ليلة هاربة من ليلها (قصيدة)

[abomokhtar]

ليلةٌ هاربةٌ مِن ليلِها
تَرَكَتهُ راتعًا في حندسِ
ذات حُسنٍ أنجم زيَّنها
حُلَّةٌ من نورِ بدرٍ تَكتسي
أقبلت فيها سُموٌّ والسَّنا
تَطْرقُ البابَ على ذا المبلسِ
ما بها حرٌّ ولا بردٌ يُرى
بلْ نسيمٌ كحريرِ السُّندسِ
والورى حينئذٍ في رَقدةٍ
وهدوءٌ عمَّ أزكى الأنْفسِ
إنَّ بعضَ الناسِ يلهو غفلةً
إنَّ لهوَ النفسِ أردى مرْكسِ
ليلُهم يَمضي وهم بينَ الغنا
وفراشٍ ذي هناءٍ أَملسِ
أبحرَ المحزونُ فيها ساجدًا
في سجودِ الليل عزُّ الأَرْؤُسِ
يَحمدُ اللهَ على توفيقهِ
لدعاءٍ في الزمانِ الأنْفَسِ
سائلًا خالقَهُ من فضلهِ
من ينادِ اللهَ صدقًا يلمسِ
إنَّ حزنَ المرءِ قتَّالٌ إذا
باغتَ القلبَ فلا لا تُفْرِسِ
إنْ دهاكَ الهمُّ عالجْ بدْءَهُ
إن تَدَعْ جُرحًا صغيرًا يَمأسِ
أكرِم الآمالَ إن مرَّت هنا
وخُذ الإبلاس حالًا وارْمسِ
ليلةٌ صارتْ نهارًا حينها
وتراءتْ خيرَ حينٍ مؤنسِ
أفصحتْ عما مضى من أمرِها
وضياءُ الفجرِ لَمَّا يَهمسِ
قلبك اطلبْ في ليالي خلوةٍ
وقيادَ النفسِ دومًا أَسلسِ
مَن يُرِدْ عفوَ كريمٍ يَرْجُهُ
مَن يناجِ اللهَ خوفًا يَأْنَسِ
يجعل الصبرَ زمام النفس إنْ
جَمحتْ نفسٌ جموحَ الأفرسِ
أشمسُ الكون بلا شمسٍ بدتْ
ثم نادى الرُّوح هيَّا أشمسي
إنَّما الذكرُ غراسُ المتقي
جنَّةُ الرحمنِ أرجى مغرسِ
قد علمتُم أنهُ الشيطان إنْ
يذكُر الرحمنَ قلبٌ يخنسِ
ما هناءُ الرُّوحِ إلا بالتُّقى
ثم أنت الحرُّ أو في المحبسِ
ما حياةُ المرءِ إلا رحلةٌ
زادهُ فيها ثباتُ الأحوسِ
إن تُرِد عيشًا رغيدًا طيبًا
للإله العيشَ دومًا كرِّسِ
كيف يَشكو المرءُ حظًّا عاصيًا
ذاك فعلٌ لائقٌ بالمفلسِ
صحَّ في الأذهان قطعًا أنهُ
مَن يُرِدْ أمنًا عميمًا يحرسِ
قطعة من زَمَن كانت تُرى
أيها الكيِّسُ لا تَستيئسِ

نبيه عبد المنعم