عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-01-2017, 12:56 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث الثامن

طلاق السكران


السكر في اللغة نقيض الصحو، والسكران خلاف الصاحي. والعرب تقول: ذهب بين الصحو والسكرة، أي بين أن يعقل ولا يعقل. وقال تعالى: "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" (الحج:2)، وفي قراءة: "سكرى وما هم بسكرى"، أي أنك تراهم سكارى من العذاب والخوف وما هم بسكارى من الشراب.

وأما حد السكر في اصطلاح الفقهاء فقد ذهب أكثرهم إلى أنه الذي يخلط صاحبه كلامه المنظوم ويكشف سره المكتوم فيأتي بما لا يعقل وبما لا يأتي به إذا لم يكن سكران، حتى وإن أتى بما يعقل في خلال ذلك؛ لأن المجنون قد يأتي بما يعقل ويتحفظ من السلطان ومن سائر المخاوف. وذهب الإمام أبو حنيفة والمزني من الشافعية إلى أن حد السكر يختلف في باب العقود والتصرفات عنه في باب الحدود والعقوبات. أما في باب العقود والتصرفات فلا يختلف عن تعريف الجمهور سالف الذكر، وأما حد السكر في باب الحدود والعقوبات فيشترط لتحققه نشوة تزيل العقل بالكلية بحيث لا يعرف السماء من الأرض ولا الرجل من المرأة. واختلف الفقهاء في حكم طلاق السكران على مذهبين.

المذهب الأول: يرى أن طلاق السكران لغو باطل وهو في حكم العدم، سواء أكان السكران متعديًا بسكره وعاصيًا بذنبه أم كان السكران معذورًا بسكره كالمخطيء أو المغلوب على أمره. وهو قول عند الحنفية اختاره الطحاوي والكرخي، وقول عند الشافعية اختاره المزني، ورواية عند الحنابلة اختارها أبو بكر عبد العزيز، وهو مذهب الظاهرية والإمامية، وروي عن عثمان بن عفان، وبه قال عمر بن عبد العزيز وطاوس وربيعة شيخ الإمام مالك والقاسم بن محمد والليث بن سعد وغيرهم. وحجتهم: (1)أن السكران لا تصح منه الصلاة فكذلك لا تصح منه العقود والتصرفات، ويدل على عدم صحة صلاة السكران قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" (النساء:43). يقول ابن حزم في "المحلى": فبين الله تعالى أن السكران لا يعلم ما يقول، ومن خلط فأتى بما يعقل وما لا يعقل فهو سكران؛ لأنه لا يعلم ما يقول. ومن أخبر الله تعالى أنه لا يدري ما يقول فلا يحل أن يلزم شيئًا من الأحكام لا طلاقًا ولا غيره؛ لأنه غير مخاطب فليس من ذوي الألباب. (2)أن السكران غائب العقل، فكان حكمه كالمجنون الذي رفع عنه القلم فيما أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق". (3)أن عدم اعتبار طلاق السكران هو قول بعض السلف منهم عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز ممن لا يكون ذلك منهم إلا عن توقيف؛ لحسن الظن بهم فوجب العمل بقولهم. ومن هذه الأقوال ما رواه ابن حزم في "المحلي" بسنده، أن عمر بن عبد العزيز أتي بسكران طلق امرأته فاستحلفه بالذي لا إله إلا هو لقد طلقها وهو لا يعقل، فحلف، فرد إليه امرأته وضربه الحد. (4)ويدل على أنه لا فرق بين زوال العقل بمعصية أو زواله بغير معصية في أحكام التصرفات ما ذكره ابن حزم في "المحلى" من أن من كسر ساقيه متعمدًا بالعدوان على نفسه جاز له أن يصلي قاعدًا، وأن المرأة لو ضربت بطن نفسها عدوانًا فنفست سقطت عنها الصلاة.

المذهب الثاني: يرى التفريق في طلاق السكران بين أن يكون سكره بمعصية فنحكم بوقوع طلاقه وصحته، وبين أن يكون سكره بغير معصية كالمخطيء والمغلوب على أمره فنحكم بعدم وقوع طلاقه أو بطلانه. وهو مذهب جمهور الفقهاء قال به أكثر الحنفية وهو مذهب المالكية والأظهر عند الشافعية ورواية عند الحنابلة اختارها أبو بكر الخلال والقاضي، وروي عن عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين والشعبي والنخعي والثوري. وحجتهم: (1)أن الصحابة جعلوا السكران المتعدي بسكره كالصاحي في الحد بالقذف فيأخذ حكمه في وقوع الطلاق. ويدل على إلحاق السكران المتعدي بالصاحي في الحد بالقذف ما أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه عن وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر بن الخطاب، فأتيته وهو في المسجد معه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير رضي الله عنهم، فقلت: إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ويقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة؟ فقال عمر: هم هؤلاء عندك فسلهم؟ فقال علي بن أبي طالب: نراه إذا سكر هذي وإذا هذي افترى، وعلى المفتري ثمانون. فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال، فجلد خالد ثمانين، وجلد عمر ثمانين. وكان عمر إذا أتي بالرجل القوي المنهمك في الشراب جلده ثمانين، وإذا أتي بالرجل الضعيف التي كانت منه الزلة جلد أربعين. ثم جلد عثمان ثمانين وأربعين. (2)أن عمر بن الخطاب أوقع طلاق السكران المتعدي بسكره، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فكان إجماعًا. ويدل لذلك ما رواه ابن حزم في "المحلى" بسنده عن يحي بن عبيد عن أبيه، أن رجلًا من أهل عمان تملّأ من الشراب فطلق امرأته ثلاثًا فشهد عليه نسوة فكتب إلى عمر بذلك؟ فأجاز شهادة النسوة وأثبت عليه الطلاق. وفي رواية أخرى عن أبي لبيد أن رجلًا طلق امرأته وهو سكران فرفع إلى عمر بن الخطاب وشهد عليه أربع نسوة ففرق عمر بينهما. (3) أن المغلوب على أمره بالسكر كالمخطيء والمضطر معذور شرعًا؛ لما رواه ابن ماجه والحاكم والدارقطني بسند فيه مقال عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". أما المتعدي بسكره فليس له عذر شرعي فاستحق أن نجري عليه طلاقه رغم غياب عقله عقابًا له؛ لأن المعتدي لا يستحق الرأفة لعموم قوله تعالى: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة:190).

رد مع اقتباس