«فى الشهور التى سبقت هجمات 11 سبتمبر 2011، كانت هناك عدة هجمات تم توجيهها للمصالح الأمريكية فى بنغازى، وعلى الرغم من أننا قدمنا توصيات أكثر من مرة فى المخابرات المركزية لزيادة ودعم الوجود الأمنى حول مقر البعثة المؤقتة فى بنغازى، فإننا لم ندرك إلا متأخراً جداً، بعد الأحداث المأساوية فى 2011، أن التعزيزات الأمنية حول مقر البعثة فى بنغازى كان محدوداً للغاية. ولم نفهم أبداً السبب وراء ذلك، ولا السبب فى عدم توفير حماية كافية للسفير الأمريكى فى ليبيا «كريس ستيفنز» بواسطة أمن الخارجية الأمريكية، ولا حتى السبب الذى جعلهم يسمحون له بالسفر إلى ليبيا فى ذكرى هجمات سبتمبر، ولا حتى لماذا تركوه يقضى الليل فى بنغازى فى ذلك اليوم. أى محادثات تلك التى دارت بين «ستيفنز» وطاقمه الأمنى عندما قرر السفير أن يذهب إلى بنغازى فى 11 سبتمبر 2012، لقد كان من المستحيل بالنسبة لى، وأنا نائب لمدير المخابرات المركزية أن أقضى الليل فى طرابلس نظراً لخطورة الموقف الأمنى، وقرر رئيس الطاقم الأمنى المصاحب لى أن يحضر ما يشبه جيشاً صغيراً إلى ليبيا لحمايتى هناك».
ويواصل: «ومع قرب ذكرى هجمات 11 سبتمبر، والتباس وتعقد الموقف الأمنى فى معظم دول العالم العربى، أرسلت المخابرات المركزية فى بداية سبتمبر لكل قواعدها ومحطاتها حول العالم برقية تحذر من احتمال وقوع هجمات ضدها، وهى برقيات وتحذيرات نرسلها بشكل روتينى مع اقتراب ذكرى الهجمات لرفع درجة التأهب الأمنى فى المصالح الأمريكية لا أكثر. أرسلنا أيضاً برقية تحذير لسفارتنا فى القاهرة لأننا تلقينا معلومات استخباراتية محددة استناداً إلى شبكات التواصل الاجتماعى، تشير إلى أنه من المحتمل أن تكون هناك احتجاجات عنيفة هناك رداً على فيلم غامض تم إنتاجه فى الولايات المتحدة يعتقد كثير من المسلمين أنه يمثل إهانة للرسول. كانت الرسائل المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعى تشجع المتظاهرين على التوجه لمقر سفارتنا فى القاهرة وعلى *** الأمريكان. وظهر فيما بعد أن سفارتنا فى القاهرة تلقت نفس المعلومات بشكل منفصل، واتخذت احتياطاتها ضد ذلك بالفعل».
ويواصل «موريل»: «لم تكن السفيرة الأمريكية فى القاهرة آن باترسون فى السفارة فى ذلك الوقت، وكذلك معظم طاقمها من العاملين فيها، فى اليوم الذى اقتحم فيه مجموعة من المتظاهرين أسوار السفارة، ومزقوا الأعلام الأمريكية، ورفعوا أعلاماً سوداء تحمل شعارات إسلامية. وسرعان ما قامت قوات الأمن المصرية بإعادة النظام، على الرغم من أن أنباء ما نجح المتظاهرون فى تحقيقه فى القاهرة، قد انتشر سريعاً عبر وسائل الإعلام العربية، حتى بنغازى».
ويربط «موريل» بين الهجوم على السفارة الأمريكية فى القاهرة، وما جرى من هجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى قائلاً: «فى 11 سبتمبر 2012، كنت فى عمان وسط عدة اجتماعات استخباراتية مع نظرائى فى المنطقة، واطلعت فى بداية اليوم على التقارير حول الأحداث فى القاهرة، التى انتهت دون خسائر أو إصابات. تناولت العشاء مع رئيس المخابرات العسكرية والمخابرات الأردنية، ثم أخلدت إلى النوم، وصحوت على طرقات أحد مساعدينى يخبرنى أن هناك هجوماً مماثلاً قد وقع على منشأة أخرى تابعة للخارجية الأمريكية، فى بنغازى، وأن أحد ضباط أمن الخارجية قد لقى مصرعه، فى الوقت الذى لا يعرف فيه أحد مكان السفير. قالوا لى أيضاً إن باقى الموجودين فى مقر البعثة المؤقتة قد تم نقلهم إلى مقر قاعدة المخابرات المركزية فى بنغازى، ويعتقد أنهم سالمون، بينما يقوم رئيس محطة المخابرات المركزية فى طرابلس بإرسال ضباط أمن كتعزيزات من طرابلس إلى بنغازى لحماية مقر البعثة».
ويواصل «موريل»: «فى الصباح كانت هناك طرقات أخرى على باب غرفتى، أبلغنى فيها المساعدون أن قاعدة المخابرات المركزية قد أصبحت بدورها تحت وطأة هجوم عنيف، جلست على جهاز كمبيوتر مؤمن للاتصال بأعلى الشبكات سرية فى المخابرات المركزية لمتابعة الموقف. نحن فى المخابرات المركزية نقوم باستخدام برنامج خاص للرسائل النصية المباشرة يحمل اسم «سيم تايم» (نفس الوقت)، ونعتمد عليه للتواصل السريع غير الرسمى بين العاملين فى إدارتنا على امتداد العالم كله. أرسلت رسالة فورية عبر البرنامج لرئيس محطة الوكالة فى طرابلس أسأله فيها عن آخر التطورات وعما إذا كان من الممكن مساعدته بأى شكل».
ويواصل: «من خلال تبادل الرسائل على برنامج «سيم تايم»، حكى لى رئيس محطتنا فى طرابلس عما يعرفه حول الهجوم على «ملحق» المخابرات فى بنغازى، قال لى إن أربعة أمريكيين ***وا فى الهجوم، بمن فيهم السفير «روبرت ستيفنز» الذى لفظ أنفاسه الأخيرة فى مستشفى ببنغازى، ذلك الرجل الذى كان أسطورة فى الأوساط الدبلوماسية نظراً لقدرته على فهم الثقافة العربية وقدرته على أن يعمل فيها بكفاءة. وعلى امتداد ساعتين من الرسائل المتبادلة، فهمت من رئيس المحطة أنه ينوى سحب رجاله من بنغازى وأنه يسعى لإيجاد وسيلة لإعادتهم مع طاقم الخارجية الأمريكية إلى طرابلس. سألته عما إذا كان بحاجة لأى شىء، فقال لى إن لديه كل ما يحتاجه حالياً، وأبلغته أننى متجه لمقر سفارتنا فى عمان لو أراد متابعة الموقف معى من هناك».
ويتابع «موريل» رواية ما جرى فى بنغازى من موقعه كنائب لمدير المخابرات الأمريكية فى تلك الفترة، وهى رواية لا تخلو من محاولات تبرئة الـ«سى آى إيه» من تهمة التقصير أو الفشل فى الكشف عن ملابسات ما جرى، أو التحذير من احتمال وقوع عمل إرهابى ضد البعثة الدبلوماسية الأمريكية هناك، ويقول: «هناك عدة روايات حول ما حدث فى الساعات الأخيرة من الليل وساعات الصباح الأولى من هجوم بنغازى، بعض المعلومات المغلوطة التى يتداولها الناس هى تصورهم أنه كان هجوماً واحداً استمر لأربع ساعات. البعض الآخر يتصور أن الهجمات كانت منظمة وتم الإعداد والتخطيط لها لأسابيع أو حتى أشهر قبلها. الواقع، وما حدث فعلاً، أنه كانت هناك ثلاث هجمات منفصلة فى تلك الليلة، كلها تمت على يد متطرفين إسلاميين، بعضهم له علاقة بتنظيم القاعدة، وكل هجوم كان أشد قوة من سابقه، وكلها تستحق بجدارة وصف هجمات إرهابية، أياً كانت درجة ال*** فيها».
ويواصل: الهجوم الأول تم على مقر البعثة الدبلوماسية المؤقتة فى بنغازى، كنا نعرف من خلال متابعة وسائل التواصل الاجتماعى واتصالات أخرى غيرها أن المظاهرات ضد سفارتنا فى القاهرة اندلعت بسبب الفيديو المتداول على موقع «يوتيوب» ويظهر النبى محمد بصورة سلبية، كنا نرى أنه على امتداد 600 ميل فى بنغازى، سمع المتطرفون الإسلاميون أنباء الهجوم الناجح على سفارتنا فى مصر، وقرروا أنهم قادرون على إثارة متاعب مماثلة من ناحيتهم، على الرغم من أننا لا نعرف كل دوافعهم على وجه الدقة. أغلب الظن أنهم شعروا أنهم قادرون على أن يكرروا فى «بنغازى» نفس ما فعله «إخوانهم» فى القاهرة.
__________________
الحمد لله
|