الموضوع: تحليلات سياسية
عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 25-08-2012, 12:21 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,930
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي خريطة التوترات الطائفية في دول الربيع العربي

معضلة الثورات
خريطة التوترات الطائفية في دول الربيع العربي

د. عصام عبد الشافي - باحث في العلوم السياسية
تتعدد المخاطر المرتبطة بأوضاع التعددية الدينية والمذهبية والعرقية والطائفية في الدول العربية في ظل ارتباطها بعدد من الأبعاد والاعتبارات، من بينها: ال*** المصاحب لعملية الانتقال السياسي التي تشهدها بعض هذه الدول، من ناحية، وغياب الحد الأدنى من التوافقات والتفاهمات حول القيم السياسية الرئيسة التي يمكن الاعتماد عليها لتأسيس نُظُم ما بعد الانتقال،

من ناحية ثانية، ونزوع بعض القوى السياسية إلى محاولة إقصاء بعض القوى الأخرى، واستخدام آليات من شأنها ترسيخ التوترات والانقسامات وليس تسويتها، من ناحية ثالثة.وفي ظل هذه الاعتبارات تأتي أهمية البحث في التوترات الطائفية في المنطقة بعد الربيع العربي، سواء من حيث طبيعتها وسماتها ودوافعها وخرائطها وسيناريوهاتها المحتملة.

أولًا: طبيعة التوترات وسماتها الأساسية:

كان التحليل السائد قبل 2011 أن 70% من الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية تتركز في عدة بؤر رئيسة مثل العراق، والسودان، ولبنان، والصومال، لكن بعد عام 2011 امتدت الصراعات لتشمل كل دول المنطقة، وإذا كانت الصراعات الداخلية تمثل 32% من حجم الصراعات في المنطقة قبل 2011؛ فإنه بعد 2011 أصبحت هذه الصراعات تمثل نحو 84% في مجمل الصراعات في الإقليم
وقد ساهمت سياسات النخب الحاكمة قبل 2011 في ترسيخ القمع الشديد لكل أشكال الاختلاف الإثني والطائفي غير الموالي للنظام، وتعزيز كل ما هو موالٍ للنظام، وهو ما ترتب عليه أن كل الولاءات القبلية والطائفية والإثنية والجهوية التي كانت سائدة قبل قيام الدولة المستقلة بقيت على حالها، ولم يتم صهرها في بوتقة دولة القانون والمواطنة، وأجبرت تلك الولاءات على العمل تحت الأرض، لكنها ظلت حادة ومشتعلة وخطيرة، وساهمت ثورات 2011 في كشف الكثير من الاختلالات القبلية والطائفية التي تنهش في جسد هذه الدول وتنال من مقدراتها

ثانيًا: دوافع التوترات الطائفية بعد الثورات الشعبية:

وبعد ثورات 2011 لم تعد المشكلات الطائفية مجرد ظاهرة دينية، مضمونها الاختلاف في الاعتقاد؛ وإنما تحولت إلى معضلة اجتماعية، فلم تعد أحد عوامل الصراعات الاجتماعية فقط، وإنما تطورت للدرجة التي أصبح رموزها من الفاعلين الأساسيين في الحراك السياسي والاجتماعي، سواء لمعارضة سياسات النظام، أو من خلال استخدام النظام لبعض هذه الرموز للالتفاف على المشكلات التي تعانيها تلك الأنظمة في تعاملها مع الأقليات والطوائف الدينية والعرقية والاجتماعية، وهنا تبرز عدة مؤشرات:

1- أفرزت ثورات 2011 العديدَ من الانعكاسات الإيجابية التي طالت المسيحيين العرب، فالنظرة العميقة لدور المسيحيين في دول الربيع العربي أكبر دليل على دحض المغالطات المتعلقة بعلاقة مسيحيي الشرق بالقوى الخارجية، واتهامات التخوين والتشكيك في ولائهم. ويعد التحول الكبير في موقف المسيحيين في المنطقة تجاه فكرة التغيير انقلابًا على التوجهات التي تبنوها في الماضي القريب؛ إلا أنها في الوقت نفسه تعكس تخوفاتٍ كبيرةً لدى قطاع كبير منهم في ظل حالة الانفلات الأمني غير المسبوق.

فالمسيحيون في المنطقة تحــولوا نحو دعم الأنظمة الديكتاتورية التي كانت تحكم بلادهم لعقود طويلة من الزمان، لأنهم يرون أن القادم، في ظل المتغيرات الجديدة، سيكون أسوأ بكثير؛ إلا أن الخيارات أمامهم صارت محدودة للغاية، فلم يعد هناك بديل آخر سوى المشاركة بفاعلية على الساحة السياسية والمجتمعية خلال المرحلة المقبلة، حتى يتمكنوا من أداء واجباتهم الوطنية، وكذلك الحصول على حقوقهم كاملة

2- كشفت التحولاتُ السياسية في دول الثورات العربية عن أن قوى ال*** والاضطرابات الثورية والقوى المضادة لها، تميل إلى التعبئة والحشد على أساس الانتماء الديني والخلفية الأيديولوجية، وهو ما يؤدي إلى تمدد ثقافة الكراهية والتمييز والخوف بين مكونات المجتمعات العربية، ومحاولة نفي التعددية الدينية والمذهبية، وقد أنتج *** بعض الجماعات، واستهداف دور العبادة، وتنامي المشكلات الطائفية؛ ثقافةً تمييزية متصاعدة على نحو أدى إلى انقسامات رأسية على أساس الانتماء الديني، مما دفع عددا من الأقليات إلى العزلة أو التفكير في الهجرة إلى الخارج

3- كان التفسير الأرجح لطول مدة بقاء الأنظمة في حالات ليبيا واليمن والبحرين وسوريا، هو أن تكوين تلك الدول هو تكوين قبلي في المقام الأول، أو قبلي طائفي كما في حالة البحرين، وهي حالات مرشحة لصراع ممتد أكثر من كونها دولا تحسم فيها الثورة تغيير النظام. فتغيير النظام في الدول ذات البنى التقليدية يستغرق وقتا أطول، وقد يؤدي إلى تفكيك الدولة وقد لا يؤدي إلى تغيير النظام. فانشطار الدولة يكون أسهل من تغيير النظام، فهو أقل تكلفة وضحايا بدلًا من أن يدخل المجتمع القبلي أو الطائفي في حرب أهلية لتغيير نظامه

4- تمثل الثورتان الليبية واليمنية بيئة خصبة تتصاعد فيها قوة التنظيمات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي أو في القرن الإفريقي، يدعم ذلك فرار أعداد كبيرة من السلفيين الجهاديين من سجون ليبيا وتونس، وتسرب أسلحة من ليبيا باتجاه النيجر ثم شمال مالي، وهو ما يصب في تقوية الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء.

وفي اليمن هناك تبادل للدعم بين حركة شباب المجاهدين في الصومال وتنظيم القاعدة في اليمن الذي استفاد من إضعاف الثورة للنظام اليمني بسيطرته على بعض المناطق كزنجبار وأبين، وتزايد الحديث عن نقل مقاتلين من الصومال إلى اليمن مما يزيد من حدة التوترات الطائفية في الدولتين


5- كشفت التحولات السياسية في دول الثورات العربية عن ظهور فاعلين جدد من غير الدول على ساحات هذه الدول، فهناك 15 قوة تقريبا تتنازع في العراق، و8 فصائل رئيسية في السودان، وعدة أطراف في فلسطين، ولبنان، وعدد لا يحصى من الفاعلين في الصومال ، بجانب عشرات القوى في سوريا واليمن وليبيا، وكذلك في مصر، وهو ما أكدته أحداث شبه جزيرة سيناء، والتي دفعت بالقوات المسلحة للتدخل لحسمها، كما تمثل حركة تحرير "كوش" التي تطالب بحق تقرير المصير للنوبة خطرا كامنا على مصر من جهة الجنوب، لا سيما وأن تلك الحركة ترى في الوجود المصري في النوبة استعمارا واضطهادا عرقيًّا.

6- دور العامل الخارجي في تأجيج الطائفية: يقول إيمريك شوبراد، الخبير الإستراتيجي الفرنسي: إن القوى الأجنبية وخصوصا الولايات المتحدة تسعى في ظل الأوضاع العربية الحالية إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: إشاعة الفوضى، وتقويض الأمن والاستقرار في الدول العربية، وتمزيق وحدة المجتمعات العربية، وإثارة الصراعات الداخلية بين مختلف قوى المجتمع، وخصوصا على أسس طائفية، وإضعاف استقلال الدول العربية، وقدرتها على التحكم بمقاديرها.

واعتبر أن أمريكا تسعى إلى استغلال الخلافات الطائفية وتأجيجها في المنطقة لأن ذلك يحقق لها هدف إثارة الفوضى وتقويض الاستقرار ويحقق مصالحها الإستراتيجية، وأنه من مصلحة أمريكا أن يبقى هذا الصراع قائما ومستمرا؛ حيث يتيح لأمريكا التدخل باستمرار في المنطقة، واستغلال هذا الصراع لصالح أهدافها الإستراتيجية.

ثالثًا: خرائط التوترات الطائفية بعد الثورات الشعبية:

من واقع دول الثورات العربية، تبرز أخطار التوترات الطائفية في كل من مصر وسوريا وليبيا واليمن والبحرين.

1- مصر:

يُشكل الأقباط (وفق عدة تقديرات) نحو 9% من السكان، ويشكل النوبيون (بمن فيهم الكنوز وجماعات أخرى) 2%، ثم الأرمن والأوروبيون واليهود ويشكلون أقل من 1%، كما توجد عدة قبائل كالبجا والبربر والأفارقة والغجر وهؤلاء جميعا يشكلون نحو 3% من السكان. أي أن مجموع الأقليات والطوائف في مصر لا يتعدى 15% من جملة عدد سكانها البالغ (83) مليونا في نهاية يونيو 2012، وعلى الرغم من تعدد الطوائف في إطار هذه النسبة؛ إلا أن أهم الأحداث الطائفية ارتبطت في معظمها بالأقباط، وكان للنظام السابق دور كبيرٌ في إشعالها، تؤكد ذلك العديد من التقارير حول دور بعض الأجهزة الأمنية في إثارة واستغلال مثل هذه الأحداث لضمان السيطرة على الأوضاع في البلاد.

2- سورية:

تتسم التركيبة الديموغرافية في سوريا بالتنوع، فمن ناحية التوزيع الديني، يشكل المسلمون السنة 77% ، و10% من العلويين، و8% من السكان مسيحيون من طوائف مختلفة، و3% دروز و1% إسماعيليون و0.5% شيعة اثنا عشرية، وتوجد أيضا أقلية يزيدية في منطقة جبل سنجار على الحدود مع العراق. ومن الناحية العرقية، يشكل العرب 93% من سكان سوريا، والأكراد 5% ويقطنون في شمال محافظة الحسكة. وهناك أقليات أخرى مثل الأرمن ويتركزون في حلب، والأشوريون والشركس والتركمان وبعض الأقليات الأخرى.

ويكشف التقسيم النوعي للسكان عن أن 82.5% يتحدثون العربية و68.7% مسلمون سنيون. والمسلمون السنيون الذين يتحدثون العربية يشكِّلون أغلبية عددية قوامها 57.4% من مجموع السكان من حيث اللغة والدين، أما المجموعات المتبقية فهم العلويون 11.5%، والدروز 3%، والإسماعيليون 1.5%، فيما يشكل المسيحيون الروم الأرثوذكس 4.6% وهم أهم الجاليات المسيحية في سوريا التي تبلغ نسبتها 14.1%.

أما الأقليات العرقية الرئيسة فهم الأكراد 8.5% والأرمن 4%، والتركمان 3% وأيضًا هناك الشراكسة. ومعظم الأكراد والتركمان والشراكسة مسلمون سنيون، والأرمن مسيحيون، وبالتالي يمثلون أقلية عرقية ودينية في آن واحد، ومن الأقليات العرقية أيضًا السريان ومنهم الأشوريون والكلدان، ويقدَّر عددهم بنحو 200 ألف نسمة في سوريا، وأغلبهم يتركز في منطقة الجزيرة شمال شرق سوريا، والشركس يُقدَّر عددهم بحوالي 100 ألف نسمة. وفيما يتركز الدروز السوريون في محافظة السويداء وبعض قرى الجولان وفي ريف دمشق، فإن الأرمن يتركزون في مدينة حلب ومدينة القامشلي شمال شرق سوريا

3- ليبيا:

مع نجاح الثورة الليبية ضد نظام القذافي، وقبل استقرار الأوضاع للمجلس الانتقالي الحاكم أعلن عدد من الشخصيات الليبية منطقة "برقة" بشرق ليبيا إقليما اتحاديا فيدراليا، يتمتع بحكم ذاتي، وبرغم أن الموقعين على إعلان برقة أكدوا تمسكهم بوحدة الدولة، إلا أنهم اعتمدوا دستور الاستقلال الصادر في 1951 عندما كانت ليبيا مملكة اتحادية تتألف من ثلاث ولايات هي طرابلس وبرقة وفزان ويتمتع كل منها بالحكم الذاتي، وهو ما طرح احتمالات تقسيم ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي.

يدعم هذه الاحتمالات عدة اعتبارات منها: تقوية نفوذ التكوينات الإثنية والقبلية (الطوارق، الأمازيغ) في مواجهة دولها، من ناحية، وزيادة قوة التنظيمات الدينية العابرة للحدود (كالقاعدة) من ناحية ثانية، وتغير طبيعة التدخل الدولي في دول ما بعد الثورات، خاصة في الحالة الليبية، من ناحية ثالثة، ومن ناحية رابعة وجود فجوات تنموية وسياسية وقبلية بين الأقاليم الليبية قد تعرقل من قدرة أي حكومة على لم شملها، فالجنوب الليبي الذي تسيطر عليه قبائل (التبو والطوارق والفزازنة) شهد اشتباكات مع بعض القبائل العربية. كما أن الفجوات بين برقة في الشرق وطرابلس في الغرب، والتي حظيت بالنصيب الأكبر من عوائد النفط تسبب في علاقة صراع بين الطرفين حتى بعد الثورة الليبية.

4- اليمن:

تتميز اليمن بتجانس عرقي وديني أكبر، والأقليات فيها قليلة النسبة لا تتعدى 5% من إجمالي السكان. فالطائفة الإسماعيلية تشكل نحو 2% من عدد السكان، أما اليهود والإيرانيون والهنود والصوماليون فيشكلون معا نحو 3%. ورغم هذه النسبة فإن البلاد معرضة لخطر التقسيم والتشرذم بمعدلات كبيرة في ظل وجود خطر التنظيمات المسلحة، ووجود بعض التيارات الداعية لانفصال الجنوب، وقوة الحركة الحوثية، والتي دخلت في عدة مواجهات مسلحة مع النظام السابق قبل الثورة الشعبية 2011، وتعقد أزمة الحوثيين مع تورط قوى إقليمية في إدارة الأزمة وتحريك أطرافها.

5- البحرين:

يتمثل جوهر المشكلة في البحرين في أن الانقسام الطائفي (السنة والشيعة) أصبح حقيقة مجتمعية، وهو ما انعكس في التخوف من معارضة النظام، لأن معارضة النظام تعني الاصطفاف مع الشيعة، وتأييد أي من سياساته يعني الاصطفاف مع السنة، وأصبح السائد أن 90% من الموالاة سُنة، و90% من المعارضة شيعة. ولم تعد المعارضة للموالاة مرتبطة بنظام سياسي فقط، وإنما امتدت إلى نظام اجتماعي واقتصادي. فالتجار الذين أيدوا المعتصمين يدفعون اليوم ثمن ذلك، كما أن هناك حملة موازية من قبل الشيعة لمقاطعة المحال السنية.

ونظرا لكون المظاهرات تنظم في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، فإنها جعلت هذه المناطق مغلقة أمام أبناء الطائفة السنية، مع ملاحظة أن هناك بعض المناطق التي يشعر أبناء الطائفة الشيعية تجاهها بذات المشاعر ويزيد من خطورة التحدي الداخلي في البحرين الدور الخارجي، وخاصة من جانب بعض القوي الإقليمية التي تصطف خلف طرفي الصراع الداخلي دعما لمصالحها ونفوذها الإقليميين.

رابعًا: ملاحظات ختامية:

من واقع هذا الرصد يمكن الوقوف على عدة ملاحظات:

1ـ إن قضية التوترات الطائفية هي أداة تستخدمها بعض القوى التقليدية المتمسكة بمصالحها لتبرير سلبيتها وصمتها في مواجهة هذه التوترات، ويستخدمها المجتمع الدولي لتبرير تخاذله في عدد من الحالات، وهو ما برز واضحًا في سوريا، وتستخدمها بعض النظم السياسية القائمة لتحقيق مزيد من الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب وثرواته، وترسيخ فزاعة الحروب الأهلية وتفتت الدولة لضمان الاستمرار والبقاء.

2ـ إن مشاركة الأقليات والطوائف المختلفة في الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية كانت أحد أهم العوامل التي أسرعت في إسقاط النظم المستبدة، ومن هنا يجب ترسيخ وتعزيز حقوق الجميع في وطنهم الجديد حتى يكونوا شركاء حقيقيين في بناء حاضر وتقرير مستقبل هذا الوطن.

3- ليست جميع التيارات الثورية استئصالية وإقصائية، ولكنها تتفاوت فيما بينها من حيث نظرتها لحقوق بعض الطوائف والجماعات، الأمر الذي يتطلب بذل جهود مكثفة لتطوير خطاب مدني ديمقراطي بمرجعية حضارية عربية إسلامية ينظم عمل هذه التيارات، ويرشد توجهاتها وسياساتها وأدواتها في بناء الوطن الواحد.
رد مع اقتباس