عرض مشاركة واحدة
  #40  
قديم 28-10-2011, 11:52 PM
osama_mma14 osama_mma14 غير متواجد حالياً
عضو متواصل
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 867
معدل تقييم المستوى: 16
osama_mma14 is on a distinguished road
افتراضي

الوقفة الخامسة:قوله:"وعن حرية الاعتقاد وعلاقتها بحكم"المرتد"يسوق الجابري عدة آيات قرآنية تتعلق بموقف الدعوة المحمدية من حرية المعتقد،ومنها على سبيل المثال قوله-تعالى-:"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"،"فذّكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"،"فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إنْ عليك إلا البلاغ"،"ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"،"إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كَفوراً".
ويعلّق الجابري بالقول إنّ"هذه الآيات تقرر حرية الإنسان في الاعتقاد،فهو حر في أن يعتنق الإسلام،لكنه إذا أعرض فليس من حق الرسول-صلى الله عليه وسلم-أن يجبره على ذلك
"ا.هـ.

إن استدلاله بالآيات المذكورة على ما ذَكَر مما يعجب منه العقلاء،وهو بمعزل عن معرفة أساليب العرب في كلامها،وعن سياق هذه الآيات الكريمة:

أما قوله-تعالى-:"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"[الكهف:29]؛فالأمر هنا للتهديد لا للتخيير؛وهو أسلوب عربي مشهور،ونظيره قوله-تعالى-:"ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون"[النحل:55،الروم:34].
فهل يقول هؤلاء:"إن هذا أمر لهم بأن يكفروا بما آتاهم الله من الحق والهدى؟!
ونظيره أيضاً قوله-تعالى-:"اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير"[فصلت:40].
فهل يقولون:"إن هذا أمرٌ لهم بأن يفعلوا ما يشاؤون من الكفر والمعاصي؟!.
وقد دل على كون الأمر هنا للتهديد قوله-تعالى-بعد ذلك:"إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقه"الآية؛"إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم"."أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"4/101.
وقد اتفقت كلمة المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على ذلك:
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-:"هذه تهديد ووعيد"ا.هـ.
وقال مجاهد-رحمه الله-:"قوله:"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"وعيدٌ من الله فليس بمعجزي"ا.هـ.
وقال ابن زيد-رحمه الله-:"هذا كله وعيدٌ،ليس مصانعة،ولا مراشاة،ولا تفويضاً"ا.هـ.
وقال ابن جرير-رحمه الله-:"وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء،والإيمان لمن أراد؛وإنما هو تهديد ووعيد؛وقد بين أن ذلك كذلك قوله:"إنا أعتدنا للظالمين نارا"والآيات بعدها"ا.هـ."جامع البيان عن تأويل آي القرآن"8/216.
وقال البغوي-رحمه الله-:"قوله:"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله:"اعملوا ما شئتم"[فصلت:40]"ا.هـ."معالم التنزيل"1/167.
وقال القرطبي-رحمه الله-:"وليس هذا بترخيص وتخيير بين الإيمان والكفر،وأنما هو وعيد وتهديد،أي:إن كفرتم فقد أعد لكم النار،وإن آمنتم فلكم الجنة"ا.هـ."الجامع لأحكام القرآن"10/341.
وقال ابن كثير-رحمه الله-:"يقول-تعالى-لرسوله محمد-صلى الله عليه وسلم-:"وقل"يا محمد للناس هذا الذي جئتكم به من ربكم هو"الحق"الذي لا مرية فيه ولا شك،"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"هذا من باب التهديد والوعيد الشديد؛ولهذا قال:"إنا أعتدنا للظالم ناراً أحاط بهم سرادقها""ا.هـ. " تفسير القرآن العظيم"3/111.
وقال ابن عاشور-رحمه الله-:"والأمر في قوله:" فليؤمن"وقوله:"فليكفر"للتسوية المكني بها عن الوعد والوعيد"ا.هـ."التحرير والتنوير"ص2537،وانظر:"فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير"3/402.
وبهذا تكون الآية دالة على عكس ما استدلوا بها عليه من الحرية المدعاة.

وأما قوله-تعالى-:"فذّكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"[الغاشية:22]وقوله-تعالى-"فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إنْ عليك إلا البلاغ"[الشورى:48]،وقوله-تعالى-"ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"[يونس:99]؛فهذه الآيات فيها التسلية للنبي-صلى الله عليه وسلم-بعد أن بلغ الناس كافةً البلاغ المبين،ووعد من آمن به،وتوعد من كفر به بأن هداية قلوب الناس ليست بيدك،وإنما هي بيده-تعالى-؛يهدي من يشاء فضلاً،ويضل من يشاء عدلاً كما قال-تعالى-:"ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء"[البقرة:272]،وقال-تعالى-:"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"[القصص:56]،وقال-تعالى-:"وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد"[ق:45]،وقال-تعالى-:"وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين"[الأنعام:35]؛فليس فيها تعرض لما استدلوا بها عليه.
وإن سياق هذه الآيات يدل على الوعيد لمن كفر بالنبي-صلى الله عليه وسلم:
فقد قال-تعالى-بعد قوله:"لست عليهم بمسيطر":"إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم"[الغاشية:23-26].
وقال-تعالى-:"استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير"[الشورى:49]بعد قوله-تعالى-:"فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إنْ عليك إلا البلاغ"[الشورى:48].
وقال-تعالى-:"إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون"[يونس:98-99].
قال ابن عاشور-رحمه الله-في تفسير آية الغاشية:"ونفي كونه مسيطراً عليهم خبر مستعملٌ في غير الإخبار؛لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-يعلم أنه لم يكلف بإكراههم على الإيمان؛فالخبر بهذا النفي مستعمل كناية عن التطمين برفع التبعة عنه من جراء استمرار أكثرهم على الكفر؛فلا نسخ لحكم هذه الآية بآيات الأمر بقتالهم"ا.هـ."التحرير والتنوير"30/272.
فهذا مراد هذه الآيات التي استدل هؤلاء بها على ما يدعونه من الحرية الدينية!!

وأما قوله-تعالى-:"إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كَفوراً"[الإنسان:2-3]؛فلا علاقة له بالحرية الدينية التي يدعون؛فإنه إخبار بأن الله-تعالى-قد أقام الحجة على المكلفين ببيان طريق الخير؛ليتبع، وطريق الشر؛ليجتنب،والإخبار بانقسامهم بعد ذلك إلى شاكر وكفور.
وقد بين بعد ذلك ما للكافرين من العذاب فقال-تعالى-:"إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالاً وسعيراً"[الإنسان:4].
وبين ما للأبرار من النعيم فقال-تعالى-:"إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً"الآيات[الإنسان:5-22].

وما أحسن ما قاله الإمام أحمد-رحمه الله-في وصف هؤلاء في خطبته التي كتبها في كتابه"الرد على الجهمية والزنادقة:"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم؛يدعون من ضل إلى الهدى،ويصبرون منهم على الأذى،يحيون بكتاب الله الموتى،ويبصرون بنور الله أهل العمى.
فكم من قتيل لأبليس قد أحيوه؟وكم من ضال تائه حيران قد هدوه؟
فما أحسن أثرهم على الناس،وأقبح أثر الناس عليهم.
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين،وانتحال المبطلين،وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة،وأطلقوا عنان الفتنة؛فهم مختلفون في الكتاب،مخالفون للكتاب،مجمعون على مفارقة الكتاب،يقولون على الله،و في الله،و في كتاب الله بغير علم،يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم-نعوذ بالله من شبه المضلين-"ا.هـ.

الوقفة السادسة:قوله عن الجابري:"لكنه لم يغفل مسألة الاعتراض على فكرته هذه بقضية "المرتد"الذي حكمه ال***-كما هو معروف في الفقه الإسلامي-؛ولهذا يؤكد أهمية الوعي بأن القضية جزئية يختلف حكمها عن مقتضيات المبدأ الكلي-الذي تقرره الآيات-"ا.هـ.

ويلاحظ عليه أمور:

الأمر الأول:قوله:"لكنه لم يغفل مسألة الاعتراض على فكرته هذه"ا.هـ.
وهذا اعتراف من الكاتب ونظرائه بأنهم يخوضون في هذه المسائل الكبيرة بمجرد ما يبدو لهم من غير تعويل على النصوص الشرعية الأخرى وفق فهم الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الإسلام؛فالمسألة مجرد فكرة،ورأي جديد...إلخ.

الأمر الثاني:قوله:"بقضية "المرتد"الذي حكمه ال***-كما هو معروف في الفقه الإسلامي"ا.هـ.
وحكم المرتد-الذي هو ال***-منصوص عليه في الحديث الذي اتفق عليه أئمة الإسلام: مالك والشافعي وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارقطني وأبو داود الطيالسي والطبراني وأبو يعلى وعبدالرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهم.
فلا داعي بعد هذا لأن يجعل هذا الحكم رأياً فقهياً!!

الأمر الثالث:أن الجابري أسس مبدءاً كلياً-وهو أن الإنسان له الحرية المطلقة في اختيار الدين-،ويجعل من قضايا هذا المبدأ الكلي قضية المرتد،ولكنها لا تأخذ حكم المبدأ الكلي لعارض بينه في ما بعد.
وهذا خلط عجيب بين قضيتين متباينتين؛فالمبدأ الكلي الذي قرره هو في الكافر الأصلي،والقضية الجزئية في المرتد عن الإسلام؛فلا وجه لإدراجها في المبدأ الكلي،فلا حاجة حينئذ إلى طلب العلة في كونها لم تأخذ حكمه.
والمرتد ليس له إلا أن يعود إلى الإسلام وإلا ي*** بخلاف الكافر الأصلي؛وذلك أن"المرتد بخروجه عن الدين الحق بعد دخوله فيه تغلَّظَ كفره؛فلم يقرَّ عليه بوجه من الوجوه؛فتحتم ***ه-إن لم يسلم-عصمةً للدين؛كما تحتم غيره من الحدود حفظاً للفروج و الأموال و غير ذلك"."الصارم المسلول على شاتم الرسول"1/267.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة:
منها:أن المرتد ي*** بكل حال،ولا يضرب عليه جزية،ولا تعقد له ذمة،بخلاف الكافر الأصلي.
ومنها:أن المرتد ي***-وإن كان عاجزاً عن القتال-،بخلاف الكافر الأصلي-الذي ليس هو من أهل القتال؛فإنه لا ي*** عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد....
ومنها:أن المرتد لا يرث،ولا يناكح،ولا تؤكل ذبيحته،بخلاف الكافر الأصلي إلى غير ذلك من الأحكام.
وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين؛فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلي عن شرائعه؛ولهذا كان كل مؤمن يعرف أحوال التتار،ويعلم أن المرتدين الذين فيهم من الفرس والعرب وغيرهم شرٌّ من الكفار الأصليين من الترك ونحوهم وهم بعد أن تكلموا بالشهادتين مع تركهم لكثير من شرائع الدين خير من المرتدين من الفرس والعرب وغيرهم.
وبهذا يتبين أن من كان معهم ممن كان مسلم الأصل هو شر من الترك الذين كانوا كفاراً؛ فإن المسلم الأصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه كان أسوأ حالاً ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع مثل مانعي الزكاة وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق-رضي الله عنه-وإن كان المرتد عن بعض الشرائع متفقهاً أو متصوفاً أو تاجراً أو كاتباً أو غير ذلك؛فهؤلاء شر من الترك الذين لم يدخلوا في تلك الشرائع،وأصروا على الإسلام؛ولهذا يجد المسلمون من ضرر هؤلاء على الدين ما لا يجدونه من ضرر أولئك،وينقادون للإسلام وشرائعه وطاعة الله ورسوله أعظم من انقياد هؤلاء الذين ارتدوا عن بعض الدين،ونافقوا في بعضه-وإن تظاهروا بالانتساب إلى العلم والدين-،وغاية ما يوجد من هؤلاء يكون ملحداً نصيرياً أو إسماعيلياً أو رافضياً،وخيارهم من يكون جهمياً اتحادياً أو نحوه؛فإنه لا ينضم إليهم طوعاً من المظهرين للإسلام إلا منافق أو زنديق أو فاسق فاجر"ا.هـ."الفتاوى الكبرى"3/544.

وقد أدرك ابن عاشور-رحمه الله-زمرة من هؤلاء،وتخبطهم وتلاعبهم بالنصوص الشرعية؛فقال:"ومن الجهلة من يضع قوله:"لست عليهم بمسيطر"في غير موضعه،ويحيد به عن مهيعه؛فيريد أن يتخذه حجة لحرية التدين بين جماعات المسلمين؛وشتان بين أحوال أهل الشرك وأحوال جماعة المسلمين،فمن يلحد في الإسلام بعد الدخول فيه يستتاب ثلاثاً،فإن لم يتب ***،وإن لم يُقدَر عليه فعلى المسلمين أن ينبذوه من جامعتهم،ويعاملوه معاملة المحارب،وكذلك من جاء بقول أو عمل يقتضي نبذ الإسلام،أو إنكار ما هو من أصول الدين بالضرورة بعد أن يُوقف على مآل قوله أو عمله؛فيلتزمه،ولا يتأوله بتأويل المقول،ويأبى الانكفاف"ا.هـ."التحرير والتنوير"30/273.

وللحديث بقية...إن شاء الله

__________________

عندما يعلن بعض العلمانيين انكارهم لوجود الله أصلا, فلم يعد هناك مجال للكره, بل أتبرى منها و ألعنها. عندما يعلن بعضهم أن الله موجود و لكن اختصاصاته لا علاقة لها بحياة الانسان, هنا أيضا أنا أتبرى و ألعن ..عندما تصبح الفلسفة النفعية البراغماتية ركيزة للعلمانية, و مبادئ الميكافيلية روحا لها, هنا أغلق الباب في وجها..عندما تدعو الى فصل الدين عن الدولة و السياسة, و تقيم العالم على أساس مادي قبيح, هنا أحس بمدى خبث سريرتها
رد مع اقتباس