عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 14-06-2015, 01:52 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

قصة أصحاب الأخدود (4)
محمود العشري



وبعد: فتبقى كلمة:
الثبات على دين الله - سبحانه وتعالى
إن الثبات على دين الله - سبحانه وتعالى - مطلب أساسي لكلِّ مسلم صادق، يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشدٍ؛ كما قال الشيخ محمد صالح المنجد - حَفِظه الله.
وتكمن أهمية هذا الموضوع في أمور، من أهمِّها:
1- وضْع المجتمعات الحاليَّة التي يعيش فيها المسلمون، وأنواع الفِتن والمُغريات التي بنارها يكتوون، وأصناف الشهوات والشُّبهات التي بسببها أضحى الدِّين غريبًا، فنال المتمسكون به مثلاً عجيبًا: "القابض على دينه كالقابض على الجَمر".
ولا شكَّ عند كلِّ ذي لُبٍّ أنَّ حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظمُ من حاجة أخيه أيام السلف، والجُهد المطلوب لتحقيقه أكبر؛ لفساد الزمان، ونُدرة الإخوان، وضَعْف المُعين، وقلة الناصر.
2- كثرة حوادث الرِّدة والنكوص على الأعقاب، والانتكاسات، حتى بين بعض العاملين للإسلام؛ مما يحمل المسلمَ على الخوف من أمثال تلك المصائر، ويتلمَّس وسائل الثبات للوصول إلى برٍّ آمن.
3- ارتباط الموضوع بالقلب، الذي يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأنه فيما رواه عنه أحمد والحاكم، وذكَره الألباني في السلسلة الصحيحة: ((لَقلب ابن آدمَ أشدُّ انقلابًا من القِدر إذا اجتمَعت غليًا)).
ويَضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - للقلب مثلاً آخر، فيقول فيما رواه أحمد وذكَره الألباني في صحيح الجامع: ((إنما سُمِّي القلب من تقلُّبه، إنما مَثَلُ القلب كمَثَلِ ريشة في أصل شجرة، يقلِّبها الريح ظهرًا لبطنٍ))، فسبق الحديث قول الشاعر:


وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلاَّ لِنَسْيِهِ

وَلاَ الْقَلْبُ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ



فتثبيت هذا المتقلِّب برياح الشهوات والشُّبهات أمرٌ خطير، يحتاج لوسائل جبَّارة تكافئ ضخامة المهمة وصعوبتها.
ومن رحمة الله - سبحانه وتعالى - بنا أن بيَّن لنا في كتابه وعلى لسان نبيِّه، وفي سيرته - صلى الله عليه وسلم - وسائلَ كثيرةً للثبات، نستعرض سويًّا بعضًا منها، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.
أولاً: الإقبال على القرآن:
القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى، وهو حَبْل الله المتين، والنور المبين، مَن تمسَّك به، عصَمه الله، ومَن اتَّبعه، أنْجاه الله، ومَن دعا إليه، هُدِي إلى صراطٍ مستقيم.
نصَّ الله - سبحانه وتعالى - على أنَّ الغاية التي من أجْلها أنزل هذا الكتاب منجَّمًا مفصَّلاً هي التثبيت، فقال - سبحانه وتعالى - في معرض الردِّ على شُبَه الكفار: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا *وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 32 - 33].
فلماذا كان القرآن مصدرًا للتثبيت؟!
والجواب: لأنه يَزرع الإيمان، ويُزكِّي النفس بالصِّلة بالله - سبحانه وتعالى - ولأن تلك الآيات تتنزَّل بردًا وسلامًا على قلب المؤمن، فلا تَعصِف به رياح الفتنة، بل يَطمئن قلبه بذِكر الله، ولأنه - مع ذلك - يُزود المسلم بالتصوُّرات والقِيَم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاعَ من حوله، وكذا الموازين التي تهيِّئ له الحُكم على الأمور، فلا يضطرب حُكمه، ولا تتناقَض أقواله باختلاف الأحداث والأشخاص، ولأنه يردُّ على الشُّبهات التي يُثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين، كالأمثلة الحيَّة التي عاشَها الصدر الأول.
وهذه نماذج منها:
1- ما هو أثر قول الله - سبحانه وتعالى - : ﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى: 3] على نفس الرسول - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قال المشركون: وُدِّعَ محمد؟! وراجِع القصة كاملة في صحيح مسلم بشرْح النووي.
2- وما هو أثر قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103] لَمَّا ادَّعى كفار قريش أنَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إنما يعلِّمه بشر، وأنه يأخذ القرآن عن نجَّار رومي بمكة؟!
3- وما هو أثر قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [التوبة: 43] في نفوس المؤمنين لَمَّا قال المنافق: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 49]؟!
أليس تثبيتًا على تثبيتٍ، وربطًا على القلوب المؤمنة، وردًّا على الشُّبهات، وإسكاتًا لأهل الباطل؟! بلى ورَبي.
ومن العجب أن الله - سبحانه وتعالى - يَعِدُ المؤمنين في رجوعهم من الحديبية بغنائمَ كثيرة يأخذونها - وهي غنائم خيبر - وأنه سيُعجِّلها لهم، وأنهم سينطلقون إليها دون غيرهم، وأنَّ المنافقين سيطلبون مرافقتهم، وأنَّ المسلمين سيقولون: لن تتَّبعونا، وأنهم سيُصرون يريدون أن يبدِّلوا كلام الله، وأنهم سيقولون للمؤمنين: بل تحسدوننا، وأنَّ الله - سبحانه وتعالى - أجابَهم بقوله: ﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الفتح: 15]، ثم يحدث هذا كله أمام المؤمنين مرحلة بمرحلة، وخُطوة بخطوة، وكلمة بكلمة.
ومن هنا نستطيع أن نُدرك الفرق بين الذين ربَطوا حياتهم بالقرآن، وأقبلوا عليه تلاوة وحِفظًا، وتفسيرًا وتدبُّرًا، منه ينطلقون، وإليه يَفيئون، وبين مَن جعلوا كلام البشر جُلَّ همِّهم، وشُغلهم الشاغل، ويا ليْتَ الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيبًا كبيرًا من طلبِهم.
ثانيًا: الْتِزام شرع الله والعمل الصالح:
قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27]؛ قال قتادة: أمَّا الحياة الدنيا، فيُثبِّتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة: في القبر، وكذا رُوِي عن غير واحدٍ من السلف، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66]؛ أي: على الحقِّ.
وهذا بَيِّنٌ؛ وإلاَّ فهل نتوقَّع ثباتًا من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة، إذا أطلَّت الفتنة برأسها وادْلَهمَّ الخَطْب؟! ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يَهديهم ربُّهم بإيمانهم صراطًا مستقيمًا؛ ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يُثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدْوَمه وإن قلَّ، وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه، وكانت عائشة - رضي الله عنها - إذا عَمِلت العمل لَزِمته، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن ثابَر على اثنتي عشرة ركعة، وَجَبَت له الجنة))؛ والحديث رواه الترمذي، وقال: الحديث حسنٌ أو صحيح، وهو في صحيح النسائي، وصحيح الترمذي، والمقصود: السُّنن الرَّواتب، وفي الحديث القدسي عند البخاري: ((ولا يزال عبدي يتقرَّب إليّ بالنوافل؛ حتى أحبَّه)).
ثالثًا: تدبُّر قَصص الأنبياء ودراستها؛ للتأسي والعمل:
والدليل على ذلك قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120]، فما نزلَت تلك الآيات على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للتلهِّي والتفكُّه، وإنما لغرضٍ عظيم، هو تثبيتُ فؤاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفئدة المؤمنين معه، فلو تأمَّلنا قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 68 - 70]؛ قال ابن عباس فيما نقَله عنه صاحب الفتح: "كان آخر قول إبراهيم حين ألْقِي في النار: حسبي الله ونِعم الوكيل"، ألا نشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطُّغيان والعذاب يدخل أنفسنا ونحن نتأمَّل هذه القصة؟ أيضًا لو تدبَّرت قول الله - سبحانه وتعالى - في قصة موسى - عليه السلام -: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62]، ألا تحسُّ بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين، والثبات في لحظات الشِّدة وسط صَرخات اليائسين وأنت تتدبَّر هذه القصة؟!
وكذلك: لو استعرضْتَ قصة سَحَرَة فرعون، ذلك المَثَل العجيب للثُّلة التي ثبتَت على الحق بعدما تبيَّن، ألا ترى أن معنًى عظيمًا من معاني الثبات يستقرُّ في النفس أمام تهديدات الظالم وهو يقول: ﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71].
ثبات القلَّة المؤمنة الذي لا يَشوبه أدنى تراجُع وهم يقولون: ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72].
وهكذا قصة المؤمن في سورة يس، ومؤمن آل فرعون، وأصحاب الأخدود وغيرها، يكاد الثبات يكون أعظم دروسها قاطبةً.
رابعًا: الدعاء:
فمن صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجَّهون إلى الله بالدعاء أن يُثبِّتَهم: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾[البقرة: 250]، ولَمَّا كانت: "قلوب بني آدمَ كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلبٍ واحد يُصرفه حيث يشاء"؛ كما روى الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعًا، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثر أن يقول: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))؛ كما رَوى الترمذي عن أنس مرفوعًا، وهو في صحيح الجامع.
خامسًا: ذِكر الله:
وهو من أعظم أسباب التثبيت، تأمَّل هذا الاقتران بين الأمرين في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، فجعَله من أعظم ما يُعين على الثبات في الجهاد.
"وتأمَّل أبدان فارس والروم، كيف خانَتْهم أحوج ما كانوا إليها"، بالرغم من قلة عدد وعُدة الذاكرين الله كثيرًا.
وبماذا استعان يوسف - عليه السلام - في الثبات أمام فتنة المرأة ذات المَنصب والجمال، لَمَّا دَعتْه إلى نفسها؟ ألَم يدخل - عليه السلام - في حصن: "معاذ الله"؟!، فتكسَّرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حِصنه، وكذا تكون فاعلية الأذكار في تثبيت المؤمنين.
سادسًا: الحرص على أن يَسلُك المسلم طريقًا صحيحًا:
والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كلِّ مسلم سلوكه هو طريق أهل السُّنة والجماعة، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم، واتِّباع السُّنة والدليل، والتميُّز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل.
وإذا أردتَ أن تعرف قيمة هذا في الثبات، فتأمَّل وسائل نفسك: لماذا ضلَّ كثير من السابقين واللاحقين وتحيَّروا، ولَم تَثبت أقدامهم على الصراط المستقيم، ولا ماتوا عليه؟ أو وصَلوا إليه بعدما انقَضى جُلُّ عمرهم، وأضاعوا أوقاتًا ثمينة من حياتهم؟!
فترى أحدهم يَتنقل في منازل البدع والضلال؛ من الفلسفة، إلى علم الكلام والاعتزال، إلى التحريف والتأويل، إلى التفويض والإرجاء، ومن طريقة في التصوُّف إلى أخرى.
وهكذا أهل البدع يتحيَّرون ويضطربون، وانظر كيف حُرِم أهل الكلام الثبات عند الممات؛ فقد قال السلف: "أكثر الناس شكًّا عند الموت أهل الكلام".
لكن فَكِّر وتدبَّر: هل رجَع أحدٌ من أهل السُّنة والجماعة عن طريقه سَخْطَةً، بعد إذ عرَفه وَفقهه وسَلَكَه؟ قد يتركه لأهواء وشهوات، أو لشُبهات عرَضت لعقله الضعيف، لكن لا يتركه لأنه قد رأى أصحَّ منه، أو تبيَّن له بطلانه.
ومِصداق هذا مساءلة هرقل لأبي سفيان عن أتْباع محمد - صلى الله عليه وسلم - قال هرقل لأبي سفيان: "فهل يرتدُّ أحد منهم سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ "قال أبو سفيان: لا، ثم قال هرقل: "وكذلك الإيمان حين تُخالط بشاشته القلوب"؛ والحديث رواه البخاري.
سمعنا كثيرًا عن كبار تنقَّلوا في منازل البدع، وآخرين هداهم الله، فترَكوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السُّنة والجماعة، ساخطين على مذاهبهم الأولى، ولكن هل سَمِعنا العكس؟!
فإن أردتَ الثبات، فعليك بسبيل المؤمنين.
وللموضوع تتمة

رد مع اقتباس