
14-10-2015, 07:37 AM
|
 |
نجم العطاء
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2006
العمر: 68
المشاركات: 8,134
معدل تقييم المستوى: 0
|
|
التأسيس الفعلي للجماعة
فى أكتوبر سنه 1932، انتقل حسن البنا من مدينة الإسماعيلية إلى القاهرة، ليزاول عمله كمدرس بمدرسة عباس بالسبتية، وكان ذلك إيذانا بدخول الجماعة مرحلة جديدة.
كانت مصر تغلى عندما انتقل البنا إلى العاصمة، وترزح تحت نير حكم استبدادى ديكتاتورى، واستمر السخط ثلاث سنوات بعد انتقاله.
هل اتخذ البنا والإخوان موقفا سياسياً إيجابيا يتوافق مع تطلع الشعب إلى الحرية والديمقراطية؟
هل اتخذ البنا والإخوان موقفا سياسياً مقاوماً للحكم الاستبدادى الذى يمثله صدقى وحزبه؟
فى مذكراته، يستعيد البنا سنوات التأسيس الأولى، ويشير إلى هموم الأمة وأمراضها والعلاج الذى يفكر فيه: ويفيض بنا التآثر إلى ما وصلنا إليه، وكم كنا نعجب إذ نرى أنفسنا فى مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة، والخليعون هاجعون يتسكعون بين المقاهى ويترددون على أندية الفساد.
لا كلمة واحدة عن إلغاء الدستور والتسلط والحكم الديكتاتورى، ولا إدانة عابرة لرموز مثل محمد محمود وصدقى. المشكلة كلها، مشكلة الأمة التى ينشغل بها البنا، هى التردد على القهاوى وأندية الفساد!.
لم تكن القاهرة التى انتقل إليها البنا تشبه مدينة الإسماعيلية التى جاء منها، والفارق بينهما هو الفارق بين العاصمة والمدن الإقليمية الصغيرة.
إذا كان البنا قد حقق نجاحاً سريعاً فى الإسماعيلية، فإن النجاح السريع المماثل فى القاهرة ليس متاحاً، وكان عليه أن يتحلى بالكثير من الصبر والدأب، وما يرويه البنا نفسه يدل على ذلك الإحساس الذى سيطر عليه، إحساس الانتقال من مكان محدد محدود يسهل التحرك فيه، إلى مكان متسع مزدحم متعدد التوجهات.
يروى حسن البنا أن أحد الإخوان جاء من الإسماعيلية إلى القاهرة لزيارته، فلما نزل من القطار فى محطة مصر سأل أول من قابلهم من أهل القاهرة عن المركز العام للإخوان المسلمين، وهو يظن أنه يسأل عن أحد معالم القاهرة، فاعتقدوا أنه شخص ساذج، وقالوا له: اتجه من هذا الطريق، ثم إسأل هناك، فاتجه ثم سأل .. وهكذا . حتى قابل حسن البنا صدفة، وقد جاوز المركز العام بمسافة، فأخذه ورجع به .
الضحك هو رد فعل حسن البنا على القصة التى يرويها، وقد أدرك بذكائه أن الدعوة التى يتزعمها، وكان ذلك بعد وصوله إلى القاهرة بثلاث سنوات، لازالت مجهولة حتى عند جيرانه قرب المركز العام.
كان البنا مثابراً فى القيام بواجباته اليوميةنحو مركز الإخوان، فهو يزوره فى الصباح ليوصى القائمين عليه بتنفيذ بعض الأعمال، ثم يعاود المرور عليه فى الفترة المسائية ليلتقى مع الزوار والأعضاء، ويلقى المحاضرات والدروس. وفى فصل الصيف، كان يخصص جزءاً كبيراً من وقته لزيارة القرى والتجمعات السكانية القريبة من القاهرة.
يقول عمر التلمسانى فى كتابه "ذكريات .. لا مذكرات" :
عمر التلمساني
"ذهبت مع الإمام الشهيد مرة إلى طنطا بدعوة من أحد وجهائها لافتتاح مسحد، وقضينا ليلة طيبة مليئة بأعمال الخير والدعوة إلى الله.
وفى الصباح ذهبنا جميعاً إلى محطة طنطا لنأخذ القطار إلى القاهرة، وصلينا الفجر على رصيف المحطة.
ووصلنا القاهرة، وذهب كل منا إلى منزله ليستكمل راحته، ولكن الإمام الشهيد ذهب إلى مدرسته بالسبتية ليلقى دروس الحصة الأولى" .
رحلة شاقة من القاهرة إلى طنطا، والعودة السريعة دون راحة، والتوجه إلى المدرسة للقيام بأعماله الوظيفية، ثم استكمال نشاطه مع الإخوان. طاقة على العمل، وتكتمل الأهمية بسمات الشخصية التى تتقن التعامل مع البشر وتتجنب إغضابهم. كان البنا يسعى، ما وسعه الجهد، إلى احتواء الخصوم، ولم يكن الأمر يتطلب منه إلا سعة الحيلة واللجوء إلى سلاح المجاملة وإظهار الاهتمام والاحترام. حكايته مع بعض شيوخ الأزهر تستحق أن تروى، لاكتشاف أسلوبه فى تهدئة الخواطر.
مما يحكى عن حسن البنا أنه عقد اجتماعاً مهماً مع بعض الإخوان والضيوف، وأصدر أمراً بتأجيل أى مقابلة حتى ينتهى الاجتماع.
وفى أثناء الاجتماع، جاء شيخان أزهريان يريدان الدخول لمقابلته، فقيل لهما إن المرشد مشغول ولا يستطيع مقابلة أحد
واحتج الشيخان على ما قيل لهما، وعلت أصواتهما، فخرج البنا من الاجتماع ليحتوى الموقف. احتوى الشيخين الثائرين بكلمات المجاملة، وعاتب من حال دون دخولهما إليه، متناسياً أنه من أصدر الأمر بذلك، وأصر أن يشربا معه الشاى ولا يغادران المكان إلا وقد رضيا.
سلوكه دليل عملى على أنه لا يهمل الأشياء الصغيرة التى قد تؤثر على مسار الدعوة، والمنطلق فى حركته هو الاحتواء واللجوء إلى الحيلة قبل الصدام واللجوء إلى المواجهة .
هل كان حسن البنا يسعى لتكوين جماعة دينية أم سياسية ؟! ينبئ الظاهر أنه لم يكن يهتم بالسياسة وصراعاتها، فمشكلة الأمة عنده تكمن فى الانحلال والفساد، وليس فى التسلط والاستبداد والطغيان.
لم تكن الأهداف التى حددها البنا، خلال سنوات العمل التأسيسى فى الإسماعيلية، إلا جملة من الدعاوى والأفكار الدينية الوعظية، تدعو إلى مكارم الأخلاق، وتنادى بالعودة إلى العقيدة الصحيحة، وتجنب الرذائل والموبقات، والاهتمام بالتدين والعبادة وتربية النفس.
أهداف تتسم بالعمومية وتبتعد عن الموقف السياسى، وكان حسن البنا حريصا على إبراز جماعة الإخوان على اعتبار أنها جمعية دعوية، شعارها الحكمة والموعظة الحسنة، وغايتها بث المشاعر والأحاسيس الدينية، ومثل هذا التوجه لا يمثل تهديداً للعاملين فى السياسة، ولذلك غابت الأنظار عنه، ولم يجد فيه إسماعيل صدقى عدواً معارضاً، ولم يجد فيه مقاومو صدقى خطورة تستوجب الاهتمام.
وهكذا استثمر البنا مناخ التوتر والصراع ليحقق مزيدا من التقدم والازدهار. يمكن اعتبار فترة الإسماعيلية مرحلة التأسيس واختبار التربة والتأقلم مع المناخ، واستطاع الإخوان خلال هذه السنوات أن يكونوا عددا من الشعب فى شرق الدلتا، لكن عام 1933، الذى شهد انعقاد المؤتمر الأول للإخوان المسلمين بالإسماعيلية، هو بمثابة الطور الثانى فى رحلة الجماعة التنظيمية وإطارها الحركى.
يتبع
|