عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04-09-2016, 07:16 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 40
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

تابع


تعزيز المكاسب في حقبة مابعد مرسي






في عهد السيسي والحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش التي سبقته، تركَّزَ خطاب الحكومة الاقتصادي على تحسين الخدمات العامة وتوسيعها؛ وتأمين السلع الأساسية بـ"الأسعار المناسبة": واستئناف مشاريع البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك استصلاح الأراضي وتوسيع النقل العام؛ وإحياء العمليات الصناعية الكبرى.
سهّلت إطاحة مرسي وتعزيز النظام العسكري الجديد قدرةَ القوات المسلحة المصرية على تحويل أموال الدولة إلى المشاريع التي لها مصالح فيها. أحد الأمثلة على ذلك هو القرض الذي قدّمه البنك الأهلي المصري بقيمة 20 مليون دولار، في كانون الثاني/يناير 2014، لفرع من شركة ثروة للبترول Tharwa Petroleum التي يمتلك الجيش حصة مباشرة فيها. ومع أن الشركة أجرَت القليل من الأعمال مع الدولة بين العامَين 2011 و2013، إلا أنها مُنِحَت امتيازَين كبيرَين في الحقبة قصيرة الأمد منذ مغادرة مرسي الحكم.
سهّلت إطاحة مرسي وتعزيز النظام العسكري الجديد قدرةَ القوات المسلحة المصرية على تحويل أموال الدولة إلى المشاريع التي لها مصالح فيها.
وبالمثل، ثمة مؤشرات على أن الحصص المملوكة من الدولة في شركة "فودافون مصر" ذات الأرباح المرتفعة، تُحوَّل إلى ملكية عسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يتيح الفرص للضباط المتقاعدين لعقد شراكات مع الشركة في مشاريع جديدة. كما أن دعم الشركات العسكرية من خلال المصارف المملوكة من الدولة، وتوزيع العقود المرغوب فيها على شركات الضباط المتقاعدين هما ممارسة قديمة، إلا أن حدّة هذه الممارسة ستزيد على الأرجح نظراً إلى إحكام الجيش قبضته على السلطة مجدداً.

لكن مشاريع البنية التحتية تبقى المجال الذي ينطوي على الإمكانيات الأكبر لمشاركة الجيش؛ وهذه المشاريع تضمّ بشكل أساسي "توشكا" – أي مشروع "الوادي الجديد" لاستصلاح الأراضي – ومشروع توسيع قناة السويس.

والواقع أن مشروع توسيع وتنمية قناة السويس – الذي تتولّاه اليوم بإحكام هيئة قناة السويس التي يهيمن عليها الجيش - أضحى مشروعاً طموحاً أكثر في عهد السيسي. يشمل المشروع توسيع ستة موانئ مصرية، وبناء عدد من الأنفاق والمناطق الصناعية، وحفر قناة موازية للسماح بمرور السفن في الاتجاهين. هذه القناة بدأت بحفرها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية. وقد مُنِح عقد المخطط العام للمشروع لشركة "دار الهندسة" للاستشارات والمقاولات (المملوكة بشكل رئيس من مساهمين أردنيين ولبنانيين) ومقرّها الخليج، ولفرعها المصري "دار مصر"، الذي يُعتقَد أن الجيش المصري شريك فيه. فضلاً عن ذلك، أُطلِقَت مشاريع ثانوية عدة في قطاع النقل البحري، بما فيها بناء مستودع جديد، وعقود لتوفير تجهيزات ضخمة مثل زوارق السحب.

على الرغم من الحوادث المؤسفة والمحرجة التي تسبّب بها سوء التخطيط (بما في ذلك فيضان موقع حفر القناة الموازية، التي حدّد مهندس الجيش المصري موقعها قريباً جداً من القناة الحالية)، إلا أن المشروع الأوسع يحظى بشعبية كبيرة لدى المصريين. حينما أعلنت الحكومة عن عرض تراخيص استثمار في أيلول/سبتمبر 2014 لجمع الأموال لمراحل المشروع الأوّلية، بيعَت التراخيص بالكامل في ثمانية أيام فقط – وجُمِعت حوالى 9 مليارات دولار. وقد حُصِرت عمليات الشراء بالمواطنين المصريين، في سياسة سعَت من دون شك إلى تذكير المصريين بأن التمويل الأجنبي الذي التُمِس لبناء القناة الأصلية في منتصف القرن التاسع عشر، كان الدافع الأساسي وراء إفلاس البلاد واحتلالها لاحقاً من قبل البريطانيين. والاعتماد على التمويل المحلي فقط يُذكِّر بحملة بناء الدولة التي أطلقها ناصر، ويوطّد في الوقت نفسه الرابط الرمزي بين الجيش والقناة نفسها.

بيد أن ثمة شركات أجنبية تنخرط في العمل الفعلي المطلوب لتوسيع القناة. وقد أبدى أحد المدراء الأجانب إعجابه بـ"السرعة التي طُرِح بها المشروع في السوق، والسرعة التي عُرِض بها على المناقصة"، لأنه على الأرجح لم يكن ثمة إشراف على عملية المناقصة الفعلية. لاشك في أن جوانب المشروع تبدو أنها أضغاث أحلام دكتاتورية، مثل مطلب السيسي العام بأن يحفر الجيش القناة في عام واحد، في مقابل الأعوام الثلاثة التي قدّرها المهندسون لإنهاء العمل. هذه الإشارة الغريبة نفسها كانت حاضرة في إعلان الحكومة، في آذار/مارس 2015، بأنها تخطّط لنقل العاصمة بأكلمها إلى رقعة في الصحراء القاحلة شرق القاهرة مساحتها 700 كلم مربع.

لكن حتى مع عملية البيع الناجحة لتراخيص تمويل القناة، مثل هذه المشاريع تتطلّب تعاون المستثمرين الأثرياء من القطاع الخاص مع رعاة الحكومة الخارجيين. وفي الواقع، سعى كلٌّ من مرسي، والحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش، والسيسي، بشكل نشط إلى التقرّب من المستثمرين الأساسيين والنخب النافذة، الذين إما انسحبوا بسبب الظروف الاقتصادية المبهمة، أو كانوا أنفسهم هدفاً لاضطهاد الحكومة نظراً إلى علاقاتهم بمبارك أو الإخوان المسلمين. ومحاولات السيسي لتحقيق مثل هذه "المصالحة من خارج القانون" مع المقرّبين من النظام السابق، جرى التمهيد لها في القانون الذي مرّرته الحكومة المؤقّتة، والذي يحظّر على الأطراف الثالثة تحدّي بنود العقود الرسمية. هذا الأمر ترك للحكومة أو المستثمرين فقط الموقع القانوني الضروري لتقديم الشكاوى عبر المحاكم الإدارية، ماجعل من المستحيل على المواطنين تحدّي الاتفاقات على أساس القروض غير الرسمية، وتقييم أصول الدولة بأقل من سعر السوق، وغير ذلك من الوسائل المستخدَمة عادةً لمكافأة المقرّبين من النظام.

ويُرجَّح أن تُركِّز جهود السيسي على الأفراد الأثرياء الذين لهم مصالح واستثمارات في تلك القطاعات الأهم بالنسبة إلى الجيش، أمثال الوليد بن طلال، وهو أمير سعودي تُعَدّ شركته، المعروفة بشركة المملكة للتنمية الزراعية (كادكو مصر)، المستثمر الأساسي في مشروع "توشكا" لاستصلاح الأراضي، الذي يمتدّ إلى عقود ويهدف إلى إعادة تشكيل وادي النيل في الروافد الجنوبية في مصر. في العام 2010، رفعت مجموعة من المحامين والمنظمات المصرية غير الحكومية دعوى ضد الوليد بن طلال، زاعمةً أن شراء شركة "كادكو" للأراضي ينتهك عدداً من القوانين المصرية، بما فيها القوانين المتعلّقة باستخدام الأراضي، وشروط العمل، والتنظيمات الضريبية، والصادرات الزراعية. لكن حكومة المجلس الأعلى للقوات المسلحة أجّلت الدعوى في العام 2011، وطالبت بالتدخّل المباشر للعاهل السعودي الملك عبدالله في محاولة لدفع الوليد بن طلال إلى التسوية، وهذا ماحصل في نهاية المطاف، إذ أعاد هذا الأخير التفاوض حول العقد لقبول مساحة أصغر من الأراضي. لكن معارضة مشروع "توشكا" (والاتفاقات العقارية المشوبة بالفساد الناتجة عنه) لطالما كانت أداةً في يد الإخوان المسلمين لحشد التأييد لهم. وعندما أصبح حزب الحرية والعدالة الحزب المهمين في البرلمان في أوائل العام 2012، لم يخفِ أعضاؤه معارضتهم لمواصلة المشروع.

بيد أن التخلّي عن مشروع "توشكا" كان ليشكّل ضربة موجعة للقوات المسلحة المصرية، التي تمتلك عدداً من شركات المقاولات المنخرطة في جوانب مختلفة من هذه الخطة، إضافة إلى مهندسين مُدرَّبين عسكرياً يعملون لصالح مقاولين فرعيين. وبالفعل، بعد إطاحة مرسي، أسرعت الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش إلى إصدار بيانات حول التزامها المتجدّد بالمشروع. وبحلول أيلول/سبتمبر 2013، أشارت وسائل الإعلام الإقليمية إلى استثمارات كبيرة جديدة من جانب السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين دعمتا بقوة كلاً من الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش ونظام السيسي الجديد.
كما ذُكِر أن الحكومة اتّخذت خطوات لجذب المزيد من المستثمرين إلى مشروع "توشكا"، بما في ذلك بناء منشآت صناعية جديدة لإنتاج الأغذية، وتأسيس شركة قابضة لتسهيل بيع أراضٍ إضافية. وتُعَدّ خطة السيسي الجديدة لمشروع "توشكا"، الذي يُقدَّر الآن بـ140 مليار دولار، توسيعاً هائلاً للمشروع الأصلي الذي صُمِّم في العام 1985؛ فقد وُسِّع ليشمل 48 مدينة جديدة، و8 مطارات، ومزارع أسماك، وسكة حديدية، وطريق سريع ضخم مؤلّف من 8 خطوط سير.
هذا ويُفترَض أن يكون صندوق "تحيا مصر" الذي أسّسه السيسي – والذي مُنِح رقم الحساب 037037، في إشارة إلى 3 تموز/يوليو 2013، تاريخ إطاحة مرسي من الحكم – مصدراً من مصادر تمويل المشروع. ويُقال إنه جمع تبرّعات من رجال الأعمال الأكثر ثراءً في المنطقة، بمَن فيهم الوليد بن طلال، ونجيب ساويرس (عبر مجموعة شركاته المعروفة بـ"أوراسكوم")، ورئيس مجموعة "حديد المصريين"، إضافة إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش، وعدد من المصارف ذات الأسماء الكبيرة، وعدد كبير من المشاهير، وموظّفي سلسلة فنادق سونستا.

لكن لايزال من غير الواضح مَن سيشرف على الحساب. ووفقاً لبيان ذي طابع رسمي يُعزى إلى القنصلية المصرية في أستراليا، سيكون الصندوق تحت سلطة الجهاز المركزي المصري للرقابة، وتحت إشراف السيسي نفسه وحاكم المصرف المركزي، إضافة إلى شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة القبطية المصرية. وتشير مصادر أخرى إلى أن الجهات المُشرِفة على الصندوق ستكون خليطاً من مسؤولين حكوميين ورجال أعمال، فيما تقول مصادر أخرى إن السيسي سيكون المُشرِف الوحيد.

وكما كان متوقَّعاً، استُخدِمَت حزمة حوافز بقيمة 4.9 مليارات دولار – مموَّلة إلى حدّ كبير من الإمارات العربية المتحدة – لتمويل عقود البنى التحتية الأساسية التي مُنِحَت لشركات تابعة للجيش. وفي العام 2014، صدر مرسوم عن الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش، يقضي بتوسيع قدرة الوزراء على توقيع العقود أحادية المصدر، الأمر الذي أدّى إلى انتقال أجزاء ضخمة من الاستثمار العام إلى الشركات العسكرية وشركائها، الذين مُنِحوا أيضاً عقود خدمات مهمة، بما في ذلك امتيازات طويلة الأمد لتشغيل بعض أكثر الطرق السريعة ازدحاماً في مصر (وتحصيل رسوم استخدامها). وفي غضون الأشهر العشرة الأولى فقط في ظل الحكومة المؤقّتة، فاز الجيش بحوالى 770 مليون دولار من العقود، وأكثر من مليار دولار من العقود الحكومية أحادية المصدر على مدى ثلاثة أشهر في خريف العام 2014.



يتبع



رد مع اقتباس