عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 02-11-2014, 10:20 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثًا: مشاورة النبي صلى الله عليه وسلملأصحابه:
لما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نجاةُ القافلة وإصرار زعماء مكة على قتال النبي صلى الله عليه وسلم استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأمر,([26]) وأبدى بعض الصحابة عدم ارتياحهم لمسألة المواجهة الحربية مع قريش، حيث إنهم لم يتوقعوا المواجهة ولم يستعدوا لها، وحاولوا إقناع الرسول صلى الله عليه وسلم بوجهة نظرهم، وقد صور القرآن الكريم، موقفهم وأحوال الفئة المؤمنة عمومًا في قوله تعالى: ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ` يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ` وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُّحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ` لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) [الأنفال: 5- 8]. وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة التقدم لملاقاة العدو,([27]) وكان للمقداد بن الأسود موقفٌ متميزٌ، فقد قال عبد الله بن مسعود t: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عُدلَ به([28]): أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) [المائدة: 24]، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك, وبين يديك وخلفك. فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسرَّه([29])، وفي رواية:([30]) قال المقداد: يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ولكن امضِ ونحن معك، فكأنه سرَّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد ذلك عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أشيروا عليَّ أيها الناس»، وكان إنما يقصد الأنصار؛ لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة، وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار، مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فنهض قائلاً: «والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أجل». قال: (لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله)([31]). سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مقالة سعد بن معاذ، ونشطه ذلك فقال صلى الله عليه وسلم:«سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» ([32]).
كانت كلمات سعد مشجعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وملهبة لمشاعر الصحابة فقد رفعت معنويات الصحابة وشجعتهم على القتال.
إن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على استشارة أصحابه في الغزوات يدل على تأكيد أهمية الشورى في الحروب بالذات؛ ذلك لأن الحروب تقرر مصير الأمم، فإما إلى العلياء، وإما تحت الغبراء([33]).
رابعًا: المسير إلى لقاء العدو وجمع المعلومات عنه:
نظم النبي صلى الله عليه وسلم جنده بعد أن رأى طاعة الصحابة وشجاعتهم واجتماعهم على القتال، وعقد اللواء الأبيض وسلَّمه إلى مصعب بن عمير، وأعطى رايتين سوداوين إلى سعد بن معاذ، وعلي بن أبي طالب، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة([34]). وقام صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر يستكشف أحوال جيش المشركين، وبينما هما يتجولان في تلك المنطقة لقيا شيخا من العرب، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جيش قريش، وعن محمد وأصحابه، وما بلغه صلى الله عليه وسلم من أخبارهم: قال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم«إذا أخبرتنا أخبرناك» فقال: أو ذاك بذاك؟ قال: «نعم»، فقال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به جيش المسلمين، وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي فيه جيش المشركين فعلاً، ثم قال الشيخ: لقد أخبرتكما عما أردتما، فأخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماء»، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن الشيخ، وبقي هذا الشيخ يقول: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟([35]).
وفي مساء ذلك اليوم الذي خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، أرسل عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يتسقطون له الأخبار عن جيش قريش، فوجدوا غلامين يستقيان لجيش المشركين فأتوا بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: «أخبراني عن جيش قريش» فقالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم القوم؟» قالا: كثير، قال: «ما عدتهم؟» قالا: لا ندري، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كم ينحرون كل يوم؟» قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القوم ما بين التسعمائة والألف»، ثم قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش؟ فذكرا عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا جهل وأمية بن خلف في آخرين من صناديد قريش، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قائلا: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها»([36]).
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على معرفة جيش العدو والوقوف على أهدافه ومقاصده؛ ولأن ذلك يعينه على رسم الخطط الحربية المناسبة لمجابهته وصد عدوانه, فقد كانت أساليبه في غزوة بدر في جمع المعلومات تارة بنفسه وأخرى بغيره، وكان صلى الله عليه وسلم يطبق مبدأ الكتمان في حروبه، فقد أرشد القرآن الكريم المسلمين إلى أهمية هذا المبدأ قال تعالى: ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً )[النساء: 83].
وقد تحلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفة الكتمان في عامة غزواته، فعن كعب بن مالك t قال: (ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها...). ([37]) وفي غزوة بدر ظهر هذا الخلق الكريم في الآتي:
1- سؤاله صلى الله عليه وسلم الشيخ الذي لقيه في بدر عن محمد وجيشه، وعن قريش وجيشها.
2- تورية الرسول صلى الله عليه وسلم في إجابته عن سؤال الشيخ ممن أنتما؟ بقوله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماء» وهو جواب يقتضيه المقام، فقد أراد به صلى الله عليه وسلم كتمان أخبار جيش المسلمين عن قريش.
3- وفي انصرافه فور استجوابه كتمانٌ أيضًا, وهو دليل على ما يتمتع به رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الحكمة، فلو أنه أجاب هذا الشيخ ثم وقف عنده لكان هذا سببًا في طلب الشيخ بيان المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: «من ماء»([38]).

4- أمره صلى الله عليه وسلم بقطع الأجراس من الإبل يوم بدر، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل يوم بدر([39]).
5- كتمانه صلى الله عليه وسلم خبر الجهة التي يقصدها عندما أراد الخروج إلى بدر، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (... إن لنا طلبةً فمن كان ظهره حاضرًا فليركب معنا...)([40]).
وقد استدل الإمام النووي بهذا الحديث على استحباب التورية في الحرب، وأن لا يبين القائد الجهة التي يقصدها لئلا يشيع هذا الخبر فيحذرهم العدو([41]).
ونلحظ أن التربية الأمنية في المنهاج النبوي مستمرة منذ الفترة السرية، والجهرية بمكة، ولم تنقطع مع بناء الدولة، وأصبحت تنمو مع تطورها، وخصوصًا في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم.
__________________
رد مع اقتباس