عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30-04-2015, 02:22 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

منشأ الشرك
الغلو في الصالحين (2)




عبدالمتعال محمد المزلاوي



قال الله تعالى: ï´؟ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ï´¾ [يونس: 18]، وقال تعالى: ï´؟ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ï´¾ [يونس: 107]، وقال جل ذكره: ï´؟ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ï´¾ [الزمر: 2، 3].

وقال أيضًا: ï´؟ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ï´¾ [الإسراء: 56، 57].

روى بعض المفسرين عن ابن عباس ومجاهد، وابن مسعود وغيرهم - أن أناسًا كانوا يعتقدون في عيسى عليه السلام وعزير، والملائكة والجن، وغير هؤلاء، فردَّ الله عليهم اعتقادهم وشِركهم: إن هؤلاء الذين تدعونهم عبيدي كما أنتم عبيدي، يرجون رحمتي كما ترجون، ويخافون عذابي كما تخافون"، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ï´¾ [الأعراف: 194]، وفي القرآن الكريم كثير من الآيات البيِّنات في تقرير التوحيد والرد على المشركين الذين غَلَوْا في الصالحين من عباده، حتى رفعوهم في أنفسهم إلى مقام الإلهية، تعالى الله عن غلُوِّهم وشِركهم عُلوًّا كبيرًا.

أيها المسلمون، انظروا إلى القرآن، وتدبَّروا ما فيه، وافهموا خطاب الله إليكم، وما يُراد منكم، ولا تكونوا كالذين استهوتهم الشياطين في الأرض حيارَى، فأعرَضوا عن كتاب ربهم وسُنة نبيِّهم، فخسروا أنفسهم وذلك هو الخسران المبين، ï´؟ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ï´¾ [الزمر: 2، 3].

فيا لله، ويا للمسلمين، جهِل الناس كلمة التوحيد وهي التي من أجلها خُلِق العالم؛ ï´؟ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ï´¾ [الذاريات: 56]، ومن أجلها أُرسِلت الرسل، ومن أجلها قامت السموات والأرض، ومن أجلها نُصِبت الموازين، ومن أجلها ضُرِب الصراط، ومن أجلها قامت سوق الجنة والنار، ومن أجلها افترق الناس؛ ففريق في الجنة، وفريق في السعير، ï´؟ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ï´¾ [الزمر: 2، 3].

أين هذا مما عليه عُبَّاد القبور الذين اجتالتهم الشياطين عن التوحيد الخالص، وعن عبادة الله وحده لا شريك له؟!
أين هذا مما يفعله هؤلاء الأغمار حول الأضرحة وقبور الموتى؛ من العجيج والنشيج، والتمسُّح بالمقاصير والأحجار، وتقبيل الأعتاب، وغير ذلك من الشرك الفاضح؟! ï´؟ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ï´¾ [الحج: 46].

يأمر الله تعالى العباد بإخلاص العبادة له، والالتجاء إليه دون سواه، وفي ذلك من العزة وعُلو النفس وقوة القلب، ما يشهد له كل ذي عقلٍ راجح، ورأي صائبٍ، وفطرة سليمة.

المؤمن عزيز بربه، عزيز بدينه، عزيز باتِّباع رسوله صلى الله عليه وسلم، انظروا إلى قول الله تعالى، وما نعَت به المؤمنين، وزِنوا أنفسكم قبل أن تندموا حيث لا ينفع الندم؛ قال تعالى: ï´؟ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [المنافقون: 8]، وقال أيضًا: ï´؟ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ï´¾ [آل عمران: 139].

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُعِثْتُ بالسيف بين يدي الساعة؛ حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رُمحي، وجُعِل الذِّلة والصَّغار على مَن خالف أمري، ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم))؛ رواه الإمام أحمد.

المؤمن عزيز أبدًا، لا يذل لغير ربه فاطره وبارئه، ولا يلتفت في شأنٍ من شؤونه إلا إلى الله، فقلبه أبدًا متوجه إلى ربه، ولسانه أبدًا ذاكر لربه، وأعماله دائمًا في مرضاة ربه، فهو دائمًا عبد لله لا لغيره.

أما عُباد القبور، أما أرباب الطرق، أما المنافقون، أما المشركون - الذين ضُرِبت عليهم الذلة والصَّغار - فقد أبوا إلا التسفل والانحطاط، والتجؤوا إلى من صار ترابًا تحت أطباق الثرى، يناشدونه قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وهو عنهم معرض مشغول بما له أو عليه: ï´؟ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ï´¾ [الأحقاف: 6].

شتان بين الموقفين: موقف أهل الإيمان، وخزي أهل الباطل والكفران؛ جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لتتبِعُنَّ سَنن من كان قبلكم حَذو القُذَّة بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه))، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟))، وأخبر أيضًا صلى الله عليه وسلم أن أُمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: مَن هي يا رسول الله؟ قال: ((مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).

نعم قد اتَّبع الذين غلوا في الصالحين سَنن من كان قبلهم، انظر إلى قوم نوح عليه السلام وما وقعوا فيه من الشرك الوخيم، وما سبب ذلك إلا غُلوُّهم في "ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر".

وها هم مشركو العرب عبدوا اللات والعُزَّى وهُبَل، وغير ذلك من معبوداتهم، وما عبدوهم في زعمهم إلا ليُقربوهم إلى الله زُلفى، روى ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى: ï´؟ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ï´¾ [النجم: 19]، قال: "كان يلتُّ لهم السويق فمات، فعكفوا على قبره))، وقال ابن عباس رضي الله عنه: ((كان يلتُّ السويق للحجاج)).

من أجل ذلك عكفوا على قبره وعبدوه من دون الله، وهذا هو الغلو، وهذه هي عاقبته المشؤومة، بل انظر إلى غُلوِّ النصارى في عيسى عليه السلام، وما جره عليهم من الخزي والوبال!

قل لي بربِّك: ما الفرق بين هذه الأفعال الشركية التي وقعت في الأمم الماضية، وما عليه الحال في هذه الأمة؛ حتى يتبيَّن لك مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبِعُنَّ سَنن من كان قبلكم.. إلخ))؟

ألم تُشيَّد القبور وتُبنى عليها القباب التي تناطح السحاب؟ ألم تنصب فيها النُّصُب الخشبية، تُكسى بالحرير والديباج التي هي أصنام الجاهلية الأولى؟ أين هذا يا قوم من سَنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور التي يجب على كل مسلم اتباعها، وإلا كان على خطر عظيم؟!


روى مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: قال علي بن أبي طالب "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تَدَعَ تمثالاً إلا طمَسته، ولا قبرًا مُشرفًا إلا سوَّيته".

فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتسوية القبور، وكسْر التماثيل، وهؤلاء الغُلاة يرفعون عليها القباب، ويبنون عليها الأبنية الضخمة، وفي ذلك من المحادة لله والرسول ما الله به عليم؛ ï´؟ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ï´¾ [النساء: 115].

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة الله عند القبور، فكيف إذا عُبِدت القبور، وطُلِب منها ما لا يقدِر عليه إلا ربُّ الأرباب، وملك الملوك، وعلاَّم الغيوب؟!

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أمَّ سلَمةَ ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)).

ولم كانوا شرار الخلق عند الله؟ لأنهم جمعوا بين فتنتين عظيمتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل، والذين تعلَّقوا بالقبور من هذه الأمة زادوا عليهم وأرْبوا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها، فيدعو فنهاه، وقال: ألا أُحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتَّخذوا قبري عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا؛ فإن تسليمكم عليّ يَبلغني أين كنتم)))؛ رواه الضياء المقدسي في المختارة، وفي رواية: ((فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))، ثم قال له: "أنت ومَن بالأندلس سواء".

فهذا عالم من علماء آل البيت، بل من خيارهم، فإنه ابن الحسين رضي الله عنه - ينهى عن الدعاء عند القبر الشريف، ويقول للرجل: "أنت ومَن بالأندلس سواء"، وأنت اليوم قد لا تستطيع أن تنهى عن تقبيل عمود البدوي أو مقصورة الحسين رضي الله عنه، وهذا والله من غربة الإسلام.

جهِلُ الناس أصول الدين وفروعه، وتعلَّقوا بالبِدَع والخرافات، وما ورِثُوه عن الآباء والأجداد، والناس أعداء ما يجهلون!

عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله))؛ رواه البخاري ومسلم، وفي حديث آخر: ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغُلو)).

هذا الحديث لا يحتاج إلى شرح؛ لأنه واضح المعنى؛ يقول الرسول: لا ترفعوني فوق منزلتي، ولا تصفوني بغير صفة العبودية، كما فعلت النصارى في عيسى عليه السلام، بل أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله.

اللهم وفِّقنا إلى الخير وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، إنك على كل شيء قدير، وإنك عليم بذات الصدور.