|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
من هم خير الناس عند الله وأحبهم إليه؟
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70- 71]. أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كلِّ عملٍ يقرِّب إلى النار، اللهم آمين. أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة بإذن الله، من مات منها موحداً غير مشرك بالله يدخل الجنة، لكن هناك تفاوت في هذه الأمة ليسوا على درجة سواء، فمنهم القريب، ومن الأقرب والأقرب. إذن؛ من هم خير الناس عند الله؟ من هم أحب الناس إلى الله؟ ونسأل الله أن نكون منهم، مِن خير الناس، ومِن أحبِّ الناس عند الله، منهم من يكون بعيدًا عن الفتن معتزلاً لها. عند الفتن والاقتتال بين المسلمين فيما بينهم يجنِّب المسلمين شره، ويكفي المسلمين ويذرهم من شره، هذا من خير الناس، أما من يخوض في الفتن فلا نتكلم عنه، الفتن بين المسلمين أن ي*** بعضهم بعضاً، وأن ينتهك بعضهم أعراض بعض، ويأكل بعضهم أموال بعض، شبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحيَّات التي تنصب على فريستها وتنهشها، كما في هذا الحديث الذي رواه كُرْزٌ الْخُزَاعِيُّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ لِهَذَا الْإِسْلَامِ مِنْ مُنْتَهًى)؟ -يعني هل هو على قدر جزيرة العرب فقط، أم سيمتد هذا الإسلام؟! وليس لامتداده نهاية؟- قَالَ: ("نَعَمْ! مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا مِنْ عَرَبٍ أَوْ عَجَمٍ أَدْخَلَهُ عَلَيْهِمْ")، قَالَ -الأعرابي-: (ثُمَّ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!) قَالَ: ("ثُمَّ تَقَعُ فِتَنٌ كَالظُّلَمِ")، -ظلمات بعضها فوق بعض، فماذا قال الأعرابي؟ فتنٌ كالظلم؟ وي*** المسلمون بعضهم بعضا؟ انبهر الأعرابي فـ- قَالَ: (كَلَّا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ!) -ولا يمكن أن يحدث هذا، أقسم على حسب علمه، فـ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَعُودُنَّ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبًّا")، -وهي الحيات التي تنهش وتنصب على فريستها- ("يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، فَخَيْرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مُؤْمِنٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ، يَتَّقِي اللَّهَ، وَيَذَرُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ"). (حب) (5956)، (الصحيحة) (3091). [قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَسَاوِدَ صُبًّا؛ يَعْنِي الْحَيَّةَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْهَشَ ارْتَفَعَ ثُمَّ انْصَبَّ]. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (10/ 173). خير الناس -أيضاً- التقي الغني الخفي، كما ورد عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قال سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه ... إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ("إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ"). (م)- (2965)، الغني الذي يتقي الله، و[(الغني) غنى النفس لا غنى المال، -و- (الخفي) الذي ليس له شهرة ولا يشار إليه بالأصابع]. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 381)، وكأنه غير معروف بين الناس، تقي غني خفي، هذا من خير الناس. وأحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، أنفعهم للناس بجهده بماله، أنفعهم للناس بدعائه وكفِّ شره عنهم، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟، وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟، فَقَالَ: ("أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ، أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، يَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ يَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا"). (طص) (861)، (كر) (18/ 1/2)، الصَّحِيحَة: (906)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2623)، -الاعتكاف في مسجد النبي شهراً كاملاً، كم ثوابه؟ عظيم عند الله، أعظم منه وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن تمشي مع أخيك المسلم تقضي حاجته. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَحَبُّ الْعبادِ إلى اللهِ، أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ"). أخرجه (عبد الله في زوائد الزهد)، (طب) (10033)، (يع) (3315)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (172) [والعباد عيال الله؛ لأنه -سبحانه وتعالى- هو المتكفِّل بهم في جميع أحوالهم، والأنفع شامل لنفع الدين والدنيا]. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 396). إذا نفعت الناس بالدين ونفعتهم بالدنيا فأنت أحب الناس عند الله. فيدخل في ذلك كلُّ من يقدم نفعا دينيا للناس، من علماء الشريعة والدعاة، والمفتين والقضاة، وغيرهم. وكلُّ من يقدِّم نفعاً للناس في دنياهم.. بما ييسر على الناس أمور دنياهم، ويحميهم من عدوهم، وكذلك الجمعيات والمؤسسات والجهات الخيرية والتعليمية، والصحية والاجتماعية، والبلدية، حكومية كانت أو أهلية. ويدخل في ذلك المدرس والطبيب والمزارع، والعامل والصانع، وغيرهم، ممن يقوم على مصالح عباد الله سبحانه، فهم أحب عباد الله إلى الله. وخير عباد الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفقراء والمساكين والضعفاء، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ) فَقَالَ: ("أَلَا أُخْبرُكُمْ بشَرِّ عِبادِ اللهِ؟ الْفَظُّ")، أي الغليظ الخَشِنُ الكلام، الذي يتعامل مع عباد الله بفظاظة. ("الْمُسْتَكْبرُ)، الذي يتكبر على عباد الله ويحتقرهم ويزدريهم. ("أَلَا أُخْبرُكُمْ بخَيْرِ عِبادِ اللهِ؟ الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ، ذُو الطِّمْرَيْنِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبرَّ اللهُ قَسَمَهُ"). (حم) (23504)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (2904)، (3198). (الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ)، أي: يستضعفه الناس ويحتقرونه، [وَالْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ؛ مَنْ نَفْسُهُ ضَعِيفَةٌ؛ لِتَوَاضُعِهِ وَضَعْفِ حَالِهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْمُسْتَضْعَفُ الْمُحْتَقَرُ لِخُمُولِهِ فِي الدُّنْيَا]. (فتح الباري)، المحتقر الذي ليس له ذكر في الناس، وغير معروف، هذا من خير عباد الله. وهذا هو ذو الطمرين؛ يعني ليس من الأثرياء بل هو فقير لا يملك من الملابس إلا الثياب الخلقة البالية. [("لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ -هذا الضعيف المستضعف لو أقسم على الله- لأَبَرَّهُ")، أي: لو أقسم عليه: لتفعلَنَّ -يا رب لي كذا وكذا، ويذكر- ما أحبُّ؛ لأَبرَّ قسمه. أي: فعل -الله- له ما يكون بفعله قد أبرَّ قسمه]. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/ 425). فعلينا ألاّ نستهين بالضعفاء والفقراء والمساكين، والخاملين الذي ليس لهم ذكرٌ -في الناس، ولا ذكر- لامعٌ في مجتمعاتهم؛ من أجلِ مظاهرهم في الدنيا، فقد يكونون عظماءَ المنزلة عند الله -سبحانه و- تعالى، ومن أحباب الله تعالى. [في هذا الحديث ذكر علاماتِ أهل الجنة: ضعيف مستضعف ذو الطمرين. وأهل النار، -فظ ومستكبر-، فمن علاماتِ أهل الجنة؛ أن يكون ضعيفًا متضعِّفًا، وذلك أن الجبَّارين -والظلمة- يستضعفونه، فيستطيلون عليه لضعفه. وقد يكون الضعفُ فقرًا لعدم المال، وقد يكون -الضعف- لعدم الرجال، -ليس له عشيرة ولا قبيلة-. وقد يكون لعدم القوةِ والأيد، -لا قوة عنده-، فإذا خلق الله تعالى خلقًا ضعيفًا لهذه الأشياء أو بعضها؛ ليمتحن به عبادَه، فمن يرحمه الإنسان أو يقهره فإنه يكون من أهل الجنة، كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم]. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 141). عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ رضي الله عنه قَالَ: (مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ) -وعِلْية القوم- (عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ -رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه-: ("مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟") (فَقَالُوا: هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ) -وحقيق وجدير- (إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ)، (فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ -لأن أصحاب رسول الله حكموا عليه بالظاهر- (ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ)، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: ("مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟") قَالُوا: (هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ)، -توسط في وساطة أو شيء- (وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا"). (خ) (5091)، (6447)، (جة) (4120) قال الزين العراقي رحمه الله: لا تحسب الفخرَ في لُبس وتدْريعِ ووصفٍ حَسَنٍ وزيٍّ غير مشروعِ فربَّ أشعثَ ذي طمرين مدفوعِ إن قال قولاً تراه غيرَ مسموعِ لكنه عند ربِّ العرش ذي قَسَمٍ بَرٍّ إذا رامَ أمراً غيرَ ممنوعِ التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 235). عباد الله فلا تغرنكم المظاهر! فالأمور بالسرائر! خير الناس للناس من يقعون سبياً تحت أيدي المسلمين من الكفار فيسلمون، كافر ويبقى على كفره ويقع تحت أيدي المسلمين، وعند المسلمين يجد المعاملة الحسنة فيسلم، هذا ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. (خ) (4281)، (ن) (11071). وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (اسْتَضْحَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا)، فَقِيلَ لَهُ: (يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَضْحَكَكَ؟!) قَالَ: ("عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ مُقَرَّنِينَ فِي السَّلَاسِلِ، مَا أَكْرَهَهَا إلَيْهِمْ")، فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟) قَالَ: ("قَوْمٌ مِنَ الْعَجَمِ، يَسْبِيهُمُ الْمُهَاجِرُونَ، فَيُدْخِلُونَهُمُ الْإِسْلَامَ"). (خ) (4557)، (د) (2677)، (حم) (22202)، (22257)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره، (حب) (134)، رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 298)، انظر الصَّحِيحَة: (2874). [(يساقون إلى الجنة)، أي: يساقون إلى الإسلام الذي هو سبب دخول الجنة. (وهم كارهون) -في الأصل للإسلام- له بل دخلوا فيه خوفاً من السيف، ثم وقر الإيمان في قلوبهم، وسبب الضحك -من رسول الله صلى الله عليه وسلم- معرفته صلى الله عليه وسلم تماماً -بما يؤلون- إليه مع كراهتهم لسببه]. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 99) أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الآخرة الحمد لله، حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: ومن خيار عباد الله؛ وهذا في آخر الزمان من سي***ه الدجال قبل يوم القيامة، وهو أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِين، هذا ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("يَأتِي الدَّجَّالُ") -من صفاته أنه أعور كذاب يدعي الربوبية والألوهية، قال: "يأتي الدجال- ("بَعْضَ السِّبَاخِ") -السِّبَاخِ جمع سبخة: وهي الأرض المالحة التي لَا تُنْبِت-، ("الَّتِي تَلِي الْمَدِينَة")، -من جهة الغرب الشمالي- ("وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ")، -الدجال ممنوع عليه أن يدخل المدينة تحريما لا شرعيا، بل تحريم كوني، قدر الله أن الدجال لن يدخل المدينة،- ("فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، فَتَلْقَاهُ مَسَالِحُ الدَّجَّالِ")، -(الْمَسَالِح): قَوْمٌ مَعَهُمْ سِلَاح، يُرَتَّبُونَ فِي الْمَرَاكِزِ كَالْخُفَرَاءِ، -الخفير أو الحارس- سُمُّوا بِذَلِكَ لِحَمْلِهِمْ السِّلَاح. شرح النووي (9/ 329)-رتبهم الدجال ليأتوا له بكل من يشكون فيه، فعندما يأتي إلى المسالح-. ("فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ")؟ -أي: أين تريد؟- ("فَيَقُولُ") -هذا المؤمن-: ("أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا؟!") -هم يؤمنون به أنه رب، وأنت تقول عنه: هذا الذي خرج!!- ("فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ")، -الله ظاهر سبحانه-. ("فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ؟!") -إلا بالإذن- ("قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، -بصفاته أعور أعرج مكتوب بين عينيه كافر، يا أيها الناس هذا الدجال كيف تؤمنون به أنه ربكم؟!- ("فَيَأمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ") -أو يشبح، يربط أو ما شابه ذلك- (الشَّبْح: مَدُّكَ الشيءَ بين أوتادٍ كالْجِلْدِ والحَبْل)-. ("فَيَقُولُ: خُذُوهُ فَشُجُّوهُ") -الشَّجّ: الضرب والْجَرْحُ فِي الرَّأس-. ("فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا، فَيَقُولُ: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بِي؟، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ") -لمن معه-: ("أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ؟ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟!") -يعني هل تشكون في ربوبيتي لكم- ("فَيَقُولُونَ: لَا! فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُنْشَرُ بِالْمِنْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ")، -إنه أعظم الناس شهادة، خير الناس ومن خير الناس، قال:- ("ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ، فَيَسْتَوِي قَائِمًا")، -تلتئم القطعتان ويرجع كما كان هذا العبد المؤمن- ("ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِي؟! فَيَقُولُ: وَاللهِ مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً، -الآن هذا الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم وغيره، يعْلَمُه ذلك الرجل في ذلك الزمان، أخبر عنه وسيفعل به، يقول: ازددت فيك بصيرة- ("ثُمَّ يَقُولُ"): -أي: ذلك الشاب-المؤمن- ("يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ") -أي: إن الدجال- ("لَا يَفْعَلُ بَعْدِي بِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ")، -لا يستطيع أن يتسلط على أحد من الناس بإيذائهم بعد ذلك،- ("قَالَ: فَيَأخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَلُ") -الله- ("مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ") -التَرْقُوَة: عظمةٌ مُشْرِفَةٌ بين ثَغْرَةِ النَّحْر والعَاتِق، وهما تَرْقُوَتَان-، ("نُحَاسًا، -والحديد لا يؤثر في النحاس، ("فلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلًا")، -يحاول ***ه مرارا، وقبل قليل قطعه قطعتين، والآن لا يستطيع ***ه، وإنما قال:- ("فَيَأخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ")، -ومن المعلوم أن الدجال معه جنة ومعه نار، فناره جنة، وجنته نار، ناره للمؤمنين جنة، وجنته للمؤمنين نار، لكن عمي على بصائرهم، فظنوا أن ناره جنة، قال:- ("فَيَحْسِبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ")، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("فَهَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ"). (م) (2938)، (خ) (6713). يا ربَّنا وإلهَنا يا الله! هذا ما أخبرنا به خيرُ خلقك محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فآمنا به وصدقناه، وصدقنا ما جاء به، وإنك قد صليت عليه أنت وملائكتُك، وأمرتنا بالصلاة والسلام عليه فقلت: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، فاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللهم اجعلنا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، اللهم اجعلنا من خير الناس، ومن أنفع الناس للناس، ومن أحب الناس إليك يا الله. اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر. اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا سجينا إلا أطلقته، ولا أسيرا إلا فككته، ولا ميتا إلا رحمته إلا رددته إلى أهله سالما غانما يا رب العالمين. ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]. الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
__________________
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|