و ده الجزء التاني اتمني يعجبكم
الأهرامات, مدافن الفراعنة وكاتمة أسرار المهندسين المصريين القدماء. بقيت شامخة تتحدى الزمن, وتسخر من عصرنا الحديث, بهندسته المتطورة وتقنياته المبرمجة. إنها الشغل الشاغل لعلماء الآثار والمعماريين والجيولوجيين المعاصرين. في كل مرة يأتون إليها بفرضية جديدة عن كيفية بنائها, فتردهم خائبين, كمن ينظر من عليائه ويقول بازدراء: اذهبوا وآتوا لي في المرة القادمة بما هو أفضل!
وتقول آخر هذه الفرضيات, أن جزءاً من الأهرامات لم يتم بناؤه من قطع من الصخر الطبيعي, تزن الواحدة منها بالأطنان, بل من أحجار صب, صنعها البنّاؤون المصريون, من الحصى الممزوج بالكلس. وتتابع الفرضية أن أهرامات “الجيزة” ترقد على طبقة من الكلس القوي جداً, الذي يتحمل الوزن الهائل لمثل هذه المنشآت الضخمة, وأن البنّائين قد استخرجوا الكميات الهائلة من مواد البناء لصناعة أحجارهم, من الصخور الكلسية التي كانوا يقتلعونها وهم يحضّرون موقع إنشاء الهرم.
يُضاف الى هذا التفسير واقع آخر, قلّما كان يؤخذ في ما مضى بعين الإعتبار: إنه النواة الصخرية للهرم. فالملاحظ أن قاعدة هرم “خفرع” مثلاً, تتألف من نواة صخرية طبيعية, نحت فيها المصريون القدماء مدرجات, قبل تلبيسها بطبقة خارجية من الحجر. وقد تعرّف العلماء المعاصرون الى طريقة البناء هذه, عبر دراستهم لتمثال “أبو الهول”, الذي نحته المصريون في تلّة صخرية ثم ألبسوه بالحجر. كذلك الأمر بالنسبة للهرم الذي دُفن فيه ابن الملك “خوفو”. فقد كشفت عوامل التعرية التي جرّدته من طبقته الخارجية, عن نواة صخرية تشكل قاعدته, وتمثل نسبة أربع وأربعين بالمئة من حجمه الكلي, الأمر الذي يخفض بشكل كبير من حجم الأحجار التي تطلبتها عملية بنائه. هذا, وتقدّر جهات رسمية حجم الأحجار التي استلزمها بناء هرم الملك “خفرع”, بمليوني متر مكعب. غير أن الواجهتين الغربية والجنوبية لهذا الهرم, تكشفان بوضوح عن الصخرة النواة, التي أنشئ عليها. وهي تظهر بدءاً من قاعدته, وحتى إرتفاع اثني عشر متراً. وفي تقدير الجيولوجيين المصريين والفرنسيين, أن حجم هذه النواة الصخرية يشكّل نسبة واحد على ستة, من حجم الأحجار الكلّي للهرم, الذي يُقدر بمليوني متر مكعّب كما سبق وذكرنا.
وتسمح هذه الفرضية, القائلة بأن المصريين القدماء قد أنشأوا أهراماتهم على تلال صخرية طبيعية, بإيجاد حل للغز الذي يحيط بغرفة الملك في هرم “خوفو”. فالسقف في هذه الغرفة التي تقع على مستوى ثلث ارتفاع الهرم, يتألّف من صخور من الغرانيت تزن عشرات الأطنان. ولا يعرف العلماء كيف توصّل البناؤون الى رفع هذه الحجارة الهائلة, إذ لم تكن تتوفّر في حينه, الوسائل اللازمة لذلك.
فإذا انطلقنا من الفرضية القائلة بإنشاء الهرم على هضبة صخرية كانت موجودة في الأصل, يمكن الإعتقاد أنه تم بناء غرفة الملك على قمة الهضبة, وأن البنّائين قد حفروا السراديب في جوفها الصخري, الأمر الذي سمح في ما بعد, بتمرير أحجار الغرانيت الهائلة الحجم, عبر الدهاليز, وصولاً الى غرفة الملك.
وتتابع الفرضية أن هؤلاء أنشأوا الهرم, بنحت المدرجات في الأرض الصخرية للهضبة, وذلك بدءاً من قاعدته وصولاً الى غرفة الملك. ثم استكملوا البناء, بأحجار صبّ مقولبة, من الحصى والكلى, إذ أنه بدءاً من هذا الإرتفاع, يصبح من المستحيل تمرير الصخور الطبيعية الهائلة الحجم.
واليوم, ينتظر الباحثون, الإذن من السلطات الرسمية المختصة, لاستخراج عيّنات من الأهرامات, تمكنهم من إجراء بعض التحاليل, التي من شأنها أن تسمح لهم بالحكم على صحّة آخر الفرضيات القائلة بأنه تم إنشاء الأهرامات على هضبة صخرية طبيعية شكلت قاعدتها, ثم أكمل بناؤها بواسطة أحجار صبّ مقولبة.
|