الموضوع: تحليلات سياسية
عرض مشاركة واحدة
  #157  
قديم 19-10-2012, 02:18 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,930
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي المال السياسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية

المال السياسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية

عمرو عبد العاطي
باحث متخصص في الشئون الأمريكية
تتميز الانتخابات الأمريكية بأنها الانتخابات الأكثر تكلفة في العالم؛ حيث يستخدم المتنافسون في الانتخابات الرئاسية أو في انتخابات الكونجرس بمجلسيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) مبالغ طائلة من الأموال لتمويل حملاتهم الانتخابية. تدوم هذه الحملات لأشهر عدة يسعى المرشحون خلالها لتقديم أنفسهم ووجهات نظرهم للناخب الأمريكي من جهة، واستخدام الحملات الإعلانية لإضعاف مركز منافسهم من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يرتب أن يلعب المال وممولو الحملات الانتخابية دورًا مؤثرًا في الانتخابات الأمريكية، مما يؤثر بشكل واضح على أجندة المرشحين.

وينظم القانونُ الأمريكي منذ عقود طويلة تمويلَ الانتخابات الأمريكية، وكيفية مراقبة إنفاق أموال التبرعات الانتخابية؛ إلا أن تغيرًا هامًّا قد طرأ على ذلك بصدور حكم قضائي فتح آفاقًا جديدةً للإنفاق السياسي من جانب الشركات الكبرى والاتحادات والمنظمات التي لا تبغي الربح بدون قيود، وعدم خضوعها للقوانين المنظمة لتمويل الانتخابات. وهو ما عظم من دور ما يعرف في الأوساط الأمريكية، الصحفية والإعلامية، بـsuper political action committee ، أو «سوبر باكس» super PACsفي الانتخابات الرئاسية هذا العام؛ حيث تسمح لها الأحكام القضائية الصادرة مؤخرًا بجمع مبالغ غير محددة من الأموال من المانحين، مما سيجعل الانتخابات الرئاسية لعام 2012 الأكثر كلفة في تاريخ الانتخابات الأمريكية.

بداية ظهور السوبر باكس (Super (PACs

ظلت لجانُ العمل السياسي (PACs) (وهي منظمات تنشأ لتجميع تبرعات الأفراد والمؤسسات التابعة لجماعات مصالح أمريكية معينة، وتوجيه هذه التبرعات لمساندة المرشحين الداعمين لها)؛ جزءًا من النظام السياسي الأمريكي لزمن طويل، وهي تخضع لقيود قانونية على حجم المبلغ الذي يمكن للمواطنين الأفراد واللجان التبرع به للمرشح الذي يفضلونه، وقد ظهرت هذه اللجان بالأساس للحد من سطوة المال على الانتخابات والسياسة الأمريكية، وذلك عن طريق توثيق التبرعات المالية للمرشحين السياسيين، وتحريم بعض أنواع التبرعات، وخاصة تبرعات الشركات الكبرى المالية المباشرة للمرشحين السياسيين، وكذلك تشجيع المرشحين السياسيين على التقليل من تكاليف حملاتهم الانتخابية. فعلى تلك اللجان تسجيل أنفسها قبل العمل لدى هيئة الانتخابات الفيدرالية Federal election commissionالمخولة للإشراف عليها، وتنفيذ قوانين تمويل الحملات الانتخابية.

وقد زاد عدد لجان العمل السياسي، وتعاظم دورها بصورة متزايدة خلال السنوات الأخيرة؛ فقد ارتفع عددها من 608 لجان في عام 1976 إلى ما يقرب من 4600 لجنة عمل سياسي في عام 2006. ويسمح قانون تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية لهذه اللجان بجمع تبرعات فردية لا تزيد عن 5000 دولار من الشخص الواحد ليؤكد دعما لمرشح ما أو تأييدا لقضية معينة.

جاء قرار المحكمة العليا الصادر في يناير من عام 2010 في قضية «المواطنون المتحّدون ضد اللجنة الفدرالية للانتخابات ،» ليؤكد على أن «الشركات الكبرى لها نفس حقوق الأشخاص الطبيعيين .» وبأنه لا يحق للحكومة تحديد المبالغ التي تستطيع هذه الشركات إنفاقها لدعم أو انتقاد المرشحين السياسيين. وفي مارس 2010 قضت محكمة استئناف فيدرالية أن بإمكان لجان العمل السياسي قبول الهبات غير المحدودة طالما أنها لا تُنسّق مع حملة انتخابية أو حزب سياسي ولا تكون موجهة منهما. وأدى الحكمان القضائيان إلى ظهور ما بدأ يعرف داخل الأوساط الأمريكية ب «سوبر باكس» التي يُسمح لها بجمع مبالغ غير محدودة من الأموال من المانحين.

ومع أن هذه المنظمات لا يحق لها أن تمنح الأموال مباشرة للحملات الفردية أو التنسيق مع المرشحين أو مع الأحزاب السياسية؛ فإن باستطاعتها استخدام ما تشاء من الأموال التي
تتمكن من جمعها للترويج لمن تؤيده من المرشحين ولمهاجمة خصومه السياسيين. وقد تكونت Super Pacsموالية لكل من الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» الساعي إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية، ومنافسه الجمهوري «ميت رومني» حيث تنافسا على جمع وإنفاق أكبر قدرٍ من الأموال.هذا وقد بدأ استخدامُ «المال السياسي » على نطاق واسع في الانتخابات الرئاسية لعام 2004 ؛ حيث أنفقت منظمات وكيانات تابعة للحزب الديمقراطي أكثر من 200 مليون دولار لانتخاب السيناتور «جون كيري» رئيسًا للولايات المتحدة في مواجهة منافسه الجمهوري «جورج دبليو بوش ».

وفي عام 2010 أنفقت مجموعة من المنظمات الممولة من قبل التيارات اليمينية المحافظة نحو 300 مليون دولار لمساعدة المرشحين الجمهوريين للسيطرة على مجلس النواب، والفوز بمقاعد إضافية في مجلس الشيوخ. وقد نجحوا في ذلك. ولكن الجديدَ هذا العام أن تلك المنظمات واللجان تعمل بصورة قانونية بعد قرار المحكمة العليا الأمريكية، وقد شهد هذا العام تزايد أعدادها، وتعاظم دورها وتأثيرها في مجريات الحملات الانتخابية للمرشحين من الحزب الجمهوري المتنافسين للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للمنافسة على منصب الرئيس في السادس من نوفمبر المقبل.

مصادر أموال السوبر باكس وأوجه إنفاقها:

يتعاظم دور السوبر باكس مع ارتفاع تكلفة الحملات الانتخابية للمرشحين لمنصب الرئيس؛ حيث يحتاج المرشح الرئاسي لأموال طائلة لتغطية احتياجات حملته الانتخابية من توظيف هيئة موظفين بحملته ومكاتب وتنظيم رحلات إلى الولايات المختلفة، وأحيانا خارج الولايات المتحدة، وإجراء الأبحاث، والإعلان من خلال وسائل الإعلام المختلفة: الصحف والراديو والتلفزيون وشبكة الإنترنت، وتنظيم العديد من أنشطة الظهور في الأماكن العامة وجمع التبرعات. ويواجه المرشحون لمنصب الرئيس مهمة صعبة تشتمل على تنظيم حملات الانتخابات التمهيدية في كل ولاية على حدة، ثم تنظيم حملات انتخاب عامة في سائر أنحاء البلاد، إذا ما تم ترشيحهم من قبل أحزابهم.

يعتمد العديدُ من مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية على دعم لجان العمل السياسي؛ في ظل رفضهم قبولَ أموال حكومية لتمويل حملاتهم؛ حيث إن الحد المفروض على الإنفاق في مقابل هذا الدعم يعتبر منخفضًا جدًّا، وعلى الرغم من أن السوبر باكس قانونا ممنوعة من التنسيق مع المرشحين إلا أن القائمين على إدارتها يرتبطون بعلاقات قوية بالمرشح الذي تدعمه تلك اللجان. فالمجموعة التي دعمت «ريك بيري» الذي دخل سباق التنافس على الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري ساهم في تأسيسها «ميك تومي» الرئيس السابق لمكتبه عندما كان حاكم ولاية تكساس. والمجموعة التي دعمت «نيوت جينجريتش» «WinningOur Future» كان يعمل بها «ريك تايلر» مساعد «جينجريتش» لفترة طويلة. ويعمل «تشارلي اسبايس» أمين صندوق المجموعة التي تدعم المرشح الجمهوري «ميت ورمني» وقد عمل أيضاً في الحملة الانتخابية الرئاسية لـ«رومني » عام 2008 .

يُعد المرشحُ الجمهوري «ميت رومني» هو أكثر مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية دعمًا من قبل السوبر باكس نظرًا لتاريخه كرجل أعمال، وإلى اختياره منافسه السابق «بول راين» لينافس معه على بطاقة الحزب الجمهوري كنائب للرئيس، ويرتبط «راين» بعلاقات قومية بالتجمعات الاقتصادية المحافظة، فض عن خبرته المالية وصداقته بطبقة رجال الأعمال الأمريكية. وحسب العديد من التقارير وهيئة الانتخابات الفيدرالية فإن دعم السوبر باكس للمرشح الجمهوري «رومني» زادت بمليون دولار خلال شهر يوليو من العام الجاري. وتسعى إحدى لجان السوبر باكس «استعادة مستقبلنا» التي يديرها أحد مساعدي «رومني» إلى زيادة أموالها من التجمعات الاقتصادية والأشخاص الأغنياء لدعم «رومني». وتساهم التجمعات الاقتصادية والشركات ب 3.1 ملايين دولار في الشهر، بينما الأفراد ب 4.3 ملايين دولار.

لا تقدم السوبر باكس أموالها للمرشحين الذين تدعهم بصورة مباشرة، ولكنها تستخدمها إما في تقديم الدعم غير المباشر للمرشح أو مهاجمة الخصوم في الانتخابات الرئاسية أو الكونجرس بمجلسيه طالما لا تنسق بصورة مباشرة مع الحملات الانتخابية أو الأحزاب السياسية.

وفي هذا السياق؛ يُشير تقرير بصحيفة «لوس أنجلوس تايمز » أن 80 لجنة من السوبر باكس أنفقت حتى الثاني والعشرين من أغسطس 2012 ما يقرب من 194.4 مليون دولار، وأن 74 % منها تستخدم في إعلانات تهاجم مرشحا معينا. فعلى سبيل المثال، أنفقت إحدى لجان السوبر باكس الداعمة لرومني ما يقرب من 18 مليون دولار على إعلانات تهاجم منافسه الديمقراطي «أوباما ».

ومن ناحية أخرى؛ فقد أنفقت لجان السوبر باكس التي تدعم «رومني » ما يزيد على 40 مليون دولار لاستهداف منافسيه على الترشح للرئاسة من الحزب الجمهوري. وكان هذا الدعمُ جليًّا في الانتخابات التمهيدية بولاية أيوا؛ حيث إن كثير من الإعلانات التلفزيونية والدعاية الإعلامية للمرشح الجمهوري «رومني» قامت بها الجماعات المؤيدة له بعيدا عن أموال حملته الخاصة. فقد أنفقت حملة «رومني 28.7 » ألف دولار على الحملات التلفزيونية في ولاية أيوا، وفي المقابل أنفقت السوبر باكس التي تدعم «رومني 780 » ألف دولار على الإعلانات التلفزيونية في أيوا.

مؤيدو ومعارضو السوبر باكس

انقسمت الأوساط الأمريكية بين مؤيد ومعارض لعمل السوبر باكس ودورها في الانتخابات الأمريكية. فجماعات «احتلوا وول ستريت» التي تنشط في الولايات المتحدة الأمريكية تعارض إعطاء الشركات الكبرى نفس حقوق الأشخاص الطبيعيين مع استثنائهم من السقف الموضوع على التبرعات الانتخابية. في حين يرد آخرون على تلك الاعتراضات بأن الدعم المالي لمرشح أو قضية من اختيارهم هي شكل من أشكال حرية التعبير التي ينص عليها الدستور الأمريكي بتعديلاته.

تذهب جملة من الاعتراضات إلى أن قرار المحكمة العليا خلال عام 2010 أدى إلى نقض العديد من الأحكام في تشريعات إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، مثل قانون ماكين – فانجولد، والتي كانت تهدف إلى الحد من الإنفاق على الحملات الانتخابية، وإضفاء الشفافية حول مصادر التمويل السياسي، وبالتالي سمح بأن يكون للمال دور كبير في الانتخابات الأمريكية.

ويرى الكثيرون أن المبالغ الطائلة من المال السياسي، والتي تأتي أساسًا من دوائر المال والأعمال، يثير تساؤلات كبيرة حول نفوذ هذه الدوائر على السياسات العامة، ويجعل أجندة المرشحين بعيدة كل البعد عن احتياجات الناخب الأمريكي العادي. وذلك يضر، في التحليل الأخير، بالديمقراطية الأمريكية، ويجعلها ديمقراطية تعبر عن مطالب ورغبات الأغنياء فقط.
رد مع اقتباس