عرض مشاركة واحدة
  #96  
قديم 04-09-2016, 07:30 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 40
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

تابع



التحديات المقبلة






كانت السرعة والوتيرة التي تمكَّنت بهما القوات المسلحة المصرية من إعادة بناء امبراطوريتها الاقتصادية والسياسية في مرحلة مابعد مبارك مدهشتَين. فإلى جانب النهوض بالأنشطة الصناعية التي كانت متوقّفة، وفرض السيطرة على مشاريع بنى تحتية هائلة، أصبح انتشار القادة العسكريين كبيراً جدّاً في أروقة الحكم. فسبعة عشر محافظاً من أصل سبعة وعشرين هم جنرالات عسكريون (تسعة عشر محافظاً عسكريّاً إذا شملنا ضابطَي شرطة من الرتبة نفسها) وسائر الحكّام المدنيين يتشاركون الحكم مع 24 لواءً في مناصب نائب المحافظ، والأمين العام، ومساعد الأمين العام.

مع أن هذا الأمر يُظهِر حتماً توطيد سلطة الجيش، إلا أنه قد يشي أيضاً بوجود شكوك ضمن قيادة القوات المسلحة المصرية حول قدرة حكومة يقودها الجيش على الاستمرار لمدة طويلة. وفي بيئة تسودها الشكوك، تكمن الاستجابة المنطقية في فرض أكبر قدر ممكن من السيطرة الاقتصادية والسياسية للتخفيف من الخسائر في التنازع المقبل على السلطة. لكن هذه الاستراتيجية قد تنقلب عليها (وأغلب الظن أن هذا سيحدث)، فيما تتضاءل المساعدات الخليجية ويواصل النظام بذخه.

يتبع العديد من الانقلابات العسكرية مساراً مشابهاً: الدعم الشعبي الأولي لإطاحة حكومة مدنية لاتحظى بالشعبية، تليها فترة يوطّد خلالها الجيش سلطته ويصبح أشدّ قمعاً وفساداً.

يبدو المسار في مصر شبيهاً بذلك إلى حدّ بعيد. ففي البدء، تمكّن الجيش من إظهار أفعاله على أنها تعبير ملموس عن إرادة الشعب – أوّلاً عند رفضه دعم مبارك، ثم ضمان إطاحة مرسي من خلال رفضه التوصّل إلى تسوية مع قيادة حزب الحرية والعدالة. شكّل قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالإعلان عن وديعتين كبيرتين في البنك المركزي لدعم العملة المصرية المتدهورة (في أواخر العام 2011 ثم في العام 2014)، ورفضه المبكر الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، ورفض السيسي الخضوع إلى مشيئة رعاة مصر التقليديين (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وكبرى الوكالات الدولية المانحة)، خطواتٍ مدروسة بدقّة لإبراز نقاط الاختلاف بين القيادة العسكرية وبين نظام حسني مبارك الذليل.

منذ انتخاب السيسي رئيساً، قام برفع الضرائب على أصحاب الثروات الكبيرة، وحاول تقليص بعض أرباح الشركات الكبرى الطائلة عبر فرض ضريبة جديدة على عائدات رأس المال، وتخفيف القيود على العملة في الوقت نفسه. وقد أكسب ذلك حكومته تأييداً شعبيّاً كبيراً. ويتّضح أيضاً بشكل متزايد أن أكثر المؤسسات نفوذاً في مصر، بما في ذلك القضاء والإعلام، موالية للسيسي بشكلٍ حازم، ومستعدة لتسخير ثقلها المؤسّسي لأهداف الرئيس.

لكن من المستبعد ألا ينتبه أحد إلى المعلومات التي ظهرت منذ وصول السيسي إلى سُدّة الحكم حول الجهود التي بذلها الجيش لإضعاف حكومة حزب الحرية والعدالة، ودور القوات المسلحة المصرية المباشر في إثارة الاحتجاجات المناهضة لمرسي وتمويلها، وازدراء القيادة للنظام القانوني ووسائل الإعلام الموالية (والتلاعب السافر بهما).من الممكن أيضاً أن تقرّر القوات المسلحة المصرية أن تكاليف الفشل المؤسسي تتجاوز فوائد وجودها رسميّاً في سدّة الحكم. لايتمثّل القلق الأكبر للقيادة العسكرية المصرية في وجود خطر على الامبراطورية الاقتصادية، بل في عودة الاضطرابات الداخلية على نطاق واسع. الحكومات المدنية التي تطالب الجيش بإخماد الاحتجاجات يمكنها أن تتجنّب تحمّل المسؤولية الكاملة عن العنف وإراقة الدماء، لكن هذا لاينطبق على الحكومات العسكرية مثل حكومة السيسي. فالجيش هو النظام والنظام هو الجيش. لذلك، عزّزت المساعدات المالية والالتزامات بتمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى، العلاقات بين حكومة السيسي ودول الخليج بسرعة. والأمور التي ستهدّئ الغضب الشعبي هي مشاريع الإسكان ومرافق معالجة المياه وبرامج التدريب المهني (التي تموّلها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة) – فهي تضمن بقاء الجيش بعيداً عن الشوارع وتساعده في تجنّب التحديات الوجودية التي تهدّد شرعيته. ولهذا السبب أيضاً الشرطة شاملةٌ في ممارستها العنف والرقابة يومياً ضد الناشطين والمواطنين العاديين – فوزارة الداخلية هي في الوقت نفسه منفِّذة أوامر الجيش وكبش محرقته.

حُدِّد الدور الاقتصادي للقوات المسلحة المصرية، في معظم تاريخها الحديث، عبر قدرتها على الاستفادة من النفوذ الهامشي في مجموعة كبيرة من المشاريع المموَّلة من رؤوس الأموال الأجنبية ورجال الأعمال المصريين الأثرياء، أكثر ممّا حُدِّد عبر هيمنتها على المشاريع الكبرى. هذا دورٌ يمكنها الحفاظ عليه في ظل حكومة مدنية وديّة، ومن شأنه أن يعفي الجيش من تحمّل مسؤولية الفشل الاقتصادي وجزء من العنف السياسي. ونادراً ماكان هذا النوع من التدخّل العسكري الاقتصادي مزعجاً إلى حدٍّ منع الشركات المحتملة من الاستثمار في قطاعات مثل الطاقة والبتروكيماويات والعقارات، التي تركّزت فيها الاستثمارات الأجنبية في مصر منذ مدة طويلة. لكن هذا التدخّل كافٍ لضمان أن الجيش لايزال رقيباً مهمّاً على الاستثمار في مشاريع جديدة.

من المرجّح أن تعزّز إجراءات السيسي الجديدة، بما في ذلك قانون نصّ على دور الجيش في حماية البنى التحتية الأساسية (كان ذلك سابقاً ضمن صلاحيات الشرطة)، دورَ الرقابة هذا من خلال بناء العلاقات والاتصالات بين الجنرالات وبين رجال الأعمال الذين يموّلون هذه البنى التحتية. تشي هذه الظروف بأن الاستثمارات الأجنبية المقبلة ستكون على الأرجح متركزة أكثر، لا أقل، في المشاريع التي يمتلك فيها الجيش حصصاً. ومامن سبب للاعتقاد بأن حكومة مدنية مقبلة ستكون مستعدة أو قادرة على عكس هذه السياسات.


يتبع


رد مع اقتباس