#1
|
||||
|
||||
![]() مضت أشهر النوم وهنا ينبغي أن نرفع شعار "مضت أشهر النوم"، "ولت ساعات الراحة"، "أدبرت أيام الدعة"؛ والسبب: أن شهر السهر في الطاعة قد جاء، وساعات التعب في لذة العبادة قد حضرت، وليالي القرب من الله قد أقبلت.والناظر المتفحص لحال النبي، يرى أنه ما كان يعرف النوم في رمضان، وإنما كان جبريل يدارسه صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وفي الصحيح كما تقول أمنا عائشة: "كان رسول الله إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله". وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرؤها في غير الصلاة، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة. وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن. يقول الحافظ ابن رجب موضحا سر اجتهادهم هذا : إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، والأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة. الليل حياة العابدين ولهذا يلخص لنا شداد بن أوس حال القوم فيقول: كنا لا نعرف النوم في رمضان. وما أروع ما قاله ابن - كما يقول ابن القيم- في مدارج السالكين: "النوم يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره. ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره، لاسيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران. ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. فإنه وقت غنيمة. وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس. فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة. ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة. فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر. ( انظر: تهذيب مدارج السالكين: 201 ). وأختم هنا بما قاله ابن رجب الحنبلي في كتابه "لطائف المعارف" حاثا الصائمين على الإقبال فقال: يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي. يا شموس التقوى والإيمان اطلعي. يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي. يا قلوب الصائمين اخشعي. يا أقدام المتهجدين اسجدي لربك و اركعي. يا عيون المجتهدين لا تهجعي. يا ذنوب التائبين لا ترجعي. يا أرض الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفوس أقلعي. يا بروق العشاق للعشاق المعي. يا خواطر العارفين ارتعي. يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي. يا جنيد اطرب. يا شبلي احضر. يا رابعة اسمعي. قد مدت في هذه الأيام موائد الإنعام للصوام فما منكم إلا من دعي : "يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ" (الأحقاف:31). ويا همم المؤمنين أسرعي. فطوبى لمن أجاب فأصاب وويل لمن طرد عن الباب و ما دعي. والحمد لله أولا وآخرا. |
العلامات المرجعية |
|
|