عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 29-01-2017, 12:50 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث الخامس

الطلاق بغير الإشهاد


الأصل في حكم الإشهاد على الطلاق قوله تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا. فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجًا" (الطلاق:1-2).

قال الإمام الشافعي (ت204هـ) في كتابه "الأم": فأمر الله عز وجل في الطلاق والرجعة بالشهادة، وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة على الطلاق والرجعة شاهدان .. وأني لم ألق مخالفًا حفظت عنه من أهل العلم أن حرامًا أن يطلق بغير بينة على أنه والله تعالى أعلم دلالة اختيار لا فرض يعصى به من تركه، ويكون عليه أداؤه إن فات في موضعه.

وقال ابن تيمية (ت728هـ) في كتابه "مجموع الفتاوى": فأمر الله تعالى بالإشهاد على الرجعة .. وقد ظن بعض الناس أن الإشهاد هو الطلاق وظن أن الطلاق الذي لا يشهد عليه لا يقع، وهذ خلاف الإجماع وخلاف الكتاب والسنة، ولم يقل أحد من العلماء المشهورين به.

وقد اختلف الفقهاء في عود الأمر بالإشهاد الوارد في الآية الثانية من سورة "الطلاق" على الطلاق أو الرجعة أو هما معًا. كما اختلفوا في دلالة هذا الأمر على الإيجاب أو الاستحباب. ويرجع سبب الخلاف إلى أن الأمر بالإشهاد ورد في مناسبة المفارقة بتخلية سبيل المطلقة إذا قضت عدتها، وهذا ليس بطلاق ولا برجعة ولا نكاح، وإنما هو لصيرورة المرأة خلية بدون زوج، والإشهاد في هذا محل اتفاق بدون نزاع؛ لذلك وجب عود الأمر بالإشهاد إلى الطلاق أو إلى الرجعة أو إليهما معًا؛ حتى يتحقق بالآية الكريمة إضافة حكم جديد، فقد قال تعالى: "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا". ثم إن الأمر بالإشهاد يحتمل أن يكون حتمًا واجبًا؛ مراعاة لظاهره، كما يحتمل أن يكون للاستحباب؛ لرفع الحرج عن الناس. ويمكن إجمال أقوال الفقهاء هنا في المذاهب الخمسة الآتية.

المذهب الأول: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الرجعة التي تكون بعد الطلاق. وهو قول جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة المشهورة. وحجتهم: أن عود الأمر بالإشهاد على الطلاق يتعارض مع حق الزوج به أبدًا من غير حاجة إلى فترة زمنية. أما الرجعة فهي التي إذا تأخرت إلى انقضاء العدة امتنعت؛ لذلك وجب عود الأمر بالإشهاد إليها حتى نطمئن إلى أن الرجعة وقعت صحيحة قبل انقضاء العدة.

ثم اختلف هؤلاء الفقهاء في دلالة الأمر بالإشهاد على الرجعة، وذلك على قولين:

القول الأول: يرى أن الأمر بالإشهاد على الرجعة للإيجاب؛ بحيث إذا وقعت بدون الإشهاد كانت والعدم سواء، وقيل تصح مع الإثم. وهو قول بعض المالكية والقديم عند الشافعية وحكاه النووي قولًا في الجديد، كما أنه رواية عند الحنابلة. وحجتهم: (1)ظاهر الأمر في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" على أساس عود الأمر إلى الرجعة، وحمله على الوجوب لعدم وجود قرينة تصرفه عن ظاهره. (2)ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والطبراني بسند صحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها؟ فقال للسائل: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد. (وليس عند ابن ماجه جملة "ولاتعد").

القول الثاني: يرى أن الأمر بالإشهاد على الرجعة للاستحباب، فلا أثر على صحة الرجعة بدونه. وهو قول الحنفية وأكثر المالكية والجديد عند الشافعية، وقال النووي هو الأظهر، وهو الرواية الثانية عند الحنابلة. وحجتهم: (1)أن الرجعة حق خالص للمطلق لا تحتاج إلى إذن المطلقة، فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج. (2)أن الأثر الوارد عن عمران بن حصين وأنه أمر بالإشهاد في الطلاق والرجعة موقوف عليه، فلا يصح للاحتجاج؛ لأنه وارد في أمر من مسارح الاجتهاد، وما كان كذلك فليس بحجة، كما نص على ذلك الشوكاني في "نيل الأوطار".

المذهب الثاني: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود بصفة الوجوب إلى الرجعة أو عند انتهاء العدة من غير أن يكون شرطًا في صحة الطلاق أوالرجعة. وهو قول حكاه ابن رشد عن بعض المالكية في "بداية المجتهد"؛ استدلالًا بسد الذريعة، وذلك خوفًا من أن يموت فتدعي أنها زوجة لم تطلق، أو تموت هي فيدعي الزوج مثل ذلك، فأمر بالإشهاد في إعلان البينونة بانتهاء العدة؛ لينحسم ما يخشى من ذلك.

وقال ابن بكير المالكي (ت231هـ): "ويجب عندي لمن أبان زوجته (أي طلقها الثالثة، أو طلقها الأولى بصفة البينونة الصغرى) ألا ينظر انقضاء العدة وليشهد شاهدين حين الطلاق أنها قد بانت منه خشية المعنى الذي ذكرناه؛ لأن البائن في معنى التي انقضت عدتها".

قال ابن رشد الجد (ت520): "ويلزم على قياس قوله أن يلزم الإشهاد في الطلاق الرجعي حين الطلاق مخافة الموت. ويشهد أيضًا إذا انقضت العدة".

قال ابن رشد الحفيد (ت595): "وإذا قلنا إن الإشهاد واجب فمعنى ذلك أنه يكون بتركه آثمًا لتضييع الفروج وما يتعلق به من الحقوق من غير أن يكون شرطًا في صحة الطلاق والرجعة".

المذهب الثالث: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق، فإذا وقع بدونه كان لغوًا. وهو مذهب الإمامية نص عليه الهذلي في "شرائع الإسلام في الفقه الإسلامي الجعفري". وحجتهم: (1)أن السياق القرآني في أول سورة الطلاق قد ورد بشأن الطلاق، ولم يرد فيه ذكر الرجعة إلا عرضًا، فكان الأمر بالإشهاد الوارد في هذا النص الكريم خاصًا بالطلاق؛ ولأن الأمر للوجوب بحسب دلالة ظاهره فإنه لا احتساب لطلاق لم يتحقق فيه هذا الواجب الشرعي. (2)أن تقييد صحة الطلاق بالإشهاد يقلل من وقوعه، وهذا مما يحفظ الأسر من التفكك الذي هو مقاصد الشرع.

المذهب الرابع: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق والرجعة معًا، ولكن دلالة هذا الأمر على الاستحباب، فلا أثر على صحة أحدهما بدون إشهاد. وهو قول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة. وحجتهم: أن الأمر بالإشهاد يرجع إلى الطلاق والرجعة لسبق ذكرهما في النص الكريم. أما دلالة الأمر فهي على الاستحباب كدلالة الأمر بالإشهاد في البيع عند أكثر أهل العلم في قوله تعالى: "وأشهدوا إذا تبايعتم" (البقرة:282).

المذهب الخامس: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق والرجعة معًا، ودلالته على الوجوب بحيث إذا وقع أحدهما بدون إشهاد كان والعدم سواء. وهو مذهب الظاهرية، وروي عن علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وهو قول عطاء وابن جريج وابن سيرين. ويرى ابن عباس عود الأمر إلى الطلاق والرجعة إلا أنه إن لم يشهد لم يكن عليه شيء. وحجتهم: (1)ظاهر الأمر في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" على أساس عود الأمر فيه إلى كل من الطلاق والرجعة معًا، ولا يجوز إفراد أحدهما عن الآخر؛ لسبق ذكرهما في النص الكريم، مع حمل دلالة الأمر على الوجوب؛ لعدم وجود ما يصرف الأمر عن ظاهره. وكل عقد وقع مخالفًا لأمر الله فهو باطل لأنه لم يتم على الوجه المأمور به، فقد أخرج مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وأخرجه الشيخان عنها بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (2)ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والطبراني بسند صحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها؟ فقال للسائل: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة. أشهد على طلاقها وعلى رجعتها، ولا تعد. (وليس عند ابن ماجه جملة "ولا تعد"). (3)أن تقييد صحة وقوع الطلاق والرجعة بالإشهاد يحقق مصالح مقصودة شرعًا، فمن مصالح تقييد الطلاق بالإشهاد حفظ الأسر من التفكك، ومن مصالح تقييد وقوع الرجعة بالإشهاد حفظ حدود الله بمراعاة العدة التي لا يجوز الرجعة بعدها.

رد مع اقتباس