
11-08-2014, 05:46 AM
|
 |
طالبة بالأزهر الشريف
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 6,603
معدل تقييم المستوى: 25
|
|
(7)
أخيرا..........
عاد محمد الى أسرته وبيته بعد عدة أشهر قضاها فى معسكرات المجاهدين ...
نظر محمد الى مالك وزهرة وعمر وكأنما يراهم لأول مرة ..
لم يكن يصدق حقا أنهم نجوا من تلك المذبـحـة الرهيبة فى العاصمة
لقد أطلقت القوات الروسية صواريخ بعيدة المدى وقصفت الطائرات بقذائفها على المدنيين فى الشوارع والأسواق
وكانت الصواريخ تستهدف البيوت والمناطق المحيطة بالمستشفيات ..
وقَتـل من جراء هذا القصف مائة من المدنيين, وجرح مائتان بعضهم مات لخطورة الإصابه وقلة الدواء..ودمرت عشرات البيوت وعدة سيارات
(( المذبـحـة تتكرر كثيرا))
ولقد اتجه محمد الى معسكرات المجاهدين فور علمه بالقصف وحتى قبل أن يطمئن على أولاده, ليدبر معهم طريقة للرد على تلك الضربة الروسيه الوحشية الغادرة التى انتهكت الإتفاقية والوعود الروسية بعدم الإعتداء
طوال مدة غياب محمد لم يكن عمر يعمل شئ سوى التفكير ....
التفكير فى كل ما يدورحوله
عجبا ...لقد ضبط نفسه يفكر..
لأول مره يفكر بهذه الطريقة وهذا العمق, لم تكن حياته السابقه تعتمد على التفكير, بل لم يكن لعقله أى دخل فى مسار حياته منذ ولادته, وكان يتعامل مع عقله وكأنه غير موجود, أو أنه عضو غير قابل للعمل, ويترك لجوارحه العمل دون أدنى تدخل من عقله
كانت شخصية محمد الغريبة تثير فضوله بشده وتدفعه دفعا للتفكير فيها حتى وهو بعيد.....
وبرغم حنقه الشديد عليه وغضبه منه
الا أنه كان ينظر اليه على أنه رجل عجيب أتى من زمن آخر ..
أو من عالم آخر...رجل يضحى بأى شئ وكل شئ بلا مقابل
والأم الصابرة التى لا تشكو أبدا برغم ثقل المسؤلية وضيق الحال على الجميع, وبرغم ترك زوجها لها لفترات طويلة..
لكنها تقف صامدة , تحمل البيت بلا كلل
تربى أبناءها وابناء زوجها بكل حب واخلاص ودون تفرقه
أما مالك..فهو يصيبه دوما بالجنون...
هو الوجه الآخر لشخصية والده, فهو عكسه تماما ..متفائل لأبعد الحدود ..ضحوك دائما, ينثر المرح فى كل مكان حوله ولايكف عن الغناء فى أى وقت ..
ويردد أغنية واحدة لا تفارقه أبدا ولا يغنى غيرها
وزهرة الرقيقة الهادئة...عجيبه أخرى من العجائب...
تحمل عقلا أكبر بكثير من سنوات عمرها, ولديها قدرة عجيبة للتأثير فى الآخرين واقناعهم
استطاعت اقناع عمر بتعلم اللغة الشيشانية وفى خلال عدة أشهر استطاع عمر اتقانها بشكل لا بأس به
وكذلك بعض كلمات من اللغة الروسية والتى كانت تتقنها زهرة بمهارة
وعندما انتهت الدراسة وبدأت العطله ..كان عمر يقضى معظم وقته بصحبة مالك وأصبح لدى زهرة المزيد من الوقت لتعلم عمر الكثير عن الشيشان وتاريخها
كان عمر يجلس شاردا عندما سألته زهرة : فيم تفكر؟؟
عمر: أبوكى ده غريب قوى..
زهرة : لماذا؟
عمر : والله مانا عارف..دا محارب ولا تاجر ولا امام جامع ولامدرس عربى؟
ابتسمت زهرة وقالت : انه كل هؤلاء..فهو فى الحرب مجاهد .. وعند الصلاة امام, وهو تاجر يكسب قوته من عمله بالتجارة, وهو معلم اللغة العربية لمن لا يعرفها
عمر : وازاى يمشى كده من غير مايقول هو رايح فين!
من غير حتى ما يطمن عليكوا
مالك ببساطته المعهوده وابتسامته البشوشه :
لقد اعتدنا ذلك .. فى المرة السابقه غادر دون أن يخبر أحدا .. وغاب عنا عام كامل... انه لا يتأخر أبدا عن الجهاد ..
أبى شجاع للغاية.. تربى فى أحضان الذئاب
عمر بدهشه : نعم ؟؟ يعنى ايه؟؟
يضحك مالك : انه تعبير دارج لدينا نقوله اذا ما أردنا أن نصف أحد ما بالشجاعة
أكمل بفخر : الشيشانيون مقاتلون أشداء أقوياء شجعان, ناهيك عن نبل أخلاقهم
عمر بيأس : وايه الفايده من دا كله ؟؟ هاتقدروا تغلبوا الروس؟؟ دول أقوى منكوا بكتير..مافيش حل للحرب دى الا انكوا تستسلموا
أطرقت زهرة تفكر بعمق ثم قالت : أفهم تماما ما تعنى...
نهضت من مكانها وأحضرت كتابا من المكتبة وقلبت فيه قليلا ثم فتحته على صفحة معينة وأدارته باتجاه عمر وقالت : أترى هذه الصورة ؟ انه علمنا ..انظر اليه جيدا
تأمل عمر الصورة باهتمام وهو يستمع الى زهرة وهى تقول : اللون الأخضر يرمز إلي الإسلام .
عمر بتساؤل : السلام؟
زهره تهز رأسها بالنفى وتقول مصححة : الإسلام
واللون الأبيض يرمز الى الشهادة واللون الأحمر يرمز الى كفاح الآباء والأجداد فى سبيل الحرية
وفى الوسط صورة الذئب ينظر الى القمر
أتعلم لم اخترنا الذئب رمزا لنا؟؟
هز عمر رأسه بالنفى ..فأكملت :
الذئب ليس أقوى الحيوانات, لكنه من وجهة نظرنا الأنبل..فهو لا يقاتل الا الأقوياء, وليس كالأسد والنمر الذى يفترس الضعفاء
لذلك, اذا ما أردنا وصف أحدهم بالشجاعة ..نطلق عليه ذئبا
بدا على وجهه عدم الإقتناع فقالت : مازلت لا تصدق ؟؟
هل تذكر ما قلته لك عن معسكرات الإبعاد الجماعى والسجون فى وسط آسيا؟؟
برغم قسوة الظروف وقتها وذل الأسر والنفى ..الا أن شيشانيا واحدا لم يستسلم ولم يخضع للحكم الروسى ..بل انهم كانوا يظهرون دائما عداءهم للروس بمنتهى الشجاعة..ليس هذا كلامى....بل كلام الكاتب الروسى سول***تين الذى عاصر ما فعله ستالين بالشيشان في معسكرات الإبعاد الجماعي والسجون في وسط أسيا.
لقد قال حرفيا (لك أن تكسر ظهورهم، لكن أحدا لا يستطيع أن ينال من روحهم المعنوية، فقد ظلت نفوسهم نمرا مقيدا بالسلاسل،لأنهم كانوا من الشيشان الذين لا يرهبون الموت)
تنهدت بعمق وأكملت بصوت هادئ لكنه يشتعل بالحماس والفخر : اننا قد نهزم ...لكننا لا نستسلم أبدا...فالحرية لدينا أغلى من الحياة
وخير شهادة, هى مايشهد بها الأعداء
صمت مالك وعمر تماما ليستمعا الى حديث زهرة الممتع
زهرة : قرأت مرة عن مخطوط روسى شهير عمره أكثر من مائة وثمانين عاما وهو عبارة عن رسالة بعث بها الجنرال روس أرمولوف الى قيصر الكريملين ألكسندر الأول عام 1818 يبرر فيها سبب الخسائر الكبيرة للقوات الروسية ضد الشيشانيين .. ويتعهد بأنه سوف يبيدهم عن آخرهم ........
يقول فيها :
(( وأؤكد لكم يا فخامة القيصر العظيم أنه لن يرتاح لى بال طالما بقى شيشانى واحد على قيد الحياة..لأن هذا الشعب المشئوم بإمكانه تحريك روح الثورة واشعال شرارة الحرية حتى بين أكثر الناس تفانيا واخلاصا للإمبراطورية الروسيه وربما داخل الكريملين ذاته))
تنهدت وهى تقول بعزة : عمر ....نحن نؤمن تماما أننا سننتصر.. حتى لو لم نرى النصر بأعيننا فسيراه من بعدنا...
لكننا فى النهايه سننتصر
ظل عمر يحدق بها فترة كالتمثال, وكأن كلماتها الواثقة..قد اخترقته اختراقا
فى تلك اللحظه ...دخل عليهم خالد الصغير وقال : مالك ...عمر. أبى يريدكما
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
يتبع..........
|