ثالثاً: الأحكام قاسية
ولما بنقول "قاسية" لا نقصد بالتقدير النفسي العاطفي، بل نقصد بالقانون .. قانون التظاهر لا ينص أساساً على السجن كعقوبة للتظاهر بدون ترخيص في حد ذاتها، العقوبة غرامة فقط!
اللي حصل إن النيابة وجهت تهم أخرى، والقاضي استخدم أقصى عقوبة بقانون التظاهر، المادة ١٩ اللي بتقول إن أقصى عقوبة الحبس ٥ سنوات أو الغرامة ١٠٠ ألف جنيه، في حالة "الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو تعطيل الإنتاج، أو تعطيل مصالح المواطنين، أو إيذاؤهم، أو تعريضهم للخطر، أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم، أو التأثير على سير العدالة، أو المرافق العامة، أو قطع الطرق أو المواصلات.. أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، أو تعريضها للخطر".
مظاهرات محدودة، اتفضت بسرعة جداً، وكلها سلمية حتى باعتراف الدولة، مفيش سلاح اتحط في أحراز ولا مواطن شهد قدام القاضي إن حد كسر محله أو عربيته مثلا، إزاي تصدر بالأحكام المرتفعة جداً دي؟!
إحنا فاكرين عشرات القضايا باتهامات اخطر بكتير، والمحكمة أثبتت ان المتهمين ارتكبوا الجرائم دي بالفعل، ومع كده تم إصدار أحكام أقل بكتير.
من أقرب الأمثلة مثلاً من أسبوع اتحكم على النقيب محمد حسني بالحبس ٣ سنوات فقط، بتهمة *** مجند أمن مركزي بالضرب حتى الموت!
(وبنفكركم إن القصة دي كانت في فيلم "موت بالخدمة" اللي اتكلمنا عنه من فترة عن الظروف غير الإنسانية للعساكر الغلابة.)
رابعاً: الأحكام سياسية
طبعاً وقطعاً مينفعش يقتصر نقدنا على توضيح المخالفات القانونية والمنطقية الرهيبة اللي حصلت في الأحكام دي.
لازم نقول بصراحة ووضوح إن المسئولية زي ما هي على الجهات القضائية والأمنية، هيا كمان على السلطة السياسية أيضاً.
- الرئيس عبدالفتاح السيسي بصفته رأس السلطة التنفيذية بيده كل الصلاحيات على وزارة الداخلية، وكان يقدر يأمر بأن الوزارة تكرر في يوم ٢٥ أبريل تعاملها الهاديء مع مظاهرات ١٥ أبريل اللي انتهت بسلام، وكان يقدر يوقف حملة الاعتقالات اللي انطلقت قبل اليوم ده ضد معارضي اتفاقية الجزر، اللي اتقبض عليهم من القهاوي ومن بيوتهم، وكانت قمتها القبض على الصحفيان عمرو بدر ومحمود السقا من داخل نقابة الصحفيين.
- الدولة في كل تصرفاتها كان واضح تماماً انحيازها التام .. المثال الأكثر وضوحاً وبجاحة هو المتظاهرين اللي حاصروا نقابة الصحفيين، هل دول كان معاهم تصريح؟! ليه الشرطة اللي كانت بتمنع دخول الصحفيين أنفسهم سمحت بمرور الناس دي؟! واعتدوا بالألفاظ البذيئة والضرب على أكثر من صحفي زي خالد داوود وبيسان كساب قدام الشرطة، وبعدها شتموا أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، ليه محدش حاسبهم؟
- المتهمين بمظاهرات الجزر اتحبسوا نصف الفترة في معسكر الجبل الأحمر للأمن المركزي، ولحد صدور الأحكام مفيش زيارات من الأهالي، والجلسات كان ممنوع فيها برضه حضور الأهالي .. هل ده تعامل طبيعي بيحصل في أي حالة، ولا سلوك متعمد ضدهم؟
- رغم مطالبات كتير جداً بتعديل قانون التظاهر الدولة تتمسك بيه، ومع كده اللي بيتم تطبيقه خارج القانون أصلاً.
- السلطة السياسية والأمنية مؤثرين بالتأكيد على أوضاع القضاء، بقوانين كتير جداً تخترق استقلاله ومنظومته زي اللي شرحناها سابقاً في بوست النيابة ، وهنتكلم قريباً عن تفاصيل تاني كتير.
- مازال بيد الرئيس السيسي شخصياً حق قانوني في إصدار عفو عن الشباب دي، لو عايزين أي حد يصدق إنه شخصياً مستاء من اللي حصل، ولو عايزيننا منصدقش خبر جريدة الشروق اللي اتنشر من فترة عن الإجتماع الأمني اللي ترأسه بنفسه وأصدر توجيهاته بمنع الاحتجاجات، وبعدها الرئاسة نزلت نفي بعده فوراً بدأت الحملة الأمنية!
- وأخيراً نسجل إنه للأسف اللي حصل ده، وفي سياق أزمة مستمرة من فترة، بيفقد مؤسسة القضاء المزيد من الثقة، وده شيء مخيف جداً لمستقبل أي بلد في العالم.
مش بس حياد الشرطة والقضاء هوا اللي يضمن العدالة لكل مواطن، ده كمان كفائتهم هيا اللي بتحمي المواطنين من المجرمين الجنائيين أو الإرهابيين، واللي حصل ده مفيهوش أي حياد أو حتى كفاءة، تجعل المواطنين يطمئنوا لمستقبل هذا الوطن.
آخر تعديل بواسطة محمد محمود بدر ، 06-03-2018 الساعة 11:54 AM
|