عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-07-2016, 09:11 PM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,683
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي

وفاء صندى


تركيا والفوضى المقبلة




وأنا أتابع تطورات الأحداث فى تركيا، ليلة السبت الماضى، على مختلف الفضائيات العربية والأجنبية، التى قضت ليلة بيضاء وهى تنقل وتنتظر ما سيتمخض عن انقلاب بدا فاشلاً منذ بدايته، كان هاجسى منذ ظهور الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، على إحدى القنوات المحلية مطالباً الشعب بمساندة النظام والخروج إلى الميادين، ماذا سوف يكون مستقبل تركيا بعد هذه المكالمة؟

لم ننتظر كثيراً، فلم تمض سوى دقائق حتى رأينا أمواجاً من البشر تستجيب لنداء رئيسها وتخرج إلى الشوارع فى مواجهة مباشرة مع عناصر الجيش الانقلابى، لتنتهى بعدها محاولة إسقاط أردوغان بالفشل، لأن صانع القرار، وهو الشعب، اختار الالتفاف وراء الرئيس ودافع عن بقائه فى الحكم. وبقى السؤال ماذا لو لم يستجب الشعب لطلب رئيسه واختار الحياد فى هذه المواجهة؟.

الوضع فى هذه الحالة بالتأكيد كان سيكون مختلفاً، وربما كانت تركيا اليوم تحت قيادة الجيش. فأردوغان الذى لعب «ورقة الشعب»، كان واثقاً أنها الورقة الرابحة، وأن الكلمة الأخيرة ستكون للشعب، وما سيختاره الشعب سيكون هو الفيصل فى هذه المواجهة.

أحداث تركيا وإن كانت تختلف فى جوهرها عن أحداث 30 يونيو فى مصر، إلا أنها تلتقى معها فى نقطة مهمة، لا يمكن لأحد بعدها أن يزايد على النظام المصرى الحالى، وهى قوة الشعب فى صنع القرار، وقوة الشعب فى اختيار من يحكمه. فى أحداث تركيا ظهور واحد للرئيس عبر سكايب، استجابت له الجماهير وأنقذته من سقوط محتوم. وفى مصر خرجت الجماهير بالملايين لتسقط رئيساً الذى لم تزد خطاباته المتلفزة عن «الشرعية»، وقتها، سوى تأجيج غضب الشعب الذى أصر على ألا يعود إلى مسكنه إلا بعد إسقاط النظام.

وبما أننى أتحدث عن الازدواجية فى المعايير، هناك نقطة أخرى أثارت انتباهى وانتباه العالم ككل أكيد، وهى ما تلى الانقلاب الفاشل فى تركيا من صمت دولى وطريقة تعاطٍ، تكشف سياسة الكيل بمكيالين تجاه الشرق الأوسط، بخصوص الحملة المسعورة من اعتقالات فى حق عسكريين وموظفين رسميين، قيل عن ارتباطهم بمحاولة الانقلاب، وإقالة آلاف آخرين ضمن القوات المسلحة، والشرطة، والقضاء، ووكالة المخابرات الوطنية، ووزارة المالية، ومكتب رئيس الوزراء، وإدارة الشئون الدينية، ووزارة التعليم، التى تحدثت تقارير عن إقالة 21 ألف موظف بها، وإقالة أكثر من 1500 من عمداء الكليات، بالإضافة إلى إقالة جميع رؤساء الجامعات الحكومية، بينما حظرت السلطات على أساتذة الجامعات السفر إلى الخارج، فى حملة تطهير متواصلة من الأشخاص المشتبه بصلتهم بالانقلاب!.

والنتيجة اعتقل، أو أقيل، أو أوقف عن العمل، فى تركيا، فى هذه الأيام القليلة فقط، أكثر من 50 ألف شخص، لا لشىء سوى للاشتباه بصلة هؤلاء بمن تقول تركيا عنه مدبر الانقلاب، رجل الدين، فتح الله جولن، المنفى بالولايات المتحدة، الذى ينفى ضلوعه فى محاولة الانقلاب. هذا وتتجه تركيا نحو إمكانية إعادة حكم الإعدام، الذى ألغى منذ 2004 لاستيفاء المعايير اللازمة من أجل الالتحاق بالاتحاد الأوروبى، حيث صرح أردوغان بأن الحكومة ستناقش الأمر فى البرلمان مع أحزاب المعارضة. مضيفاً أنه «لا شك فى أن تقييم ومناقشة وبحث كل طلب فى الدول الديمقراطية هو حق يتم بحثه تحت قبة البرلمان، ولا داعى لأخذ تصاريح من أى جهة لأجل ذلك».

تاريخ 16 يوليو لن يكون تاريخاً عادياً فى تركيا. فرجب طيب أردوغان الذى يتجه نحو استغلال محاولة الانقلاب من أجل تصفية حساباته مع جميع أعدائه فى الداخل، سوف يدفع ثمن ذلك غالياً فى المستقبل. فمن الخطأ الاعتقاد أن تطهير المؤسسات وتطهير الجيش ومحاولة تقليم أظافره سوف يمنع هذا الجيش مستقبلاً من محاولة دفاعه عما يعتبره من أدبياته وهو الدفاع عن العلمانية، التى تحرك من أجل الدفاع عنها فى سنوات 1960، 1971، 1980، 1997 و2009، والذى لن تمنعه قرارات أردوغان اليوم من معاودة محاولته مرة أخرى مستقبلاً، خصوصاً أنه يرى أردوغان وهو يحاول إحياء الخلافة العثمانية، ويحول صداقة تركيا بدول الجوار إلى عداوات متباينة.

وتركيا لم تستفد من دروس الفوضى المنتشرة فى دول المنطقة. وما يحدث فى البلد اليوم من تجاوزات أمنية وحقوقية سيكون نقطة سوداء فى تاريخها، وربما المحرك الأساسى لمسلسل فوضى أكثر ***اً ستعيشه تركيا بعد أن فتحت الباب على مصراعيه لعدوى عدم الاستقرار التى ستصلها لا محالة بعد فوضى قراراتها منذ عشية الانقلاب الفاشل.
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس