|
#1
|
||||
|
||||
إيقاع الساعة البيولوجية
إيقاع الساعة البيولوجية
ميشيل دابليو يانج تقوم الساعات البيولوجية بحساب الفترات الفاصلة على مدار أربعة وعشرين ساعة في معظم أنماط الحياة، وقد أظهر علم الوراثة أن الساعات الجزيئية المسؤولة عن ذلك تعمل على الدوام في كل من: ذبابة الفاكهة، والفئران، وبني الإنسان. إن من الصعب مقاومة الشعور الملح بالنعاس في الساعة السابعة مساءً، كما يصعب مقاومة إلحاح بالجوع بعد الثالثة بعد الظهر، لكن بالعكس لا تكون هناك شهية للطعام بعد أن مضى وقت تناول الغداء، وكذلك الاستيقاظ من النوم في الرابعة صباحاً لا يجعل العودة للنوم بعد ذلك أمرًا ميسورًا. يألف هذا السيناريو الكثير من أولئك الذين استقلوا طائرة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى كاليفورنيا، في رحلة تستلزم القفز ثلاث ساعات فرقاً في التوقيت. وفي رحلة عمل أو إجازة تستمر أسبوعًا لا يكاد جسمك يتأقلم مع الجدول اليومي الجديد إلا وقد حان الوقت للعودة إلى الوطن مرة أخرى، الأمر الذي يتطلب أن تعود ثانية للنظام القديم. أقوم أنا وزملائي بصفة يومية تقريباً بوضع مجموعة من ذباب الفاكهة في مكان أنبوبي في رحلة "كاذبة" من نيويورك إلى سان فرانسيسكو أو العودة، فلدينا عدة حضانات في حجم الثلاجة "في مختبرنا": واحدة تسمى نيويورك، والأخرى تسمى سان فرانسيسكو، وكلتاهما مصممة على أن يقوم الضوء بداخلها بالإضاءة والانطفاء مع شروق الشمس وغروبها في تلك المدينتين. "وللثبات على ذلك، فقد برمجنا شروق الشمس على الساعة السادسة صباحاً والغروب في السادسة مساء، في كلا الموقعين"، ودرجة الحرارة في كلتا الحضانتين ثابتة ومنعشة حوالي (77) درجة فهرنهايت. تقطع الذبابات رحلتها الكاذبة في داخل أنابيب زجاجية صغيرة متصلة بأطباق خاصة تقوم بمراقبة حركاتها بواسطة حزمة دقيقة من الأشعة تحت الحمراء. وفي كل مرة تتحرك الذبابة في نطاق الحزمة الضوئية تترك صورة على مستقبل كهروضوئي صغير موجود في الطبقة موصل بالكمبيوتر، يقوم بتسجيل النشاط الحاصل. ووقت الذهاب من نيويورك إلى سان فرانسيسكو لا تستغرق رحلة الخمس ساعات طيران لذبابتنا، فنحن ببساطة نفصل إحدى الحضانات المليئة بالذباب ونحركها إلى الحضانة الأخرى، ثم نوصلها بالتيار مرة أخرى. وقد استخدمنا تعبير "عبر القارات" لنحدد وندرس وظائف عدة جينات يبدو أنها تمثل العجلات والتروس في عمل الساعة البيولوجية التي تتحكم في دورات الليل والنهار لأصناف كثيرة من الكائنات الحية، والتي لا تشمل فقط ذباب الفاكهة بل أيضًا الفئران والإنسان، وقد ساعدنا التعرف على الجينات في تحديد البروتينات التي تحولها إلى رموز. تلك البروتينات التي قد تستخدم كالتروس في علاجات كثير من العلل الجسدية من اضطرابات النوم إلى الاكتئاب الموسمي. إن الجزء الثانوي للساعة البيولوجية في الإنسان هو النواة فوق التصالبية، وهي: "مجموعة من الخلايا العصبية في منطقة بقاعدة الدماغ تسمى الوطاء أو (ما تحت السرير البصري)". فعندما يصل الضوء إلى شبكية العينين في كل صباح، تقوم الأعصاب المسؤولة بإرسال إشارات إلى النواة فوق التصالبية التي تقوم بدورها بالتحكم في دورة إفراز بعض المواد الحيوية النشطة. تقوم النواة بوفرة فوق التصالبية بتحفيز المنطقة المجاورة من الدماغ التي تسمى الغدة الصنوبرية. فعلى سبيل المثال: تقوم الغدة الصنوبرية بإفراز الميلاتونين طبقاً للتعليمات التي تصدر من النواة فوق التصالبية، والميلاتونين يسمى هرمون النوم، وهو متوفر الآن على شكل حبوب في كثير من محلات غذاء الصحة. ومع تقدم اليوم باتجاه المساء تبدأ الغدة الصنوبرية تدريجيا بإنتاج المزيد من الميلاتونين. وعندما يرتفع مستوى هذا الهرمون في الدم يحدث انخفاض طفيف في درجة حرارة الجسم ويزداد الشعور بالميل إلى النوم. الساعة البشرية: بينما يبدو الضوء وكأنه يعيد ضبط الساعة البيولوجية في كل نهار، أو على نحو نهاري ليلي أو على نحو يومي، فإن النظام يستمر في العمل حتى عند الأشخاص المحرومين من الضوء، مشيرًا إلى أن نشاط النواة فوق التصالبية فطري غير مكتسب. أظهر جورجين آشوف وزملاؤه في أوائل الستينيات بمعهد ماكس بلانكك لوظائف الأعضاء السلوكية بسويسين بألمانيا، أن متطوعين من الذين عاشوا في مستودعات الفحم الحجري المعزولة بدون ضوء طبيعي قامت الساعات البيولوجية أو وسائل تحكم أخرى بالحفاظ على دورة نوم واستيقاظ طبيعية لهم تقريباً على مدار (25) ساعة. يوم في داخل الساعة الجزيئية لذبابة خلايا من دماغ ذبابة بها نشاط ساعة جزيئية قريبة الشبه جداً بالتي عند الإنسان: 1- عندما تتعرض الذبابة للضوء فإن مركبات جزيئية مكونة من بروتينين تسمى (بير) بمعنى: فترة، و(تيم) بمعنى: غير محدود بوقت، تبدأ في التحلل بداخل خلايا دماغ الذبابة. ومركبات (بير/تيم) جزء من حلقة التغذية الاسترجاعية التي تتحكم في نشاط جيني (بير) و(تيم)، والتي تكمن بها التعليمات بإنتاج بروتيني (بير) و(تيم). 2- في منتصف النهار وقد انحلت بروتينات (بير) و(تيم) إلى العناصر الأساسية وتتحد مع بروتينين آخرين معا (سايكل وكلوك) مشكلان مركبات ترتبط بجيني (بير) و(تيم) لتجعلها تبدأ في العمل، وعندما يصبح جينا (بير) و(تيم) نشيطين ينتجان مركبات جينية وسيطة تسمى (مرسلات الحمض النووي RNA) التي تتحرك داخل الستوبلازم. 3- في داخل السيتوبلازم بمجرد أن تتحد مرسلات RNA لجيني (بير) و(تيم) مع مركبات أخرى تسمى (ريبوسومات) فإن (الريبوسومات) تبدأ في الانفصال أو في ترجمة المعلومات في الحمض النووي الريبوسي المرسل، لتكوين سلة من الأحماض الأمينية والتي تتحد مع بروتي (تيم) و(بير) اللذان يندمجان مع بعضهما البعض ويشكلان مركبات جديدة من (بير) و(تيم) عند الغسق. 4- أثناء الليل، تتحرك المركبات الجديدة (بير/تيم) بداخل النواة التي توقف نشاط بروتيني (سايكل وكلوك) موقفة منتجاتها. وعندما ترتفع الشمس في اليوم التالي تنحل مركبات (بير/تيم) إلى عناصرها الأساسية وتبدأ الدورة من جديد. ومؤخرًا حدد كل من تشارلز زيلار وريتشارد. إي. كرونز وزملائهم بجامعة هارفارد، أن النظم اليوماوي (اليومي) للإنسان حقيقة، أقرب إلى (24) ساعة - أو (24.18) ساعة (لمراعاة الدقة)، وقد أجرى العلماء دراسات على (24) رجلاً وامرأة، "وأحد عشر منهم في العشرينيات من أعمارهم، وثلاثة عشر من أعمارهم في الستينيات"، جميعهم ممن مكثوا لأكثر من ثلاثة أسابيع في بيئة ليس بها وسيلة حساب للوقت سوى دورة أسبوعية من النور والظلام، ضبطت على نحو كاذب على (28) ساعة، وقد أعطى ذلك للأشخاص موضوع الدراسة إشاراتهم بوقت النوم. قام العلماء بقياس درجة الحرارة الداخلية لأجسام المتطوعين والتي من الطبيعي أن تنخفض ليلاً مثلها مثل تركيز الميلاتونين في الدم، وكذلك انخفاض تركيز هرمون التوتر في الدم، والذي يسمى كورتيزون ويفرز في المساء. لاحظ الباحثون: أنه بالرغم من امتداد أيام المجموعة موضوع البحث بزيادة أربع ساعات على غير العادة، فقد استمرت درجة حرارة أجسامهم ومستويات الميلاتونين والكورتيزون تعمل وتؤدي وظيفتها طبقاً لساعتهم اليومية الداخلية الساعة البيولوجية، إيقاع هذه الساعة (24) ساعة. وأكثر من ذلك أن العمر ليس له أي تأثير على تكتكة الساعة، وذلك خلافاً لنتائج الدراسات السابقة والتي أفادت: بأن عنصر العمر يعطل النظم اليوماي، بينما حرارة الجسم وتموج الهرمون عند الأشخاص الأكبر سناً من بين الذين أجريت عليهم الدراسة بهارفارد كانت مثلها مثل المجموعة الأصغر عمراً من حيث الانتظام. وكما تبين من دراسات مستودع الفحم بهدف البحث في الجينات التي تندرج تحت الساعة البيولوجية، فقد تحول العلماء إلى ذبابة الفاكهة فهي مثالية لإجراء التجارب الوراثية حيث إن دورة حياتها قصيرة، وهي صغيرة الحجم مما يعني أن الباحثين يستطيعون عمل تكاثر وتهجين للآلاف منها في المختبر حتى تُجنى تغيرات وراثية مدهشة. وللإسراع في عملية ووقت التغير الوراثي فإن العلماء يقومون بتعريض الذباب لكيماويات مسببة للتغير الوراثي تسمى "ميوتاجينيز" أي التطفير، أول نتاج من الذباب أظهر تغيرًا في النظم اليومية في أوائل السبعينيات على يد كل من: بروت كونزوبكا، وسيمور بنزر بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، حيث قاما بتغذية عدد قليل من ذبابات الفاكهة ثم قاما بمراقبة حركات (2000) من الذرية الناتجة في جزء ما مستخدمين نفس الشكل من الأدوات التي نستخدمها الآن في تجارب نيويورك/ سان فرانسيسكو. كان معظم الذبابات لها نظم يومي عادي (من 24 ساعة): فكانت الحشرات نشطة لمدة (12) ساعة تقريباً في اليوم وتستريح لمدة (12) ساعة تقريباً، ولكن ثلاث ذبابات كان نتاجها سبباً في كسر القاعدة، فواحدة كان لها دورة (19) ساعة، وأخرى لها دورة (18) ساعة، والثالثة لم يكن لها دورة يومية على الإطلاق فتستريح وتنشط بصورة عشوائية فيما يبدو. ذبابات الوقت: في عام (1986م) وجد فريق للبحث بجامعة روكفيلار، وفريق آخر يرأسه جيفري هول بجامعة براندينز، وميشيل روسباش بمعهد هوارد هوفز الطبي ببراندينز، أن الذبابات الثلاث المتغايرة وراثياً بها ثلاثة تغيرات مختلفة في جين فردي يسمى "بيريود" أو "بير"، والذي قام بعزله كل فريق على نحو مستقل منذ عامين؛ لأن تغيرات مختلفة حدثت في نفس الجين مما تسبب في حدوث السلوكيات الثلاثة وخلصنا إلى أن الجين "بير" هو إلى حد ما مسؤول عن إنتاج النظام اليومي عند الذبابات وكذلك عن ضبط نمط. وبعد عزل جين "بير" بدأنا في التساؤل عما إذا كان الجين قد عمل بمفرده في التحكم في دورة الليل والنهار. وللإجابة على ذلك قام اثنان من الحاصلين على الدكتوراه: آميتا سيهجال وجيفري برايس، وهما يعملان بمختبري، قاما بمراقبة (700) ذبابة على الشاشة ليريا ما إذا كانا يستطيعان التعرف على ذبابات أخرى ذات نظم مغاير. من بين الذبابات نتاج التغير الجيني وفي النهاية وجدا ذبابة من ذوات الجين (بير) ليس لها نظم يومي واضح. والتغير الجديد تحول إلى الكروموزوم (2)، بينما تحول موقع الجين "بير" إلى الكروموزوم (x إكس)، وعلمنا أن ذلك لا بدّ أن يكون جيناً جديداً وأطلقنا عليه اسم Timeles، أو الجين غير المحدد بوقت (تايمليس). ولكن، كيف اتصل الجين الجديد بالجين "بير"؟ إن الجينات مكونة من الـ (DNA) "الحمض النووي الوراثي" الذي يحتوي التعليمات بتكوين البروتينات و(DNA) لا يغادر نواة الخلية على الإطلاق، ويطرد مركباته الجزيئية في صورة (الحمض النووي الريبوزي) حيث تترك النواة، وتدخل إلى السيتوبلازوم، ويتم هناك تكون البروتينات. وقد قمنا باستخدام الجينين (بير Per) و(تيم tim) في المختبر. وبالتعاون مع تشارلز وينز من مدرسة هارفارد الطبية، لاحظنا أنه عندما خلطنا النوعين من البروتين، التصق كل منهما بالآخر موصين بأنهما سيتفاعلان بداخل الخلية. وفي سلسلة من التجارب وجدنا أن إنتاج بروتيني "بير" و"تيم" يشتمل على حلقة من التغذية الاسترجاعية تشبه الساعة. وجينا "بير" و"تيم" يظلا نشطين حتى يصبح تركيز بروتينهما عالياً بالقدر الكافي الذي يبدأ عنده كل منهما الارتباط بالآخر، وعندما يحدث ذلك فإنهما يشكلان مركبات تدخل إلى النواة وتوقف الجينات التي صنعها، وبعد ساعات قليلة تقوم الأنزيمات بحل المركبات إلى عناصرها الأساسية وتبدأ الجينات مرة أخرى وتبدأ دورة جديدة. تحريك عقارب الساعة بمجرد أن وجدنا جينين يعملان معا لتكوين ساعة جزيئية، بدأنا نتساءل كيف يمكن إعادة ضبط الساعة. وعلى كل حال، فإن دورات نومنا واستيقاظنا تتأقلم تماماً للانتقال إلى أي عدد من الفترات الزمنية حتى إن ضبطها قد يستغرق يومين أو أسبوعين. ذلك عندما بدأنا في تحريك أطباق الذباب ذهاباً وإياباً للأمام والخلف بين حضانتي نيويورك وسان فرانسيسكو، أول الأشياء التي لاحظناها نحن وباحثان آخران: أنه عند تحريك الذباب من حضانة مظلمة إلى أخرى ساطعة الضوء مثل ضوء النهار، فإن بروتينات "تيم" اختفت من دماغ الذبابة في بضع دقائق. والأكثر تشويقا أننا لاحظنا أن الاتجاه الذي تسافر فيه الذبابات أثر على مستويات بروتينات "تيم" بها، فإذا أنزلنا الذبابات من حضانة نيويورك في الساعة الثامنة مساءً حسب التوقيت المحلي بينما كانت مظلمة، ووضعناها بعد ذلك في سان فرانسيسكو حيث لا يزال يوجد ضوء في الساعة الخامسة مساءً حسب التوقيت المحلي، فإن مستوى بروتينات "تيم" قد انخفض ولكن بعد ساعة عندما اختفى الضوء في سان فرانسيسكو بدأت بروتينات "تيم" في التراكم مرة أخرى، ويدل ذلك على أن الساعات الجزيئية للذبابات قد توقفت في البداية نتيجة التحول –النقل-، ولكنها بعد ذلك عاودت تدق بما يتناسب مع النظام الجديد والتوقيت الجديد. وعلى النقيض فقد تم تحريك الذبابات في الساعة الرابعة صباحاً من سان فرانسيسكو معرضة لأشعة شمس ضعيفة وعند وضعها في نيويورك -حضانة- عندما كانت الساعة السابعة صباحاً، هذا التحرك أيضاً سبب مستويات البروتين "تيم" أن تنخفض، ولكن هذه المرة لم يعد البروتين إلى بناء نفسه مرة أخرى ذلك؛ لأن الساعة الجزيئية قد تم ضبطها بواسطة مفتاح التحكم في مساحة الوقت. تعلمنا أكثر عن الآلية التي وراء الاستجابات الجزيئية المختلفة وذلك بفحص توقيت إنتاج مرسلات "تيم" (RNA) في الساعة الثامنة مساءً حسب التوقيت المحلي وأقلها من الساعة 6: 8 صباحاً، والذبابة التي تتحرك في الساعة (8) مساءً من نيويورك إلى سان فرانسيسكو تنتج أعلى مستوى من (RNA) "تيم"، فالبروتين الذي يفقد بالتعرض للضوء في سان فرانسيسكو يتم تعويضه بسهولة بعد غروب الشمس في الموقع الجديد، فالذبابة المسافرة في الساعة الرابعة صباحاً من سان فرانسيسكو إلى نيويورك على أي حال كانت تنتج قليلًا جدًّا من مرسلات "تيم" (RNA) قبل الرحيل، وما تمارسه الذبابة عند بدء تعرضها للأشعة الخفيفة للشمس عند الشروق هو أنه يتم طرد بروتين "تيم" ويسمح للدورة الجديدة (التالية) لإنتاج "تيم" أن تبدأ مع "جدول" مبكر في أول النهار. ليس مجرد حشرات: إن إعطاء الذبابات رحلات أنبوبية قد انطوى على إعطاء تضامين مباشرة لفهم النظم اليومي في الثدييات بما في ذلك الإنسان، ففي عام (1997م) قام فريق من العلماء بقيادة هجايم تاي من جامعة طوكيو وهيتوشي أوكامورا من جامعة اليابان، وفريق آخر مستقل تشنج تشاي لي بكلية الطب ببيلور، قاموا بعزل جين "بير" من الإنسان والفأر. وثورة أخرى من العمل، هذه المرة شملت مختبرات كثيرة، اكتشفت أشكال الجين "تيم" عند الفأر والإنسان في عام (1998م). وكانت الجينات نشطة في النواة فوق التصالبية. دراسات أخرى أجريت على الفئران ساعدت على الإجابة على سؤال رئيسي وهو: ما الذي يبدأ نشاط جيني "بير" و"تيم" في المكان الأول؟ في عام (1997م) قام كل من جوزيف تاكاهاشي من معهد هوارد هوجز الطبي بجامعة نورث ويسترن، وزملاؤه بعزل الجين الذي أسموه "كلوك" -أي الساعة- والذي عندما جرب أنتج فأراً ليس له نظم يومي يمكن ملاحظته والجين يرمز إلى عامل إنتاجي معين، بروتين ما الذي يرتبط في هذه الحالة بـ(DNA) ويسمح له بالانفصال في صورة (RNA) مرسلة. بعد ذلك بوقت قصير تم عزل نسخة من جين الفأر المسمى "كلوك" مأخوذاً من ذبابة، وبدأت فرق أخرى من الباحثين في إدخال اتحادات من جينات "بير" و"تيم" و"كلوك" إلى خلايا كل من الثدييات وذبابة الفاكهة، أظهرت هذه التجارب أن بروتين "كلوك" يستهدف جين "بير" في الفئران، وكل من جيني "بير" و"تيم" في الذباب فقد جاء النظام في دورة كاملة في ذبابات لها أفضل ساعات بيولوجية مفهومة النظم فبروتين "كلوك" بالاتحاد مع بروتين يرمز له بجين يسمى "ياسكل" يتحد مع جيني "بير" و"تيم" وينشطها ولكن فقط في غياب بروتيني "بير" و"تيم" من نواة الخلية. هذه الجينات الأربعة وبروتيناتها تشكل قلب الساعة البيولوجية للذباب ومع بعض التعديلات، يبدو أنها تشكل آلية ما تتحكم في النواة فوق التصالبية في مملكة الحيوان من الأسماك إلى الضفادع، ومن الفئران إلى الإنسان. مؤخراً بدأت مجموعة ستيف ريبيرت بكل من مختبر هارفارد وجوسن بلو، في استكشاف الإشارات المحددة التي تربط بين الساعة البيولوجية عند كل من الفأر وذبابة الفاكهة وبين توقيت سلوكيات متعددة، والتقلبات الهرمونية ووظائف أخرى، ويبدو أن بعض الجينات الناتجة تبدأ عملها بالتفاعل المباشر مع بروتين "كلوك" ويقوم كل من بروتين "بير" و"تيم" بوقف قدرة بروتين كلوك لتشغيل هذه الجينات في نفس الوقت الذي تنتج فيه ذبذبات من الحلقة المركزية للتغذية الاسترجاعية مرتبة نظماً ممتدة من دورات نشاط الجين. التوقع المثير في المستقبل هو: أن يكتشف نظام كامل لجينات منضبطة بالساعة في كائنات حية مثل ذبابة الفاكهة والفئران. ويرجح أنه سيكتشف على هذه الشبكة منتجات جينية غير محددة الصفات ذات تأثيرات مثيرة للفضول (على السلوكيات) ربما واحدة منها أو أحد العناصر الأساسية في الساعة الجزيئية نفسها، سيصبح هدفاً منشوداً لتصنيع عقاقير تفرج عن سجن الأنابيب، أو تلطف الأعراض الجانبية للعمل في مناوبات، أو علاج اضطرابات النوم وما يتعلق به من أمراض اكتئابية، وقد يصبح في يوم ما التأقلم على رحلة من نيويورك إلى سان فرانسيسكو أسهل بكثير من الآن. ساعات في كل مكان إنها ليست فقط في الدماغ: إن معظم الأبحاث التي أجريت على الساعة البيولوجية عند الحيوانات، ركزت على الدماغ، ولكن الدماغ ليس العضو الوحيد الذي يراقب النظم النهاري والليلي. فقد عرفت جادويجا جيبولطو ويكز من جامعة ولاية أوريجون، كلاً من بروتيني "بير" و"تيم" على أنها: المركبات الرئيسية للساعات الجزيئية للأنابيب الملبيجي الشبيه بالكلية عند ذبابة الفاكهة. وقد لاحظت أيضاً أن البروتينات يتم إنتاجها طبقاً للدورة اليومية، فيرتفع معدلها بالليل وينخفض بالنهار. وتستمر الدورة حتى في الذبابات مقطوعة الرأس موضحة أن الخلايا الملبيجية لا تستجيب فقط لإشارات من دماغ الحشرة. إضافة إلى ذلك، فإن فريق الباحثين بقيادة استيف كاي بمعهد أبحاث اسكريينس بلاجولا بكاليفورنيا اكتشفوا دليلاً على الساعات الجزيئية في الأجنحة والأرجل ومنطقة الفم وقرون الاستشعار لذبابة الفاكهة، وبتحويل الجينات التي توجه إنتاج بروتينات "بير" الفلورية في الذبابات الحية، أظهر كل من كاي وزملائه أن كل نسيج يحمل ساعة مستقلة حساسة للضوء. وتستمر الساعات في العمل والاستجابة للضوء حتى بعد فصل النسيج عن جسم الحشرة. والساعات الموجودة خارج الجمجمة ليست قاصرة على ذبابات الفاكهة وقد أظهر يلي شيبلر بجامعة جينيفيا في عام (1988م) أن جينات "بير" -خلايا النسيج الضام عند الفأر- والتي تسمى الخلايا الليفية، بها نشاط يومي النظم. إن تنوع أصناف الخلايا التي ظهر بها نشاط ساعة ذو نظم يومي يوحي بأنه في كثير من الأنسجة يكون التوقيت الصحيح مُهمّا بالقدر الذي يكفي لضمان بقاء تسلسل الناشط بها موضعياً، وتلك النتائج يجب أن تعطي معنى جديدًا لمصطلح (الساعة الجسمية). الأسس: الساعة البيولوجية: يجيب المؤلف عن بعض الأسئلة الرئيسية. - أين تكون الساعة البيولوجية؟ في الثدييات: تقع الساعة الرئيسية التي تملئ دورة النشاط بالليل والنهار المعروفة بالنظم اليومي أو (اليومي)، في جزء من الدماغ يسمى النواة فوق التصالبية، ولكن توجد خلايا في أماكن أخرى أظهرت نشاط ساعة بيولوجية. - ما الذي يقود الساعة البيولوجية؟ إن خلايا النواة الفوق تصالبية عند الشخص يوجد بها جينات مسؤولة عن الساعة تقوم بتشغيلها وتوقيفها بروتينات حولتها الجينات إلى رموز في حلقة من التغذية الاسترجاعية في تنظيم منضبط على (24) ساعة. - هل الساعة الحياتية على دورة الأربع وعشرين ساعة للنور والظلام؟ - لا، حيث إن النظم الجزيئية لنشاط جين الساعة فطرية ومدعمة ذاتياً، ويستمر عملها في غياب دورات الليل والنهار. - ما الدور الذي يلعبه الضوء في تنظيم وإعادة ضبط الساعة البيولوجية؟ - إن الضوء الساطع الذي تمتصه شبكية العين أثناء النهار يساعد على تزامن أنظمة نشاط الجينات المسؤولة عن الساعة مع الدورة البيئية السائدة. فالتعرض للضوء الساطع ليلاً يعيد ضبط النظم اليومي بالتغير الحاد في كم بعض المواد التي تنتج من جين الساعة. - كيف تقوم الساعة الجزيئية بتنظيم النشاط النهاري الليلي عند فرد ما؟ - البروتينات المتقلبة المركبة بواسطة جينات الساعة تتحكم في طرق جينية إضافية تربط الساعة الجزيئية بتغيرات في الوظائف العضوية والسلوك. - تغيرات الجسم على مدار (24) ساعة. * في الساعة 1 صباحًا: النساء الحوامل غالباً ما يبدأن في الوضع. * 2 صباحاً: خلايا محصنة تسمى الكريات الليمفاوية المساعدة (تي) تكون في ذروتها. * 4 صباحاً: مستويات هرمون النمو تكون في قمة ارتفاعها. * 6 صباحاً: يغلب حدوث نوبات الربو، غالباً ما تبدأ دورة الحيض، تكون مستويات الأنسولين في الدم في أقل مستوياتها، يبدأ ضغط الدم ومعدل ضربات القلب في الارتفاع، ترتفع مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول). * 7 صباحاً: تبدأ مستويات الميلاتونين في الانخفاض. * 8 صباحاً: تكون حمى القش في أسوأ أعراضها، مخاطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية تكون في أعلى معدلاتها، تكون التهابات المفاصل "الروماتويد" في أسوأ أعراضها، يكون مستوى الكريات الليمفاوية المساعدة "تي" أقل مستوى أثناء النهار. * ظهرًا: يكون مستوى الهيموجلوبين في الدم في قمته. * 3 عصرًا: تكون سيطرة القوة ومعدل التنفس والحساسية المنعكسة في أعلى معدل لها. * 4 عصرًا: تكون درجة حرارة الجسم ومعدل النبض وضغط الدم في ذروتها. * 6 مساءً: إدرار البول يكون في أعلى معدل له. * 9 مساءً: بداية الألم في أقل معدلاته. * 11مساءً: غالب حدوث استجابات الحساسية. مراقبة النظم اليوماوية عن الذباب على شاشات: وضع الذبابات في أنابيب مقفلة: يساعد الباحثين - مثل الكاتب أعلاه - على فهم الأساس الجزيئي للساعات البيولوجية عند العديد من الكائنات الحية الأخرى بما فيها الإنسان، فيتم إبقاء الذبابات الدقيقة في أنابيب زجاجية صغيرة والأنابيب مثبتة في لوحات مزودة بجهاز حساس يقوم بتسجيل نشاط الحشرات، فعندما توضع لوحة أنابيب في حضانة مضبوطة -حسب توقيت نيويورك- حيث تكون مظلمة في الساعة (7.30) مساءً، يتم تحريكها إلى حضانة أخرى منضبطة على توقيت سان فرانسيسكو حيث يكون هناك ثلاث ساعات أقل في التوقيت، فلا يزال ضوء النهار موجوداً، ومستويات البروتينات الرئيسية في أدمغة الذبابات تنخفض. أدوات مراقبة نشاط الذبابة: من أجل التعرف على الجينات التي تلعب دورًا في دورة نشاط الليل والنهار عند الذباب، قام باحثون بتعريض ذبابات الفاكهة لكيماويات تسبب "تغيار أحيائي" والتي تؤثر على جينات نتاجها. وعندما تكبر تلك الذرية الناتجة يتم وضع كل واحدة في أنبوبة زجاجية صغيرة، والأنابيب بها غذاء للذباب في طرف وقطن في الطرف الآخر للسماح بدخول الهواء. وهذه الأنابيب مثبتة في لوحة خاصة مجهزة بمصدر أشعة تحت الحمراء وأجهزة رقابة استكشافية، وطبيعة ذبابات الفاكهة أنها تستريح في الليل وتنشط أثناء النهار، واللوحات المتصلة بجهاز كمبيوتر بمراقبة حركات الذبابة، وبتسجيل عدد المرات التي تمر فيها الذبابة على الأشعة تحت الحمراء. وبتحليل الآلاف من نتاج الذبابات بتلك الطريقة، تظهر في آخر الأمر بعض الذبابات التي لها نظم يومي غير طبيعي |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|