الموضوع: تحليلات سياسية
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 18-08-2012, 05:25 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,930
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي دوافع نقل الأزمة السورية إلى دول الجوار الإقليمي

تصدير الفوضى
دوافع نقل الأزمة السورية إلى دول الجوار الإقليمي

محمد ناجي / باحث متخصص في شئون الخليج

دفعت الضربات المتتالية والعقوبات الدولية التي يتعرض لها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، منذ بدء الاحتجاجات السورية في مارس 2011، الأخير إلى انتهاج سياسة " نقل الأزمة السورية إلي دول الجوار"، بدءا من تركيا مرورا بالأردن وانتهاءً بلبنان، مع استثناء العراق من ذلك، لكونه أحد أهم حلفاء دمشق، ليس فقط لأنه يمثل "جسر التواصل"

الأساسي لنقل المساعدات الإيرانية، المالية واللوجستية، إلى سوريا، بعد أن قيدت العقوبات الدولية، خصوصا الصادرة عن مجلس الأمن، من قدرة إيران على إيجاد بدائل للإيفاء بالتزاماتها تجاه حليفها السوري.

كما أن العراق يتنبى سياسة مؤيدة للنظام السوري في مواجهة الاحتجاجات، وهو ما انعكس في التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في 13 أغسطس الجاري، والتي قال فيها إن "الدول التي تتدخل في شئون دول أخرى في المنطقة ستحترق"، وأن "الفترة المقبلة ستشهد تهاوي دول"، وهو ما يتماشى مع السياسة الإيرانية التي بدأت في التحذير من أن سقوط نظام الأسد سوف ينتج تداعيات سلبية ،على قوى عديدة في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل.

ويتمثل الهدف الأساسي للنظام السوري، ومعه إيران والعراق، من تصدير الأزمة لدول الجوار، في دفع الأطراف المعنية بتطورات الأزمة السورية إلى مراجعة خياراتها التصعيدية تجاهه، وربما إعادة التفكير في "الحل السياسي" للأزمة، باعتباره البديل الذي يمكن أن يجنب الإقليم خطر مواجهة "فوضى غير خلاقة" سوف تؤثر بشكل مباشر ،على التوزانات الاستراتيجية، خصوصا في ظل حالة "الفسيسفائية" التي يتسم بها المجتمع السوري، والتي تجعل من مسألة نقل التوتر الطائفي القائم في سوريا إلى دول الجوار لا تواجه صعوبات كبيرة، وفي ضوء عدم تبلور موقف دولي واضح تجاه الخطوات القادمة التي يجب اتخاذها في مواجهة النظام السوري، وظهور اتجاه داخل الدول الغربية يرى أن سقوطا سريعا لنظام الأسد يمكن أن يكون أشد خطورة من بقاءه، لأن ذلك معناه فتح الباب ،على مصراعيه أمام صراع مذهبي، ربما يكون أكثر ضراوة مما شهده العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، بشكل يمكن أن يهدد المصالح الغربية، وبالتحديد الأمريكية، ويزيد من حدة المخاطر التي تواجهها إسرائيل، ،على ضوء المفاعيل السياسية والاستراتيجية التي أنتجتها الثورات والاحتجاجات العربية.

تصعيد متعمد مع تركيا

اتخذ التصعيد السوري مع تركيا أشكالا ومراحل عدة، بدءا من قيام القوات السورية بإطلاق نار بشكل متكرر،على مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية، مرورا بإسقاط الطائرة الحربية التركية التي دخلت لفترة وجيزة المجال الجوي السوري، وانتهاءً بسحب قوات الجيش النظامي من بعض المناطق الشمالية مثل القمشلي وعامودا والدرباسية وعفرين، والسماح لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني"، وهو الفرع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني" بالسيطرة ،على هذه المناطق.

ويرجع تعمد النظام السوري التصعيد مع تركيا في هذه اللحظة تحديدا لاعتبارين: أولهما، التأييد القوي الذي أبدته تركيا للاحتجاجات السورية، والذي حولها إلى رقم مهم في الضغوط الدولية التي يتعرض لها الأول، ونقطة انطلاق لجماعات المعارضة المسلحة التي بدأت في السيطرة ،على مناطق عديدة من سوريا، خصوصا مع توارد تقارير عن تأسيس شبكة، بتمويل قطري سعودي وبرعاية أمريكية، لتزويد المعارضة السورية بالسلاح في أضنة، حيث مقر قاعدة "انجرليك" الجوية الأمريكية التركية المشتركة.

وثانيهما، التوتر الملحوظ في علاقات تركيا مع حليفي النظام السوري: إيران والعراق، بسبب دخول تركيا ،على خط الجهود التي تبذلها العديد من القوى العراقية، خصوصا التحالف الكردستاني و"القائمة العراقية"، لإسقاط حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وقد أثار هذا التطور الجديد قلقا واضحا من جانب تركيا، لاسيما أن انسحاب الجيش السوري يمكن أن يحفز حزب "العمال الكردستاني"،على السعي لملء الفراغ وتحويل شمال سوريا إلى "نقطة وثب" يستطيع من خلالها تنفيذ هجمات في الداخل التركي خصوصا مع حلول الذكري الثامنة والعشرين لبدء مواجهاته المسلحة مع أنقرة.
ومن هنا اندفعت تركيا إلى تصعيد لهجتها تجاه النظام السوري باتهامه بتسليم الحدود إلى منظمات إرهابية، وحشد قوات عسكرية كبيرة وإجراء مناورات ،على الحدود استعدادا للرد ،على أية هجمات قد يقوم بها حزب "العمال الكردستاني" عبر الحدود.

لكن حدود الرد التركي تبقي ضيقة، لاسيما لجهة حرص تركيا ،على عدم التحرك منفردة للتصعيد مع النظام السوري، في ظل عدم نضوج موقف أمريكي واضح لاتخاذ خطوات أكثر شدة ضد النظام السوري، ،على غرار فرض منطقة حظر جوي ،على شمال سوريا للسماح بإنشاء ممرات أرضية لإغاثة اللاجئين وحمايتهم من بطش النظام السوري. فضلا عن أن الضغوط الداخلية التي تتعرض لها حكومة رجب طيب أردوغان بسبب سياسته إزاء الأزمة السورية تقلص إلى حد ما من قدرته ،على اتخاذ قرار استراتيجي بالتصعيد مع سوريا. وقد عبر الرئيس التركي عبد الله جل عن هذا الموقف التركي بقوله أنه "لا يمكن لتركيا الانفراد بقرارات إقامة منطقة عازلة أو آمنة".

اشتباكات مع الأردن

فضلا عن ذلك، وقعت اشتباكات عديدة بين الجيشين السوري والأردني، كان آخرها بالأسلحة الثقيلة، ،على خلفية قيام قوات سورية بقصف مناطق أردنية حدودية بقذائف دبابات خصوصا خلال تدفق اللاجئين، ونصب قناصات متحركة على طول الحدود مع الأردن الذي أعلن حالة التأهب للدفاع عن أراضيه.

ويعود هذا التصعيد السوري في الأساس إلى اعتبارين: أولهما، ظهور مؤشرات عديدة ،على انتقال الموقف الأردني من الأزمة السورية تدريجيا من "المنطقة الرمادية"، التي تقوم ،على التماهي مع الاتجاه العام للمواقف الدولية إزاء الأزمة السورية، الذي يتمثل في عدم استعجال إسقاط النظام السوري تجنبا لوقوع فوضي يمكن أن تنتج تداعيات سلبية ،على حالة الاستقرار والأمن الإقليمي، باتجاه الدعوة إلى فرض مزيد من الضغوط ،على النظام السوري من أجل التوقف عن سياسته القمعية تجاه الاحتجاجات، وهو ما بدا جليا في تصريح رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة الذي قال فيه أن "الحوار لم يعد مجديا في سوريا، وأنه لا بد من دور أكثر فاعلية للمجتمع الدولي".

وثانيهما، حرص السلطات الأردنية ،على التنسيق مع "الجيش السوري الحر" فيما يتعلق بأوضاع اللاجئين وحمايتهم من *** النظام، حيث تحول الأردن إلى نقطة التقاء لعدد كبير من ضباط الجيش ومسئولي النظام المنشقين وكان آخرهم رئيس الوزراء رياض حجاب، الذي سوف ينتقل إلى قطر.

إسقاطات طائفية خطيرة على لبنان

ورغم أنه لم تقع اشتباكات بين الجيشين السوري واللبناني، فإن أصداء الأزمة السورية انعكست بشكل مباشر ،على لبنان، وخصوصا في الشمال، حيث نشبت مواجهة بين مجموعة سنية وأخرى علوية في مدينة طرابلس شمال لبنان، في 28 يوليو الفائت، ويرجع ذلك إلى أن شمال لبنان يقع فيما يسمي بـ"المثلث العلوي" الذي يضم مناطق سورية وأخري لبنانية، بما يعني أن ثمة قواسم ديموجرافية تربط بين شمال لبنان وبعض المناطق في سوريا.

لكن الحدث الأهم الذي ربما يؤدي إلى تفاقم التوتر المذهبي في لبنان تمثل في توقيف الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، واتهامه، إلى جانب رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء ،على مملوك وعقيد في الجيش السوري، بالتخطيط لأعمال إرهابية وتفجيرات في لبنان، الأمر الذي استثمرته قوى "14 آذار" للدعوة إلى وقف فوري للاتفاقية الأمنية مع سوريا ونزع أسلحة الميليشيات المسلحة في إشارة إلى "حزب الله" تحديدا.

وقد دفعت التداعيات المباشرة للكشف عن محاولة إدخال متفجرات إلى داخل لبنان، رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إلى توجيه انتقادات قوية للنظام السوري، حيث رفض تحويل لبنان إلى ساحة لتصدير الأزمات الخارجية وتعريض أمن اللبنانيين للخطر، مضيفا: "انتهجنا سياسة النأي بالنفس لقناعتنا بعدم التدخل في شئون الآخرين، ولذلك فإننا لن نسمح لأحد بالتدخل في شئوننا أو بتحويل لبنان مجددا لساحة لتصفية الحسابات وتصدير الأزمات الخارجية إليه".

صعوبات متعددة

لكن المشكلة أن سياسة "تصدير الأزمة إلى الجوار" يمكن أن تفرض تداعيات سلبية ،على النظام السوري وحلفاءه وذلك لجهتين: أولاهما، أن السماح للأكراد بالسيطرة ،على مدن في الشمال السوري يمكن أن يشجعهم ،على المطالبة بحكم ذاتي ،على غرار كردستان العراق، وهو خيار لن يسمح به النظام في هذه اللحظة، إلا في حالة إقدامه ،على تفتيت الدولة إلى جيوب مذهبية وعرقية مع تضاؤل فرصه في البقاء.

وثانيتهما، أن امتداد الصراع إلى داخل لبنان يضيق من حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمام "حزب الله" الذي يبدو مرتبكا بانتظار ما سوف تؤول إليه الأزمة في سوريا، خصوصا أن قوى "14 آذار" استغلت الأزمة لتفعيل دعوتها لنزع سلاح الميليشيات، وهو ما يؤشر في النهاية إلى أن سياسة "تصدير الأزمة إلى الجوار" أو "نشر الفوضي غير الخلاقة" ربما تكون سلاحا ذي حدين بالنسبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
رد مع اقتباس