عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-11-2014, 10:17 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الفصل الثامن


غزوة بــــــــدر الكبرى


المبحث الأول


مرحلة ما قبل المعركة

بلغ المسلمين تحركُّ قافلة تجارية كبيرة من الشام تحمل أموالاً عظيمة([1]) لقريش يقودها أبو سفيان ويقوم على حراستها بين ثلاثين وأربعين رجلا([2])، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بَسْبَس بن عمرو([3]) لجمع المعلومات عن القافلة، فلما عاد بسبس بالخبر اليقين، ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج وقال لهم: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها»([4])، وكان خروجه من المدينة في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة، ومن المؤكد أنه حين خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة لم يكن في نيته قتال، وإنما كان قصده عير قريش, وكانت الحالة بين المسلمين وكفار مكة حالة حرب، وفي حالة الحرب تكون أموال العدو ودماؤهم مباحة، فكيف إذا علمنا أن جزءًا من هذه الأموال الموجودة في القوافل القرشية كانت للمهاجرين المسلمين من أهل مكة قد استولى عليها المشركون ظلمًا وعدوانًا([5]).
كلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أم مكتوم بالصلاة بالناس في المدينة عند خروجه إلى بدر، ثم أعاد أبا لبابة من الروحاء إلى المدينة وعينه أميرًا عليها([6]).
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه([7]) إلى بدر طليعة للتعرف على أخبار القافلة، فرجعا إليه بخبرها([8]), وقد حصل خلاف بين المصادر الصحيحة حول عدد الصحابة الذين رافقوا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته هذه إلى بدر، ففي حين جعلهم البخاري «بضعة عشر وثلاثمائة»([9]). يذكر مسلم بأنهم ثلاثمائة وتسعة عشرة رجلا([10])، في حين ذكرت المصادر أسماء ثلاثمائة وأربعين من الصحابة البدريين,([11]) وكانت قوات المسلمين في بدر لا تمثل القدرة العسكرية القصوى للدولة الإسلامية، ذلك أنهم إنما خرجوا لاعتراض قافلة واحتوائها، ولم يكونوا يعلمون أنهم سوف يواجهون قوات قريش وأحلافها مجتمعة للحرب، والتي بلغ تعدادها ألفًا([12]) معهم مائتا فرس يقودونها إلى جانب جمالهم، ومعهم القيان يضربون بالدفوف، ويغنين بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه([13])، في حين لم يكن مع القوات الإسلامية من الخيل إلا فرسان، وكان معهم سبعون بعيرًا يتعاقبون ركوبها([14]).
أولاً: بعض الحوادث في أثناء المسير إلى بدر:
وقد حدثت بعض الحوادث في أثناء مسير النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيها من العبر والمواعظ الشيء الكثير:
1- إرجاع البراء بن عازب وابن عمر لصغرهما: وبعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المدينة في طريقهم إلى ملاقاة عير أبي سفيان، وصلوا إلى (بيوت السقيا) خارج المدينة، فعسكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم, واستعرض صلى الله عليه وسلم من خرج معه فرد من ليس له قدرة على المضي من جيش المسلمين، وملاقاة من يحتمل نشوب قتال معهم، فرد على هذا الأساس البراء بن عازب، وعبد الله بن عمر لصغرهما، وكانا قد خرجا مع النبي صلى الله عليه وسلم راغبين وعازمين على الاشتراك في الجهاد([15]).
2- ارجع فلن أستعين بمشرك: وفي أثناء سير النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، التحق أحد المشركين راغبًا بالقتال مع قومه، فرده الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: «ارجع فلن أستعين بمشرك» وكرر الرجل المحاولة فرفض الرسول حتى أسلم الرجل والتحق بالمسلمين ([16]).
3- مشاركة النبي صلى الله عليه وسلمأصحابه في الصعاب: فعن ابن مسعود t قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير, كان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكانت عقبة رسول الله, قال: فقالا: نحن نمشي عنك. فقال: «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما»([17]).
ثانيًا: العزم على ملاقاة المسلمين ببدر:
بلغ أبا سفيان خبر مسير النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه من المدينة بقصد اعتراض قافلته واحتوائها، فبادر إلى تحول مسارها إلى طريق الساحل، في نفس الوقت أرسل عمرو بن ضمضم الغفاري إلى قريش يستنفرها لإنقاذ قافلتها وأموالها([18]), فقد كان أبو سفيان يقظًا حذرًا، يتلقط أخبار المسلمين ويسأل عن تحركاتهم، بل يتحسس أخبارهم بنفسه، فقد تقدم إلى بدر بنفسه، وسأل من كان هناك: (هل رأيتم من أحد؟) قالوا: لا. إلا رجلين قال: (أروني مناخ ركابهما، فأروه، فأخذ البعر ففته فإذا هو فيه النوى، فقال: هذا والله علائف يثرب)([19]). فقد استطاع أن يعرف تحركات عدوه, حتى خبر السرية الاستطلاعية عن طريق غذاء دوابها، بفحصه البعر الذي خلفته الإبل، إذ عرف أن الرجلين من المدينة أي من المسلمين، وبالتالي فقافلته في خطر، فأرسل عمرو بن ضمضم إلى قريش وغيَّر طريق القافلة، واتجه نحو ساحل البحر([20]).
كان وقع خبر القافلة شديدًا على قريش، التي اشتاط زعماؤها غضبًا لما يرونه من امتهان للكرامة، وتعريض للمصالح الاقتصادية للأخطار إلى جانب ما ينجم عن ذلك من انحطاط لمكانة قريش بين القبائل العربية الأخرى؛ ولذلك فقد سعوا إلى الخروج لمجابهة الأمر بأقصى طاقاتهم القتالية([21]).
لقد جاءهم عمرو بن ضمضم الغفاري بصورة مثيرة جدًا يتأثر بها كل من رآها، أو سمع بها، إذ جاءهم وقد حول رحله وجدع أنف بعيره، وشق قميصه من قُبُل ومن دُبُر، ودخل مكة وهو ينادي بأعلى صوته: يا معشر قريش: اللطيمة، اللطيمة,([22]) أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث، الغوث([23]).
وعندما أمن أبو سفيان على سلامة القافلة أرسل إلى زعماء قريش وهو بالجحفة برسالة أخبرهم فيها بنجاته والقافلة، وطلب منهم العودة إلى مكة، وذلك أدى إلى حصول انقسام حاد في آراء زعماء قريش، فقد أصر أغلبهم على التقدم نحو بدر من أجل تأديب المسلمين وتأمين سلامة طريق التجارة القرشية, وإشعار القبائل العربية الأخرى بمدى قوة قريش وسلطانها، وقد انشق بنو زهرة([24])، وتخلف في الأصل بنو عدي. فعاد بنو زهرة إلى مكة، أما غالبية قوات قريش وأحلافهم فقد تقدمت حتى وصلت بدرًا([25]).
__________________
رد مع اقتباس