عرض مشاركة واحدة
  #569  
قديم 26-06-2020, 12:07 AM
Khaled Soliman Khaled Soliman غير متواجد حالياً
معلم أول أ لغة إنجليزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 9,299
معدل تقييم المستوى: 25
Khaled Soliman has a spectacular aura about
افتراضي

شبهات حول عصمة الأنبياء: يونس عليه السلام

الحلقة: الخامسة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020

قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ *} [الانبياء : 87 ـ 88] وقد سُمّيَ يونُسُ (ذا النون) كما سُمِّي (صاحبَ الحوت) في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم : 48] ، لأنه عاش في بطن الحوت فترةً ، وبقى فيها حياً بإذن الله.
واللطيفُ أنَّ القران اعتبرها صحبةً بين يونسَ والحوت! وكأنَّ الحوتَ عندما ابتلعَ يونس عليه السلام كان صاحِباً مساعِداً له ، ابتلعه لِحِرْصهِ وإشفاقه عليه ، لأنّه خافَ أن تأكله باقي الحيتان والأسماك ، فأنقذه منهم بابتلاعه ، بهدف حمايته ، لا بهدفِ أكله ، ولهذا صارت بينهما صحبة.
وقد أخبرنا الله أنّ ذا النون عليه السلام ذهبَ مغاضباً {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} ، و: اسمُ {مُغَاضِبًا} ، فعله الماضي رُباعي (غاضَبَ) والألف في الفعل ألفُ مفاعلة ، تدل على المشاركة.
والمشاركة تدل على أنّ الغضبَ كان بين الطرفين: الطرف الأول هو يونس عليه السلام ، لكنْ مَنْ هو الطرفُ الثاني؟ ذهب ناقلو الإسرائيليات إلى أنَّ الطرف الثاني هو الله سبحانه ، أي يونس عليه السلام غادرَ قومه ، وذهبَ عنهم مغاضباً لربّه ، قالت الإسرائيليات: غضب يونس من ربه ، لأنه لم يوقع العذابَ على قومه خلال ثلاثة أيام ، ممّا جعله يبدو أمامهم كاذباً ، وغضبَ الله منه ، لأنّه غادرهم بدون إذن منه ، وهذا فعلٌ لا يجوز أن يصدرَ عن مسلمٍ صالح ، فكيف يصدرُ عن نبي كريم؟
لقد كانت المغاضبةُ بين يونس عليه السلام وبين قومه الكافرين: غضب هو منهم ، لأنّهم رفضوا دعوته ، وأصرّوا على الكفر ، وغضبوا هم منه ، لأنه أنذرهم العذاب ، وأخبرهم أنّه سيقع بهم بعد ثلاثة أيام.
فالمغاضبةُ كانت لقومه ، والمعاتبة كانت لعدم الصبر ، ولخروجه من بين قومه بغير إذنٍ من الله ، ولهذا أمرَ اللهُ رسولَه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يصبرَ على تكذيبِ المشركين ، وألا يكونَ ضيّقَ الصدر ، قليلَ الصبرِ ، كما كان شأنُ يونس عليه السلام مع قومه ، حيث ضربه الله تعالى مثلاً فقال عز ومن قائل: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ *لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ *فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ *} [القلم : 48 ـ 50].
وقوله تعالى: جواب ومعلوم أن في اللغة العربية هي حرف امتناع {} ، أي إنّها تفيدُ امتناعَ الجوابِ لوجود الشرط.
ومعنى الاية الكريمة: لولا أنّ الله أنعم عليه بإجابة دعائه ، وقبول عذره ، لنبذ من بطن الحوت أي: الفضاء وهو مذموم أي: معاتَبٌ {بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ *} ، لكنّه رُحِمَ فنبذَ غيرَ مذموم.
وأما معنى قوله تعالى: ظنّ يونس أن الله لن يضيّق عليه بإبقائه عند هؤلاء {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} ، المنتظرين للعذاب ، وسيوجّهه إلى قوم اخرين يدعوهم إلى الله.
فالتقدير هنا: التضييقُ ، ومنه قوله تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ : 11] أي: ضيق في الدرع لتكونَ الفتحةُ على قدر المسمار.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أرسل لي معاويةُ بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فقال لي: لقد ضربتني أمواجُ القران. قلت: بماذا؟ قال: في قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ} ، أيظنُّ عبدٌ من عبيدِ الله أنَّ اللهَ لا يقدِرُ عليه ، فضلاً عن نبيٍّ من الأنبياء؟ قلت له: ليس ذلك من القُدْرَةِ ، إنّما ذلك من التقدير بمعنى التضييق ، قال تعالى: }فَقَدَرَ عَلَيّهِ رِزقَهُ{ أي ضيق عليه رزقه.
والذي فعله يونس عليه السلام خلافُ الأولى ، وعَمِلَ ما يستحق عليه اللوم من الله ، ولذلك قال تعالى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ *} [الصافات : 142].
وفرقٌ بين اللوم والعقاب: العقاب يكونُ عن وقوع في ذنب ، بترك واجب ، أو فعل حرام ، أمّا اللومُ فإنه يكون عن فعل خلافِ الأولى ، مع جواز ذلك الفعل ، لامَ الله يونُسَ ، لأنه فعل خلافَ الأولى ، وقدّر له أن يَمُرَّ بتلك المحنة الشديدة.
وكانت المحنةُ الأولى ابتلاءً من الله له ، والابتلاءُ لا يكونُ بسبب الذنوب دائماً ، فقد يكونُ بهدف رفع درجات المبتلى عند الله ، ومن هذا الباب ابتلاءُ الأنبياء ، كما كانت محنةُ يونس عليه السلام درساً وعبرةً للمؤمنين من بعده ، وأخبرنا الله عنها في القران ، لنقف عندها متدبّرين ، ونأخذَ منها العبرة والعظة ، ونأخذ منها دروساً في العقيدة والإيمان والإقبال على الله ، واللجوء إليه ، والاعتماد عليه عند المحن والمصائب والابتلاءات.
وصف يونس عليه السلام نفسه بالظلم:
عندما وجد يونُسُ نفسَه في الظلمات ، أقبل على الله ، ذاكراً مسبّحاً ، داعياً متضرّعاً ، وكان تسبيحُه ودعاؤه سبباً لنجاته ، قال تعالى: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ *لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *} [الصافات : 143 ـ 144].
أي: سبب نجاته أن سبّح الله في بطن الحوت ، ولو لم يسبّحِ اللهَ لهضمه الحوتُ ، وحوله إلى غذاءٍ له ، قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *} [الانبياء : 87] ، وفي وَصْفِ يونسَ عليه السلام لنفسِه بالظلم . هذا معناه أنّ يونس عليه السلام أدركَ وهو في بطن الحوت أنّه تسرّع بالخروج من {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *} ، قبل توجيه الله له ، وأنّ الله عاتبٌ عليه ، ولامه من أجل ذلك ، وقدّر أن يوقع به هذا البلاء ، ويمتحنه بهذه المحنة ، وعند ذلك انطلق لسانُه بأنه كان ظالماً في فعله وتصرفه وخروجه ، وطلب من الله أن يتجاوزَ عن ظلمه ، وهذا من بابِ شعوره بالتقصير في حق الله ، وحيائه من الله ، وطلبه تفريج الهم والكرب والضيق ، فهذا الاعترافُ منه من بابِ ذكره لله وتوسله إليه.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book94(1).pdf
رد مع اقتباس