|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
غض البصر
غض البصر
د. أمين بن عبدالله الشقاوي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله. وبعد: فإن من الفتن التي يواجهها المسلم في هذه الحياة فتنة النظر إلى النساء وهذه الفتنة تواجهه في السوق، وفي الطرقات، وفي الأماكن العامة، وفي الجرائد والمجلات، وفي غير ذلك، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"[1]. وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون؟ ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرئيل كانت في النساء"[2]. ومن الأمور المعينة للتغلب على هذه الفتنة: أولًا: استحضار النصوص الواردة في الأمر بغض البصر، والنهي عن إطلاقه في الحرام، قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30]. وروى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى و يصدق ذلك الفرج و يكذبه"[3]. وروى مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله قال: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري"[4]. وروى أبو داود في سننه من حديث ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة"[5]. ثانيًا: استحضار العبد اطلاع الله عليه، وإحاطته به لكي يخاف، ويستحي منه، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]، وقال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]. وجاء في الأحاديث المختارة عن سعيد بن زيد أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: "أوصيك أن تستحي الله - عز وجل - كما تستحيي رجلًا صالحًا من قومك"[6]. ثالثًا: أن يتذكر العبد شهادة العينين عليه يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت: 20]. روى مسلم في صحيحه من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: "كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟، قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، والكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام، قال فيقول: بعدًا لكن وسحقًا، فعنكن كنت أناضل"[7]. رابعًا: أن يتذكر العبد منافع، وثمرات غض البصر، قال ابن القيم - رحمه الله -: "ومن ثمراته: أ- أن في غضه امتثال لأمر الله، الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71]. ب- أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه، قال الشاعر: كل الحوادث مبداها من النظرِ ومعظم النّار من مستصغر الشررِ والمرء ما دام ذا عين يُقلّبها في أعين الغير موقوفٌ على الخطرِ كم نظرةٍ فتكت في قلبِ صاحبها فتك السهام بلا قوسٍ ولا وترِ يسرُ ناظره ما ضر خاطره لا مرحبًا بسرورٍ عاد بالضررِ وقال آخر: وكنت متى أرسلت طرفك رائدًا لقلبك يومًا أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر ج- أنه يورث القلب سرورًا، وانشراحًا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك بقهر عدوه بمخالفة نفسه وهواه[8]، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي قتادة، وأبي الدهماء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إمك لا تدع شيئًا لله - عز وجل - إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه"[9]. د- أنه يكسب القلب نورًا، كما أن إطلاقه يكسب القلب ظلمة، ولهذا ذكر الله سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر، فقال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30]. ثم قال إثر ذلك: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ [النور: 35]. أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره، واجتنب نواهيه، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان[10]. خامسًا: الزواج وهو من أنفع العلاج وأقواه في معالجة هذا الأمر، روى البخاري، ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج"[11]. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله من شر البصر الذي يؤدي إطلاقه إلى كل شر، فروى البخاري في الأدب المفرد من حديث شكل بن حميد - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: يا رسول الله، علمني دعاءً أنتفع به. قال: "قل: اللهم عافني من شر سمعي، وبصري، ولساني، وقلبي، وشر منيي"[12]. قوله: "وبصري": كي لا أنظر إلى محرم، وفي هذا الحديث الالتجاء إلى الله تعالى بالمعافاة من شر السمع والبصر واللسان والقلب، والمني؛ لأن هذه الحواس والأشياء خلقت للطاعة[13]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين [1] البخاري برقم (٥٠٩٦)، ومسلم برقم (٢٧٤٠). [2] برقم (٢٧٤٢). [3] صحيح البخاري برقم (٦٢٤٣)، وصحيح مسلم (٢٦٥٧). [4] برقم (٢١٥٩). [5] برقم (٢١٤٩) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/403) برقم (1881). [6] الأحاديث المختارة (3/299) برقم (١٠٩٩)، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/498) برقم (2541). [7] برقم (٢٩٦٩). [8] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص ١٥٨). [9] سبق تخريجه. [10] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص ١٥٨). [11] سبق تخريجه. [12] (663) واللفظ له، وأبو داود برقم (١٥٥١)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (٥١٥). [13] الشرح الممتع (4/22). |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|