عرض مشاركة واحدة
  #60  
قديم 21-09-2014, 10:16 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثًا: ما تعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى وال*****:
لم يفتر المشركون عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم, منذ أن صدع بدعوته إلى أن خرج من بين أظهرهم, وأظهره الله عليهم، ويدل على مبلغ هذا الأذى تلك الآيات الكثيرة التي كانت تتنزل عليه في هذه الفترة تأمره بالصبر، وتدله على وسائله وتنهاه عن الحزن، وتضرب له أمثلة من واقع إخوانه المرسلين، مثل قوله تعالى: ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً )[المزمل:10]. وقوله: ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا )[الإنسان:24]. وقوله: ( وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ )[النمل:70]. وقوله: ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ )[فصلت:43].
وهذه أمثلة تدل على ما تعرض له صلى الله عليه وسلم من الإيذاء:
1- قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه([51]) بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته, أو لأعفرنَّ وجهه في التراب. قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجِئَهم([52]) منه إلا وهو ينكص على عقبيه([53]) ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا»([54]).
وفي حديث ابن عباس قال: كان النبي يصلي فجاء أبو جهل: فقال: (ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فزبره([55]) فقال: أبو جهل: إنك لتعلم ما بها نادٍ أكثرُ مني، فأنزل الله تعالى ( فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ`سَنَدْعُو الزَّبَانِيَةَ )[العلق: 17،18] قال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله»([56]).
2- وعن ابن مسعود t: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، وجمع من قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جَزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسَلاها، فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا، فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى فاطمة عليها السلام -وهي جويرية- فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم, فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش» ثم سمّى: «اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد» قال ابن مسعود: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب([57]) -قليب بدر-، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأتبع أصحاب القليب لعنة»([58]).
وقد بينت الروايات الصحيحة الأخرى أن الذي رمى الفرث عليه هو عقبة بن أبي معيط، وأن الذي حرضه هو أبو جهل([59])، وأن المشركين تأثروا لدعوة الرسول، وشق عليهم الأمر؛ لأنهم يرون أن الدعوة بمكة مستجابة([60]).
3- اجتماع الملأ من قريش وضربهم الرسول صلى الله عليه وسلم: اجتمع أشراف قريش يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط, سفه أحلامنا وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، فبينما هم في ذلك طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا وثبة رجل واحد, وأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا – لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم- فيقول: «نعم، أنا الذي أقول ذلك», ثم أخذ رجل منهم بمجمع ردائه، فقام أبو بكر t دونه وهو يبكي ويقول: أت***ون رجلا أن يقول: ربي الله([61]).
4- كان أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس عداوة له، وكذلك كانت امرأته أم جميل من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم, وكانت تسعى بالإفساد بينه وبين الناس بالنميمة, وتضع الشوك في طريقه، والقذر على بابه فلا عجب, أن نزل فيهما قول الله تعالى: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ`مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ`سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ`وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ`فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ) [المسد] فحين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق، وفي يدها فهر من حجارة، فلما وقفت عليهما قالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ فقد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه. ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله أما تراها رأتك؟ فقال: «لقد أخذ الله ببصرها عني»، وكانت تنشد:
مذمم أبينا.. ودينه قلينا.. وأمره عصينا..
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرح؛ لأن المشركين يسبون مذممًا يقول: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا وأنا محمد» ([62]).
وقد بلغ من أمر أبي لهب أنه كان يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق والمجامع، ومواسم الحج ويكذبه([63]).
هذا بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذية المشركين، وقد ختم المشركون أذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاولة ***ه في أواخر المرحلة المكية([64]). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما لاقاه من أذى قريش قبل أن ينال الأذى أحدًا من أتباعه يقول: «لقد أخفت في الله عز وجل وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال»([65]).
ومع ما له صلى الله عليه وسلم من عظيم القدر ومنتهى الشرف، إلا أنه قد حظي من البلاء بالحِمْل الثقيل، والعناء الطويل, منذ أول يوم صدع فيه بالدعوة، ولقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم من سفهاء قريش أذى كثيرًا، فكان إذا مر على مجالسهم بمكة استهزءوا به، وقالوا ساخرين: هذا ابن أبي كبشة([66]) يُكلم من السماء، وكان أحدهم يمر على الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له ساخرًا: أما كُلمت اليوم من السماء؟ ([67]).
ولم يقتصر الأمر على مجرد السخرية والاستهزاء والإيذاء النفسي، بل تعداه إلى الإيذاء البدني، بل قد وصل الأمر إلى أن يبصق عدو الله أمية بن خلف في وجه النبي صلى الله عليه وسلم([68]), وحتى بعد هجرته عليه السلام إلى المدينة لم تتوقف حدة الابتلاء والأذى، بل أخذت خطًّا جديدا بظهور أعداء جدد، فبعد أن كانت العداوة تكاد تكون مقصورة على قريش بمكة، صار له صلى الله عليه وسلم أعداء من المنافقين المجاورين بالمدينة، ومن اليهود والفرس والروم، وأحلافهم، وبعد أن كان الأذى بمكة شتمًا وسخرية، وحصارًا، وضربًا، صار مواجهة عسكرية مسلحة، حامية الوطيس، فيها كر وفر وضرب وطعن، فكان ذلك بلاء في الأموال والأنفس على السواء([69]), وهكذا كانت فترة رسالته صلى الله عليه وسلم وحياته سلسلة متصلة من المحن والابتلاء، فما وهن لما أصابه في سبيل الله، بل صبر واحتسب حتى لقي ربه([70]).
لقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم من الفتن والأذى والمحن ما لا يخطر على بال، في مواقف متعددة، وكان ذلك على قدر الرسالة التي حملها، ولذلك استحق المقام المحمود, والمنزلة الرفيعة عند ربه، وقد صبر على ما أصابه، إشفاقًا على قومه أن يصيبهم مثل ما أصاب الأمم الماضية من العذاب، وليكون قدوة للدعاة والمصلحين([71])، فإذا كان الاعتداء الأثيم، قد نال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعد هناك أحد, لكرامته, هو أكبر من الابتلاء والمحنة، وتلك سنة الله في الدعوات. فعن أبي سعيد الخدري t قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة»([72]).
رابعًا: ما تعرض له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى وال*****:
1- ما لاقاه أبو بكر الصديق t:
تحمل الصحابة رضوان الله عليهم من البلاء العظيم ما تنوء به الرواسي الشامخات وبذلوا أموالهم ودماءهم في سبيل الله، وبلغ بهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ، ولم يسلم أشراف المسلمين من هذا الابتلاء، فلقد أوذي أبو بكر t، وحُثي على رأسه التراب، وضرب في المسجد الحرام بالنعال، حتى ما يعرف وجهه من أنفه, وحُمل إلى بيته في ثوبه، وهو ما بين الحياة والموت([73]). فقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها, أنه لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر t على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور، فقال: «يا أبا بكر إنا قليل» فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوهم في نواحي المسجد ضربًا شديدًا، ووُطئ أبو بكر وضرب ضربًا شديدًا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويُحرِّفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر t، حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاءت بنو تيم يتعادون, فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولا يشكون في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لن***ن عتبة بن ربيعة, فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة (والده) وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار، فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئًا أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: والله ما لي علم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله. فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح، وقالت: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، إنني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح. قل: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجْل وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورقَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها, وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها, عسى الله أن يستنقذها بك من النار، قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودعاها إلى الله فأسلمت([74]).
دروس وعبر وفوائد:
أ- حرص أبي بكر t على إعلان الإسلام، وإظهاره أمام الكفار, وهذا يدل على قوة إيمانه وشجاعته، وقد تحمل الأذى العظيم حتى إن قومه كانوا لا يشكون في موته.
ب- مدى الحب الذي كان يكنه أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث إنه- وهو في تلك الحال الحرجة- يسأل عنه ويلح إلحاحًا عجيبًا في السؤال، ثم يحلف ألا يأكل ولا يشرب حتى يراه، كيف يتم ذلك وهو لا يستطيع النهوض بل المشي؟ ولكنه الحب في الله، والعزائم التي تقهر الصعاب، وكل مصاب في سبيل الله ومن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم هين ويسير.
ج- إن العصبية القبلية كان لها في ذلك الحين دور في توجيه الأحداث والتعامل مع الأفراد حتى مع اختلاف العقيدة، فهذه قبيلة أبي بكر تهدد ب*** عتبة إن مات أبو بكر([75]).
د- الحس الأمني لأم جميل -رضي الله عنها- فقد برز في عدة تصرفات لعل من أهمها:
* إخفاء الشخصية والمعلومة عن طريق الإنكار:
عندما سألت أم الخير أم جميل، عن مكان الرسول صلى الله عليه وسلم أنكرت أنها تعرف أبا بكر ومحمد بن عبد الله، فهذا تصرف حذر سليم، إذ لم تكن أم الخير ساعتئذ مسلمة، وأم جميل كانت تخفي إسلامها، ولا تود أن تعلم به أم الخير، وفي ذات الوقت أخفت عنها مكان الرسول صلى الله عليه وسلم مخافة أن تكون عينًا لقريش([76]).
* استغلال الموقف لإيصال المعلومة:
فأم جميل أرادت أن تقوم بإيصال المعلومة بنفسها لأبي بكر t, وفي ذات الوقت لم تظهر ذلك لأم الخير إمعانًا في السرية والكتمان، فاستغلت الموقف لصالحها قائلة: «إن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت», وقد عرضت عليها هذا الطلب بطريقة تنم عن الذكاء, وحسن التصرف، فقولها: «إن كنت تحبين» وهي أمه وقولها: «إلى ابنك» ولم تقل لها: إلى أبي بكر، كل ذلك يحرك في أم الخير عاطفة الأمومة، فغالبًا ما ترضخ لهذا الطلب، وهذا ما تم بالفعل، حيث أجابتها بقولها: «نعم» وبالتالي نجحت أم جميل في إيصال المعلومة بنفسها.
*استغلال الموقف في كسب عطف أم أبي بكر:
يبدو أن أم جميل حاولت أن تكسب عطف أم الخير، فاستغلت وضع أبي بكر t الذي يظهر فيه صريعًا دنفًا، فأعلنت بالصياح، وسبَّت من قام بهذا الفعل بقولها: «إن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر» فلا شك أن هذا الموقف من أم جميل يشفي بعض غليل أم الخير، من الذين فعلوا ذلك بابنها، فقد تكن شيئًا من الحب لأم جميل, وبهذا تكون أم جميل كسبت عطف أم الخير وثقتها, الأمر الذي يسهل مهمة أم جميل في إيصال المعلومة إلى أبي بكر t([77]).
*الاحتياط والتأني قبل النطق بالمعلومة:
لقد كانت أم جميل في غاية الحيطة والحذر, من أن تتسرب هذه المعلومة الخطيرة عن مكان قائد الدعوة، فهي لم تطمئن بعد إلى أم الخير؛ لأنها ما زالت مشركة آنذاك، وبالتالي لم تأمن جانبها، لذا ترددت عندما سألها أبو بكر t, عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: «هذه أمك تسمع؟» فقال لها: لا شيء عليك منها، فأخبرته ساعتها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم سالم صالح([78]), وزيادة في الحيطة والحذر والتكتم لم تخبره بمكانه, إلا بعد أن سألها عنه قائلا: أين هو؟ فأجابته في دار الأرقم.
*تخير الوقت المناسب لتنفيذ المهمة:
حين طلب أبو بكر t الذهاب إلى دار الأرقم، لم تستجب له أم جميل على الفور، بل تأخرت عن الاستجابة، حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس، خرجت به ومعها أمه يتكئ عليهما، فهذا هو أنسب وقت للتحرك وتنفيذ هذه المهمة حيث تنعدم الرقابة من قبل أعداء الدعوة، مما يقلل من فرص كشفها، وقد نفذت المهمة بالفعل دون أن يشعر بها الأعداء, حتى دخلت أم جميل وأم الخير بصحبة أبي بكر إلى دار الأرقم، وهذا يؤكد أن الوقت المختار كان أنسب الأوقات([79]).
د- قانون المنحة بعد المحنة، حيث أسلمت أم الخير أم أبي بكر, بسبب رغبة الصديق في إدخال أمه إلى حظيرة الإسلام، وطلبه من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء لها، لما رأى من برها به، وقد كان t حريصًا على هداية الناس الآخرين فكيف بأقرب الناس إليه([80]).
هـ- إن من أكثر الصحابة الذين تعرضوا لمحنة الأذى والفتنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, أبا بكر الصديق t نظرا لصحبته الخاصة له، والتصاقه به في المواطن التي كان يتعرض فيها للأذى من قومه، فينبري الصديق مدافعًا عنه وفاديًا إياه بنفسه، فيصيبه من أذى القوم وسفههم, هذا مع أن الصديق يعتبر من كبار رجال قريش المعروفين بالعقل والإحسان([81]).
__________________
رد مع اقتباس