|
#1
|
|||
|
|||
الكليم و -هلاك فرعون وجنوده
الكليم و -هلاك فرعون وجنوده 1- لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم، متابعة لملكهم فرعون، ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام، وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة، وأراهم من خوارق العادات ما بهر الابصار وحير العقول، وهم مع ذلك لا يرعون ولا ينتهون ولا ينزعون ولا يرجعون، ولم يؤمن منهم إلا القليل. قيل ثلاثة وهم إمرأة فرعون، ولا علم لاهل الكتاب بخبرها، ومؤمن آل فرعون، الذي تقدمت حكاية موعظته ومشورته وحجته عليهم، والرجل الناصح، الذي جاء يسعى من أقصى المدينة فقال: (يا موسى إن الملا يأتمرون بك لي***وك فاخرج إني لك من الناصحين) قاله ابن عباس ومراده غير السحرة فإنهم كانوا من القبط * وقيل بل آمن طائفة من القبط من قوم فرعون والسحرة كلهم وجميع شعب بني إسرائيل.ويدل على هذا قوله تعالى (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الارض وإنه لمن المسرفين) [ يونس: 83 ] فالضمير في قوله (إلا ذرية من قومه) عائد على فرعون (قال القرطبي: عن ابن عباس: من قومه: يعني من قوم فرعون، منهم مؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأته وماشطة ابنته وامرأة خازنه.وقيل: هم أقوام أباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل فسموا ذرية.قال الفراء: وعلى هذا فالكفاية في قومه: ترجع إلى موسى للقرابة من جهة الامهات، وإلى فرعون إذا كانوا من القبط) لان السياق يدل عليه. وإيمانهم كان خفية لمخافتهم من فرعون وسطوته وجبروته وسلطته ومن ملائهم أن ينموا عليهم إليه فيفتنهم عن دينهم قال الله تعالى مخبرا عن فرعون وكفى بالله شهيدا (وإن فرعون لعال في الارض) أي جبار عنيد مستعل بغير الحق (وإنه لمن المسرفين) (قال القرطبي: أي المجاوزين الحد في الكفر، لانه كان عبدا فادعى الربوبية.) أي في جيمع أموره وشئونه وأحواله ولكنه جرثومة قد حان إنجعافها (استئصالها وإهلاكها) وثمرة خبيثة قد آن قطافها ومهجة ملعونة قد حتم اتلافها.وعند ذلك قال موسى (يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين. فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين.ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) [ يونس: 84 - 86 ] يأمرهم بالتوكل على الله والاستمالة به والالتجاء إليه فأتمروا بذلك فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجا ومخرجا. 2-(وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين) [ يونس: 87 ] أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذوا لقومهما بيوتا متميزة فيما بينهم عن بيوت القبط ليكونوا على أهبة في الرحيل إذا أمروا به ليعرف بعضهم بيوت بعض وقوله (واجعلوا بيوتكم قبلة) قيل مساجد، وقيل معناه كثرة الصلاة فيها، ومعناه على هذا الاستعانة على ما هم فيه من الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة كما قال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) [ البقرة: 45 ] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. وقيل معناه أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم فأمروا أن يصلوا في بيوتهم عوضا عما فاتهم من إظهار شعار الدين الحق في ذلك الزمان الذي اقتضى حالهم اخفاءه خوفا من فرعون وملائه.والمعنى الاول أقوى لقوله (وبشر لمؤمنين) وإن كان لا ينافي الثاني أيضا والله أعلم. 3-وقال سعيد بن جبير (واجعلوا بيوتكم قبلة) أي متقابلة (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم.قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) [ يونس: 88 - 89 ] هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون غضبا عليه لتكبره عن اتباع الحق، وصده عن سبيل الله، ومعاندته وعتوه وتمرده واستمراره على الباطل، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي والبرهان القطعي فقال (ربنا إنك آتيت فرعون وملاه) يعني قومه من القبط ومن كان على ملته ودان بدينه (زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) أي وهذا يغتر به من يعظم أمر الدنيا، فيحسب الجاهل أنهم على شئ لكون هذه الاموال وهذه الزينة من اللباس والمراكب الحسنة الهنية، والدور الانيقة، والقصور المبنية، والمآكل الشهية، والمناظر البهية، والملك العزيز، والتمكين والجاه العريض في الدنيا لا الدين (ربنا اطمس على أموالهم) قال ابن عباس ومجاهد أي أهلكها [ حتى لا ترى ] و اجعلها حجارة منقوشة كهيئة ما كانت، وقال قتادة: بلغنا أن زروعهم [ وأموالهم ] صارت حجارة. وقال أيضا صارت أموالهم كلها حجارة. ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال عمر ابن عبد العزيز لغلام له: قم ايتني بكيس، فجاءه بكيس فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة وقوله (واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم) [ يونس: 88 ] قال ابن عباس: أي أطبع عليها (أطبع عليها حتى لا تنشرح للايمان، وبمعنى آخر أي أمنعهم الايمان أطبع عليها حتى لا تنشرح للايمان، وبمعنى آخر أي أمنعهم الايمان)، وهذه دعوة غضب لله تعالى، ولدينه، ولبراهينه. فاستجاب الله تعالى لها وحققها وتقبلها، كما استجاب لنوح في قومه حيث قال (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا.إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) [ نوح: 26 - 27 ] ولهذا قال تعالى مخاطبا لموسى حين دعا على فرعون وملائه وأمن () كان الذي دعا موسى، وأمن هارون، والتأمين على الدعاء أن يقول: آمين، فقولك آمين دعاء أي رب استجب لي) أخوه هارون على دعائه فنزل ذلك منزلة الداعي أيضا (قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) [ يونس: 89 ] 4-قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج، وتأهبوا له وإنما كان في نفس الامر، مكيدة بفرعون وجنوده ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم وأمرهم الله تعالى فيما ذكره أهل الكتاب أن يستعيروا حليا منهم فأعاروهم شيئا كثيرا فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم طالبين بلاد الشام فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق واشتد غضبه عليهم، وشرع في استحثاث جيشه، وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم، 4-قال الله تعالى (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون.فارسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني اسرائيل فاتبعوهم مشرقين.فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون. قال كلا إن معي ربي سيهدين.فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم.وأزلفنا ثم الآخرين.وأنجينا موسى ومن معه أجمعين.ثم أغرقنا الآخرين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين.وإن ربك لهو العزيز الرحيم) [ الشعراء: 52 - 68 ] قال علماء التفسير: لما ركب فرعون في جنوده طالبا بني إسرائيل يقفو أثرهم كان في جيش كثيف عرمرم حتى قيل كان في خيوله مائة ألف فحل (هنا: من الخيل، ولم يكن معه من الخيل أنثى بل ذكورها) أدهم، وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف فالله أعلم. وقيل إن بني إسرائيل كانوا نحوا من ستمائة ألف مقاتل غير الذرية وكان بين خروجهم من مصر صحبة موسى عليه السلام ودخولهم إليها صحبة أبيهم إسرائيل أربعمائة سنة وستا وعشرين سنة شمسية والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود فأدركهم عند شروق الشمس وتراءى الجمعان ولم يبق ثم ريب ولا لبس وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه ولم يبق إلا المقاتلة المجادلة والمحاماة فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون إنا لمدركون وذلك لانهم اضطروا في طريقهم إلى البحر فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه.وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة وفرعون قد غالقهم وواجههم وعاينوه في جنوده وجيوشه وعدده وعدده وهم منه في غاية الخوف والذعر لما قاسوا في سلطانه من الاهانة والمنكر فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه فقال لهم الرسول الصادق المصدوق (كلا إن معي ربي سيهدين) وكان في الساقة فتقدم إلى المقدمة ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه ويتزايد أجاجه وهو يقول: ههنا أمرت ومعه أخوه هرون ويوشع بن نون، وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل، وعلمائهم، وعبادهم الكبار، وقد أوحى الله إليه وجعله نبيا بعد موسى وهرون عليهما السلام، كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله * 5-ومعهم أيضا مؤمن آل فرعون وهم وقوف وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف * ويقال إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مرارا في البحر هل يمكن سلوكه، فلا يمكن ويقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله أههنا أمرت ؟ فيقول نعم. فلما تفاقم الامر، وضاق الحال، واشتد الامر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم: وحدهم وحديدهم وغضبهم وحنقهم، وزاغت الابصار، وبلغت القلوب الحناجر، فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير رب العرش الكريم إلى موسى الكليم (أن أضرب بعصاك البحر) فلما ضربه يقال إنه قال له: انفلق باذن الله، فالله أعلم، قال الله تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) [ الشعراء: 63 ] ويقال: إنه انفلق اثنتي عشرة طريقا لكل سبط (كان بنو إسرائيل اثني عشر سبطا.والجمع أسباط) طريق يسيرون فيه حتى قيل إنه صار أيضا شبابيك ليرى بعضهم بعضا، وفي هذا نظر، لان الماء جرم شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه.وهكذا كان ماء البحر قائما مثل الجبال مكفوفا بالقدرة العظيمة الصادرة من الذي يقول للشئ كن فيكون.وأمر الله ريح الدبور (الريح الغربية) فلقحت حال (الطين الاسود الذي يكون في أرضه. ) البحر فأذهبته حيت صار يابسا لا يعلق في سنابك الخيول والدواب. 6-قال الله تعالى (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى.فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى) [ طه: 77 - 79 ] والمقصود أنه لما آل أمر البحر إلى هذه الحال بإذن الرب العظيم، الشديد المحال، أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين، مستبشرين مبادرين، وقد شاهدوا من الامر العظيم ما يحير الناظرين، ويهدي قلوب المؤمنين، فلما جاوزوه وجاوزه وخرج آخرهم منه، وانفصلوا عنه، كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ووفودهم عليه، فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه.ولا سبيل عليه فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال، كما قال وهو الصادق في المقال (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم أن أدوا إلى عباد الله إني لكم رسول أمين.وان لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين.واني عذت بربي وربكم أن ترجمون.وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون.فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون.فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون. كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين.كذلك وأورثناها قوما آخرين.فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين.ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين.من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين.ولقد اخترناهم على علم على العالمين وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) [ الدخان: 17 - 23 ] فقوله تعالى (وأترك البحر رهوا) أي ساكنا على هيئته لا تغيره عن هذه الصفة، قاله عبد الله بن عباس فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون فرأى ما رأى وعاين ما عاين.هاله هذا المنظر العظيم، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك، من أن هذا من فعل رب العرش الكريم فأحجم (فخاف) ولم يتقدم، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه، حيث لا ينفعه الندم لكنه أظهر لجنوده تجلدا وعاملهم معاملة العدا، وحملته النفس الكافرة، والسجية الفاجرة، على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه، وعلى باطله تابعوه ، أنظروا كيف أنحسر البحر لي لادرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن طاعتي، وبلدي، وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم، ويرجو أن ينجو، وهيهات ويقدم تارة ويحجم تارات.فذكروا أن جبريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة (: الفرس التي لم تلد.) حايل فمر بين يدي فحل فرعون لعنه الله، فحمحم إليها، وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين يديه، فاقتحم البحر واستبق الجواد وقد أجاد فبادر مسرعا ; هذا وفرعون لا يملك من نفسه ضرا ولا نفعا فلما رأته الجنود قد سلك البحر، اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا في البحر أجمعين أكتعين أبصعين، حتى هم أولهم بالخروج منه، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه، فيما أوحاه إليه أن يضرب البحر بعصاه فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان، فلم ينج منهم إنسان قال الله تعالى (وأنجينا موسى ومن معه أجمعين. ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين.وإن ربك لهو العزيز الرحيم) [ يونس: 90 - 92 ] أي في انجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد، وإغراقه أعداءه، فلم يخلص منهم أحد، آية عظيمة، وبرهان قاطع، على قدرته - تعالى - العظيمة.وصدق رسوله فيما جاء به عن ربه من الشريعة الكريمة، والمناهج المستقيمة، 7-وقال تعالى (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعه فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وأن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) [ الشعراء: 65 - 68 ] 1-يخبر تعالى عن كيفية غرق فرعون، زعيم كفرة القبط، وأنه لما جعلت الامواج تخفضه تارة، وترفعه أخرى، وبنو إسرائيل ينظرون إليه، وإلى جنوده، ماذا احل الله به، وبهم من الباس العظيم، والخطب الجسيم، ليكون أقر لاعين بني إسرائيل، وأشفى لنفوسهم، فلما عاين فرعون الهلكة وأحيط به، وباشر سكرات الموت أناب حينئذ وتاب، وآمن حين لا ينفع نفسا إيمانها كما قال تعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم) [ يونس: 96 - 97 ] وقال تعالى (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) [ غافر: 84 - 85 ] وهكذا دعا موسى على فرعون وملئه أن يطمس على أموالهم ويشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا (حتى يروا العذاب الاليم) أي حين لا ينفعهم ذلك ويكون حسرة عليهم وقد قال تعالى لهما أي لموسى وهرون حين دعوا بهذا (قد أجيب دعوتكما) فهذا من إجابة الله تعالى دعوة كليمه وأخيه هرون عليهما السلام. 2-ومن ذلك الحديث الذي رواه الامام أحمد: ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال فرعون (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) قال: " قال لي جبريل لو رأيتنني وقد أخذت من حال البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة " الترمذي حديث حسن. 3-وقال ابن عباس : لما أغرق الله فرعون أشار بإصبعه ورفع صوته (آمنت انه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) قال: فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه، فجعل يأخذ الحال بجناحيه، فيضرب به وجهه فيرمسه (يدفنه) * 4- وفي بعض الروايات: إن جبريل قال: ما بغضت أحدا بغضي لفرعون حين قال: أنا ربكم الاعلى ولقد جعلت أدس في فيه الطين حين قال ما قال.وقوله تعالى (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) إستفهام إنكار ونص على عدم قبوله تعالى منه ذلك لانه - والله أعلم: لو رد إلى الدنيا كما كان لعاد إلى ما كان عليه، كما أخبر تعالى عن الكفار إذا عاينوا النار وشاهدوها أنهم يقولون (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) [ الانعام: 27 ] قال الله (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) [ الانعام: 28 ] 5-وقوله (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلقك آية) [ يونس: 92 ] قال ابن عباس وغير واحد: شك بعض بني إسرائيل في موت فرعون حتى قال بعضهم: إنه لا يموت، فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع.قيل على وجه الماء وقيل على نجوة من الارض وعليه درعه التي يعرفونها من ملابسه ليتحققوا بذلك هلاكه ويعلموا قدرة الله عليه.ولهذا قال (فاليوم ننجيك ببدنك) أي مصاحبا درعك المعروفة بك (لتكون) أي أنت آية (لمن خلفك) أي من بني إسرائيل (زاد في القرطبي: ولمن بقي من قوم فرعون ممن لم يدركه الغرق ولم ينته إليه هذا الخبر) دليلا على قدرة الله الذي أهلكه.ولهذا قرأ بعض السلف لتكون لمن خلقك آية.ويحتمل أن يكون المارد ننجيك مصاحبا لتكون درعك علامة لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وإنك هلكت والله أعلم. 6-وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء، كما قال الامام البخاري في صحيحه: عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء.فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون.قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنتم أحق بموسى منهم فصوموا " والله أعلم. -[ فيما كان من ] أمر بني اسرائيل بعد هلاك فرعون 1-قال الله تعالى: (فانتقمنا منهم فاغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين.وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون.وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم .قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون.إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون.قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين.وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ي***ون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) [ الاعراف: 136 - 141 ] يذكر تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده في غرقهم وكيف سلبهم عزهم وما لهم وأنفسهم وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم كما قال (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) [ الشعراء: 59 ] وقال (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) وقال ههنا (وأرثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) [ الاعراف: 137 ] أي أهلك ذلك جميعه وسلبهم عزهم العزيز العريض في الدنيا وهلك الملك وحاشيته وامراؤه وجنوده ولم يبق ببلد مصر سوى العامة والرعايا.فذكر ابن عبد الحكم في تاريخ مصر أنه من ذلك الزمان تسلط نساء مصر على رجالها بسبب أن نساء الامراء والكبراء تزوجن بمن دونهن من العامة فكانت لهن السطوة عليهم واستمرت هذه سنة نساء مصر إلى يومنا هذا . 2-وعند أهل الكتاب: أن بني إسرائيل لما أمروا بالخروج من مصر، جعل الله ذلك الشهر أول سنتهم، وأمروا أن ي*** كل أهل بيت حملا من الغنم، فإن كانوا لا يحتاجون إلى حمل فليشترك الجار وجاره فيه فإذا ***وه فلينضحوا من دمه على أعتاب أبوابهم ليكون علامة لهم على بيوتهم ولا يأكلونه مطبوخا ولكن مشويا برأسه وأكارعه وبطنه ولا يبقوا منه شيئا ولا يكثروا له عظما ولا يخرجوا منه شيئا إلى خارج بيوتهم، وليكن خبزهم فطيرا سبعة أيام، ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الاول من سنتهم، وكان ذلك في فصل الربيع، فإذا أكلوا فتكن أوساطهم مشدودة، وخفافهم في أرجلهم، وعصيهم في أيديهم، وليأكلوا بسرعة قياما.ومهما فضل عن عشائهم فما بقي إلى الغد فليحرقوه بالنار، وشرع لهم هذا عيدا لاعقابهم ما دامت التوراة معمولا بها، فإذا نسخت بطل شرعها وقد وقع. قالوا و*** الله عزوجل في تلك الليلة أبكار القبط وأبكار دوابهم ليشتغلوا عنهم وخرج بنو إسرائيل حين انتصف النهار وأهل مصر في مناحة عظيمة على أبكار أولادهم، وأبكار أموالهم، ليس من بيت إلا وفيه عويل.وحين جاء الوحي إلى موسى خرجوا مسرعين، فحملوا العجين قبل اختماره، وحملوا الازواد في الاردية، وألقوها على عواتقهم * وكانوا قد استعاروا من أهل مصر حليا كثيرا فخرجوا وهم ستمائة ألف رجل سوى الذراري بما معهم من الانعام وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمائة سنة وثلاثين سنة.ص كتابهم. وهذه السنة عندهم تسمى سنة الفسخ وهذا العيد عيد الفسخ.ولهم عيد الفطير وعيد الحمل وهو أول السنة * وهذه الاعياد الثلاثة آكد أعيادهم منصوص عليها في كتابهم، ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف (روى الطبري عن عروة بن الزبير عن أبيه أن الله أمر موسى أن يحتمل معه يوسف حتى يضعه بالارض، فاستخرج موسى تابوت يوسف - في ناحية من النيل - صندوقا من مرمر) عليه السلام وخرجوا على طريق بحر سوف. وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم فيه عامود نور وبالليل أمامهم عامود نار فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر فنزلوا هنالك وأدركهم فرعون وجنوده من المصريين وهم هناك حلول على شاطئ اليم فقلق كثير من بني إسرائيل حتى 3- قال قائلهم: كان بقاؤنا بمصر أحب إلينا من الموت بهذه البرية. وقال موسى عليه السلام لمن قال هذه المقالة: لا تخشوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا.قالوا: وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه وأن يقسمه ليدخل بنو إسرائيل في البحر واليبس. وصار الماء من ههنا وههنا كالجبلين وصار وسطه يبسا لان الله سلط عليه ريح الجنوب والسموم فجاز بنو إسرائيل البحر، واتبعهم فرعون وجنوده، فلما توسطوه أمر الله موسى فضرب البحر بعصاه، فرجع الماء كما كان عليهم. 4-لكن عند أهل الكتاب أن هذا كان في الليل وأن البحر ارتطم عليهم عند الصبح وهذا من غلطهم وعدم فهمهم في تعريبهم والله أعلم. قالوا ولما أغرق الله فرعون وجنوده حينئذ سح موسى وبنو إسرائيل بهذا التسبيح للرب وقالوا: نسبح الرب البهي، الذي قهر الجنود، ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود: وهو تسبيح طويل.قالوا وأخذت مريم (وهي مريم بنت عمران أخت موسى، وليست مريم بنت عمران أم عيسى عليهم السلام ) النبية - أخت هارون - دفا بيدها وخرج النساء في أثرها كلهن بدفوف وطبول وجعلت مريم ترتل لهن، وتقول سبحان الرب القهار، الذي قهر الخيول وركبانها إلقاء في البحر.هكذا رأيته في كتابهم. ولعل هذا هو من الذي حمل محمد بن كعب القرظي على زعمه أن مريم بنت عمران أم عيسى هي أخت هرون وموسى مع قوله يا أخت هرون * وقد بينا غلطه في ذلك ولو قدر أن هذا محفوظ فهذه مريم بنت عمران أخت موسى وهرون عليها السلام وأم عيسى عليها السلام وافقتها في الاسم واسم الاب واسم الاخ لانهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما سأله أهل نجران عن قوله يا أخت هرون فلم يدر ما يقول لهم، حتى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " أما علمت أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم، (مسلم). 5-وقولهم النبية كما يقال للمرأة من بيت الملك ملكة ومن بيت الامرة أميرة وإن لم تكن مباشرة شيئا من ذلك فكذا هذه استعارة لها لا أنها نبية حقيقة يوحى إليها وضربها بالدف في مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الاعياد عندهم، دليل على أنه قد كان شرع من قبلنا ضرب الدف في العيد * وهذا مشروع لنا أيضا في حق النساء لحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة يضربان بالدف في أيام منى ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع مولى ظهره إليهم ووجهه إلى الحائط فلما دخل أبو بكر زجرهن (صرخ بهن وصاح)، وقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " دعهن يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ".وهكذا يشرع عندنا في الاعراس، ولقدوم الغياب، كما هو مقرر في موضعه والله أعلم. 6-وذكروا أنهم لما جاوزوا البحر وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام مكثوا ثلاثة أيام لا يجدون ماء فتكلم من تكلم منهم بسبب ذلك فوجدوا ماء زعاقا أجاجا (المر الغليظ، والمالح الذي لا يطاق شربه.) لم يستطيعوا شربه فأمر الله موسى فأخذ خشبة فوضعها فيه فحلا وساغ شربه وعلمه الرب هنالك فرائض وسننا ووصاه وصايا كثيرة. 7-وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ما عداه من الكتب (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا الها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون.إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) [ الاعراف: 138 ]. |
#2
|
|||
|
|||
قالوا هذا الجهل والضلال وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم على صدق ما جاءهم به رسول ذي الجلال والاكرام، وذلك أنهم مروا على قوم (قال قتادة: كانوا قوما من لخم ; وكانوا نزولا بالريف) يعبدون أصناما قيل كانت على صور البقر فكأنهم سألوهم لم يعبدونها فزعموا لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويسترزقون بها عند الضرورات فكأن بعض الجهال منهم صدقوهم في ذلك فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم أن يجعل لهم آلهة كما لاولئك آلهة فقال لهم مبينا لهم أنهم لا يعقلون ولا يهتدون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون. ثم ذكرهم نعمة الله عليهم في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم والشرع والرسول الذي بين أظهرهم وما أحسن به إليهم وما امتن به عليهم من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد وإهلاكه إياه وهم ينظرون وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملاؤه يجمعونه من الاموال والسعادة، وما كانوا يعرشون (يعرش إذا بنى.هنا: يرفعون من الابنية المشيدة في السماء كصرح هامان وفرعون)، وبين لهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده لا شريك له، لانه الخالق الرازق القهار، وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال بل هذا الضمير عائذ على الجنس في قوله (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) [ الاعراف: 138 ] أي قال بعضهم (قال الرازي في تفسيره: قال بعضهم، لانه كان مع موسى عليه السلام السبعون المختارون وكان فيهم من يرتفع عن مثل هذا السؤال الباطل ; قال: والاقرب انهم طلبوا من موسى عليه السلام أن يعين لهم أصناما وتماثيل يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى.وقولهم كفر لان الانبياء اجمعوا على أن عبادة غير الله تعالى كفر سواء اعتقد في ذلك، الغير كونه إلها للعالم، أو اعتقدوا فيه أن عبادته تقربهم إلى الله تعالى.) كما في قوله (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا) [ الكهف: 47 - 48 ] فالذين زعموا هذا، بعض الناس، لا كلهم، وقد قال الامام أحمد: ، عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين، فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون ((: أي ينوطون بها، يعلقون بها سلاحهم) سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة انكم تركبون سنن الذين من قبلكم " وفى رواية قال: فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال: " قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون.إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ". والمقصود أن موسى عليه السلام لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت المقدس وجد فيها قوما من الجبارين من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم ومقاتلتهم وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس، فإن الله كتبه لهم، ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل، وموسى الكليم الجليل، فأبوا، ونكلوا عن الجهاد، فسلط الله عليهم الخوف، وألقاهم في التيه، يسيرون ويحلون ويرتحلون ويذهبون ويجيئون، في مدة من السنين طويلة هي من العدد أربعون. 8-كما قال الله تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين.يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فانا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما أدخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فانكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين.قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون.قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين.قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض فلا تأس على القوم الفاسقين) [ المائدة: 20 - 26 ] يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم، إحسانه عليهم بالنعم الدينية والدنيوية، ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله، ومقاتلة أعدائه فقال (يا قوم ادخلوا الارض المقدسة (تظاهرت الاخبار في الارض المقدسة ; قيل دمشق كانت قاعدة الجبارين ; والمقدسة: المطهرة قال قتادة: هي الشام وقال مجاهد: الطور وقال ابن زيد: اريحياء وقال الزجاج: دمشف وفلسطين وبعض الاردن.) التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم) أي تنكصوا على أعقابكم وتنكلوا على قتال أعدائكم (فتنقلبوا خاسرين) أي فتخسروا بعد الربح وتنقصوا بعد الكمال (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين) أي عتاة كفرة متمردين (وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا فانا داخلون) خافوا من هؤلاء الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون، وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأسا وأكثر جمعا وأعظم جندا وهذا يدل على أنهم ملومون في هذه المقالة ومذومون على هذه الحالة من الذلة عن مصاولة الاعداء ومقاومة المردة الاشقياء. خزعبلات بنى اسرائيل 9-وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا آثارا فيها مجازفات كثيرة باطلة، يدل العقل والنقل على خلافها، من أنهم كانوا أشكالا هائلة ضخاما جدا حتى إنهم ذكروا أن رسل بني اسرائيل لما قدموا عليهم، تلقاهم رجل من رسل الجبارين، فجعل يأخذهم واحدا واحدا ويلفهم في أكمامه وحجزة سراويله، وهم إثنا عشر رجلا فجاء بهم، فنثرهم بين يدي ملك الجبارين، فقال: ما هؤلاء ؟ ولم يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه وكل هذه هذيانات وخرافات لا حقيقية لها (قال الالوسي: هذه الاخبار عندي كأخبار (عوج بن عوق) وهي حديث خرافة.).وأن الملك بعث معهم عنبا كل عنبة تكفي الرجل، وشيئا من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم وهذا ليس بصحيح. وذكروا ههنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع ، وليس بصحيح، كما قدمنا بيانه عند قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن ". قالوا فعمد عوج إلى قمة جبل فا***عها ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش موسى فجاء طائر فنقر تلك الصخرة، فخرقها فصارت طوقا في عنق عوج بن عنق ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع وبيده عصاه، وطولها عشره أذرع، فوصل إلى كعب قدمه ف***ه.يروى هذا عن عوف البكالي ونقله ابن جرير عن ابن عباس وفي اسناده إليه نظر * ث م هو مع هذا كله من الاسرائيليات وكل هذه من وضع جهال بني اسرائيل، فإن الاخبار الكذبة قد كثرت عندهم ولا تميز لهم بين صحتها وباطلها.ثم لو كان هذا صحيحا لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن قتالهم، وقد ذمهم الله على نكولهم، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم، ومخالفتهم رسولهم، وقد أشار عليهم رجلان صالحان، منهم بالاقدام ونهياهم عن الاحجام * ويقال إنهما يوشع بن نون وكالب بن يوقنا (كانا من النقباء الاثني عشر الذين أرسلهم موسى - من أسباط بني إسرائيل - إلى أريحياء من بلاد فلسطين يتجسسون الاخبار) قاله ابن عباس ومجاهد (قال رجلان من الذين يخافون) أي يخافون الله وقرأ بعضهم يخافون أي يهابون (أنعم الله عليهما) أي بالاسلام والايمان والطاعة والشجاعة (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فانكم غالبون.وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) أي إذا توكلتم على الله، واستعنتم به، ولجأتم إليه، نصركم على عدوكم، وأيدكم عليهم وأظفركم بهم. (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون) فصمم ملاؤهم على النكول عن الجهاد، ووقع أمر عظيم ووهن كبير.فيقال إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما، وإن موسى وهرون سجدا إعظاما لهذا الكلام وغضبا لله عزوجل، وشفقة عليهم من وبيل هذه المقالة (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) قال ابن عباس (اقض بيني وبينهم).(قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض فلا تأس على القوم الفاسقين) [ المائدة: 30 ] عوقبوا على نكولهم بالتيهان (من التيه وأصل التيه في اللغة الحيرة فيها فكانوا سيارة لا قرار لهم يسيرون في فراسخ قليلة.) في الارض يسيرون إلى غير مقصد ليلا ونهارا وصباحا ومساء ويقال إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ولم يبق إلا ذراريهم سوى يوشع وكالب عليهما السلام. 10-لكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم موسى لموسى، بل لما استشارهم في الذهاب إلى النفير تكلم الصديق فأحسن [ وتكلم غيره ] من المهاجرين ثم جعل يقول: " أشيروا علي " حتى قال سعد بن معاذ: كأنك تعرض بنا يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته، لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن يلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد وبسطه ذلك. 11-وقال الامام أحمد: - أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ولكن: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون (وهذا إسناد جيد) * قال أحمد: : قال عبد الله بن مسعود: لقد شهدت من المقداد مشهدا لان أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل به أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو يدعو على المشركين فقال : والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك والذي بعثك بالحق إن ضربت أكبادها ((كناية عن ركضها، فالفارس يركض بركوبه بتحريك رجليه على جانبيه ويضرب على موضع كبده) إلى برك الغماد (موضع بناحية الساحل من وراء مكة، وقيل موضع بأقاصي حجر) لاتبعناك.فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم: يشرق لذلك وسر بذلك، -في ] دخول بني اسرائيل التيه وما [ جرى لهم ] فيه من الامور العجيبة 1-قد ذكرنا نكول بني اسرائيل عن قتال الجبارين، وأن الله تعالى عاقبهم بالتيه، وحكم بأنهم لا يخرجون منه إلى أربعين سنة، ولم أر في كتاب أهل الكتاب قصة نكولهم عن قتال الجبارين، ولكن فيها: 1-أن يوشع جهزه موسى لقتال طائفة من الكفار، وأن موسى وهرون وخور جلسوا على رأس أكمة، ورفع موسى عصاه، فكلما رفعها انتصر يوشع عليهم، وكلما مالت يده بها من تعب أو نحوه غلبهم أولئك وجعل هرون وخور يدعمان يديه عن يمينه وشماله ذلك اليوم إلى غروب الشمس، فانتصر حزب يوشع عليه السلام. 2-وعندهم أن " يثرون " كاهن مدين وختن موسى عليه السلام بلغه ما كان من أمر موسى وكيف أظفره الله بعدوه فرعون، فقدم على موسى مسلما ومعه ابنته صفورا زوجة موسى وابناها منه، جرشون وعازر فتلقاه موسى وأكرمه، واجتمع به شيوخ بني اسرائيل وعظموه وأجلوه. 3-وذكروا أنه رأى كثرة اجتمع بني اسرائيل على موسى في الخصومات التي تقع بينهم، فأشار على موسى أن يجعل على الناس رجالا أمناء أتقياء أعفاء، يبغضون الرشاء والخيانة، فيجعلهم على الناس رؤس مئين، ورؤس خمسين، ورؤس عشرة، فيقضوا بين الناس، فإذا أشكل عليهم أمر جاؤك ففصلت بينهم ما أشكل عليهم، ففعل ذلك موسى عليه السلام. 4-قالوا ودخل بنو اسرائيل البرية عند سيناء في الشهر الثالث من خروجهم من مصر وكان خروجهم في أول السنة التي شرعت لهم وهي أول فصل الربيع فكأنهم دخلوا التيه في أول فصل الصيف والله أعلم. 5-قالوا ونزل بنو اسرائيل حول طور سيناء وصعد موسى الجبل فكلمه ربه وأمره أن يذكر بني إسرائيل ما أنعم الله به عليهم من إنجائه إياهم من فرعون وقومه، وكيف حملهم على مثل جناحي نسر من يده، وقبضته، وأمره أن يأمر بني اسرائيل بأن يتطهروا، ويغتسلوا ويغسلوا ثيابهم، وليستعدوا إلى اليوم الثالث، فإذا كان في اليوم الثالث، فليجتمعوا حول الجبل، ولا يقتربن أحد منهم إليه، فمن دنا منه *** حتى ولا شئ من البهائم، ما داموا يسمعون صوت القرن (البوق)، فإذا سكن القرن، فقد حل لكم أن ترتقوه فسمع بنو إسرائيل ذلك وأطاعوا واغتسلوا وتنظفوا وتطيبوا، فلما كان اليوم الثالث ركبت الجبل غمامة عظيمة وفيها أصوات وبروق وصوت الصور شديد جدا ففزع بنو إسرائيل من ذلك فزعا شديدا، وخرجوا فقاموا في سفح الجبل، وغشي الجبل دخان عظيم، في وسطه عمود [ من ] نور، وتزلزل الجبل كله، زلزلة شديدة واستمر صوت الصور وهو البوق واشتد وموسى عليه السلام فوق الجبل والله يكلمه ويناجيه، وأمر الرب عزوجل موسى أن ينزل، فأمر بني اسرائيل أن يقتربوا من الجبل ليسمعوا وصية الله ويأمر الاحبار - وهم علمائهم - أن يدنوا فيصعدوا الجبل ليتقدموا بالقرب وهذا نص في كتابهم على وقوع النسخ لا محالة فقال موسى: يا رب إنهم لا يستطيعون أن يصعدوه، وقد نهيتهم عن ذلك، فأمره الله تعالى أن يذهب، فيأتي معه بأخيه هرون وليكن الكهنة - وهم العلماء - والشعب - وهم بقية بني إسرائيل غير بعيد - ففعل موسى وكلمه ربه عزوجل فأمره حينئذ بالعشر كلمات. 6-وعندهم أن بني إسرائيل سمعوا كلام الله ولكن لم يفهموا حتى فهمهم موسى وجعلوا يقولون لموسى بلغنا أنت عن الرب عزوجل فإنا نخاف أن نموت، فبلغهم عنه، فقال: هذه العشر الكلمات: 1-وهي الامر بعبادة الله وحده لا شريك له، 2- والنهي عن الحلف بالله كاذبا 3-، والامر بالمحافظة على السبت، ومعناه تفرغ يوم من الاسبوع للعبادة * وهذا حاصل بيوم الجمعة الذي نسخ الله به السبت. 4-أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الارض، الذي يعطيك الله ربك، 5-لا ت***. 6-لا تزن. 7-لا تسرق. 8-لا تشهد على صاحبك شهادة زور ،9- لا تمد عينك إلى بيت صاحبك، 10- ولا تشته إمرأة صاحبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا من الذي لصاحبك.ومعناه النهي عن الحسد. 7-وقد قال كثير من علماء السلف وغيرهم مضمون هذه العشر الكلمات في آيتين من القرآن وهما قوله تعالى في سورة الانعام (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا ت***وا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.ولا ت***وا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده.وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) [ الانعام: 151 - 153 ] وذكروا بعد العشر الكلمات وصايا كثيرة، وأحكاما متفرقة عزيزة، كانت فزالت، وعمل بها حينا من الدهر * ثم طرأ عليها عصيان من المكلفين بها ثم عمدوا إليها فبدلوها وحرفوها، وأولوها.ثم بعد ذلك كله سلبوها فصارت منسوخة مبدلة، بعد ما كانت مشروعة مكملة، فلله الامر من قبل ومن بعد، وهو الذي يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، ألا له الخلق والامر، تبارك الله رب العالمين. 8-وقد قال الله تعالى (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الايمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى.وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى يذكر تعالى منته وإحسانه إلى بني إسرائيل، بما أنجاهم من أعدائهم وخلصهم من الضيق والحرج وأنه وعدهم صحبة نبيهم إلى جانب الطور الايمن، أي منهم لينزل عليه أحكاما عظيمة (أي التوراة ; وكان موسى قد خرج إلى الطور - طور سيناء - في سبعين من خيار بني إسرائيل وصعدوا الجبل) فيها مصلحة لهم، في دنياهم وأخراهم وأنه تعالى أنزل عليهم في حال شدتهم وضرورتهم في سفرهم في الارض.التي ليس فيها زرع ولا ضرع، منا من السماء، يصبحون فيجدونه خلال بيوتهم، فيأخذون منه قدر حاجتهم في ذلك اليوم إلى مثله من الغد، ومن ادخر منه لاكثر من ذلك فسد. ومن أخذ منه قليلا.كفاه، أو كثيرا لم يفضل عنه، فيصنعون منه مثل الخبز، وهو في غاية البياض والحلاوة فإذا كان من آخر النهار غشيهم طير السلوى فيقتنصون منه بلا كلفة ما يحتاجون إليه حسب كفايتهم لعشاهم * وإذا كان فصل الصيف ظلل الله عليهم الغمام وهو السحاب الذي يستر عنهم حر الشمس وضوأها الباهر.كما قال تعالى في سورة البقرة (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون.وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون ] إلى أن قال (وإذ نجيناكم من آل فرعون سومونكم سوء العذاب ي***ون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم.بلاء من ربكم عظيم.وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون.وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون.ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون. واذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون.وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فا***وا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم.واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون.ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون.وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 9-إلى أن قال (وإذ إستسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه إثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين.وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله وي***ون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) فذكر تعالى إنعامه عليهم وإحسانه إليهم بما يسر لهم من المن والسلوى طعامين شهيين بلا كلفة ولا سعي لهم فيه بل ينزل الله المن باكرا (قال القرطبي: المن: هو الترنجبين: (وهو طلل يقع من السماء وهو ندى شبيه بالعسل جامد متحبب قاله ابن البيطار) وقيل صمغة حلوة وقيل عسل.وروي انه كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.كالثلج.فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه، فإن ادخر منه شيئا فسد عليه، إلا في يوم الجمعة، فانهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم لان يوم السبت يوم عبادة، وما كان ينزل عليهم يوم السبت شئ. ) ويرسل عليهم طير السلوى عشيا وأنبع الماء لهم بضرب موسى عليه السلام حجرا كانوا يحملونه معهم بالعصا فتفجر منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين منه تنبجس * ثم تتفجر ماءا زلالا فيستقون ويسقون دوابهم ويدخرون كفايتهم.وظلل عليهم الغمام من الحر * وهذه نعم من الله عظيمة وعطيات جسيمة فما رعوها حق رعايتها ولا قاموا بشكرها وحق عبادتها ثم ضجر كثير [ منهم ] منها وتبرموا بها وسألوا أن يستبدلوا منها ببدلها مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها (فوم: اختلف في الفوم فقيل هو الثوم: وقيل: الفوم الحنطة وقال ابن دريد: السنبلة وقال عطاء وقتادة: الفوم كل حب يختبز) وعدسها وبصلها.فقرعهم الكليم ووبخهم وأنبهم على هذه المقالة و***هم قائلا (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم) أي هذا الذي تطلبونه وتريدونه بدل هذه النعم التي أنتم فيها حاصل لاهل الامصار الصغار والكبار موجود بها وإذا هبطتم إليها أي ونزلتم عن هذه المرتبة التي لا تصلحون لمنصبها تجدوا بها ما تشتهون وما ترومون مما ذكرتم من المآكل الدنية والاغذية الردية (قال القرطبي في تعليله فضل المن والسلوى على الاشياء التي طلبوها.قال وجوه خمسة توجب فضلهما: 1 - إن البقول لما كانت لا خطر لها بالنسبة إلى المن والسلوى كانا أفضل ; قاله الزجاج. 2 - لما كان المن والسلوى طعاما من الله به عليهم وأمرهم بأكله وكان في استدامة أمر الله وشكر نعمته أجر وذخر في الآخرة، والذي طلبوه عار من هذه الخصال، كان أدنى في هذا الوجه. 3 - لما كان الله ما من به عليهم أطيب وألذ من الذي سألوه، كان ما سألوه أذنى من هذا الوجه لا محالة. 4 - لما كان ما أعطوه لا كلفة فيه ولا تعب، والذي طلبوه لا يجئ إلا بالحرث والزراعة والتعب، كان أدنى. 5 - لما كان ما ينزل عليهم لا مرية في حله وخلوصه لنزوله من عند الله، والحبوب والارض يتخللها البيوع والغصب وتدخلها الشبه، كانت أدنى من هذا الوجه. ) ولكني لست أجيبكم إلى سؤال ذلك ههنا ولا أبلغكم ما تعنتم به من المنى وكل هذه الصفات المذكورة عنهم الصادرة منهم تدل على أنهم لم ينتهوا عما نهوا عنه كما قال تعالى ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) أي فقد هلك وحق له والله الهلاك والدمار وقد حل عليه غضب الملك الجبار ولكنه تعالى مزج هذا الوعيد الشديد بالرجاء لمن أناب وتاب (أي تاب من الشرك) ولم يستمر على متابعة الشيطان المريد فقال (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) -سؤال الرؤية 1-قال تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لاخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين.ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا.فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين.قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين.وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذو بأحسنها سأريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق. وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا.ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين.والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) [ الاعراف: 142 - 147 ]. 2-قال جماعة من السلف منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد: الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله، وأتمت أربعين ليلة بعشر ذي الحجة.فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر، وفي مثله أكمل الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وسلم دينه وأقام حجته وبراهينه. والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات.وكان فيه صائما يقال إنه لم يستطعم الطعام، فلما كمل الشهر أخذ لحا (بعود خرنوب) شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه، فأمر الله أن يمسك عشرا أخرى، فصارت أربعين ليلة. 3-ولهذا ثبت في الحديث: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " (البخاري). فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هرون، المحبب المبجل الجليل، وهو ابن أمه وأبيه، ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه، فوصاه، وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة، قال الله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا) أي في الوقت الذي أمر بالمجئ فيه (وكلمه ربه) أي كلمه الله من وراء حجاب، إلا أنه أسمعه الخطاب، فناداه وناجاه، وقربه وأدناه، وهذا مقام رفيع ومعقل منيع، ومنصب شريف ومنزل منيف، فصلوات الله عليه تترى، وسلامه عليه في الدنيا والاخرى * ولما أعطى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية، وسمع الخطاب، سأل رفع الحجاب، فقال للعظيم الذي لا تدركه الابصار القوي البرهان: (ربي ارني أنظر إليك قال لن تراني).ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى لان الجبل الذي هو أقوى وأكبر ذاتا وأشد ثباتا من الانسان، لا يثبت عند التجلي من الرحمان ولهذا قال (ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني). 4-وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال له: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده (خسف به وتدحرج) وفي الصحيحين عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " حجابه النور.وفي رواية النار لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " (السبحات جمع سبحة. معنى سبحات وجهه: نوره وجلاله وبهاؤه.والحجاب: المنع والستر.وحقيقة الحجاب إنما تكون للاجسام المحدودة، والله تعالى منزه عن الحد والجسم، والمراد هنا المانع من رؤيته، ولذلك سمي المانع نورا أو نارا لانهما يمنعان من الادراك في العادة لشعاعهما.والوجه - هنا - الذات.). 5-وقال ابن عباس في قوله تعالى (لا تدركه الابصار) ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى لشئ لا يقوم له شئ ولهذا قال تعالى (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين). قال مجاهد (ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني) فإنه أكبر منك وأشد خلقا فلما تجلى ربه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل فدك على أوله ورأى موسى ما يصنع الجبل فخر صعقا * وقد ذكرنا ما رواه الامام أحمد والترمذي وصححه ابن جرير والحاكم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال هكذا بإصبعه ووضع للنبي صلى الله عليه وسلم الابهام على المفصل الاعلى من الخنصر، فساخ الجبل وقال ابن عباس ما تجلى يعني من العظمة إلا قدر الخنصر، فجعل الجبل دكا قال ترابا (وخر موسى صعقا) أي مغشيا عليه وقال قتادة ميتا.والصحيح الاول لقوله (فلما أفاق) فإن الافاقة إنما تكون عن غشى قال (سبحانك) تنزيه وتعظيم وإجلال أن يراه بعظمته أحد (تبت إليك) أي فلست أسأل بعد هذا الرؤية (وأنا أول المؤمنين) أنه لا يراك حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده. 6-وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تخيروني من بين الانبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور " لفظ البخاري وفي أوله قصة اليهودي الذي لطم وجهه الانصاري حين قال لا والذي اصطفى موسى على البشر فقال رسول الله: " لا تخيروني من بين الانبياء " وفي الصحيحين قال: " لا تخيروني على موسى " . وهذا من باب الهضم والتواضع أو نهي عن التفصيل بين الانبياء على وجه الغضب والعصبية أو ليس هذا إليكم بل الله هو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات وليس ينال هذا بمجرد الرأي بل بالتوقيف. ومن قال: إن هذا قاله قبل أن يعلم أنه أفضل ثم نسخ باطلاعه على أفضليته عليهم كلهم ففي قوله نظر، لان هذا من رواية أبي سعيد وأبي هريرة وما هاجر أبو هريرة إلا عام حنين متأخرا فيبعد أنه لم يعلم بهذا، إلا بعد هذا، والله أعلم، ولا شك أنه صلوات الله وسلامه عليه أفضل البشر، بل الخليفة.قال الله تعالى (وكنتم خير أمة أخرجت للناس) وما كملوا إلا بشرف نبيهم. وثبت بالتواتر عنه، صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر " ثم ذكر اختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والآخرون، الذي تحيد عنه الانبياء والمرسلون، حتى أولو العزم الاكملون، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم. 7-وقوله صلى الله عليه وسلم: " فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش) أي آخذا بها، " فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " دليل على أن هذا الصعق الذي يحصل للخلائق في ***ات القيامة، حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده، فيصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلال فيكون أولهم إفاقة محمد خاتم الانبياء، ومصطفى رب الارض والسماء على سائر الانبياء، فيجد موسى باطشا بقائمة العرش قال الصادق المصدوق: " لا أدري أصعق فأفاق قبلي ؟ " أي وكانت صعقته خفيفة، لانه قد ناله بهذا السبب في الدنيا صعق " أو جوزي بصعقة الطور ؟ " يعني فلم يصعق بالكلية. وهذا فيه شرف كبير لموسى عليه السلام من هذه الحيثية. ولا يلزم تفضيله بها مطلقا من كل وجه * ولهذا نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على شرفه وفضيلته بهذه الصفة، -لان المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، قد يحصل في نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى عليه السلام فبين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلته وشرفه. 8-وقوله تعالى (قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) أي في ذلك الزمان، لا ما قبله، لان إبراهيم الخليل أفضل منه، ، ولا ما بعده، لان محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل منهما، كما ظهر شرفه ليلة الاسراء على جميع المرسلين والانبياء، وكما ثبت أنه قال: " سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق حتى إبراهيم " وقوله تعالى (فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) أي فخذ ما أعطيتك من الرسالة والكلام، ولا تسأل زيادة عليه، وكن من الشاكرين على ذلك. 9-قال الله تعالى (وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ) [ الاعراف: 145 ] وكانت الالواح من جوهر نفيس، ففي الصحيح: أن الله كتب له التوراة بيده وفيها مواعظ من الآثام، وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام. (فخذها بقوة) أي بعزم ونية صادقة قوية (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) أي يضعوهما على أحسن وجوهها وأجمل محاملها (سأريكم دار الفاسقين) أي ستر وعاقبة الخارجين عن طاعتي، المخالفين لامري، المكذبين لرسلي. (سأصرف عن آياتي) عن فهمها وتدبرها، وتعقل معناها، الذي أريد منها ودل عليه مقتضاها (الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) أي ولو شاهدوا مهما شاهدوا من الخوارق والمعجزات لا ينقادوا لاتباعها (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) أي لا يسلكوه ولا يتبعوه (وإن يرو سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا) أي صرفناهم عن ذلك لتكذيبهم بآياتنا، وتغافلهم عنها، وإعراضهم عن التصديق بها، والتفكر في معناها وترك العمل بمقتضاها (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون -قصة عبادتهم العجل في غيبة [ كليم الله عنهم ] (1) قال الله تعالى (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين. ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين.ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقي الالواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا ي***ونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين.قال رب اغفر لي ولاخي وادخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين.إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين.والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) [ الاعراف: 148 - 154 ]. 2-وقال تعالى (وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى قال فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فاخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا * وقد قال لهم هرون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري.قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى.قال يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن أفعصيت أمري قال يابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي.قال فاذهب فان لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علما) [ طه: 93 - 98 ] 3- يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه، فمكث على الطور يناجيه ربه، ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة، وهو تعالى يجيبه عنها، فعمد رجل منهم يقال له: هرون السامري (السامري واسمه موسى بن ظفر، ينسب أل قرية تدعى سامرة، ولد عام *** الابناء - بعد مجئ موسى مصر - وأخفته أمه في كهف جبل فغذاه جبريل فعرفه لذلك.انظر القرطبي أحكام القرآن 7 / 284.) فأخذ ما كان استعاره من الحلي فصاغ منه عجلا، وألقيى فيه قبضة من التراب، كان أخذها من أثر فرس جبريل حين رأه - يوم أغرق الله فرعون على يديه، فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي .4-ويقال إنه استحال عجلا جسدا أي لحما ودما حيا يخور.قاله قتادة وغيره، وقيل: بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كما تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون: (فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى) أي فنسيي موسى ربه عندنا، وذهب يتطلبه وهو ههنا ! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتصاعفت آلاؤه وهباته قال الله تعالى مبينا بطلان ما ذهبوا إليه، وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيوانا بهيما وشيطانا رجيما (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) وقال (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين) [ الاعراف: 148 ] فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جوابا، ولا يملك ضرا ولا نفعا، ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لانفسهم، عالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل، والضلال. 5-(ولما سقط في أيديهم) أي ندموا على ما صنعوا (ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين). ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه الالواح المتضمنة التوراة ألقاها فيقال إنه كسرها. وهكذا هو عند أهل الكتاب وإن الله أبدله غيرها، وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك، إلا أنه القاها حين عاين ما عاين. وعند أهل الكتاب: أنهما كانا لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة، ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل فأمره بمعاينة ذلك.ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الامام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال قال رسول الله: " ليس الخبر كالمعاينة " ثم أقبل عليهم ف***هم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه بما ليس بصحيح قالوا إنا (حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري) [ طه: 87 ] تحرجوا من تملك حلى آل فرعون، وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم، وقلة علمهم، وعقلهم، من عبادة العجل الجسد الذي له خوار مع الواحد الاحد الفرد الصمد القهار. ثم أقبل على أخيه هرون عليهما السلام قائلا له (يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن) [ طه: 92 ] أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا فقال (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) أي تركتهم وجئتني وأنت قد أستخلفتني فيهم (قال رب اغفر لي ولاخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) [ الاعراف: 151 ]. وقد كان هرون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه، أتم الزجر قال الله تعالى (ولقد قال لهم هرون من قبل يا قوم إنما فتنتم به) أي إنما قدر الله أمر هذا العجل، وجعله يخور فتنة واختبارا لكم (وإن ربكم الرحمن) أي لا هذا (فاتبعوني) أي فيما أقول لكم (وأطيعوا أمري.قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) [ طه: 90 - 91 ] يشهد الله لهرون عليه السلام (وكفى بالله شهيدا) أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه 6-ثم أقبل موسى على السامري (قال ما خطبك يا سامري) أي ما حملك على ما صنعت (قال بصرت بما لم يبصروا به) أي رأيت جبرائيل وهو راكب فرسا (فقبضت قبضة من أثر الرسول) [ طه: 96 ] أي من أثر فرس جبريل.وقد ذكر بعضهم أنه رآه وكلما وطئت بحوافرها على موضع أخضر وأعشب فأخذ من أثر حافرها فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان ولهذا قال (فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي.قال فاذهب فان لك في الحياة أن تقول لا مساس) [ طه: 96 - 97 ] وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحدا معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه.هذا معاقبة له في الدنيا ثم توعده في الاخرى فقال (وإن لك موعدا لن تخلفه) وقرئ لن نخلفه (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) [ طه: 97 ] قال فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل فحرقه [ قيل ] بالنار كما قاله قتادة وغيره.وقيل بالمبارد كما قاله علي وابن عباس وغيرهما وهو نص أهل الكتاب ثم ذراه في البحر وأمر بني إسرائيل فشربوا فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد منه ما يدل عليه، وقيل بل اصفرت ألوانهم ثم قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لهم (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علما) [ طه: 98 ] وقال تعالى (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) [ الاعراف: 152 ] وهكذا وقع 7-وقد قال بعض السلف (وكذلك نجزي المفترين) مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة.ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب إليه بتوبته عليه فقال (والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) [ الاعراف: 153 ] لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بال*** كما قال تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فا***وا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) [ البقرة: 154 ] فيقال إنهم أصبحوا يوما وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف وألقى الله عليهم ضبابا (عند القرطبي: ظلاما.) حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه.ثم مالوا على عابديه ف***وهم وحصدوهم فيقال إنهم ***وا في صبيحة واحدة سبعين ألفا. 8-ثم قال تعالى (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) [ الاعراف: 154 ] إستدل بعضهم بقوله وفي نسختها على أنها تكسرت وفي هذا الاستدلال نظر وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت والله أعلم. وقد ذكر ابن عباس في حديث الفتون كما سيأتي أن عبادتهم العجل كانت على أثر خروجهم من البحر وما هو ببعيد لانهم حين خرجوا (قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) [ الاعراف: 138 ]. وهكذا عند أهل الكتاب فإن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم بلاد بيت المقدس وذلك أنهم لما أمروا ب*** من عبد العجل ***وا في أول يوم ثلاثة آلاف.ثم ذهب موسى يستغفر لهم فغفر لهم بشرط أن يدخلوا الارض المقدسة 9-(واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وآنت خير الغافرين.واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا اليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون.الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) [ الاعراف: 155 - 157 ] 10-ذكر السدي وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل ومعهم موسى وهرون ويوشع (ذكر الرازي ان موسى اختار من قومه اثني عشر سبطا من كل سبط ستة، فصاروا اثنان وسبعين، فقال ليختلف منكم رجلان فتشاجروا: فقال إن لمن قعد منكم مثل أجر من تخلف ; فقعد كالب ويوشع) وناذاب وابيهوا ذهبوا مع موسى عليه السلام ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل. وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام وعمود النور ساطع وصعد موسى الجبل. فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله. وهذا قد وافقهم عليه طائفة من المفسرين وحملوا عليه قوله تعالى (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) [ البقرة: 75 ] وليس هذا بلازم لقوله تعالى (أفجره حتى يسمع كلام الله) أي مبلغا. وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغا من موسى عليه السلام وزعموا أيضا أن السبعين رأوا الله وهذا غلط منهم لانهم لما سألوا الرؤية أخذتهم الرجفة كما قال تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون.ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) [ البقرة: 55 ] وقال ههنا (فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ) [ الاعراف: 155 ] 11-قال محمد بن اسحق اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا الخير فالخير.وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه وكان لا يأتيه إلا باذن منه وعلم فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله فقال: أفعل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى فدخل في الغمام وقال للقوم: أدنوا وكان موسى إذا كلمة الله وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلم موسى يأمر وينهاه افعل ولا تفعل * فلما فرغ الله من أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فالتقت أرواحهم فماتوا جميعا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) أي لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء (قال القرطبي: قيل المرد بالسفهاء: السبعون ; والمعنى أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم " أرنا الله جهرة) الذين عبدوا العجل منا فإنا براء مما عملوا. وقال ابن عباس ومجاهد إنما أخذتهم الرجفة لانهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل وقوله (إن هي إلا فتنتك) أي اختبارك وابتلاؤك وامتحانك قاله ابن عباس وسعيد بن جبير واحد من علماء السلف والخلف. يعني أنت الذي قدرت هذا وخلقت ما كان من أمر العجل إختبارا تختبرهم به كما (قال لهم هرون من قبل يا قوم إنما فتنتم به) [ طه: 90 ] أي اختبرتم ولهذا قال (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) أي من شئت أضللته باختبارك إياه ومن شئت هديته * لك الحكم والمشيئة ولا مانع ولا راد لما حكمت وقضيت (أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك) أي تبنا إليك ورجعنا وأنبنا قاله ابن عباس 12-(قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ) أي أنا أعذب من شئت بما أشاء من الامور التي أخلقها وأقدرها (ورحمتي وسعت كل شئ) كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله لما فرغ من خلق السموات والارض كتب كتابا فهو موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي " (فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) ] أي فسأوحيها حتما لمن يتصف بهذه الصفات (الذين يتبعون الرسول النبي الامي ) [ الاعراف: 157 ] وهذا فيه تنويه بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من الله لموسى عليه السلام في جملة ما ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه * 13-وقال قتادة قال موسى يا رب أجد في الالواح أمة خير أمة أخرجت الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر رب اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الالواح أمة هم الآخرون في الخلق السابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي.قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الالواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها وكان من قبلهم يقرأون كتابهم نظرا حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه وإن الله أعطاكم أيتها الامة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا عن الامم قال رب اجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب إني أجد في الالواح أمة يؤمنون بالكتاب الاول وبالكتاب الآخر ويقاتلون فصول الضلالة حتى يقاتلوا الاعور الكذاب فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الالواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها وكان من قبلهم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم قال رب فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال رب فإني أجد في الالواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعماية ضعف قال رب اجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد. قال ربي إني أجد في الالواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد * قال قتادة فذكر لنا أن موسى عليه السلام نبذ الالواح وقال اللهم اجعلني من أمة أحمد. وقد ذكر كثير من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السلام وأوردوا أشياء كثيرة لا أصل لها ونحن نذكر ما تيسر ذكره من الاحاديث والآثار بعون الله وتوفيقه وحسن هدايته ومعونته وتأييده. 1-ومن صحيح مسلم: سمع المغيرة بن شعبة يقول على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن موسى عليه السلام سأل ربه عزوجل: أي أهل الجنة أدنى منزلة ؟ فقال: رجل يجيئ بعدما يدخل أهل الجنة الجنة، فيقال [ له ] أدخل الجنة.فيقول: كيف أدخل الجنة وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخاذاتهم (هو ما أخذوه من كرامة مولاهم، وحصلوه) ؟ فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول: رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت رب فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله.ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول رضيت رب.قال: رب فأعلاهم منزلة ؟ قال: أولئك الذين أردت غرس (أردت: اخترت واصطفيت.غرس: وعند مسلم غرست معناه: اصفطيتهم وتوليتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير) كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر (: أي لم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم) " قال ومصداقه (دليله وما يصدقه.) من كتاب الله فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) [ السجدة: 17 ] 2- و: " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سأل موسى ربه عزوجل عن ست خصال كان يظن أنها له خالصة، والسابعة لم يكن موسى يحبها: قال: يا رب أي عبادك اتقى ؟ قال: الذي يذكر ولا ينسى. قال: فأي عبادك أهدى ؟ قال: الذى يتبع الهدى. قال: فأي عبادك أحكم ؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. قال: فأي عبادك أعلم ؟ قال: عالم لا يشبع من العلم، يجمع علم الناس إلى علمه. الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يجد كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى. قال: أي رب فهل في الارض أحد أعلم مني ؟ قال: نعم [ قال: رب فمن هو ؟ قال ]: الخضر.فسأل السبيل إلى لقيه. قال: فأي عبادك أعز ؟.قال: الذي إذا قدر غفر. قال: فأي عبادك أغنى ؟ قال: الذي يرضى بما يؤتى. قال: فأي عبادك أفقر ؟ قال: صاحب منقوص ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس الغنى عن ظهر إنما الغنى غنى النفس "، وإذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه، وإذا أراد بعبد شرا جعل فقره بين عينيه " (البخاري). قال ابن حبان قوله " صاحب منقوص " يريد به منقوص حالته يستقل ما أوتي ويطلب الفضل. 3- و عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " قال موسى: " يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به " قال: قل يا موسى (لا إله إلا الله) قال: يا رب كل عبادك يقول هذا.قال: قل لا إله إلا الله.قال: إنما أريد شيئا تخصني به.قال: يا موسى لو أن أهل السموات السبع والارضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله" (الحاكم صحيح الاسناد. ). ويشهد لهذا الحديث البطاقة.وأقرب شئ إلى معناه الحديث المروي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: " قال أفضل الدعاء دعاء عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبييون من قبلي (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير) 4- ، وقال الله تعالى (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون.ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين) ] وقال تعالى (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) [ الاعراف 171 ] قال ابن عباس وغير واحد من السلف لما جاءهم موسى بالالواح فيها التوراة أمرهم بقبولها والاخذ بها بقوة وعزم فقالوا: أنشرها علينا، فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها، فقال: بل اقبلوها بما فيها، فراجعوه مرارا فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل على رؤوسهم حتى صار كأنه ظلة أي غمامة على رؤوسهم، وقيل لهم: إن لم تقبلوها بما فيها وإلا سقط هذا الجبل عليكم، فقبلوا ذلك وأمروا بالسجود، فسجدوا فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم، فصارت سنة لليهود إلى اليوم، يقولون لا سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب. وقال بن عبد الله : فلما نشرها لم يبق على وجه الارض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز، فليس على وجه الارض يهودي صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونفض لها رأسه. قال الله تعالى (ثم توليتم من بعد ذلك) أي ثم بعد مشاهدة هذا الميثاق العظيم والامر الجسيم نكثتم عهودكم ومواثيقكم (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) بأن تدارككم بالارسال إليكم وإنزال الكتب عليكم (لكنتم من الخاسرين). -قصة بقرة بني إسرائيل 1-قال الله تعالى (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن ت***وا بقرة. قالوا أتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون.قالوا دع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها.قالوا الآن جئت بالحق ف***وها وما كادوا يفعلون.وإذ ***تم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون.فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) قال ابن عباس وغير واحد من السلف: كان رجل (اسمه عاميل كما في أحكام القرآن.) في بني إسرائيل كثير المال، وكان شيخا كبيرا، وله بنو أخ وكانوا يتمنون موته ليرثوه، فعمد أحدهم ف***ه في الليل وطرحه في مجمع الطرق، ويقال على باب رجل منهم، فلما أصبح الناس اختصموا فيه، وجاء ابن أخيه فجعل يصرخ ويتظلم، فقالوا ما لكم تختصمون ولا تأتون نبي الله، فجاء ابن أخيه فشكى أمر عمه إلى (وكان هذا الامر قبل نزول القسامة في التوراة ; والقسامة أن يبدأ المدعون بالايمان فإن حلفوا استحقوا، وإن نكلوا حلف المدعي عليهم خمسين يمينا وبرءوا.) رسول الله موسى عليه السلام فقال موسى عليه السلام: أنشد الله رجلا عنده علم من أمر هذا القتيل إلا أعلمنا به فلم يكن عند أحد منهم علم منه، وسألوه أن يسأل في هذه القضية ربه عزوجل فسأل ربه عزوجل في ذلك فأمره الله أن يأمرهم ب*** بقرة ؟ فقال: (إن الله يأمركم أن ت***وا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا) يعنون نحن نسأل عن أمر هذا القتيل، وأنت تقول هذا (قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أي أعوذ بالله أن أقول عنه غير ما أوحى إلي.وهذا هو الذي أجابني حين سألته عما سألتموني عنه أن أسأله فيه. قال ابن عباس وغير واحد فلو أنهم عمدوا إلى أي بقرة ف***وها لحصل المقصود منها، ولكنهم شددوا، فشدد عليهم، فسألوا عن صفتها ثم عن لونها ثم عن سنها فأجيبوا بما عز وجوده عليهم، . والمقصود أنهم أمروا ب*** بقرة عوان وهي الوسط بين النصف (عوان: النصف التي ولدت بطنا أو بطنين)، الفارض وهي الكبيرة (أي المسنة، وقيل التي ولدت بطونا كثيرة فيتسع جوفها لذلك.)، والبكر وهي الصغيرة، قاله ابن عباس . ثم شددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوا عن لونها فأمروا بصفراء فاقع لونها أي مشرب بحمرة تسر الناظرين * وهذا اللون عزيز. ثم شددوا أيضا (فقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون) (قال انه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها.قالوا ألآن جئت بالحق ف***وها وما كادوا يفعلون) وهذه الصفات أضيق مما تقدم حيث أمروا ب*** بقرة ليست بالذلول وهي المذللة بالحراثة وسقي الارض بالسانية مسلمة وهي الصحيحة، التي لا عيب فيها وقوله (لا شية فيها) أي ليس فيها لون يخالف لونها بل هي مسلمة من العيوب ومن مخالطة سائر الالوان غير لونها فلما حددها بهذه الصفات وحصرها بهذه النعوت والاوصاف (قالوا الآن جئت بالحق) ويقال إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان بارا بأبيه فطلبوها منه، فأبى عليهم، فأرغبوه في ثمنها حتى أعطوه فيما ذكره السدي بوزنها ذهبا فأبى عليهم حتى أعطوه بوزنها عشر مرات، فباعها منهم فأمرهم نبي الله موسى ب***ها (ف***وها وما كادوا يفعلون) أي وهم يترددون في أمرها.ثم أمرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها. فلما ضربوه ببعضها أحياه الله تعالى فقام وهو يشخب أوداجه فسأله نبي الله من ***ك قال ***ني ابن أخي. ثم عاد ميتا كما كان، قال الله تعالى (كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) [ البقرة: 73 ] أي كما شاهدتم إحياء هذا القتيل عن امر الله له كذلك أمره في سائر الموتى إذا شاء إحياءهم أحياهم في ساعة واحدة كما قال (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ لقمان: 28 ]. والحمد لله رب اللعالمين لاتنسونا من صالح دعاؤكم |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|