عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22-10-2014, 11:21 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانياً: من أخلاق الصحابة عند سماعهم للنبي صلى الله عليه وسلم:
حرص الصحابة رضوان الله عليهم على التزام آداب ومبادئ مهمة كان لها عظيم الأثر في حسن الحفظ وتمام الضبط وقدرتهم في تبليغ دعوة الله للناس، ومن هذه الآداب والأخلاق:
1- الإنصات التام وحسن الاستماع:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في نفوس الصحابة وأعظم من أن يلغوا إذا تحدث، أو ينشغلوا عنه إذا تكلم، أو يرفعوا أصواتهم بحضرته، وإنما كانوا يلقون إليه أسماعهم ويشهدون عقولهم وقلوبهم، ويحفزون ذاكرتهم فعن علي بن أبي طالب t في الحديث عن سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه قال: «... وإذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا...»([49]).
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: «أصله: أن الغراب يقع على رأسه البعير، فيلقط منه القُراد، فلا يتحرك البعير حينئذ، لئلا ينفر عنه الغراب ويبقى القراد في رأس البعير فيؤلمه، فقيل منه: كأن على رؤوسهم الطير»([50]).
وأيا ما كان أصل المثل فهو يدل على السكون التام، والإنصات الكامل هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له، وإجلالاً لحديثه([51]).
2- ترك التنازع وعدم مقاطعة المتحدي حتى يفرغ:
وهذا من تمام الأدب، المفضي إلى ارتياح جميع الجالسين، وإقبال بعضهم على بعض، والمعين على سهولة الفهم، والتعلم ففي حديث علي بن أبي طالب t السابق في
سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه، قال: (لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم..)([52]) أي أن من بدأ منهم الحديث والكلام سكتوا حتى يفرغ أولاً من حديثه، ولم يقاطعوه أو ينازعوه، وبذلك يبقى المجلس على وقاره وهيبته، ولا تختلط فيه الأصوات، ولا يحصل أدنى تشويش([53]).

3- مراجعته صلى الله عليه وسلمفيما أشكل عليهم حتى يتبين لهم:
فمع كمال هيبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة تعظيمهم له، لم يكونوا يترددون في مراجعته صلى الله عليه وسلم لاستيضاح ما أشكل عليهم فهمه، حتى يسهل حفظه، بعد ذلك، ولا شك أن هذه المراجعة تعين على تمام الفهم وحضور الوعي، فمن ذلك حديث حفصة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو ألا يدخل النار أحد إن شاء الله ممن شهد بدراً والحديبية»قالت: قلت يا رسول الله أليس قد قال الله: ( وَإِن مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا )[مريم:71] قال: «ألم تسمعيه يقول ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا )([54])[مريم:72].
ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله، عن عبد الله بن أنيس، رضي الله عنهم، الذي رحل جابر إليه فيه، قال ابن أنيس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الله العباد – أو قال: الناس – عراة غُرْلاً([55]) بُهْماً» قال: قلنا: ما بُهْماً؟ قال: «ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وعنده مظلمة، حتى أُقِصَّه([56]) منه، حتى اللطمة» قال: قلنا: كيف ذا وإنما نأتي الله غرلا بهما؟ قال: «بالحسنات والسيئات». قال: وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )([57])[غافر:17].
وهكذا استفهم الصحابة عما خفي عليهم، واستوضحوا ما أشكل عليهم فهمه، وهذه المناقشة والمراجعة كان لها أثر كبير في الفهم والوعي والحفظ([58]).
  • 4- مذاكرة الحديث:
كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا سمعوا شيئاً من النبي صلى الله عليه وسلم وحملوا عنه علماً، جلسوا فتذاكروه فيما بينهم وتراجعوه على ألسنتهم، تأكيداً لحفظه، وتقوية لاستيعابه وضبطه والعمل به، فعن أنس بن مالك t قال: «كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه»([59])، وقد بقي مبدأ المذاكرة قائما بين الصحابة حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فعن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة رحمه الله قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا تذاكروا العلم، وقرءوا سوره»([60]).
5- السؤال بقصد العلم والعمل([61]):
كانت أسئلة الصحابة بقصد العلم والعمل، لا للعبث واللعب، فكانت أسئلتهم مشفوعة بهذا القصد، لما علموا من كراهة النبي صلى الله عليه وسلم للمسائل العبثية التي لا يُحتاج إليها، ولما سمعوا من تحذيره صلى الله عليه وسلم من كثرة السؤال فعن سهل بن سعد الساعدي t قال: «كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها»([62]).
قال النووي: «المراد: كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها، لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم، أو إشاعة فاحشة أو شناعة على مسلم أو مسلمة. قال العلماء: أما إذا كانت المسائل مما يحتاج إليه في أمور الدين، وقد وقع، فلا كراهة فيها»([63]).
6- ترك التنطع وعدم السؤال عن المتشابه:
وذلك تطبيقاً لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وتشديده على المتنطَّعين، نهيه عن مجالستهم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألْبَابِ )[آل عمران:7] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم»([64]).
7- ترك السؤال عما سكت عنه الشارع:
فقد التزموا رضوان الله عليهم بهذا الأدب، فلم يتكلفوا السؤال عما سكت عنه الشارع، حتى لا يؤدي السؤال عن ذلك إلى إيجاب ما لا يوجبه الشرع، أو تحريم ما لم يحرمه، فيكون السؤال قد أفضى إلى التضييق على المسلمين، كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ` قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ )[المائدة:101،102].
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك، فعن سعد بن أبي وقاص t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته»([65]).
8- اغتنام خلوة رسول الله صلى الله عليه وسلمومراعاة وقت سؤاله:
كان الصحابة رضي الله عنهم يراعون الوقت المناسب للسؤال، ومن ذلك اغتنام ساعة خلوته صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون في السؤال إثقال أو إرهاق أو نحو ذلك، فعن أبي موسى الأشعري t قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر انحرفنا إليه فمناَّ من يسأله عن القرآن ومنا من يسأله عن الفرائض، ومنا من يسأله عن الرؤيا»([66]).
9- مراعاة أحواله صلى الله عليه وسلموعدم الإلحاح عليه بالسؤال:
وبخاصة بعد أن نُهوا عن السؤال؛ ولذلك كانوا يدفعون الأعراب لسؤاله صلى الله عليه وسلم، ويتحينون وينتظرون مجيء العقلاء منهم، ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسمعون، فعن أنس بن مالك t قال: «نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقلُ، فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال: «صدق»... الحديث([67]).
وهكذا استمر البناء التربوي في المجتمع الجديد من خلال المواقف العملية الواضحة منسجماً مع غرس فريضة التعلم والتعليم بين أفراد المجتمع المسلم، فكانت تلك التوجيهات تساهم في إعداد الفرد المسلم، والأمة المسلمة، والدولة المسلمة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا جزء من كل، وغيض من فيض، وتذكير وتنبيه لأهمية استمرار البناء التربوي والعلمي في الأمة حتى بعد قيام الدولة.

***


([1]) انظر: الظلال (1/27) وما بعدها.

([2]) انظر: السيرة النبوية، دروزة (2/72، 76) نقلا عن دراسات في عهد النبوة، د. عبد الرحمن الشجاع، ص172.

([3]) التمكين للأمة الإسلامية، ص62.

([4]) انظر: مناهج وآداب الصحابة في التعلم والتعليم، د. البر، ص59، 60.

([5]) البخاري، كتاب العلم، باب من أعاد الحديث (1/188).

([6]) انظر: مناهج وآداب الصحابة، د. عبد الرحمن البر، ص62.

([7]) أسبح: أصلي النافلة وهي السبحة وقيل صلاة الضحى.

([8]) البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي (6/576) رقم 3568.

([9]) يتخولنا: يتعهدنا.

([10]) البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي يتخولهم بالمواعظة، (1/162) رقم 68.

([11]) انظر: مناهج وآداب الصحابة، ص65.

([12]) مناهج وآداب الصحابة، ص65، كل وسائل التعليم النبوية اختصرتها من هذا الكتاب القيم.

([13]) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء (1/219).

([14]) انظر: منهاج وآداب الصحابة، ص67.

(3) مسلم، كتاب البر، باب تحريم الظلم (4/1997).

([16]) أي ليكن العلم هنيئاً لك.

([17]) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف، وآية الكرسي (556).

([18]) انظر: مناهج وآداب الصحابة، ص69.

([19]) كنفته: يعني عن جانبيه، والكنف بالتحريك: الناحية والجانب.

([20]) أسك: مصطلم الأذنين مقطوعهما (النهاية 2/384)

([21]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق (4/2272).

([22]) البخاري، كتاب المظالم، باب نصر المظلوم (5/99) رقم 2446.

([23]) أبو داود، كتاب اللباس، باب في الحرير للنساء (4/5) رقم 4057.

([24]) صحيح سنن النسائي، الألباني، ورقمه (5163) وصححه..

([25]) القهقرى: المشي إلى خلف، من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه.

([26]) أي لتتعلموا، فحذف إحدى التاءين.

([27]) البخاري، كتاب الصلاة، باب في السطوح والمنبر، والخشب (1/486) رقم 377.

([28]) انظر: مناهج وآداب الصحابة في التعلم والتعليم، ص74.

([29]) أبو داود، كتاب الطهارة، باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة (1/3) رقم 8.

([30]) انظر: مناهج وآداب الصحابة في التعلم والتعليم، ص85.

([31]) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن (1/546).

([32]) انظر: مناهج وآداب الصحابة، ص86.

([33]) وا: حرف للندبة، والحسرة، والثكل فقدان المرأة ولدها، وأمياه: أي يا أماه.

([34]) الكهر والقهر والنهر متقاربة، أي ما قهرني ولا نهرني.

([35]) مسلم، كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة (1/381).

([36]) الرغاء: صوت الإبل عند رفع الأحمال عليها، الخوار: صوت البقر، تيعر: يعني تصيح.

([37]) البخاري، كتاب الحيل، باب احتيال العالم ليُهدي له رقم 6979.

([38]) مجمع الزوائد (1/173، 174) له شواهد كثيرة تقوي الحديث.

([39]) البخاري، كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم (1/186) رقم 90.

([40]) مقدمة ابن ماجه باب في القدر (1/33) رقم 85.

([41]) البخاري، كتاب الإيمان، باب: قول النبي (أنا أعلمكم بالله) (1/70) رقم 20.

([42]) فتح الباري (1/187). (3) السبي: الأسرى.




([44]) تحلب ثديها: أي تهيآ لأن يحلبا. (5) تسعى: من السعي، وهو المشي بسرعة.



([46]) أي لا تطرحه ما دامت تقدر على حفظه معها ووقايته وعدم طرحه في النار.

([47]) البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم 5999.

([48]) الرسول المعلم، عبد الفتاح أبو غدة، ص160، هذا المبحث اختصرته من مناهج وآداب الصحابة في التعلم والتعليم للدكتور عبد الرحمن البر.

([49]) الترمذي، في الشمائل المحمدية، باب ما جاء في خلق رسول الله رقم 335.

([50]) انظر: الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، ص30.

([51]) انظر: مناهج وآداب الصحابة، ص77.

([52]) الترمذي في الشمائل المحمدية، باب ما جاء في خلق رسول الله، رقم 335.

([53]) انظر: مناهج وآداب الصحابة، ص78.

([54]) ابن ماجة، كتاب الزهد، باب ذكر البعث (2/1431).

([55]) غرلا: جمع أغرل، وهو الأقلف، والغرلة: القلفة:وهي القطعة التي تقطع من الذكر عند الختان.

([56]) أُقِصَّه: أمكنه من أخذ القصاص ممن ظلمه. (4) أخرجه الحاكم (2/437) وصححه ووافقه الذهبي.



([58]) انظر: مناهج وآداب الصحابة، ص80.

([59]) أخرجه الخطيب في الجامع (1/363، 364) وفيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف.

([60]) أخرجه الخطيب في الجامع (2/86) رقم 1229، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء، ص48.

([61]) انظر: مناهج وآداب الصحابة، ص96.

([62]) أخرجه أبو خيثمة زهير بن حرب بإسناد صحيح في كتاب العلم، ص20 رقم 77.

([63]) شرح النووي على مسلم، (3/741) طبعة الشعب.

([64]) البخاري، كتاب التفسير، سورة آل عمران، رقم 4547.

([65]) البخاري، كتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال... ورقمة (7289).

([66]) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/159) رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن عمر الرومي، ضعفه أبو داود وأبو زرعة، ووثقه ابن حبان.

([67]) مسلم، كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام (1/41، 42).
__________________
رد مع اقتباس