الموضوع: فردوس الإيمان
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 31-05-2015, 06:52 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

فردوس الإيمان (2)




محمود بن أحمد أبو مسلّم

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، ونصلي ونسلّم على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين.
وبعد:
فهذا أول مادة "فردوس الإيمان"، التي هي ملخص لكتاب الإيمان للحافظ الإمام أبي عبدالله، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن منده، الأصبهاني، العبدي، المتوفي سنة 395 هـ، والحافظ ابن منده، من كبار علماء الحديث، قال الذهبي: محدث الإسلام، من أئمة هذا الشأن وثقاتهم، صدوق في نفسه غير متهم في نقله، وقيل أنه سمع من ألف وسبعمائة شيخ، فهو غزير العلم ومن يطالع كتبه ومصنفاته يشهد له بذلك..
تنبيه:
استخدمنا الاختصارات الآتية للتعريف بكتب الحديث فالحروف:
خ - البخاري.
م - مسلم.
د - أبو داود.
ت - الترمذي.
س - النسائي.
سك - النسائي في الكبرى.
جه - ابن ماجه.
حم - مسند أحمد.
كم - الحاكم في المستدرك.
حب - ابن حبان في صحيحه.
وما سوى ذلك من الرموز ننبه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى، أو نذكر المصنف باسمه.
قال الحافظ ابن منده- رحمه الله-:
1- ذكر ما يدل على أن الإيمان الذي أمر الله عزّ وجلّ عباده أن يعتقدوه ما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(1) (م 11) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ هَاهُنَا، يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ، أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، شَكَّ كَهْمَسٌ، فَقَالُوا لَوْ لَقِينَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مَنْ نَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ: فَوَقَعَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ[1] وَهُوَ دَاخِلٌ الْمَسْجِدَ فَاكْتَنَفْتُهُ[2] أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَبْدَأُ بِالْكَلامِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ: أَيْ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ إِنَّمَا الأَمْرُ أُنُفٌ[3]، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا لَقِيتَهُمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بَرَاءٌ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ لأَحَدِهِمْ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عَنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ سَفَرٍ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَهُ إِلَى رُكْبَتِهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ قَالَ: " تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: " الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ "، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ "، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ يَعْنِي أَعْلامَهَا، فَقَالَ: " أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ "، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: " يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ".
2- ذكر ما يدل على الفرق بين الإيمان والإسلام عن سؤال جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
الحديث السابق.
3- ذكر ما يدل على أن الإيمان والإسلام اسمان لمعنى واحد وأنّ الإسلام الإقرار باللسان والعمل بالأركان، وأن الإيمان اعتقاد القلب.
حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) لا تعارض بين هذه الترجمة وبين الترجمة التي تسبقها، كما يبدو للوهلة الأولى، فمقصود المصنف أن الإسلام والإيمان يختلفان عمليا فقط، فكما أن الإسلام هو عمل اللسان والجوارح، فالإيمان هو عمل القلب، ولكنهما جزءان لمركب واحد، لا يكتمل، ولا يصلح إلا بتركيب أحدهما على الآخر.. والسؤال هل يطلق الإسلام على الإيمان والعكس، المصنف يرى ذلك، وسنرى فيما بعد أدلته وأدلة القائلين بالتفرقة بين الإسلام والإيمان إن شاء الله.
4- ذكر ما يدل على أن ابتداء الإيمان أن يؤمن العبد بالله عزّ وجلّ وحده وكتبه ورسله من الملائكة والنبيين صلّى الله عليهم وسلّم.
حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) قوله "ابتداء الإيمان"، أي ليست هذه الأمور المذكورة في الحديث هي ما ينبغي الإيمان بها فقط، بل هناك أمور أخرى، وسيذكرها المصنف فيما بعد، والمقصود أن إيمان العبد يبدأ بنطقه للشهادتين واعتقاده أن الله عزّ وجل واحد أحد فرد صمد إلها واحدا مستحق للعبادة، ثم يتبع ذلك الإيمان بما أخبر الله عزّ وجلّ به من أمور كما سيأتي.
5، 6 - ذكر ما يدل على أن من الإيمان أن يؤمن بحلو القدر ومرّه خيره وشرّه.
حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) وهذا في قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث: "أن تؤمن بالله وملائكته.. وبالقدر خيره وشرّه حلّوه ومرّه وبالبعث بعد الموت"، والإيمان بالقدر هو أصل وصلب الإيمان، والسؤال دائما الذي يقفز إلى الذهن.. إذا كنا نؤمن بالقدر.. وأن كل شيء مكتوب ومحسوم، فلما العمل والالتزام بالتكاليف الشرعية؟
وهذا السؤال، وعدم قبول العقل له للوهلة الأولى، هو الذي جعل بعض الطوائف تكذب به وتقول أنه لا قدر، وأن الأمر أنف، يعني لا يعلمه الله إلا بعد وقوعه، وأن الإنسان هو من يصنع قدره، وليس العكس، وكذبوا بذلك القرآن والسنة الصحيحة، ظنا منهم أن هذا "الفهم" أدعى للإيمان والعمل، وأقرب إلى العقل، وغلطوا في ذلك كما سنبين.
وكي أقرب المعنى أكثر، فسؤال الناس عن القدر يكون كما جاء عن:
سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: الزِّنَا مُقَدَّرٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَتَبَهُ عَلَيَّ وَيُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ سَالِمُ الْحَصَى فَحَصَبَهُ؛ ا. هـ.
كيف ذلك؟ وإن كان صحيحًا، فلماذا يوجد مؤمنون وكافرون ولماذا هذا التفريق، وهذا الصراع بين الكفر والإيمان، طالما أن هناك علم أزلي بمن يدخل الجنة ومن يدخل النار؟
والجواب بما يلي..
(1) أن المؤمن يؤمن بما أخبر به ربه في كتابه وبما أخبر نبيه صلّى الله عليه وسلّم، ومما أمرنا أن نؤمن به، القدر، الذي كتبه الله عزّ وجلّ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة، كما جاء في حديث:
(م 2655) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ"، فهذا أمر واجب الإيمان به ابتداءً.
(2) السكوت عن الخوض فيه، وفي مجرياته، وكيفيته، هو الأسلم لقلب المؤمن، فالمؤمن لا يهمه سوى رضا ربه، سواء كان كتب عليه خير أم شر، وسيأتي معنا في حديث معاذ وغيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم " مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا، قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا "، فلا ينبغي أن يتكل المؤمن على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، بل لابد أن يعمل ويعمل، والمراء والجدال في أمور القدر يؤذي القلب، وقد كان السلف يدخلون أصابعهم في آذانهم إن سمعوا أحدا يتكلم ويماري في القدر ويقولون "إن القلب ضعيف"، وكانوا لا يخوضون في جدل مع من يقول أن لا قدر، لضعف القلب الذي ربما يفتن بشبهة فيصبح إيمانهم معرض للخطر، أو ربما سمع هذه المناظرات من لا علم ولا إيمان قوي عنده، فيفتن، لذلك يحذر في هذه الآونة من أن تقام مناظرات على الهواء مباشرة في القنوات الفضائية بين أناس من طلبة العلم وأهل البدع والإلحاد، فيفتنون الناس في دينهم لاختلافهم وضياع الحجة في كلامهم، والمستفيد من ذلك القناة من أرباح الإعلانات وهوى النفس وحب الشهرة عند من يريد أن يظهر ظنا منه أنه سيقيم الحجة على صاحبه، فيكون الأمر معلق بين الهوى والشهرة والتجارة، ولا وجه فيه للحق البتة، فلا يستفيد الناس سوى الفتنة في دينهم، وزيادة حيرتهم في معرفة الحق.
(3) أما عن البعد العقلي أو المنطقي في ذلك، فليس هناك أي تعارض بين الآيات الدالة على كتابة القدر وانتهاء علم الله في الناس، وكذلك الأحاديث، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا في:
(خ 3207، م 2645) " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
كيف؟
حسم الله عزّ وجلّ في كتابة في آيات فذة في سورة الأنعام أي شبهة تعارض، فقال جلّ جلاله ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأنعام: 148، 149].
وهذه الآية هي نفس حجة من يقول، أنا اسرق بقدر الله، وأزني بقدر الله، وأكفر بقدر الله، فلما يعذبني؟، فالمشركون قالوها "لو شاء الله ما أشركنا" يحتجون بالقدر على شركهم، وذنوبهم، فأفحمهم القرآن بالحجة الدامغة البالغة التي هي حجة على كل من استعمل القدر حجه في ارتكاب المعاصي والآثام فقال لهم الله:" هل عندكم من علم فتخرجوه لنا".. يعني من أين علمتم أنه كتب عليكم الزنى أو الكفر أو كذا أو كذا.. حتى ترتكبوه؟!
إن كنتم علمتم أن القدر مكتوب فيه أنكم ستفعلون ذلك فافعلوا ما شئتم.. ولكنكم كاذبون ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ [الأنعام: 116] فقط تظنون أن الله قد كتب عليكم ذلك، فأخرجوا للناس ولله هذا القدر الذي علمتموه مسبقا!
وهذه "الحجة البالغة" الحسن والقوة، فلو شاء لهداكم أجمعين، يعني أنه سبحانه بين لكم الخير والشر، والحلال والحرام، لتجتنبوا ذا وتعملوا ذا، فأنتم مأمورون بالعمل، لأنكم لا تعلمون ما كتب الله لكم، أتكفرون أم تؤمنون، فوجب أن تبذلوا قصارى جهدكم وتخلصوا العمل له سبحانه، لأنكم لا تدركون بعلمكم القاصر مآل أمركم، بل إن القدر لا يعلمه إلا الله سبحانه.. ومثل ذلك، مثل رجل أوقف رجلا على باب دار بها دهاليز وسراديب، وقال له ادخل الدار واعلم أنه ليس بها إلا طريق واحد للنجاة، فاسعى واجتهد كي تصل إلى الباب الآخر الذي ينجيك، فهل من العقل أن يجلس هذا الداخل إلى الدار لا يتحرك ولا يبحث عن طريق النجاة.. أم هل من العقل أن يدخل ليلهو داخل الدهاليز والسراديب غير مكترث أينجو أم لا ويقول "الرجل يعلم إن كنت سأنجو أم لا فلما البحث عن طريق النجاة؟!" فهذا لا يعد إلا من الحمق والغباوة، وترك السعي لمرضاة الله لا يؤدي إلا لهلكة صاحبه، ولله المثل الأعلى.
يتبع


رد مع اقتباس