بسم الله الرحمان الرحيم.
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه اجمعين
قال ابن أبي حاتم :
" ثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري قال أبو بكر محمد بن إدريس - وراق الحميدي - :
سمعت الحميدي يقول:
قال محمد بن إدريس الشافعي:
خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كَتَبْتُها وجَمَعْتُها،
ثمّ لمّا حان انصرافي مررتُ على رجلٍ في طريقي وهو مُحْتَبٍ بفناء داره، أزرق العينين،
ناتئ الجبهة، سِنَاطٌ (هو الكوسج الذي لا لحية له)
فقلت له: هل من منزلٍ؟
فقال: نعم - قال الشافعي - وهذا النعتُ أخْبَثُ ما يكون في الفراسة – فأنزلني،
فرأيتُ أكرم رجلٍ، بعثَ إليَّ بعشاءٍ وطيبٍ، وعَلَفٍ لدابَّتِي، وفراشٍ ولحافٍ،
فجعلتُ أتقلّبُ الليلَ أجمعَ ما أصنعُ بهذه الكتبِ؟
إذ رأيتُ هذا النعتَ في هذا الرجلِ،
فرأيتُ أكرمَ رجلٍ فقلتُ: أرمي بهذه الكُتبِ.
فلمّا أصبحتُ قلتُ للغُلام: أسرِجْ، فأسرجَ، فركبتُ ومررْتُ عليه،
وقلتُ له: إذا قدِمْتَ مكة ومررتَ بذي طُوًى فسَلْ عن منزل محمد بن إدريس الشافعيّ. فقال لي الرجل: أمولى لأبيك أنا؟!
قلتُ: لا. قال: فهل كانت لك عندي نعمةٌ؟!
فقلتُ: لا. فقال: أين ما تكلَّفتُ لك البارِحةَ؟
قلتُ: وما هُوَ؟ قال: اشتريتُ لك طعامًا بدِرهَمَينِ، وإدامًا بكذا، وعِطْرًا بثلاثةِ دراهِمَ، وعَلَفًا لدابَّتِك بدرهمين، وكراءُ الفِراشِ واللِّحافِ درهَمَانِ.
قال: قلتُ: يا غلامُ أعطِهِ، فهل بَقِيَ من شيءٍ؟ قال: كِراءُ المنزلِ،
فإنّي وسّعتُ عليك، وضيّقتُ على نفسي - قال الشافعي- فغَبَطتُ نفسي بتلك الكتُبِ،
فقلتُ له بعد ذلك: هل بَقِيَ من شيء؟
قال امضِ، أخزاكَ اللهُ، فما رأيت قطا شرا منك." آداب الشافعي ومناقبه (129-130)
منقول