذلك من خرافاتهم .. {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ، بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 158 ] فإذا أردت منه شيئاً يسيراً عنه ولادة عيسى عليه السلام .. لربما غضب منك لأنه يعلم أنك تريد تسفيه عقيدته في ابن الإله (حسب زعمهم).. وإذا أردت شيئاً من سيرته لم تسمع من في الخاصة منهم إلاَّ العبارة المشهورة عن المسيح عندهم " إذا صفعك أحدهم على الخد الأيسر فأدر له الخد الأيمن ومن جاءك يريد أخذ شيئاً من مالك فأعطه مالك كله " على أنها لا سند لها من شرع ولا عقل إلاَّ إنها لا تمثل ما عليه واقع حال النصرانية المحرفة أبداً ولا يحفل قسسهم ولا باباوتهم ورهبانهم وساستهم – وبوش الظالم المعتدي على أفغانستان والعراق أكبر مثال – لا يحفلون بهذا النص عن المسيح عندهم ولا يُعملونه في واقعهم، وواقعهم المرّ يشهد بذلك . {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً} [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 171 ] * * * أين المسلمون عن شكر نعمة القدوة المطلقة محمد صلى الله عليه وسلم وأين العمل بسنته والافتخار بها؟ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [سُورَةُ الأَحْزَابِ : 21 ] وبقي أن نعلم أن القدوات ثلاثة .. القدوة المطلقة وهو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والقدوة الثانية : من مات على الإسلام الصحيح من سلف الأمة المخلصين ومن كانت سيرته نبراساً لمن بعده كالصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان .. وعلماء الأمة الأربعة فمن بعدهم وشمسهم الوهاجة شيخ الإسلام بن تيميه .. إلى آخر عالمٍ مات منهم .. بالشرط المتقدم . القدوة الثالثة : من يصلح الاقتداء به في هذا الزمان من الأخيار ، على أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة .. ولله در الشيخ الدكتور عائض القرني على روعة وصفة لقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، في رائعته : تاج المدائح : |
#10
|
||||
|
||||
أنصت لميميةٍ جاءتك من أَمَمِ **** مُدادها من معاني نون والقلم
سالت قريحةُ صبٍّ في محبتكم***** فيضاً تدفق مثل الهاطلِ العممِ كالسيل كالليل كالفجر اللحوح غدا * يطوي الروابي ولا يلوي على الأكم أجش كالرعد في ليل السعود ولا *** يشابه الرعد في بطش وفي غشم كدمع عيني إذا ما عشت ذكركم *** أو خفق قلب بنار الشوق مضطرم يزري بنابغة النعمان رونقها ***** ومن زهير ؟ وماذا قال في هَرِمِ دع سيف ذي يزنٍ صفحاً ومادحه ***** وتبّعاً وبني شداد في إرم ولا تعرج على كسرى ودولته ***** وكل أصْيد أو ذي هالة ٍوكمي وانسخ مدائح أرباب المديح كما ***** كانت شريعته نسخا لدينهم رصّع بها هامة التأريخ رائعة ***** كالتاج في مفرق بالمجد مرتسم فالهجر والوصل والدنيا وما حملت **** وحب مجنون ليلى ضلة لعمي دع المغاني وأطلال الحبيب ولا***** تلمح بعينك برقا لاح في أضم وأنس الخمائل والأفنان مائلة ***** وخيمة وشويهات بذي سلم هنا ضياء هنا ري هنا أمل ***** هنا رواء هنا الرضوان فاستلم لو زينت لامرء القيس انزوى خجلا ***** ولو رآها لبيد الشعر لم يقم ميمية لو فتى بوصير أبصرها ***** لعوذوه برب الحل والحرم سل شعر شوقي أيروي مثل قافيتي *** أو أحمد بن حسين في بني حكم ما زار سوق عكاظ مثل طلعتها***** هامت قلوب بها من روعة النغم أثني على من ؟ أتدري من أبجله ؟ ***** أما علمت بمن أهديته كلمي في أشجع الناس قلبا غير منتقم ***** وأصدق الخلق طرّا غير متهم أبهى من البدر في ليل التمام وقل * أسخى من البحر بل أرسى من العلم أصفى من الشمس في نطق وموعظة ** *أمضى من السيف في حكم وفي حكم أغر تشرق من عينيه ملحمة ***** من الضياء لتجلو الظلم والظلم في همة عصفت كالدهر واتقدت *** كم مزقت من أبي جهل ومن صنم أتى اليتيم أبو الأيتام في قدر ***** أنهى لأمته ما كان من يتم محرر العقل باني المجد باعثنا ***** من رقدة في دثار الشرك واللمم بنور هديك كحلنا محاجرنا ***** لما كتبنا حروفا صغتها بدم من نحن قبلك إلا نقطة غرقت **** في اليم بل دمعة خرساء في القدم أكاد أ***ع الآهات من حُرَقي ***** إذا ذكرتُك أو أرتاعُ من ندمي لما مدحتك خلت النجم يحملني ***** وخاطري بالسنا كالجيش محتدم أقسمتُ بالله أن يشدو بقافية ***** من القريض كوجه الصبح مبتسم صه شكسبير من التهريج أسعدنا **** عن كل إلياذة ما جاء في الحكم الفرس والروم واليونان إن ذكروا ***** فعند ذكراه أسمال على قزم هم نمقوا لوحة للرق هائمة ***** وأنت لوحك محفوظ من التهم أهديتنا منبر الدنيا وغار حرا ***** وليلة القدر والإسراء للقمم والحوض والكوثر الرقراق جئت به*** أنت المزمل في ثوب الهدى فقم الكون يسأل والأفلاك ذاهلة ***** والجن والإنس بين اللاء والنعم والدهر محتفلٌ والجو مبتهج ***** والبدر ينشق والأيام في حلم سرب الشياطين لما جئتنا احترقت **** ونار فارس تخبو منك في ندم وصُفّدَ الظلم والأوثان قد سقطت ***** وماء ساوة لما جئت كالحمم قحطان عدنان حازوا منك عزتهم ***** بك التشرف للتأريخ لا بهم عقود نصرك في بدر وفي أحد ***** وعدلا فيك لا في هيئة الأمم شادوا بعلمك حمراء وقرطبة ***** لنهرك العذب هب الجيل وهو ظمي ومن عمامتك البيضاء قد لبست ***** دمشق تاج سناها غير منثلم رداء بغداد من برديك تنسجه ***** أيدي رشيد ومأمون ومعتصم وسدرة المنتهى أولتك بهجتها ***** على بساط من التبجيل محترم دارست جبريل آيات الكتاب فلم***** ينس المعلم أو يسهو ولم يهم اقرأ ودفترك الأيام خُط به ***** وثيقة العهد يا من بر في القسم قربت للعالم العلوي أنفسنا ***** مسكتنا متن حبل غير منصرم نصرت بالرعب شهرا قبل موقعة *** كأن خصمك قبل الحرب في صمم إذا رأوا طفلا في الجو أذهلهم ***** ظنوك بين بنود الجيش والحشم بك استفقنا على صبح يؤرقه ***** بلال بالنغمة الحرّى على الأطم إن كان أحببت بعد الله مثلك في **** بدو وحضر ومن عرب ومن عجم فلا اشتفى ناظري من منظر حسن *****ولا تفوه بالقول السديد فمي * * * بعد ، فهذه كلمات يسيرة كتبتها على عجل ، أثارها في صدري ما قرأته عن مقارنه الأديان[1] وتخبطاتها حاشا الإسلام. أسأل الله أن يجعلنا من المهتدين المقتدين بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ويرزقنا أتباع سنته وشفاعته يوم القيامة . |
#11
|
||||
|
||||
فلقد كان عليه الصلاة والسلام في صباه يشتغل برعاية الغنم كما هو سنة الأنبياء، لأنّه ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط، وهو عليه الصلاة والسلام القائل: "ما بعث الله نبيًا إلا ورعى الغنم"، فقال له أصحابه رضي الله عنهم: وأنت؟ فقال:، "نعم كنت أرعاها على قراريط [61] لأهل مكة" [62]. وهذا الحديث إنّما يدل على أنّه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على نفسه في فترة مبكرة من عمره. وبجانب رعايته للغنم كان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الشام مع عمّه أبي طالب للتجارة. أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: (خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلمّا أشرفوا على الراهب هبط فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب...) [63]. هذا ما ورد في فترة صباه، وأمّا بعد بلوغه، فقد ورد أيضًا أنّه كان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الشام للتجارة بأموال خديجة رضي الله عنها قبل اقترانه بها. يقول ابن إسحاق: (وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء وتجعله لهم وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظيم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام[64]. فقام صلى الله عليه وسلم بواجبه في التجارة خير قيام حتى كانت سببًا في زواجه إياها إثر رجوعه من ذلك السفر بعدما عرضت نفسها عليه بناء على ما رأته فيه من صدق وأمانة، وما سمعته من ميسرة في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم من خير طوال مرافقته له في تلك الرحلة الميمونة. يقول ابن كثير في السيرة: (فلمّا أخبرها ميسرة ما أخبرها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له فيما يزعمون: يا ابن عم إنّي قد رغبت فيك لقرابتك ووسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت نفسها عليه، فلمّا قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره لأعمامه فخرج معه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها عليه الصلاة والسلام[65]. وبعد اقترانه صلى الله عليه وسلم بخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها استغنى بمالها عن الكسب والضرب في الأرض لأنّه لم يرد في كتب السيرة أنّه زاول نشاطًا اقتصاديًا بعد ذلك بل ورد أنّه كان يذهب إلى غار حراء ليتعبد فيه فترة يرجع بعدها إلى خديجة ليتزود بمثلها حتى جاءه الملك بأول آيات من القرآن وهي صدر العلق من قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] إلى قوله تعالى: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5]. عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: (أول ما بدئ رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك [66] فقال: إقرأ.. إلى قوله: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5]. وهذه هي المراحل التي مر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وقد أشار القرآن الكريم إليها في آيات من سورة الضحى وهي قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:68]. قال قتادة في هذه الآيات: (كانت هذه هي منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل)[67]. وقد ذكر أكثر المفسرين هذه المراحل التي مرّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم عند تفسيرهم هذه الآيات من سورة الضحى إلاّ أنهم يذكرون في كل مرحلة عدة أقوال محتملة ومعان متقاربة لا يتسع لذكرها هذا المقام لأن القصد هنا ليس ذكر أقوال المفسرين قاطبة وإنّما ذكر ما يشير إلى هذه المراحل. وقد لخّص الشهيد سيد قطب معنى هذه الآيات فيقول: (لقد ولدت يتيمًا فآواك إليه وعطف عليك القلوب.. ولقد كنت فقيرًا فأغنى الله نفسك بالقناعة كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك خديجة رضي الله عنها عن أن تحس الفقر أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء. ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد منحرفة السلوك والأوضاع فلم تطمئن روحك إليها ولكنّك لم تكن تجد لك طريقًا واضحًا مطمئنًا لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرّفوا وبدّلوا وانحرفوا وتاهوا ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك وبالمنهج الذي يصلك به)[68]. |
#12
|
||||
|
||||
ويفهم من تفسير سيد قطب للآيات الثلاث من سورة الضحى كغيره من المفسرين أن المراحل الثلاثة ليست على ترتيب الآيات من المصحف حيث أنّ مرحلة الإغناء مقدمة على مرحلة الهداية. يقول الدكتور محمد عزت دروزة ملخصًا ما ذكره المفسرون في هذا الصدد: (إن الآية تحتوي إشارة إلى حادث تيهان وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في طفولته أو في إحدى رحلاته ورووا في ذلك روايات كما قالوا أنّها تعني أنّه كان غافلاً عن الشريعة التي لا تتقرر إلا بالوحي الرباني أو أنّه كان حائرًا في أسلوب العبادة لله ونفوا عنه أي حال أن يكون ضالاً أي مندمجًا في العقائد والتقاليد الشركية والنفس لا تطمئن إلى رواية تيهان النبي صلى الله عليه وسلم مضمونًا وسندًا بل إنّها ليست متسقة مع ما تضمنته الآية من منّ الله على النبي صلى الله عليه وسلم بأعظم أفضاله عليه، وتفسير ضال بحائر يحمل معنى الآية على أنه المقصود الحيرة في الطريق التي يجب أن يسار فيها إلى الله وعبادته على أفضل وجه. وهو المعنى الذي نراه)[69]. والحكمة في تلك المراحل التي مرّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم هو أنّ الله سبحانه وتعالى كان يدربه حتى يكون مهيأ ومؤهلاً لحمل عبء الرسالة الخاتمة وإبلاغها إلى الناس المنغمسين في بحر من الفساد في كل ناحية من نواحي الحياة حتى يصدق عليهم قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41]. يقول صاحب كتاب "دراسة في السيرة" مشيرًا إلى الحكمة من تلك المراحل: "ومن مرارة اليتم ووحشية العزلة وانقطاع معين العطف والحنان قبس الرسول صلى الله عليه وسلم الصلابة والاستقلال والقدرة على التحمل... وبالفقر والحرمان تربى ونما بعيدًا عن ترف الغنى وميوعة الدلال.. وعبر رحلته إلى الشام في رعاية عمّه فتح الرسول صلى الله عليه وسلم عينيه ووعيه تجاه العالم الذي يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات المدنية التي تضطرب نشاطًا وقلقًا... وفي رحلته الثانية إلى الشام مسؤولاً عن تجارة للسيدة خديجة تعلّم الرسول الكثير الكثير عمّق في حسّه معطيات المرحلة الأولى وزاد عليها إدراكًا أكثر لما يحدث في أطراف عالمه العربي من علاقات بين الغالب والمغلوب... كما علمه الانشقاق الأخلاقي عن الوضع المكي القدرة على مجابهة الأحداث[70]. المبحث الثالث سمو صفاته صلى الله عليه وسلم وأخلاقه: نشأ الرسول صلى الله عليه وسلم في بيئة وثنية يعبد أهلها الأصنام والأوثان، ويستعبد القوي منهم الضعيف حتى أصبح الظلم شيئًا معروفًا كما تنبئ به أشعارهم المأثورة كقول زهير بن أبي سلمى: ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم[71] إضافة إلى ما كانوا عليه من فساد في العادات والسلوك مثل وأد البنات خوفًا من العار والفقر، وأكل أموال اليتامى بحجة أنهم ضعفاء لا يستطيعون حمل السلاح والدفاع عن القبيلة، وأكل الربا واستحلاله راضين بذلك حتى اشتهر فيهم تعريف البيع به كما حكى لنا القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة:275]. وقد وصف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي ملك الحبشة أثناء الهجرة الثانية إلى الحبشة أحوال المجتمع المكي آنذاك وصفًا دقيقًا فقال: "أيها الملك، كنّا أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسبي الجوار، ويأكل القوي منّا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وأمانته وعفافه، فدعا إلى توحيد الله وأن لا نشرك به شيئًا ونخلع ما كنّا نعبد من الأصنام، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل أموال اليتيم..."[72]. هكذا كانت حالة المجتمع المكي آنذاك ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برعاية من الله لم يتأثر ببيئته مع اشتراكه في بعض الأعمال مع قومه لأنّها كانت أعمالاً لا تخدش نبله أو لا تسيء إلى سمعته، وأخلاقه الطيبة. نذكر في هذا الصدد ما روي من الأعمال التي اشترك فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه. فلقد اشترك الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في حلف الفضول الذي وقع بين بطون من قريش لرد المظالم إلى أهلها. يروي ابن هشام بسنده عن ابن إسحاق قال[73]: "تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جُدعان لشرفه وسنه... فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا في مكة مظلومًا من أهلها وغيرهم ممّن دخلها من سائر الناس إلاّ قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول"[74]. ويقول ابن كثير رحمه الله بعد إيراده ذلك الحلف: "وكان حلف الفضول أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب"[75]. |
#13
|
||||
|
||||
وعلى هذا فكان اشتراكه صلى الله عليه وسلم في ذلك الحلف أمرًا ذا أهمية كبيرة لأنّ ردّ المظالم إلى أهلها أمر هام وقد جاء به الإسلام فيما بعد ولهذا أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك الحلف بعد البعثة، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جُدعان حلفًا ما أحب لي به حمر النعم ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت"[76]. ومن الأعمال التي اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه قبل البعثة، حرب الفِجار التي وقعت وعمره صلى الله عليه وسلم عشرون سنة كما ذكر ابن إسحاق صاحب السيرة[77]. وسبب ذلك الحرب [78] كما ذكر ابن هشام في سيرته أنّ عروة الرحال بن عتبة من هوازن أجار لطيمة [79] للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس أحد بني ضمرة: أتجيرها في كنانة؟ قال: نعم وعلى الخلق فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض لطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض ف***ه في الشهر الحرام فلذلك سمي حرب الفجار[80]. وكانت دوره صلى الله عليه وسلم في تلك الحرب أن يرد على أعمامه نبل عدوهم إذا رموهم بها؛ لأنّه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كنت أنبل على أعمامي"[81]. وفي اشتراكه صلى الله عليه وسلم في تلك الحرب ما يبرره وهو أنّ القتال لم يكن جائزًا في الأشهر الحرم زمن الجاهلية حتى أنّهم إذا أرادوا القتال في الأشهر الحرم أخّروها إلى شهر آخر لكي يستحلوا فيها القتال كما بينها الله سبحانه وتعالى في القرآن معيبًا عليهم: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة:37]. وعلى هذا فما دامت تلك الحرب دفاعًا عن انتهاك حرمة الأشهر الحرم فلا بأس في اشتراكه صلى الله عليه وسلم فيها. وقد أقر الله ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36]. ومن الأعمال التي اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه قبل البعثة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة حين بناء قريش لها بعد ما اختلفت بطونها في ذلك حيث كانت كل قبيلة تريد أن تنفرد بمزية وضع الحجر الأسود في مكانه وكادوا أن يقتتلوا لولا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه فيهم حكمًا يرضى كل الأطراف المتنازعة على ذلك. عن عبد الله بن السائب قال: كنت فيمن بنى البيت وأخذت حجرًا فسويته ووضعته إلى جنب البيت.. وأن قريشًا اختلفوا في الحجر حيث أرادوا أن يضعوه حتى كاد أن يكون بينهم قتال بالسيوف فقال: اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين وكانوا يسمونه في الجاهلية الأمين، فقالوا: يا محمد قد رضينا بك فدعا بثوب فبسطه ووضع الحجر فيه ثم قال لهذا البطن، ولهذا البطن، غير أنّه سمى بطونًا: "ليأخذ كل بطن منكم بناحية من الثوب" ففعلوا ثم رفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه بيده[82]. واشتراكه صلى الله عليه وسلم في هذا العمل يظهر مدى فطانته ورجاحة عقله حيث حل المشكلة بسهولة ويسر بعدما كادت أن تؤدي إلى إسالة الدماء والحرب كما أنّه يدل على مكانته صلى الله عليه وسلم عند قومه بحيث إنّهم رضوا بحكمه دون تردد. هذه هي أهم الأعمال التي وردت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اشترك فيها قبل البعثة مع قومه، وكلها كما ذكرت سابقًا من أعالي الأمور ومن مكارم الأخلاق التي من شأنها أن ترفع مكانته وشأنه وبخاصة إذا علم أن بيئته قد عم فيها الفساد وانتشرت فيها الرذائل التي عصمه الله سبحانه وتعالى منها وأبعده عنها لينشأ خاليًا من الدنايا والشوائب. |
#14
|
||||
|
||||
يؤيد ذلك ما رواه أبو نعيم بسنده عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون بها إلا مرتين الدهر كلتاهما يعصمني الله عز وجل منها، قلت ليلة لفتى من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهلنا نرعاها: أنظر غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان قال: نعم، فخرجت فجئت أدنى دار من دور مكة فسمعت غناء وضرب دفوف وزمرًا فقلت ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج فلانة المرجل من قريش, فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسَّ الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فأخبرته ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ففعل فخرجت فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني فما أيقظني إلا مسّ الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله ما هممت بعدهما بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته"[83]. وهذا الحديث دليل واضح على بعده صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن أمور الجاهلية التي كانت سائدة آنذاك في المجتمع المكي ومن حوله بعناية من الله سبحانه وتعالى وبجانب ذلك كان صلى الله عليه وسلم متصفًا بصفات فاضلة وأخلاق حميدة أقر له بها المؤيدون والمعاندون على السواء. وقد أوجزت لنا خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها صفاته وأخلاقه بقولها بعد فزعه إليها من شدة بدء الوحي: "كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا فوالله إنك تصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل [84] وتكسب المعدوم [85] وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.."[86]. وخديجة رضي الله عنها أقرب شخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تصفه بهذه الصفات بناء على تجربة دقيقة وممارسة طويلة ابتداء من ائتمانها له أن يتاجر في مالها ثم اقترانها به ومعاشرته فترة تبلغ خمس عشرة سنة. وهذه شهادة من جانب أحد المؤمنين بدعوته صلى الله عليه وسلم وهى شهادة حق وصدق أقر بها وبحقيقتها من لم يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا بدعوته. من ذلك ما أخرجه الشيخان بسندهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف "يا صباحاه"، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ "قالوا: ما جربنا عليكَ كذبًا، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" قال أبو لهب: تبًا لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قام: فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1][87]. ففي قولهم: ما جربنا عليك كذبًا دليل واضح على اتصافه صلى الله عليه وسلم بالصدق التام قبل الرسالة بشهادة أعدائه الذين وقفوا في وجه نشر الدعوة الإسلامية. وهذه الشهادة قد صدرت من مجموع المشركين ومثلها صدرت من أفرادهم، وقد قالها أبو سفيان رضي الله عنه وهو مشرك عند هرقل ملك الروم الذي وجه إليه عدة أسئلة تتعلق بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم من بينها قول هرقل: "فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ "قلت: لا، ثم قال هرقل: في آخر القصة لأبي سفيان: وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب ويكذب على الله"[88]. تلك شهادة الخصوم والمؤمنين تنطق صريحة في أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكذب أبدًا قبل البعثة، بل كان صادقًا دائمًا. والصدق أساس الفضائل الأخلاقية وعنوان الإنسانية الكريمة، وقد انطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل الله تعالى. وكما اتصف صلى الله عليه وسلم بالصدق اتصف بكل مكارم الأخلاق ومنها الأمانة. وخير ما يدل على ذلك قصة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة أثناء تجديد بنائها حينما اختلفت قريش في ذلك حيث أتفقوا على تحكيم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمونه في الجاهلية الأمين فقالوا: "قد دخل الأمين، فقالوا يا محمد رضينا بك"[89]. وهذه شهادة صدرت من مجموع المشركين وإن لم يكن بينه وبينهم عداوة حين نطقوا بذلك القول لأنّ ذلك كان قبل البعثة إلا أنّها تشهد على اتصافه صلى الله عليه وسلم بالأمانة حتى أصبحت لقبًا له. وعلى هذا نجزم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متصفًا بصفات فاضلة وأخلاق حميدة قبل البعثة اعترف بها أعداؤه وآمن بها أصحابه مع شيوع الظلم والعدوان وسوء الأخلاق في المجتمع المكي يومذاك. وذلك بفضل الله وعنايته ورعايته. وأمّا بعد البعثة فقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما ورد في حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حيث قالت: "... فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن"[90]. |
#15
|
||||
|
||||
وهذه الأخلاق الكريمة كانت سببًا في تقريب قلوب أصحابه رضوان الله عليهم له ولولا اتصافه بها لما تمكن من تأثير دعوته عليهم وخاصة في أيامها الأولى في مكة. وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى تأثير اتصافه صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة على أصحابه رضوان الله عليهم بقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران:159]. وكما أن الأخلاق الفاضلة لها تأثير كبير على الأصحاب كذلك أيضًا لها تأثير كبير على الأعداء كما يدل عليه قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:3435]. وقد شهد الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالخلق العظيم بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. ـــــــــــــــ الهوامش: [1] ينكتها بتاء مثناة من فوق في رواية مسلم والصواب ينكبها بباء موحدة كما قال القاضي عياض ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيرًا إليهم من نكب كنانته إذا قلبها. وهكذا في شرح النووي على صحيح مسلم (8/184)، ويشهد له رواية أبي داود وابن ماجة حيث وردت فيها بالباء الموحدة. انظر سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/85)، وسنن ابن ماجة، كتاب المناسك، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/1025). [2] صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. [3] التفسير الكبير للأمام فخر الدين الرازي (9/78). [4] هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة (395هـ). انظر ترجمته في بغية الدعاة للسيوطي (1/352). [5] معجم مقاييس اللغة (1/7485). [6] هو محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري الأفريقي ثم المصري جمال الدين أبو الفضل المتوفى سنة (711هـ). انظر ترجمته في بنية الوعاة (1/248). [7] لسان العرب (1/206). [8] هو أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي المتوفى سنة (465هـ)، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/308). [9] شرح أدب الكتب للجواليقي (13). [10] معجم متن اللغة (1/153). [11] هو إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى سنة (393هـ)، وقيل: في حدود الأربعمائة. انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/446447). [12] الصحاح: (1/86). [13] أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن هذيل، من أعيان القرن الثامن. [14] عين الأدب: (95). [15] شرح أدب الكاتب: (13). [16] هو علي بن محمد الشريف الجرجاني المتوفى سنة (816هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/196، 197). [17] كتاب التعريفات: (14). [18] هو الإمام العلامة زين الدين بن إبراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم المتوفى سنة (969هـ). [19] البحر الرائق شرح كنز الدقائق: (6/377). [20] آداب المجتمع في الإسلام: (910). [21] مدارج السالكين: (2/381). [22] مدارج السالكين: (2/387). [23] رواه الإمام مالك بلاغًا في الموطأ (2/899) وقال الألباني في تعليقاته على مشكاة المصابيح (1/66) له شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الحاكم. [24] من الإطراء: وهو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (3/123). [25] صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها.) (2/256). [26] انظر تفسير ابن كثير (1/190). [27] خصائص التصور الإسلامي (ص:25). [28] المصدر السابق (ص:26). [29] تفسير القرآن العظيم (1/588). [30] البخاري كتاب التفسير باب قوله: (ولا تقربوا الفواحش) (3/129). ومسلم كتاب التوبة باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (4/2114) واللفظ لمسلم. [31] البخاري كتاب المناقب باب خاتم النبيون (2/270). [32] روح المعاني (8/2122). [33] انظر الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها للدكتور أحمد غلوش (ص:114). [34] انظر الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها للدكتور أحمد غلوش (ص:114). [35] العقيدة والأخلاق وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع (ص:240) البخاري كتاب المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (2/272) [36] تفسير ابن كثير (4/427). [37] على الفطرة: على معرفة الله فلست واحدًا أحدًا إلا ويقر بأن له صانعًا وإن سمّاه بغير اسمه أو عبد غيره. غريب الحديث لابن الجوزي (2/199). [38] جدعاء: أي مقطوعة الأطراف. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/247). [39] صحيح مسلم كتاب القدر باب معنى: (كل مولود على الفطرة وحكم أطفال الكفار وأطفال المسلمين (4/2047). [40] الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها (ص:114). |
العلامات المرجعية |
|
|