(11)
لأول مره فى حياته يشعر عمر بكل هذا الخزى والخجل وذلك عندما استدعاه قائد المعسكر الى مكتبه وهناك وجد مالك الذى ما ان رآه حتى أدار وجهه بغضب واشمئزاز
وقف الإثنان أمام قائد المعسكر الذى وجه حديثه الغاضب اليهما معا وقال : ما الذى دفعكما لمغادرة المعسكر ليلا دون اذن ؟
أجاب مالك بسرعه : أردنا جمع الحطب لنشعل النار لنتدفأ بها فالجو كان شديد البروده
القائد بصرامه : وكيف وصلتما الى الحدود الداغستانيه؟
مالك : لقد ضللنا الطريق وافترقنا عن بعضنا بسبب الظلام وقضيت وقتا طويلا فى البحث عن عمر فلم يكن باستطاعتى العوده للمعسكر بدونه وأنا أعلم جيدا أنه يجهل دروب وجبال هذه البلاد وعندما طلعت الشمس رأيتهم من فوق الجبل وهم يأسرونه ويأخذونه فى سيارتهم الى المعسكر.. فعدت وابلغت القياده فى الحال
اقترب القائد من عمر وقال بغضب : وأنت .. أتعلم كم تكبدنا من مشقه ورجال وذخيره لننقذك من أيديهم ؟ لقد أرسلنا كتيبه كامله بمدافعها فى محاوله لاقتحام المعسكرلإنقاذك
ابتلع عمر ريقه بمزيج من الخجل والندم وقال بأسف : آ.آسف سيدى .. مش هاكررها تانى
القائد : لا تعتذر. . فابن خالد ديساروف يستحق أكثر من هذا
نظر اليه عمر بدهشه وصمت فابتسم القائد وقال : لا عجب انك ابنه فقد عدت الينا بسياره مملوءه عن آخرها بالأسلحه والذخيره .. أغلب من فى المعسكر الآن يعتبرك بطل
نظر اليه عمر بذهول شديد .. لقد عرف الآن فقط ماذا كان يحمل فى السياره التى كان يقودها. وحمد الله كثيرا وهو يتذكر عدد المرات التى نجا فيها هو والسياره من الإنفجار .
نظر الى مالك الذى خلا وجهه تماما من ابتسامته المميزه المحببه للنفس
لم يشعر عمر فى حياته بالخجل أمام أى انسان بقدر ما شعر به فى هذه اللحظه أمام مالك
قطع أفكاره صوت القائد وهو يقول : ان ما يحيرنى حقا هو كيف أفلت بسيارتك من الكمين الذى أعددناه للسيارات الأربع التى خرجت من المعسكر؟
أتعلم أنك تذكرنى بوالدك رحمه الله ؟
يوما ما سأحكى لك عنه وعن بطولاته
تجاهل القائد الحيره والدهشه فى عينى عمر وقال : ولكن كل هذا لن يعفيك من العقاب على مخالفتك للأوامر وخروجك من المعسكر ليلا بدون تصريح .
التفت الى مالك وقال : وانت ايضا ستعاقب معه .. والآن انصرفا
استدار عمر مغادرا مكتب القائد هو ومالك عندما استوقفه القائد قائلا : عمر .. أظن أنك مدين لمالك بالشكر .. فلولاه ما عرفنا طريقك
هز عمر رأسه بخجل ونظر الى مالك الذى انصرف مغادرا فى صمت دون أن ينظر اليه
قضى عمر فترة التأديب محاولا بكل وسيله استرضاء مالك ومصالحته .. لكن مالك كان غاضبا بشده وكان يعبر عن غضبه بالصمت لدرجة أنه كف حتى عن الغناء وكاد عمر أن يفقد عقله أمام اصرار مالك على الصمت
وانتهت فترة التأديب وعاد الإثنان الى الخيمه لينالا قسطا من الراحه وعاد عمر الى استجداءه والتوسل اليه أن يسامحه
حتى كلمه مالك أخيرا وسأله بغضب : هل وجدت ما كنت تبحث عنه؟ لماذا لم تبقى فى أحضانهم ربما أعادوك الى مصر؟
عمر بأسف : مقدرتش أصدقهم, ولا أآمن لهم
مالك بسخريه شديده : حقا؟ وكيف اكتشفت ذلك الإكتشاف الخطير؟
عمر : أنا ماباآمنش للى بيلعبوا قمار
مالك بسخريه لاذعه : انظر من يقول هذا ؟ كيف لا تثق بهم وانت تلعب الورق؟
أكمل بضيق شديد : لا أدرى كيف يقول القائد أنك تذكره بوالدك رحمه الله !
عمر بندم شديد : أيوه ما بآمنش للى بيلعبوا قمار ..لأنهم زيى, مايتآمنلهمش
صمت مالك ولم يدرى ماذا يقول الا أن حدة غضبه بدأت تهدأ عندما استشعر صدق عمر وندمه فهز رأسه بأسف
وأكمل عمر : أنا هربت منهم مع انهم كانوا بيعاملونى كويس وأكلونى و....
قاطعه مالك بحده : وأطلقوا عليك فتياتهم الجميلات ليستخرجوا منك ما يريدون .... سمعت هذه القصه من كل من وقع فى الأسر .. هذا فى اليوم الأول فقط وبعدها....
صمت قليلا ثم قال بسخريه : لماذا لم تبقى معهم لتكتشف بنفسك؟
تنهد بأسف وقال : لقد كنت أعتبرك صديقى
أطرق عمر بأسف شديد وقال بخجل : كان لازم تعرف من الأول انى مينفعش أبقى صاحبك أنا .. أنا مدمن قمار
نظر اليه مالك بصمت واختفى الغضب من وجهه ثم قال بتعاطف : لا شك أنك عشت حياة صعبه
عمر بسخريه مريره : صعبه؟ بأنهى لغه؟ بلغة البلد اللى جيت منها . ولا بلغة البلد دى؟ بيتهيألى الفرق كبير قوى
صمت مالك قليلا ثم نظر اليه وقد عادت ابتسامته الجميله تضئ وجهه البشوش وقال له بحب : ولكنى مازلت أعتبرك صديقى . يمكننا أن نصبح أصدقاء مثل أبوك وأبى . لقد كانت صداقتهما عجيبه حقا
استدار اليه بكل جسده و قال بحماس كبير : أتعلم .. كنت أحلم دوما أن يكون لى صديق أحبه أكثر من أى شئ وتبقى صداقتنا حيه مدى الحياه وحتى ما بعد الموت ألم تسمع حديث النبى صلى الله عليه وسلم أن الأخلاء المتحابين فى الله من الذين يظلهم الله بظله ؟
اسمع .. لقد قررت أن أجعلك شريكا لى فى شركة الهندسه التى أحلم بها وسنبقى أصدقاء دائما مثل والدينا ..لقد تعاهدا على الوفاء والإخلاص وأقسما أن يسمى كل منهما أول مولود ذكر له باسم صديقه ويتـ .........
صمت مالك فجأه . أسكتته النظره التى رآها فى عينى عمر وتغير لون وجهه
ضاقت عينا عمر وقال بصوت ظهر فيه بوضوح أثر الصدمه : بس أنا ما اسميش محمد
ابتلع مالك ريقه بصعوبه ولم يستطع الرد
أفاق عمر فجأه على حقيقه تاهت عن باله طويلا أو ربما تعمد نسيانها , لقد كانت له عائله. أب وأم واخوه وربما أخوات
أطرق برأسه طويلا يفكر فى صمت . ثم سأل مالك بصوت حزين : كان عندى اخوات قد ايه؟
أدرك مالك ما فعلته كلماته بعمر كما أدرك تماما أنه لن يستطيع أن يعيد الأمور الى ما كانت عليه فقال مباشرة وصوته يقطر بالأسف : ثلاثه
ضحك عمر ضحكه ساخره قصيره تمتلئ ألما ومراره وهو يقول : ورابعهم كلبهم....
همه فين دلوقتى؟
مالك بأسى : دفنهم أبى فى مقابر أسرتنا
اتسعت عينا عمر وفغر فاه وقال بذهول: أبوك !! أبوك دفن صاحبه وأخته وأولادهم؟
نهض عمر ببطء وهو لا يكاد يصدق وخرج من الخيمه , وحاول مالك أن يتبعه لكنه أوقفه بصوت يمتلئ بالدموع ودون أن يلتفت: عاوز أمشى لوحدى
سار عمر لمده طويله وهو لا يكاد يتبين طريقه من كثرة الدموع التى ملأت عينيه وتحولت الى أنهار تجرى على خديه تؤججها النيران التى اشتعلت فى قلبه
لقد صدق أخيرا أنه كانت لديه أسره كامله أب وأم وإخوه وربما أخت جميله كزهره . لو لم ي***وا ربما كان قد اختلف كل شئ
وربما أصبح مثل مالك وزهره يتنعم فى ظل أسره جميله تحبه وترعاه وتعلمه .وتحميه من طيشه وجنونه
لم يدرى عمر كم من الوقت قضاه يبكى وحيدا فى البرد بقلب يملؤه الحزن والندم والألم ولم يخرجه مما هو فيه الا يد مالك التى أطرقت على كتفه بحب وصوته المملوء بالحنان وهو يقول : عمر .. هون عليك يا صديقى فقد انقضت أعوام طويله ..لقد أتى الليل وازداد الجو بروده هيا بنا يا صديقى لنعود الى الخيمه
استلقى عمر على فراشه ووضع كفيه المتشابكتين أسفل رأسه. لكنه لم يستطع النوم . بل ظل يفكر فى أهله ثم التفت الى مالك المستلقى على الفراش المجاور له وسأله : مالك . شكلها ايه؟
مالك بتساؤل : من؟
عمر بشرود : أمى
التفت اليه مالك وقال : ألم يريك أبى صورتها؟
عمر بخجل : ماسألتهوش
مالك : عندما نعود الى البيت سأريك صورتها . أتعلم ان زهره تشبهها كثيرا
التفت اليه عمر بدهشه واهتمام : زهره!!!..
عاد يحدق فى سقف الخيمه وهو يقول بشرود : قد كده كانت أمى جميله ؟هى ما......
قطع حديثه عندما شق هدوء الليل صوت يشبه موتور سياره نقل فى الصيانه نهض من فراشه وأخذ يتبين هذا الصوت لقد كان صوت شخير قوى يصم الآذان
نهض مالك من فراشه بضيق واقترب من عمر الذى وقف بدوره ينظر باتجاه مصدر الشخير ثم نظر الإثنان الى بعضهما البعض فى صمت
.................................................. ....................
يتبع...........................