
05-04-2016, 08:58 AM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
مقدمة
، بعد خمس سنوات على انطلاق الثورة السورية في آذار / مارس 2011 والتي جاءت في سياق ما أصبح يعرف إعلاميًا باسم ثورات "الربيع العربي"، يبدو المشهد مختلفًا تمامًا اليوم. فالثورة التي انطلقت باحتجاجات سلمية، على غرار ثورتي تونس ومصر، وبمطالب إصلاحية اقتصادية واجتماعية وسياسية مشابهة، لم تلبث أن تحولت إلى صراع مسلح بامتدادات إقليمية ودولية، بعد أن طغت الأبعاد الخارجية للصراع على دينامياته الداخلية.
ومن بين كل الدول العربية التي قامت فيها ثورات مطلع العام ،( 2011 ) ، بدت سورية البلد الأقل احتمالًا للثوران، في رأي الكثيرين على الرغم من توافر كل أسباب الثورة فيها - مثلها مثل غيرها من دول الربيع العربي - مثل استشراء الفساد، وعدم التوازن في التنمية، وغياب تكافؤ الفرص، وارتفاع معدلات البطالة، وسيطرة الأجهزة الأمنية على مناحي الحياة، وضعف الخدمات، وتنامي عدد السكان في مقابل محدودية الموارد، وغياب الحريات والشفافية، وعدم وجود نظام حكم تمثيلي حقيقي، واحتكار القلة السلطة والثروة. إلّا أنّ سورية بدت مختلفة في جانبين مهمين: الأول داخلي مرتبط ببنية النظام الأمنية والعسكرية، إذ يدين الجيش بالولاء للنظام لأسباب مرتبطة إمّا بتركيبته، وإمّا بسبب نظام الزبائنية والريع المسيطر عليه ، ما جعل من الصعوبة بمكان توقع حصول ثورة شبيهة بثورة تونس أو مصر . والثاني هو موقع سورية الجيوسياسي وعلاقاتها الإقليمية والدولية المعقدة، والتي لم تكن في رأي الكثيرين تسمح أو تشجع على حصول ثورة ، وإذا حصلت فلن تتوافر لها فرص النجاح
هذا العامل هو ما تعنى هذه الورقة بمحاولة دراسته وفهمه، للإجابة عن سؤال كيف تحولت الثورة التي بدأت باحتجاجات مدنية ضد نظام استبدادي يحتكر السلطة والثروة ويصادر الدولة متخذًا منها أداة للحكم والهيمنة، ومن خلالها يقوم بإعادة توزيع الريع في إطار نظام زبائني، إلى حرب وكالة إقليمية ودولية، ذهب ضحيتها حتى الآن، بحسب إحصاءات عديدة، أكثر من ربع مليون قتيل، وأكثر من .( مليون مصاب، كما جرى تشريد نحو نصف السكان
وتنطلق الدراسة من فرضية مؤداها أنّ التنافس التركي - الإيراني الذي مثّل المحدد الأساس للصراع الذي دار في سورية قبل التدخل العسكري الروسي، بدأ قبل اندلاع الثورة، وقد أذكاه النظام السوري لتعظيم مكاسبه، بعد أن كان عزز علاقاته بتركيا وإيران لتوفير غطاء حماية لنفسه من الضغوط الخارجية، وتعويضًا عن خسارته العراق بعد الغزو الأميركي. لكنّ النظام ونتيجة سوء إدارة أزمته الداخلية، سقط "ضحية" لعبة التوازنات التي اصطنعها بنفسه. فما أن اندلعت الثورة السورية وتحولت إلى العمل المسلح، لمواجهة العنف المفرط الذي استخدمه النظام، حتى تحول التنافس الإيراني - التركي على سورية إلى صراع دموي على أرضها، فقد حاولت كل من أنقرة وطهران الظفر بسورية عبر دعم أحد أطراف الصراع، وتمويله، وتسليحه (حرب وكالة). وفي محاولة النظام الحد من الأدوار التركية والإيرانية معًا،اندفع في اتجاه استدعاء مزيد من التدخل الخارجي متمثّلًا بروسيا هذه المرة. والنتيجة أنّ النظام الذي بدا في مرحلة ما وكأنه صانع سياسات وعراب التحالفات الإقليمية الكبرى، قد تحول إلى ساحة صراع بين القوى عينها التي حاول اللعب على تناقضاتها، بعد أن فقد السيطرة على لعبة التوازنات الإقليمية التي أدارها بعناية فائقة، مستندًا إلى وضع داخلي قوي ومستقر، ظاهريًا على الأقل.
تابع
|