الموضوع: نهاية المادية
عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 27-07-2009, 11:25 PM
المفكرة المفكرة غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 1,414
معدل تقييم المستوى: 17
المفكرة is on a distinguished road
افتراضي التاريخ هو طريق الإنسانية إلى الله

استمعت إلى إحدى محاضرات القمني يعرض فكره و كتبه و يدافع عنها. يرى الرجل التاريخ الإسلامي تاريخ غزوات قادها المسلمون ليؤمنوا أقواتهم ، و أنهم قهروا ابن البلد الأصلي و تسلطوا عليه بالحكم و أخذوا خيراته . كان الرجل غاضباً من أن الفاتح المسلم لم يترك الأرض بعد أن يعلم أهلها بالإسلام و يعود إلى جزيرة العرب (لا أعلم قانوناً يمنع البشر من الهجرة بين البلاد و لعل أحدهم يصيب حظه في بلد آخر . و التاريخ الإنساني مليء بالمهاجرين و المغامرين من كل صنف و لون و لكل سبب و دافع بالذات في العصر الحديث حيث نتجت الحضارة الأمريكية المعاصرة نتبيجة الهجرة و الصراع على الموارد و الأرض و الوجود و الكيان.)
****************************
بينما أقلب أحد كتب العقاد وجدت مقالاً بعنوان (الإنسانية من ماضيها إلى مصيرها) سطرها عام 1955، بشكل ما أحدثت التوازن النفسي الذي أخل به القمني بداخلي .

إليكم طرفاً من حديث شائق :
ماضي الإنسانية مسافة شاسعة مترامية الأطراف سواء حسبناها بالأيام أو بالأماكن أو بالأنفس أو بالأوراق المكتوبة . لكنها على اتساعها قابلة للتلخيص في سطر إن كان لها معنى و وجهة منتظمة و هذه الوجهة تتلخص في فكرة كبيرة تعبر عنها كلمات معدودة.
هذه المحاولة هي التي حاولها عالم من أكبر علماء التاريخ في زماننا و هو الأستاذ أرنولد توينبي صاحب الكتاب المشهور (دراسة في التاريخ) .
بدأ تأليف الكتاب بعد الحرب العالمية الأولى و انتهى من تأليفه في ثلث قرن تقريباً . كتاب يقع في عشرة أجزاء و يشغل 7000 صفحة ، قام مؤلفه بالسياحة في مواطن الحضارات و الإقامة بها كي يتثبت مما كتب . مجهود جبار و علم واسع يؤهل صاحبه للحكم على دلالة التاريخ الإنساني من مبتدئه إلى عصره الحاضر و استخراج الوجهة المرتسمة من حوادث التاريخ و الفكرة التي تتجلى في الحضارات و الصراعات واحدة بعد الأخرى.
ترى ما الفكرة التي خرج بها هذا الأستاذ ؟
خلاصة هذا الرأي سطر واحد : (أن التاريخ هو طريق الإنسانية إلى الله .)
هذا هو الإجمال الذي شرحه المؤرخ في سبعة آلاف صفحة . و قرر أن تاريخ الأمم و الحضارات و العقائد و الأخلاق معناها هداية النفس الإنسانية لحرية الضمير برعاية الإله .
فكل أمة و كل حضارة و عقيدة تأتي لترفع في الطريق مصباحاً ينير ساحة الكون في العلم بحقائقه و حقيقة الحقائق مصدر الخلق و التدبير.
يقول المؤرخ أن الإنسان يبتكر الحرف و الصناعات لكنه لا يبتكر عقيدته الدينية لأنها تأتي فرض على شعوره و غير قابلة للبحث في جوانبها الكبرى التي لا يسعه سوى التسليم بها . لذلك تسخّـر العقيدة الإنسان و لا يستطيع أحد أن يسخّـر العقيدة لهواه .

يضرب لذلك مثالاً بعقيدة الإسلام . فالفرس الذين دخلوا الإسلام أرادوا تسخيره لإحياء القومية الفارسية فاستخدمتهم عقيدة الإسلام لنشرها و توطيد معارفها . أما المغول الذين جاءوا غازين لبلاد الإسلام فقد أسلموا ثم نشروا الإسلام و ذادوا عن حوزته .
و لا تندثر عقيدة إلا إذا جاءت عقيدة أقوى منها و أقدر على تسخير الأولى لنشرها . فليس أقوى من الإيمان على تسيير الإنسان والإرتقاء به على مدارج الحضارة .


رد مع اقتباس