عرض مشاركة واحدة
  #565  
قديم 24-06-2020, 03:57 PM
Khaled Soliman Khaled Soliman غير متواجد حالياً
معلم أول أ لغة إنجليزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 9,299
معدل تقييم المستوى: 25
Khaled Soliman has a spectacular aura about
افتراضي

شبهات حول عصمة الأنبياء: يوسف عليه السلام
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020

وفي قصّةِ يوسف الصديق عليه السلام ، التي قصها علينا القران الكريم ، صورةٌ مشرقة عن نزاهة هذا النبيّ الكريم ، وبراءته وعصمته ، مع ما أعطاه الله عزّ وجلّ من الجمال ، وما كساه من البهاء والجلال ، حتى افتُتنَتْ به امرأةُ العزيز ـ عزيز مصر ـ فصنعت ما صنعت بقصد إغوائه وإغرائه ، ولكنّه عليه السلام كان أصلبَ من الحديدِ ، وأقوى من الجبالِ ، فلم تؤثّر فيه تلك العواصفُ الهوج ، والمكايد التي اصطنعتها النسوةُ مع امرأةُ العزيز ، والتي قصَّ علينا القران الكريم طرفاً منها ، كما قال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ *فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ *} [يوسف : 30 ـ 31].
ومما تجدرُ الإشارةُ إليه أنّ بعض الناس ممن ليس لهم قدمٌ راسخٌ في العلم ، قد اغترّوا ببعض رواياتٍ إسرائيليةٍ باطلةٍ مكذوبة ، لا يصحُّ أن تروى بَلْهَ أن تذكر في كتب التفسير ، وقد نبه عليها العلماء الأثبات ، والحفّاظ الثقات ، لأنها تصادِمُ النصوص القرانية الكريمة ، وتتنافى مع عصمة الأنبياء الأطهار.
وهذا النصُّ الذي فُسّرَ تفسيراً خاطئاً لا يتفق مع عصمة الأنبياء ، ولا ينسجِمُ مع النصوص القرانية الأخرى هو قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف : 24]. لقد فسروا الهمَّ من يوسف على أنّه مطاوعةٌ منه لامرأة العزيز ، وعزمٌ على قربانها ، وفسّروا البرهانَ على أنّه الصورة التي ظهرَ بها والده يعقوب عليه السلام وهو يعضُّ على أنامله ، حتى تركَ يوسفُ ذلك العمل القبيح ، وهذا التأويلُ باطلٌ ، ولا يجوزُ بحالٍ من الأحوالِ.
وقد نبّه كثيرٌ من المفسرين إلى أمثال هذه الإسرائيليات ، وبيّنوا بطلانها ، لئلا ينخدعَ بعضُ المسلمين بها ، فيظنوا أنّها أخبارٌ حقيقة موثوقة.
إنَّ الاية الكريمة لها مفهومٌ دقيق ، ينبغي ألاّ يغفل عنه واسعُ العلم ، دقيقُ البصر ، ذلك أنَّ الهم الذي وقع من امرأة العزيز كان هَمَّ سوءٍ ، كانت تدعوه إلى نفسها من أجل عمل الفاحشة ، ومن أجل ذلك راودته عن نفسها ، بعد أن أحكمت إغلاقَ الأبوابِ ، وحاصرته في الدار ، كما قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} [يوسف : 23].

أما الهمُّ الذي كان من يوسف الصديق عليه السلام فلم يكن هَمّ سوء ، ولم يكن عزماً على خيانة أو فاحشة ، وما خطر بباله عليه السلام شيءٌ مما يتوهمه بعض الجهلاء من إرادةِ السوء أو عمل الفاحشة ، وإنّما كان همه أن يدفع عنه هذه المكيدة الخبيثة التي دبرتها له سيدته امرأة العزيز ولهذا نجد المقاومة في موقفه ، والمقاومة العنيفة في حديثه: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}.
فالهم منها غير الهم منه ، همت به طلباً ، وهم بها دفعاً ، كما يقول بعض المفسرين.أو كما قال البعض الاخر: إن الهمّ منها وقع فعلاً ، وأما هم يوسف فكان بالطبع ، أي إنه عليه السلام مال إليها بطبيعته الفطرية مع الامتناع عن مقارفةِ السوء ، والإنسانُ غير مواخذٍ بما تشتهيه نفسُه ، أو يميل إليه طبعه ، ما لم يعزم على فعل الشيء ، وهذا ما فسره النسفي حيث قال: هم عزم هم الطباع مع {هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}
ويرى بعض المفسرين أنّ في الاية تقديماً وتأخيراً ، ويصبح المعنى {لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [ :يوسف: 24] المعنى لولا برهان الله أي عصمته ليوسف لهم بها ، ولكنّ عصمة الله تعالى له حالت دون ذلك الهم. وهذا أرجح الأقوال.
الأدلة على عصمة يوسف عليه السلام:
هناك وجوه عشرة على عصمة يوسف وبراءته عليه السلام من تلك التهمة الشنيعة ، التي نسبها إليه مَنْ لا يعرفُ قدر النبوة ، ولا عظمة الرسالة ، ولا صفات الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهي:
الوجه الأول: امتناعه عليه السلام عن مطاوعةِ امرأة العزيز ، ووقوفه في وجهها بكلِّ صلابة وعزم {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *}.
الوجه الثاني: فِرَارُه عليه السلام من امرأةِ العزيز بعد أن حاصرته ، وضيّقت عليه الخناق ، وراودته عن نفسه بالغصب والإكراه ، ولو كان يوسف همّ بالفاحشة لما فرّ منها ، لأن الذي يريدُ عمل الفاحشة يُقْدِمُ ولا يفر قال تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف : 25].
الوجه الثالث: شهادةُ بعض أقرباء زوجة العزيز ببراءة يوسف ، حيث أشار بفحص ثوبه ، لأنه إذا كان هو الطالِبُ لها وهي الممتنعة ، فإنّ ثوبه سيُشَقُّ من أمام ، وإن كانت هي الطالبةُ ، وهو الممتنعُ الهاربُ منها ، فإنَّ ثوبه سيشقُّ من خلفٍ، قال تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ *فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ *} [يوسف : 26 ـ 28].

الوجه الرابع: تفضيله السجن على الفاحشة: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ *} [يوسف : 33].
وهذا من أعظم البراهين على براءته عليه السلام ، إذ كيف يُعْقَلُ أن يفضِّلَ شخصٌ السجنَ على شيء يرغبه ويتمنّاه ، ولو أنّه استجاب لدعوتها ، وطاوعها على نفسها ، لما لبث في السجن بضعَ سنين بسبب تلك التهمة التي ألحقتها به ، فدعوى هَمّ يوسف بامرأة العزيز باطلٌ ظاهِرُ البطلان ، يدرك ذلك كلُّ منصفٍ درسَ تاريخ هذا النبيِّ الكريم ، وفهم معاني القران.
الوجه الخامس: ثناء الله عز وجل عليه في مواطن عديدة من السورة كما قال تعالى: {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *} [يوسف : 24] ، وقال تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} [يوسف : 22 ـ 23].
فقد أخبر الله تعالى بأنّه من المحسنين ، وأنّه من عباده المخلصين ، الذين اختارهم الله لنبوته ، وأخلصهم لطاعته وعبادته ، ولا يكونُ ثناءُ الله تبارك وتعالى إلاّ على مَنْ صفت نفسُه ، وطهرت سريرتُه مِنْ كلِّ نية سيئة ، وكل عملٍ قبيح ، فكان من الأطهار المقربين؟.
وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم له أيضاً بالصلاح والتقى وبالطهارة والاستقامة ، قال صلى الله عليه وسلم: «الكريمُ ابنُ الكريم ابنُ الكريم ابنُ الكريم ، يوسفُ بنُ يعقوب بن إسحاقَ بن إبراهيم»، وكفى بذلك شرفاً وفضلاً.
الوجه السادس: اعترافُ امرأة العزيز نفسِها بعصمته وعفّته أمام جمع من نسوةِ المدينة ، كما قال تعالى:
[يوسف: 31 ـ 32]. فهذه شهادةٌ صريحةٌ واضحةٌ على عِفّة يوسف وبراءته ، صدرت من امرأة العزيز نفسها ، التي اتهمته أمام زوجها بإرادة عمل الفاحشة ، ولفظ يدل على الامتناعِ {فَاسْتَعْصَمَ} ، والتحفّظ الشديد ، كأنّه في عصمةٍ من الأمر ، وهو يجتهد في الاستزادة منها ، وهذا بيانٌ على أنَّ يوسف عليه السلام بريءٌ ممّا فسر به بعضُ الناس الهمَّ والبرهان.
الوجه السابع: ظهورُ أماراتِ البراءة على يوسف عليه السلام بالدلائل الواضحة ، والبراهين الساطعة ، أمام جميع الشهود ، ومع ذلك فقد أقدم عزيزُ مصرَ على سجنه ، إيهاماً للناس ، وستراً على زوجته ، قال تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ *} [يوسف : 35].
الوجه الثامن: استجابةُ الله عزّ وجلّ لدعوة يوسف حين طلب من ربّه أن يصرفَ عنه كيدهن ومكرهن الخبيث به ، ولو كانت له رغبةٌ في مطاوعة زوجة العزيز لما طلبَ من الله أن يصرِفَ عنه كيدهنّ ، وفي ذلك يقول الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} [يوسف : 34].
الوجه التاسع: عدم قبول يوسف الخروجَ من السجن حتى تظهرَ براءته أمامَ الناس جميعاً ، وذلك يدلُّ على منتهى شهامته وعفته ونزاهته ، ولولا ذلك لما فضل البقاء في السجن بعد أن مكث فيه سبعَ أو تسعَ سنوات ، ولاقى فيه الشدائدَ ، فلم يقبل الخروجَ من السجن حتى يقرَّ الجميعُ ببراءته ، وتتنزّه ساحتُه من تلك التهم الشنيعة: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ *} [يوسف : 50].
الوجه العاشر: وأخيراً الاعترافُ الواضح الصريحُ من النسوة ومن امرأة العزيز التي اتهمته بنفسها ، وذلك لا يدعُ ذرةً من شك في براءة يوسف ونزاهته وعصمته ممّا نُسِبَ إليه ، وذلك حين جمعَ الملك النسوة ، وسألهن عن يوسف الصديق ، فأجبنه بجوابٍ صريحٍ قاطع ، قال تعالى: {نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ *} [يوسف : 51 ـ 52].

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
رد مع اقتباس