عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 29-01-2017, 01:08 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع

مدى مشروعية إضافة قيد التوثيق الرسمي لصحة الطلاق


واختيار المصريين لحكم الطلاق الشفوي، والمقترح إلى المشرع المصري

أولًا: مدى مشروعية إضافة شرط التوثيق الرسمي لصحة الطلاق

كان الزواج والطلاق يتمان بالعبارة الشفوية وفقًا لحضارة الناس ومروءتهم في الالتزام بكلمتهم وعدم التنكر لواجباتهم المتعلقة بالزواج والطلاق إلى أن عرفت الحضارة الإنسانية نظام التوثيق الرسمي الذي يقيد الواقعة في سجلات الدولة كطرف ثالث ضامن للمتعاقدين حقوقهما المتبادلة حتى لا ينفرد أحدهما باتخاذ ما يخالف الالتزام التبادلي دون الرجوع إلى الدولة كطرف أساس ضامن لإثبات آثار العقود ذات القيمة مثل بيع العقارات والسيارات بما لا يقبل العكس إلا بحضور ممثل الدولة.

وفي أوائل القرن العشرين الميلادي ظهرت أصوات وطنية مصرية تنادي بشمول نظام التوثيق الرسمي لعقدي الزواج والطلاق؛ لأهميتهما وعدم انتقاص خطرهما المجتمعي عن خطر بيع العقارات والسيارات المشمول بخدمة التوثيق الرسمي، فالحكم بالزواج أو بالطلاق يؤثر في أحكام النسب، والميراث، والنفقة، وزواج المرأة بآخر، وزواج الرجل من أخت زوجته، وغير ذلك من مسائل مالية واجتماعية وتعبدية دينية.

وقد ترتب على ذلك صدور المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 931م والمعدل بالقانون رقم (1) لسنة 2000م بشأن إجراءات التقاضي في الأحوال الشخصية، والذي ينص في مادته (99/4) قديم، أو مادته (17) جديد على أنه: "لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية". وتضيف المادة (17) جديد أنه: "ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتًا بأية كتابة". وكان قد صدر القانون رقم (100) لسنة 1985م المعدل للقانون رقم (25) لسنة 1929م بشأن بعض أحكام الأحوال الشخصية، والذي ينص في مادته الخامسة (مكرر) أنه: "على المطلق أن يوثق إشهاد طلاقه لدى الموثق المختص خلال ثلاثين يومًا من إيقاع الطلاق. وتعتبر الزوجة عالمة بالطلاق بحضورها توثيقه، فإذا لم تحضره كان على الموثق إعلان إيقاع الطلاق لشخصها على يد محضر.. وتترتب آثار الطلاق من تاريخ إيقاعه إلا إذا أخفاه الزوج عن الزوجة فلا تترتب آثاره من حيث الميراث والحقوق المالية الأخرى إلا من تاريخ علمها به".

ويمكن القول بأنه اعتبارًا من أول أغسطس سنة 1931م عرف المصريون نوعين من الزواج ونوعين من الطلاق، وهما الشفوي والرسمي فيهما. ولا إشكالية في الطلاق الرسمي إذا وقع على المتزوجة رسميًا أو عرفيًا، كما أنه لا إشكالية عند من يقر بالزواج العرفي أن يقع الطلاق فيه عرفيًا أو رسميًا. وإنما الإشكالية في الطلاق الشفوي إذا كان لزوجة متزوجة رسميًا، هل يحتسب طلاقًا، أم لا يحتسب إلا إذا وقع بصفة الرسمية كصفة زواجها؟ ثلاثة اتجاهات للفقهاء المعاصرين:

الاتجاه الأول: يرى صحة وقوع الطلاق شفويًا للمتزوجة رسميًا مطلقًا، ولو بدون أي شهود. وهو الاتجاه الشائع، وما انتهت إليه دار الإفتاء المصرية ومجمع البحوث الإسلامية، وأخذت به محكمة النقض المصرية سنة 1982م، والمحكمة الدستورية العليا سنة 2006م. وحجتهم: (1) أن الألفاظ وضعت للاستدلال على موضوعها، ومن ذلك لفظ الطلاق الذي يدل على حل رباط الزوجية، وقد قال تعالى: "أوفوا بالعقود" (المائدة:1). (2)أن تعليق صحة وقوع الطلاق على التوثيق المدني أو على شهادة الشهود فيه إهدار لعبارة الزوج التي احتسبها الشرع في عموم قوله تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (البقرة:229)، وقوله سبحانه: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا" (البقرة:230). فهكذا كانت نسبة الزواج والطلاق للزوجين من غير تعليق على توثيق. (3)أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوى عدل منكم" (الطلاق:2) جاء على سبيل الندب أو الاستحباب كما هو مذهب الأئمة الأربعة المشهورين؛ لأن الإنسان لا يحتاج إلى بينة عند استعمال حقه. كما أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على أن الإشهاد على الطلاق شرط لصحته. ويحتمل أن هذا الأمر بالإشهاد قد جاء للرجعة؛ لأنها الأقرب ذكرًا. وهذا الإشهاد في الرجعة وجوبي عند بعض المالكية والقديم عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، واستحبابي عند جمهور الفقهاء.

الاتجاه الثاني: يرى تعليق صحة وقوع الطلاق الشفوي مطلقًا على حضور شاهدين عدلين ساعة صدوره. وهو اختيار الشيخ أحمد محمد شاكر (ت1958م) الذي سجله في كتابه "نظام الطلاق في الإسلام"، مكتبة السنة بالقاهرة، الطبعة الثانية 1998م. وهو في الأصل مذهب الشافعية في القديم والظاهرية والإمامية، وروي عن علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وعطاء بن أبي رباح وابن سيرين وابن جريج، وغيرهم. وحجتهم: عموم الأمر بالإشهاد على الطلاق في قوله تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا. فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله" (الطلاق:1-2).

الاتجاه الثالث: يرى عدم احتساب الطلاق الشفوي للمتزوجة رسميًا مطلقًا، فليس لهذه المتزوجة بصفة الرسمية إلا الطلاق الرسمي. وهو اتجاه المشرع لقانون الأحوال الشخصية رقم (100) لسنة 1985م؛ فقد نصت مادته الخامسة "مكرر" على أنه: "على المطلق أن يوثق إشهاد طلاقه لدى الموثق المختص خلال ثلاثين يومًا من إيقاع الطلاق". وقد كان كثير من الفقهاء المعاصرين ينادي بذلك، ومنهم الشيخ علي عبد الرازق (ت1996م)، والشيخ علي الخفيف (ت1978م)، والشيخ أحمد نصر الدين الغندور (ت2004م)، والدكتور أحمد عبد الرحيم السايح (ت2011م)، وهو اتجاه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق (ت1996م) والذي كان قد تولى مشيخة الأزهر سنة 1982م حتى سنة وفاته.

RE-understanding.blogspot.comجاء في الموقع الالكتروني:

مانصه: "أكد الشيخ سيد العراقي المدير العام السابق لإدارة البحوث والتأليف والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن قضية الإشهاد على الطلاق وتوثيقه كان أول من أثارها الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق، لكن اقتراحه قوبل باعتراض شديد من العلماء خاصة من الشيخ محمد خاطر مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت (ت2004م، وكان قد تولى الإفتاء سنة 1970-1978م)، رغم أن الشيخ جاد الحق - رحمه الله - عرض الاقتراح بطريقة جيدة، وقال: إن بعض الناس يحلفون بالطلاق بصورة روتينية في كل كبيرة وصغيرة، وإذا قلنا بوقوع مثل هذا الطلاق فإننا سوف نطلق الكثير من السيدات ويتم تفكيك آلاف الأسر وتشريد الأبناء، وربما لا يكون الأزواج يقصدون إيقاع الطلاق، وإنما يريدون الحلف فقط لتأكيد كلامهم ونحو ذلك.

وأضاف الشيخ العراقي أن شيخ الأزهر السابق (الشيخ جاد الحق) طلب أن يكون الطلاق مثل الزواج لا يتم إلا بحضور شاهدين وبوثيقة رسمية. واستند في كلامه إلى الكثير من الأدلة الشرعية. وأوضح أن ذهاب الزوجين إلى المأذون لايقاع الطلاق وإحضار الشهود يؤكد رغبتهما الحقيقية في ايقاع الطلاق. أما أن يحلف الزوج بالطلاق في بيع أو شراء، أو مشاجرة أو جدال فهذا ينبغي ألا نلتفت إليه. لكن إذا رغب الزوجان في إيقاع الطلاق فعليهما الذهاب إلى المأذون، ولو قررا التراجع عن الطلاق قبل الوصول إلى المأذون فلهما الحق في ذلك.

وأشار الشيخ العراقي إلى أن علماء مجمع البحوث الإسلامية رفضوا اقتراح الشيخ جاد الحق وتمسكوا برأيهم، وقالوا إن هذا الكلام يخالف الحرية الشخصية للمرأة والرجل، ويخالف الاجتهاد. وتم حذف هذا الاقتراح من مضبطة المجمع، مؤكدًا أن هذه القضية تحتاج إلى جرأة وشجاعة من العلماء لتنفيذ هذا الاقتراح، وكذلك إقناع العلماء الذين يرون أن قصر وقوع الطلاق على الإشهاد والتوثيق على يد المأذون فيه حجر على حرية الإنسان خاصة المرأة".

ويدل لهذا الاتجاه الرافض لوقوع الطلاق الشفوي للمتزوجة رسميًا ما يلي:

(1) العمل بمذهب من يبطل الطلاق إلا بحضور شاهدي عدل ساعة وقوعه، وهو القديم عند الشافعية ومذهب الظاهرية والإمامية، وقول علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وعطاء وابن جريج وابن سيرين، وغيرهم. (2) العمل بعموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالشروط والعهود؛ خاصة ما يتعلق منها بالزواج والطلاق. ومن ذلك قوله تعالى: "أوفوا بالعقود" (المائدة:1)، وقوله تعالى: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولًا" (الإسراء:34)، وما أخرجه البخاري تعليقًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون عند شروطهم". وأخرجه الدارقطني عن عوف المزني مرفوعًا بزيادة: "إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا". وما أخرجه البخاري عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحق ما أوفيتم من الشروط ما استحللتم به الفروج". قالوا: إن المتزوجة رسميًا كأنها أخذت عهدًا من زوجها بحكم القانون الذي اختاره في إبرام زواجه منها أنه لن يكون لها طلاق إلا رسميًا، فوجب الالتزام بهذا العهد. (3) أن تعليق صحة الطلاق على التوثيق للمتزوجة رسميًا إن لم يتخرج على الشرط في العقد فيمكن أن يتخرج على الشرط من ولي الأمر بماله من حق تقييد المباح للمصلحة العامة. (4) أن تعليق صحة الطلاق على التوثيق الرسمي يرجع إلى ضرورة الامتثال لأمر القرآن الكريم في إيقاع الطلاق على الوجه المشروع في احتساب العدة، كما قال تعالى: "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" (الطلاق:1)، وقوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" (البقرة:228). والمعروف أن المتزوجة رسميًا لا تبدأ عدتها إلا بعد إثبات طلاقها بوثيقة رسمية، مع أن الله تعالى قد أمر المطلقة أن تبدأ بالتربص فورًا، مما يمنع إيقاع الطلاق بالضرورة حتى تصدر الوثيقة الرسمية وإلا لم يكن المجتمع ممتثلًا للأمر باحتساب أول العدة بمجرد القول بإيقاع الطلاق. ثم إن المتزوجة بصفة الرسمية إذا طلقت قبل الدخول فليس عليها عدة؛ بل يحق لها أن تتزوج بآخر فورًا، كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحًا جميلًا" (الأحزاب:49). والمعروف أنها لن تستطيع مجتمعيًا أن تتزوج قبل حصولها على وثيقة طلاقها الرسمية، مما يدل على أن قيد الرسمية المجتمعي له أثر شرعي، وهو ليس قيدًا على حرية الزوجين بل جاء على وفق إرادتهما، فهما اللذان قد اختارا إبرام زواجهما بصفة الرسمية، ويعلمان أنه لا حل لرباط الزوجية الرسمي إلا بصفة الرسمية، فكأنهما يعمدان إلى ذلك صيانة للعصمة من التفريط فيها. (5) أن تعريف الطلاق عند الفقهاء هو حل رباط الزوجية بلفظ الطلاق ونحوه، فليس لفظ الطلاق هو الطلاق وإنما أداته، فإذا وضع معه التوثيق الرسمي لم يتم إلا به. كمن كان يغلق باب داره بقفل واحد، ثم أضاف إليه قفلًا آخر، فإنه لن يتمكن من فتح بابه إلا بعد فتح هذين القفلين، مع أنه كان قبل وضع القفل الثاني كان يفتح بابه بفتح قفل واحد الذي كان يضعه. كذلك الطلاق كان يتم باللفظ قبل توثيق الزواج أما بعد توثيق الزواج بصفة الرسمية فإن حله لن يكون إلا كذلك. (6) أن تعليق صحة الطلاق على التوثيق للمتزوجة رسميًا يغني الفقهاء المعاصرين من ممارسة التلفيق في الفتوى عن طريق التقاط فتاوى ابن حزم الظاهري (ت456هـ)، والإمامية بعدم وقوع الطلاق الصريح بغير نية، وقول ابن حزم، وابن تيمية (ت728هـ) وابن القيم (ت751هـ) بعدم وقوع الطلاق البدعي وهو الطلاق في زمن حيض الزوجة أو في طهر مسها زوجها فيه. وقول ابن تيمية بعدم احتساب الطلاق المعلق، وإنما يعده يمينًا إذا دلت الأحوال على إرادة اليمين. وقول الشافعية في القديم والظاهرية والإمامية وما روي عن علي وعمران بن حصين وعطاء وابن جريج وابن سيرين بعدم وقوع الطلاق الذي لم يحضره شاهدان ذوا عدل. وقول ابن تيمية وابن القيم بعدم وقوع الطلاق في حال الغضب المغير لحال الزوج بحيث إذا لم يكن كذلك ما أقدم على الطلاق؛ لما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". (7) أن تعليق صحة الطلاق للمتزوجة رسميًا على التوثيق فيه إنقاذ للأسر من التفكك، وإنقاذ للزوجات من ظاهرة نكاح المحلل المقيتة؛ فقد أخرج ابن ماجه وأبو داود عن ابن عباس وعن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله المحلل والمحلل له"، وأخرج ابن ماجه بإسناد حسن عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بالتيس المستعار"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: "هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له". ومن المعروف أن الطلاق مشروع لاستنقاذ الزوجين من استحالة العشرة بينهما حتى يغني الله كلاً من سعته كما قال تعالى: "وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعًا حكيمًا" (النساء:130). وأما مع أمل بقاء الزوجية فإن الطلاق يكون بغيضًا عند الله تعالى؛ لما فيه من عدم الوفاء والتنكر للمعروف والتسرع في الهجر وتقطيع الأرحام؛ فقد أخرج ابن ماجه وأبو داود بسند ضعيف، عن محارب بن دثار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". (قال المنذري: والمشهور أنه حديث مرسل عن محارب بن دثار عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه ابن عمر). وهذا يجعلنا نحتاط في وقوع الطلاق ونتوسع في تقييداته، ومن هذه القيود التوثيق بصفة الرسمية على غرار صفة الزواج.

ويحق لكل مسلم ومسلمة أن يأخذ بهذا الاتجاه الثالث الذي لا يرى الطلاق للمتزوجة رسميًا إلا موثقًا بصفة الرسمية؛ لقيامه على أدلة شرعية معتبرة. واختيار الناس للقول الفقهي هو الذي يشيعه ويعممه دون حاجة إلى وصاية دينية.

ثانيًا: اختيار المصريين لحكم الطلاق الشفوي

حسم المصريون أمرهم في عدم الاكتراث بالطلاق الشفوي للمتزوجين بصفة التوثيق الرسمي، واحتسبوه مشروع طلاق وليس طلاقًا حقيقة؛ لثلاثة أمور، كما يلي:

الأمر الأول: أن صفة التوثيق الرسمي في الزواج والطلاق معتبرة في القضاء، والقول بصحة العقد الشفوي في الزواج والطلاق معتبر في الفقه، وإذا تعارض الفقه مع القضاء فالعبرة بالقضاء؛ عملًا بالقاعدة الفقهية "حكم الحاكم يرفع الخلاف الفقهي" والتي يدل عليها عموم قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" (النساء:59). فإذا ثبت اصطلاح القضاء في تعريف الزواج والطلاق فلا وجه لمعارضته باصطلاح الفقه لهما؛ لأن اصطلاح القضاء أخص مع قيامه على الإلزام، بخلاف اصطلاح الفقه فإنه أعم مع قيامه على الاختيار. ويشبه ذلك تعارض التعريف اللغوي مع التعريف الاصطلاحي الفقهي، فإننا نقدم التعريف الاصطلاحي على التعريف اللغوي؛ للمعنى المذكور من الخصوصية والالتزام.

الأمر الثاني: أن صفة التوثيق الرسمي تحقق مقصود الزواج والطلاق من الصيانة وحفظ الحقوق، وهو شرط اختياري وقع من الزوجين عن تراض منهما، والله تعالى يقول: "أوفوا بالعقود" (المائدة:1)، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري تعليقًا: "المسلمون عند شروطهم". أما حديث عائشة في "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل وإن كان مائة شرط" فقد ورد بشأن الشروط التي تخالف مقصود العقد ومقتضاه؛ حيث كانت السيدة عائشة تريد شراء "بريرة" من أجل إعتاقها فاشترط أصحابها أن يكون الولاء لهم، كما ورد في الصحيحين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، كما في رواية "البخاري": " ابتاعيها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق." ثم قام على المنبر فقال: "ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله.من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط". أما شرط توثيق الزواج والطلاق فهو شرط يتفق مع مقصودهما، فضلًا عن كونه شرطًا صادرًا عن تراضي الطرفين وليس عنوة بما يخالف منطق العقد كما في قصة "بريرة"، فلو ارتضت السيدة عائشة صاحبة الثمن أن يكون الولاء لأهل "بريرة" ما كان في ذلك بأس. إذن المشكلة كانت في رفض السيدة عائشة أن تتنازل عن حقها الذي يرتبه منطق العقد، وليست المشكلة في مجرد إضافة شرط قد يتفق عليه الطرفان.

الأمر الثالث: أن العقود والتصرفات لا تصح ولا تعتبر إلا إذا استوفت حكمها الشرعي الوضعي من السببية والشرطية وانعدام المانعية. وتوثيق الطلاق صار بحكم العرف والقانون والقضاء شرطًا لوجوده واعتباره، فكان انعدامه مانعًا من صحته أواحتسابه.

ولكل ذلك لم يعبأ المصريون بفتاوى أوصياء الدين الذين يشككونهم في قناعتهم أن توثيق الزواج بمثابة رهنية عصمته عند الدولة، فمهما تلفظ الزوج من ألفاظ الطلاق فهو يعلم أن زوجته الموثق زواجها لا تزال في عصمته ولا تملك الزواج من غيره حتى يفك عصمتها رسميًا، ولا تبدأ هذه المرأة عدة طلاقها إلا من تاريخ توثيقه، فقد صار التوثيق الرسمي جزءًا من حقيقة الزواج والطلاق، كما أن هذا التوثيق وما يشبهه - كحكم صحة ونفاذ العقد - جزء من حقيقة البيع والشراء للعقارات والسيارات.

وهذه القناعة المصرية هي التي تدفع الأزواج لملاحقة الزوجة الموثق عقد زواجها قضائيًا إذا غامرت بفتاوى المتجمدين عند زمن ما قبل الأول من أغسطس سنة 1931م القائلين بوقوع الطلاق الشفوي فانساقت وراء تلك الفتوى إذا طلقت شفويًا قبل الدخول، أو طلقت شفويًا بعد الدخول ولم يراجعها زوجها حتى انتهت عدتها بوضع الحمل أو بالأقراء أو بالأشهر فتزوجت بآخر قبل حصولها على وثيقة الطلاق الرسمية وتربصها مدة العدة الشرعية من تاريخ طلاقها الرسمي، وذلك بتقديمها إلى العدالة القضائية بتهمة الجمع بين زوجين، وهذا أكبر دليل على قناعة المصريين بأن الطلاق الشفوي للمتزوجين بالوثائق الرسمية لغو ولا أثر له حتى يتم توثيقه رسميًا، وأن الزوج صاحب العصمة هو صاحب الحق في إتمام طلاقه بالتوثيق أو العدول عنه لتبقى زوجته في عصمته بدون غضاضة شرعية.

وقد شاع ما يعرف عند المصريين برد يمين الطلاق، وفيه يتوجه الزوج إلى أحد رجال العلم بالدين ليلقنه صيغة التوبة والاستغفار من تلفظه بالطلاق الشفوي الذي آذى به زوجته ولم يرد به طلاقًا، وكأنه يتوب من ذنب إيذاء الزوجة أو الإضرار المعنوي بها وليس للرجوع عن لفظ الطلاق الشفوي الذي يعلم عدم تأثيره في العلاقة الزوجية الموثقة.

وأدرك المصريون في الآونة الأخيرة تراجع أوصياء الدين عن تشددهم في فتاوى وقوع الطلاق الشفوي عندما تركوا مذهب الجمهور في فتاوى الطلاق وتوسعوا في الأخذ بفتاوى بعض الفقهاء التي كانوا يصفونها بالشاذة أو بالضعيفة لإبطال الطلاق الشفوي ليس لكونه شفويًا وإنما لوقوعه مخالفًا لضوابط فقهية اجتهادية، ومن ذلك ما يلي:

(1)عدم احتساب الطلاق الشفوي إذا وقع بالكتابة للقادر على النطق، كمن يكتب رسالة بطلاق زوجته دون التلفظ به. وهو أحد القولين عند الشافعية ومذهب الظاهرية.

(2) عدم احتساب الطلاق الشفوي إذا كان مضافًا إلى أجل، كما لو قال إن زوجته تكون طالقًا من أول الشهر القادم، وهو مذهب الظاهرية.

(3)عدم احتساب الطلاق الشفوي إذا كان معلقًا على أمر كالحلف، كما لو قال لزوجته إن خرجت من الدار فأنت طالق. وهو مذهب الظاهرية والإمامية. أو احتساب هذا الطلاق المعلق يمينًا يوجب كفارة عند الحنث فيه ولا يكون طلاقًا، وهو انفراد ابن تيمية (ت728هـ).

(4)عدم احتساب الطلاق الشفوي إذا لم يستحضر نية الطلاق حقيقة عند التلفظ به، فلا طلاق بنية التهديد. وهو مذهب الظاهرية والإمامية.

(5) عدم احتساب الطلاق الشفوي إذا وقع من وكيل الزوج أو من زوجته المفوضة به. وهو مذهب الظاهرية وأحد القولين عند الإمامية.

(6) عدم احتساب الطلاق الشفوي إذا وقع بغير شاهدي عدل. وهو مذهب الظاهرية والإمامية وروي عن علي وعمران بن حصين وعطاء وابن جريج وابن سيرين.

(7)عدم احتساب الطلاق الشفوي في حال غضب الزوج الذي لولاه لما أقدم الزوج على هذا الطلاق. وهو قول ابن تيمية وابن القيم والمتأخرين من الحنفية.

(8) عدم احتساب الطلاق الشفوي في حال الإكراه، كالزوجة التي تهدد ب*** نفسها إذا لم يصدر الزوج لفظ طلاقها. وهو مذهب الجمهور خلافًا للحنفية.

(9) عدم احتساب الطلاق الشفوي في حال السكر المتعمد أو الآثار الانسحابية للمخدرات. وهو قول عند الحنفية والشافعية والحنابلة ومذهب الظاهرية والإمامية.

(10) عدم احتساب الطلاق الشفوي إذا وقع بلفظ الاثنين أو الثلاث. وهو قول حكاه ابن حزم عن بعض أهل العلم، كما أنه أحد القولين عند الإمامية، وحكاه ابن تيمية عن بعض المعتزلة والشيعة. ويرى ابن عباس وعكرمة والحسن البصري واختاره ابن تيمية وابن القيم، وهو أحد القولين للإمامية ونسبه ابن رشد لأهل الظاهر أن الطلاق بلفظ الاثنين أو الثلاث يقع طلقة واحدة.

(11) عدم احتساب الطلاق الشفوي إذا وقع بصفة البدعة، كما لو وقع في حال حيض المرأة أو في طهرها بعد المساس. وهو قول الظاهرية ونصره ابن حزم وأخذ به ابن تيمية وابن القيم وهو مذهب الإمامية.

رأى المصريون أن السعي وراء الفتاوى المبعثرة في المذاهب المختلفة للحكم بعدم وقوع الطلاق الشفوي الصريح بزعم إنقاذ الأسر من التفكك نوع من الضعف الفقهي الذي يوصف أصحابه بارتعاش الفكر وعدم القدرة على اتخاذ القرار في الاستنباط وعدم التأهل للاجتهاد. لذلك فإن المصريين قد انطلقوا إلى التجديد الفقهي في الدين بما يحقق المقصود الشرعي للزواج والطلاق، فحكموا بعدم وقوع الطلاق الشفوي للمتزوجات بصفة التوثيق الرسمي إلا بمثل الطريقة التي تم بها الزواج من حضور شاهدي عدل مع صاحب الحق في الطلاق وتحريره وثيقة الطلاق الرسمية؛ اتباعًا لتعريف الطلاق في اصطلاح الفقهاء بأنه حل رباط الزوجية وليس مجرد التلفظ بالطلاق. وقد أخرج الشيخان عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". وبذلك تنتهي مشكلة الحيرة التي افتعلها أوصياء الدين بشأن عدم احتساب الطلاق الشفوي للمتزوجين بالوثائق الرسمية إلى الأبد.
رد مع اقتباس